الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في السؤال الثاني عشر
وهو القادح المعروف في الأصول بالقدح في إفضاء الحكم إلى المصلحة المقصودة من شرع الحكم.
وضابطه الاعتراض بان المصلحة التي شُرع من أجلها الحكم لم يفض إليها الحكم.
ومثاله أن يقال في علة مصاهرة المحارم على التأبيد: إنها الحاجة إلى ارتفاع الحجاب، ووجه المناسبة أنه يفضي إلى رفع الفجور؛ لأن التأبيد التحريم يقطع الطمع، وقطع الطمع في النكاح يجعل المحرمة بالمصاهرة لا تتوق النفس إليها؛ لأنها بذلك تصير كالأخت والأم، فلا ينظر إليها نظرة شهوة، ولا يكون بينه وبينها ما يدعو إلى الريبة.
فيقول المعترض: هذا الحكم لم يفض إلى المصلحة المقصودة؛ لأن قطع الطمع في النكاح أدعى إلى الفجور؛ لأن النفس حريصة على ما مُنعت منه، كما قال الشاعر
(1)
:
مُنعتَ شيئًا فأكثرتَ الولوعَ به
…
أَحبُّ شيءٍ إلى الإنسانِ ما مُنعا
(2)
وقوة داعية الشهوة مع اليأس من حلّية النكاح مظنة الفجور.
والجواب عن هذا الاعتراض ببيان إفضاء الحكم إلى المصلحة،
(1)
المشهور بيت الأحوص الأنصاري:
وزادني كلفًا في الحب أن مَنَعتْ
…
وحَبُّ شيء إلى الإنسان ما مُنعا
(2)
انظر ديوانه: 195.
كأن يقول في هذه المسألة: تأبيد التحريم يمنع عادةً من مقدمات الهم والنظر، وبالدوام يصير كالأمر الطبيعي، فلا يبقى المحل مشتهىً، كالأمهات والأخوات، كما هو مشاهد، ولا شك أن اليأس له أثر كبير في صدود النفس عما يئست منه، كما قال بعض المتأخرين من أدباء قُطْر شنقيط، وهو خال والدي شقيقُ أمه:
فكن يائسًا منها ففي اليأس راحةٌ
…
وإن رسيس الشوق يطردُه اليأسُ
وهكذا يصح مثالًا لا شاهدًا؛ لتأخر قائله.
وكونُ اليأس يُريح من الطمع أمر معروف مشهور في شعر العرب، ومنه قول امرئ القيس:
أبيني لنا إن الصَريمة راحةٌ
…
من الأمر ذي المخلوجة المتلبّسِ
(1)
فإن معنى بيته أنها إن صرّحت له بالصريمة والقطيعة استراح من الطمع الذي لا يدري صاحبه أيحصل على شيء أم لا.
ووجه تطبيق هذا القادح في البحث والمناظرة ظاهر؛ لأنه منع؛ إذ المعترض يمنع فيه حصولَ المصلحة المقصودة بتشريع الحكم. وقد قدمنا لك أن جميع القوادح راجعة إلى المنع والمعارضة. وبعضهم يقول: إنها كلها راجعة إلى المنع.
(1)
ديوانه: ص 136، دار إحياء العلوم، 1410 هـ وفيه (الشك) موضع (الأمر).