الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما المتكلِّمُ: فكونُه أراد ذلك المعنى الذي عيَّنَه الصارفُ، وأما الواضعُ فكونُه وضعَ اللفظَ المذكورَ دالًّا على هذا المعنى، فإن لم تكنْ دعواهُ مطابِقَةً كان كاذِبًا على المتكلِّمِ والواضِعِ.
بخلافِ مُدَّعي الحقيقة، فإنه إذا تضمَّنَتْ دعواهُ إرادةَ المتكلِّمِ للحقيقة وإرادة الواضِع كان صادقًا، أما صدقُهُ على الواضِع فظاهر، وأما صدقُهُ على المتكلِّمِ
(1)
معرفةُ مُرَادِ المتكلِّمِ إِنما يحصلُ بإعادَتِهِ من كلامِه، وأنه إنما يخاطِبُ غيرَه للتفهيمِ والبيانِ، فمتى عُرِفَ ذلك من عَادتِهِ وخاطبنا لما هو المفهومُ من ذلك الخطابِ عَلِمْنا أنه مُرَادُهُ منه، وهذا بحمدِ الله بَيِّنٌ لا خَفَاءَ فيه.
فائدة
دلالةُ اللفظِ على مُدَّعَى المستدلِّ شيءٌ، ودلالَتُهُ على بطلانِ قول منازِعِهِ شيءٌ آخَرُ، وهما متلازمانِ، إن كان القولانِ متقابِلَيْنِ
(2)
تقابُلَ التَّنَاقُضِ، فللمستدلِّ حينئذٍ تصحيحُ قولِهِ بأيِّ الطريقينِ شاء، وإن تقابلا تقابُلَ التَّضادِّ لم يلزمْ من إقامتِهِ الدليلَ على بُطلانِ مذهبِ منازعِهِ صِحَّةُ مذهبِه هو بجواز بطلانِ المذهبينِ، وكون الحقِّ في ثالثٍ، وإن أقام دلَيلًا على صحةِ قولِهِ لزمَ منه بطلانُ قول منازعِهِ لاستحالةِ جمعِ الضِّدَّيْنِ.
فائدة
الاستدلالُ شيءٌ والدلالةُ شيءٌ آخَرُ
(3)
، فلا يلزمُ من الغَلَطِ في
(1)
بعده في الأصل بياض بمقدار كلمة.
(2)
(ظ): "متقابلان" والمثبت الصواب.
(3)
"والدلالة شيء آخر" سقطت من (ظ)، والإكمال من "المنيرية".
أحدِهما الغلطُ في الآخَرِ، فقد يغلطُ في الاستدلال والدلالةُ صحيحةٌ، كما يستدلُّ بنصٍّ منسوخٍ أو مخصوصٍ على حكمٍ، فهو دالٌّ (ظ/ 271 أ) عليه تناولًا، والغَلَطُ في الاستدلال لا في الدلالةِ.
وعكْسُه: كما إذا استدللنا بالحَيْضة الظاهرة على براءة الرَّحِم، فحكمنا بحِلِّها للزوجِ، ثم بانَتْ حاملًا، فالغَلَطُ هنا وقعَ في الدلالةِ نفسِها لا في الاستدلالِ، فَتَأَمَّلْ هذه الفروقَ.
فائدة
تسليمُ موجبِ الدليل لا يستلزمُ تسليمَ المُدَّعى إلَّا بشرطين:
أحدهما: أن يكونَ موجِبَهُ هو المدَّعى بعينِهِ أو ملزومُ المُدَّعى.
الثاني: أن لا يقوم دليلٌ راجحٌ أو مساوٍ على نقيص المدَّعى، ومع وجود هذا المعارِض، لا يكون تسليمُ موجب الدليلِ الذي قد عُوْرضَ تسليمًا للمُدَّعى؛ إذْ غايتُه أن يعترفَ له منازعُهُ بدلالة دليلِهِ على المدَّعى، وليس في ذلك تعرَّضٌ للجوابِ عن المعارضِ، ولا يتمُّ مُدَّعاه إلَّا بأمرينِ جميعًا.
فائدة
ما يذكرُهُ المجتهدُ العالمُ باللغة من موضوعِ اللفظ لغةً شيء، وما يعيَّنُ له محملًا خاصًّا في بعضِ مواردِهِ من جملةِ محامِلِهِ شيءٌ.
فالأوَّلُ: حكمُ قوله في حكمُ قولِ أئمةِ اللَّغة فَيُقْبَل بشرطِه.
والثاني: حكم قوله في حكم ما يُفنى به، فيُطْلَبُ له الدليلُ، مثالُه قوله: الباء في: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] للتبعيض، فهذا حَمْل منه للباء على التبعيض في هذا المَوْرِد، وليس هو كقوله:
ابنُ السَّبِيلِ هو المسافرُ الذي انقطعَ عن أهلِهِ ووطنِهِ، ونظائرُ ذلك، فهذا نَقْلُ محضِ اللغةِ، والأولُ استنباطٌ وحملٌ، ومَن لم يفرِّقْ بين الأمرين غَلِطَ في نَظَرِهِ، وغالطَ في مناظَرَتِهِ، والله أعلم
(1)
.
فرغت الفوائد بحمد الله.
* * *
(1)
كتب في ختام نسخة (ظ): "والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، اللهم اغفر لمن دعا بالمغفرة آمين".
ثم ذكر في آخرها بالخط نفسه (المنتخب الآتي)، وفيه ما يثبت أنه للمؤلف، بخلاف المنتخب الذي بعده، وانظر المقدمة.