الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني فيما يحتاج إليه المفسر
اعلم رعاك الله إن المفسر يحتاج إلى معرفة اثنى عشر علما على الأقل ليتسنى له القيام على أحسن وجه فيما يفسره من كتاب الله تعالى: (1) علم اللغة لمعرفة معلومات الألفاظ بحسب الوضع ومعرفة الألفاظ المشتركة كالعين وشبهها، فإن لم يكن له إلمام بها فلا يجوز له الشروع فيه. روي عن أحمد أنه سئل عن القرآن يمثل له الرجل ببيت من الشعر، فقال: ما يعجبني إلا أن يكون واقفا عليه. وقال مجاهد: لا يحل التفسير لمن لم يكن عالما بلغات العرب. وقال مالك ينكّل أي من أقدم على تفسيره دون إلمام له بذلك. (2 و 3) علم النحو والتصريف لمعرفة أحكام الكلمات العربية من حيث الاشتقاق والإفراد والتركيب والإعراب والبناء، أخرج أبو عبيدة عن الحسن أنه سئل عن الرجل يتعلم العربية يلتمس بها حسن المنطق ويقيم بها قراءته فقال: حسن فتعلمّها فإن الرجل يقرأ الآية فيعيا بوجهها فيهلك فيها. وفي قصة أبي الأسود الدؤلي والأعرابي الآتي ذكره في أول سورة التوبة الآتية في ج 3 بالقسم المدني ما يغني عن البيان (4) علم المنطق لما فيه من معرفة وجه الجدل والقضايا الموجبة والسالبة وغيرهما. قال الغزالي رحمه الله:
من لا معرفة له بالمنطق لا ثقة بعلمه. (5) علم المعاني بفرعية البيان والبديع لمعرفة خواص تركيب الكلام من جهة إفادة المعنى ومعرفة خواصها ومن حيث اختلافاتها ومعرفة وجوه تحسين الكلام وهو الركن الأقوم لهذا الفن. (6) علم الحديث لمعرفة المبهم وتبيين المجمل وسبب النزول والتقييد للمطلق والتخصيص للعام المعبر عنه غالبا بالنسخ. (7) علم أصول الفقه لمعرفة الإجمال والنبيين والعموم والخصوص والإطلاق والتقييد ودلالة الأوامر والنواهي وما يشبهها ويتفرع عنها. (8) علم الكلام لمعرفة ما يجوز على الله وما يستحيل وما يجب، والنظر في النبوات لئلا يقع المفسر في أخطاء وورطات قد يهلك فيها. (9) علم القراءات لمعرفة كيفية النطق بالقرآن وترجيح بعض الوجوه المحتملة للمعاني الأكثر رجحانا بالنسبة للقارئين بها على البعض الأقل والأضعف. (10) علم الفقه لمعرفة الأحكام الشرعية العملية فيه وبيانها في
محالها، وآراء المجتهدين فيها والأخذ بما هو الأقوى دليلا والأحوط عقيدة وتقى.
(11)
علم الموهبة وهو علم يورثه الله تعالى لمن يشاء من عباده العالمين العاملين المتقين فيلهمهم المعرفة بأسرار كتابه، قال عليه الصلاة والسلام:(من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم) وهذا كالأساس لهذا العلم ليطلع على معانيه بما يفيضه الله على قلبه وركن هذا العلم العكوف على التقوى، وملاكه العمل مع الورع قال تعالى:
«وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ» الآية 283 من البقرة في ج 3. (12) علم الاعتماد على الرأي فيما لا يهتدى إليه من كتاب أو سنة أو قول معتمد عليه، وهنا يجب السكوت لئلا يهلك لأن الأمر عظيم ليس للرأي فيه مدخل بل لا بد من الاعتماد على شيء معتبر.
أخرج أبو داود والترمذي والنسائي عن أبي ذر قال: قال صلى الله عليه وآله وسلم من قال بالقرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار [أي من قال في مشكل القرآن ومتشابهه بما لا يعلم، أو من قال قولا يعلم أن الحق غيره فقد تعرض لسخط الله الذي عاقبته النار والعياذ بالله] .
وفي رواية من تكلم بالقرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ أي أخطأ طريق الحق إذ عليه أن يرجع إلى اللغة عند عدم الاهتداء إلى تفسير اللفظ، وإلى الأخبار عند عدم اهتدائه إلى الناسخ والمنسوخ بالمعنى المراد فيهما، وإلى صاحب الشرع عند عدم اهتدائه لبيان المعنى المراد منه، فإن لم يحصل له الاهتداء على ما غمض عليه في هذه الطرق فلا بأس بمراجعة فكرته وقدح رويّته ليستدل بما ورد على ما لم يرد، قال تعالى:
«أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ» الآية 24 في سورة محمد عليه السلام ومثلها الآية 82 التي يليها قوله جل قوله «وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ» الآية في سورة النساء في ج 3، وقال عز قوله «لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ» الآية 29 في سورة ص الآتية. لأن التفسير على صنفين نقلي ومستنده الآيات والأحاديث والآثار وسماعي، ومستنده اللغة والإعراب والبلاغة، هذا وقد أخرج أبو نعيم وغيره من حديث ابن عباس: القرآن ذلول ذو وجوه فاحملوه على أحسن وجوهه.
وروي عن علي عليه السلام أنه سئل هل خصكم رسول الله بشيء؟ قال: ما عندي غير ما في هذه الصحيفة أو فهم يؤتاه الرجل في كتابه، راجع تفسير الآية الثانية في سورة الحشر في ج 3 تجد حديث معاذ رضي الله عنه وما به كفاية في هذا البحث.