الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في أوجه الاعتراض على التعريف الحقيقي والاسمي
اعلم أن الاعتراض يتوجه إلى كل واحد منهما، سواء كان حدًّا تامًّا أو ناقصًا، أو رسمًا تامًّا أو ناقصًا، باختلال شرط من شروط التعريف المتقدمة في مقاصد التصديقات، وشروط الصحة عند أَهل هذا الفن أربعة، فالاعتراض على التعريفين المذكورُ عندهم بواحد من أربعة أمور، وأحرى إن كان باثنين منها فأكثر:
الأول: ألا يكونَ التعريف مطردًا، أي مانعًا.
الثاني: ألا يكونَ منعكسًا، أي جامعًا.
الثالث: [أن]
(1)
يستلزمَ المحال، كالدور السبقي.
الرابع: ألا يكونَ أظهرَ وأوضحَ من المعرَّف -بالفتح-، وقد أوضحنا هذا بأمثلته في المقدمة المنطقية.
وأما التعريف اللفظي فعلى قول من لا يشترط فيه الجمع ولا المنع فلا يتوجه إليه الاعتراض بعدم الطرد أو العكس، وإنما يتوجه عليه الاعتراض باستلزامه المحال كالدور السبقي، أو كويه غيرَ أظهرَ وأوضحَ من المعرَّف.
وأما على قول من يشترط فيه الجمع والمنع، وهم المنطقيون
(1)
في المطبوع: (ألا)، والصواب ما أثبته كما هو واضح من السياق، وانظر ما يأتي ص 186.
وبعض الجدليين، فإنه يتوجه إليه الاعتراض من الجهات الأربع المذكورة التي يُعترض بها على الحقيقي والاسمي.
وقد عرفتَ مما مر أن الاعتراض يتوجه إلى التعريف من حيث إنه غيرُ حسن وإن لم يكن فاسدا، وذلك بتخلف شرط من شروط الحُسْن المذكورة، ككونه مشتملًا على بعض الأغلاط اللفظية، وكأن يكون في ألفاظ التعريف لفظ مجازي دون قرينة تعيّن المراد، أو لفظٌ مشترك بين معنيين فأكثرَ دون قرينة تعيّن المقصود، وقد قدمنا أن هذين شرطان لصحته عند المنطقيين، وهذا أظهر، وكان يكون في ألفاظ التعريف لفظ غريب غيرُ ظاهر الدلالة على معناه المقصود، أو موهمٌ لمعنًى غيرِ المراد.
وإذا عرفتَ أوجه الاعتراض على التعريف، فلا يخفى عليك أن الطريقة المعهودةَ في ذلك هي أن تجعل وجه الاعتراض مقدمةً صغرى من دليل المعترض، وهو قياس اقتراني من الشكل الأول، وتضمَّ إليها كبرى صورتُها مثلًا:(وكل تعريف كان كذلك فهو فاسد، أو فهو غير حسن).
كقولك: هذا التعريف الحقيقي غير مانع، وكل تعريف حقيقي كان كذلك فهو فاسد، ينتج: هذا التعريف الحقيقي فاسد، وهو المراد، وهكذا.
وكقولك: هذا التعريف في بعض ألفاظه غلط، وكل تعريف كان كذلك فهو غير حسن، ينتج من الشكل الأول: هذا التعريف غير حسن، وهكذا.
واعلم أن ترتيب المناظرة في التعريف كترتيبها في التقسيم، وقد أوضحناه في الكلام على التقسيم
(1)
، وبه تعلم أَن أول ما يبدأ به المناظر في التعريف هو أن ينظر في كلام خصمه هل هو ناقل له عن غيره أو لا؟ وإن كان ناقلًا له فهل هو ملتزم صحته أو لا. فإن كان ناقلًا ولم يلتزم الصحة فلا يتوجه إليه إلا المطالبة بتصحيح النقل، وإن كان ملتزمًا صحة ما نقل أو غير ناقل عن غيره بل هو آت بالتعريف من تلقاء نفسه فإن كان في ألفاظ تعريفه لفظ غير واضح المعنى استُفسر عنه وعليه البيان.
كأن يعرِّف موجبَ القصاص في النفس فيقول: هو القتل بما يَقتل غالبًا كالزخيخ، فلخصمه أن يقول: وما مرادك بالزخيخ؟ وعليه أن يبين أن مراده به النار.
وإن كانت ألفاظ تعريفه واضحة المعاني فإن كانت سالمة من أوجه الاعتراض وجب تسليمها وقبولها، وإن كان فيها خلل اعتُرض عليه بأحد أوجه الاعتراض التي بيّنّا، وعليه أن يجيب عن الاعتراض عليه بأحد الأجوبة المقررة في هذا الفن.
(1)
راجع ص 160.