الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أتبيعه بغلامك فسطاس، اغتنمه أبو بكر وباعه، فقال المشركون: ما فعل ذلك إلا ليد كانت له عنده فأنزل الله هذه الآية تكذيبا لهم بقوله: ليس لأحد عند أبي بكر «نِعْمَةٍ تُجْزى 19» .
مطلب في أبي بكر رضي الله عنه وأمية غضب الله عليه:
وقد أجمع المفسرون على عود الضمير لأبي بكر، وان ليس لفسطاس ولا لبلال ولا لغيرهما عنده نعمة سابقة يكافئه عليها بالإعتاق، وان السياق والسباق يؤيده لذلك فإن من قال أن الضمير في عنده يعود إلى الله أراد أنه ينعم على عبده تفضلا منه، وهو كذلك. إلا أنه بعيد عن المغزى مخطئ المرمى، لما فيه من نفي التخصيص بأبي بكر وجعل الآية عامة في المؤمن والكافر، لأن نعمة الله غير مقصورة على أحد ولكنها على المؤمن نعمة حالا ومآلا، وعلى الكافر في الدنيا فقط لأنها نقمة عليه في الآخرة استيفاء لما يقع من الخير على يده كي يلقى الله ولا حسنة له. وليعلم انه ما فعل أبو بكر ما فعله من الاعتاق «إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى 20» أي طلب مرضاته لا غير
«وَلَسَوْفَ يَرْضى 21» في الآخرة من عطاء ربه بالكرامة والجنة ونعيمها كما طلب هو مرضاة ربه في الدنيا بالإنفاق من ماله واعتاق عبيده واللام في ولسوف جواب القسم المضمر وتقديره والله لسوف يرضى رضاء ما فوقه رضاء، ويجوز أن يعود ضمير يرضى إلى الله ويكون المعنى ولسوف يرضى عنه ربه وهو أبلغ لأن رضاء الله عن عبده أكمل للعبد من رضاه على ربه، وما جرينا عليه يحتمل المعنيين. هذا، والله أعلم، واستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
تفسير سورة الفجر عدد 10 و 89
نزلت في مكة بعد سورة والليل، وهي ثلاثون آية، ومثلها من عدد الآي تبارك، والملك والسجدة. ومائة وتسع وثلاثون كلمة، وخمسمائة وسبعة وتسعون حرفا، لا يوجد سورة في القرآن مبدوءة بما بدئت به ولا مختومة بما ختمت به، لا ناسخ ولا منسوخ فيها.
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: «وَالْفَجْرِ 1» أقسم تعالى بانبلاج الصبح لما فيه من انقضاء الليل وظهور الضوء وانتشار الخلائق في طلب أرزاقها، قال ابن عباس أراد به صلاة الصبح لأنها مفتتح النهار وتشهدها الملائكة مستدلا بقوله تعالى:(إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) الآية 18 من سورة الإسراء الآتية والأرجح أن المراد والله أعلم هلال ذي الحجة بدليل اقترانه بقوله «وَلَيالٍ عَشْرٍ 2» ولا عشر إلا عشر ذي الحجة لما فيها من الفضل العظيم، لأنها أيام الاشتغال بالحج أخرج الترمذي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من أيام العمل فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر. قيل يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟
قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل جاهد في سبيل الله بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء. وهناك أقوال أخرى بأنها عشر المحرم، أو عشر رمضان الأواخر، أو مطلق فجر، وليست بشيء تجاه هذه لا تصالها بفجر العيد ولتأييدها بالحديث المار ذكره «وَالشَّفْعِ» الذكر والأنثى، والحق والباطل، والإيمان والكفر، والهدى والضلال، والسعادة والشقاوة، والليل والنهار، والأرض والسماء، والشمس والقمر، والبر والبحر، والنور والظلمة، والجن والإنس، والعزة والذلة، والقدرة والعجز والقوة والضعف، والعلم والجهل، والغنى والفقر، والعمى والبصر، والموت والحياة، وغيرها من كل ما خلق الله «وَالْوَتْرِ 3» من ذلك كله أو هو يوم عرفة أو يوم النحر وقد جاء في الحديث المروي عن جابر المرفوع الذي أخرجه الإمام أحمد والنسائي أنه يوم النحر ويوم عرفه وجاء في حديث عمران بن حصين حين الذي أخرجه أحمد والترمذي بلفظ حديث غريب أنهما الصلاة شفعها ووترها وإذا صح هذان الحديثان على علة تضاربهما فإنهما لا يخصصان المدلول بل يكونان على طريق التمثيل فيما رؤي بتخصيصه بالذكر فائدة معتمدا بها وعليه فيجوز للمفسر أن يحمل اللفظ على معنى آخر من مشتملاته ومحتملاته لفائدة أخرى «وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ 4» أي سرى فيه من عرفات إلى مزدلفة وهي ليلة النحر وقيل ليلة القدر لأن الناس تقومها، والأول أولى لمناسبة السياق والسباق، وقد حذفت الياء في يسر
بلا حاذف وأكتفي بالكسرة عنها للدرج. وقد سأل رجل الأخفش عن سقوط هذه الياء، فقال: لا أجيبك حتى تخدمني سنة، ففعل ثم سأله فقال الليل لا يسري وإنما يسرى فيه فلما عدل في معناه عدل عن لفظه موافقة. ويقال ليل نائم أي ينام فيه وصلّى المقام أي صلّى فيه أنظر رحمك الله فضل العلم من أجل كلمة خدم سنة ألا لمثل هذا فليعمل العاملون، وبه فليتنافس المتنافسون هذا، وإذا أريد مطلق ليل فيصح أيضا على أن يلاحظ نعمة السير فيه للحفظ والوقاية من حر الشمس ومن قطاع الطريق وقطع المسافات ولهذا قيل (عند الصباح يحمد القوم السرى) وجواب القسم محذوف تقديره ليعذبن الكافر ولينعمنّ المؤمن، ثم التفت في الاخبار إلى الخطاب فقال «هَلْ فِي ذلِكَ» المقسم به أيها الناس «قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ 5» عقل أم لا وسمي العقل حجرا لأنه يحجر صاحبه عن النقائص وعقلا لأنه يعقله عن القبائح ونهى لأنه ينهاه عن ما لا يليق وحجى لأنه يحاج به وهذا الاستفهام تقديري أتى به للتأكيد ولا يجاب إلا ببلى أي نعم إن هذه الأقسام فيها مقتنع ومكتفى لمن له لب ويسمى العقل لبا لأنه قلب الشيء وخلاصته وإنما أقسم بتلك الأشياء لما فيها من عجائب ودلائل على كمال قدرته ووحدانيته ثم خاطب حبيبه بقوله «أَلَمْ تَرَ» يا أكمل الرسل وهذا استفهام تقديري أيضا أي ألم تعلم يقينا علما يوازي المعاينة «كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ 6» حيث أهلكهم فلم يبق لهم أثرا ولما كانت عادا أولى وأخيرة وإن الأولى تسمى عاد إرم ليدل منها قوله «إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ 7» يدل عليه قوله في الآية 50 من سورة النجم الآتية (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى) فإذا أطلقت عادا دون إرم فالمراد بها الأخيرة والعماد هي السواري والأساطين المرتفعة أي ذات البناء الرفيع المرتكز على على العمد العالية «الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ 8» أي لم يقدر أحد أن يبني أو يعمل قبلهم ولا بعدهم حتى الآن مثلها وهذه المدن التي نوه الله بعظمتها واقعة بين عمان وحضر موت بأرض رمال قال تعالى (وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ) الآية 21 من سورة الأحقاف ج 2 والأحقاف هي الرمال
وما قيل إنها بالإسكندرية أو الشام ينافيه سياق الآيات إلا أن يقال ما هنا يراد به عادا الأولى وما في الأحقاف الأخيرة ويلزم أيضا عدم اتحاد منازلهما لأن بينهما مسافات عظيمة بعيدة عن التوفيق. وفي هذه الآية تخويف للكافرين وهو أنه تعالى الذي أهلك هؤلاء الذين كانوا أشد منكم يا أهل مكة قوة وأكثر أموالا وأولادا قادر على إهلاككم، راجع تفسير الآية 15 من قسم السجدة في ج 2 أي سورة فصلت، وكانوا مع ذلك جسيمين طوالا، قالوا
وسميت ذات العماد لأن عادا كان له ابنان شداد، وشديد، فلما مات شديد خلص الملك إلى شداد ودانت له ملوك الأرض وكان يقرأ الكتب القديمة فلما جاء على ذكر الجنة قال سأبني مثلها فبنى بناية عظيمة في مجارى عدن استغرقت ثلاثمائة سنة قصورها من الذهب والفضة وأساطينها من الزبرجد والياقوت وشجرها من جميع أصناف الأشجار ونسّق فيها الأنهار. وعند ما تم بناؤها سار إليها بأهل مملكته وكانت على مسيرة يوم وليلة فبعث الله عليهم صيحة من السماء فهلكوا جميعا، روى وهب بن منبه عن عبد الله ابن قلابة أنه خرج في طلب إبل له شردت فبينما هو يسير في مجارى عدن إذ وقع على مدينة في تلك الفلوات عليها حصن، وحول الحصن قصور كثيرة، فلما دنا منها ظن أن فيها أحدا ليسأله عن إبله، فلم ير داخلا فيها ولا خارجا منها، فنزل عن دابته وعقلها وسل سيفه خوفا من أن يصادفه فيها أحد فيقاتله، ودخل من باب المدينة فإذا هو ببابين خطيرين مرصعين بالياقوت الأحمر، فدهش وفتح الباب ودخل فإذا هو بمدينة لم ير أحد مثلها وإذا فيها قصور في كل قصر منها غرف فوقها غرف مبنية بالذهب والفضة، ومرصعة بأحجار اللؤلؤ والياقوت، وإذا أبواب تلك القصور مثل مصاريع باب المدينة يقابل بعضها بعضا، وكلها مفروشة باللؤلؤ وبنادق المسك والزعفران، فلما عاين ذلك ولم ير أحدا هاله ما رأى ثم نظر الى الأزقة فاذا فيها أشجار مثمرة وتحت الأشجار انهار مطرّدة يجري ماؤها في قنوات من فضة، فقال في نفسه هذه الجنة وحمل معه من لؤلؤها وترابها وبنادق مسكها وزعفرانها ورجع الى اليمن وأظهر ما كان معه، وحدث بما رأى، فبلغ ت (10)
ذلك معاوية فأرسل اليه فقدم، فسأله عن ذلك فقص عليه ما رأى فبعث إلى كعب الأحبار فسأله فقال هي إرم ذات العماد وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانك أحمر أسقر على حاجبه خال وعلى عقبه خال، يخرج في طلب أبل له، ثم التفت فأبصر من قلابة على الوصف الذي ذكره كعب، وهذه كالسد إذ رآه جماعة زمن الواثق بالله. راجع تفسير الآية 92 من الكهف في ج 2. هذا وكلما جاء لفظ كعب بلا نسبة فالمراد به هذا، واني لم أنقل عنه ما يتعلق بأمر الدين البته خشية التهمة لأنه متوغل بالكتب القديمة وهو تابعي والتابعيون غيره كثير أكتفى بالنقل عنهم عند الحاجة. قالوا ولما أراد عملها، اخرج جماعة يطوفون في الأرض ليجدوا أرضا موافقة، فوقفوا على صحراء نقية من التلال فيها عيون ماء وحروج فاختاروها وكان عمر الملك عند بنائها تسعمائه سنة، ولما فرغوا منها قال لهم اجعلوا حولها حصنا وابنوا حوله الف قصر واجعلوا على كل قصر علما ليقيم بها الوزراء ففعلوا، ولما أمر بالنقلة استغرقت نقلتهم عشر سنين ولما قربوا منها عن يوم وليلة اخذتهم الصيحة كما تقدم قال تعالى «وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا» قطعوا «الصَّخْرَ بِالْوادِ 9» فعل بهم أيضا كما فعل بعاد وهم أول من قطعوا الصخور في الوديان ونحتوه واتخذوا منه مساكن وبيوتا وقالوا انهم بنوا ألفا وتسعمائة مدينة من الحجارة المنحوتة وسنأتي قصتهم مفصلة في تفسير الآية 79 من الأعراف الآتية «وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ 10» أي الملك الراسخ ذي الجنود الكثيرة الشديد البطش قال الأسود بن يعقر بن عنينة.
ولقد غنوا فيها [بأنواع] النعم
…
في ظل ملك راسخ الأوتاد
وكان إذا عذب أحدا (عذبه الله) ربطه بين أوتاد اربعة ثم أوقع عليه عذابه.
قاتله الله فلذلك سمى من الأوتاد وكانت مضارب (بيوت شعر) يضربونها إذا نزلوا في البادية وخباء كثيرة لكثرة جنده وما يدل على أنه كان يعذب بالأوتاد.
مطلب قصة ما شطة بنت فرعون:
ما رواه البغوي بإسناد الثعلبي عن ابن عباس أن ماشطة بنت فرعون زوجة حزقيل الذي كان يكتم إيمانه كما سيأتي في الآية 20 من سورة القصص الآتية والآية
78 من سورة المؤمن في ج 2 وكانت هي تكتم إيمانها أيضا بينما كانت تمشط ابنة فرعون إذ سقط من يدها، فقالت تعس من كفر بالله. فقالت بنت فرعون:
وهل إله غير أبي؟ قالت إلهي وإله أبيك وإله السموات والأرض واحد لا شريك له.
فأخبرت أباها بذلك فسألها قالت صدقت فحملها على الكفر فأبت فمدها بين أربعة أوتاد وأرسل عليها الحيات والعقارب، وقال إن لم تكفري عذبتك هكذا شهرا. قالت لو عذبتني سبعين شهرا ما كفرت. فلما رأى إصرارها هددها بذبح أولادها، ولم تفعل، فذبح ابنها الكبير على صدرها وقال إن لم تكفري ذبحت الاخر على فيك، قالت لو ذبحت أهل الأرض ما كفرت. فبادر بذبحه فجزعت فأنطقه الله وقال يا أماه اصبري ولا تجزعي فقد بنى الله لك بيتا في الجنة. فصبرت ولم تلبث ان ماتت رحمها الله، فأسكنها الله الجنة. وهكذا فعل بآسية بنت مزاحم زوجته كما سيأتي في الآية 11 من سورة التحريم في ج 3، وصبرت هذه وعذابها أشد من عذاب بلال المار ذكره في الآية 10 من سورة والليل المارة، قالوا وبعث رجلين في طلب زوجها فوجدوه يصلي والوحوش وراءه صفوفا، فتركوه وانصرفوا فقال حزقيل اللهم انك تعلم اني كتمت إيماني مائة سنة فأيما هذين الرجلين كتم علي فاهده الى دينك وأيما منهما أظهر علي فعجل عقوبته. فأخبر أحدهما فرعون وكتم الآخر فقتل الذي أخبره وأنعم على الآخر اجابة لدعوته
قال تعالى «الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ 11» وتجبروا على أهلها وارتكبوا انواع المعاصي «فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ 12» قتلا ونهبا وسبيا وغصبا وأخذوا ظلما وعدوانا وتعذيبا وتوغلوا في سائر البشر بانواع التعدي وهم يتنعمون بنعم الله، فلما أظهر الله عتوهم وعنادهم للملأ وعلم إصرارهم أزلا وانه أمهلهم ليطلع خلقه على أفعالهم المستحقة لتعذيبهم ولم ينجع بهم ذلك الإمهال حتى قضي أمرهم وحان وقت أخذهم المقدر عنده، جنح الى هلاكهم «فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ» يا محمد «سَوْطَ عَذابٍ 13» لونا من ألوانه ونوعا من أنواعه، والسوط يشعر بزيادة الألم أي عذبهم عذابا شديدا، كان الحسن إذا قرأ هذه الآية يقول ان عند الله أسواطا كثيرة فأخذهم بسوط منها «إِنَّ رَبَّكَ
لَبِالْمِرْصادِ 14»
يرقب أعمال عباده كلها فيرى ويسمع ما يقع منهم لا يفوته شيء لأن المرصاد المكان الذي يترقب فيه الرصد ومن كان عالما بأحوال خلقه لا يفوته شيء من أمرهم، وهذا جواب القسم، والجمل ما بين القسم وجوابه اعتراضية، وقيل جواب القسم محذوف وتقديره ليعذبن الكافر وربّ هذه الأشياء ويجزي كلا بفعله إن خيرا فخير وإن شرا فشر قال. ابن عطية المرصاد صيغة مبالغة كالمطعام والمطعان، ورده ابو حيان بأنه لو كان كما زعم لما دخلت الباء لإنها ليست في مكان دخولها لا زائدة ولا غير زائدة، ثم شرع يفصل أحوال خلقه فقال «فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ» أختبره وامتحنه «رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ» بالمال والولد والعافية والجاه «وَنَعَّمَهُ» بما وسع عليه من النساء والقصور والبساتين وغيرها من خدم وحشم «فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ 15» بما أعطاني وفضلني بما اولاني «وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ» ما هذه هنا وفي الآية الأولى وما شابهها في غير القرآن يعدونها زائدة اما في القرآن فتسمى صلة يؤتى بها لتأكيد القول وتحسينه لأن كلام الله مبرأ عن الزيادة كما هو منزه عن النقص وسيأتي لهذا بحث في الآية 135 من سورة التوبة في ج 3 «فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ» ضيقه وقلله عن مقدار بلغته وكفايته «فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ 16» بما افقرني واذلني بما أعوزني. وهذه الآية عامة لتصدرها بلفظ الإنسان فتشمل كل فرد وما قيل انها نزلت في امية بن خلف الحمجي خاصة فعلى فرض صحته لا ينفي عمومها لان العبرة دائما لعموم اللفظ لا لخصوص المعنى أو السبب، لذلك ردّ الله تعالى على من ظن ان سعة الرزق إكرام وضيقه اهانة بقوله «كلّا» اي ليس الأمر كذلك فلا يظن به إذ ليس كل من اعنيته لكرامته ولا كل من أفقرته لاهانته لان الغنى والفقر بحكمتي وتقديري وإنما أكرم المؤمن بطاعته لي وأهين الكافر بمعصيته واني أنعم على عبدي لا ختبره أيشكر نعمتي أم يكفر وأضيق عليه لأمتحنه أيصبر أم يفجر. وليعلم الناس ذلك راجع تفسير الآية 26 من سورة الأنبياء في ج 2، ولئلا يقولوا كما قال قارون (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) الآية 76 من سورة القصص الآتية مع أنه أوتيه من غير استحقاق
ابتلاء «بل» هناك ما هو أشر وهو أنكم «لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ 17» فلا تبرّونه ولا تراعون حقه مما أنعم الله عليكم به «وَلا تَحَاضُّونَ» بحث بعضكم بعضا «عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ 18» من فضلكم بل تهملونه ولا تنظرون في أمره «وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ» الميراث «أَكْلًا لَمًّا 19» لا تعطون منه أحدا، واللهم الجمع بين الحلال والحرام وعليه قول النابغة:
ولست بمستبق أخا لا تلمّه
…
على شعث أي الرجال المهذب
وذلك انهم كانوا لا يورثون النساء والصبيان ويأكلون نصيبهم فذمهم الله لشدة حرصهم على جمعه جمعا شديدا من غير نظر الى حل وحرمة «وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا 20» كثيرا جدا قال امية:
ان تغفر اللهم فاغفر جمّا
…
وأي عبد لك لا ألما
لأنهم كانوا ولعين به مع الحرص عليه والبخل به ومنع الحقوق منه
«كلّا» ردع وزجر لمن هذه حاله اي لا ينبغي ان يتكالبوا على ذلك، ولا ان يشغفوا به، بل كان عليهم ان يعملوا بما أمر الله قبل ان يأتيهم يوم يتلهفون على ما أسلفوا ويتندّمون على ما فرطوا من حيث لا ينفعهم الندم «إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ» زلزلت بما فيها من بناء وجبال وبحار وغيرها «دَكًّا دَكًّا 21» مرة بعد اخرى حتى لا يبقى فيها ولاء عليها شيء «وَجاءَ رَبُّكَ» جلت عظمته وهذا تمثيل لظهور آيات اقتداره وتبيين لآثار قهره وسلطانه لأن الملك إذا حضر بنفسه ظهر بحضوره من امارات الهيبة وعلامات العزة وإشارات العظمة ما لا يحضر بحضور غيره من خواصه.
مطلب آيات الصفات والقول فيها:
وهذة من آيات الصفات التي سكت عن تفسيرها السلف الصالح وبعض الخلف وأجروها على حالها كما جاءت من غير تأويل ولا تشبيه ولا تكييف، والتزموا
فيها الإيمان بظاهرها، وتأولها المتكلمون وبعض المتأخرين فقالوا جاء أمره او قضاؤه او دلائل آياته وجعلوا مجيئها مجيئا له تفخيما وإجلالا لأن الحركة والسكون محال عليه جل شأنه ولكل وجهة، واجراؤها على ما هي عليه أولى «وَالْمَلَكُ» أل فيه للجنس فيشمل جميع ملائكة السماء أما ملائكة الأرض فأنهم يقفون في ذلك الموقف لاداء التحية والتكريم قياما بأبّهات الكبرياء والتعظيم «صَفًّا صَفًّا 22» أي تقف ملائكة كل سماء صفا على حده فيحدقون بالجن والإنس ويحيطون بهم «وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ» في ذلك اليوم المهيب الذي تأتي فيه ملائكة الله وهو يوم القيامة «بِجَهَنَّمَ» نفسها وينادى من قبل الله هذه التي أعدت للكافرين، كما تبرز الجنة وينادى هذه المعدة للمتقين. اخرج مسلم والترمذي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن مسعود قال رسول الله: يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون الف زمام مع كل زمام سبعون الف ملك يجرونها. وفي رواية: تنصب عن يسار العرش لها تغيظ وزفير. وجاء في بعض الآثار عن علي كرم الله وجهه انه سأل حضرة الرسول فقال كيف يجاء بها يا رسول الله؟ فقال تقاد بسبعين الف زمام يقوده الف ملك. هذا وفي أول المجيء بالبروز، وقال هو على حد قوله تعالى (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى) الآية 31 من النازعات في ج 2 وجمل الآية على المجاز لزعمه ان الحقيقة متعذرة في ذلك قال باستحالة الانتقال الذي يقتضيه المجيء الحقيقي على جهنم وهو لعمري جائز إذ لا يستحيل على مالك أمر ذلك اليوم بل يجوز أن تخرج وتنتقل من محلها الى المحشر والى الموقف ليطلع عليها أهله ثم تعود الى مكانها بمجرد أمره لها بين الكاف والنون، وان في ذلك اليوم وراء ما تتخيله الأذهان، وليس ذلك بأعظم من أنزال العرش. راجع تفسير الآية 17 من سورة الحاقّة في ج 2 فإنكار مجيء جهنم يستدعي إنكار نزول عرش الرحمن لأن العلة فيهما واحدة وهي دعوى الاستحالة وذلك كفر والعياذ بالله، لذلك يجب الاعتقاد بظاهر آيات الصفات كما هي طريقة السلف الصالح إذ لا يجوز أن يخطر بالبال أن الله تعالى يعجزه شيء قبله العقل أم لا. راجع
تفسير الاية 67 من سورة الزّمر ج 2، ولهذا البحث صلة في تفسير الآية 15 من سورة فاطر الآتية فراجعه. قال تعالى «يَوْمَئِذٍ» أي يوم يجاء بجهنم ويراها أهلها وسائر من بالموقف على ما وصفها الله لهم على لسان أنبيائهم «يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ» ما فرط في دنياه من انكار البعث وتكذيب الأنبياء ويندم على ما وقع منه من المخالفات «و» لكن «أَنَّى لَهُ الذِّكْرى 23» أي لا تنقعه إذ ذاك حيث لا مجال للرجوع للدنيا لقبول التوبة ولا للاتعاظ ولكنه «يقول» متحسرا متأسفا «يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ» عملا صالحا «لِحَياتِي 24» هذه في هذا اليوم الذي لا موت بعده يوم الحياة الأبدية التي كنت أنكرها في الدنيا «فَيَوْمَئِذٍ» يوم يكون ما ذكر «لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ 25» من مخلوقاته «وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ» بالسلاسل والأغلال «أَحَدٌ 26» أيضا أي أن الله تعالى هو ذاته المقدسة تتولى العذاب للإنسان العاتي المذكور في الآية السابقة بما يعم أمية بن خلف وغيره وهذا على حد قولهم «قاتل السلطان» والمراد جنده لأنه لا يقاتل عادة. وقرىء الفعلان على البناء للمفعول وعليه يكون المعنى، إن الإنسان أشد عذابا من غيره لأن الله ميّزه بالعقل على سائر الحيوانات ليميّز بين الخير والشر أما وأنه لم يفعل وصرف ذلك العقل إلى شهواته ولذاته فقد جعل الله عذابه أعظم من غيره لتناهيه بالكفر. وجرى على هذه القراءة ابن سيرين وابن أبي اسحق وأبو حيوه وابن أبي عبلة وأبو بحرية والكسائي وسلام ويعقوب وسهل وخارجة تلقيا عن ابن عمر رضي الله عنهما. قال ابن الحاجب إن في عود الضمير على الله على قراءة عاصم ورواية حفص الجارية في المصاحف على بناء الفعلين للفاعل فوات للتعظيم الذي يقتضيه السياق وفوات المعنى، إذ عليها ان الله تعالى هو الّذي يتولى عذاب الكافر ووثاقه ليس بسديد لأن الله ذكر ملائكة للعذاب ووصفهم بالغلظة والشدة وانهم هم الذين يتولون ذلك قال تعالى «يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ 27» الآمنة المتأنسة
، وأل فيها للجنس أيضا فتشمل كل فرد من أفرادها، وقد خاطبها جلّ خطابه مخاطبة إكرام تكريما