الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في تقسيم الكلام إلى مفرد ومركب وبيان ما تجري فيه المناظرة وما لا تجري فيه
اعلم أن الكلام ينقسم إلى مفرد ومركب، وقد أوضحناهما فيما سبق في المقدمة المنطقية
(1)
.
والمفرد لا تجري فيه المناظرة، وقد يجري فيه الاستفسار إن كان غريبًا.
والمركب الناقص كالتقييدي تجري فيه المناظرة بشرط أن يكون قيدًا للقضية. والمركب التقييدي كالحيوان الناطق.
والمركب الإنشائي التام كحملة الأمر والنهي والاستفهام والتمني ونحو ذلك: إن جاء به المتكلم من قبل نفسه فإنه لا تجري فيه المناظرة، وإن نقله عن غيره طولب بتصحيح النقل، فإن صححه خرج من العهدة، وهذا هو الأظهر؛ لأن الأحاديث النبوية التي يطالب من حَدَّث بها بتصحيحها منها ما معناه إنشائي كما هو معلوم، خلافًا لجماعة قالوا: إن المركب الإنشائي لا يكون محلًا للبحث أصلًا، ولا يكون منقولًا حتى يطالب صاحبه بتصحيح النقل، والأول هو الصواب إن شاء الله -تعالى-.
وأما المركب الخبري التام -وهو ما قدمنا أنه هو المسمى بالتصديق، وبالقضية، وأوضحنا معناه في المقدمة
(2)
عند النحويين،
(1)
ص 24.
(2)
ص 12.
والبلاغيين، والمنطقيين، وما يسميه به كل منهم- فهو محل البحث والمناظرة، وعليه ترد اعتراضات المعترض، وإجابة المجيب، كما سترى تفاصيله إن شاء الله تعالى.
واعلم أن التعريفات والتقسيمات قد تجري فيها المناظرة، فإن قيل: كيف جرت فيها وهي لا تخلو أن تكون من قبيل المفرد أو المركب الناقص؟ فالجواب أن المناظرة إنما جرت فيها من حيث إنها متضمنة مركباتٍ خبريةً تامة.
وإيضاح ذلك في التعريف أنك لو عرفت الإنسان مثلًا بأنه هو "الحيوان الناطق" فهذا المركب التقييدي -الذي هو "الحيوان الناطق" الذي هو في قوة المفرد؛ لأنه يساوي الإنسان، ومساوي المفرد مفرد- يتضمن مركبات خبرية تامة، فكأَنك ادعيت في ضمن ذلك التعريف الدعاوى الآتية:
الأولى: أن هذا التعريف حدٌّ لا رسم.
والثانية: أنه مؤلف من الذاتيات، لا العرضيات.
والثالثة والرابعة: أنه مانع من دخول غير المحدود، جامع لجميع أفراد المحدود.
والخامسة: أنه لا يستلزم شيئًا من أنواع المحال، كالدور السبقي والتسلسل ونحو ذلك.
فجريان المناظرة في التعريف باعتبار هذه القضايا الخبرية التامة التي تضمنها التعريف، وقد تقدم جميع إيضاحها في المقدمة
المنطقية
(1)
.
وأما إيضاح ذلك في التقسيمات فإنك لو قسمت كليًّا إلى جزئياته فقلت مثلًا: الجسم إما متحرك أو ساكن، فكأنك ادعيت في ضمن هذا التقسيم الدعاوى الآتية:
الأولى: أن هذا التقسيم حاصر لجميع أنواع المقسَّم، بمعنى أنه لا يوجد جسم خال من الحركة أَو السكون أو متصف بهما معًا في وقت واحد.
والثانية: أن الأقسام المذكورة كل واحد منها أخص مطلقًا من المقسَّم؛ لأنه لو لم يكن أخص منه لما صح انقسامه إليه وإلى غيره.
والثالثة: أن كل واحد من تلك الأقسام مباين للآخر، فلا مساواة بين اثنين منهما، ولا عموم مطلقًا، ولا من وجه، ولا خصوص مطلقًا، ولا من وجه.
الرابعة: أنه لا يدخل في التقسيم شيء مما ليس من أنواع المقسَّم.
فجريان المناظرة في التقسيمات باعتبار هذه المركبات الخبرية التامة التي تضمنها التقسيم.
وبما أوضحنا تعلم أن حاصل المناظرة في التعريف والتقسيم الاعتراض على تلك الدعاوى الضمنية؛ كأن يُدّعى في التعريف أنه غير
(1)
ص 56 وما بعدها.
جامع مثلًا، أو يدعى في التقسيم أنه غير حاصر، أو أن بعض الأقسام ليس أخصّ مطلقًا من المقسَّم، أو أَن بعضها لا يباين بعضًا، وهكذا.
فتحصّل أن محل المناظرة ثلاثة أقسام:
الأول: المركب الخبري التام، وهو محلها الأصلي.
الثاني: التقسيم.
الثالث: التعريف، وقد أوضحنا وجهة المناظرة فيهما آنفًا.