الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[خطبة الكتاب]
بسم الله الرّحمن الرّحيم «رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي، يَفْقَهُوا قَوْلِي» أحمدك يا رب العالمين على ما أوليتني من النعم، وأشكرك يا أكرم الأكرمين على ما وفقتني لسلوك طريقك الأقوم، وأسألك يا مجيب السائلين إفاضة برّك وإحسانك، واستجديك إسبال سترك وعظيم امتنانك، وأرجو منك المعونة على ما قدمت عليه من التفسير، واللطف والعناية والتسهيل والتيسير، وأصلي وأسلم على مفتاح غيبك المكنون، وباب فتحك لأهل معرفتك المأمون، وعلى آله الذين آلوا بخير الأعمال، وأصحابه القائمين بما كان عليه من أفعال وأقوال، وأتباعه الذين صانوا دينه وشرعه المتين، فدام الاقتداء بهم وسيدوم إن شاء الله إلى يوم الدين.
أما بعد فإن القرآن العظيم جمع ورتبت سوره وآياته في المصاحف التي بأيدينا طبق مراد الله تعالى بأمر من رسوله الأعظم، ودلالة من الأمين جبريل المكرم، وحينما تشاور الأصحاب رضي الله عنهم على نسخه على الوجه المذكور أراد الإمام علي كرم الله وجهه ترتيب آيه وسوره بحسب النزول، لا لأنه لم ير صحة ما أجمعوا عليه، ولا لأنه حاشاه لم يعلم أن ذلك توقيفي لا محل للاجتهاد فيه، بل أراد أن تعلم العامة تاريخ نزوله ومكانه وزمانه، وكيفية إنزاله، وأسباب تنزيله، ووقائعه وحوادثه، ومقدمه ومؤخره، وعامه وخاصه، ومطلقه ومقيده، وما يسمى بناسخه ومنسوخه، بادىء الرأي، دون تكلف لمراجعة أو سؤال، ولمقاصد أخرى ستظهر
للقارىء بعد إن شاء الله. وكان مصحفه الذي نسخه على ترتيب النزول كما قاله الإمام جلال الدين السيوطي رحمه الله في إتقانه في بحث جمع القرآن ج 1 نقلا عن الامام ابن حجر وتخريج ابن أبي داود، ونقل مثل هذا عن محمد بن سيرين، ولهذا البحث صلة وسط المطلب العاشر الآتي. واعلم أن الخليفة عثمان رضي الله عنه ومن معه من الأصحاب انما لم يأخذ برأيه لأن السور والآيات كانت مرتبة ومجموعة على ما هو في المصاحف الآن، وهو أمر توقيفي لا مجال للرأي فيه، وليعلم أن تفسيره على رأي الإمام علي كرم الله وجهه لا يشك أخذ بأنه كثير الفائدة عام النفع، لأن ترتيب النزول غير التلاوة، ولأن العلماء رحمهم الله لما فسروه على نمط المصاحف اضطروا لأن يشيروا لتلك الأسباب بعبارات مكررة، إذ بين ترتيبه في المصاحف وترتيبه بحسب النزول بعد يرمي للزوم التكرار بما أدى لضخامة تفاسيرهم، ومن هذا نشأ الاختلاف بأسباب النزول والناسخ والمنسوخ والأخذ والرد فيما يتعلق فيهما، وقد علمت بالاستقراء أن أحدا لم يقدم تفسيره بمقتضى ما أشار إليه الإمام عليه السلام، ويكفي القارئ مؤنة تلك الاختلافات وتدوينها، ويعرفه كيفية نزوله ويوقفه على أسباب تنزيله، ويذيقه لذة معانيه وطعم اختصار مبانيه، بصورة سهلة يسرة موجزة خالية عن الرد والبدل، سالمة من الطعن والعلل، مصونة من الخطأ والزلل، فعن لي القيام بذلك، إذ لا مانع شرعي يحول دون ما هنالك، وأراني بهذا متبعا، لا مبتدعا، مؤملّا أن يكون عملي هذا سنة حسنة، فعزمت متوكلّا على الله تعالى الذي لا يخيب من رجاه، مستمدا من روحانية صفيه ومجتباه، على تفسيره على ذلك المنوال، لما رأيت فيه من الفوائد الجليلة التي ستقر بها عين القارئ إن شاء الله، مبينا أول ما نزل إلى الفترة والفترة، وسببها ومدتها وأول ما نزل بعدها، وسبب وتاريخ كل منه، ومكانه، وزمانه، وقصصه، وأخباره، وأمثاله، وأحكامه، والآيات المكررة وسبب التكرار، ونظائرها مما يناسبها باللفظ والمعنى والكلمات التي لم تكرر فيه (عدا ما كان بين صورة (ق) إلى (الحديد) وجزأي تبارك
وعمّ، لأن كثيرا من كلماتها لم تكرر لما هي عليه من السجع العجيب واللفظ الغريب) ، وما هو موافق لشرع من قبلنا منه والمخالف له، والمعمول به منه، والآيات المقيدة للمطلقة والمخصصة للعامة، وأنواع الأوامر والنواهي الواجبة والمندوبة والمخير فيها، ومعنى النسخ وحقيقته وماهيته والمراد منه، وخلاصة القصص المعقولة، والغزوات المرموقة. وتتميما للفائدة، أوردت فيه ما يناسب الآيات من الأحاديث والأخبار والأمثال بما يكفي الواعظ عن كتب كثيرة وجعلته في ثلاثة أجزاء، اثنين لما نزل في مكة المكرمة، وواحد لما نزل في المدينة المنورة، وبدأته بمقدمة تحتوي على اثني عشر مطلبا تشير إلى ما أودعته فيه من المآخذ والأصول والرموز، وختمته بخاتمة ترمي إلى ما كان فيه من الوقائع والحوادث. وحقا إن أهل هذا العصر بحاجة ماسّة إلى تفسير كذا جامع مانع جار على أسلوب حسن بسيط مختصر غزير كاف، يطلعهم على حقائق كتاب الله بصورة قد يستوي فيها الخاص والعام، وهذا غاية ما أقصده من المجيب السميع، ومنه المعونة والتوفيق إلى سواء الطريق، وسميته (بيان المعاني) وأنا الفقير إليه عبد القادر ملا حويش آل غازي العاني.
والله أسأل وبأنبيائه أتوسل أن ينفع به عباده، ويديم به الإفادة، ويوفقني لإكماله على الوجه الذي يرضيه راجيا ممن وقف على زلة أو عثرة أن يصلحها بكرمه، إذ ما منا إلا من ردّ وردّ عليه عدا من عصمه الله (على أنه إذا كان له رأي يخالف ما فيه أن يبينه على الهامش) ، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم ويثيبني عليه رضاءه ورؤيته في دار النعيم، وهو الهادي إلى سواء السبيل، وهو حسبي ونعم الوكيل.
قال الإمام أبو السعادات ابن الأثير رحمه الله في مقدمة نهايته المشهورة:
(كل مبتدىء شيئا لم يسبق إليه، ومبتدع أمرا لم يقدّم فيه عليه فإنه يكون قليلا ثم يكثر، وصغيرا ثم يكبر. وعسى أن يصدق قوله في كتابي هذا. والله الموفق.
وقد شرعت فيه صباح يوم الأربعاء أول شهر رجب الحرام سنة ألف وثلاثمائة وخمس وخمسين من هجرة سيد الأولين والآخرين، (والموافق 17 أيلول سنة 1936) وصلى الله على محمد وآله وأصحابه وسلم ومن تبعهم إلى يوم الدين.