الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما نقرئك أبدا، ونظير هذه الآية الآية 16 فما بعدها من سورة القيمة الآتية كان صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه جبريل بالوحي لم يكد يفرغ من آخر الآية حتى يتكلم بها رسول الله مخافة نسيانها فأنزل الله عليه هذه الآية فأمن نسيان شيء من بعدها. وهي بشارة له من ربه منّ عليه بها بحفظ وحيه وأن لا يفلت منه شيء. وقيل المراد فلا تنسى العمل به، والأول أولى بالمقام لإنه ابعد ان يقع منه ذلك «إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ» وقوعه ولم يشأ جل شأنه أن ينسى حبيبه شيئا من كلامه، جاء في الحواشي العصامية على أنوار التنزيل ان الاستثناء على هذا الوجه لتأكيد عموم النفي لا لنقض عمومه، فهو استثناء من أعم الأوقات أي فلا تنسى في وقت من الأوقات شيئا من الوقت الا وقت مشيئة الله نسيانك، لكنه سبحانه لا يشاء ذلك وهذا على حد قوله تعالى:«خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ» الآية 108 من سورة هود من ج 2، وإليه ذهب الفراء فقال أنه تعالى ما شاء أن ينسى رسوله إلا أن المقصود من الاستثناء بيان أن الله تعالى لو أراد أن يصيره ناسيا لقدره عليه كما في قوله:«وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ» الآية 86 في سورة الاسراء الآتية، ولا شك أنّا نقطع بأنه تعالى ما شاء ذلك ولو شاء لفعل ولكن يأبى كرمه أن يسلب حبيبه شيئا منّ به عليه وشرّفه تفضلا منه، كيف وقد تعهد له «بحفظه راجع الآية 9» في سورة الحجر من ج 2.
مطلب عصمة النبي من النسيان:
هذا وقد قال له «لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ» الآية 65 من سورة الوتر من ج 2 مع القطع بأنه لم يشرك البتة، وفائدة ذلك ان يعرفه كمال قدرته حتى يعلم أن عدم النسيان من فعله وإحسانه وليعرف الغير ذلك، فعلى هذا يكون نفيا مجازيا من باب قوله من المعنى:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم
…
بهن فلول من قراع الكتائب
وما قيل من أن المراد بالمستثنى هو ما نفى الله نسخه أو ارتفاع حكمه أو تلاوته فليس بسديد لأن النسخ لا يأتي بمقابلة القراءة حتى يستثنى منها، وما استدل به على هذا في حديث عائشة الذي أخرجه الشيخان بأنه كان فيما أنزل عليه عشر معلومات فنسخن بخمس معلومات وأنه صلى الله عليه وسلم نسي الجميع بعد تبليغه وبقي ما بقي عنده بعض من سمعه منه بعيد جدا عن الحقيقة، لأنه لا يعقل أن المنزل عليه الذي بلغه ينساه ويبقى بفكر الغير، ولأن رفع الحكم يؤدي إلى ترك التلاوة لعدم التعبّد بها، ورفع التلاوة يؤدي لعدم اخطارها بالبال لعدم بقاء الحكم. وما قيل ان المراد إلا ما شاء الله أن تنساه ثم تذكره بعد استدلالا بما جاء في صحيح البخاري وغيره من حديث عائشة قالت: سمع رسول الله رجلا يقرأ في سورة والليل فقال رحمه الله لقد ذكرني كذا وكذا، وفي رواية كنت أسقطهن من سورة كذا وفي رواية أسقط آية في قراءته في صلاة الصبح فحسب أبي أنها نسخت، فسأله عليه السلام فقال نسيتها، غير وجيه وحاشا رسول الله أن ينسى شيئا تعهد له به ربه وان هذا النسيان الوارد في هذه الأحاديث غير مقصود بهذه الآية ولا متعلق بها وان الذكر بعد النسيان وان كان واجبا إلا أن العلم به لا يستفاد منه في هذا المقام ولا يصلح أن يستدل به. راجع بحث تهديد من نسي القرآن وبحث ترتيب آي القرآن في المقدمة تحظ بما يزيل عنك ما يحدس ببالك قال تعالى «إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ» في أقوال عباده وأفعالهم وحركاتهم وسكناتهم «وَما يَخْفى 7» منها وما يحوك في صدر الإنسان قبل أن يخش به «وَنُيَسِّرُكَ» يا أكمل الرسل ونوفقك «لِلْيُسْرى 8» الطريقة التي هي أهون وأكمل من كل ما تريد ونجعل شريعتك يسرة سمحة لا غرابة فيها ولا تعقيد ولا حرج ولا شدة قال عليه الصلاة والسلام بعثت بالحنفية السمحاء أي بين الرخاء والقسوة «فَذَكِّرْ» يا حبيبي قومك أجمع بما نوحيه إليك وعظهم به «إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى 9» أي ما نفعت وجاءت إن هنا شرطية استبعادا للتأثير فيهم لما هم عليه من عتو وعناد، وقد يراد بمثلها التذكر
مطلقا غير مقيد بالنفع، أي ذكر إن نفعت الذكرى أو لم تنفع فتكون من معضل المفهوم، قال تعالى:(فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ) الآية 21 من سورة الغاشية في ج 2 لأن الذكرى إذا لم ينتفع فيها الكافر ينتفع بها غيره، قال تعالى:
(وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) الآية 58 من الذاريات في ج 2 أيضا يدل عليه قوله تعالى «سَيَذَّكَّرُ» بوعظك وإرشادك «مَنْ يَخْشى 10» الله فيخاف عاقبة أمره
َتَجَنَّبُهَا»
الكافر الذي ينكر المعاد والنبوة والتوحيد وهولْأَشْقَى 11»
من غيره كثير الإثم المنهمك في المعاصي «الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى 12» نزلت في الوليد بن المغيرة أو في عتبة بن ربيعة واضرابهما ممن ينكرون البعث المتوغلين في عداوة الرسول، ولذلك وصف المراد منهم بها بالأعظم شقاوة بوصف النار التي يؤول أمره إليها بالأكبر عذابا وهي نار الآخرة لأن نار الدنيا جزء من سبعين جزءا منها، فكل من تباعد عن الذكرى في الدنيا يقربه الله في الآخرة لنارها «ثُمَّ» يكون حاله فيها كما ذكره الله تعالى «لا يَمُوتُ فِيها» فيستريح من عذابها لأن دار الآخرة خلود بلا موت «وَلا يَحْيى 13» حياة طيبة بل تعسة مشوبة بأنواع العذاب.
مطلب المراد بالصلاة والزكاة ومما تأخر حكمه عن نزوله:
«قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى 14» تطهر من الشرك ونظف ثوبه وبدنه ومكانه «وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ» وحده ولم يشرك معه غيره «فَصَلَّى 15» له مطلق صلاة ولو دعاء لأن الصلاة في اللغة الدعاء قال أكثر المفسرين إن المراد بالزكاة هنا زكاة الفطر وبالصلاة صلاة العيد. وعليه فيكون المعنى قد أفلح من زكى عمله وصيامه بزكاة الفطر وخرج يكبر إلى مصلّى العيد فصلّى صلاته أو الصلاة المفروضة عليه وقال هذا الزركشي في البرهان ورواه عن ابن عمر، ولكنه لا يصح إلا أن يقال بأن هذه الآية مما تأخر حكمه عن نزوله أي مما تقدم القول فيها على الحكم لأنها مكية وليس بمكة صلاة عيد ولا زكاة فطر لوجوبها في المدينة ولأن الصلاة المفروضة وان كانت فرضت بمكة إلا أنها لم تفرض بعد، وعليه فتكون من قبيل الإخبار
بالغيب أي بأنه سيكون ذلك لسابق علم الله به وأمثال هذا في القرآن كثير منها (وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ) الآية الثانية من سورة البلد الآتية فهذه مكية ظهر أثرها يوم الفتح حتى قال عليه السلام: (أحلت لي ساعة من نهار) ومنها قوله: (جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ) الآية 11 من سورة ص الآتية فقد وعده الله وهو بمكة أنه سيهزم جندا من المشركين، وكذلك قوله جاء الحق (وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ) الآية 49 من سورة سبأ في ج 2 فإنه ظهر مفعولها يوم الفتح أخرج الشيخان عن ابن مسعود قال: دخل النبي مكة يوم الفتح وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما فجعل يطعنها بعود كان في يده ويقول: (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) الآية 81 من الإسراء الآتيه ويقول (وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ) وكذلك قوله (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) الآية 46 من سورة القمر الآتية فقد بان مفعولها يوم بدر حتى أن عمر بن الخطاب قال كنت لا أعلم أي جمع يهزم فلما كان يوم بدر رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع ويقول: (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) وغير ذلك فيما يأتي، قال تعالى «بَلْ تُؤْثِرُونَ» على العموم والإطلاق وهو إضراب عن مقدر ينساق الكلام اليه كأنه قيل بعد بيان الفلاح وجهته وطريقه الموصل إليه: انكم لا تفعلون ذلك ولا تميلون إليه بل تفضلون أيها الناس «الْحَياةَ الدُّنْيا 16» الفانية «و» الحال «الْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى 17» لكم منها لأن نعيمها دائم والباقي خير من الفاني، قال عرفجة: كنا عند ابن مسعود نقرأ هذه الآية فقال: أتدرون لم آثرنا الحياة الدنيا على الآخرة قلنا لا قال لأن الدنيا أحضرت وعجل لنا طعامها وشرابها ونساؤها ولذاتها وبهجتها وان الآخرة زويت وتغيبت عنا فأحببنا العاجل وتركنا الآجل. ومن المفسرين من خص هذه الآية بالمؤمنين وليس بشيء إذ لا قيد يقيدها، كما أن من قال إنها خاصة بالكفار على معنى أنهم لا يؤمنون بها على حد قوله تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها) الآية 7 من سورة يونس في ج 2 غير وجيه لأن المطلق يجب أن يبقى على إطلاقه حتى يقيد، كما أن العام يجب أن يبقى على عمومه حتى