الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في المعارضة وأقسامها
اعلم أن ما يسمى في البحث والمناظرة بالمعارضة على سبيل القلب، هو بعينه القادح المسمى في الأصول بالقلب، وضابطه عند الأصوليين أن يُثبت المعترض نقيض حكم المستدل بعين دليل المستدل، فيقلب دليله عليه لا له.
والمستدل في الأصول هو المعلل في البحث والمناظرة، والمعترض في الأصول هو السائل في البحث والمناظرة، فتذكر اختلاف الاصطلاحَين؛ لئلا يلتبس عليك المقصود بغيره.
وإذا علمت ذلك فاعلم أن القلب عند أهل الأصول قسمان:
أحدهما: ما صحح فيه المعترض مذهبه، وذلك التصحيح فيه إبطال مذهب خصمه، سواء كان مذهب الخصم المستدِل مصرَّحًا به في دليله أو لا.
ومثال ما كان مصَّرحًا به فيه قول الشَّافعي في بيع الفُضولي: عقدٌ في حق الغير بلا ولاية عليه فلا يصح، قياسًا على شراء الفضولي؛ فإنه لا يصح لمن سمّاه.
فيقول المعترض كالمالكي والحنفي: عقدٌ فيصح كشراء الفضولي؛ فإنه يصح لمن سمّاه إذا رضي ذلك المسمّى له، وإلَّا لزم الفضولي، فهو صحيح على كل حال.
ومثال غير المصَّرح به فيه قولُ من يشترط الصوم في الاعتكاف
كالمالكي: الاعتكاف لُبْث فلا يكون قربة بنفسه، كوقوف عرفة، أي فإنه قربة بضميمة الإحرام إليه، فكذلك الاعتكاف إنما يكون قربة بضميمة عبادة إليه، وهي الصوم في الاعتكاف المتنازع فيه، ومذهبه وهو اشتراط الصوم في الاعتكاف غيرُ مصرح به في دليله.
فيقول المعترض كالشَّافعي: الاعتكاف لُبْث فلا يشترط فيه الصوم، كوقوف عرفة، أي فإنه لا يُشترط فيه الصوم.
القسم الثاني من قسمي القلب: هو ما كان لإبطال مذهب الخصم من غير تعرض لتصحيح مذهب المعترض، سواء كان الإبطال المذكور مدلولًا عليه بالمطابقة أو الالتزام.
ومثال كون الإبطال مدلولا عليه بالمطابقة قول الحنفي في مسح الرأس: عضُو وضوءٍ فلا يكفي في مسحه أَقلُّ ما يطلَق عليه اسم المسح؛ قياسًا على الوجه، فإنه لا يكفي في غسله ذلك.
فيقول المعترض كالشَّافعي: عضوُ وضوءٍ فلا يقدّر بالربع؛ كالوجه؛ فإن غسله لا يتقدر بالربع.
ومثال الإبطال بالاتزام قول الحنفي في جواز بيع الغائب: عقدُ معاوضةٍ فيصح مع الجهل بالعوض؛ كالنكاح؛ فإنه يصح مع الجهل بالزوجة، أي عدم رؤيتها.
فيقول المعترض كالمالكي: فلا يَثبت فيه خيارُ الرؤية كالنكاح. فقد أبطل مذهب الحنفي بالالتزام؛ لأن ثبوت خيار الرؤية لازمٌ
عنده
(1)
شرطًا للصحة، وإذا انتفى اللازم انتفى الملزوم.
[فجميع]
(2)
هذه الأمثلة فيها إبطالٌ لمذهب المستدل بعين دليله، وهو القلب، وقد علمتَ أن القلب نوع خاص من أنواع المعارضة، والجواب عنه كالجواب عن المعارضة، إلَّا أنَّه يُستثنى من ذلك منعُ وجود الوصف، فلا يصح في القلب، لاتفاق الخصمين عليه، كما يتضح من الأمثلة المذكورة.
وأما ما يسمونه قلب المساواة فضابطه أنَّه ثبوت حُكْمين للأصل المقيس عليه، وأحد الحُكْمين منتفٍ عن الفرع المقيس اتفاقًا، والحكم الآخر هو محل الخلاف: هل هو ثابت للفرع أو لا؟ فيُلحِق المستدِل الفرعَ المختلَفَ فيه بالأصل المقيس عليه، فيقول المعترض: التساوي بين الحكمين في الفرع واجب كاستوائهما في الأصل.
ومثاله قول الحنفي في الوضوء والغُسل: طهارة بالمائع فلا تجب فيها النية قياسًا على غَسل النجاسة؛ لا تجب فيه النية، بخلاف غير المائع كالتيمم؛ فإنه تجب فيه النية.
فيقول المعترض كالمالكي والشَّافعي: فيستوي جامد هذه الطهارة ومائعُها، كالنجاسة؛ فإنها يستوي جامدها ومائعها في الحكم الذي هو عدم وجوب النية، وقد وجبت النية في التيمم، فتجب في الغُسل والوضوء.
(1)
أي عند الحنفي.
(2)
في المطبوع: (فجمع).
فأحد حكمي الأصل عدم وجوب النية في الطهارة في الجامد، وهو منتف عن الفرع اتفاقًا؛ لوجوب النية فيه، والآخر عدم وجوب النية في الطهارة بالمائع، وهو المختلف فيه، فيُثبته المستدِل في الفرع، فيقول المعترض: فتجب التسوية بين الحكمين في الفرع، كما وجبت بينهما في الأصل.
واعلم أن قلب المساواة هذا الذي ذكرنا اختُلف في قبوله، فمنع بعضُهم قبوله، وممن منعه القاضي أَبو بكر الباقلاني
(1)
من المالكية، وحجة من قال بأنه لا يُقبل هي أن وجه استدلال المعترض القالبِ غيرُ وجه استدلال المستدل؛ إذ وجه استدلال المستدل في المثال المذكور كونُ الجامع الطهارةَ بالماء، ووجه استدلال المعترض كونُه مطلقَ الطهارة.
وقال الباجي
(2)
: لا يصح قلب القلب؛ لأن القلب نقض للعلة، والنقض لا ينقض.
وقال بعض المالكية والشَّافعية: يصح قلب القلب؛ لأن القلب معارضة في الحكم، والمعارضة تُعارض، فيُصار إلى الترجيح، في أن القلب معارضة لا يتم القدح به بمجرده، بل حتَّى يعجز المستدل عن الترجيح. وعلى أنَّه نقضٌ يقدح بمجرده، والصواب أنَّه معارضة
(1)
محمد بنُ الطيب بنُ محمد بنُ جعفى، من كبار المتكلمين، وفاته سنة 403 هـ، انظر سير أعلام النبلاء (17/ 190).
(2)
أَبو الوليد، سليمان بنُ خلف بنُ سعد، الأندلسي، المالكي، حياته ما بين (403 - 474 هـ)، انظر سير أعلام النبلاء (18/ 535 - 545).
كما بيناه بإيضاح، خلافًا لصاحب المراقي والباجي، ولذا قال صاحب مراقي السعود
(1)
إن القدح بالقلب لا يُعترض، في قوله:
والقلب إثبات الذي الحكمَ نَقَضْ
…
بالوصفِ والقدحُ به لا يُعترض
وأما المعارضة بغير القلب فهي قسمان: معارضة في الأصل، ومعارضة في الفرع، وبعض أهل الأصول يسميها: الفرقُ بين الأصل والفرع.
وقد علمتَ مما مر أن ضابط المعارضة أنَّها هي إقامة الدليل على خلاف ما أقام الخصم عليه دليله، وهي ترد على جميع الأدلة، قياسًا كانت أو غيره، والأصوليون الذين يقولون إنها قسمان: معارضة في الأصل ومعارضة في الفرع، إنما يريدون المعارضة في القياس خاصة.
أما المعارضة في الأصال فضابطها عندهم أن يُبدي المعترض وصفًا آخر صالحًا للتعليل، كأن يقول الشَّافعي: علة الرِّبَا في البُر الطُعم، فيعارضُه الحنفي والحنبلي بإبداء وصف آخرَ صالحٍ للتعليل، وهو الكيل.
ولا يخفى أن هذا النوع من المعارضة مبنيٌ على القول بمنع تعدد العلل المستنبطة، لأنه على القول بجواز تعددها فلا مانع من أن تكون علةُ المستدل وعلةُ المعترض صحيحتين، والعلل المستنبَطة مختلَف في جواز تعددها، ولذلك اختُلِف في قبول القدح بهذا النوع من
(1)
ص 97، رقم (778).
المعارضة. أما العلل المنصوصة فلا خلاف في جواز تعددها، كالبول والغائط والتقبيل والنوم لنقض الوضوء، وكالجماع والإنزال والنَّقاء من الحيض لوجوب الغُسل، ولا يرد عليها هذا النوع من المعارضة، وأشار لما ذكرنا صاحب مراقي السعود
(1)
بقوله:
وعلةٌ منصوصةٌ تَعدَّدُ
…
في ذات الاستنباط خُلْفٌ يُعْهَدُ
وضابط النوع الثاني من نوعي المعارضة وهو المعارضة في الفرع هو إبداء المعترضِ وصفًا مانعًا من الحكم في الفرع منتفيًا عن الأصل.
كقياس المهبة على البيع في منع الغرر، فيقول المعترض: البيع عقد معاوضة، والمعاوضة مكايسة يُخل بها الغرر، والهبة محض إحسان فلا يُخل بي الغرر، فإن لم يحصل شيء لم يتضرر الموهوب له.
فكون الهبة محضَ إحسان معارضةٌ في الفرع ليست موجودةً في الأصل، مانعةٌ من إلحاقه به.
وكقول الحنفي: يُقتل المسلم بالذمي كغير المسلم بجامع القتل العمد العدوان، فيقول المعترض: الإسلام في الفرع مانع من القَود.
واعلم أن المعارضة في الأصل كما تكون بإبداء المعترض وصفًا آخر صالحًا للتعليل تكون أيضًا بإبداء وصفٍ صالح لأن يكون جزءًا من العلة غيرَ مستقل بنفسه، كما لو قال المالكي والشَّافعي مثلًا: القتل
(1)
ص 85، رقم (675).
بالمثقّل يجب فيه القصاص؛ لأنه قتل عمد عدوان، فيعارضه الحنفي بإبداء جزء صالح للتعليل، وهو كونُ القتل المذكور بمحدد كالسيف والرمح مثلًا.
واعلم أن للمستدل أن يجيب عن المعارضة بأجوبة متعددة، فيجيب عن المعارضة في الأصل بعدة طرق:
الأولى: أن يبين المستدل أن مثل الحكم المتنازع فيه ثبتَ بدون الوصف الذي أبداه المعترض، فيستقل بالعلية ما ذكره المستدل.
ومثاله قول الشَّافعي: علة تحريم الرِّبَا في البُر الطُعم، فيعارضُه الحنفي مثلًا بوصف الكيل، فيقول الشَّافعي: إن ملء الكف من البُر ينتفي عنه الكيل لقلته، ومنعُ الرِّبَا موجود فيه، فيستقل الطُعم بالعلية.
والقصد المثال، [لا]
(1)
مناقشة أدلة الأقوال.
الثانية: أن يبين المستدل إلغاء ما ذكره المعترض في جنس الحكم المختَلف فيه، كالذكورة والأنوثة بالنسبة إلى العتق، ففي الحديث الصحيح "من أعتق شِرْكًا له في عبد" الحديث
(2)
، فيقول المستدل: الأمة كالعبد في سِراية العتق الواردةِ في الحديث بجامع الرق.
فيقول المعترض: إن في الأصل وصفًا مانعًا من إلحاق الفرع به وهو الذكورة؛ لأن عتق الذكر تلزمه مصالح -كالشهادة والجهاد
(1)
ساقطة من المطبوع، والسياق يقتضيها.
(2)
رواه البخاري (2369)، ومسلم (1501).
وجميع المناصب المختصة بالرجال- لا توجد في الفرع الذي هو الأمة.
فيجيب المستدل عن هذا الاعتراض بأن الذكورة والأنوثة بالنسبة إلى العتق وصفان طرديان، لا يترتب [عليهما]
(1)
شيء من أحكام العتق، كما هو معلوم في الشرع.
الثالثة: أن يبين أن العلة التي عارضها خصمُه ثابتةٌ بنصٍ أو إيماء وتنبيه.
ومثاله في الإيماء والتنبيه قول الشَّافعي: العلة في تحريم الرِّبَا الطُعم، فيعارضُه المالكي بالاقتيات والادخار، فيقول الشَّافعي: إن كون الطُعم هو العلة ثبت بمسلك الإيماء والتنبيه في حديث معمر بنُ عبدِ الله في صحيح مسلم
(2)
: كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الطَّعام بالطعام مثلًا بمثل)، فترتيب اشتراط المثلية على وصف الطُعم يدل بمسلك الإيماء والتنبيه على أن العلة الطعم. والقصد مطلق المثال لا مناقشة أدلة الأقوال.
ومثاله فيما هو كالنص أن يقول الحنبلي مثلًا: علة تحريم الرِّبَا في البر الكيل، فيعارضه المالكي بوصف الاقتيات والادخار، فيقول الحنبلي: إن كون العلة الكيلَ ثبت مقتضاه بالنص، ففي حديث حيان بنُ عبيد الله عند الحاكم
(3)
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه
(1)
في المطبوع: (عليها).
(2)
برقم (1592).
(3)
المستدرك (2/ 49) رقم (2282).
بعد أن ذكر الستة المنصوص على تحريم الرِّبَا فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وكذلك كل ما يكال أو يوزن"، وقد بينا في كتابنا أضواء البيان
(1)
أن هذا الحديث ثابت، وناقشنا من ضعّفه، وهو كالنص الواضح على أن معرفة القدر بالكيل والوزن هي علة الرِّبَا، وفي الصحيحين
(2)
بعد ذكر الرِّبويات أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وكذلك الميزان)، بعد ذكر الكيل في الحديث.
الطريقة الرابعة: أن يبين رجحان ما ذكره على ما أبداه المعترض، ومثاله قول المالكي والحنفي: إن علة كفّارة الجماع في نهار رمضان انتهاكُ حرمة رمضان، فتجب الكفارة عندهما في الأكل والشرب عمدا كالجماع، فيعارضه الشَّافعي والحنبلي بخصوص وصف الجماع الذي رتب عليه النبي صلى الله عليه وسلم حكم الكفارة، فيجيب المالكي والحنفي بأن الوصف المتعدي إلى غيره أرجح من الوصف القاصر الذي لم يتعد إلى غيره؛ لأن التعدية من المرجحات، وكون العلة هي انتهاك حرمة رمضان يتعدى بها الحكم من الجماع إلى الأكل والشرب بجامع انتهاك حرمة رمضان، فتجب الكفارة في الجميع، وكون العلة خصوصَ الجماع تكون به قاصرةً على محلها، فلا يتعدى حكمها إلى شيء، مع أن العلة القاصرة مختلف في التعليل بها أصلًا، كما هو معلوم في محله، والقصد مطلق المثال لا مناقشة أدلة الأقوال.
الطريقة الخامسة: منع وجود الوصف الذي عارض به المعترض،
(1)
(1/ 210).
(2)
صحيح البخاري برقم (6918)، وصحيح مسلم برقم (1593).
مثل أن يعارَض الاقتيات والادخار بالكيل، فيقول المستدل: لا نسلم أنَّه مكيل؛ لأن العبرة بعادة زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في زمنه صلى الله عليه وسلم غير مكيل.
الطريقة السادسة: مطالبة المعترض بكون الوصف الذي عارض به مؤثرًا في الحكم، وهذا إنما يُسمع من المستدل إذا كان مُثبتًا للعلة بالمناسبة أو الشبه، حتَّى يحتاج المعارض في معارضته إلى بيان مناسبة أو شبه، بخلاف ما إذا كان مُثبتًا للعلة بالسبر والتقسيم، فلا يرد عليه هذا الاعتراض؛ بناءً على عدم اشتراط المناسبة في الوصف المتبقي في السبر، والظاهر أن الوصف المدار في الدوران كذلك.
الطريقة السابعة: بيان عدم انضباط الوصف المعارَض به، كأن يقول: السفر علة قصر الصلاة وجوازِ الإفطار في رمضان، فيعارضه المعترض بوصف المشقة، فيجيبُ المستدل بأن المشقة لا تنضبط؛ لاختلافها باختلاف الأشخاص والأحوال والأزمنة.
ومنها غير ذلك تركناه اختصارًا لأن فيما ذكرنا كفاية.
واعلم أنا ذكرنا فيما مضى تطبيق ستة أسئلة من الأسئلة التي ترد على المستدل في الأصول، واحد مني ليس بقادح في نفس الأمر وهو الاستفسار، وخمسة من القوادح وهي: النقض، والكسر، والمنع، والقلب، والمعارضة، وإن كان القلب نوعًا من المعارضة؛ لأن الأصوليين يعدونه قادحًا مستقلًا، ويعدون المعارضةَ قادحًا آخر مستقلًا.
والمعارضة بالقلب التي ذكرنا واضح تطبيقها على المعارضة على سبيل القلب في البحث والمناظرة.
وأما النوعان الآخران من المعارضة، اللذان هما المعارضة في الأصل، والمعارضة في الفرع، فيصح تطبيقهما على المعارضة بالمثل والمعارضة بالغير في البحث والمناظرة.
وإيضاح ذلك أن يقول المستدل: هذا مكيل، وكل مكيل يحرم فيه الرِّبَا؛ يعني لأن علة تحريم الرِّبَا الكيل، [والفرض]
(1)
منع تعدد العلل المستنبطة كما تقدم
(2)
، ينتج: هذا يحرم فيه الرِّبَا، ولازم هذا التعليل أن المطعوم إن كان غير مكيل لا يحرم فيه الرِّبَا؛ لمنع تعدد العلل المستنبطة.
فيعارضه الشَّافعي مثلًا معارضة بالمثل فيقول؛ التفاح مطعوم، وكل مطعوم يحرم فيه الرِّبَا وإن كان غير مكيل، ينتج: التفاح يحرم فيه الرِّبَا، ولازم هذا التعليل أنَّه لا يحرم في غير المطعوم، لمنع تعدد العلل المستنبَطة، وهو مناقض لما دل عليه دليل الأول، فمقتضى دليل الأول أنَّه يحرم في [المكيل]
(3)
ولا يحرم في مطعوم غير مكيل، ومقتضى دليل الثاني أنَّه يحرم في كل مطعوم وإن كان غير مكيل، ولا يحرم في مكيل غير مطعوم، فكل من الدليلين قياس اقتراني، وكلاهما
(1)
في المطبوع: (والغرض) بالغين، والصواب ما أثبته، ولها نظير فيما سبق ص 62.
(2)
ص 324، 325.
(3)
في المطبوع: (الكيل)، والمثبت هو الملائم للسياق.
يستلزم نقيض الآخر، لما ذكرنا أن هذا النوع من المعارضة مبني على منع تعدد العلل المستنبطة، فوجود علة يلزمه نفي غيرها، كما أوضحنا بالأمثلة.
ويصح أن يكون من المعارضة بالغير، كأن يقول الحنفي: الذرة مكيلة، وكل مكيل ربوي، ينتج: الذرة ربوية. وهذا الدليل اقتراني.
فيعارضه الشَّافعي معارضةً بالغيرِ بدليل استثنائي فيقول: لو كان كل مكيل ربويًا -أي [والفرض]
(1)
أنَّه لا ربويَّ غيرُ المكيل؛ لمنعِ تعدُدِ العللِ المستنبطة- لكان مِلءُ الكف من البُر غيرَ ربوي؛ لأنه غيرُ مكيل لقلته، لكنه ربوي، ينتج: ما كل مكيل ربويًا، وهو إبطال بالمعارضة بالغير.
(1)
في المطبوع: (والغرض)، وقد سبق التنبيه على أنَّها خطأ.