الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتربط بها السفن وتسحب فيها في البحر والنهر والتشبيه في امتداده والتفافه وقرىء بكسر الجيم جمل أيضا مثل حجر وحجارة «وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ 34» الذين تغافلوا عن ذلك اليوم وهنا لا تكرر أيضا للعلة السابقة.
مطلب مواقف يوم القيامة:
ثم يقال لهم عند ما يريدون إبداء أعذارهم «هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ 35» بحجة أو برهان يدافعون بهما عن أنفسهم وهذا موقف من مواقف يوم القيامة إذ يختم على أفواههم. وفيها موقف آخر يتكلمون فيه وفيها موقف يتخاصمون فيه فيما بينهم وفيها موقف يتخاصمون فيه مع الملائكة وفيها موقف يخاطبون به ربهم وفيها موقف يتعاتبون فيه بينهم وفيها وفيها وكل ذلك لا ينفعهم حيث تتكلم جوارحهم بما فعلوا فلا يخلصهم من عذاب الله شيء وسيأتي بيان هذه المواقف في الآية 167 من سورة البقرة في ج 3 والآية 12 من سورة السجدة والآية 11 من سورة ابراهيم في ج 2 والآية 60 من سورة ص الآتية وغيرها، ولهذا يقول الله «وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ 36» حيث تقدم الله لهم بالاعتذار على لسان رسله في الدنيا وأنذرهم سوء العاقبة إذا أصروا على كفرهم فلم يقبل منهم عذر يعتذرون به في الآخرة فتكم أفواههم «وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ 37» بذلك اليوم الذي لا قدرة لهم على دفع العذاب فيه ولا يقبل منهم عذر إذ تقول لهم ملائكة العذاب «هذا» اليوم الذي أنتم فيه «يَوْمُ الْفَصْلِ» بين المحق والمبطل لا يوم الاعتذار الذي سبق أو انه لأن من أنذر فقد أعذر لذلك «جَمَعْناكُمْ» فيه بأمر ربنا أنتم يا مكذبين محمد «وَالْأَوَّلِينَ 38» الذين كذبوا الرسل قبلكم «فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ» من حيلة أو مكر في رفع ما نزل بكم من العذاب «فَكِيدُونِ 39» أيها الكفرة بما تقدرون عليه من أصناف الخداع ولستم بقادرين على شيء وهؤلاء الذين كنتم تعبدونهم وتقلدونهم في الدنيا موجودون معكم استصرخوهم إن كانوا ينقذونكم فإنهم أعجز منكم اليوم وأذل وسترونهم معكم في جهنم يعذبون بأشد مما تتعذبون لأن لهم ضعفين من العذاب لإضلالكم وإضلال أنفسهم وأنهم سيتبرءون عن عبادتكم
لهم وينكرونكم أيضا، وهذا نهاية في التوبيخ وغاية في التقريع لأن ذلك اليوم تنقطع فيه الحيل والأعذار ولهذا عقب هاتين الآيتين بقوله «وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ 40» بعدل الله فيه، ولما انتهى جل جلاله من بيان مآل حال الكفرة في هذه السورة
شرع يبين ما للمؤمنين عنده فقال «إِنَّ الْمُتَّقِينَ» الإنكار والجحود والتكذيب بما تقدم يكونون يوم القيامة «فِي ظِلالٍ» عند ربهم يظلهم بها يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله، وهذا بمقابلة قوله للكافرين «ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ» وضد الظّل الضحّ وهو أعم من الفيء لأنه يقال لظل الليل وظل الجنة وكل موضع لم تصل إليه ظل ولا يقال الفيء إلا لما زاحت عنه الشمس ويعبر بالظل عن الرفاهية والمعزة والمناعة «وَعُيُونٍ 41» من ماء جارية في جنة عالية بدلالة قوله «وَفَواكِهَ» في تلك الجنة ذات الظلال الوافرة «مِمَّا يَشْتَهُونَ 42» من أنواعها وأصنافها يتلذذون بثمارها وتقول لهم الملائكة «كُلُوا وَاشْرَبُوا» من هذه النعم المتنوعة «هَنِيئاً» لكم ومريئا «بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ 43» في الدنيا من العبادات والخيرات، ونظير هذه الجملة في الآية 45 من سورة الأعراف الآتية والآية 32 من سورة النحل في ج 2 «إِنَّا كَذلِكَ» بمثل هذا الجزاء «نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ 44» لأنفسهم وغيرهم في هذا اليوم جزاء إحسانهم في الدنيا «وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ 45» بما وعدنا المؤمنين، وهلاك وخسران وحسرة لحرمانهم من هذا النعيم الدائم وتعذيهم بما أوعدناهم به ويقال لهم أيضا «كُلُوا وَتَمَتَّعُوا» أيها الكفار من هذه الدنيا الفانية «قَلِيلًا» لأنها مهما طال أمرها فهي قليلة بالنسبة للآخرة «إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ 46» والمجرم يستحق العذاب والعقاب وقول كلوا وإن كان ظاهره أمرا فهو في المعنى نهي بليغ على حد قوله تعالى «اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ» الآية 67 من سورة فصلّت في ج 2، ففيه زجر عظيم لانهماكهم في الدنيا وانكبابهم على شهواتهم وإعراضهم عن الآخرة ونبذها وراءهم «وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ 47» بهذه النعم الدائمة التي غرتهم الدنيا الفانية بزخارفها البالية فأبعدتهم عنها «وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا» لله واخضعوا لعظمته وتواضعوا لجلاله «لا يَرْكَعُونَ 48» أنفة واستكبارا.