الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن تأميل رسوله بإيمان من لم يقدر له الإيمان من كفرة قومه بقوله «بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ 19» مستمر لك ولما جئت به من القرآن كما كذب أولئك رسلهم ولم يعتبر قومك بمن أهلكناهم من الأمم السالفة «وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ 20» قادر على إنزال العذاب بهم مثل من تقدمهم لا يفلت منهم أحد لأنهم في قبضته ولا نجاة لهم من بأسه وهذا هو معنى الإحاطة من محيط ومحاط به وفيها تعويذ للكفرة لأنهم نبذوا الله وراء ظهورهم وأقبلوا على شهواتهم واعلم يا سيد الرسل أن الذي تتلوه على قومك ليس بسحر ولا شعر ولا كهانة ولا هو من تلقاء نفسك ولا من خرافات الأولين ولا مما يتقوله الأقدمون ولا من تعليم الغير
«بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ 21» عظيم الشأن عالي البرهان ثابت عندنا ومدون «فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ 22» من التبديل والتغيير والتحريف والنقص والزيادة وقرىء بالكسر على أنه صفة للوح وبالرفع على أنه صفة للقرآن مثل لفظ المجيد المتقدم في الآية 15 المارة وكلاهما جائز هذا والله أعلم، وأستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلّى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
تفسير سورة التين عدد 28- 95
نزلت بمكة بعد البروج وهي ثمان آيات، وأربع وثلاثون كلمة، ومائة وخمسة أحرف، لا يوجد سورة مبدوءة ولا مختومة بما بدأت وختمت به، لا ناسخ ولا منسوخ فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى «وَالتِّينِ» أي الجبل الذي عليه دمشق المنبثق بأشجار التين من الفواكه الطيبة الخالصة من الشوائب المنقصة لا عجم فيها تشبه فواكه الجنة مغذ سريع الهضم طيب الرائحة مبارك في بقعة مباركة قال تعالى (وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها) الآية 71 من سورة الأنبياء في ج 2 «وَالزَّيْتُونِ 1» الجبل الذي عليه البيت المقدس المتفطر بأشجار الزيتون
المبارك لما فيه من أدم وغذاء ودهن يؤكل ويدخر ويستفاد به لا يحتاج شجره إلى خدمة بعد نباته يعيش ألوفا من السنين، ترى أشجاره من بقايا الرومان في قضاء الزوية ويسمونه بالروماني لأنه من غرسهم لا يسقط ورقه صيفا ولا شتاء نبت كريم في بقعة كريمة وقد سماه الله في كتابه شجرة مباركة في الآية 35 من سورة النور في ج 3، وما جرى عليه بعض المفسرين بأن القسم به نفس التين والزيتون لا يستقيم مع قوله تعالى «وَطُورِ سِينِينَ 2» الجبل الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام وسطع عليه نور الإله، ومكانه سيناء وسمي سينين لحسنه وبركته، وكل جبل فيه أشجار مثمرة يسمى سينين وسيناء، هذا والعطف يؤيد ما جرينا عليه وكذلك قوله «وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ 3» مكة حرسها الله حيث يأمن الناس فيها على أهلهم وأموالهم ونفوسهم حتى ان الرجل ليرى قاتل ابنه فلا يتعرض له فيها احتراما لشأنها ولهذا لقب بالأمين وإن تأويل التين بالشام والزيتون بالقدس يناسب ذكر ما بعدها من الطور ومكة وهو من تسميته المحل باسم الحال فيه، ومناسبة المتعاطفات تدل دلالة صريحة على أن المراد بها الأماكن والأشجار، ويؤيد هذا ما أخرجه عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب أنهما مسجد أصحاب الكهف ومسجد إيلياء لأن الأول قريب من الشام، والثاني قريب من القدس هذا وقد أقسم الله في هذه البقاع المقدسة لما فيها من البركات ولأنها معظمة بحد ذاتها، راجع الآية الأولى من الإسراء والآية 31 من سورة القصص الآتيتين، وجواب القسم «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ 4» شكلا وصورة ولونا وتسوية أعضاء واعتدال قامة مزينا بالعلم والحلم والعقل والفهم والنطق والتمييز يأكل بيده جالسا وقائما ومتكئا وغيره مكبا على وجهه يأكل بفمه محروما من القوى التي ألمعنا إليها في الآية 4 من سورة الشمس المارة وقد متعه الله بما ذكر آنفا في سن الشباب والكهولة والشيخوخة، وقد سوى أصله من التراب ابداعا لا عن سابق مثل ولا من أصل آخر كالقردة كما يتقول به من لاخلاق له ولا إيمان «ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ 5» بعد ما كان عليه من الكمال
إلى أرذل العمر لما توقعه فيه من الهرم والضعف ونقص العقل والسمع والبصر والشم والشهوة وانقطاع صالح العمل بالعجز عن الصيام والصلاة بصورة كاملة، هذا مصيره في الدنيا، وأما في الآخرة فإذا كان غير شاكر ما متعناه به وجحد ما أنعمنا به عليه وكفر بنا وبرسولنا وكتابنا فنرده إلى أسفل دركة من جهنم، وهكذا شأن كل كافر جحود «إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ 6» وافيا غير ناقص لأن المؤمن الصالح لا ينحرف غالبا فلا يرد إلى أرذل العمر ولا ينقطع عمله ويدوم عليه أجره وقد شاهدت كثيرا من العلماء العاملين تجاوزوا المائة سنة وهم على أحسن خطة كالشيخ حسين الأزهري مفتي دير الزور والشيخ بدر الدين الحسني مدرس دار الحديث بدمشق رحمهما الله وأتباعهما كثير، على أن الرجل الصالح إذا أصيب بشيء ما يمنعه من ذلك فيكتب له ثواب ما كان يعمله قبل، قال ابن عباس هم نفر ردّوا إلى أرذل العمر على زمن رسول الله فانزل الله عذرهم وأخبرهم أن لهم أجرهم الذي عملوا قبل أن تذهب عقولهم، وإذا صح هذا فالسبب خاص والحكم عام وقال عكرمة ما يضرّ هذا الشيخ كبره إذا ختم الله له بأحسن ما كان يعمل، وقال ابن عباس إن الذين آمنوا أي الذين قرأوا القرآن لم يردوا إلى أرذل العمر وهذا يؤيد ما ذكرنا آنفا قال تعالى:«فَما يُكَذِّبُكَ 7» أيها الإنسان، وهذا التفات من المغيبة إلى الخطاب، وهو من محسنات البيان ومقتضيات البديع «بَعْدُ» أي بعد البيان الذي ذكرناه لك «بِالدِّينِ» الحق والبعث بعد الموت والحساب والجزاء
وقد بينا لك البرهان القاطع والحجة الواضحة فما عليك إلا أن تصدق به وتعمل لأجله ليحكم لك بالحسنى من ربك الكريم القوي المتين «أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ 8» صنعا وتدبيرا وعدلا وإذا كان كذلك، فكيف تتوهمون أنه لا يعيدكم بعد الموت وأن لا حساب ولا عقاب ولا جزاء ولا ثواب لا بل لا بد لكم من ذلك وأن الله سيحكم على كل بما يستحقه حكما عدلا وقضاء مبرما وهذا الاستفهام تقريري وجوابه بلى إنه أقضى القاضين وإنه قادر على ما يريده. جاء عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من قرأ والتين فليقل