الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المرتهن لَزِمَهُ".
قال ابنُ عقيل: وهذه الرواية بظاهرها تُعطي أن الرهنَ مضمونٌ، إلَاّ أن شيخنا
(1)
-على عادتِهِ- حَمَل ذلك على التِّعدَّي؛ لأجل نصُوص أحمد على أن الرَّهْنَ أمانة، وعادتُهُ تأويلُ الرِّواية الشَّاذَةِ لأجل الرِّوايات الظَّاهرةِ، وهذا عندي لا يجوز إلا بدلالة، فأما صَرْفُ الكلامِ عن ظاهرِهِ بغير دلالةِ تدل فلا يجور، كما، يجور في كلام صاحبِ الشَرْعِ. انتهى كلامُهُ.
فصل
إذا قدر الرجل على التّزَوُّجِ أو التَّسَرِّي حَرُمَ عليه الاستمناءُ بيده، قاله ابنُ عَقِيل، قال: وأصحابُنا وشيخُنا لم يذكروا سوى الكراهة، لم يطلقوا التحريم.
قال: وإن لم يقدر على زوجة ولا سرية ولا شهوةَ له تحملُه على الزِّنا، حَرُمَ عليه الاستمناءُ لأنه استمتاعٌ بنفسِهِ، والآيةُ تمنعُ منه.
وإن كان متردِّدَ الحال بين الفتورِ والشهوة ولا زوجةَ له ولا أَمَةً، ولا ما يتزوَّجُ به، كُره ولم يَحْرمْ.
وإن كان مغلوبًا على شهوتهِ يخافُ العَنَت كالأسيرِ والمسافرِ والفقيرِ جازِ له ذلك، نصَّ عَليه أحمدُ، وروى أن الصَّحَابَةَ كانوا يفعلونه في غزَواتِهم وأسفارِهم
(2)
.
وإن كانت امرأةٌ لا زوجَ لها واشتدَّت غُلْمتُها، فقال بعض أصحابنا:
(1)
يعني: القاضي أبا يعلى ابن الفرَّاء.
(2)
انظر: "مجموع الفتاوى": (34/ 229 - 231)، و"الإنصاف":(10/ 252 - 253).
يجور لها اتخاذ الاكرنبج
(1)
، وهو شيءٌ يُعْملُ من جلود على صُورة الذّكَرِ، فتستدخِلُهُ المرأةُ أو ما أشبهَ ذلك من قِثّاءٍ وقَرع صغار، والصحيح عندي: أنه لا يُبَاحُ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أرشد صاحبَ الشَّهْوَةِ إذا عَجَزَ عن الزواجِ
(2)
إلى الصَّوم
(3)
، ولو كان هناك معنى غيرُه لذكَرَه.
وإذا اشتهى وصَوَّر في نفسه شخصًا أو دعى باسمه؛ فإن كان زوجة أو أَمَةً له فلا بأسَ إذا كان غائبًا عنها، لأن الفعلَ جائزٌ، ولا يصنعُ من تَوَهُّمهِ وتخيُّلِهِ، وإن كان غلامًا أو أجنبيةً كُرِهَ له ذلك؛ لأنه إغراءٌ لنفسِهِ بالحرامِ وحثٌّ لها عليه.
وإن قوَّر بطِّيخَة أو عجينًا أو أَدِيمًا أو نخشًا في صَنَم
(4)
فأولج فيه؛ فعلى ما قَدَّمنا في التَّفصيل.
قلتُ: وهو أسهل من استمنائِهِ بيده، وقد قال أحمدُ فيمن به شهوةُ الجماع -غالبًا لا يملكُ نفسَهُ ويخاف أن تنشَقَّ أُنثياه: أَطْعم، هذا لفظَ ما حكاه عنه في "المغني"
(5)
ثم قال: "أباح له الفطرَ؛ لأنه يَخَافُ على نفسِهِ، فهو كالمريض ومَن يخافُ على نفسِه الهلاكَ لعطش ونحوه، وأوجب الإطعامَ بدلًا من الصيام، وهذا محمولٌ على
(1)
كذا، وصوابه:(الكيرنج) كلمة فارسية مركبة من (كير) بمعنى: القضيب، و (رنك) بمعنى: شكل. انظر رسالة "مفاخرة الجواري والغلمان": (2/ 135 - ضمن رسائل الجاحظ) الحاشية، و"تكملة تاج العروس:(ص / 17).
(2)
(ق وظ): "التزوُّج".
(3)
في حديث: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوّج
…
" الحديث، أخرجه البخاري رقم (19605)، ومسلم رقم (1400) من حديث أبى مسعود رضي الله عنه.
(4)
في (ظ) زيادة: "أو إليه".
(5)
(4/ 396 - 397).
من لا يرجو إمكان القضاءِ، فإن رجا ذلك فلا فديةَ عليه، والواجبُ انتظارُ القضاء وفعله إذا قَدَر عليه، لقول {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا} [البقرة: 184] الآية، وإنما يُصار إلى الفدية عند اليأسِ من القضاءِ، فإن أطعمَ مع يأسِهِ، ثم قَدَر على الصِّيام، احْتَمَل أن لا يلزمَهُ؛ لأن ذمَّتَه قد برِئَتْ بأداءِ الفِدْية التي كانت هي الواجبَ، فلم تَعُدْ إلى الشغل بما برئَتْ منه، واحتمَل أن يلزمَهُ القضاء؛ لأنَّ الإطعامَ بدلُ إياس، وقد تبينَّا ذهابَهُ، فأشبَهَ المعتدَّةَ بالشهورِ لليأس إذا حاضتْ في أثنائها"
(1)
.
وفي "الفصول"
(2)
: روي عن أحمد في رجل خاف أن تنشقَ مثانَتُه من الشَّبق، أو تنشقَّ أنثياه لحبس الماء في زمن رمضان: يَسْتَخرج الماء. ولم يَذْكر بأي شيء يستخرجُه، قال: وعندي أنه يستخرجُه بما لا يفسد صومَ غيره؛ كاستمنائه بيده أو ببدن زوجته أو أمته غير الصائمة، فإن كان له أمَةٌ
(3)
طفلة أو صغيرة استمنى بيدها، وكذلك الكافرة، ويجوز وطْئُها فيما دون الفَرج، فإن أراد الوطء في الفرج مع إمكان إخراج الماء بغيره، فعندي أنه لا يجوزُ؛ لأن الضرورة إذا رُفِعت حَرُم ما وراءها، كالشبع من الميتة
(4)
، بل هاهنا آكد، لأن بابَ الفروج آكدُ في الحَظْر من الأكل
(5)
.
قلت: وظاهر كلام أحمد جواز الوطء
(6)
؛ لأنه أباح له الفطر
(1)
هذا آخر كلام صاحب "المغني".
(2)
لأبى الوفاء بن عقيل الحنبلي (513) في الفقه، عشرة أجزاء، ويسمى أيضًا "كفاية المفتي"، منه نسخ خطية، انظر "المدخل المفصَّل":(2/ 811).
(3)
(ع): "فإن كانت الأمة".
(4)
من قوله "في الفرج
…
" إلى هنا ساقط من (ق).
(5)
انظر: "المغني": (4/ 405).
(6)
انظر: "طبقات الحنابلة": (1/ 274).