الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بَابُ الظِّهَارِ)
.
قَالَ رحمه الله (هُوَ تَشْبِيهُ الْمَنْكُوحَةِ بِمُحَرَّمَةٍ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ) وَزَادَ فِي النِّهَايَةِ لَفْظَةَ اتِّفَاقًا لِيُخْرِجَ أُمَّ الْمَزْنِيِّ بِهَا وَبِنْتَهَا لِأَنَّهُ لَوْ شَبَّهَهَا بِهِمَا لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا وَعَزَاهُ إلَى شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ يَكُونُ مُظَاهِرًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَاضِي إذَا قَضَى بِجَوَازِ نِكَاحِهِمَا يَنْفُذُ عِنْدَهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ لَوْ قَبَّلَ امْرَأَةً وَلَمَسَهَا أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ ثُمَّ شَبَّهَ امْرَأَتَهُ بِابْنَتِهَا لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْوَطْءَ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا، وَحُرْمَةَ الدَّوَاعِي غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهَا، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ مُقَابَلَةُ الظَّهْرِ بِالظَّهْرِ لِأَنَّهُمَا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا شَحْنَاءُ يَجْعَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ظَهْرَهُ إلَى ظَهْرِ الْآخَرِ. .
وَشَرْطُهُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مَنْكُوحَةً، وَالرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْكَفَّارَةِ حَتَّى لَا يَصِحَّ ظِهَارُ الذِّمِّيِّ وَرُكْنُهُ قَوْلُهُ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ.
وَحُكْمُهُ حُرْمَةُ الْوَطْءِ، وَالدَّوَاعِي إلَى وُجُودِ الْكَفَّارَةِ، وَكَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَرَّرَ الشَّرْعُ أَصْلَهُ، وَنَقَلَ حُكْمَهُ إلَى تَحْرِيمٍ مُؤَقَّتٍ بِالْكَفَّارَةِ قَالَ رحمه الله (حُرِّمَ عَلَيْهِ الْوَطْءُ، وَدَوَاعِيهِ بِأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي حَتَّى يُكَفِّرَ) أَيْ حُرِّمَ عَلَى الْمُظَاهِرِ الْوَطْءُ، وَدَوَاعِيهِ كَاللَّمْسِ وَالْقُبْلَةِ بِشَهْوَةٍ بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي حَتَّى يُكَفِّرَ عَنْ ظِهَارِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] إلَى أَنْ قَالَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
[ بَابُ الظِّهَارِ]
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ هُوَ تَشْبِيهُ الْمَنْكُوحَةِ) احْتِرَازٌ عَنْ الْأَمَةِ وَالْأَجْنَبِيَّةِ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِمُحَرَّمَةٍ) احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ حَرَامًا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُظَاهِرٍ كَمَا إذَا شَبَّهَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ بِالْأُخْرَى عَلَى التَّأْبِيدِ وَاحْتِرَازٌ عَمَّا إذَا شَبَّهَ بِأُخْتِ امْرَأَتِهِ أَوْ بِمَجُوسِيَّةٍ أَجْنَبِيَّةٍ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ عَلَى التَّأْبِيدِ) أَيْ كَالْأُمِّ وَالْأُخْتِ وَالْخَالَةِ وَالْعَمَّةِ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ نَسَبٍ أَوْ مِنْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا شَحْنَاءُ) ضَبَطَهَا الشَّارِحُ بِالْقَلَمِ بِكَسْرِ الشِّينِ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَالرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْكَفَّارَةِ وَإِلَخْ) وَأَهْلُهُ مَنْ كَانَ أَهْلًا لِسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ وَهُوَ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إلَخْ) فَيَقَعُ الظِّهَارُ بِهِ سَوَاءٌ وُجِدَتْ النِّيَّةُ أَوْ لَمْ تُوجَدْ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ وَكَذَا إذَا شَبَّهَ بِعُضْوٍ شَائِعٍ أَوْ مُعَبَّرٍ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ اهـ أَتْقَانِيٌّ وَمِنْ شَرَائِطِهِ أَنْ يَكُونَ لِمَرْأَةٍ مُحَلَّلَةٍ بِالنِّكَاحِ لَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ حَتَّى لَوْ ظَاهَرَ مِنْ أَمَتِهِ أَوْ مُدَبَّرَتِهِ أَوْ أُمِّ وَلَدِهِ لَا يَصْلُحُ لِأَنَّ حُكْمَ الظِّهَارِ ثَابِتٌ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لِكَوْنِهِ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا فَاقْتَصَرَ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ قَالَ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3]. اهـ.
(قَوْلُهُ إلَى وُجُودِ الْكَفَّارَةِ) أَيْ مَعَ بَقَاءِ أَصْلِ النِّكَاحِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام لِلْمُظَاهِرِ الْمُوَاقِعِ اسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَلَا تَعُدْ حَتَّى تُكَفِّرَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَنُقِلَ حُكْمُهُ إلَى تَحْرِيمٍ مُوَقَّتٍ) أَيْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ الظِّهَارُ مُزِيلًا لِلنِّكَاحِ كَالْحَيْضِ يَحْرُمُ بِهِ الْوَطْءُ إلَى وُجُودِ الطُّهْرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَزُولَ النِّكَاحُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهَذَا لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ لِكَوْنِهِ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا فَيُنَاسِبُ الْمُجَازَاةَ عَلَيْهَا بِالْحُرْمَةِ وَارْتِفَاعَهَا بِالْكَفَّارَةِ اهـ وَقَوْلُهُ وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى نَقْلِ حُكْمِ الظِّهَارِ إلَى تَحْرِيمٍ مُوَقَّتٍ بِالْكَفَّارَةِ بَيَانُهُ أَنَّ الظِّهَارَ جِنَايَةٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهُ فِي آيَةِ الظِّهَارِ مُنْكَرًا وَزُورًا قَالَ تَعَالَى {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: 2] أَرَادَ بِالْمُنْكَرِ مَا تُنْكِرُهُ الْحَقِيقَةُ وَالشَّرْعُ وَبِالزُّورِ الْكَذِبَ وَالْبَاطِلَ فَنَاسَبَ أَنْ يُجَازِيَ بِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ وَارْتِفَاعِ تِلْكَ الْحُرْمَةِ بِالْكَفَّارَةِ زَجْرًا لَهُ اهـ أَتْقَانِيٌّ
{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] نَزَلَتْ فِي «خَوْلَةَ بِنْتِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ امْرَأَةِ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ رَآهَا وَهِيَ تُصَلِّي، وَكَانَتْ حَسْنَاءَ فَلَمَّا سَلَّمَتْ رَاوَدَهَا فَأَبَتْ فَغَضِبَ فَظَاهَرَ مِنْهَا فَأَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ إنَّ أَوْسًا تَزَوَّجَنِي وَأَنَا شَابَّةٌ مَرْغُوبٌ فِي وَلَمَّا خَلَا سِنِّي وَنَثَرَ بَطْنِي جَعَلَنِي كَأُمِّهِ» ، وَرُوِيَ «أَنَّهَا قَالَتْ لَهُ عليه الصلاة والسلام إنَّ لِي مِنْهُ صِبْيَةً إنْ ضَمَمْتهمْ إلَيْهِ ضَاعُوا، وَإِنْ ضَمَمْتهمْ إلَيَّ جَاعُوا فَقَالَ عليه الصلاة والسلام مَا عِنْدِي فِي أَمْرِك مِنْ شَيْءٍ، وَرُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ لَهَا حُرِّمْت عَلَيْهِ فَهَتَفَتْ وَشَكَتْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَنَزَلَتْ الْآيَةُ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام يُعْتِقُ رَقَبَةً فَقَالَتْ قُلْت لَا يَجِدُ قَالَ فَيَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَا بِهِ مِنْ صِيَامٍ قَالَ فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا قُلْت مَا عِنْدَهُ مِنْ شَيْءٍ فَقَالَ سَأُعِينُهُ بِعَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ فَقُلْت فَإِنِّي أُعِينُهُ بِعَرَقٍ آخَرَ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام أَحْسَنْت اذْهَبِي فَأَطْعِمِي عَنْهُ سِتِّينَ مِسْكِينًا» الْحَدِيثَ، وَلِأَنَّهُ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزُورٌ حَيْثُ شَبَّهَ مَنْ هِيَ فِي أَقْصَى غَايَاتِ الْحِلِّ بِمَنْ هِيَ فِي أَقْصَى غَايَاتِ الْحُرْمَةِ فَنَاسَبَ أَنْ يُجَازِيَ بِهِ بِالْحُرْمَةِ الْمُغَيَّاةَ بِالْكَفَّارَةِ، وَالْوَطْءُ إذَا حُرِّمَ حُرِّمَ بِدَوَاعِيهِ كَيْ لَا يَقَعَ فِيهِ كَمَا فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ وَالِاعْتِكَافِ وَالِاسْتِبْرَاءِ بِخِلَافِ الْحَائِضِ وَالصَّائِمِ لِأَنَّهُ يَكْثُرُ وُجُودُهُمَا فَلَوْ حُرِّمَ الدَّوَاعِي لَأَفْضَى إلَى الْحَرَجِ، وَلَا يُقَالُ كَثْرَةُ الْوُجُودِ تَدْعُو إلَى شَرْعِ الزَّوَاجِرِ لِيَقِلَّ فَلَا يَدُلُّ عَلَى السُّقُوطِ لِأَنَّا نَقُولُ أَيَّامُ الطُّهْرِ وَالْفِطْرِ أَكْثَرُ فَبِوُجُودِ الْوَطْءِ فِيهِمَا تَفْتُرُ الرَّغْبَةُ عَنْهَا فَلَا تَدْعُو إلَى شَرْعِ الزَّوَاجِرِ، وَلِأَنَّ الدَّوَاعِيَ لَا تُفْضِي إلَى الْوَطْءِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ لِأَنَّ الطِّبَاعَ تَنْفِرُ عَنْهَا فَلَا تَكُونُ دَاعِيَةً فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَالْحُرْمَةُ بِاعْتِبَارِهِ فَلَا تَحْرُمُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَحْرُمُ الدَّوَاعِي لِأَنَّ التَّمَاسَّ أُرِيدَ بِهِ الْوَطْءُ، وَهُوَ مَجَازٌ فِيهِ فَلَا يُرَادُ بِهِ الْحَقِيقَةُ، وَنَحْنُ نَقُولُ التَّمَاسُّ حَقِيقَةً اللَّمْسُ بِالْيَدِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى الْمَجَازِ أَوْ نَقُولُ إنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْمَجَازَ لَفْظًا، وَيَلْحَقُ غَيْرُهُ بِهِ بِالْقِيَاسِ احْتِيَاطًا فِي مَوْضِعِ الْحُرْمَةِ، وَبِمِثْلِهِ لَا يَمْتَنِعُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا.
قَالَ رحمه الله (فَلَوْ وَطِئَ قَبْلَهُ اسْتَغْفَرَ رَبَّهُ فَقَطْ) أَيْ لَوْ وَطِئَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَيْرُ الْكَفَّارَةِ الْأُولَى، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا مَا رُوِيَ «أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ صَخْرٍ حِينَ، وَاقَعَ امْرَأَتَهُ، وَقَدْ كَانَ ظَاهَرَ مِنْهَا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي ظَاهَرْت مِنْ امْرَأَتِي فَوَقَعْت عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ أُكَفِّرَ فَقَالَ مَا حَمَلَك عَلَى ذَلِكَ يَرْحَمُك اللَّهُ فَقَالَ رَأَيْت خَلْخَالَهَا فِي ضَوْءِ الْقَمَرِ قَالَ فَلَا تَقْرَبْهَا حَتَّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَك اللَّهُ تَعَالَى» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ، وَفِي رِوَايَةٍ «قَالَ لَهُ اسْتَغْفِرْ رَبَّك، وَلَا تَعُدْ حَتَّى تُكَفِّرَ» ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ آخَرُ وَاجِبًا عَلَيْهِ لَبَيَّنَهُ عليه الصلاة والسلام لَهُ.
قَالَ رحمه الله (وَعَوْدُهُ عَزْمُهُ عَلَى وَطْئِهَا) أَيْ عَوْدُ الْمُظَاهِرِ، وَهُوَ الْعَوْدُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3] عَزْمُهُ عَلَى وَطْءِ الْمُظَاهِرِ مِنْهَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله سُكُوتُهُ عَنْ طَلَاقِهَا، وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الظِّهَارَ لَمْ يُوجِبْ تَحْرِيمَ الْعَقْدِ حَتَّى يَكُونَ الْعَوْدُ إمْسَاكَهَا، وَالثَّانِي أَنَّ ثُمَّ لِلتَّرَاخِي، وَفِيمَا قَالَهُ تَرْكُهُ لِأَنَّهُ يَتَّصِلُ بِهِ سُكُوتُهُ عَنْ طَلَاقِهَا، وَهَذَا بَعِيدٌ لَا يُفْهَمُ مِنْ لَفْظِ النَّصِّ أَصْلًا، وَقَالَ مَالِكٌ الْعَوْدُ الْوَطْءُ نَفْسُهُ، وَهَذَا يَرُدُّهُ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَيْنَاهُ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي تَقَدُّمَ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْوَطْءِ، وَهَذَا الْقَوْلُ يَنْفِي جَوَازَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ، وَكَذَا الْآيَةُ تَرُدُّهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَيْهِ التَّحْرِيرَ بَعْدَ الْعَوْدِ قَبْلَ التَّمَاسِّ فَلَوْ كَانَ الْعَوْدُ هُوَ الْوَطْءُ لَمَا اسْتَقَامَ، وَقَالَتْ الظَّاهِرِيَّةُ: الْعَوْدُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالظِّهَارِ مَرَّةً أُخْرَى، وَلَا يَحْرُمُ وَطْؤُهَا بِدُونِ الثَّانِيَةِ، وَهَذَا لَا يَخْفَى فَسَادُهُ، وَاللَّفْظُ لَا يَحْتَمِلُهُ لِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ بِهِ ذَلِكَ لَقِيلَ يُعِيدُونَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ مِنْ الْإِعَادَةِ لَا مِنْ الْعَوْدِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَيْنَاهُ يَنْفِيهِ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَسْأَلْهُ عَنْ الظِّهَارِ هَلْ كَرَّرَ أَوْ لَا، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ التَّكْرَارَ لَسَأَلَهُ، وَاللَّامُ فِي قَوْله تَعَالَى لِمَا قَالُوا بِمَعْنَى إلَى، وَقِيلَ بِمَعْنَى فِي، وَقَالَ الْفَرَّاءُ بِمَعْنَى عَنْ أَيْ يَرْجِعُونَ عَمَّا قَالُوا فَيُرِيدُونَ الْوَطْءَ، وَالْعَوْدُ الرُّجُوعُ «قَالَ عليه الصلاة والسلام
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ ابْنُ الصَّامِتِ) هُوَ أَخُو عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَمَّا خَلَا سِنِّي وَنَثَرَ بَطْنِي) أَرَادَتْ أَنَّهَا كَانَتْ شَابَّةً تَلِدُ أَوْلَادًا عِنْدَهُ. اهـ. هَرَوِيٌّ (قَوْلُهُ فَقَالَ سَأُعِينُهُ بِعَرَقٍ) الْعَرَقُ بِالْعَيْنِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ سِتُّونَ صَاعًا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقِيلَ هُوَ مِكْتَلٌ يَسَعُ ثَلَاثِينَ صَاعًا قَالَ أَبُو دَاوُد وَهَذَا أَصَحُّ (قَوْلُهُ كَيْ لَا يَقَعَ فِيهِ) فَمَنْ حَامَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ أَيْ فِي الْحَرَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَحْرُمُ الدَّوَاعِي) وَهَذَا فِي الْجَدِيدِ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ اهـ عَيْنِيٌّ
(قَوْلُهُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَيْرُ الْكَفَّارَةِ الْأُولَى) وَأَرَادَ بِالْكَفَّارَةِ الْأُولَى الْكَفَّارَةَ الْوَاجِبَةَ بِالظِّهَارِ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَنْصُوصِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ حَتَّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَك) كَذَا فِي حَظِّ الشَّارِحِ وَفِي النُّسَخِ مَا أَمَرَ اللَّهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ آخَرُ وَاجِبًا عَلَيْهِ لَبَيَّنَهُ عليه الصلاة والسلام) قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ هَذَا اللَّفْظُ أَيْ قَوْلُهُ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي لَا يَكُونُ إلَّا ظِهَارًا أَيَّ شَيْءٍ نَوَى أَمَّا إذَا نَوَى الظِّهَارَ فَظَاهِرٌ وَكَذَا إذَا نَوَى الطَّلَاقَ لِأَنَّ الظِّهَارَ كَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَنُسِخَ إلَى تَحْرِيمٍ مُؤَقَّتٍ بِالْكَفَّارَةِ فَتَكُونُ نِيَّةُ الطَّلَاقِ نِيَّةَ الْمَنْسُوخِ فَلَا يَصِحُّ وَلِأَنَّ النِّيَّةَ تَعْيِينُ مُحْتَمَلَاتِ اللَّفْظِ وَاللَّفْظَ صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ فَلَا يُحْتَمَلُ غَيْرُهُ فَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الطَّلَاقِ وَكَذَا إذَا نَوَى تَحْرِيمَ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ وَكَذَا إذَا قَالَ أَرَدْت بِهِ الْخَبَرَ عَنْ الْمَاضِي كَانَ كَذَّابًا فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي تَقْدِيمَ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْوَطْءِ) بَيَانُهُ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: 3] رَتَّبَ التَّحْرِيرَ عَلَى الْعَوْدِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَقَالَ الْفَرَّاءُ بِمَعْنَى عَنْ إلَخْ) قَالَ الرَّازِيّ وَقِيلَ إلَى بِمَعْنَى عَنْ وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ ثُمَّ يَعُودُونَ إلَى مَقُولِهِمْ وَيُرَادُ بِالْمَقُولِ النِّسَاءُ تَسْمِيَةً لِلْمَحَلِّ بِاسْمِ الْحَالِ اهـ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَمَا فِي لِمَا قَالُوا بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ وَيُرَادُ بِالْمَصْدَرِ الْمَفْعُولُ كَضَرْبِ
الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ»، وَهَذَا تَأْوِيلٌ حَسَنٌ لِأَنَّ الظِّهَارَ مُوجِبُهُ التَّحْرِيمُ الْمُؤَبَّدُ فَإِذَا قَصَدَ وَطْأَهَا، وَعَزَمَ عَلَيْهِ رَجَعَ عَمَّا قَالَ فَلِهَذَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ حَتَّى لَوْ أَبَانَهَا أَوْ لَمْ يَعْزِمْ عَلَى وَطْئِهَا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِعَدَمِ الرُّجُوعِ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا.
وَلَوْ عَزَمَ ثُمَّ رَجَعَ وَتَرَكَ الْعَزْمَ سَقَطَتْ عَنْهُ لِأَنَّ وُجُوبَهَا لِأَجْلِ الْوَطْءِ حَتَّى يَحِلَّ عَلَى مِثَالِ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ النَّفَلَ يُؤْمَرُ بِالطَّهَارَةِ ثُمَّ إذَا رَجَعَ، وَتَرَكَ التَّنَفُّلَ لَا يُؤْمَرُ بِهَا ثُمَّ سَبَبُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ هُوَ الظِّهَارُ وَالْعَوْدُ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ دَائِرَةٌ بَيْنَ الْعُقُوبَةِ وَالْعِبَادَةِ فَيَكُونُ سَبَبُهَا دَائِرًا أَيْضًا بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ حَتَّى تَتَعَلَّقَ الْعُقُوبَةُ بِالْمَحْظُورِ، وَالْعِبَادَةُ بِالْمُبَاحِ، وَإِنَّمَا جَازَ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْعَوْدِ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ لِرَفْعِ الْحُرْمَةِ الثَّابِتَةِ فِي الذَّاتِ فَيَجُوزُ بَعْدَ ثُبُوتِ تِلْكَ الْحُرْمَةِ لِتَرْفَعَ بِهَا كَمَا قُلْنَا فِي الطَّهَارَةِ إنَّهَا تَجُوزُ قَبْلَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ مَعَ أَنَّهَا سَبَبُهَا لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِرَفْعِ الْحَدَثِ فَتَجُوزُ بَعْدَ وُجُودِهِ، وَلِهَذَا جَازَتْ الْكَفَّارَةُ بَعْدَ مَا أَبَانَهَا أَوْ بَعْدَ مَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ بِالِارْتِدَادِ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّ هَذِهِ الْحُرْمَةَ لَا تَزُولُ بِغَيْرِ التَّكْفِيرِ مِنْ أَسْبَابِ الْحِلِّ كَمِلْكِ الْيَمِينِ، وَإِصَابَةِ الزَّوْجِ الثَّانِي، وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تُطَالِبَهُ بِالْوَطْءِ، وَعَلَيْهَا أَنْ تَمْنَعَهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا حَتَّى يُكَفِّرَ، وَلِلْقَاضِي أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى التَّكْفِيرِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا.
قَالَ رحمه الله (وَبَطْنُهَا وَفَخِذُهَا وَفَرْجُهَا كَظَهْرِهَا) أَيْ بَطْنُ أُمِّهِ وَفَرْجُهَا وَفَخِذُهَا كَظَهْرِهَا حَتَّى لَوْ شَبَّهَ امْرَأَتَهُ بِعُضْوٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ يَكُونُ مُظَاهِرًا لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّظَرُ إلَيْهَا، وَلَمْسُهَا، وَالظِّهَارُ لَيْسَ إلَّا تَشْبِيهُ الْمُحَلَّلَةِ بِالْمُحَرَّمَةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَتَحَقَّقُ فِي هَذِهِ الْأَعْضَاءِ بِخِلَافِ الْيَدِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ وَلَمْسُهُ بِلَا شَهْوَةٍ.
قَالَ رحمه الله (وَأُخْتُهُ وَعَمَّتُهُ وَأُمُّهُ رَضَاعًا كَأُمِّهِ) أَيْ كَأُمِّهِ نَسَبًا حَتَّى يَصِيرَ مُظَاهِرًا بِتَشْبِيهِهِ مَنْكُوحَتَهُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ لِأَنَّ شَرْطَهُ أَنْ تَكُونَ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ فِيهِنَّ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَبَّهَهَا بِأُخْتِهَا أَوْ عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا لِأَنَّ حُرْمَتَهُنَّ لَيْسَتْ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَإِنَّمَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا دَامَتْ هِيَ فِي عِصْمَتِهِ لِأَجْلِ الْجَمْعِ فَإِذَا طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَتْ حَلَّتْ لَهُ لِعَدَمِ الْجَمْعِ.
قَالَ رحمه الله (وَرَأْسُك وَفَرْجُك وَظَهْرُك وَوَجْهُكِ وَرَقَبَتُكِ وَنِصْفُكِ وَثُلُثُكِ كَأَنْتِ) أَيْ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ رَأْسُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ فَرْجُكِ أَوْ وَجْهُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إلَخْ كَانَ مُظَاهِرًا لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْضَاءَ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الْجَمِيعِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الطَّلَاقِ، وَهُوَ الشَّرْطُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ، وَمِنْ جَانِبِ الْمُحَرَّمِ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ عُضْوًا لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَقَدْ وُجِدَ
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ نَوَى بِأَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي بِرًّا أَوْ ظِهَارًا أَوْ طَلَاقًا فَكَمَا نَوَى، وَإِلَّا لَغَا) أَيْ وَإِنْ نَوَى بِقَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي أَحَدَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي ذَكَرَهَا فَهُوَ كَمَا نَوَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهَا ذَلِكَ يَسْتَفْسِر لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا مِنْ التَّشْبِيهِ فَإِنْ قَالَ نَوَيْت الْبِرَّ أَيْ الْكَرَامَةَ فَهُوَ كَمَا قَالَ لِأَنَّ التَّكْرِيمَ بِالتَّشْبِيهِ فَاشٍ فِي الْكَلَامِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ عِنْدِي فِي اسْتِحْقَاقِ الْكَرَامَةِ وَالْبِرِّ مِثْلُ أُمِّي، وَإِنْ قَالَ نَوَيْت بِهِ الظِّهَارَ فَهُوَ ظِهَارٌ لِأَنَّهُ شَبَّهَهَا بِجَمِيعِهَا، وَفِيهِ تَشْبِيهٌ بِالْعُضْوِ لَكِنَّهُ غَيْرُ صَرِيحٍ فِيهِ فَيُشْتَرَطُ النِّيَّةُ، وَإِنْ قَالَ نَوَيْت بِهِ الطَّلَاقَ فَهُوَ طَلَاقٌ بَائِنٌ لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِالْأُمِّ فِي الْحُرْمَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَنَوَى الطَّلَاقَ، وَإِنْ قَالَ لَمْ أَنْوِ بِهِ شَيْئًا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِاحْتِمَالِ الْحَمْلِ عَلَى الْكَرَامَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ كَافَ التَّشْبِيهِ لَا عُمُومَ لَهَا فَتَعَيَّنَ الْأَدْنَى، وَلِأَنَّ كَلَامَ الْمُسْلِمِ يُحْمَلُ عَلَى الصَّحِيحِ مَا أَمْكَنَ، وَفِي جَعْلِهِ ظِهَارًا حَمْلٌ لَهُ عَلَى الْمُنْكَرِ وَالزُّورِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ظِهَارٌ لِأَنَّهُ شَبَّهَهَا بِجَمِيعِهَا فَيَدْخُلُ الْعُضْوُ فِي الْجُمْلَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُهُ إذَا كَانَ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ، وَعَنْهُ أَنَّهُ يَكُونُ إيلَاءً لِأَنَّ أُمَّهُ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ بِالنَّصِّ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
الْأَمِيرِ وَنَسْجِ الْيَمَنِ تَسْمِيَةً لِلْمَحَلِّ بِاسْمِ الْحَالِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {خُذُوا زِينَتَكُمْ} [الأعراف: 31] وَحَاصِلُ الْمَعْنَى ثُمَّ يَعْزِمُونَ إلَى نِسَائِهِمْ أَيْ إلَى مُبَاشَرَتِهِنَّ لَكِنْ إذَا بَدَا لَهُ فِي الْوَطْءِ سَقَطَتْ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهَا تَجِبُ عِنْدَنَا غَيْرَ مُسْتَقِرَّةٍ وَلِهَذَا تَسْقُطُ بِمَوْتِهَا أَوْ مَوْتِهِ يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْعَوْدَ بِالْعَزْمِ وَلَا اسْتِقْرَارَ فِي الْعَزْمِ فَكَذَا الْكَفَّارَةُ الْمَبْنِيَّةُ عَلَيْهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَبَّهَهَا بِأُخْتِهَا) أَيْ أُخْتِ امْرَأَتِهِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَرَأْسُك وَفَرْجُك وَوَجْهُك إلَخْ) وَلَوْ قَالَ يَدُك أَوْ رِجْلُك أَوْ ظُفْرُك أَوْ شَعْرُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي كَانَ بَاطِلًا وَبِهِ صَرَّحَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَلَوْ قَالَ جَنْبُك أَوْ ظَهْرُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ يَدُك أَوْ رِجْلُك لِأَنَّ هَذَا الْعُضْوَ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ عَادَةً وَأَمَّا الْجُزْءُ الشَّائِعُ كَالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ وَغَيْرِهِمَا إذَا شَبَّهَهُ بِظَهْرِ الْأُمِّ يَكُونُ مُظَاهِرًا لِأَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ أَوَّلًا ثُمَّ يَسْرِي إلَى سَائِرِ الْبَدَنِ يُشَاعُ الْجُزْءُ كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَإِنْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي الْيَوْمَ فَهُوَ مُظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَإِذَا مَضَى بَطَلَ الظِّهَارُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَهُوَ مُظَاهِرٌ أَبَدًا وَكَذَلِكَ شَهْرًا أَوْ قَالَ حَتَّى يَقْدَمَ فُلَانٌ فَهُوَ كَمَا قَالَ وَيَسْقُطُ إذَا مَضَى شَهْرٌ أَوْ قَدِمَ فُلَانٌ لِأَنَّ حُرْمَةَ الظِّهَارِ شَهْرٌ فَيَتَأَقَّتُ الظِّهَارُ بِتَأْقِيتِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ نَوَيْت بِهِ الظِّهَارَ فَهُوَ ظِهَارٌ) لِأَنَّهُ إذَا شَبَّهَهَا بِظَهْرِهَا وَهُوَ عُضْوٌ مِنْهَا كَانَ ظِهَارًا فَلَأَنْ يَكُونَ ظِهَارًا وَقَدْ شَبَّهَهَا بِجَمِيعِهَا وَجَمِيعُهَا مُشْتَمِلٌ عَلَى الظَّهْرِ أَوْلَى وَأَحْرَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَنَوَى الطَّلَاقَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ظِهَارٌ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَصْلِ وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْكَافِي وَقَالَ مَشَايِخُنَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ وَفِي رِوَايَةٍ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ الْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ ثَلَاثَةُ رِوَايَاتٍ فِي رِوَايَةٍ لَا يَقَعُ شَيْءٌ كَقَوْلِهِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي رِوَايَةٍ يَكُونُ ظِهَارًا وَفِي رِوَايَةٍ يَكُونُ إيلَاءً وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُ الْبِرَّ وَالْكَرَامَةَ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ فَهُوَ مَشْكُوكٌ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِالنِّيَّةِ اهـ
(قَوْلُهُ وَهَذَا لِأَنَّ كَافَ التَّشْبِيهِ لَا عُمُومَ إلَخْ) فَاقْتَضَى مُشَابَهَتَهُ فِي وَصْفٍ خَاصٍّ وَمَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ
فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْحَرَامَ يَمِينٌ بِالنَّصِّ، وَإِنْ نَوَى بِهِ التَّحْرِيمَ لَا غَيْرُ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَكُونُ إيلَاءً لِيَكُونَ الثَّابِتُ بِهِ أَدْنَى الْحُرُمَاتِ لِأَنَّ سَبَبَ الْإِيلَاءِ، وَحُكْمَهُ أَخَفُّ، وَيُمْكِنُ رَفْعُهُ بِالْوَطْءِ، وَلَا يَبْقَى حُكْمُهُ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ، وَلَا يَثْبُتُ لِلْحَالِ، وَلَا يُجْبِرُهُ الْقَاضِي إذَا امْتَنَعَ بِخِلَافِ الظِّهَارِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَكُونُ ظِهَارًا لِأَنَّ كَافَ التَّشْبِيهِ تَخْتَصُّ بِهِ، وَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إنَّهُ إنْ نَوَى التَّحْرِيمَ ذُكِرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَنَّهُ إيلَاءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَكُونُ ظِهَارًا عِنْدَ الْكُلِّ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ الْمُؤَكَّدَ بِالتَّشْبِيهِ ظِهَارٌ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَأُمِّي فَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلَ أُمِّي فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا.
قَالَ رحمه الله (وَبِأَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَأُمِّي ظِهَارًا أَوْ طَلَاقًا فَكَمَا نَوَى) أَيْ إنْ نَوَى بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَأُمِّي ظِهَارًا أَوْ طَلَاقًا فَهُوَ كَمَا نَوَى لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ مِنْ الْكِنَايَاتِ فَيَكُونُ طَلَاقًا بِالنِّيَّةِ، وَقَوْلُهُ كَأُمِّي لِتَأْكِيدِ تِلْكَ الْحُرْمَةِ فَلَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ طَلَاقًا، وَإِنْ نَوَى بِهِ الظِّهَارَ فَظِهَارٌ لِأَنَّهُ شَبَّهَهَا فِي الْحُرْمَةِ بِأُمِّهِ وَلَوْ شَبَّهَهَا بِظَهْرِهَا كَانَ ظِهَارًا فَبِكُلِّهَا أَوْلَى، وَانْتَفَى احْتِمَالُ الْبِرِّ وَالْكَرَامَةِ هُنَا لِتَصْرِيحِهِ بِالْحُرْمَةِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهُوَ ظِهَارٌ لِأَنَّهُ لَفْظٌ مُحْتَمَلٌ فَيَثْبُتُ بِهِ الْأَدْنَى، وَالْحُرْمَةُ بِالظِّهَارِ دُونَ الْحُرْمَةِ بِالطَّلَاقِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ بِالظِّهَارِ لَا تُزِيلُ الْمِلْكَ وَالْحُرْمَةَ بِالطَّلَاقِ تُزِيلُهُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ إيلَاءٌ لِمَا مَرَّ.
قَالَ رحمه الله (وَبِأَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي طَلَاقًا أَوْ إيلَاءً فَظِهَارٌ) أَيْ لَوْ نَوَى بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي طَلَاقًا أَوْ إيلَاءً لَا يَكُونُ إلَّا ظِهَارًا لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ فَلَا تَعْمَلُ فِيهِ النِّيَّةُ، وَقَوْلُهُ حَرَامٌ تَوْكِيدٌ لِمُقْتَضَى اللَّفْظِ فَلَا يُغَيِّرُهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إنْ نَوَى ظِهَارًا أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهُوَ ظِهَارٌ، وَإِنْ نَوَى طَلَاقًا فَطَلَاقٌ، وَإِنْ نَوَى إيلَاءً فَإِيلَاءٌ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا مُحْتَمَلٌ كَلَامُهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ وَالْإِيلَاءَ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَقَوْلَهُ كَظَهْرِ أُمِّي تَوْكِيدٌ لِتِلْكَ الْحُرْمَةِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِهِ ثُمَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ لَا يَكُونُ ظِهَارًا لِأَنَّهُ لَمَّا أَوْقَعَ الطَّلَاقَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ بِأَنْتِ، وَلَا يَصِيرُ مُظَاهِرًا بِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ كَظَهْرِ أُمِّي لِأَنَّ الظِّهَارَ مِنْ الْمُبَانَةِ لَا يَصِحُّ، وَلَا يُقَالُ الظِّهَارُ وَالطَّلَاقُ يُوجَدَانِ مَعًا بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ لِأَنَّا نَقُولُ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ لَا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُكَوِّنَانِ مَعًا الظِّهَارَ بِلَفْظِهِ، وَالطَّلَاقَ بِنِيَّتِهِ كَمَا لَوْ قَالَ زَيْنَبُ طَالِقٌ، وَلَهُ امْرَأَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِهَذَا الِاسْمِ فَقَالَ لِي امْرَأَةٌ أُخْرَى بِهَذَا الِاسْمِ، وَعَنَيْت بِهِ تِلْكَ يَقَعُ عَلَيْهَا بِالنِّيَّةِ، وَعَلَى الْمَعْرُوفَةِ بِالظَّاهِرِ، وَإِنْ نَوَى إيلَاءً يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إيلَاءً وَظِهَارًا بِاتِّفَاقِهِمَا لِعَدَمِ التَّنَافِي بَيْنَهُمَا.
قَالَ رحمه الله (وَلَا ظِهَارَ إلَّا مِنْ زَوْجَتِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] الْآيَةَ، وَلَفْظُ النِّسَاءِ يَتَنَاوَلُ الْمَنْكُوحَاتِ حَتَّى لَوْ ظَاهَرَ مِنْ أَمَتِهِ لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا خِلَافًا لِمَالِكٍ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا تَلُونَا إذْ لَفْظُ النِّسَاءِ مُضَافًا إلَى الْأَزْوَاجِ لَا يَتَنَاوَلُ الْإِمَاءَ، وَلِهَذَا لَمْ يَدْخُلْنَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] وَفِي قَوْله تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226] حَتَّى لَا يُحَرَّمَ عَلَيْهِ أُمُّ أَمَتِهِ بِغَيْرِ وَطْءٍ، وَلَا يَصِيرُ مُولِيًا مِنْ أَمَتِهِ، وَلِأَنَّ الظِّهَارَ كَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَنَقَلَ الشَّرْعُ حُكْمَهُ إلَى تَحْرِيمٍ مُؤَقَّتٍ بِالْكَفَّارَةِ، وَالْأَمَةُ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لِلطَّلَاقِ فَلَا تَكُونُ مَحَلًّا لِلظِّهَارِ كَالْإِيلَاءِ كَانَ طَلَاقًا لِلْحَالِّ فَأَخَّرَهُ الشَّرْعُ إلَى مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ إلَّا فِيمَنْ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ الْأَصْلُ، وَلِأَنَّ الْحِلَّ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فِي الْأَمَةِ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الِاسْتِخْدَامُ حَتَّى يَثْبُتَ مِلْكُ الْيَمِينِ فِيمَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا كَأُمِّ زَوْجَتِهِ وَبِنْتِهَا وَأُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعِ فَلَا تَكُونُ مَقْصُودَةً بِالتَّحْرِيمِ إذْ الْحِلُّ فِيهَا تَبَعٌ لِمِلْكِ الْيَمِينِ لَا مَقْصُودٌ، وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى أَمَةً فَوَجَدَهَا مِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بِرَضَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ، وَفِي الْمَنْكُوحَةِ أَصْلٌ فَيَمْتَنِعُ الْإِلْحَاقُ، وَلَا يُقَالُ إنَّ الْأَمَةَ مَحَلٌّ لِلظِّهَارِ بَقَاءً بِأَنْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ أَمَةٌ لِغَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا يَبْقَى حُكْمُ الظِّهَارِ الْأَوَّلِ عَلَى حَالِهِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ وَطْؤُهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ، وَلِهَذَا لَوْ ظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ حَتَّى يُكَفِّرَ عَنْ ظِهَارِهِ لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ، وَكُلًّا مِنَّا فِي الِابْتِدَاءِ، وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ بَقَاءً، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إثْبَاتُهُ ابْتِدَاءً كَبَقَاءِ النِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ، وَكَالْحُرْمَةِ الْغَلِيظَةِ بِالطَّلَاقِ فَإِنَّهَا لَا تَثْبُتُ فِي الْأَمَةِ ابْتِدَاءً، وَتَبْقَى بَعْدَمَا تَثْبُتُ حَتَّى لَا يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَلَا التَّزَوُّجِ بِهَا بَعْدَمَا أَعْتَقَهَا مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ بِزَوْجٍ آخَرَ فَكَذَا هَذَا، وَهَذَا لِأَنَّ وَقْتَ ثُبُوتِهِ كَانَتْ مَحَلًّا لَهُ فَيَثْبُتُ لِمُصَادَفَتِهِ الْمَحَلَّ ثُمَّ لَا يَسْقُطُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ إلَّا بِشُرُوطِهِ.
قَالَ رحمه الله (فَلَوْ نَكَحَ امْرَأَةً بِغَيْرِ أَمْرِهَا فَظَاهَرَ مِنْهَا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
ظِهَارًا وَغَيْرَهُ فَلَا يَكُونُ ظِهَارًا بِالشَّكِّ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى بِهِ التَّحْرِيمَ لَا غَيْرُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا إذَا نَوَى التَّحْرِيمَ لَا غَيْرُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي أَوْ كَأُمِّي فَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِهِ لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ ذَكَرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي شَرْحِهِ لِهَذَا الْكِتَابِ أَيْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ خِلَافًا وَقَالَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ إيلَاءٌ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ ظِهَارٌ ثُمَّ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَهَذَا غَلَطٌ بَلْ يَكُونُ ظِهَارًا بِالْإِجْمَاعِ وَاسْتَدَلَّ بِمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ فِي مُخْتَصَرِ الْكَافِي فِي قَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَأُمِّي فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ نَوَى التَّحْرِيمَ يَكُونُ ظِهَارًا قَالَ فَإِذَا ظَهَرَتْ لَك الرِّوَايَةُ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَأُمِّي وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ نَوَى التَّحْرِيمَ أَنَّهُ ظِهَارٌ عِنْدَهُمْ فَكَذَا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَأُمِّي لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى التَّحْرِيمَ صَارَ مُلْتَحِقًا بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَأُمِّي اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْ بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي. اهـ. (قَوْلُهُ أَدْنَى الْحُرُمَاتِ) لِأَنَّ سَبَبَ الظِّهَارِ وَحُرْمَتَهُ لِعَيْنِهِ وَلَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ بِالْوَطْءِ وَيَبْقَى مَا لَمْ يُكَفِّرْ وَيَثْبُتُ لِلْحَالِ وَيُجْبِرُهُ الْحَاكِمُ إذَا امْتَنَعَ عَنْ التَّكْفِيرِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ رحمه الله (قَوْلُهُ فَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي) أَيْ لِأَنَّ الْمِثْلَ أَوْ الْكَافَ تَقْتَضِي التَّشْبِيهَ. اهـ.
(قَوْلُهُ يَقَعُ عَلَيْهَا بِالنِّيَّةِ) صَوَابُهُ بِاعْتِرَافِهِ. اهـ.