الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في مقاصد التصديقات
وهي القياس المنطقي، وهو المقصود الأصلي من فن المنطق؛ لأنه هو العمدة عندهم في تحصيل المطالب التصديقية، التي هي أشرف من التصورية.
والقياس في اللغة مصدر قاس الشيء على الشيء، إذا قدّره بقدره.
وهو في اصطلاح المنطقيين: "قول مؤلف من [قضيتين]
(1)
فأكثر على وجه يستلزم لذاته قضية أخرى".
فخرج بقولهم "مؤلف من قضيتين" ما ليس بمؤلف، كالقضية الواحدة ولو كانت من الموجّهات المركبة التي هي في قوة قضيتين؛ لأنها تُسمى قضية واحدة، وإن كانت بالتركيب تكون في قوة اثنتين.
ودخل بقولهم "فأكثر" القياس المركب كما سيأتي إيضاحه إن شاء الله
(2)
.
وخرج بقولهم: "يستلزم لذاته قضية أخرى" ما لم يستلزم قضية أصلًا، كما لو قلت:(الإنسان حيوان والحجر جماد)؛ فإنهما لا يستلزمان قضية.
وخرج بقولهم: "لذاته" ما استلزم قضية أخرى لا لذاته، بل من
(1)
في المطبوع: (قضية)، والسياق يأباه.
(2)
ص 127.
أجل قضية أجنبية، أو لخصوص المادة.
فمثال ما استلزم قضية لا لذاته بل لمقدمة أجنبية: قياس المساواة، كقولك:(زيد مساو لعمرو، وعمرو مساو لبكر). فإنه ينتج: (زيد مساو لبكر)؛ وذلك بواسطة مقدمة أجنبية وهي: (مساوي المساوي لشيء مساو لذلك الشيء)، فلو لم تكن هناك قضية أجنبية صادقة لم يستلزم شيئًا.
كما لو قلت: (الإنسان مباين للفرس، والفرس مباين للناطق) فلا يستلزم كون الإنسان مباينًا للناطق؛ لأنك لو قلت: (مباين المباين لشيء مباين لذلك الشيء) لم تصدق؛ لأنه قد يكون غير مباين له، كالمثال المذكور.
وكذلك قياس النِصْفيّة؛ فإنه لا يستلزم شيئًا، كقولك:(الاثنان نصف الأربعة، والأربعة نصف الثمانية)، فلا يستلزم أن الاثنينِ نصفُ الثمانية؛ لعدم صدق:(نصف النصف نصف).
ومثال الاستلزام لخصوص المادة قولك: (لا شيء من الإنسان بحجر، ولا شيء من الحجر بصاهل)، فإنه ينتج:(لا شيء من الإنسان بصاهل)، وهو صادق لخصوص المادة، لا لذات المقدمتين، بدليل أنك لو جعلت:(الناطق) في الكبرى مكان (الصاهل) لما كانت صادقة، كما لو قلت:(لا شيء من الإنسان بحجر، ولا شيء من الحجر بناطق) فإنه ينتج: (لا شيء من الإنسان بناطق) وهو كاذب، وهيئة تركيب المقدمتين هي هي، وصدقها في (الصاهل) وكذبها في (الناطق) يدل على أن ذلك الصدق إنما لزم المقدمتين لخصوص
المادة، لا لذات المقدمتين كما ترى.
وإذا علمت المراد بالقياس عند المنطقيين فاعلم أنه بالتقسيم الأول ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: هو المسمى بالقياس الاقتراني، ويسمى القياسَ الحملي، وقياسَ الشمول، وهو يكون في القضايا الحملية، والشرطيات المتصلة.
والقسم الثاني: هو المسمى بالقياس الاستثنائي، ويسمى الشرطي، ولا يكون إلا في القضايا الشرطية خاصة، وهو يكون في الشرطيات المتصلة، والشرطيات المنفصلة، ولا يكون في الحمليات البتة.
وإذا علمت هذا فدونك تفاصيلَ جميعه بإيضاح:
اعلم أَولًا أن القياس الحملي إنما سمي اقترانيا لاقتران حدوده الثلاثةِ من غير أن يتخللها حرف استثناء، الذي هو (لكن).
وسمي حمليًّا لأن الحمليات تختص به.
ويسمى شموليًّا لأن الحد الأصغر إذا اندرج في الأوسط واندرج الأوسط في الأكبر لزم اندماج الأصغر في الأكبر وشمولُه له، كما يأتي إيضاح ذلك كلِّه قريبًا إن شاء الله -تعالى-.
وقد أردنا هنا أن نبدأ بإيضاح الاقتراني وأقسامِه في القضايا الحملية، ونبينَ أن ذلك يُفهم منه نحوُه في الشرطيات المتصلة، ثم
نعقد فصلًا مستقلًا للقياس الاستثنائي، فنوضح فيه جميع أقسامه.
اعلم أولًا أنا ذكرنا في تعريف القياس أنه "قول مؤلف من قضيتين .. إلخ"، وقد علمتَ مما مضى
(1)
أن الحملية مركبة من موضوع ومحمول، فإذن لا بد في القياس الاقتراني من أربع كلمات: موضوع القضية الأولى ومحمولها، وموضوع الأخيرة ومحمولها، فهذه أربع كلمات هي: موضوعان ومحمولان.
وهذه الكلمات الأربعُ لا بد أن تكون واحدة منها مكررة؛ بأن تكون هي إحدى كلمتي القضية الأولى، وهي بعينها أيضًا إحدى كلمتي القضية الأخرى، فالكلمات في الحقيقة ثلاث؛ لأن واحدة من الأربع لا بد من تكرارها.
فالكلمة المتكررة التي هي جزء كل واحدة من القضيتين هي التي تسمى بالحد الوسط، والكلمة التي تختص بها القضية الأولى هي التي تسمى بالحد الأصغر، والكلمة التي تختص بها القضية الأخيرة هي التي تسمى بالحد الأكبر.
والقضية المجعولةُ جزءَ دليلٍ كما هنا تسمى في اصطلاحهم مقدِّمة، فالمقدمة المشتملة على الحدِّ الأصغر تسمى في الاصطلاح مقدمة صغرى، والمقدمة المشتملة على الحد الأكبر تسمى في الاصطلاح مقدمة كبرى.
(1)
ص 65.
والحد الأصغر هو موضوع النتيجة دائمًا، والحد الأكبر هو محمولها، والحد الوسط يُلغَى عند الإنتاج فيحذف، وتكون النتيجة متآلفة من الأصغر والأكبر، فالأصغر موضوعها، والأكبر محمولها.
فلو قلت مثلًا: (كل إنسان حيوان، وكل حيوان حساس). فهذا قياس اقترانيٌ يتألف من ثلاث كلمات:
الأولى (الإنسان)، وقد اختصت بها المقدمة الأولى، فلفظة (الإنسان) في هذا المثال هي الحد الأصغر، والمقدمة المشتملة عليها التي هي (كل إنسان حيوان) هي المقدمة الصغرى.
والثانية (الحيوان)، وهي متكررة؛ لأنها في هذا المثال محمول في الأولى، وموضوع في الأخرى، فلفظة (الحيوان) في هذا المثال هي المسمى بالحد الوسط.
والثالثة (الحساس)، وقد اختصت بها المقدمة الأخيرة، و (الحساس) في هذا المثال هو الحد الأكبر، والمقدمة المشتملة عليه هي المقدمة الكبرى التي هي (كل حيوان حساس).
أما لفظة (كل) في المقدمتين فإنما هي سور، جيئ به لبيان كمية الأفراد المحكوم عليها، فليست موضوعًا -كما قدمنا إيضاحَه
(1)
- وإن أعربها النحويون مبتدأ، ولذا لم نَعدَّها في المثال المذكور من الكلمات؛ لأنها ليست بمحمول ولا موضوع، وإنما هي لفظ جيئ به
(1)
ص 85.
لبيان الكمية المحكوم عليها من أفراد الموضوع بالمحمول.
وإذا نظرنا [في]
(1)
هذا المثال الذي ذكرنا للقياس الاقتراني، الذي هو قولنا:(كل إنسان حيوان، وكل حيوان حساس)، وعرفت أن (الإنسان) حدٌّ أصغر، و (الحساسَ) حد أكبر، و (الحيوان) حد وسط
(2)
، فاعلم أن القياس المذكور ينتج:(كل إنسان حساس)، فصار (الإنسان) الذي هو الحد الأصغرُ موضوعَ هذه النتيجة، و (الحساسُ) الذي هو الحد الأكبر محمولَها. و (الحيوان) الدي هو الحد الوسط أُلغي وحذف لدى الإنتاج.
واعلم أن الكلماتِ المذكورةَ إنما سميت حدودًا لأنها أطراف القياس ومنتهاه، وحد الشيء طرفه ومنتهاه.
واعلم أن ضابط القياس الاقتراني هو "أنه يشتمل على النتيجة بالقوة دون الفعل"، بأن يكون مشتملًا على مادتها دون صورتها.
فقولك: (كل إنسان حيوان، وكل حيوان حساس)، قياس اقتراني، يُنتج (كل إنسان حساس)، وهذا اللفظ الذي هو:(كل إنسان حساس) لم يكن مذكورًا في هذا القياس بصورته، بل بمادته؛ لأن (الإنسان) مذكور في المقدمة الصغرى، و (الحساس) مذكور في الكبرى، والشيء يوجد مع مادته بالقوة قبل حصول صورته.
وإذا عرفت هذا فاعلم أن القياس الاقتراني تنحصر أشكاله -أي
(1)
ليست في المطبوع، والسياق يقتضيها.
(2)
في المطبوع: (حدًّا وسطًا)، والمثبت هو الصواب.
هيئاته التي يأتي عليها- في أربعة أشكال؛ وذلك بحسب هيئات الحد الوسط؛ فإنها محصورة في أربع حصرا قطعيا؛ لأنه لا بد له من واحدة من أربع حالات، لا خامسة لها البتة:
الأولى: أن يكون الحد الوسط محمولا في الصغرى موضوعا في الكبرى.
الثانية: أن يكون محمولا فيهما.
الثالثة: أن يكون موضوعًا فيهما.
الرابعة: أن يكون موضوعًا في الصغرى محمولا في الكبرى.
ولا خامسة البتة كما ترى.
فإن كان الحد الوسط محمولا في الصغرى موضوعا في الكبرى فهو المسمى بالشكل الأول، ويعرف ببيِّن الإنتاج، ومثاله:(كل إنسان حيوان، وكل حيوان حساس)، يُنتج من الشكل الأول:(كل إنسان حساس).
وإن كان الحد الوسط محمولا فيهما فهو المسمى بالشكل الثاني، ومثاله:(كل إنسان حيوان، ولا شيء من الحجر بحيوان)، ينتج من الشكل الثاني:(لا شيء من الإنسان بحجر).
وإن كان الحد الوسط موضوعًا فيهما فهو المسمى بالشكل الثالث، ومثاله (كل إنسان حيوان، وكل إنسان ناطق)، ينتج من الشكل الثالث:(بعض الحيوان ناطق).
وإن كان موضوعًا في الصغرى محمولًا في الكبرى فهو المسمى بالشكل الرابع، وهو أبعدها من الشكل الأول الذي هو بيِّن الإنتاج. ومثاله:(كل إنسان حيوان، وكل ناطق إنسان)، يُنتج من الشكل الرابع:(بعض الحيوان ناطق).
واعلم أن الصور الداخلة تحت الأشكال الأربعة باعتبار الكم والكيف تسمى ضروبًا، فكل شكل مشتمل على ستة عشر ضربًا؛ لأن صُغرى مقدمتي الشكل إما أن تكون كلية وإما أن تكون جزئية، وفي كلٍّ منهما إما أن تكون سالبة وإما أن تكون موجبة، فصورها أربعة من ضرب حالتي الكم في حالتي الكيف، وهذه الصور الأربعة في المقدمة الكبرى أيضًا، فتُضرب حالاتُ الصغرى الأربعُ في حالات الكبرى الأربعُ فيكون المجموع ستة عشر ضربًا، منها المتكرر ومنها العقيم.
قصدنا هنا أن نبيّن شروط الإنتاج وعدد الضروب المنتِجة في كل شكل بأمثلتها، ونتركَ ذكر الضروب العقيمة والمتكررةِ اختصارًا.
اعلم أن الشكل الأول الذي هو أفضل الأشكال وأظهرُها نتيجة يُشترط لإنتاجه شرطان
(1)
:
الأول: بحسب الكيف، وهو كون صغراه موجبة.
الثاني: بحسب الكم، وهو كون كبراه كليةً.
والشرطان المذكوران لا ينطبقان إلا على أربع صور، وبه تعلم أن
(1)
سيأتي ص 114، 115 بيان وجه اشتراطهما.
الشكل الأول لا ينتج من ضروبه إلا أربعةٌ فقط، والاثنا عشرَ الباقيةُ لا إنتاج فيها.
الضرب الأول: كليتان موجبتان، ينتجان كلية موجبة، مثاله:(كل إنسان حيوان، وكل حيوان حساس) يُنتج: (كل إنسان حساس).
ولا ينتج كلية موجبة من الأشكال إلا الشكل الأول.
ومثاله في العقليات قولك: (كل العوالم كالسموات والأرض ومن فيهما مخلوقة، وكل مخلوق لا بد له من خالق) يُنتج: (كل العوالم لا بد لها من خالق).
ومثاله في الفقهيات قول الحنبلي والحنفي: (كل بُر مكيل، وكل مكيل يحرم فيه الربا) يُنتج: (كلُ بُر يحرم فيه الربا).
وقول الشافعي: (كل بر مطعوم، وكل مطعوم يحرم فيه الربا) يُنتج: (كل بر يحرم فيه الربا).
وقول المالكي: (كل بر مقتات مدخر، وكل مقتات مدخرٍ يحرم فيه الربا) يُنتج: (كل بر يحرم فيه الربا).
ومثاله في النحويات: (كل فاعل مرفوع، وكل مرفوع عمدة) يُنتج: (كل فاعل عمدة).
الضرب الثاني: كليتان صغراهما موجبة، وكبراهما سالبة. ينتج كلية سالبة، كقولك:(كل إنسان حيوان، ولا شيء من الحيوان بحجر) يُنتج: (لا شيء من الإنسان بحجر).
ومثاله في العقليات: (كل بشر مخلوق، ولا شيء من المخلوق بغني عن الفاعل) ينتج: (لا شيء من البشر بغني عن الفاعل).
ومثاله في الفقهيات: (كل صوم شرعي عبادة، ولا شيء من العبادة يصح بلا نية) يُنتج: (لا شيء من الصوم الشرعي يصح بلا نية).
ومثاله في النحويات: (كل فاعل مرفوع، ولا شيء من المرفوع بفضله) ينتج: (لا شيء من الفاعل بفضلة).
الضرب الثالث: موجبتان صغراهما جزئية وكبراهما كلية، يُنتج جزئية موجبة، كقولك:(بعض الحيوان إنسان، وكل إنسان ناطق) ينتج: (بعض الحيوان ناطق).
ومثاله في العقليات: (بعض الصفات مخلوق -تعني صفات الخلق-، وكل مخلوق لا بد له من خالق) يُنتج: (بعض الصفات لا بد لها من خالق).
ومثاله في الفقهيات: (بعض الطعام مكيل، وكل مكيل يحرم فيه الربا) ينتج: (بعض الطعام يحرم فيه الربا)، وهذا على رأي من يعلل بالكيل.
ومثاله في النحويات: (بعض المرفوع فاعل، وكل فاعل يجب تأخيره عن عامله) ينتج: (بعض المرفوع يجب تأخيره عن عامله).
الضرب الرابع: جزئية موجبة صغرى، وكلية سالبة كبرى، ينتج جزئية سالبة، كقولك:(بعض الحيوان إنسان، ولا شيء من الإنسان بفرس) ينتج: (بعض الحيوان ليس بفرس).
ومثاله في العقليات: (بعض الصفات أزلي -أي لا أول لوجودها، تعني صفة الخالق-، ولا شيء من الأزلي بمخلوق) ينتج: (بعض الصفات ليس بمخلوق).
ومثاله في الفقهيات: (بعض العبادة صلاة، ولا شيء من الصلاة بقابل للنيابة) ينتج: (بعض العبادة ليس بقابل للنيابة).
ومثاله في النحويات: (بعض المرفوعات فاعل، ولا شيء من الفاعل بجائز التقديم على عامله) ينتج: (بعض المرفوع ليس بجائز التقديم على عامله).
فهذه الضروب الأربعة المنتجة من الشكل الأول.
وإيضاح كونه لا ينتج من ضروبه إلا أربعةٌ بحسب الشرطين المشترطين لإنتاجه، اللذين قدمنا أنهما إيجابُ صغراه وكليةُ كبراه: أن إيجاب الصغرى يستلزم أنها ليس لها إلا حالتان، وهما كونها كلية موجبة أو جزئية موجبة. وكليةُ الكبرى تستلزم أنها ليس لها إلا حالتان، وهما كونُها كلية موجبة أو كلية سالبة، فتضرب حالتي الصغرى في حالتي الكبرى بأربع، وهي الضروب المنتِجة التي أوضحناها بأمثلتها.
واعلم أنه لا ينتج الكليةَ الموجبة من الأشكال إلا الشكلُ الأول، فهو ينتج جميع المطالب الأربعة، أعني الكليتين الموجبة والسالبة، والجزئيتين الموجبةَ والسالبة.
أما الشكل الثاني فلا يُنتج من الكليات إلا السالبةَ.
والثالث والرابع لا ينتجان إلا الجزئيات، وقد يوجد ضرب من الرابع ينتج كلية، كالمركب من كليتين صغراهما سالبة، كما سترى إيضاحه إن شاء الله.
تنبيه: اعلم أن النتيجة تتبع ما في القياس من الخستين، والخستان هما السلب والجزئية، فكل قياس فيه سالبة فنتيجته سالبة، وكل قياس فيه جزئية فنتيجته جزئية، وكل قياس فيه جزئية وسالبة فنتيجته جزئية سالبة، فالنتيجة تتبع الخسة دائمًا
(1)
، كما قال الشاعر
(2)
:
إن الزمان لتابع أرذالَه
…
تبَعَ النتيجة للأخس الأرذلِ
والسلب خسة الكيف، والجزئية خسة الكم.
ولا نريد الآن أن نتتبع جميع الضروب العقيمةِ الخارجةِ بالشرطين المذكورين، ولكنا أردنا أن نمثل لها دون تتبع جميعها للاختصار.
فوجه اشتراط الإيجاب في الصغرى أنها إذا كانت سالبة لا تلزم المقدمتين نتيجة صادقة، بل قد تكون كاذبة، مع أن القياس على هيئته
(1)
ولا يُفهم من هذا سلامة النتيجة من خسة الجزئية إذا ما كانت المقدمتان كليتين، وذلك عندما يكون موضوع النتيجة أعم من محمولها، كما يأتي في الضربين الأول والثاني من الشكل الثالث ص 121، 122 والأول والرابع من الشكل الرابع ص 123، 124.
(2)
في ديوان أبي الفتح البستي ص 154 البيتان التاليان:
تعس الزمان فإن في إحسانه
…
بغضًا لكل مقدم ومفضّلِ
وتراه يعشق كل نذلٍ ساقطٍ
…
عشق النتيجة للأخسّ الأرذلِ
ونسبهما العاملي في الكشكول إلى ابن سينا.
الصحيحة، وإنما تطرق إليه الخلل من جهة كون صغراه سالبة، كقولك:(لا شيء من الحيوان بحجر، وكل حجر جسم)، فإنه ينتج:(لا شيء من الحيوان بجسم)، وهو كاذب، وذلك لكون الصغرى سالبة.
وكذلك لو جعلت الكبرى جزئية لم يلزم صدق النتيجة، كما لو قلت:(كل إنسان حيوان، وبعض الحيوان فرس) فإنه ينتج: (بعض الإنسان فرس)، وهو كاذب، فتبين أنه إن اختل أحد الشرطين لم يلزم الإنتاج.
واعلم أن هذه الطريقة التي أردنا سلوكها في بيان المنتج من الضروب والعقيم هي المعروفة بطريق التحصيل
(1)
.
ولبيان العقيم طريقة أخرى تسمى طريقَ الإسقاط، كأن يقال: يَسقط بالشرط الأول الذي هو إيجاب الصغرى ثمانية ضروب، لأنها إن لم تكن موجبة فهي إما أن تكون سالبة كلية أو سالبة جزئية، وكل واحدة منهما إنتاجها مع الكبريات الأربع
…
إلخ.
فقد تركنا هذه الطريقة المعروفة بطريقة الإسقاط، وبينا المقصود بالطريقة المسماة طريق التحصيل اختصارا.
تنبيه: اعلم أن وجه الحكم العقلي بصدق نتيجة هذا الشكل، الذي هو الشكل الأول، إن كان تركيبه على الهيئة الصحيحة المستوفية
(1)
وهو غير التحصيل المقابل للعدول، الذي سبق التعريف به ص 91.
للشروط، هو أن العقل يحكم قطعيًّا بأن الأصغر إذا اندرج في الأوسط، واندرج الأوسط في الأكبر، أن الأصغر مندرج في الأكبر، وهذا مما لا يشك فيه عاقل، وسترى أن جميع الأشكال راجعة إلى الأول باستعمال لازم عقلي من لوازم القضايا، وهو العكس المستوي، أو بتبديل إحدى المقدمتين بالأخرى كما سترى إيضاحه إن شاء الله -تعالى-.
وأما الشكل الثاني: الذي هو كون الحد الوسط محمولًا فيهما فيشترط لإنتاجه أيضًا شرطان:
الأول بحسب الكيف، وهو اختلاف مقدمتيه في الكيف، فلا بد من كون إحداهما موجبة والأخرى سالبة، فلا ينتج فيه سالبتان ولا موجبتان.
والشرط الثاني بحسب الكم، وهو كون كبراه كلية، فلا ينتج مع جزئية الكبرى.
وضروبه المنتجة بحسَب الشرطين أربعة أيضًا، فلو فرضت أن الصغرى هي الموجبة لزم أن تكون الكبرى سالبة كلية، فيدخل في ذلك صورتان:
أولاهما: كلية موجبة صغرى، وكلية سالبة كبرى.
وثانيتهما: جزئية موجبة صغرى، وكلية سالبة كبرى.
ولو فرضت أن الصغرى هي السالبةُ لزم أن تكون الكبرى كلية موجبة، فيدخل في ذلك صورتان:
أولاهما: كلية سالبة صغرى، وكلية موجبة كبرى.
وثانيتهما: جزئية سالبة صغرى، وكلية موجبة كبرى.
وهذه هي ضروبه الأربعة المنتجة، وسنذكر بعض الأمثلة باختصار؛ لأنه يفهم منه غيرُه في العقليات والفقهيات والنحويات.
الضرب الأول: كليتان صغراهما موجبة وكبراهما سالبة، ينتج كلية سالبة، ومثاله:
(كل ياقوت حجر، ولا شيء من إنسان بحجر)، ينتج:(لا شيء من الياقوت بإنسان).
الضرب الثاني: كليتان صغراهما سالبة وكبراهما موجبة، ينتج كلية سالبة، ومثاله:(لا شيء من الإنسان بحجر، وكل ياقوت حجر) ينتج: (لا شي من الإنسان بياقوت).
الضرب الثالث: جزئية موجبة صغرى، وكلية سالبة كبرى، [ينتج جزئية سالبة]
(1)
، ومثاله:(بعض الحيوان إنسان، ولا شيء من الفرس بإنسان) ينتج: (بعض الحيوان ليس بفرس).
الضرب الرابع: جزئية سالبة صغرى وموجبة كلية كبرى، ينتج جزئية سالبة. ومثاله:(ليس بعض الحيوان بناطق، وكل إنسان ناطق) ينتج: (ليس بعض الحيوان بإنسان).
(1)
ليس في المطبوع، والسياق يقتضيه.
وغير هذه الأربعة عقيم.
تنبيهان يتعلقان بهذا الشكل الذي هو الشكل الثاني:
الأول: اعلم أن وجه الحكم العقلي في إنتاجه أن المحمول فيه مثبت لأحد موضوعين، وهو أي المحمول بعينه منفي عن الموضوع الآخر، فيلزم عقلًا اختلاف الموضوعين؛ إذ لو لم يختلفا لما ثبت لأحدهما شيء منتف عن الآخر؛ وذلك لأن المحمول في الشكل الثاني واحد في المقدمتين، وأن اختلافهما في الكيف الذي هو أحد شرطى إنتاجه يلزمه ثبوتُه لأحدهما ونفيُه عن الآخر، وذلك يلزمه اختلافُهما -أعني موضوعي المقدمتين- في الجملة، ولذلك لا يُنتج الشكلُ الثاني إلا سالبةً.
التنبيه الثاني: اعلم أن هذا الشكل الثانيَ إذا عكسْتَ كبراه بالعكس المستوي رجع إلى الشكل الأول بعينه.
فالمثال الأول الذي مثلنا به وهو: (كل ياقوت حجر، ولا شيء من الإنسان بحجر) لو عكسْتَ كبراه بالعكس المستوي فقلت: (كل ياقوت حجر، ولا شيء من الحجر بإنسان) رجع إلى الشكل الأول كما ترى، والنتيجة فيهما كلية سالبة، إلا أنها في الأول:(لا شيء من الياقوت بإنسان)، وفي الثاني:(لا شيء من الإنسان بياقوت)، فانعكست النتيجة بعكس الكبرى، ولو اختل أحد الشرطين المذكورين في هذا الشكل الذي هو الثاني لم تلزم نتيجة.
فمثال الموجبتين: (كل إنسان حيوان، وكل فرس حيوان) ينتج:
(كل إنسان فرس)، وهو كذب كما ترى.
ومثال السالبتين: (لا شيء من الإنسان بحجر، ولا شيء من الناطق بحجر) ينتج: (لا شيء من الإنسان بناطق)، وهو كذب كما ترى؛ وذلك لعدم اختلاف الكيف.
ولو اختل الشرط الثاني -وهو كون كبراه كلية- لم يلزم الإنتاج أيضًا، كما لو قلت:(كل إنسان حيوان، وبعض الجسم ليس بحيوان) ينتج: (بعض الإنسان ليس بجسم)، وهو كذب كما ترى؛ وذلك لعدم كلية الكبرى.
وقس على ذلك.
وأما الشكل الثالث: وهو ما كان الحد الوسط فيه موضوعًا في كلتا المقدمتين، فيشترط لإنتاجه أيضًا شرطان: الأول بحسب الكيف، وهو كون صغراه موجبة، والثاني بحسب الكم، وهو كون إحدى مقدمتيه كلية.
والصور الداخلة فيه بحسَب الشرطين ستة، فضروبه المنتجة ستة.
وإيضاحه أن الصغرى لا تكون إلا موجبة، وحينئذ إما كلية فتنتج مع الكبرَيات الأربع؛ لأن الصغرى إن كانت كلية موجبة اجتمع فيها الشرطان، فأنتجت مع صور الكبرى الأربع، وإما جزئية موجبة فيلزم كون الكبرى كلية، وهي إما موجبة وإما سالبة، فتضم هاتين الصورتين إلى الأربع التي قبلها فيكون المجموع ستةَ أضرب:
الضرب الأول: كليتان موجبتان، ينتج جزئية موجبة، كقولك:
(كل إنسان حيوان، وكل إنسان ناطق) ينتج: (بعض الحيوان ناطق).
الضرب الثاني: كليتان صغراهما موجبة، وكبراهما سالبة، ينتج جزئية سالبة، كقولك:(كل إنسان حيوان، ولا شيء من الإنسان بفرس) ينتج: (ليس بعض الحيوان بفرس).
الضرب الثالث: موجبتان صغراهما جزئية، وكبراهما كلية، ينتج جزئية موجبة، ومثاله:(بعض الحيوان إنسان، وكل حيوان حساس) ينتج: (بعض الإنسان حساس).
الضرب الرابع: موجبتان صغراهما كلية وكبراهما جزئية، ينتج جزئية موجبة، مثاله:(كل إنسان حيوان، وبعض الإنسان ناطق) ينتج: (بعض الحيوان ناطق).
الضرب الخامس: موجبة جزئية صغرى وسالبة كلية كبرى، ينتج جزئية سالبة، مثاله:(بعض الحيوان ناطق، ولا شيء من الحيوان بجماد) ينتج: (بعض الناطق ليس بجماد).
الضرب السادس: موجبة كلية صغرى وجزئية سالبة كبرى، ينتج جزئية سالبة. مثاله:(كل إنسان حيوان، وبعض الإنسان ليس بفرس) ينتج: (بعض الحيوان ليس بفرس).
تنبيهات تتعلق بهذا الشكل الثالث:
الأول: اعلم أن كون هذا الشكل لا ينتج إلا جزئية سببه في الحقيقة أن نتيجته متركبة من محمول الصغرى، ومحمول الكبرى، ومحمول الصغرى هو موضوع النتيجة، ومن الجائز عقلًا أن يكون
محمول الصغرى أعم من محمول الكبرى، وقد قدمنا
(1)
أن الحكم على الأعم بالأخص لا يصدق إلا جزئيًّا.
وإذا كان محمول الصغرى الذي هو موضوع النتيجة أعم من محمول الكبرى الذي هو محمول النتيجة تبين من ذلك أن الحكم بالأخص على الأعم لا يصدق إلا جزئيًّا، سلبًا كان أو إيجابًا، كما قدمنا إيضاحه في الكلام على النسب الأربع
(2)
.
فقولك مثلًا: (كل إنسان حيوان، وكل إنسان ناطق) هو الضرب الأول من هذا الشكل الثالث، والموضوع في كلتا المقدمتين الذي هو (الإنسان) هو الحد الوسط المُلغى لدى الإنتاج، والنتيجة متركبة من محمول الصغرى [وهو (الحيوان)]
(3)
في هذا المثال، ومحمول الكبرى وهو (الناطق) في هذا المثال، وموضوعها هو (الحيوان)، ومحمولها هو (الناطق)، و (الحيوان) أعم من (الناطق)، فلا يصح الحكم عليه به إلا جزئيًّا، سلبًا كان أو إيجابًا، ولذا كانت نتائج هذا الشكل كلها جزئيات، ولا يُنتج كليةً كما تقدم.
التنبيه الثاني: اعلم أنك إذا عكست صغرى هذا الشكل الثالث في العكس المستوي رجع إلى الشكل الأول بعينه في غالب أحواله.
فالمثال المذكور الذي هو قولنا: (كل إنسان حيوان، وكل إنسان
(1)
ص 42، 41.
(2)
راجع ص 41.
(3)
في المطبوع: (الحيوان وهو)، والصواب ما أثبته.
ناطق) لو عَكسْتَ صغراه فقط فقلت: (بعض الحيوان إنسان، وكل إنسان ناطق) لكان راجعًا إلى الشكل الأول، ونتيجته (بعض الحيوان ناطق).
التنبيه الثالث: اعلم أن وجه الحكم العقلي في إنتاج هذا الشكل في الجملة أن الموضوع الواحد إذا ثبت له محمولان في حالة كون هذا الشكل متركبًا من موجبتين لزم عقلا جواز الحكم بأحد المحمولين على الآخر في الجملة؛ لأن جواز حملهما إيجابًا على شيء واحد يدل على حمل آخرهما على أولهما في الجملة.
وإن كانت إحدى مقدمتيه سالبة والأخرى موجبة لزم من نفي أحد المحمولين عن الموضوع في السالبة وإثباته له في الموجبة حصولُ التغاير بين المحمولين، وجواز الحكم بسلب أحدهما عن الآخر سلبًا جزئيًّا؛ لنفي أحدهما عن الموضوع الذي ثبت له الآخر.
وقد تقدمت أَمثلة الجميع.
وأما الشكل الرابع: فيشترط لإنتاجه ألا يجتمع فيه خستان، سواء كانتا من جنسين أو من جنس واحد
(1)
، وهما الجزئية والسلب، إلا صورة واحدة فيُغتفر فيها اجتماع الخستين، وهي كون صغراه جزئيةً موجبة، وكبراه كليةً سالبة، وضروبه المنتجة بحسب ما ذكر خمسة.
وإيضاحه بطريق التحصيل أن الصغرى لا تكون جزئية سالبة أبدًا، وإذن:
(1)
وسواء كان ذلك في مقدمة واحدة، أو في المقدمتين.
إما أن تكون موجبة كلية، وهي تُنتج [مع]
(1)
الموجبة الكلية والموجبة الجزئية والسالبة الكلية من الكبريات، إذ ليس في شيء من تلك الصور اجتماع الخستين.
وإما أن تكون الصغرى موجبة جزئية، وهي تنتج مع السالبة الكلية الكبرى فقط، وهي الصورة المستثناة.
وإما أن تكون الصغرى كلية سالبة، وهي تنتج مع الكلية الموجبة الكبرى.
فتبين أن الصغرى إن كانت موجبة كلية أنتجت مع ثلاث كبريات، وإن كانت جزئية موجبة أنتجت مع كبرى واحدة، وإن كانت كلية سالبة أنتجت مع كبرى واحدة كما أوضحنا.
وهذه هي الضروب الخمسة المنتجة من الشكل الرابع، الذي هو ما كان الحد الوسط فيه موضوعًا في الصغرى محمولًا في الكبرى:
الضرب الأول: موجبتان كليتان، ينتج موجبة جزئية. ومثاله:(كل إنسان حيوان، وكل ناطق إنسان) ينتج: (بعض الحيوان ناطق).
الضرب الثاني: موجبتان صغراهما كلية وكبراهما جزئية، ينتج جزئية موجبة، مثاله:(كل إنسان حيوان، وبعض الناطق إنسان) ينتج: (بعض الحيوان ناطق).
الضرب الثالث: كليتان صغراهما سالبة وكبراهما موجبة، ينتج
(1)
في المطبوع: (من)، وما أثبته هو الموافق للسياق.
كلية سالبة. مثاله: (لا شيء من الإنسان بفرس، وكل ناطق إنسان) ينتج: (لا شيء من الفرس بناطق).
الضرب الرابع: موجبة كلية صغرى، وسالبة كلية كبرى، ينتج جزئية سالبة. مثاله:(كل إنسان حيوان، ولا شيء من الفرس بإنسان) ينتج: (بعض الحيوان ليس بفرس).
الضرب الخامس: موجبة جزئية صغرى، وسالبة كلية كبرى -وهي الصورة المستثناة من اجتماع الخستين- ينتج جزئية سالبة، مثاله:(بعض الحيوان إنسان، ولا شيء من الجماد بحيوان) ينتج: (بعض الإنسان ليس بجماد).
واعلم أنا تركنا خلاف المتأخرين في هذا الشكل، وقولَ جماعات منهم: إن شرط إنتاج هذا الشكل الرابع هو إيجاب مقدمتيه، أو اختلافهما في الكيف مع كلية إحداهما. وبنوا على ذلك أن المنتِج من ضروبه ثمانية، ثركنا ذلك كله اختصارا؛ لأن مقصودنا بهذه المقدمة إيصال طالب العلم إلى إدراك فن آداب البحث والمناظرة، ولذلك تركنا كثيرًا من المناقشات في تقديم بعض الضروب على بعض في تعريف القياس وغيره اختصارا كما أشرنا إليه في الترجمة.
تنبيهات تتعلق بهذا الشكل الرابع:
الأول: اعلم أن بعض الأقدمين حذفه؛ لبعد إنتاجه عن الطبع، وجعل الأشكال ثلاثة
(1)
.
(1)
وعلى هذا جرى أبو حامد الغزالي في معيار العلم.
الثاني: اعلم أن سبب كون هذا الشكل لا ينتج إلا جزئية إلا في ضرب واحد من ضروبه هو أن الحد الوسط فيه هو موضوع الصغرى ومحمول الكبرى، والنتيجة فيه متركبة من محمول الصغرى وموضوع الكبرى، وموضوع نتيجته هو محمول الصغرى، ومحمولها هو موضوع الكبرى، ومن الجائز عقلا أن يكون محمول الصغرى الذي هو موضوع النتيجة أعم من موضوع الكبرى الذي هو محمول النتيجة.
وإذا كان الموضوع أعم لم يصدق عليه الحكم بالمحمول إلا جزئيًّا، كما تقدم إيضاحه في النسب الأربع
(1)
، وفي الكلام على الشكل الثالث
(2)
.
وإنما كانت نتيجته كلية فيما إذا تركب من كليتين صغراهما سالبة وكبراهما موجبة، كما [تقدّم]
(3)
في قولك: (لا شيء من الإنسان بفرس، وكل ناطق إنسان) فإنه ينتج كلية سالبة هي: (لا شيء من الفرس بناطق)؛ لأن المقدمة الصغرى السالبة سلبت الفرسية عن كل فرد من أفراد الإنسان، والمقدمة الكبرى أثبتت الإنسانية لكل ناطق، فلزم سلب الناطقية عن كل فرس كما ترى.
الثالث: هذا الشكل الرابع يرجع في الغالب إلى الشكل الأول: تارة بتبديل [مقدمتيه]
(4)
مع عكس النتيجة، كالمتركب من كليتين
(1)
ص 41.
(2)
ص 120.
(3)
في المطبوع: (تقوم).
(4)
في المطبوع: (مقدمته)، والمثبت هو مقتضى السياق.
موجبتين، فلو قلت:(كل إنسان حيوان، وكل ناطق إنسان) فهذا هو الضرب الأول من الرابع، ونتيجته جزئية موجبة هي (بعض الحيوان ناطق)، فلو جعلت صغراه هي الكبرى، وكبراه هي الصغرى، وعكست النتيجة بالعكس المستوي رجع إلى الأول.
كما لو قلت: (كل ناطق إنسان، وكل إنسان حيوان) ينتج من الشكل الأول (كل ناطق حيوان)، وهي عكس نتيجته قبل تبديل كل من المقدمتين بالأخرى.
وتارة باستعمال العكس.
والحاصل أن هذا الشكلَ ترجع ضروبه كلُها للشكل الأول، إما بتبديل المقدمتين وعكس النتيجة، وإما باستعمال العكس المستوي في مقدمتيه، كما يدركه من فهم ما سبق، وليمس قصدنا إطالةَ الكلام في ذلك؛ لأن المقصود من هذه العجالة المنطقية هو التوصل إلى معرفة آداب البحث والمناظرة.
ونظم بعضهم وجه رد الأشكال الثلاثة إلى الشكل الأول بقوله
(1)
:
وغيرُ أولي من الأشكالِ
…
إليه مردودٌ بلا إشكالِ
فالثانِ مردودٌ بعكسِ الكبرى
…
والثالثَ اردده بعكسِ الصغرى
ورابعٌ بعكسِ ترتيب يَرِدْ
…
أو المقدماتِ هكذا وردْ
(1)
النظم في حاشية الباجوري على متن السلم للأخضري، ص 70، وذكر أنها زيادة في بعض النسخ.
وأولٌ منها هو المعيارُ
…
لأنه من بينها المدارُ
مسألة: اعلم أن القياس المذكورَ يكون بسيطًا، ويكون مركبًا:
فالبسيط هو ما تألف من قضيتين فقط، كقولك:(كل إنسان حيوان، وكل حيوان حساس).
والمركب هو ما تألف من أكثرَ من قضيتين، وضابطه أن تجعل النتيجة مقدمة صغرى، وتضم إليها كبرى، ثم تجعل النتيجة أيضًا صغرى، وتضم لها كبرى وهكذا.
ولذلك طريقان:
إحداهما: أن تذكر النتيجة بلفظها، فتجعلها صغرى، وتضم لها كبرى، كما لو قلت:(كل إنسان حيوان، وكل حيوان حساس) فالنتيجة (كل إنسان حساس)، فتضم لها كبرى فتقول:(كل إنسان حساس، وكل حساس نام) ينتج: (كل إنسان نام)، فتضم لها كبرى بعد التلفظ بها وهي (كل نام جسم)، ينتج:(كل إنسان جسم)، ويسمى هذا القسم متصل النتائج.
والثانية: أن لا تذكر النتائج، تقول:(كل إنسان حيوان، وكل حيوان حساس، وكل حساس نام، وكل نام جسم) ينتج: (كل إنسان جسم)، ويسمى هذا النوع مفصول النتائج.