الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منهم إذا آمنوا وصدقوا نيتهم والله أحق أن نتقي محارمه وأكرم من أن يرد من يقبل عليه بإخلاص. هذا ولا يوجد غير هذه السورة مختومة بمثل هذه اللفظة، أخرج أحمد والترمذي وحسنه الحاكم وصححه النسائي وابن ماجه وخلق كثير آخرون عن أنس أن رسول الله قرأ هذه الآية (هُوَ أَهْلُ التَّقْوى) إلخ فقال:
قد قال ربكم أنا أهل بأن أتقى فلا يجعل معي إله فمن اتقاني فلم يجعل معي إلها آخر فأنا أهل أن أغفر له. وأخرج ابن مردويه عن عبد بن دينار عن أبي هريرة وابن عمر عن ابن عباس مرفوعا ما يقرب من ذلك، هذا، والله أعلم واستغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
تفسير سورة الفاتحة عدد 5- 1
نزلت بعد المدثر في مكة بدليل قوله تعالى في سورة الحجر (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي إلخ) ، الآية 87 في ج 2، وهي مكية فلا برهان لمن قال إنها مدنية كمجاهد رحمه الله حتى قال الحسين بن فضيل هذه هفوة من مجاهد لأن العلماء على خلافه، ولا دليل لمن قال انها أول ما نزل أولية مطلقة كما نوهنا به أوائل سورة المدثر المارة، وأضعف من هذين القولين، القول بنزولها مرتين أولا بمكة ثم بالمدينة، وقد جزم جابر بن زيد أن أول ما نزل (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) ثم (ن) ثم (المزمل) ثم (المدثر) ثم (الفاتحة) وهي سبع آيات ومنها في عد الآي سورة الماعون فقط ولو أنها نزلت مرتين لأثبتت بالقرآن مرتين كما هو الحال في الآيات والقصص المكررة، وهذا كاف للرد على من يقول بنزولها مرتين، تدبر، والبسملة ليست آية منها.
مطلب أسماء الفاتحة وما يتعلق بها وهي تسع وعشرون كلمة ومائة وأربعون حرفا، وتسمى فاتحة الكتاب وأم القرآن والسبع المثاني لأنها تثنى في الصلاة وغيرها، والوافية لأنها لا تقسم في الصلاة بخلاف غيرها من السور، والكافية لأنها تكفي عن غيرها ولا يكفي عنها
غيرها عند الإمام الشافعي رحمه الله اعتمادا على قوله صلى الله عليه وسلم: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب، وعلى ما رواه مسلم عن أبي هريرة: من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأمّ القرآن فهي خداج وكررها ثلاثا، أي غير تمام، قال الراوي فقلت يا أبا هريرة إنا أحيانا نكون وراء الإمام، فغمز ذراعي وقال: اقرأها بنفسك يا فارسي (يريد سلمان رضي الله عنه فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تبارك وتعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل، فاذا قال (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) قال حمدني عبدي، وإذا قال (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) قال أثني عليّ عبدي، وإذا قال (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قال مجّدني عبدي، وإذا قال (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قال هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، وإذا قال (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل. وقد أول الحنفية الحديث المارّ بأن المراد به الصلاة الكاملة وإلا فهي تصحّ بكل ما قرىء من القرآن ولو كلمتين كما في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن عبادة بن الصامت المار في آخر سورة المزمل المتعلق في هذا البحث. وتسمى سورة الحمد، وفي القرآن خمس سور مبدوءة بالحمد لله، هذه والأنعام والكهف وسبأ وفاطر.
هذا ولا يقدح في قول القائل ان الفاتحة مشتملة على معان كثيرة بل على الكتاب كله وجامعة لما فيه، عدم اشتمالها على الأحرف السبعة وهي:(الثاء والجيم والزاي والشين والخاء والظاء والفاء) لأن المراد الكمال المعنوي لا اللفظي ولا ينقصها نقصان الصورة فقد جاء بحق البشر وهو مادي (إن الله لا ينظر إلى صوركم) فكيف بالأمور المعنوية. على أن هذه الأحرف من الحروف الظلمانية التي لم تذكر في المتشابه من القرآن في أوائل السور التي يجمعها قولك (صراط على حق نمسكه) أي بعد حذف المكرر منها، تأمل.
الحكم الشرعي وجوب تعيين قراءتها في الصلاة عند الشافعي وأحمد ومالك ومن تابعهم بحيث لا تصح الصلاة بدونها ولا يجزى غيرها عنها، والواجب عندهم كالفرض غالبا وقال أبو حنيفة لا يتعين قراءتها على سبيل الفرض، وعنده الواجب دائما دون الفرض
خلافا لبقية الأئمة، وقال رحمه الله بكفاية آية طويلة أو ثلاث آيات قصار من أي سورة كانت من القرآن بل تصح بأقصر آية مثل (ثُمَّ نَظَرَ) الآية 21 من المدثر المارة لأنه الفرض عنده استنادا لقوله تعالى:(فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) الآية الأخيرة من سورة المزمل المارة، وقوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي المسيء صلاته: ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن- كما في الصحيحين- أما كون البسملة ليست بآية منها فقد تقدم بحثه في الخاتمة.
بسم الله الرّحمن الرّحيم. تقدم البحث عنها بالخاتمة أيضا وقد أسقطت الألف من الياء للخفة وطول الباء خطا ليدل عليها، والاسم ما يعرف به ذات الشيء والتسمية عبارة عن تعيين اللفظ المعين لتعريف ذات الشيء فالاسم هو اللفظة المعنية واشتقاقه من السموّ أي العلو لأن اسم الشيء ما علاه وظهر به وصار علما له «الله» اسم علم خاص له تعالى وهو غير مشتق ومن خصائصه أنك إذا حذفت الالف بقي لله، وإذا حذفت اللام بقي إله، وإذا حذفتهما معا بقي هو، فالواو عوض عن الضمير، وإذا حذفت اللامين بقي آه فهو دائما يدل عليه دون غيره، ولم يسبق أن تسمى به أحد قطعا، قال تعالى (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) الآية 65 من سورة مريم الآتية ومعناه المستحق للعبادة وحده «الرّحمن» ذي الرحمة العامة و «الرّحيم» ذي الرحمة الخاصة وهما اسمان من صفات الذات مشتقان من الرحمة، وقد ذكرنا بعض ما يتعلق بمعنى البسملة على القول بانها آية من الفاتحة بالحالة المارة قال تعالى «الْحَمْدُ لِلَّهِ» استحقاقا لذاته الكريمة المستوجبة لجميع المحامد «رَبِّ» المربي الأكبر المالك لجميع الخلق «الْعالَمِينَ 1» جمع عالم بفتح اللام لا واحد له في لفظه مثل خيل ونساء، راجع الآية 5 من سورة المدثر المارة وهو اسم لكل موجود ما سوى الله الموجد للوجود، قالوا إن لله ألف عالم، ستمائة في البحر واربعمائة في البر وقيل ثمانون الف عالم نصفها في البر ونصفها في البحر والحقيقة ان له عوالم لا يعلمها غيره وما العمران في الخراب الا كفسطاط (خيمة) في فلاة «الرَّحْمنِ» المنعم على خلقه بما لا يتصور صدوره من العباد «الرَّحِيمِ» المنعم بما يمكن تصوره من عباده ويجوز التسمية به وهو في جملة أسمائه
صلّى الله عليه وسلم لأنه أخص من الرحمن كما تقدم في الخاتمة أيضا «مالِكِ» أبلغ من ملك لأنه لا يكون مالكا للشيء إلا وهو يملكه ولأن الملك لا يكون إلا بالمبايعة والمالك يكون بالقهر، وجاز قراءة ملك بالصلاة لمن يقتصر على الفاتحة في الركعة الثانية لتكون الأولى أطول منها بحرف وهو في سنن القراءة في الصلاة ولأنها قراءة أيضا، ومن لم يفهم هذا المعنى من الأئمة يداوم على قراءة ملك في الثانية مع أنه يقرأ معها شيئا من القرآن ويظن أنه يحسن عملا أو ان قراءة ملك مطلوبة او انه واقف على القراءات، وقيل أن ملك أولى لأن كل ملك مالك أيضا وليس بشيء «يَوْمِ الدِّينِ 3» أي الجزاء المتصرف بأمره ونهيه فيه، وجملة الحمد إخبارية لفظا انشائية معنى وما بعدها إخبار فقط، ثم رجع الخطاب لعباده فأمرهم ان يقولوا «إِيَّاكَ» يا ربنا «نَعْبُدُ» نخصّك بالعبادة ونوحدك طائعين خاضعين لك كما حققتها بالعبودية وسمي العبد عبدا لذلته لمولاه وانقياده لأوامره «وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ 4» لا نطلب المعونة إلا منك يا إلهنا، وتقديم المفعول يكون دائما للحصر، أي أن إعانتنا على عبادتك وأمورنا المحصورة فيك لا نقدر على القيام بها كما ينبغي إلا بقدرتك ومعونتك، وقال في المعنى:
إليك وإلّا لا تشد الركائب
…
ومنك وإلّا فالمؤمل خائب
وفيك والّا فالغرام مضيّع
…
وعنك والا فالمحدّث كاذب
ثم أمر عباده أن يسألوه ما يهمهم شأنه، وعلمهم كيف يدعونه بقوله عزّ قوله «اهْدِنَا» أرشدنا يا ربنا لسلوك الطريق «الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ 5» السويّ الموصل إلى رضاك، قال ابن عباس: هو دين الإسلام وقال غيره: القرآن، والحق أن يقال هو عام في كل ما من شأنه أن يكون عدلا حقا قال جرير:
أمير المؤمنين على صراط
…
إذا اعوج الموادد مستقيم
واعلم أن السين قد ينوب عنها الصاد وبالعكس في كل كلمة فيها سين يأتي طاء أو خاء أو غين أو قاف، نقول صراط وسراط، وصخر وسخر، ومصبغة ومسبغة، وصيقل وسيقل، وما شابهها، أما في غيرها فلا نقول صلح سلح،
كما لا نقول صالح صالح، تدبر «صِراطَ» بدل من الاول «الَّذِينَ أَنْعَمْتَ» مننت «عَلَيْهِمْ 6» بالهداية والتوفيق وهم الأنبياء ومن تابعهم على حقهم وصدّق بما أنزل عليهم قال:
لو لم ترد نيل ما نرجو ونطلبه
…
من فيض جودك ما علمتنا الطلبا
«غَيْرِ» طريق «الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ» الذين غيروا وبدلوا ما أمرتهم به فاستحقوا غضبك والغضب هو ثوران الدم لإرادة الانتقام قال عليه الصلاة والسلام اتقوا الغضب فإنه جمرة تتوقد في قلب ابن آدم ألم تروا إلى انتفاخ أوداجه وحمرة عينيه، وإذا وصف الله به فالمراد منه الانتقام فقط وغضبه تعالى يلحق الكافرين دون المؤمنين «وَلَا» طريق «الضَّالِّينَ 7» عن طريقك السوي المائلين عن هدى أنبيائك والضلال الهلاك ومنه قوله تعالى:(أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ) الآية 10 من سورة السجدة في ج 2 أي هلكنا وقوله تعالى: (وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) الآية 13 من سورة محمد في ج 3 أي محقها والضلال في الدين الانصراف عن الحق.
مطلب المراد بالمغضوب عليهم والضالين، وحكم (آمين) وعلوم الفاتحة:
ومن خصّ اليهود بالغضب والنصارى بالضلال في هذه الآية مستدلا ببعض الآيات القرآنية كقوله تعالى: (مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ) الآية 26 من سورة المائدة في ج 3 وقوله تعالى: (وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا) الآية 80 منها أيضا لم يصب الهدف، لأن الغضب والضلال وردا في القرآن بحق جميع الكفار على العموم فلم يخص بها اليهود والنصارى قال تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيداً) الآية 166 من النساء في ج 3 وسياق الآية ينافي ذلك الإختصاص، لأنها عامة والعبرة لعموم اللفظ عند عدم المخصص ولا مخصّص هنا.
واعلم أن كلمة آمين ليست من الفاتحة كما قدمناه في الخاتمة وانما يسن قراءتها بعدها بسكتة خفيفة لمواظبة النبي ومن بعده من الأصحاب والعلماء عليها حتى اليوم ومعناها أللهم استجب، وقد جاء فيما رواه البخاري أن الإمام إذا قرأ غير المغضوب عليهم
ولا الضالين فقولوا آمين فإن الملائكة تقول آمين فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه وفيها لغتان المد والقصر ويكون المدّ بإشباع الهمزة وهو اسم فعل بمعنى استجب، قال ابن عباس سألت رسول الله عن معنى آمين فقال:
(أفعل) وقال عليه الصلاة والسلام: لقنني جبريل آمين عند فراغي من قراءة فاتحة الكتاب وقال انه كالختم على الكتاب. الحكم الشرعي سنّية قراءتها بعد الفاتحة في الصلاة واسماع نفسه بها وقراءتها بعدها في الدعاء أيضا وعند مقطعات الأدعية لما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا أمّن الأصحاب على دعائه.
وهذه السورة لا ناسخ ولا منسوخ فيها ولا يوجد سورة ختمت بما ختمت به، وليعلم أن هذه السورة اشتملت على أربعة أنواع من العلوم:
الأول علم الأصول ومعاقد معرفة الله تعالى وصفاته وإليه الاشارة بقوله (رَبِّ الْعالَمِينَ) ومعرفة النبوات وهي المراد بقوله (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) ومعرفة المعاد المؤمى إليه بقوله (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) . الثاني علم الفروع وهو المعين بقوله (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) وأسسه العبادات وما يتفرع عنها من المعاملات. الثالث علم الكمال والأخلاق ومن إليه الإيعاز بقوله (إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) وفيه الوصول إلى الحضرة الصمدانية وبلوغ المراتب العلية (وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) الآية 35 من سورة فصلت في ج 2. الرابع علم القصص والأخبار عن الأمم السعيدة والشقية السالفة وإليه الالماع بقوله (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) وفيها علوم أخرى لا محل لبسطها هنا وفقنا الله للصواب وألهمنا حب أولي الألباب وجعلنا منهم آمين.
يا رب لا تسلبنّي حبّها أبدا
…
ويرحم الله عبدا قال آمينا
هذا والله أعلم، وأستغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.