المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الحادي عشر في خلق القرآن وعدمه ونسبته للكتب الأخرى وصدق النبوة - بيان المعاني - جـ ١

[ملا حويش]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الأول]

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌[المقدمة]

- ‌المطلب الاوّل في بيان مبادئ في التفسير

- ‌المطلب الثاني فيما يحتاج إليه المفسر

- ‌المطلب الثالث في الحاجة الى التفسير

- ‌المطلب الرابع في أحوال المفسرين به ومأخذ هذا التفسير

- ‌مطلب الأصول المتبعة في التفسير

- ‌المطلب الخامس في التفسير والتأويل والنهي عن القول في الرأي

- ‌المطلب السادس في فضل القرآن وحفظه وتهديد من ينساه والسفر به

- ‌المطلب السابع في التشريع في نهج القرآن ومفاصده ومميزات مكيه ومدنيه

- ‌المطلب الثامن في النزول وكيفيته وترتيب سوره وآياته

- ‌المطلب التاسع في جمع القرآن ونسخه وترتيبه وكونه توقيفيا وبيان ناسخه

- ‌المطلب العاشر الناسخ والمنسوخ والقراءات ومعنى انزل القرآن على سبعة أحرف

- ‌مطلب حكاية واقعة:

- ‌مطلب في الصوفية ومعنى سبعة أحرف:

- ‌المطلب الحادي عشر في خلق القرآن وعدمه ونسبته للكتب الأخرى وصدق النبوة

- ‌المطلب الثاني عشر في الوحى وكيفية نزوله ومعناه وأوله والرؤيا الصادقة ومعناها

- ‌الخاتمة نسأل الله حسنها

- ‌مطلب الفرق بين الحمد والشكر وفضلهما ومتى يطلبان

- ‌مطلب إعاذة الله فى إصلاح الكون

- ‌مطلب ولادة محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌تفسير سورة العلق وتسمى سورة التعليم و (اقرأ) أيضا

- ‌مطلب معنى العلق وفضل الإنسان

- ‌تفسير سورة القلم عدد 2- 68 وتسمى سورة نون

- ‌مطلب معنى الساق:

- ‌مطلب النسخ لا يدخل الأخبار والوعد والوعيد:

- ‌مطلب معنى الكيد والمكر والآيات المدنيات الأخر:

- ‌تفسير سورة المزمل عدد 3- 72 أو قيام الليل

- ‌مطلب تخفيف قيام الليل ونقل الكسب والصدقة:

- ‌تفسير سورة المدّثر عدد 4- 74

- ‌مطلب أول سورة نزلت وفترة الوحي وسببها

- ‌مطلب ما نزل في الوليد بن المغيرة ثم في خبث أبي جهل

- ‌مطلب الحواس الباطنة والظاهرة والأخبار بالغيب

- ‌مطلب الشفاعة والمحروم منها:

- ‌تفسير سورة الفاتحة عدد 5- 1

- ‌تفسير سورة المسد عدد 6- 111

- ‌تفسير سورة التكوير عدد 7- 81 وتسمى كورت

- ‌مطلب أول من سنّ الوأد ومن منعه:

- ‌مطلب الاستمناء باليد والعلاج لمنع الحمل:

- ‌مطلب علامات الساعة:

- ‌تفسير سورة الأعلى عدد 8- 87

- ‌مطلب عصمة النبي من النسيان:

- ‌مطلب ما في صحف ابراهيم وموسى والحكم الشرعي في العيد:

- ‌تفسير سورة الليل عدد 9 و 92

- ‌مطلب في أنواع الخلق:

- ‌مطلب في أبي بكر رضي الله عنه وأمية غضب الله عليه:

- ‌تفسير سورة الفجر عدد 10 و 89

- ‌تفسير سورة الضحى عدد 11- 93

- ‌مطلب عدم رد السائل واللطف باليتيم:

- ‌مطلب الشكر لله ولخلقه:

- ‌تفسير سورة الانشراح عدد 12- 94

- ‌تفسير سورة العصر عدد 13- 103

- ‌تفسير سورة العاديات 14- 100

- ‌تفسير سورة الكوثر عدد 15- 108

- ‌تفسير سورة التكاثر عدد 16- 102

- ‌تفسير سورة الماعون عدد 17 و 107

- ‌تفسير سورة الكافرون عدد 18- 109

- ‌تفسير سورة الفيل عدد 19- 105

- ‌مطلب رمي الجمار بمنى:

- ‌تفسير سورة الفلق عدد 20- 113

- ‌مطلب في الحسد والتعاويذ:

- ‌تفسير سورة الناس عدد 21- 114

- ‌تفسير سورة الإخلاص عدد 22- 112

- ‌تفسير سورة والنجم عدد 23- 52

- ‌مطلب مقر جبريل ومعنى قاب قوسين:

- ‌مطلب زمن الإسراء والمعراج والرؤية:

- ‌مطلب الآية المدنية ومعنى الكبائر والصغائر:

- ‌مطلب في الغيب وأنه قسمان:

- ‌مطلب الكرامة ومصدرها والشعرى ومن يعبدها:

- ‌مطلب في السجود وقصة الغرانيق:

- ‌تفسير سورة عبس عدد 24- 80

- ‌تفسير سورة القدر عدد 25- 97

- ‌تفسير سورة والشمس 26- 91

- ‌تفسير سورة البروج عدد 27- 85

- ‌مطلب قصة أصحاب الأخدود:

- ‌تفسير سورة التين عدد 28- 95

- ‌تفسير سورة قريش عدد 29- 109

- ‌تفسير سورة القارعة عدد 30- 101

- ‌تفسير سورة القيامة عدد 31- 77

- ‌مطلب رؤية الله في الآخرة:

- ‌تفسير سورة الهمزة عد 32- 104

- ‌تفسير سورة المرسلات عدد 33- 77

- ‌مطلب مواقف يوم القيامة:

- ‌تفسير سورة ق عدد 34- 50

- ‌مطلب الآية المدنية في هذه السورة وخلق السموات والأرض والتسبيح:

- ‌تفسير سورة البلد عدد 35- 90

- ‌مطلب الحكمة الشرعية من الصدقات:

- ‌تفسير سورة الطارق عدد 36- 86

- ‌تفسير سورة القمر عدد 37- 54

- ‌مطلب في أربعاء صفر وعيادة المريض

- ‌مطلب الآيات المدنية وحكم ما تأخر حكمه عن نزوله:

- ‌مطلب في القدر وما يتعلق به:

- ‌تفسير سورة ص عدد 38- 38

- ‌مطلب قصة داود وسجود ابو بكر:

- ‌مطلب الحكم الشرعي في الأحكام:

- ‌مطلب في رد الشمس لسيدنا محمد وغيره:

- ‌مطلب قصة سليمان عليه السلام:

- ‌مطلب التخفيف وكفارة اليمين بحيلة في محله الملائم:

- ‌تفسير سورة الأعراف عدد 39- 7

- ‌مطلب وزن الأحمال وحادث البطاقة:

- ‌مطلب مقاييس إبليس:

- ‌مطلب مناظرة إبليس وقول سيف الدولة:

- ‌مطلب الحكم الشرعي في كشف العورة وزلة آدم:

- ‌مطلب تواصي الله لخلقه والتزين للصلاة وغيرها:

- ‌مطلب في الأكل المسنون وذم الشبع وبعض وصايا الله لعباده فيه:

- ‌مطلب معنى الإثم والبغي:

- ‌مطلب الرضى بالمعصية معصية

الفصل: ‌المطلب الحادي عشر في خلق القرآن وعدمه ونسبته للكتب الأخرى وصدق النبوة

وأثبتت في الصحف ثم في المصاحف على الوجه المار ذكره، يؤيد هذا، الحديثان الصحيحان المنوه بهما أعلاه، والحكم الشرعي في ذلك جواز القراءات السبع المتداولة لمن يتفنها ويحسن قراءتها بالوقوف على أصولها والتلقي من أربابها العارفين بها، فيقرأ كل بحسب لغته وما تيسر على لسانه مما تلقاه في هذه القراءات توسعة وتسهيلا لهم وتحسينا للفظ وتلذذا للسماع وجودة النظم، فتزداد القراءة رونقا ويزداد السامع رغبة:

كلام قديم لا يمل سماعه

تنزه عن قول وفعل ونيّة

به اشتفي من كل داء ونوره

دليل لقلبي عند جهلي وحيرتي

فيا رب متعني بسر حروفه

ونور به قلبي وسمعي ومهجتي

أجب اللهم دعانا بكرمك يا مولانا.

‌المطلب الحادي عشر في خلق القرآن وعدمه ونسبته للكتب الأخرى وصدق النبوة

مطلب القول بخلق القرآن.

اعلم علمك الله ما لم تعلم أن ما قيل أن القرآن مخلوق. عبارة عن اصطلاح كلمة فلسفية وآراء نظرية مبتدعه، ظهرت أيام الخليفة المأمون العباسي الذي تولى الخلافة سنة 198 بعد قتل أخيه الأمين رحمهما الله وأباهما هارون الرشيد وسامحهم وقد توغل فيها وأفرط حتى أنه هدد بالقتل من يقول أنه غير مخلوق ولما جيء له بالإمام الشافعي رحمه الله وسئل عن ذلك قال أنت تعني الكتب الأربعة الموجودة بأيدينا، وأشار إليه بأصابعه الأربع قائلا هذه مخلوقة، ونجا من التعذيب منه بهذه الوسيلة ولم يتنبه إلى ما أشار وقصد، أو أنه انتبه وتغاضى لمكانة الشافعي رحمه الله.

وليعلم انه لم يرد في هذا البحث كتاب ولا سنة ولا إجماع، بل هو تعرض للبحث التحليلي في ذات الله تعالى وصفاته ومثار للوساوس الشيطانية فيجب على العاقل أن يجتنب هذا البحث ويستعيذ بالله منه ولا يلجأ إلى ترهات صورت من المشككين ذوي القلوب الصدأة المظلمة البعيدة عن نور المعرفة وأن يوقن بأن الكلام صفة كمال تتعلق بكل ما يتعلق به العلم، إلا أن تعلق العلم عبارة عن انكشاف المعلومات للعالم

ص: 43

وتعلق الكلام عبارة عن كشف العالم ما شاء من علمه لمن شاء، والله تعالى متصف بكمال العلم والتعليم، وكمال الكلام والتكليم، وان هذا وغيره مما وصف الله به نفسه في كتابه لا ينافي كمال تنزيله عما لا يليق به من نقائص عباده ولا يقتضي مماثلته لهم فيما وهبهم من كمال فان الاشتراك في الأسماء لا يقتضي الاشتراك بالمسميات، وأسماء الأجناس المقولة في التشكيك في الممكنات مختلفة من وجوه كثيرة، منها النقص والكمال فكيف بها إذا كانت مشتركة في الخالق والمخلوقات فذاته تعالى أكمل من ذواتهم ووجوده أعلى من وجودهم وصفاته أسمى من صفاتهم وهو أعلم ورسوله أعلم منهم بصفاته وأفعاله، فعليك أن تؤمن بما صح عنهما من اثبات ونفي من غير زيادة ولا نقصان، بلا تعليل ولا تشبيه، ولا تمثيل ولا تأويل، وليس عليك ولا لك أن تحكّم رأيك وعقلك في كنه ذاته وصفاته، ولا في كيفية مناداته وتكليمه لرسله، ولا في كنه ما هو قائم به وما يصدر عنه، وعلى هذا كان أصحاب الرسول والسلف الصالح من التابعين والعلماء وأئمة الحديث والفقه، قبل ظهور بدعة المتكلمين الذين قسموا كلام الله إلى نفس قديم قائم بذاته ليس بحرف ولا صوت ولا ترتيب ولا لغة، وإلى كلام لفظي وهو المنزل على الأنبياء عليهم السلام ومنه الكتب الأربعة، واختلافهم فيها في كونها مخلوقة أو غير مخلوقة، والصحيح الذي لا غبار عليه ان كلام الله تعالى بالمعنى الأول غير مخلوق لأنه قائم بذاته تعالى وبالمعنى الثاني وهو المقروء في البشر الدال على الصفة القائمة به فلا بأس بأن يقال مخلوق.

لأن قراءتهم له مشتملة على حروف وأصوات وترتيب ولغة وهو صورة حادثة عن كلامه القديم ومظهر من مظاهر التنزيل.

مطلب الطوائف المخالفة ونسبة القرآن للكتب الاخرى:

واتفقت المعتزلة على أن كلام الله مركب من الحروف والأصوات وأنه محدث مخلوق وأنه خالق لكلامه ثم اختلفوا في معنى الكلام والحدوث على أقوال كثيرة وكذلك الطوائف الاخرى كالامامية والخوارج والحشوية والكرامية والواقفية اختلفت في كونه قديما أزليا اولا، وفي كونه جوهرا أم عرضا، وكل انتصر لمذهبه، ونظرا لمخالفتها لأقوال أهل السنة والجماعه وعدم جواز الأخذ بشيء منها أعرضت عن نقلها وإذا أردت الوقوف على أحوال هذه الطوائف

ص: 44

المخالفة وما شاكلها فعليك بمراجعة كتاب المواقف- الجزء الثالث ص 281- فما بعدها فانه يكفيك عن كل كتاب.

أما نسبة القرآن للكتب الاخرى فانه أصح وأجمع وأكمل منها من كل وجه فمن حيث أنه أنزل بلغة عربية وبقي كما هو لم تتطرق إليه التراجم ولم تختلف نسخه عن بعضها بحرف واحد فهو أصدق منها إذ لو جمعت مصاحف أهل الأرض كلها، لا تقدر أن تجد فيها حرفا مغايرا لغيره، أخرج ابن أبي قاسم عن سفيان الثوري انه قال: لم ينزل وحي إلا بالعربية ثم ترجم كل نبي لقومه بلغتهم. قال تعالى (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) الآية 4 من سورة ابراهيم ج 2. والكامل لا يأتي إلا بالكامل، وميزة أخرى انك لو قرأته على مر الأيام وكر السنين ما زادك تكراره إلا حلاوة ورغبة فيه واعتقادا بأنه كلام الله حق وصدق لم يغير ولم يبدل كيف لا وقد تحدى الله البشر أجمع على إتيان سورة مثله أو من مثل الذي جاء به. راجع الآية 22 من سورة البقرة في ج، والآية 28 من سورة يونس، والآية 13 من سورة هود في ج 2. تقف على تغيرها وتعرف مدى الفرق بينها وناهيك دليلا على حفظه ما مر لك في الآيتين 9 من سورة الحجر و 24 من سورة فصلت في ج 2.

في المطلب السابع المار ذكره وقد أجاد الأبوصيري في قوله بصفته:

الله أكبر إن دين محمد

وكتابه أقوى وأقوم قيلا

لا تذكروا الكتب السوالف غيره

طلع الصباح فأطفأ القنديلا

وقال في بردته:

آيات حق من الرحمن محدثة

قديمة صفة الموصوف بالقدم

فلا تعدّ ولا تحصى عجائبها

ولا تسام على الإكثار بالسأم

واعلم ان كل ترجمة وقعت له لا تفي بالمطلوب وقد اطلعت على قسم منها فوجدتها لا تنم عن مغازيه فضلا عن الأغلاط الواقعة فيه كالترجمة التركية، ولا بد أن يكون في التراجم الأخرى أكثر أغلاطا لأن الحروف العربية لا تستعمل كلها في اللغات الأجنبية، ولأن معاني الكلمات وما هي عليه من اشتمالها على علم المعاني والبديع والبيان لا يمكن أن تؤول فيها مهما كان المترجم قادرا، فإن الكتب الأخرى فقدت زخرفها لتعرضها للترجمة لأنها أولا أنزلت بالعربية وترجمها كل نبي بلغة قومه كما مر لك

ص: 45

آنفا، ثم ترجمت بعد بلغات متعددة بحسب لغات الأمم التي تداولتها ولم يعرف على الضبط مترجموها هل هم ممن يوثق بهم في دينه وأمانته أم لا، وهل هم ممن يعتقد التدين بها أم لا.

مطلب التحريف والتغيير في الكتب الاخرى:

فمن هنا يقع الغلط وسوء التصرف لأن من اطلع عليها وأنعم النظر فيها لا يطاوعه وجدانه أن يسلم بأنها هي المنزلة حقا بحذافيرها بل لا بد وأن يعترف بوجود التحريف فيها ووقوع التغيير حتما.

واعلم أن ما أصاب التوراة والإنجيل من التغيير بسبب الترجمة لا يقل عما أصابها من التحريف والتبديل إذ بالترجمة قد يصير المجاز حقيقة والمتشابه محكما كلفظ الأب والابن وغيرهما مما سنأتي على بيانه في محله إن شاء الله وهذا مما سبب ضلال الكثيرين من اليهود والنصارى ولا حول ولا قوة إلا بالله، لأن المترجم مهما بلغ من الكمال لا يستطيع أن يترجم كل لفظ بمثله بل يحتاج غالبا لأن يفسر بعضه بمعناه لضيق بعض اللغات عن بعضها وعدم تساوي الحروف بالنطق، أما ترجمة النبي فلا مقال فيها لأنها من قبيل المعجزة فلا يقاس غيره عليه، فإذا كان المترجم لم يبلغ حد الكمال فيما يترجمه فلا بد أن يخطىء ومن هنا يظهر لك حقيقة ما قلته على فرض ان المترجم معلوم وموثوق به دينا وأمانة، أما إذا لم يكن معلوما فكيف يوثق به أو لا تخلو ترجمته من الدس وهو ما يوجد فيها من التناقض كوصف الله تعالى في أسفار العهد القديم بما لا يليق بحضرته المقدسة من نسبة الجهل والنوم (تعالى عن ذلك) فقد جاء في سفر الخروج ان موسى عليه السلام تبنته بنت فرعون مع أن القرآن يثبت أن التي تبنته زوجته آسية بنت مزاحم رحمها الله، وجاء فيه أيضا أن هارون هو الذي صنع العجل لبني إسرائيل مع أن القرآن يعزوه للسامري، ومات نبي الله هارون من ذلك، وجاء في التوراة رمي، بعض الأنبياء في الكبائر المنافية لحسن الأسوة، المجرئة على الشرور والمفاسد، حتى وصموا سيدنا لوطا بزواج ابنتيه مع أن الأنبياء معصومون من كل شيء، ومنها أن التوراة التي بيد اليهود تخالف التي بيد النصارى، وأن الأناجيل الأربعة المعتبرة لدى النصارى

ص: 46

فيها بعض الخلاف باللفظ والمعنى والنظم والنسق وقد جاء فيها أن معاصي الأنبياء دليل على عقيدتهم وأن المسيح وحده هو المعصوم وأنه رب وإله ولا مخلص للناس من الذنوب غيره مما يشبه عقائد الوثنيين ويخالف دين الأنبياء والمرسلين في الاعتقاد بإله واحد وشريعة واحدة. قال تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى) الآية 13 من سورة الشورى ج 2.

وقال تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) الآية 162 من سورة النساء ج 3. والآيتين بعدها أيضا، إذا أسس الدين لا تختلف لأن الله تعالى لا يتصور أن يرسل نبيا بشريعة ويرسل الآخر بضدها من حيث الأصول الثلاث التي هي 1- الاعتراف بالإله الواحد. 2- الاعتراف بالنبوة. 3- الاعتراف باليوم الآخر. أما الفروع فتكون على ما يناسب البشر بأدواره ويصلح لكيانهم ويوافق المجتمع. وليعلم أن الله تعالى كما مدح القرآن مدح التوراة بقوله: (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ) الآية 47 من سورة المائدة ج 3. وكذلك مدح الإنجيل بقوله: (وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) الآية 49 منها، والزبور أيضا لأن التنكير في الآية الأولى والتنوين يدلان على التعظيم، وهناك آيات كثيرة في ذلك أعرضنا عنها اكتفاء بما ذكرنا، إذا فالكتب السماوية كلها مصدقة لبعضها فلا يعقل أن يكون فيها خلاف ما في أصل العقيدة وأصول الدين، أو مما يؤدي إلى التكذيب لبعضها، أو بما يصم الأنبياء لأنه كفر عند سائر الملل.

مطلب مدح الكتب الأربعة وصدق الرسالة:

فما جاء في إنجيل لوقا ص 18 آية 19 وص 2 مما يدل على أن العذراء متزوجة وعدم مقابلة المسيح لها عند مجيئها لزيارته، وحاشاها وهي المبرأة المصونة الطاهرة وحاشاه وهو الرسول الكريم على ربه أن يصدر منه ما يهين البتول أمه الزكية، وان القرآن يوصي بالإحسان إلى الوالدين، ويفضل العذراء على نساء العالمين، وما

ص: 47

جاء في هذا الإنجيل ص 1 و 6 ما يدل على عصمة الأنبياء خلافا لما جاء في غيره وفي التوراة وبعض الأناجيل الأربعة المتداولة ما يثبت أن يهوذا الا مخربوطي المنافق الذي دل اليهود على السيد عيسي ليغتالوه شنق نفسه تكفيرا لما وقع منه، ومنها ما يسكت عنه وكلها متفقة على أن الصلب وقع على المسيح، إلا إنجيل برنابا فإنه يثبت وقوع الصلب على الخبيث يهوذا الذي ألقي عليه شبه المسيح وفاقا لما جاء في القرآن، وهذا كله يثبت بلا ريب أن ما وقع من الاختلاف في هذه الأناجيل وفي التوراة أيضا من سوء الترجمة، وما وقع فيها من التدجيل هو من الدّس الذي أدخل فيها، ولو دققت بانصاف وقوبلت مع الإنجيل الصحيح الذي أنزل على عيسى عليه السلام وبلغه لقومه الذي لم يترجم بعد، لوجدته موافقا للقرآن المشتمل على مضمون جميع الكتب الإلية الذي أجمع عليه البشر بأنه لا يضاهيه كلام ولا يقاس بغيره وقيل:

وما كل مخضوب البنان (بثينة)

ولا كل مصقول الحديد يماني

وقول الآخر:

أكل امرئ تحسبين امرأ

ونارا توقد بالليل نارا

أما ما جاء في صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم عدا شهادة الله وكتبه ورسله فإليك ما صرح به (أدوار مونيه) مدرس اللغات الشرقية في مدرسة جنيف في مقدمة ترجمته القرآن بالافرنسية ما معناه بالعربية حرفيا قال: [كان محمد صادقا كما كان أنبياء بني إسرائيل في القديم، كان مثلهم يرى رؤيا ويوحى إليه، وكانت العقيدة الدينية وفكرة وجود الألوهية متمكنتين فيه كما كانتا متمكنتين في أولئك الأنبياء أسلافه فيحدث فيه كما كان يحدث فيهم (ذلك الإلهام النفسي) وهذا التضاعف في الشخصية الذين يحدثان في العقل البشري المرائي والتجليات والوحي والأحوال الروحية التي من بابها] فهذا العالم الاوربي يقول، ما كان به أنبياء بني إسرائيل كان ثابتا لمحمد صلى الله عليه وسلم.

وقال (جسيون) القرآن مسلم به من حدود الاوقيانوس الاتلانتيكي إلى نهر الجانج بأنه الدستور الاساسي ليس لأصول الدين فقط بل للأحكام الجنائية والمدنية وللشرائع

ص: 48

التي عليها مدار نظام الحياة للنوع الإنساني وترتيب شؤونه، وان الشريعة المحمدية تشمل الناس جميعا في أحكامها من أعظم ملك إلى أقل صعلوك، فهي شريعة حيكت بأحكم وأعلى منوال شرعي لا يوجد مثله قط في العالمين، وأما تفسيره الخصائص فهو التعليل الذي يعلل به الماديون الوحي المطلق.

هذا وقد لخص خبر نزول الوحي على محمد صلى الله عليه وسلم من كتب اسلامية مذعنا بصحتها، ونقلها بعده المستشرق الإفرنسي (أميل درمنغام) ويكتب بالصحف المصرية در منجيم) - في كتابه حياة محمد مذعنا بصحة الرواية وبوضوحها شارحا تأثير نبوته في إصلاح البشر متمنيا الاتفاق بين المسلمين والنصارى، آسفا للشقاق بينهم.

وقال الأستاذ محمد رشيد رضا في كتابه الوحي المحمدي ص 73 في اثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم: درس علماء الإفرنج سيرته فأجمعوا على هذه النتيجة (ان محمد كان سليم الفطرة كامل العقل كريم الأخلاق صادق الحديث عفيف النفس قنوعا بالقليل من الرزق، غير طموح بالمال ولا جنوح إلى الملك ولم يعن بما كان يعن به قومه من الفخر والمباراة من ارتجال الخطب وقرض الشعر، وكان يمقت ما كان عليه قومه من الشرك وخرافات الوثنية ويحتقر ما يتنافسون فيه من الشهوات البهيمية كالخمر والميسر وأكل أموال الناس بالباطل، وبهذا كله وبما ثبت من سيرته وبعثته بعد النبوة، جزموا بأنه كان صادقا فيما ادعاه بعد إكمال الأربعين من عمره من رواية ملك الوحي واقرائه إياه هذا القرآن وإثباته بأنه رسول من الله لهداية قومه فسائر البشر) .

وقال الدكتور الأميركي كارلو (محمد خير طبيب، ودينه الإسلام يأمر بالوقاية قبل المرض، وقد ظهر ذلك في الصيام وفي صلاة التراويح التي يقوم بها المسلمون بعد الإفطار في كل يوم من رمضان، إذ أن لهذه العملية الرياضية فائدة كبرى في هضم الطعام) .

هذا واني لم أذكر هذه الفقرات من أقوال الأجانب التي هي قليل من كثير إلا بمناسبة ذكر الكتب الأخرى، والا فقد ذكرت قبلا أني استغنيت عن ذكر ت (4)

ص: 49