الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أو رواية، وأضعف منه قول شريك بأنه وقع قبل أن يوحى اليه، وهذا كله لا ينطبق على ما نحن فيه وقال الحريّ انه قبل الهجرة بسنة، ويقرب من قوله قول النووي انه بعد النبوة بعشر سنين وثلاثة أشهر، وجزم الملا أمين العمري في شرح ذات الشفاء بأنه في السنة الثانية عشرة من البعثة، وادعى ابن حزم الإجماع عليه، وضعف ما في الفتاوى، وكأنهم يريدون بهذا زمن نزول سورة الإسراء، وعليه يقتضي أن يكون نزول هذه السورة بعد سورة الإسراء ولم يقل به أحد، والقول بنزولها قبلها لم يعارض فيه أحد، والمعارضة في نزولها بين سنة خمس أو ست فقط ورجح الأول لأن قول الثاني هو من باب التداخل في عدد السنين ليس إلا والله أعلم، فيظهر من هذا كله أن القول الموافق للحال والمطابق لترتيب نزول السورتين هو قول الزهري وعليه فتكون سورة الإسراء اخبارا عنها.
مطلب زمن الإسراء والمعراج والرؤية:
واني رغم تتبعي وسؤالي أهل العلم لم أقف على غير هذا، وسأتابع البحث فيه والسؤال عنه حتى إذا وقفت على غيره ذكرته إن شاء الله القائل
«ما كَذَبَ الْفُؤادُ» أي قلب الموحى اليه محمد صلى الله عليه وسلم «ما رَأى 11» بعينه وبصره من جبريل أو ما رأى ليلة المعراج من عجائب مكونات ربه وذاته المقدسة «أَفَتُمارُونَهُ»
تجادلونه يا كفار قريش، وقرىء أفتمرونه أي تغلبونه أو تجحدونه كما قرىء كذّب بالتشديد «عَلى ما يَرى 12» ويعاين من صورة جبريل الحقيقة التي ذكرها لكم أو مما قصه عليكم في ما شاهده في الإسراء والمعراج من العجائب وذلك أنه لما أخبرهم بإسرائه وقالوا له صف لنا بيت المقدس وأخبرنا عن عيرنا فوصفه لهم وأخبرهم عن عيرهم وثبت لهم صدقه ومع هذا كذبوه كما سيأتي أول الإسراء الآتية «وَلَقَدْ رَآهُ» رأى محمد جبريل «نَزْلَةً أُخْرى 13» مرة ثانية في صورته الحقيقية حال بلوغه «عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى 14» الكائنة في السماء السابعة وهي شجرة نبق عن يمين العرش التي ينتهي عندها كل أحد ولا يتجاوزها أحد من الملائكة أو رأى ربه عز وجل «عِنْدَها أي السدرة التي ت (13)
بقربها «جَنَّةُ الْمَأْوى 15» التي تأوى إليها أرواح الشهداء في الدنيا والمتقون أجمع في الآخرة «إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ 16» من تكبير وتعظيم وتهليل وتمجيد من الخلائق المختلفة الدالة على عظمة الخالق مما لا يحيط به الوصف ولا تسعه الأذهان ويعجز عنه النطق به كل لسان «ما زاغَ الْبَصَرُ» من محمد ولا حال عن رؤية ومشاهدة العجائب التي أبدعها المبدع وأمر رسوله برؤيتها حينما عرضها عليه ومكنه من رؤيتها في تلك الحضرة المقدسة لا يمينا ولا شمالا وهو غاية في أدبه صلى الله عليه وسلم في ذلك المقام الجليل إذ لم يلتفت اليه وهذا يؤيد كون الذي يغشى السدرة هو نور رب العزة لا الملائكة ولا الفراش الذهبي ولا أنواع المخلوقات وان نظر الرسول ما حال دون رؤية ربه عز وجل بصعقة أو غشية كما حصل لموسي وابراهيم عليهما وعليه أفضل الصلاة السلام. وقد ثبت في ذلك المقام الذي تحار به العقول وتزل به الأقدام وتشخص فيه الابصار، ولهذا فقد وصفه ربه بالقوة والسكينة في ذلك المقام بقوله جل قوله «ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى 17» أي ما جاوز بصره غير ما أمر بالنظر اليه وهو المعنى بقوله مقسما «لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى 18» التي هي أكبر آية وأعظمها وأجلها وهي رؤية ذاته المقدسة التي لا يضاهيها آية وتصغر دونها كل آية قال الأبوصيري:
أرآى من الآيات أكبر آية
…
ما زاغ حاشا أن يزيغ المبرأ
قال ابن عباس رضي الله عنهما رآه بفؤاده وقال الحسن وأنس وعكرمة رآه بعينه حقيقة وسنذكر ما جاء في الأحاديث الواردة بالرؤية القلبية والعينية هنا وما جاء في حق جبريل أيضا، روي عن مسروق أنه قال قلت لعائشة يا أماه هل رأى محمد ربه؟ فقالت لقد قفّ شعري (أي قام من الفزع مثل اقشعر جلدي واشمأزت نفسي عند سماع مالا ينبغي) مما قلت أين أنت من ثلاث من حدثكهن بها فقد كذب، من حدثك أن محمدا رأى ربه فقد كذب، ثم قرأت لا تدركه الأبصار الآية 102 من الانعام في ج 2 وقرأت (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) الآية 56 من سورة الشورى في ج 2 أيضا، ومن
حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب وقرأت (وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً) الآية الأخرى من سورة لقمان 24 ومن حدثك أنه كتم أمرا فقد كذب ثم قرأت (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) الآية 70 من المائدة في ج 3 ولكنه رأى جبريل في صورته مرتين أخرجاه في الصحيحين، وروى مسروق بن الأجدع قال قلت لعائشة فأين قوله (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ) إلخ قالت ذلك جبريل كان يأتيه في صورة الرجل وأنه أتاه في هذه المرة في صورته التي هي صورته فسدّ الأفق، أخرجاه في الصحيحين. وروى مسلم عن ابي هريرة ولقد رآه نزلة أخرى قال رأى جبريل، وروى مسلم عن عبد الله بن مسعود قال لقد رأى من آيات ربه الكبرى، قال رأى جبريل في صورته له ستمائة جناح، وفي رواية مسلم عن مسروق قال كنت متكئا عند عائشة فقالت يا أبا عائشة، ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفرية قلت ماهن قالت من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية، فجئت فقلت يا أم المؤمنين أنظريني ولا تعجليني، ألم يقل الله تعالى (وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ) الآية 43 من سورة التكوير، المارة (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) الآية المارة؟ فقالت انها أول هذه الآية سئل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنما هو جبريل لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين، رأيته منهبطا من السماء سادا عظم خلقه ما بين السماء والأرض، الحديث. وروى مسلم عن أبي ذر قال سألت رسول الله هل رأيت ربك؟ قال نور أنى أراه! وفي رواية نورانيّ أراه.، بفتح الراء وكسر النون وتشديد الياء. وروى البخاري عن عبد الله بن مسعود قال لقد رأى من آيات ربه الكبرى الآية قال لقد رأى رفرفا أخضر سدّ أفق السماء. وجاء في الصحيحين من حديث المعراج عن شريك ابن عبد الله بن ابي بحر عن أنس (ودَنا الجبار ذي العزّة فَتَدَلَّى حتى كان قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) وهي رواية أبي سلمة عن ابن عباس، وروى مسلم عن ابن عباس (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) الآيتين قال رآه بفؤاده مرتين. وأخرج أحمد عن ابن عباس انه قال: قال رسول الله رأيت ربي، ذكره
محمد الصالحي الشامي في الآيات البينات وصححه وهو تلميذ الحافظ السيوطي. وأخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال إن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه عز وجل مرتين، مرة ببصره ومرة بفؤاده. وجاء عن ابن عباس أتعجبون ان تكون الخلّة لإبراهيم والكلام لموسى والرؤية لمحمد؟! وعن عكرمة قال سئل ابن عباس هل رأى محمد ربه، قال نعم، وكان الحسن يحلف بأن محمدا رأى ربه. هذا وقد بلغت الرؤية حد الإجماع، وكلام ابن عباس لا يكون إلا بالسماع من رسول الله ولا يشك فيه أحد، كيف لا وهو خير الأئمة وعالمها المرجوع اليه في المعضلات وقد راجعه ابن عمر فأخبره أنه رآه، وهذا إثبات والإثبات مقدم على النفي، على أن عائشة رضي الله عنها لم تقله عن رسول الله وإنما قالته متأولة الآيات التي ذكرتها من قوله تعالى (وَما كانَ لِبَشَرٍ) و (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) والصحابي إذا خالفه مثله لا يكون قوله حجة ولو كان معها شيء عن رسول الله لذكرته فضلا عن انها عند نزول هذه السورة وسورة الاسراء كانت صغيرة دون سن التمييز، وليست هي بأعلم من ابن عباس، على
أن الإدراك الوارد بالآية معناه الإحاطة والله تعالى لا يحيط بعلمه أحد ولا يحاط به، وإذا ورد النفي بنفي الإحاطة لا يلزم نفي الرؤية بغير إحاطة، والله تعالى يرى بلا كيفية ولا احاطة فلو كانت الرؤية غير جائزة لما طلبها موسى، أو يلزم مع الرؤية وجود الكلام ليصح الاحتجاج بآية (وَما كانَ لِبَشَرٍ) بل تجرز من غير كلام، فارتفع الاحتجاج بها على أن ما من عموم إلا وخصّ منه البعض، فيمكن أن يقال: نفي الرؤية عام في حق البشر في الدنيا مخصوص بسيدنا محمد عليه السلام فيها ثابت بما تقدم من الأدلة، ولهذا فإن ثبوت الرؤية لسيدنا محمد ثابتة قاله كعب واحمد ابن حنبل وابو الحسن الأشعري وجعفر بن محمد ومحمد بن كعب والقاضي عياض والشيخ محي الدين النووي وغيرهم من أكابر السلف والخلف فمن أنكرها فجزاؤه حرمانها واعلم أن في جملة ما زاغ البصر إلخ أخبار من الله تعالى عن حسن أدبه صلى الله عليه وسلم لدى الحضرة الإلهية وعن اعتدال قلبه المقدس في الإقبال اليه بكلية والإعراض عن سواه وعدم الالتفات إلى ما في
السموات والأرض وما فيهما، وتركه وراء ظهره، وفيه دلالة على أنه كان معتدل القوى لم تشغله حاسة عن حاسة حال تلقى ما ورد عليه من مقام الروح والقلب المشير اليه قوله (قابَ قَوْسَيْنِ) لذلك كان ثابتا في مقام تجلي الإله صارفا قواه العشرة لما يرد عليه من تلك الحضرة مستظلا بهيبته فلم يتخلف بصره عن بصيرته بل استقام معها حالة التجلي لئلا يتجاوز حده بالسبق لها كما أن البراق لم يتجاوز حافره غاية نظره صلى الله عليه وسلم حالة السير به من مكة إلى البيت المقدس، وهذه غاية في الأدب ونهاية في التأدب قال تعالى «أَفَرَأَيْتُمُ» أعلمتم «اللَّاتَ وَالْعُزَّى 19 وَمَناةَ» أسماء أصنام انتقوها من أسماء الله، الآله والعزيز والمنان وقيل انها في الأصل اللآت مأخوذة من لوى لأنهم يلوون عليها بعبادتهم وهي صنم من الحجارة يشبه الإنسان ولذلك قال بعضهم انه كان رجلا يلت السويق للحجاج وكان صنما لثقيف، والعزى تأنيث الأعز شجرة كانت لغطفان فقطعها خالد بن الوليد بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وقال عند قطعها مرتجزا.
يا عز كفرانك لا سبحانك
…
اني رأيت الله قد أهانك
ومناة كانت صنما في مكة أو بقديد لخزاعة وهذيل وقيل لثقيف، وكانوا يستمطرون عندها تبركا بها، وقيل بيت بالمشلل تعبده بنو كعب وسميت مناة لأن دماء النسائك تمنى عندها، وهي عبارة عن صخرة يعظمونها فعاب الله عليهم ذلك على طريق الاستفهام توبيخا وتقريعا، أي أخبرونا عن هذه الأشياء التي تعبدونها هل لها من القدرة والعظمة شيء وكانوا يسمونها والملائكة بنات الله ويزعمون أنها تشفع لهم مع ما هم عليه من وأد البنات واستحلال المحرمات والكفر ثم وصف مناة بقوله:
«الثَّالِثَةَ الْأُخْرى 20» المتأخرة أو أن في الكلام تقديما وتأخيرا أي أفرأيتم اللات والعزى الأخرى ومناة الثالثة، ثمّ أنكر عليهم ما ينسبونه اليه تعالى عنه
«ألكم» أيها الكفرة «الذَّكَرُ» تختصون به «وَلَهُ» جل شأنه «الْأُنْثى 21» مع أنكم تكرهونها قال تعالى (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ) الآية 59، وقوله وإذا بشر أحدهم بالأنثى إلخ الآية 63 من سورة النحل في ج 2
«تِلْكَ» القسمة التي قسمتموها بينكم وبين ربكم «إِذاً» بعد اختياركم الأحسن «قِسْمَةٌ ضِيزى 22» عوجاء جائرة لم ترضوها لأنفسكم فكيف ترضونها لربكم «إِنْ هِيَ» ما الأصنام المذكورة بشيء البتة «إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ» عفوا من تلقاه أنفسكم ودعيتموها آلهة افتراء على الله وهي ليست بشيء يستحق الذكر «ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ» حجة أو برهان بما تزعمون من آلهيتها «إِنْ» ما «يَتَّبِعُونَ» في ذلك الاتخاذ «إِلَّا الظَّنَّ» والوهم الذي لا حقيقة له «و» ما يتبعون في ذلك الا «ما تَهْوَى الْأَنْفُسُ» وتزينه لهم وتشهيهم بعبادة الأوثان وأتباع الشيطان «وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى 23» بكتابه المنزل على رسوله بأن الأصنام ليست بآلهة ولا أهلا للعبادة وأن العبادة لا تكون الا الله الذي يخذل من يعبد غيره، ويقهر من يكذب آياته فلم يرتدعوا ولم ينتهوا عن ذلك، قال تعالى منّددا صنيعهم ذلك بقوله «أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى 24» استفهام على طريق الإنكار أي أيظن الكافر ان له ما يتمناه ويشتهيه من كل ما يصوره عقله، كلا ليس له ذلك بل لا يكون الا ما يريده الله «فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى 25» كليهما وما فيهما ولا يقع فيهما إلا ما يشاء الله ليس لأحد فيها دخل ولا شيء البتة، ثم قال ردا على ما يزعمون من شفاعته أصنامهم «وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً» لأحد ما لأنهم لا يشفعون «إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ» الشفاعة له ومن يؤهله للتشفع «وَيَرْضى 26» له أن يكون شافعا فكيف إذن تشفع أصنامهم لهم وهم ليسوا بشيء «إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ» ويجحدون كونها ووجودها «لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى 27» بقولهم أنهم بنات الله ولم يقل تسمية الإناث لأن المراد الجنس وهو أليق لمناسبة رؤس الآي وما يسمونه بالروى في النظم «وَما لَهُمْ بِهِ» أي الذين يقولونه «مِنْ عِلْمٍ» يحتجون به في تلك التسمية والعبادة «إِنْ» ما «يَتَّبِعُونَ» في عبادتهم وتسميتهم «إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً 28» أبدا لأنه ناشىء عن التقليد والوهم والتخمين، والشيء