الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لها، وما قيل إن هذه الآية نزلت في حمزة أو خبيب الأنصاري الذي صلبه كفار قريش في مكة أو في عثمان لأنه اشترى بئر رومة، بعيد عن الصحة، لأن عثمان اشتراها بالمدينة وحمزة قتل في بدر وكذلك حادثة صلب خبيب وقعت والرسول بالمدينة. وهذه السورة نزلت بمكة قولا واحدا لذلك فإنها عامة في كل نفس طاهرة موقنة بالحساب، وكذلك لا دليل على القول بأنها نزلت في أبي بكر أيضا لتجهيزه جيش العسرة لذلك السبب. على ان كل هؤلاء داخلون في عمومها دخولا أوليا لانهم ممن أكرمهم الله القائل «ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ» لتري ما وعدك به من الثواب حالة كونك «راضِيَةً» بلقائه وبما منّ عليك من النعيم المقيم الذي وعدك به رسوله في الدنيا «مَرْضِيَّةً 28» عنده محظية بسبب عملك الصالح، ويقول لك ربك بلسان ملائكته الكرام «فَادْخُلِي فِي» زمرة «عِبادِي 29» الصالحين المرضى عنهم وعليهم «وَادْخُلِي جَنَّتِي 30» معهم. هذا ومن قال ان المراد بالنفس هنا الروح فيكون المعنى ادخلي في أجساد عبادي، وليس بوجيه إذ ينافيه «وَادْخُلِي جَنَّتِي» فتكون الروح هي الداخلة لا الجسد. تأمل. قال سعيد بن جبير: مات ابن عباس بالطائف فشهدت جنازته فجاء طائر لم ير على خلقه طائر قط، فدخل نعشه ثم لم ير خارجا منه، فلما دفن تليت هذه الآية على شفير القبر لا يدرى من تلاها، قال بعض أهل الإشارات «يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ الى الدنيا ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ بتركها والرجوع اليه هو سبيل الآخرة، وفقنا الله اليه. وقال الشيخ محي الدين العربي:
ادخلي في زمرة عبادي المخلصين في أهل التوحيد الذاتي وادخلي في جنتي المخصوصة بي أو جنة الذات. هذا والله أعلم، وأستغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين.
تفسير سورة الضحى عدد 11- 93
نزلت بمكة بعد سورة الفجر على أثر انقطاع الوحي أياما، وهي احدى عشرة آية ومثلها في عدد الآي القارعة والعاديات والجمعة والمنافقون، وهي أربعون كلمة، ومائتان وسبعون حرفا، لا يوجد في القرآن سورة مبدوءة أو مختومة بما بدئت وختمت به، لا ناسخ ولا منسوخ فيها.
«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ»
قال تعالى «وَالضُّحى 1» هو الوقت المعلوم من النهار أقسم الله به لأنه من الأوقات المباركة وفيه صلاة مسنونة وفيه كلّم الله موسى وفيه سجد سحرة فرعون لله حينما ظهرت لهم آية العصا اعترافا بأنها معجزة وليست بسحر كما يقوله من غضب الله عليه «وَاللَّيْلِ إِذا سَجى 2» سكن الناس فيه قال الأعشى الشاعر المعروف:
وما ذنبنا ان جاش بحر ابن عمكم
…
وبحرك ساج لا يواري الدعا صما
أي ساكن، والد عاصم كثيب الرمل، وسجّى بالتشديد بمعنى غطّى وجواب القسم «ما وَدَّعَكَ» ما تركك «رَبُّكَ» منذ اختارك نبيا لخلقه واصطفاك حبيبا لنفسه كما رعاك بعنايته في الأزل وفي عالم الذر وحينما كنت نطفة في المستقر والمستودع.
والتوديع مبالغة في الوداع لأن من ودعك فقد بالغ في تركك «وَما قَلى 3» وما أبغضك منذ أحبك واجتباك ولذلك قال ما ودعك لأن الوداع انما يكون بين الأحباب ومن تقر مفارقته قال المتنبي:
حشاشة نفس ودّعت يوم ودعوا
…
فلم أدر أي الظاعنين أودع
مطلب نزول هذه السورة وبشارة الله اليه:
أما الترك فلا يختص بالمحين وهذا من لطائف القسم، انه أقسم على انعامه على رسوله وإكرامه له، وهو يتضمن أيضا لتصديقه له على صحة نبوته وعلى جزائه في الآخرة بالحسنى، وقسم أيضا على النبوة والمعاد، وتقدم في بحث فترة الوحي سبب نزول هذه السورة فراجعه في أوائل سورة المدثر. وما قيل إنّ اليهود سألوا رسول الله عن الروح وذي القرنين وأصحاب الكهف وانه قال لهم سأخبركم غدا ولم يستثن لا حجة له لأن السورة مكية ومجادلة اليهود لحضرته واسئلتهم كانت في المدينة وكل ما وقع له معهم في قضية الروح وغيرها كان هناك. وما جاء في حديث خولة خادمة الرسول أن جروا دخل تحت سرير رسول الله ومات ولم تشعر به وأن الوحي انقطع بسببه أربعة أيام لأن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب أو تصاوير، ثم انها نفضت البيت فاخرجته ميتا وطرحته فأنزل الله هذه السورة، ورواية ابن
الكلبي بأن انقطاع الوحي خمسة عشر يوما، ورواية ابن جريح اثنى عشر يوما، وهناك روايات بخمس وعشرين وأربعين، عن ابن عباس والسدي، لا يوثق به كله، لأن أربعة الأيام لا تستوجب حزن النبي بالدرجة المار ذكرها في المدثر لا سيما وأن الوحي لم يحجم بعد، على أنه قد جاء في بعض الآثار أن حضرة الرسول قال لجبريل ما جئتني حتى اشتقت إليك فقال بل كنت إليك أشوق ولكني عبد مأمور وتلا قوله تعالى «وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ» الآية 64 من سورة مريم الآتية وفي رواية أنه عاتبة فقال أما علمت أنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة؟ على أن هذه الآية لم تنزل بعد وعلى كل فلا مانع من تعدد الأسباب إذا قلنا بجواز ذلك كله يشرط أن يكون السائل كفار قريش على لسان اليهود كما سيأتي في الآية 85 من سورة الإسراء الآتية والآية 29 من سورة الكهف في ج 2 والله أعلم بالصواب قال تعالى «وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى 4» وهذه بشارة عظيمة من ربه اليه بأن ما أعده له من المقام المحمود في الآخرة أحسن وأعظم مما إعطاء في الدنيا، روى البغوي عن ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم قال إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، ثم اقسم جل قسمه تطمينا لقلب حبيبه وإقرارا لعينه وقال «وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى 5» من جزيل عطائه وجليل رضائه وعظيم مواهبه ومن الحوض المورود واللواء المعقود والشفاعة العظمى في اليوم الموعود وغيرها مما وعده به وهذا العطاء كائن لا محالة. روى ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم عرض عليه ما هو مفتوح على أمته من بعده، فسرّ فأنزل الله هذه الآية بشارة له بأنه سيعطيه من النعيم الدائم في الآخرة ما لا يقاس بما أعطاه له ولإمته في الدنيا. ولما نزلت هذه الآية قال صلى الله عليه وسلم لا أرضى وواحد من أمتي بالنار. وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه صلى الله عليه وسلم رفع يديه وقال اللهم أمتي أمتي وبكى، فقال الله يا جبريل اذهب إلى محمد واسأله ما يبكيك؟ وهو أعلم، فأتى جبريل وسأله فأخبره بما قال وهو أعلم، فقال: يا جبريل اذهب إلى محمد وقل له إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك فيهم. روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته واني اختبأت دعوتي شفاعتي لأمتي فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا. وهذه بشارة عظيمة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم وتأميل لهم بالنجاة هذا وان الله أعطاه في الدنيا النصر والظفر وكثرة الأتباع والفتوح في زمنه وزمن خلفائه واتباعهم ومن بعدهم وإلى يوم القيمة إن شاء الله وان ما وقع فهو من فترات الزمن وسيعيد الله التاريخ الناصع لهم إذ أحسنت الناس ظنها بالله واتبعت أوامره واجتنبت نواهيه وإلا لا. وليعلم ان الله تعالى أعلى رتبة محمد على سائر الأنبياء وجعل أمته خير الأمم وأعطاه في الآخرة الشفاعة الخاصة والعامة والفضيلة والوسيلة. قال حرب بن شريح سمعت جعفر بن علي يقول
انكم يا أهل العراق تقولون أرجى آية في القرآن (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) الآية 53 من سورة الزمر في ج 2 وإنا أهل البيت نقول ان أرجى آية في كتاب الله «وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى» ولهذا البحث صلة في الآية 8 من الإسراء الآتية. ثم شرع يعدد نعمه على نبيه فقال «أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً» فاقد الأبوين صغيرا ووجد هذه وما بعدها بمعنى علم ويقال لفاقد الأب يتيم ولفاقد الأم عجي ولفاقدهما لطيم وكان والده صلى الله عليه وسلم توفي بعد حمله بشهرين ثم توفيت أمه وهو ابن ست سنين «فَآوى 6» جعل لك مأوى تأوي اليه بأن ضمك أولا الى جدك عبد المطلب الذي كان يقدمك على كل أحد ويفتخر بك ويتفرض بك الخير وبعد وفاته ضمك الى عمك أبى طالب فأحسن تربيتك وحماك من أعدائك وكفاك مؤنتك، فكنت كالدرّة اليتيمة التي لا نظير لها، فأيدك وشرفك ربك بالنبوة المشعر بها قوله جل قوله «وَوَجَدَكَ ضَالًّا» عاقلا عن الشرائع التي لا تهتدي إليها العقول قال تعالى «ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ» الآية 53 من الشورى في ج 2 أي خاليا من الهام النبوة غير عالم بمعالمها «فَهَدى 7» أرشدك إليها وعرفك الشريعة التي أنزلها عليك وما يتعلق بها من أصول وفروع بما أنزله عليك من الوحي.
مطلب هدايته صلى الله عليه وسلم ومعاملته اليتيم:
ولا يقال انه صلى الله عليه وسلم كان على ملة قومه استفادة من معنى «ضالا» فهداه للاسلام لأن سائر الأنبياء منذ يولدون ينشأون على التوحيد والأيمان وأنهم قبل النبوة وبعدها معصومون من الجهل بعصمة الله، يدل على هذا أنه لما سافر مع عمه أبي طالب ورأى بحيرا الراهب فيه علامة النبوة فاستحلفه باللات والعزى فقال صلى الله عليه وسلم: لا تسألني بهما فو الله ما أبغضت شيئا كبغضهما ويؤكد هذا شرح صدره واستخراج العلقة منه وقول جبريل هذا حظ الشيطان منك وملأه حكمة وإيمانا. وقوله جل قوله (ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى) الآية 2 من سورة النجم الآتية قال الزمخشري في كشافه: من قال انه كان على دين قومه أربعين سنة، فإن أراد أنه على خلوه من العلوم السمعية فنعم، وإن أراد أنه على دين قومه، فمعاذ الله، أما ما قيل انه ضل في شعاب مكة وردّه فرعونه أبو جهل، وأنه أركبه وراءه فلم تقم الناقة فأركبه امامه فقامت وقالت يا أحمق هذا الإمام، فكيف يكون خلف المقتدي؟ فكان ارجاعه الى جده على ما يدعوه كإرجاع موسى لأمه، أو أنه ضل في طريق الشام واقتاد ناقته إبليس فنفحه جبريل ورد ناقته الى طريقها، أو أنه ضل مرة أخرى في مكة فتعلق جده بأستار الكعبة وصار يتضرع الى الله بردّه فسمع مناديا لا تضجوا فان محمدا لا يضيعه الله ربه وأنه بوادي تهامة. فذهب إليه جده وورقة بن نوفل، فأتيا به من تحت شجرة يلعب عندها، أو أنه ضل عند مرضعته حليمة فهذا كله على فرض وقوعه حقيقة غير مقصود هنا لأنه من ضل الطريق إذا سلك غيره على أن إضلاله الطريق قد يؤدي الى المقصود المقدر من علم الله مثل إضلال سيدنا موسى الآتي في الآية 30 من سورة القصص الآتية قال ابن الفارض:
ما بين ضال المنحني وظلاله
…
ضل المتيّم واهتدى بضلاله
ولكن نفس الأضلال لا يستوجب أن يعده الله عليه نعمة بالصورة المذكورة لأنه يقع لكل واحد، وانما القصد والله أعلم هو ما ذكرناه في تفسير الآية لإن الهداية منه نعمة كبرى لا تحصل لبشر غيره ولن تحصل أبدا «وَوَجَدَكَ عائِلًا»