المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الأول]

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌[المقدمة]

- ‌المطلب الاوّل في بيان مبادئ في التفسير

- ‌المطلب الثاني فيما يحتاج إليه المفسر

- ‌المطلب الثالث في الحاجة الى التفسير

- ‌المطلب الرابع في أحوال المفسرين به ومأخذ هذا التفسير

- ‌مطلب الأصول المتبعة في التفسير

- ‌المطلب الخامس في التفسير والتأويل والنهي عن القول في الرأي

- ‌المطلب السادس في فضل القرآن وحفظه وتهديد من ينساه والسفر به

- ‌المطلب السابع في التشريع في نهج القرآن ومفاصده ومميزات مكيه ومدنيه

- ‌المطلب الثامن في النزول وكيفيته وترتيب سوره وآياته

- ‌المطلب التاسع في جمع القرآن ونسخه وترتيبه وكونه توقيفيا وبيان ناسخه

- ‌المطلب العاشر الناسخ والمنسوخ والقراءات ومعنى انزل القرآن على سبعة أحرف

- ‌مطلب حكاية واقعة:

- ‌مطلب في الصوفية ومعنى سبعة أحرف:

- ‌المطلب الحادي عشر في خلق القرآن وعدمه ونسبته للكتب الأخرى وصدق النبوة

- ‌المطلب الثاني عشر في الوحى وكيفية نزوله ومعناه وأوله والرؤيا الصادقة ومعناها

- ‌الخاتمة نسأل الله حسنها

- ‌مطلب الفرق بين الحمد والشكر وفضلهما ومتى يطلبان

- ‌مطلب إعاذة الله فى إصلاح الكون

- ‌مطلب ولادة محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌تفسير سورة العلق وتسمى سورة التعليم و (اقرأ) أيضا

- ‌مطلب معنى العلق وفضل الإنسان

- ‌تفسير سورة القلم عدد 2- 68 وتسمى سورة نون

- ‌مطلب معنى الساق:

- ‌مطلب النسخ لا يدخل الأخبار والوعد والوعيد:

- ‌مطلب معنى الكيد والمكر والآيات المدنيات الأخر:

- ‌تفسير سورة المزمل عدد 3- 72 أو قيام الليل

- ‌مطلب تخفيف قيام الليل ونقل الكسب والصدقة:

- ‌تفسير سورة المدّثر عدد 4- 74

- ‌مطلب أول سورة نزلت وفترة الوحي وسببها

- ‌مطلب ما نزل في الوليد بن المغيرة ثم في خبث أبي جهل

- ‌مطلب الحواس الباطنة والظاهرة والأخبار بالغيب

- ‌مطلب الشفاعة والمحروم منها:

- ‌تفسير سورة الفاتحة عدد 5- 1

- ‌تفسير سورة المسد عدد 6- 111

- ‌تفسير سورة التكوير عدد 7- 81 وتسمى كورت

- ‌مطلب أول من سنّ الوأد ومن منعه:

- ‌مطلب الاستمناء باليد والعلاج لمنع الحمل:

- ‌مطلب علامات الساعة:

- ‌تفسير سورة الأعلى عدد 8- 87

- ‌مطلب عصمة النبي من النسيان:

- ‌مطلب ما في صحف ابراهيم وموسى والحكم الشرعي في العيد:

- ‌تفسير سورة الليل عدد 9 و 92

- ‌مطلب في أنواع الخلق:

- ‌مطلب في أبي بكر رضي الله عنه وأمية غضب الله عليه:

- ‌تفسير سورة الفجر عدد 10 و 89

- ‌تفسير سورة الضحى عدد 11- 93

- ‌مطلب عدم رد السائل واللطف باليتيم:

- ‌مطلب الشكر لله ولخلقه:

- ‌تفسير سورة الانشراح عدد 12- 94

- ‌تفسير سورة العصر عدد 13- 103

- ‌تفسير سورة العاديات 14- 100

- ‌تفسير سورة الكوثر عدد 15- 108

- ‌تفسير سورة التكاثر عدد 16- 102

- ‌تفسير سورة الماعون عدد 17 و 107

- ‌تفسير سورة الكافرون عدد 18- 109

- ‌تفسير سورة الفيل عدد 19- 105

- ‌مطلب رمي الجمار بمنى:

- ‌تفسير سورة الفلق عدد 20- 113

- ‌مطلب في الحسد والتعاويذ:

- ‌تفسير سورة الناس عدد 21- 114

- ‌تفسير سورة الإخلاص عدد 22- 112

- ‌تفسير سورة والنجم عدد 23- 52

- ‌مطلب مقر جبريل ومعنى قاب قوسين:

- ‌مطلب زمن الإسراء والمعراج والرؤية:

- ‌مطلب الآية المدنية ومعنى الكبائر والصغائر:

- ‌مطلب في الغيب وأنه قسمان:

- ‌مطلب الكرامة ومصدرها والشعرى ومن يعبدها:

- ‌مطلب في السجود وقصة الغرانيق:

- ‌تفسير سورة عبس عدد 24- 80

- ‌تفسير سورة القدر عدد 25- 97

- ‌تفسير سورة والشمس 26- 91

- ‌تفسير سورة البروج عدد 27- 85

- ‌مطلب قصة أصحاب الأخدود:

- ‌تفسير سورة التين عدد 28- 95

- ‌تفسير سورة قريش عدد 29- 109

- ‌تفسير سورة القارعة عدد 30- 101

- ‌تفسير سورة القيامة عدد 31- 77

- ‌مطلب رؤية الله في الآخرة:

- ‌تفسير سورة الهمزة عد 32- 104

- ‌تفسير سورة المرسلات عدد 33- 77

- ‌مطلب مواقف يوم القيامة:

- ‌تفسير سورة ق عدد 34- 50

- ‌مطلب الآية المدنية في هذه السورة وخلق السموات والأرض والتسبيح:

- ‌تفسير سورة البلد عدد 35- 90

- ‌مطلب الحكمة الشرعية من الصدقات:

- ‌تفسير سورة الطارق عدد 36- 86

- ‌تفسير سورة القمر عدد 37- 54

- ‌مطلب في أربعاء صفر وعيادة المريض

- ‌مطلب الآيات المدنية وحكم ما تأخر حكمه عن نزوله:

- ‌مطلب في القدر وما يتعلق به:

- ‌تفسير سورة ص عدد 38- 38

- ‌مطلب قصة داود وسجود ابو بكر:

- ‌مطلب الحكم الشرعي في الأحكام:

- ‌مطلب في رد الشمس لسيدنا محمد وغيره:

- ‌مطلب قصة سليمان عليه السلام:

- ‌مطلب التخفيف وكفارة اليمين بحيلة في محله الملائم:

- ‌تفسير سورة الأعراف عدد 39- 7

- ‌مطلب وزن الأحمال وحادث البطاقة:

- ‌مطلب مقاييس إبليس:

- ‌مطلب مناظرة إبليس وقول سيف الدولة:

- ‌مطلب الحكم الشرعي في كشف العورة وزلة آدم:

- ‌مطلب تواصي الله لخلقه والتزين للصلاة وغيرها:

- ‌مطلب في الأكل المسنون وذم الشبع وبعض وصايا الله لعباده فيه:

- ‌مطلب معنى الإثم والبغي:

- ‌مطلب الرضى بالمعصية معصية

الفصل: ‌مطلب علامات الساعة:

يخشى على إيمانهم. أما استعمال الأدوية بعد تكون الجنين وقبل نفخ الروح فهو حرام لما فيه من معنى الإتلاف، أما بعد نفخ الروح فهو حرام قطعا وفعله جناية لما فيه من إتلاف النفس وأول من منع الوأد صعصعة بن ناجية فافتخر به الفرزدق بقوله:

ومنا الذي منع الوائدات

وأحيا الوليد فلم يوءد

وفي رواية: وجدّي الذي إلخ، قال تعالى «وَإِذَا الصُّحُفُ» التي اثبتت فيها أعمال الخلق «نُشِرَتْ 10» للحساب والجزاء

«إِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ 11» قلعت فطويت ونزعت «وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ 12» بالوقود فاشتد لهيبها للنكال والتنكيل بأعداء الله، ونقل ونكّل يخفف ويشدد ويتوب أحدهما عن الآخر في المعنى الا أن المشدد يدل على التكثير «وَإِذَا الْجَنَّةُ» التي وعدها الله للمتقين «أُزْلِفَتْ 13» قربت منهم ليدخلوها وحينذاك «عَلِمَتْ نَفْسٌ» أي كل نفس فالتنوين للعوض وهو جواب إذا المكررة من أول السورة إلى هنا «ما أَحْضَرَتْ 14» لذلك اليوم من خير أو شر فيفوز الطائع ويهلك العاصي.

‌مطلب علامات الساعة:

قال أبيّ بن كعب: ستّ آيات قبل القيامة: بينما الناس في أسواقهم إذ ذهب ضوء الشمس، فبينما هم كذلك إذ وقعت الجبال على الأرض، فبينما هم كذلك إذ تناثرت النجوم، فتحركت الأرض واضطربت وفزعت الانس والجن، واختلطت الدواب والطير والوحش، وماج بعضهم في بعض، فذلك قوله تعالى «إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ» «أي سجرت» فحينذ تقول الجن للانس نحن نأتيكم بالخبر فينطلقون إلى البحر فإذا هو نار تأجج، فبينما هم كذلك إذ انصدعت الأرض صدعة واحدة إلى الأرض السفلى وإلى السماء السابقة العليا إذ جاءتهم ريح فأماتتهم. وقال ابن عباس هي اثنتا عشرة خصلة ست في الدنيا وست في الآخرة.

فالتي في الدنيا أي في آخر يوم من أيامها من أول السورة إلى (سُجِّرَتْ) والتي في الآخرة من (وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ) إلى (وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ)، وروى البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الشمس والقمر يكوران يوم القيامة، وعن ابن

ص: 126

عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سرّه أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأي العين فليقرأ: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) ، (وإِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ) ، (وإِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) قال تعالى «فَلا أُقْسِمُ» لا هنا للتأكيد وليست بزائدة كما قاله بعض المفسرين لأن كلام الله لا زيادة فيه كما أنه لا نقص فيه البتة كما نوهنا به في بحث القراءات في المقدمة وسيأتي لهذا البحث صلة في سورة القيامة الآتية. وأعلم أنه لا يقال ما معنى القسم من الحضرة الإلهية لأن المؤمن يصدق دون قسم والكافر لا يفيده لأنه جاحد لكلامه سواء أكذّب القسم أم لا لأن عادة العرب توثيق أقوالها بالإيمان لكمال الحجة إقناعا للمحلوف لهم والقرآن نزل بلغتهم، ولأن الحكم لا يكون إلا بالشهادة واليمين والاعتراف فذكر الله القسمين الأولين بقوله:(شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ) الآية 18 من آل عمران في ج 2 والأقسام الموجودة في القرآن على نوعين قسم بنفسه الكريمة وهي في سبعة مواضع فقط: 1 (قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ) الآية 53 من سورة يونس، 2 (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ) الآية 92 من سورة الحجر، 3 (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ) من سورة المعارج، 4 (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ) الآية 23 من سورة الذاريات في ج 2، 5 (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ) الآية 64 من سورة النساء، 6 (قُلْ بَلى وَرَبِّي) الآية 7 من سورة التغابن في ج 3، 7 (فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ) الآية 68 من سورة مريم الآتية وقسم بمخلوقاته وهو كثير مثل:(وَالضُّحى، وَالشَّمْسِ، وَاللَّيْلِ، وَالْعَصْرِ، وَالتِّينِ) وغيرها. واقسم الله «بِالْخُنَّسِ 15» ثم فسرها على طريق عطف البيان فقال «الْجَوارِ الْكُنَّسِ 16» وهي النجوم الجاريات الباديات ليلا المستترة نهارا.

شبه الله تعالى ظلام الليل بكناس الأسد لاجتماع الستر في كل فكأن النجوم حينما تغيب وتتأخر طيلة النهار مثل الأسد الذي يخنس في كناسه ثم يظهر وإنما أقسم فيها لما فيها من النفع للبشر وغيره، قال علي كرم الله وجهه هي النجوم الخمسة زحل والمشتري والمريخ والزهرة وعطارد فإنها تخنس في مجاريها تحت ضوء الشمس والقمر وهي تتمة السيارات السبع الشمس والقمر وانها تجري في محورها بانتظام

ص: 127

لا يتغير ولا يتبدل إلى اليوم الذي نوّه به والخنس تأخر الأنف عن الشفة مع الارتفاع قليلا في الارنبة ويوصف به بقر الوحش والظباء «وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ 17» أقبل ظلامه وأدبر لأن عسعس من الأضداد يكون للاقبال والأدبار ومثله الصريم يطلق على الليل والصبح، والسدفة الظلمة والضياء، الجون الأسود والأبيض «وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ 18» بدا واسفر واقبل ضوءه وقيل انه شبه الليل بالنسمة (المكروب) وهو الحيوان الصغير الذي قد لا يرى الا بالمكبرات لأنه مخزون فاذا تنفس الصبح وجد رائحته فكأنه تخلص من المخزن فعبر بالتنفس عنه فهو استعادة لطيفة وانما قال تنفس لأن في أقبال الصبح روحا ونسيما فيجعل ذلك نفسا على المجاز وجواب القسم قوله (انه) اي القرآن العظيم مطلب مكانة جبريل وقوته:

المنزل عليك يا حبيبي «لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ 19» علينا هو جبريل عليه السلام لأنه تلقاه من ربه ونزل به على محمد صلى الله عليه وسلم وهذا الرسول «ذِي قُوَّةٍ» قدرة عظيمة على ما يكلفه به ربه وله مقام عال «عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ» تعالت عظمته «مَكِينٍ 20» في المنزلة والجاه مكانة ورفعة وشرفا

«مطاع» في السموات من قبل الملائكة أجمع ومن طاعتهم له امتثالهم أمره يفتح أبواب السموات ليلة المعراج ومن قوته وشدة بأسه اقتلاع قرى قوم لوط من الماء الأسود اي من أقصى تخوم الأرض المتصلة بالماء وحملها على جناحه ورفعها الى السماء ثم قلبها بأهلها اجمع فأنه أبصر إبليس يوما يكلم عيسى عليه السلام على عقاب الأرض المقدسة فنفحه بجناحه فالقاه إلى أقصى جبل بالهند وانه صاح صيحة بثمود فأصبحوا جاثمين وانه يهبط الى الأرض ثم يصعد الى السماء في اسرع من رد البصر «ثَمَّ أَمِينٍ 21» على الوحي الذي يتلقاه من ربه فيوصله الى الأنبياء كما أخذه «وَما صاحِبُكُمْ» يا اهل مكة المنزل عليه هذا القرآن المجيد «بِمَجْنُونٍ 22» كما تزعمون وان ما يقوله ليس من نفسه بل هو من عند الله، أقسم جل شأنه بأن هذا القرآن نزل به جبريل من عنده وأخبرهم بأن جبريل أمين على وحيه وأقسم لهم بأن محمدا ليس

ص: 128

مجنونا كما يقولون ولم يؤثر ذلك فيهم لهذا قال تعالى (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) الآية 46 من سورة الحج في ج 3 وقال جل قوله (وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) من الآية 115 من الأعراف الآتية، وهذا قسم آخر على تصديق ما اخبر به محمد ورقه بن نوفل الذي مر ذكره في مطلب الوحي في المقدمة بانه أي جبريل حقيقة وتلقى منه أوائل سورة العلق المارة بقوله «وَلَقَدْ رَآهُ» وعزتي وجلالي لقد رأى محمد جبريل على صورته الحقيقية «بِالْأُفُقِ» الشرقي على القول الصحيح وما قيل بالغربي ليس بشيء وهو قوله بالحديث المار في المقدمة في بحث نزول الوحي انه جالس على كرسي بين السماء والأرض «الْمُبِينِ 23» الظاهر البين الذي لا خفاء عليه روى البغوي بإسناد الثعلبي عن ابن عباس قال رسول الله لجبريل إني أحب أن أراك في صورتك التي تكون فيها بالسماء، فقال لن تقوى على ذلك، قال بلى ان شاء الله، قال فأين تشاء ان اتخيل لك؟

قال بالأبطح، قال لا يسعني، قال فبمنى، قال لا تسعني، قال بعرفات، قال لا تسعني، قال بحراء، قال ان يسعني، فواعده، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت فاذا هو بجبريل قد أقبل من جبال عرفات بخشخشة وكلكلة قد ملأ ما بين المشرق والمغرب ورأسه في السماء ورجلاه في الأرض فلما رآه صلى الله عليه وسلم خر مغشيا عليه فتحول جبريل عن صورته وضمه الى صدره وقال يا محمد لا تخف فكيف لو رأيت اسرافيل ورأسه تحت العرش ورجلاه في تخوم الأرض السابعة وان العرش لعلى كاهله، وانه ليتضائل أحيانا من مخافة الله جل جلاله وسما شأنه حتى يصير كأنه حصو (حيوان صغير كالعصفور) حتى ما يحمل عرش ربك إلا عظمته وهذه الرؤية التي وقعت ليلة الاسراء غير التي اخبر الله عنها في هذه السورة بل التي ذكرها في بحث نزول الوحي وانما أتى بها هنا تأييدا لرؤيته الأولى التي أتت عليه من غير طلب منه ورجع يرجف بها فؤاده من شدة ما لحقه من الخوف كما تقدم مفصلا قال تعالى «وَما هُوَ» اي رسولكم محمد «عَلَى الْغَيْبِ» مما يخبر به من ت (9)

ص: 129

الوحي واخبار السماء وما اطلع عليه مما كان غائبا في علمه لوحينا اليه «بضّنين» بخيل لا يبوح به إليكم وقرىء بظنين بالظاء، أي ليس بمثلهم لأنه أمين أرسل مبلغا ما يوحى اليه من ربه الى البشر كما تلقاه، اي انه لا يتهم بالبخل لأنه لا يريد أجرا على ما يبلغه كالكاهن ولا يظن به انه يزيد او ينقص من الوحي وأنتم تسمونه الأمين فإذا كان أمينا على ما عندكم أفلا يكون أمينا على ما عند الله؟

والقراءة بالظاء حسنة على التأويل الذي جرينا عليه لأن قومه لا يتهمونه بالبخل ويعرفون كرمه، ولو أريد البخل على القراءة بالضاد لقال (بالغيب) لأن فعله يتعدى به ويقال بخل به لا عليه فلا تجوز «وَما هُوَ» أي القرآن بقول «شَيْطانٍ رَجِيمٍ 25» تتلقاه الكهنة والسحرة كما تزعم قريش ولا عن لسان الشيطان بل وحي إلهي من الله الى رسوله «فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ 26» فيما تتقولون مذاهب شتى لا نصيب لها من الصحة، وهذا استفهام تضليل لهم كما يقال لتارك الجادة المستقيمة إذا ضل السبيل وسلك السبل العديدة المنشعبة عن الطريق يمينا وشمالا: اين تذهب فقد ضللت أي اي طريق تسلكونه، أبين من طريق محمد الذي فيه الهداية الى النجاة «إِنْ هُوَ» ما هذا القرآن المنزل عليه «إِلَّا ذِكْرٌ» عظة وعبرة «لِلْعالَمِينَ 27» اجمع وهو تذكرة ايضا «لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ» ايها الناس «أَنْ يَسْتَقِيمَ 28» على الحق ويتمسك بطريق الاستقامة وذلك لان مشيئة العبد بسلوك ما يوصل المعبود موقوفة على مشيئته قال سلمان بن موسى لما نزلت هذه الآية قال ابو مهل، ذلك إلينا ان شئنا استقمنا وإلا فلا فأنزل الله بعدها «وَما تَشاؤُنَ» أيها الناس فعل شيء ولا تركه «إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ 29» فعله لأنه مالك الخلق كلهم وأعمالهم فلا يقدر أحد ان يعمل خيرا الا بتوفيقه ولا شرا الا بخذلانه. وفقنا الله لما به سعادة الدارين آمين، والله أعلم، واستغفر الله، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى صحبه أجمعين.

ص: 130