الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل في تقسيم القضايا باعتبار الكم والكيف]
(1)
اعلم أولًا أن الكَمَّ في الاصطلاح هو: الكلية والجزئية. وقد أوضحنا فيما سبق
(2)
أن الكلية هي الحكم بالمحمول على كل فرد من أفراد الموضوع الداخلة تحت العنوان، إيجابًا أو سلبًا، وأن الجزئية هي الحكم بالمحمول على بعض أفراد الموضوع لا كلها، إيجابًا أو سلبًا. خلافا للسَّنوسي
(3)
في مختصره؛ فقد غلط في هذا الموضع.
والمراد بالكيف في الاصطلاح هو: الإيجاب والسلب، وهما الإثبات والنفي.
واعلم أن السور في الاصطلاح هو "اللفظ الدال على الإحاطة بجميع الأفراد أو بعضها إيجابًا أو سلبًا"، فأقسامه أربعة:
الأول: سور كلي إيجابي، نحو:(كل) و (عامة) ونحوهما.
الثاني: سور كلي سلبي، نحو (لا شيء) و (لا واحد) ونحوهما.
الثالث: سور جزئي إيجابي، نحو (بعض).
الرابع: سور جزئي سلبي، نحو:(بعض ليس). و (ليس بعض).
وإذا عرفت هذا فاعلم أن القضية الحملية لا بد لموضوعها من أحد
(1)
ليس في المطبوع والسياق يقتضيه.
(2)
ص 34، 37.
(3)
محمد بن يوسف بن عمر السّنوسي، التلمساني، له "مختصر في علم المنطق" مطبوع، توفي سنة 895 هـ، انظر الأعلام للزركلي (7/ 154).
أمرين: إما أن يكون جزئيًّا، وإما أن يكون كليًّا.
وإن كان موضوعها كليًّا فله خمس حالات:
الأولى: أن يسوّر بسور كلي إيجابي.
الثانية: أن يسور بسور كلي سلبي.
الثالثة: أن يسور بسور جزئي إيجابي.
الرابعة: أن يسور بسور جزئي سلبي.
الخامسة: أن يهمل من السور، وهذه الخامسة بمنزلة الجزئية.
فأقسام ما موضوعُها كلّيٌ أربعة في الحقيقة؛ لأن المهملة في قوة الجزئية.
وإن كان موضوعها جزئيًّا فهي التي تسمى شخصية ومخصوصة، ولها حالتان؛ لأنها تكون موجبة نحو (زيد قائم) و (هند جميلة)، وسالبةً نحو (زيد ليس بقائم) و (هند ليست بجميلة).
فتحصّل أن الحملية باعتبار الكيف والكم ستة أقسام:
1 -
الأول: كلية موجبة، نحو (كل إنسان حيوان) و (جميع الإنسان حيوان)، و (عامة الإنسان حيوان)، ونحو ذلك.
2 -
الثاني: كلية سالبة، نحو (لا شيء من الإنسان بحجر)، والا واحد من الإنسان بفرس)، ونحو ذلك.
3 -
الثالث: جزئية موجبة، نحو (بعض الحيوان إنسان).
4 -
الرابع: جزئية سالبة، نحو (بعض الحيوان ليس بإنسان).
5 -
الخامس: شخصية موجبة، نحو (زيد قائم).
6 -
السادس: [شخصية]
(1)
سالبة: نحو (زيد ليس بقائم).
تنبيهات:
الأول: اعلم أنه جرى عرف المنطقيين في التقسيم المذكور أن القضايا باعتبار الكم والكيف ثمانية؛ لأنهم يزيدون على الستة التي ذكرنا المهملة الموجبة، نحو (الإنسان حيوان)، والمهملة السالبة نحو (ليس الحيوان بإنسان)، وإنما جعلناها ستة لا ثمانية لأن المهملة في قوة الجزئية، لا قسمٌ زائد عليها، فصارت القضايا باعتبار الكم والكيف ستًّا على التحقيق كما ذكرنا.
التنبيه الثاني: وهو مهم جدًّا، وهو أن تعلم أن المراد بالموضوع منافٍ للمراد [بالمحمول]
(2)
في القضية الحملية؛ لأن المراد بالموضوع جميع أفراده الخارجيةِ الداخلةِ تحت العنوان
(3)
، سواء اعتبرنا الوجود الخارجي؛ لكونها خارجية، أو اعتبرنا تقدير الوجود؛ لكونها [حقيقية]
(4)
، ولا يراد بالموضوع القدر المشترك، الذي هو
(1)
في المطبوع: (شخية).
(2)
في المطبوع: (بالمحصول).
(3)
العنوان هو اللفظ الدالّ على الموضوع، انظر ما يأتي ص 172.
(4)
في المطبوع: (حقيقة)، وانظر التعريف بالقضايا الحقيقية والخارجية ص 172 - 175.
المعنى الذهني، بخلاف المحمول؛ فإنه لا يقصد به الأفراد الخارجية، وإنما يراد به مطلق الماهية الذهنية، التي هي القدر المشترك بين الأفراد.
فقولك: (كل إنسان حيوان) قضية حملية، موضوعها (الإنسان)، ومحمولها (الحيوان)، فالموضوع الذي [هو]
(1)
(الإنسان) يراد به أفراده الداخلة في لفظه، فكل فرد من أفراد (الإنسان) محكوم عليه بأنه (حيوان)، بخلاف المحمول الذي هو (الحيوان) في هذا المثال؛ فإنما يراد به معناه الذهني، الذي هو القدر المشترك بين أفراده، ولا يجوز أن تقصد أفراده؛ لأنك لو قصدت أفراد الحيوان كالفرس والبغل كنت حاكمًا على الإنسان بأنه فرس أو بغل، وقد قدمنا أن الحكم على المباين بمباينه إيجابًا أنه كاذب
(2)
.
أو الحكمَ
(3)
على [الشيء]
(4)
بنفسه، وهو تحصيل الحاصل، إن قصدت بالحيوان المحمول على (الإنسان) الإنسان.
وإن قصدت بالموضوع القدر المشترك، الذي هو الحقيقة الذهنية، سُمّيتْ القضية طبيعية، كقولك:(الحيوان جنس)، و (الإنسان نوع)، وهكذا.
(1)
ليست في المطبوع، والسياق يقتضيها.
(2)
راجع ص 39.
(3)
المعنى: أو كنت حاكما الحكمَ على الشيء بنفسه.
(4)
في المطبوع: (السلبي).
التنبيه الثالث: اعلم أن السور الذي هو لفظة (كل) أو (بعض) ونحوهما ليس هو الموضوع، وإنما هو بيان للقدْر المحكوم عليه من أفراد الموضوع، فقولك:(كل إنسان حيوان) أو (بعض الإنسان حيوان) الموضوع فيها المضاف إليه، الذي هو (الإنسان)، وأما السور الذي هو لفظة (كل) أو (بعض) وإن أُعربت مبتدأ فليست هي [الموضوع]
(1)
، وإنما هي لفظ مبيّن للكمّية المحكوم عليها من أفراد الموضوع: هل هي جميعها أو بعضها؟ .
التنبيه الرابع: اعلم أن السور بأقسامه الأربعة يدخل على الشرطيات المتصلة والمنفصلة.
فمثال الشرطية المتصلة المسوّرة بسور كلي إيجابي قولك: (كلما كان هذا إنسانًا كان حيوانا) و (مهما كان الشيء مفتقرًا في وجوده للفاعل فهو مخلوق)، و ([متى]
(2)
كان مخلوقًا فلا بد له من خالق).
فـ (كلما) و (مهما) و (متى) ونحوُها سور كلي إيجابي للشرطية المتصلة.
ومثال السور الإيجابي الكلي للشرطية المنفصلة (دائمًا) وما في معناها، كقولك:(دائمًا إما أن يكون العدد زوجًا أو ليس بزوج)، و (دائمًا إما أن يكون الشيء غنيا عن الخالق وإما أن يكون مخلوقًا).
ومثال السور الكلي السلبي للمتصلة والمنفصلة معا (ليس البتة).
(1)
في المطبوع: (السور)، وهي خطأ كما هو ظاهر من السياق.
(2)
في المطبوع: (من)، وهي خطأ كما هو ظاهر من السياق.
ومثاله في المتصلة (ليس البتة إذا كان الشيء إنسانًا كان حجرًا). ومثاله في المنفصلة (ليس البتة إما أن يكون الشيء أبيض وإما أن يكون باردًا)؛ لأن الصدق فيها بحسب صدق العناد، وهو هنا كاذب؛ إذ لا عناد بين البياض والبرودة؛ لأن تباينهما تباينُ مخالفة، فيجوز اجتماعهما كالواقع في الثلج.
ومثال السور الجزئي الإيجابي للمتصلة والمنفصلة معًا: (قد يكون).
كقولك في المتصلة: (قد يكون إذا كان الشيء حيوانًا كان إنسانًا).
وكقولك في المنفصلة: (قد يكون إما أن يكون الشيء حيوانًا وإما أن يكون فرسًا)؛ لأنه في حال كون الحيوان غير الفرس يصح العناد، وباعتبار صدق الحيوان على الفرس يبطل العناد، فصح أن صدق العناد جزئي.
ومثال السور الجزئي السلبي لهما معًا (قد لا يكون)، وللمتصلة فقط (ليس كلما)، وللمنفصلة فقط (ليس دائمًا).
فنقول في المتصلة: (قد لا يكون إذا كان هذا حيوانًا كان إنسانًا).
وتقول في المنفصلة: (قد لا يكون إما أن يكون الشيء حيوانًا وإما أن يكون إنسانًا)؛ لأنه في بعض الأحوال يكون جامعًا بين كونه إنسانًا وحيوانًا، فلا عناد.
وتقول في المتصلة: (ليس كلما كان الشيء حيوانًا كان فرسًا).
وفي المنفصلة: (ليس دائمًا إما أن يكون الشيء حيوانًا وإما أن يكون فرسًا).
والشرطية المهملة هي التي تَجرّدَ ربطها أو عنادها عن جميع الأسوار.
ومثالها متصلة: (إنْ كان هذا حيوانًا كان إنسانًا).
ومثالها منفصلة: (إما أن يكون هذا حيوانًا وإما أن يكون فراسًا).
والمهملة في قوة الجزئية كما تقدم.
وأما الشرطية المخصوصة: فهي الشرطية التي حُكم فيها على وضع معين من الأوضاع الممكنة، أي: حالٍ من الأحوال الممكنة.
ومثالها متصلة: (إن جئتني الآن أكرمتك)، فتخصيص ربطها بالوقت الحاضر دون غيره من الأزمنة صيّرها مخصوصة.
ومثالها منفصلة: (زيد الآن إما كاتب أو غير كاتب).
فتبين بما ذكرنا أن الشرطية كالحملية؛ تنقسم إلى مخصوصة وكلية وجزئية ومهملة. وكل واحدة منها تكون موجبة أو سالبة، فالأقسام ثمانية، وهي في الحقيقة ستة؛ لأن المهملة السالبة والمهملة الموجبة راجعتان إلى الجزئية، لأنها في قوتها، فتصير الأقسام في الحقيقة ستة كما تقدم.
واعلم أن شمول الكلية الحملية إنما هو للأفراد الداخلة تحت لفظ
الموضوع، وشمولَ الجزئية الحملية إنما هو لبعض الأفراد المذكورة، وأما الشرطية الكلية فشمولها بحسب الأوضاع والأحوال لا الأفراد، وكذلك الشرطية الجزئية، فشمولها لبعض الأوضاع والأحوال لا الأفراد، وقد قدمنا أمثلة الجميع.