الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في السؤال [السابع]
(1)
وهو فساد الاعتبار، وضابطه عند الأصوليين أن يكون دليل المستدل مخالفًا لنص أو إجماع.
فمخالفته للنص كقياس لبن المصراة على غيره من المِثْليات في وجوب رد المِثْل؛ فإنه فاسد الاعتبار، لمخالفته نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن فيه صاعًا من تمر
(2)
، وكالقول بمنع السلف في الحيوان لعدم انضباطه قياسًا على غيره من المختلطات، فيُعترض بأنه مخالف لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من أنَّه استسلف بَكْرا ورد رُباعيًّا، وقال:"إن خير الناس أحسنهم قضاء"
(3)
.
ومثلوا لمخالفته الإجماع بقول الحنفي: لا يغسل الرجل زوجته الميتة لحرمة النظر إليها قياسًا على الأجنبية، فيُعترض بأن عليا غسل فاطمة رضي الله عنهما ولم ينكر عليه أحد من الصحابة فصار إجماعًا سكوتيًا. وقصدنا مطلق المثال لا مناقشة أدلة الأقوال، ولا تخفى علينا مناقشة الحنفية فيما ذكر.
والجواب عن فساد الاعتبار من وجهين: أحدهما أن يبين أن النص
(1)
في المطبوع: (الرابع)، وهو خطأ ظاهر؛ فقد أشار إلى الأسئلة الستة السابقة (ص 328) وهي: الاستفسار، والنقض، والكسر، والمنع، والقلب، والمعارضة، ثم يأتي بعد هذا الثامن.
(2)
انظر صحيح البخاري، رقم (2044).
(3)
رواه البخاري (2262)، ومسلم (1600).
لم يعارض دليله، والثاني أن يبين أن دليله أولى بالتقديم من نص المعارض.
ومثلوا للأول بان يقال: شرط الصوم تبييت النية في [الليل]
(1)
، فلا تصح نيته في النهار؛ قياسًا على القضاء.
فيقول الحنفي: هذا فاسد الاعتبار بمخالفته لقول - تعالى -: {وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ} إلى قول رضي الله عنه: {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35]؛ فإنه يدل على ثبوت الأجر العظيم لمن صام، وذلك مستلزم للصحة.
فيقول المستدل: الآية لا تعارض دليلًا ولا تدل على الصحة؛ لأن عمومها مخصَّص بحديث "إنما الأعمال بالنيات"
(2)
؛ لأن أول الشروع في الصوم تجرد عن النية فلم يصح، وحديثِ "لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل"
(3)
.
ومثلوا للثاني بأن يقال: قياس العبد على الأَمة في تشطير حد الزنا بالرق فاسد الاعتبار؛ لمخالفته عموم {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2]؛ لأنهم يقولون: هذا القياس مقدم على عموم ذلك النص ومخصِّص له؛ لأنه أخصُّ في محل النزاع منه، والمخصِّص الحقيقي هو مستند القياس، وهو الآية التي دلت على تشطير حد الزنا
(1)
في المطبوع: (رمضان)، ولعله سبق فلم.
(2)
أخرجه البخاري (1).
(3)
سبق تخريجه ص 211.
بالرق في الأَمة، وهي قوله - تعالى -:{أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَينَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] وهو الجلد، فهذه الآية دلت على تشطير حد الزنا بالرق؛ لأن علة تشطيره في الأمة الرقُّ بلا نزاع، فعُلم أن الرق هو مناط التشطير، ولا فرق بين الذكور والإناث في الحدود.
ولا يخفى أن فساد الاعتبار معارضة لدليل المستدل بنص أو إجماع، وهي تصح أن تكون بالمِثْل وتكون بالغير كما لا يخفى على من فهم ما تقدم، وقال ابن قدامة في روضة الناظر
(1)
إن فساد الاعتبار من المعارضة في الفرع. وأوضحناه في غير هذا الموضع
(2)
.
(1)
ص 306، 315.
(2)
راجع ص 324.