المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قَلَّمَا يَخْلُو عَنْ الْقَذْفِ فَيَكُونُ جَامِعًا بَيْنَ الْجِنَايَتَيْنِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي - جـ ٣

[الفخر الزيلعي]

فهرس الكتاب

- ‌(بَابُ الظِّهَارِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَار]

- ‌(بَابُ اللِّعَانِ)

- ‌(بَابُ الْعِنِّينِ وَغَيْرِهِ)

- ‌(بَابُ الْعِدَّةِ)

- ‌(فَصْلٌ).فِي الْإِحْدَادِ

- ‌(بَابُ ثُبُوتِ النَّسَبِ)

- ‌[بَابُ الْحَضَانَةِ]

- ‌(بَابُ النَّفَقَةِ)

- ‌(كِتَابُ الْإِعْتَاقِ)

- ‌(بَابُ الْعَبْدُ يَعْتِقُ بَعْضُهُ)

- ‌(بَابُ الْحَلِفِ بِالدُّخُولِ)

- ‌{بَابُ الْعِتْقِ عَلَى جُعْلٍ}

- ‌{بَابُ التَّدْبِيرِ}

- ‌بَابُ الِاسْتِيلَادِ

- ‌{كِتَابُ الْأَيْمَانِ}

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَالسُّكْنَى وَالْإِتْيَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ)

- ‌{بَابُ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللُّبْسِ وَالْكَلَامِ}

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ)

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّزَوُّجِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا)

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ)

- ‌(كِتَابُ الْحُدُودِ)

- ‌(بَابُ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ)

- ‌(بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَالرُّجُوعِ عَنْهَا)

- ‌(بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ)

- ‌(بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي التَّعْزِيرِ)

- ‌(كِتَابُ السَّرِقَةِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الْحِرْزِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ وَإِثْبَاتِهِ]

- ‌(بَابُ قَطْعِ الطَّرِيقِ)

- ‌(كِتَابُ السِّيَرِ)

- ‌[بَابُ الْغَنَائِمِ وَقِسْمَتِهَا]

- ‌(فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ)

- ‌(بَابُ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ)

- ‌(بَابُ الْمُسْتَأْمَنِ)

- ‌[فَصْلٌ إقَامَة الْمُسْتَأْمَنُ فِي دارنا إقَامَة دائمة]

- ‌(بَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ)

- ‌(بَابُ الْمُرْتَدِّينَ)

- ‌(بَابُ الْبُغَاةِ)

- ‌[كِتَابُ اللَّقِيطِ]

- ‌[كِتَابُ اللُّقَطَةِ]

- ‌(كِتَابُ الْآبِقِ)

- ‌[كِتَاب الْمَفْقُود]

- ‌(كِتَابُ الشِّرْكَةِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الشِّرْكَةِ الْفَاسِدَةِ)

- ‌(كِتَابُ الْوَقْفِ)

- ‌[فَصْلٌ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ حَتَّى يَفْرِزَهُ عَنْ مِلْكِهِ]

الفصل: قَلَّمَا يَخْلُو عَنْ الْقَذْفِ فَيَكُونُ جَامِعًا بَيْنَ الْجِنَايَتَيْنِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ

قَلَّمَا يَخْلُو عَنْ الْقَذْفِ فَيَكُونُ جَامِعًا بَيْنَ الْجِنَايَتَيْنِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ عَلِيٌّ رضي الله عنه بِقَوْلِهِ وَإِذَا هَذَى افْتَرَى فَيَغْلُظُ عَلَيْهِ الْحَدُّ.

قَالَ رحمه الله (وَمَنْ حُدَّ أَوْ عُزِّرَ فَمَاتَ فَدَمُهُ هَدَرٌ بِخِلَافِ الزَّوْجِ إذَا عَزَّرَ زَوْجَتَهُ لِتَرْكِ الزِّينَةِ وَالْإِجَابَةِ إذَا دَعَاهَا إلَى فِرَاشِهِ وَتَرْكِ الصَّلَاةِ وَالْغُسْلِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْبَيْتِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ إذْ الْحَدُّ وَالتَّعْزِيرُ لِلتَّأْدِيبِ فَإِذَا هَلَكَ كَانَ خَطَأً مِنْ الْإِمَامِ وَضَمَانُ خَطَئِهِ فِيمَا يُقِيمُهُ مِنْ الْأَحْكَامِ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ نَفْعَ عَمَلِهِ يَعُودُ إلَى الْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ الْغُرْمُ فِي مَالِهِمْ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِتْلَافُ فَيَكُونُ فِعْلُهُ مُقَيَّدًا بِشَرْطِ السَّلَامَةِ كَالْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ وَرَمْيِ الْغَرَضِ وَنَحْوِهِ وَلَنَا أَنَّ الْحَدَّ وَالتَّعْزِيرَ يَجِبُ عَلَيْهِ إقَامَتُهُ إذْ هُوَ مَأْمُورٌ بِهِ وَالْوَاجِبُ لَا يُجَامِعُ الضَّمَانَ كَالْفِصَادِ وَالْبَزَّاغِ إذَا لَمْ يَتَجَاوَزْ الْمُعْتَادَ وَكَمَا لَوْ تَتَرَّسَ الْكُفَّارُ بِالْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ الْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ وَضَرْبِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ فَيَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَلِأَنَّهُ فَعَلَهُ بِأَمْرِ الشَّرْعِ فَيَكُونُ مَنْسُوبًا إلَى الْآمِرِ فَكَأَنَّهُ أَمَاتَهُ حَتْفَ أَنْفِهِ فَلَا يَضْمَنُ وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الزَّوْجِ إذَا عَزَّرَ زَوْجَتَهُ إلَى آخِرِهِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَإِلَّا فَالضَّمَانُ وَاجِبٌ عِنْدَ التَّلَفِ وَإِنْ ضَرَبَهَا لِغَيْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ

وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَضْرِبَهَا عَلَى تَرْكِ الزِّينَةِ وَعَدَّا مِثْلَ مَا ذُكِرَ هُنَا وَلَمْ يَذْكُرَا فِيهِ تَرْكَ الصَّلَاةِ وَعَلَّلَا لِجَوَازِ الضَّرْبِ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا طَاعَتُهُ وَطَاعَةُ اللَّهِ تَعَالَى فَتُعَزَّرُ عَلَى الْمُخَالَفَةِ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ إنَّمَا يَضْرِبُهَا لِمَنْفَعَةٍ تَعُودُ إلَيْهِ لَا لِمَنْفَعَةٍ تَعُودُ إلَى الْمَرْأَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَلَهُ أَنْ يَضْرِبَ وَلَدَهُ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَأَوْرَدَ فِي النِّهَايَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مَا إذَا جَامَعَ امْرَأَتَهُ فَمَاتَتْ مِنْ الْجِمَاعِ أَوْ أَفْضَاهَا حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَإِنْ كَانَ الْجِمَاعُ مُبَاحًا وَلَمْ يُقَيِّدَاهُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ ثُمَّ أَجَابَ بِأَنْ قَالَ إنَّمَا لَا يَجِبُ هُنَاكَ الضَّمَانُ لِأَنَّ ضَمَانَ الْمَهْرِ قَدْ وَجَبَ فِي ابْتِدَاءِ ذَلِكَ الْفِعْلِ فَلَوْ وَجَبَتْ الدِّيَةُ بِمَوْتِهَا كَانَ فِيهِ إيجَابُ ضَمَانَيْنِ بِمُقَابَلَةِ مَضْمُونٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مَنَافِعُ الْبُضْعِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَعَزَاهُ إلَى الْمُحِيطِ

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا لَمْ يَزِدْ فِي التَّعْزِيرِ عَلَى مِائَةٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ إذَا كَانَ يَرَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ وَرَدَ أَنَّ أَكْثَرَ مَا عَزَّرُوهُ مِائَةٌ فَإِذَا زَادَ عَلَى مِائَةٍ فَمَاتَ يَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْمِائَةِ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ فَحَصَلَ الْقَتْلُ بِفِعْلٍ مَأْذُونٍ فِيهِ وَبِفِعْلٍ غَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ فَيَتَنَصَّفُ وَيَثْبُتُ التَّعْزِيرُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَلِهَذَا تُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَيَصِحُّ الْعَفْوُ عَنْهُ وَشُرِعَ فِي حَقِّ الصِّبْيَانِ وَالتَّكْفِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(كِتَابُ السَّرِقَةِ)

قَالَ رحمه الله (هِيَ أَخْذُ مُكَلَّفٍ خُفْيَةً قَدْرَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَضْرُوبَةٍ مُحْرَزَةٍ بِمَكَانٍ أَوْ حَافِظٍ) وَيُعْتَبَرُ أَنْ تَكُونَ جَيِّدَةً وَانْتِفَاءُ الشُّبْهَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ مِلْكَ رَجُلٍ وَاحِدٍ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ سَرِقَةً وَاحِدَةً حَتَّى لَوْ سَرَقَ عَشَرَةً لِجَمَاعَةٍ قُطِعَ بِهَا وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمْ فَيَأْخُذَهَا جُمْلَةً وَبَيْنَ أَنْ تَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

لِاحْتِمَالِ أَنَّ شُهُودَهُ غَابُوا أَوْ مَاتُوا أَوْ أَبَوْا عَنْ الشَّهَادَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَكُونُ جَامِعًا بَيْنَ الْجِنَايَتَيْنِ) أَيْ الشُّرْبِ وَالْقَذْفِ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَتَرْكِ الصَّلَاةِ) سَيَجِيءُ بَعْدَ أَسْطُرٍ عِنْدَ قَوْلِ الشَّارِحِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا إلَخْ اهـ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ رحمه الله فِي فَتَاوَاهُ فِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ وَلِلزَّوْجِ أَنْ يَضْرِبَ زَوْجَتَهُ عَلَى أَرْبَعِ خِصَالٍ وَمَا هُوَ فِي مَعْنَى الْأَرْبَعِ إحْدَاهَا عَلَى تَرْكِ الزِّينَةِ لِلزَّوْجِ وَالزَّوْجُ يُرِيدُهَا وَالثَّانِي عَلَى تَرْكِ الْإِجَابَةِ إذَا دَعَاهَا إلَى فِرَاشِهِ وَالثَّالِثُ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَعَلَى تَرْكِ الْغُسْلِ وَالرَّابِعُ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَنْزِلِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ يُخِلُّ بِمَقْصُودِ النِّكَاحِ وَالثَّالِثَ وَالرَّابِعَ مَعْصِيَةٌ اهـ وَتَنَبَّهْ لِقَوْلِهِ وَمَا هُوَ فِي مَعْنَى الْأَرْبَعِ فَإِنَّهُ نَفِيسٌ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي بَابِ النَّفَقَةِ فِي فَصْلِ حُقُوقِ الزَّوْجَيْنِ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَ الْمَرْأَةَ مِنْ الْغَزْلِ وَلَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا عَلَى أَرْبَعَةٍ مِنْهَا تَرْكُ الزِّينَةِ إذَا أَرَادَ الزِّينَةَ وَالثَّانِيَةُ تَرْكُ الْإِجَابَةِ إذَا أَرَادَ الْجِمَاعَ وَهِيَ طَاهِرَةٌ وَالثَّالِثَةُ تَرْكُ الصَّلَاةِ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْ مُحَمَّدٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَتَرْكُ الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ بِمَنْزِلَةِ تَرْكِ الصَّلَاةِ وَالرَّابِعَةُ الْخُرُوجُ مِنْ مَنْزِلِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ بَعْدَ إيفَاءِ الْمَهْرِ

قَالَ السُّرُوجِيُّ وَلَا يُجْبِرُ الْمُسْلِمُ زَوْجَتَهُ الذِّمِّيَّةَ عَلَى غُسْلِ الْجَنَابَةِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُخَاطَبَةٍ وَيَمْنَعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْكَنَائِسِ اهـ.

[كِتَابُ السَّرِقَةِ]

(كِتَابُ السَّرِقَةِ) لَمَّا فَرَغَ عَنْ بَيَانِ الْمَزَاجِرِ الرَّاجِعَةِ إلَى صِيَانَةِ النُّفُوسِ كُلًّا وَجُزْءًا وَاتِّصَالًا بِهَا شَرَعَ، فِي بَيَانِ الْمَزَاجِرِ الرَّاجِعَةِ إلَى صِيَانَةِ الْأَمْوَالِ وَأَخَّرَهَا لِكَوْنِ النَّفْسِ أَصْلًا وَالْمَالِ تَابِعًا وَذَلِكَ لِأَنَّ حَدَّ الزِّنَا لِلزَّجْرِ عَنْ الزِّنَا الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِضَيَاعِ نَفْسِ الْوَلَدِ فَكَانَ فِيهِ صِيَانَةُ النَّفْسِ، وَحَدُّ الشُّرْبِ فِيهِ صِيَانَةُ الْعَقْلِ الَّذِي هُوَ أَشْرَفُ الْأَجْزَاءِ فِي النَّفْسِ، وَحَدُّ الْقَذْفِ لِصِيَانَةِ مَاءِ الْوَجْهِ الَّذِي يَتَّصِلُ بِالنَّفْسِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الْمَالَ تَابِعٌ لِأَنَّهُ خُلِقَ وِقَايَةً لِلنَّفْسِ قَالَ تَعَالَى {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ هِيَ أَخْذُ مُكَلَّفٍ خِفْيَةً) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَيْدُ الْخِفْيَةِ احْتِرَازٌ عَنْ النَّهْبِ وَالْغَصْبِ وَالِاخْتِلَاسِ اهـ

(قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ أَنْ تَكُونَ جَيِّدَةً) أَيْ حَتَّى لَوْ سَرَقَ زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةَ أَوْ سَتُّوقَةَ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لِأَنَّ نُقْصَانَ الْوَصْفِ يُوجِبُ نُقْصَانَ الْمَالِيَّةِ كَنُقْصَانِ الْقَدْرِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُقْطَعُ إنْ كَانَتْ تَرُوجُ لِأَنَّ بِالرَّوَاجِ صَارَتْ كَالْجِيَادِ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَجَوْدَتُهَا شَرْطٌ وَيُخَالِفُهُ فِي الزُّيُوفِ الرَّائِجَةُ اهـ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ سَرَقَ عَشَرَةً) أَيْ مِنْ الدَّرَاهِمِ اهـ

ص: 211

فِي كِيسٍ فَيَأْخُذُ مِنْ كُلِّ كِيسٍ دِرْهَمًا قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الدَّارِ فَيَخْرُجَ بِهَا جُمْلَةً لِأَنَّ السَّرِقَةَ تَتِمُّ بِالْإِخْرَاجِ مِنْ الدَّارِ فَيُعْتَبَرُ الِاتِّحَادُ عِنْدَهُ هَذَا فِي الشَّرِيعَةِ وَفِي اللُّغَةِ أَخْذُ الشَّيْءِ مِنْ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ الْخُفْيَةِ وَالِاسْتِسْرَارِ

وَمِنْهُ اسْتِرَاقُ السَّمْعِ لِأَنَّهُ يَسْمَعُ كَلَامَ الْمُتَكَلِّمِ عَلَى غِرَّةٍ مِنْهُ وَقَدْ زِيدَتْ عَلَيْهِ أَوْصَافٌ فِي الشَّرِيعَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ وَهُوَ الِاسْتِسْرَارُ مُرَاعًى فِيهَا ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً إذَا كَانَتْ بِالنَّهَارِ أَوْ ابْتِدَاءً لَا غَيْرُ إذَا كَانَتْ بِاللَّيْلِ كَمَا إذَا نَقَبَ الْجِدَارَ عَلَى الِاسْتِسْرَارِ وَأَخَذَ الْمَالَ مِنْ الْمَالِكِ مُكَابَرَةً جَهْرًا لِأَنَّهُ وَقْتٌ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ فِيهِ فَلَوْ لَمْ يَكْتَفِ بِالْخُفْيَةِ فِيهِ ابْتِدَاءً لَامْتَنَعَ الْقَطْعُ فِي أَكْثَرِ السُّرَّاقِ لَا سِيَّمَا فِي دِيَارِ مِصْرَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ فِي النَّهَارِ لِأَنَّهُ وَقْتٌ يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ فِيهِ وَهِيَ نَوْعَانِ سَرِقَةٌ صُغْرَى وَكُبْرَى فَالصُّغْرَى يُسَارِقُ فِيهَا عَيْنَ الْمَالِكِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْحِفْظِ وَشَرْطُهَا أَنْ تَكُونَ خُفْيَةً عَلَى زَعْمِ السَّارِقِ حَتَّى لَوْ دَخَلَ دَارَ إنْسَانٍ فَسَرَقَ وَأَخْرَجَهُ مِنْ الدَّارِ وَصَاحِبُ الدَّارِ يَعْلَمُ ذَلِكَ وَالسَّارِقُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعْلَمُ قُطِعَ وَلَوْ كَانَ السَّارِقُ يَعْلَمُ بِأَنَّ صَاحِبَ الدَّارِ يَعْلَمُ ذَلِكَ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ جَهْرٌ وَالْكُبْرَى يُسَارِقُ فِيهَا عَيْنَ الْإِمَامِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْآفَاقِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَصَدِّي لِحِفْظِ الطُّرُقِ وَقَوْلُهُ مَضْرُوبَةٌ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا سَرَقَ فِضَّةً غَيْرَ مَضْرُوبَةٍ وَزْنُهَا عَشَرَةٌ أَوْ أَكْثَرُ وَقِيمَتُهَا أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةٍ مَضْرُوبَةٍ لَا يُقْطَعُ بِخِلَافِ الْمَهْرِ حَيْثُ يَصِحُّ جَعْلُهَا مَهْرًا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ فَتَتَعَلَّقُ بِالْكَامِلِ

وَالْمَهْرُ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ فَيَصِحُّ كَيْفَمَا كَانَ وَعَلَى هَذَا أَوَانِي الْفِضَّةِ وَالزُّيُوفُ إذَا سَرَقَهَا وَوَزْنُهَا عَشَرَةٌ وَقِيمَتُهَا أَقَلُّ أَوْ قِيمَتُهَا عَشَرَةٌ وَوَزْنُهَا أَقَلُّ لَا يُقْطَعُ وَقِيلَ الْمَضْرُوبَةُ وَغَيْرُ الْمَضْرُوبَةِ فِيهِ سَوَاءٌ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَتَثْبُتُ الْقِيمَةُ بِقَوْلِ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ لَهُمَا مَعْرِفَةٌ بِالْقِيَمِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْحُدُودِ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِمَا تَثْبُتُ بِهِ السَّرِقَةُ وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ وَزْنُ سَبْعَةٍ كَمَا فِي الزَّكَاةِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ هُنَاكَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله نِصَابُهُ مُقَدَّرٌ بِرُبْعِ دِينَارٍ وَقَالَ مَالِكٌ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «قَطَعَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ وَفِي اللُّغَةِ أَخْذُ الشَّيْءِ مِنْ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ الْخِفْيَةِ) قَالَ الْكَمَالُ وَفِي الشَّرِيعَةِ هِيَ هَذَا أَيْضًا وَإِنَّمَا زِيدَ عَلَى مَفْهُومِهَا قُيُودٌ فِي إنَاطَةِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ بِهَا إذْ لَا شَكَّ أَنَّ أَخْذَ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ خِفْيَةً سَرِقَةٌ شَرْعًا لَكِنْ لَمْ يُعَلِّقْ الشَّرْعُ بِهِ حُكْمَ الْقَطْعِ فَهِيَ شُرُوطٌ لِثُبُوتِ ذَلِكَ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ فَإِذَا قِيلَ السَّرِقَةُ الشَّرْعِيَّةُ الْأَخْذُ خُفْيَةً مَعَ كَذَا وَكَذَا لَا يَحْسُنُ بَلْ السَّرِقَةُ الَّتِي عَلَّقَ بِهَا الشَّرْعُ وُجُوبَ الْقَطْعِ هِيَ أَخْذُ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ عَشَرَةً أَوْ مِقْدَارَهَا خِفْيَةً عَمَّنْ هُوَ مُتَصَدٍّ لِلْحِفْظِ مِمَّا لَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ مِنْ الْمَالِ الْمُتَقَوِّمِ لِلْغَيْرِ مِنْ حِرْزٍ بِلَا شُبْهَةٍ وَيُعَمِّمُ الشُّبْهَةَ فِي التَّأْوِيلِ فَلَا يُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْ السَّارِقِ وَلَا أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الْآخَرِ أَوْ ذِي الرَّحِمِ الْكَامِلَةِ وَالْفِعْلُ خِلَافُ الْأَصْلِ لَا يُصَارُ إلَيْهِ حَتَّى يَتَعَيَّنَ مَا لَا مَرَدَّ لَهُ كَالصَّلَاةِ عَلَى مَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ وَمَا قِيلَ هِيَ فِي مَفْهُومِهَا اللُّغَوِيِّ وَالزِّيَادَاتُ شُرُوطٌ غَيْرُ مَرَضِيٍّ وَالْقَطْعُ بِأَنَّهَا لِلْأَفْعَالِ وَالْقِرَاءَةِ عِنْدَنَا وَلَوْ بِغَيْرِ الْفَاتِحَةِ فَكَيْفَ يُقَالُ بِإِنَّهَا فِي الشَّرْعِ لِلدُّعَاءِ وَالْأَفْعَالُ شَرْطُ قَبُولِهِ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَا يَتَبَادَرُ الدُّعَاءُ قَطُّ هَذَا وَسَيَأْتِي فِي السَّارِقِ مِنْ السَّارِقِ خِلَافٌ. اهـ. كَمَالٌ رحمه الله

(قَوْلُهُ كَمَا إذَا نَقَبَ الْجِدَارَ عَلَى الِاسْتِسْرَارِ) أَيْ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ صَاحِبُ الْمَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ مُكَابَرَةً جَهْرًا) أَعْنِي مُقَاتَلَةً بِالسِّلَاحِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ مُكَابَرَةً) أَيْ مُغَالَبَةً وَمُدَافَعَةً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ) أَيْ فِي الْمِصْرِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ وَإِذَا كَابَرَهُ فِي الْمِصْرِ نَهَارًا وَأَخَذَ مَالَهُ لَا يُقْطَعُ اسْتِحْسَانًا وَإِنْ كَانَ دَخَلَ خِفْيَةً وَالْقِيَاسُ كَذَلِكَ فِي اللَّيْلِ لَكِنْ يُقْطَعُ إذْ غَالِبُ السَّرِقَاتِ فِي اللَّيْلِ تَصِيرُ مُغَالَبَةً إذْ قَلِيلًا مَا يَخْفَى الدُّخُولُ وَالْأَخْذُ بِالْكُلِّيَّةِ وَعَلَيْهِ فُرِّعَ إذَا كَانَ صَاحِبُ الدَّارِ يَعْلَمُ دُخُولَهُ وَاللِّصُّ لَا يَعْلَمُ كَوْنَهُ فِيهَا أَوْ يَعْلَمُهُ اللِّصُّ وَصَاحِبُ الدَّارِ لَا يَعْلَمُ دُخُولَهُ أَوْ كَانَا لَا يَعْلَمَانِ قُطِعَ وَلَوْ عَلِمَا لَا يُقْطَعُ اهـ

(قَوْلُهُ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ) أَيْ مَقَامَ الْمَالِكِ بِأَنْ يَكُونَ صَاحِبَ يَدِ أَمَانَةٍ أَوْ ضَمَانٍ كَالْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُودِعِ وَالْمُرْتَهِنِ وَالْمُضَارِبِ وَالْغَاصِبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ وَزْنُ سَبْعَةٍ) يَعْنِي الْمُعْتَبَرُ فِي وَزْنِ الدَّرَاهِمِ الَّتِي يُقْطَعُ بِعَشَرَةٍ مِنْهَا مَا يَكُونُ وَزْنُ عَشَرَةٍ وَزْنَ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ نِصَابُهُ مُقَدَّرٌ بِرُبْعِ دِينَارٍ) أَيْ مَسْكُوكٌ يُقَوَّمُ بِهِ السِّلَعُ وَعِنْدَ أَحْمَدَ رُبْعُ دِينَارٍ مِنْ الْعَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ مِنْ الْوَرِقِ أَوْ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ مَالِكٌ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ) وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا يُقْطَعُ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ بِأَرْبَعِينَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ رحمه الله ثُمَّ هَذَا الِاخْتِلَافُ إنَّمَا نَشَأَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَمْ يُقْطَعْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَّا يَدُ سَارِقِ الْمِجَنِّ وَاخْتَلَفَ فِي تَقْدِيرِهِ الرُّوَاةُ فَبَعْدَ ذَلِكَ الْعُلَمَاءُ أَخَذُوا بِالْأَقَلِّ وَبَعْضُهُمْ أَخَذُوا بِالْأَكْثَرِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ بِإِسْنَادِهِ إلَى هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ يَدَ السَّارِقِ لَمْ تُقْطَعْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ثَمَنِ مِجَنٍّ حَجَفَةٍ أَوْ تُرْسٍ ثُمَّ إنَّ مَالِكًا رَوَى عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «قَطَعَ سَارِقًا فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ»

وَالشَّافِعِيُّ احْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «كَانَ يَقْطَعُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» كَذَا قَالَهُ أَبُو عِيسَى فِي جَامِعِهِ وَأَصْحَابُنَا احْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ فِي السُّنَنِ وَشَرْحِ الْآثَارِ مُسْنَدًا إلَى عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ «قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا فِي مِجَنٍّ قِيمَتُهُ دِينَارٌ أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ» وَأَصْحَابُنَا رَجَّحُوا هَذَا لِأَنَّ فِي الْعَشَرَةِ يَجِبُ الْقَطْعُ بِالْإِجْمَاعِ وَفِيمَا دُونَهَا خِلَافٌ وَالْأَخْذُ بِالْمُجْمَعِ عَلَيْهِ أَوْلَى مِنْ الْأَخْذِ بِمَا فِيهِ خِلَافٌ لِأَنَّ أَدْنَى دَرَجَاتِ الْخِلَافِ إيرَاثُ الشُّبْهَةِ وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ وَلِأَنَّ فِي الْأَقَلِّ شُبْهَةً عَدَمَ الْجِنَايَةِ وَلَا حَدَّ بِالشُّبْهَةِ يُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ

ص: 212

فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَفِي لَفْظٍ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ كَانَتْ قِيمَةُ الدِّينَارِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَالثَّلَاثَةُ رُبْعُهَا وَالرُّبْعُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ عَائِشَةَ رضي الله عنها فِيمَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْطَعُ يَدَ السَّارِقِ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» وَفِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ «تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِي رُبْعِ دِينَارٍ»

قُلْنَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ كَانَتْ قِيمَةُ الْمِجَنِّ الَّذِي قُطِعَ فِيهِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «لَا قَطْعَ إلَّا فِي دِينَارٍ أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ» وَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي قِيمَةِ الْمِجَنِّ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ أَنَّ النِّصَابَ مُقَدَّرٌ بِهِ مَالَ مَالِكٌ إلَى الْأَقَلِّ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ وَمَالَ أَصْحَابُنَا إلَى الْأَكْثَرِ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يَقُلْ إنَّ الْعَشَرَةَ لَمْ يُقْطَعْ بِهَا وَمَا دُونَهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَلَا يَجِبُ بِالشَّكِّ إذْ الْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَيْنَا مِنْ الْمَرْفُوعِ وَقَالَتْ الظَّاهِرِيَّةُ تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ بِمُطْلَقِ السَّرِقَةِ وَلَيْسَ لَهُ نِصَابٌ مُقَدَّرٌ لِإِطْلَاقِ الْكِتَابِ قُلْنَا هُوَ مُقَيَّدٌ بِالْمَالِ فَكَذَا بِالنِّصَابِ لِمَا رَوَيْنَا وَحَكَيْنَا مِنْ الْإِجْمَاعِ وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ «لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ» الْمُرَادُ بِهِ بَيْضُ الْحَدِيدِ وَالْحَبْلُ النَّفِيسُ

أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ الْأَعْمَشِ وَهُوَ الرَّاوِي لِهَذَا الْحَدِيثِ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ بَيْضُ الْحَدِيدِ وَأَنَّ مِنْ الْحِبَالِ مَا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ.

قَالَ رحمه الله (فَيُقْطَعُ إنْ أَقَرَّ مَرَّةً) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُقْطَعُ إلَّا إذَا أَقَرَّ مَرَّتَيْنِ فِي مَجْلِسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِأَنَّهُ حَدٌّ فَيُعْتَبَرُ عَدَدُ الْإِقْرَارِ فِيهِ بِعَدَدِ الشُّهُودِ أَصْلُهُ الْإِقْرَارُ بِالزِّنَا وَلَهُمَا أَنَّ الْإِقْرَارَ مَرَّةً مُظْهِرٌ فَيُكْتَفَى بِهِ كَمَا فِي الْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ وَالِاعْتِبَارُ بِالشَّهَادَةِ بَاطِلٌ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِيهَا تُفِيدُ تَقْلِيلَ تُهْمَةِ الْكَذِبِ وَلَا تُهْمَةَ فِي الْإِقْرَارِ فَلَا يُفِيدُ شَيْئًا وَلَا يُقَالُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ فَيُؤَكِّدَ بِالتَّكْرَارِ لِيَدُلَّ عَلَى الثُّبُوتِ لِأَنَّا نَقُولُ بَابُ الرُّجُوعِ فِيهِ لَا يَنْسَدُّ بِالتَّكْرَارِ وَالرُّجُوعُ عَنْهُ فِي حَقِّ الْمَالِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ يُكَذِّبُهُ وَفِي الزِّنَا وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَاقْتُصِرَ عَلَيْهِ

وَذَكَرَ بِشْرٌ رُجُوعَ أَبِي يُوسُفَ إلَى قَوْلِهِمَا.

قَالَ رحمه الله (أَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ) لِأَنَّهُ مِنْ الْحُدُودِ فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا شَهَادَةُ الرِّجَالِ وَيَجِبُ أَنْ يَسْأَلَهُمْ الْإِمَامُ عَنْ مَاهِيَّةِ السَّرِقَةِ وَكَيْفِيَّتِهَا وَمَكَانِهَا وَيَسْأَلَ الشُّهُودَ عَنْ زَمَانِهَا لِزِيَادَةِ الِاحْتِيَاطِ لِأَنَّهُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

فِي الْجَامِعِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ «لَا قَطْعَ إلَّا فِي دِينَارٍ أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ» . اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ وَقَالَتْ الظَّاهِرِيَّةُ) أَيْ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالْخَوَارِجُ وَثَبَتَ عَنْ الشَّافِعِيِّ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ بِمُطْلَقِ السَّرِقَةِ) أَيْ حَتَّى إذَا سَرَقَ فَلْسًا قُطِعَ اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَيُقْطَعُ إنْ أَقَرَّ مَرَّةً) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ. اهـ. كَمَالٌ وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِ الْقَطْعِ قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] وَإِنَّمَا خُصَّ الْمَجْنُونُ وَالصَّبِيُّ لِمَا رُوِيَ فِي السُّنَنِ وَغَيْرِهِ مُسْنَدًا إلَى عَلِيٍّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ» وَلِأَنَّ الْقَطْعَ عُقُوبَةٌ وَهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ الْكَمَالُ وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ لَا تَتَحَقَّقُ دُونَهُمَا لِأَنَّهَا بِالْمُخَالَفَةِ وَالْمُخَالَفَةُ فَرْعُ تَعَلُّقِ الْخِطَابِ اهـ

(قَوْلُهُ وَلَا تُهْمَةَ فِي الْإِقْرَارِ) أَيْ إذْ لَا يُتَّهَمُ الْإِنْسَانُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ بِمَا يَضُرُّهُ ضَرَرًا بَالِغًا عَلَى أَنَّ الْإِقْرَارَ الْأَوَّلَ إمَّا صَادِقٌ فَالثَّانِي لَا يُفِيدُ شَيْئًا إذْ لَا يَزْدَادُ صِدْقًا وَإِمَّا كَاذِبٌ فَبِالثَّانِي لَا يَصِيرُ صِدْقًا فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي تَكْرَارِهِ. اهـ. فَتْحٌ (فُرُوعٌ) مِنْ عَلَامَةِ الْعُيُونِ قَالَ أَنَا سَارِقُ هَذَا الثَّوْبِ يَعْنِي بِالْإِضَافَةِ قُطِعَ وَلَوْ نَوَّنَ الْقَافَ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ وَالْأَوَّلُ عَلَى الْحَالِ وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ قَالَ سَرَقْت مِنْ فُلَانٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ بَلْ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ يُقْطَعُ فِي الْعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَيَضْمَنُ مِائَةً هَذَا إنْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ الْمَالَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ رَجَعَ عَنْ الْإِقْرَارِ بِسَرِقَةِ مِائَةٍ وَأَقَرَّ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَصَحَّ رُجُوعُهُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالسَّرِقَةِ الْأُولَى فِي حَقِّ الْقَطْعِ وَلَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ الضَّمَانِ وَصَحَّ الْإِقْرَارُ بِالسَّرِقَةِ الثَّانِيَةِ فِي حَقِّ الْقَطْعِ وَبِهِ يَنْتَفِي الضَّمَانُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ سَرَقْت مِائَةً بَلْ مِائَتَيْنِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا لَوْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ الْمِائَتَيْنِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ مِائَتَيْنِ

وَوَجَبَ الْقَطْعُ فَانْتَفَى الضَّمَانُ وَالْمِائَةُ الْأُولَى لَا يَدَّعِيهَا الْمُقَرُّ لَهُ بِخِلَافِ الْأُولَى وَلَوْ قَالَ سَرَقْت مِائَتَيْنِ بَلْ مِائَةً لَمْ يُقْطَعْ وَيَضْمَنْ الْمِائَتَيْنِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ مِائَتَيْنِ وَرَجَعَ عَنْهَا فَوَجَبَ الضَّمَانُ وَلَمْ يَجِبْ الْقَطْعُ وَلَمْ يَصِحَّ الْإِقْرَارُ بِالْمِائَةِ إذْ لَا يَدَّعِيهَا الْمَسْرُوقُ مِنْهُ وَلَوْ أَنَّهُ صَدَّقَهُ فِي الرُّجُوعِ إلَى الْمِائَةِ لَا ضَمَانَ. اهـ. فَتْحٌ قَوْلُهُ وَلَوْ نَوَّنَ لَا يُقْطَعُ هَذَا الْفَرْعُ ذَكَرَهُ فِي الْفَتَاوَى الْكُبْرَى وَالظَّهِيرِيَّةِ وَعَلَّلَا بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُنَوِّنْ فَكَلَامُهُ دَلَّ عَلَى السَّرِقَةِ الْمَاضِيَةِ كَأَنَّهُ قَالَ سَرَقْت هَذَا الثَّوْبَ وَإِذَا نَوَّنَ فَكَلَامُهُ دَلَّ عَلَى السَّرِقَةِ الْمُسْتَقْبِلَةِ كَأَنَّهُ قَالَ أَسْرِقُهُ مِنَّا لَهُ إذَا قَالَ هَذَا قَاتِلُ زَيْدٍ مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ قَتَلَهُ وَإِنْ قَالَ هَذَا قَاتِلٌ زَيْدًا مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَقْتُلُهُ اهـ

(قَوْلُهُ لَا يَنْسَدُّ بِالتَّكْرَارِ) أَيْ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بَعْدَ التَّكْرَارِ فَيُقْبَلُ بِالْحُدُودِ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ وَإِنْ تَعَدَّدَ وَتَكَثَّرَ يَسْقُطُ الْحَدُّ بِالرُّجُوعِ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى اهـ.

(قَوْلُهُ وَيَجِبُ أَنْ يَسْأَلَهُمْ الْإِمَامُ عَنْ مَاهِيَّةِ السَّرِقَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا السُّؤَالُ عَنْ الْكَيْفِيَّةِ بِأَنْ يُقَالَ كَيْفَ سَرَقَ فَلِاحْتِمَالِ أَنَّهُ نَقَبَ الْبَيْتَ فَأَدْخَلَ يَدَهُ وَأَخَذَ الْمَتَاعَ فَذَهَبَ حَيْثُ لَا يُقْطَعُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي وَكَذَا إذَا نَاوَلَ صَاحِبًا لَهُ عَلَى الْبَابِ لَا يُقْطَعُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إذْ فِي الْأَوَّلِ مُخْتَلِسٌ لَا هَاتِكٌ لِلْحِرْزِ لِأَنَّ هَتْكَ الْحِرْزِ فِي الْبَيْتِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الدُّخُولِ بِخِلَافِ صُنْدُوقِ الصَّيْرَفِيِّ وَفِي الثَّانِيَةِ لَمْ يُوجَدْ الْفِعْلُ الْمُوجِبُ لِلْقَطْعِ عَلَى الْكَمَالِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ بِخِلَافِ مَا إذَا رَمَى الثَّوْبَ مِنْ الْبَيْتِ إلَى الطَّرِيقِ ثُمَّ خَرَجَ فَأَخَذَهُ حَيْثُ يُقْطَعُ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُوجِبَ لِلْقَطْعِ تَمَّ بِهِ وَحْدَهُ

ص: 213

يَلْتَبِسُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ فَإِنَّهَا تُطْلَقُ عَلَى أَشْيَاءَ عَلَى الِاسْتِمَاعِ خِفْيَةً وَعَلَى تَخْفِيفِ الصَّلَاةِ عَلَى مَا قَالَ عليه الصلاة والسلام «أَسْوَأُ النَّاسِ سَرِقَةً مَنْ يَسْرِقُ مِنْ صَلَاتِهِ» وَكَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ فَإِنَّ مَنْ يُدْخِلُ يَدَهُ مِنْ النَّقْبِ أَوْ مِنْ الطَّاقَةِ وَيَأْخُذُ شَيْئًا أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي بَيْتٍ أُذِنَ لَهُ فِي دُخُولِهِ أَوْ كَانَ الْمَالُ فِي يَدِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي حِرْزٍ لَا يُقْطَعُ وَكَذَا بِالتَّقَادُمِ يَسْقُطُ الْحَدُّ دُونَ الْمَالِ إذَا كَانَتْ بَيِّنَةٌ وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَ عَنْ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ هَلْ هُوَ أَجْنَبِيٌّ أَوْ قَرِيبٌ مِنْ السَّارِقِ أَوْ زَوْجٌ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ جَمِيعُ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ إزَاحَةِ هَذِهِ الشُّبْهَةِ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الدَّرْءِ مَا اُسْتُطِيعَ وَيَحْبِسُهُ إلَى أَنْ يَسْأَلَ لِلتُّهْمَةِ بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.

قَالَ رحمه الله (وَلَوْ جَمْعًا وَالْآخِذُ بَعْضُهُمْ قُطِعُوا إنْ أَصَابَ لِكُلٍّ نِصَابٌ) أَيْ لَوْ سَرَقَ جَمَاعَةُ وَتَوَلَّى الْأَخِذَ بَعْضُهُمْ قُطِعُوا إذَا أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ لِأَنَّ الْمُعْتَادَ بَيْنَ السُّرَّاقِ أَنْ يَتَوَلَّى بَعْضُهُمْ الْأَخْذَ وَيَسْتَعِدَّ الْبَاقُونَ لِلدَّفْعِ فَلَوْ امْتَنَعَ الْحَدُّ بِمِثْلِهِ لَامْتَنَعَ الْقَطْعُ فِي أَكْثَرِ السُّرَّاقِ فَيُؤَدِّي إلَى فَتْحِ بَابِ الْفَسَادِ فَيَجْرِي عَلَيْهِمْ الْحَدُّ جَمِيعًا اسْتِحْسَانًا سَدًّا لِبَابِهِ سَوَاءٌ خَرَجُوا مَعَهُ مِنْ الْحِرْزِ أَوْ بَعْدَهُ فِي فَوْرِهِ أَوْ خَرَجَ هُوَ بَعْدَهُمْ فِي فَوْرِهِمْ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَحْصُلُ التَّعَاوُنُ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ رحمه الله هُوَ يَقُولُ إنَّ الْإِخْرَاجَ مِنْ الْحِرْزِ يَتَحَقَّقُ مِنْ الْحَامِلِ وَحْدَهُ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ وَجَوَابُهُ مَا بَيَّنَّاهُ وَلَوْ كَانَ فِيهِمْ صَغِيرٌ أَوْ مَجْنُونٌ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْبَاقِينَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ تَوَلَّى الْأَخْذَ الصَّغِيرُ أَوْ الْمَجْنُونُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْقَطْعُ وَإِنْ أَخَذَ الْكِبَارُ الْعُقَلَاءُ وَجَبَ لِأَنَّ الْآخِذَ هُوَ الْأَصْلُ وَالرِّدْءُ تَبَعٌ فَسُقُوطُ الْحَدِّ عَنْ الْأَصْلِ يُوجِبُ سُقُوطَهُ عَنْ التَّبَعِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ قُلْنَا الْحَامِلُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْخُرُوجِ إلَّا بِقُوَّةِ الرِّدْءِ فَصَارُوا مُبَاشِرِينَ مَعْنًى عَلَى مَا يَجِيءُ تَمَامُهُ فِي السَّرِقَةِ الْكُبْرَى وَشُرِطَ أَنْ يُصِيبَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصَابٌ إذْ لَا قَطْعَ فِيمَا دُونَ النِّصَابِ وَقَالَ مَالِكٌ يَقْطَعُونَ بِنِصَابٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الْمَالِ مُوجِبٌ لِلْقَطْعِ فَإِذَا اشْتَرَكُوا أُجْرِيَ عَلَى جَمِيعِهِمْ كَالْقِصَاصِ قُلْنَا الْقِصَاصُ تَعَلَّقَ بِسَبَبٍ لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ إزْهَاقُ الرُّوحِ فَيُنْسَبُ إلَى جَمِيعِهِمْ بِخِلَافِ السَّرِقَةِ.

قَالَ رحمه الله (وَلَا يُقْطَعُ بِخَشَبٍ وَحَشِيشٍ وَقَصَبٍ وَسَمَكٍ وَطَيْرٍ وَصَيْدٍ وَزِرْنِيخٍ وَمَغْرَةٍ وَنُورَةٍ) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ فِيمَا يُوجَدُ تَافِهًا مُبَاحًا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

وَأَمَّا السُّؤَالُ عَنْ الْمَاهِيَّةِ بِأَنْ يُقَالَ مَا هِيَ فَلِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمَسْرُوقَ شَيْءٌ تَافِهٌ أَوْ مَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ أَوْ مَالُ ذِي مَحْرَمٍ مِنْهُ أَوْ مَالٌ فِيهِ شَرِكَةٌ لِلسَّارِقِ أَوْ مَالُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ دَرَاهِمُ الْمَدْيُونِ أَخَذَهَا السَّارِقُ بِقَدْرِ حَقِّهِ أَوْ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِ النِّصَابِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ نَسَبَاهُ إلَى السَّرِقَةِ لِاسْتِرَاقِ الْكَلَامِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {إِلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ} [الحجر: 18] أَوْ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَدِلْ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَلَا بُدَّ إذًا مِنْ السُّؤَالِ عَنْهَا وَأَمَّا السُّؤَالُ عَنْ الزَّمَانِ بِأَنْ يُقَالَ مَتَى سَرَقَ فَلِاحْتِمَالِ التَّقَادُمِ لِأَنَّ التَّقَادُمَ فِي الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى يُبْطِلُ الشَّهَادَةَ لِلتُّهْمَةِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ وَأَمَّا السُّؤَالُ عَنْ الْمَكَانِ فَلِاحْتِمَالِ أَنَّهُ سَرَقَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ سَرَقَ مِنْ مُسْتَأْمِنٍ فِي دَارِنَا لَا قَطْعَ فِيهِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ حُرْمَةَ مَالِهِ مُؤَقَّتَةٌ لَا مُؤَبَّدَةٌ أَوْ سَرَقَ مِنْ غَيْرِ الْحِرْزِ أَوْ مِنْ بَيْتٍ أُذِنَ لَهُ بِالدُّخُولِ فِيهِ أَوْ مِنْ حَمَّامٍ نَهَارًا أَوْ بِاللَّيْلِ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ لَا يُؤْذَنُ بِالدُّخُولِ فِي اللَّيْلِ اهـ

قَوْلُهُ وَأَمَّا السُّؤَالُ إلَخْ قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَيَسْأَلُهُمَا عَنْ الْمَكَانِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ مِنْ مُسْلِمٍ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ ثُبُوتُ السَّرِقَةِ بِالْإِقْرَارِ حَيْثُ لَا يَسْأَلُ الْقَاضِي الْمُقِرَّ عَنْ الزَّمَانِ لِأَنَّ التَّقَادُمَ لَا يُبْطِلُ الْإِقْرَارَ وَلَا عَنْ الْمَكَانِ لَكِنْ يَسْأَلُهُ عَنْ بَاقِي الشُّرُوطِ مِنْ الْحِرْزِ وَغَيْرِهِ اتِّفَاقًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَحْبِسَهُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ أَنْ يَسْأَلَهُمَا يَعْنِي يَنْبَغِي أَنْ يَحْبِسَ الْإِمَامُ السَّارِقَ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَّهَمًا بِالسَّرِقَةِ تَعْزِيرًا عَلَيْهِ وَقَدْ «حَبَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا بِالتُّهْمَةِ» وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحُدُودِ وَإِنَّمَا يَحْبِسُهُ إلَى أَنْ يَسْأَلَ عَنْ عَدَالَةِ الشُّهُودِ لِأَنَّ التَّوَثُّقَ بِالْكَفَالَةِ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ فِيمَا مَبْنَاهُ عَلَى الدَّرْءِ وَالْقَطْعُ قَبْلَ التَّعْدِيلِ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ التَّلَافِي إذَا وَقَعَ الْغَلَطُ فَتَعَيَّنَ الْحَبْسُ كَيْ لَا يَفُوتَ الْحَقُّ بِالْهَرَبِ اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ جَمْعًا وَالْآخِذُ بَعْضُهُمْ قُطِعُوا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا دَخَلَ الْحِرْزَ جَمَاعَةٌ فَتَوَلَّى بَعْضُهُمْ الْأَخِذَ قُطِعُوا جَمِيعًا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَإِنَّمَا وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِي دُخُولِ جَمِيعِهِمْ إذَا اشْتَرَكُوا وَاتَّفَقُوا عَلَى فِعْلِ السَّرِقَةِ لَكِنْ دَخَلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَأَخْرَجَ الْمَتَاعَ وَلَمْ يَدْخُلْ غَيْرُهُ فَالْقَطْعُ عَلَى مَنْ دَخَلَ الْبَيْتَ وَأَخْرَجَ الْمَتَاعَ إنْ عُرِفَ بِعَيْنِهِ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ فَعَلَيْهِمْ التَّعْزِيرُ وَلَا يُقْطَعُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانَ غَيْرُ الدَّاخِلِ يُعَيِّنُ الدَّاخِلَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُمْ مَا لَمْ يَدْخُلُوا الْبَيْتَ لَمْ تَتَأَكَّدْ مُعَاوَنَتُهُمْ بِهَتْكِ الْحِرْزِ بِالدُّخُولِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ اشْتِرَاكُهُمْ لِمَا أَنَّ كَمَالَ هَتْكِ الْحِرْزِ إنَّمَا يَكُونُ بِالدُّخُولِ وَقَدْ وُجِدَ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فَاعْتُبِرَ اشْتِرَاكُهُمْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ فِيهِمْ صَغِيرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) أَيْ أَوْ أَخْرَسُ أَوْ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ صَاحِبِ الْمَالِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ قُلْنَا الْحَامِلُ لَا يَتَمَكَّنُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَنَا أَنَّ أَحَدَ الشُّرَكَاءِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَلَا يَجِبُ عَلَى غَيْرِهِ كَالْمُخْطِئِ وَالْعَامِدِ إذَا اشْتَرَكَا فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَصَيْدٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بَرِّيًّا أَوْ بَحْرِيًّا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَزِرْنِيخٍ وَمَغْرَةٍ وَنُورَةٍ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ الزِّرْنِيخُ بِالْكَسْرِ مَعْرُوفٌ وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَالْمَغْرَةُ الطِّينُ الْأَحْمَرُ بِفَتْحَتَيْنِ وَالتَّسْكِينُ تَخْفِيفٌ وَالنُّورَةُ بِضَمِّ النُّونِ حَجَرُ الْكِلْسِ ثُمَّ غَلَبَتْ عَلَى أَخْلَاطٍ تُضَافُ إلَى الْكِلْسِ مِنْ زِرْنِيخٍ وَغَيْرِهِ وَتُسْتَعْمَلُ لِإِزَالَةِ الشَّعْرِ اهـ وَفِي الْمُغْرِبِ وَهَمَزُوا (وَالنُّورَةُ) خَطَأٌ. اهـ. كَاكِيٌّ وَقَوْلُهُ وَمَغْرَةٍ وَنُورَةٍ أَيْ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ يُوجَدُ مُبَاحَ الْأَصْلِ وَكَذَلِكَ الْوَسْمَةُ وَالْحِنَّاءُ

وَقِيلَ إنَّ فِي الْوَسْمَةِ وَالْحِنَّاءِ يُقْطَعُ فِي بِلَادِنَا لِأَنَّهُ جَرَتْ الْعَادَةُ فِي إحْرَازِهِمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

ص: 214

فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِقَوْلِ عَائِشَةَ رضي الله عنها كَانَتْ الْأَيْدِي لَا تُقْطَعُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ أَيْ الْحَقِيرِ وَمَا يُوجَدُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مُبَاحًا فِي الْأَصْلِ بِصُورَتِهِ غَيْرَ مَرْغُوبٍ فِيهِ حَقِيرٌ وَالطِّبَاعُ لَا تَضَنُّ بِهِ وَلِهَذَا لَا يَخْتَفِي آخِذُهُ عَادَةً فَلَا حَاجَةَ إلَى شَرْعِ الزَّاجِرِ وَلِهَذَا لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَا دُونَ النِّصَابِ لِأَنَّ الْحِرْزَ فِيهَا نَاقِصٌ وَلِهَذَا يُلْقَى بَعْضُهَا فِي الْأَبْوَابِ بَلْ فِي الْقَوَارِعِ كَالْخَشَبِ وَنَحْوِهِ وَبَعْضُهَا يَنْفَلِتُ فَيَفِرُّ وَيَضِيعُ فَتَنْقُصُ الرَّغَبَاتُ فِيهِ كَمَا تَنْقُصُ فِي الْقَلِيلِ وَلِمِثْلِهِ لَا يُشْرَعُ الزَّاجِرُ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ الْعَامَّةَ الَّتِي كَانَتْ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَبْلَ الْإِحْرَازِ تُورِثُ الشُّبْهَةَ مَا دَامَتْ بَاقِيَةً عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِهَا وَيَدْخُلُ فِي الطَّيْرِ جَمِيعُ أَنْوَاعِهِ حَتَّى الْبَطَّ وَالدَّجَاجَ وَفِي السَّمَكِ الطَّرِيِّ وَالْمَالِحِ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُقْطَعُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا التُّرَابَ وَالطِّينَ وَالسِّرْقِينَ وَهُوَ رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ سَرَقَ مَالًا مُتَقَوِّمًا مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ فَوَجَبَ قَطْعُهُ فِيهِ وَكَوْنُهُ يُوجَدُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مُبَاحًا لَا تَأْثِيرَ لَهُ كَالْفَيْرُوزَجِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَنَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ الْكَلَأِ وَالْمَاءِ وَالنَّارِ» أَثْبَتَ فِيهِ شَرِكَةً عَامَّةً فَإِذَا انْتَفَتْ الشَّرِكَةُ بِالْإِحْرَازِ حَقِيقَةً تُورَثُ شُبْهَةً وَهِيَ دَارِئَةٌ لِلْحَدِّ كَمَالُ بَيْتِ الْمَالِ وَالْمَغْنَمِ وَكَذَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «الصَّيْدُ لِمَنْ أَخَذَهُ» يُورِثُ شُبْهَةً وَإِذَا ثَبَتَ الشُّبْهَةُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَهِيَ تُوجَدُ مُبَاحَةً فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَكَذَا فِي أَمْثَالِهَا وَأَمَّا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَاللُّؤْلُؤُ وَالْجَوْهَرُ فَقَدْ رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا سَرَقَهَا عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي تُوجَدُ مُبَاحَةً لَا يُقْطَعُ وَهُوَ الْمُخْتَلِطُ بِالْحَجَرِ وَالتُّرَابِ

وَفِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ يُقْطَعُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِتَافِهَةٍ جِنْسًا فَإِنَّ كُلَّ مَنْ تَمَكَّنَ مِنْ أَخْذِهِ لَا يَتْرُكُهُ فَهَذِهِ عَلَامَتُهُ وَلَا يُقْطَعُ فِي الرُّخَامِ وَلَا فِي الْقُدُورِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَلَا فِي الْمِلْحِ.

قَالَ رحمه الله (وَفَاكِهَةٍ رَطْبَةٍ أَوْ عَلَى شَجَرٍ وَلَبَنٍ وَلَحْمٍ وَزَرْعٍ لَمْ يُحْصَدْ وَأَشْرِبَةٍ وَطُنْبُورٍ) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ سَرِقَةَ مَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَالْمَعَازِفَ أَوْ السَّرِقَةَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ لَا تُوجِبُ الْقَطْعَ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ» وَلَا كَثَرٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَالْكَثَرُ الْجِمَارُ وَهُوَ شَيْءٌ أَبْيَضُ لَهُ لَبَنٌ يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِ النَّخْلِ وَمَنْ قَالَ الْكَثَرُ الْحَطَبُ أَوْ صِغَارُ النَّخْلِ فَقَدْ أَخْطَأَ ذَكَرَهُ الْمُطَرِّزِيُّ وَذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ أَنَّ الْجِمَارَ شَحْمُ النَّخْلِ

وَالْمُرَادُ بِالتَّمْرِ مَا يَتَسَارَعُ الْفَسَادُ وَهُوَ الرُّطَبُ وَسُئِلَ عليه الصلاة والسلام «عَنْ الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ فَقَالَ مَنْ أَصَابَ بِفِيهِ مِنْ ذِي حَاجَةٍ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَمَنْ خَرَجَ بِشَيْءٍ مِنْهُ فَعَلَيْهِ غَرَامَةُ مِثْلِهِ وَالْعُقُوبَةُ وَمَنْ سَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا بَعْدَ أَنْ يُؤْوِيهِ الْجَرِينُ فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالْجَرِينُ الْمِرْبَدُ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُلْقَى فِيهِ الرُّطَبُ لِيَجِفَّ وَالْجِرَانُ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُعْصَرُ فِيهِ الْعِنَبُ أَوْ التَّمْرُ لِأَنَّ الْفَاكِهَةَ عَلَى الشَّجَرِ وَالزَّرْعَ الَّذِي لَمْ يُحْصَدْ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ الْإِحْرَازُ وَالْقَطْعُ بِدُونِهِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَيَدْخُلُ فِي اللَّحْمِ الْقَدِيدُ مِنْهُ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ فِيهِ الْفَسَادُ وَفِي الْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ الْعِنَبُ وَكَذَا الرُّطَبُ فِي الْمُخْتَارِ لِأَنَّهُ يُخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادُ مِنْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) قَيَّدَ بِدَارِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْأَمْوَالَ كُلَّهَا عَلَى الْإِبَاحَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَمَا يُوجَدُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ حَقِيرٌ. اهـ. (قَوْلُهُ بِصُورَتِهِ) احْتِرَازٌ عَنْ الْأَبْوَابِ وَالْأَوَانِي الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْخَشَبِ وَالْحُصْرِ الْبَغْدَادِيَّةِ فَإِنَّ فِيهَا الْقَطْعَ لِتَغَيُّرِهَا عَنْ الصُّورَةِ الْأَصْلِيَّةِ بِالصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ

(قَوْلُهُ غَيْرَ مَرْغُوبٍ فِيهِ) لِيَخْرُجَ نَحْوُ الْمَعَادِنِ مِنْ الذَّهَبِ وَالصُّفْرِ وَالْيَوَاقِيتِ وَاللُّؤْلُؤِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْأَحْجَارِ لِكَوْنِهَا مَرْغُوبًا فِيهَا فَيُقْطَعُ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَعَلَى نَظَرِ بَعْضِهِمْ فِي الزِّرْنِيخِ فَقَالَ يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ بِهِ لِأَنَّهُ يُحَازُ وَيُصَانُ فِي دَكَاكِينِ الْعَطَّارِينَ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ بِخِلَافِ الْخَشَبِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُدْخَلُ الدُّورَ لِلْعِمَارَةِ فَكَانَ إحْرَازُهُ نَاقِصًا بِخِلَافِ السَّاجِ وَالْآبِنُوسِ وَاخْتُلِفَ فِي الْوَسْمِ وَالْحِنَّاءِ وَالْوَجْهُ الْقَطْعُ لِأَنَّهُ جَرَتْ الْعَادَةُ بِإِحْرَازِهِ فِي الدَّكَاكِينِ. اهـ. كَمَالٌ رحمه الله وَقَوْلُهُ غَيْرَ بِنَصْبِ غَيْرَ عَلَى أَنَّهُ صِفَةُ قَوْلِهِ مُبَاحًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا نَظَرَ بَعْضُهُمْ أَيْ وَهُوَ الْعَلَّامَةُ قِوَامُ الدِّينِ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. اهـ. (قَوْلُهُ لَا تَضَنُّ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ ضَنَّ بِالشَّيْءِ يَضَنُّ مِنْ بَابِ تَعِبَ ضَنًّا وَضِنَةٌ بِالْكَسْرِ وَضَنَانَةٌ بِالْفَتْحِ بُخْلٌ فَهُوَ ضَنِينٌ وَمِنْ بَابِ ضَرَبَ لُغَةً. اهـ. (قَوْلُهُ فَتَنْقُصُ الرَّغَبَاتُ فِيهِ) يَعْنِي فَلَا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى اسْتِحْصَالِهِ وَعَلَى الْمُعَالَجَةِ فِي التَّوَصُّلِ إلَيْهِ وَالطِّبَاعُ لَا تَضِنُّ إذَا أُحْرِزَ حَتَّى أَنَّهُ قَلَّمَا يُوجَدُ أَخْذُهُ عَلَى كُرْهٍ مِنْ الْمَالِكِ وَلَا يُنْسَبُ إلَى الْخِيَانَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الضِّنَةَ بِهَا تُعَدُّ مِنْ الْخَسَاسَةِ وَمَا هُوَ كَذَلِكَ لَا يُحْتَاجُ إلَى شَرْعِ الزَّاجِرِ فِيهِ كَمَا دُونَ النِّصَابِ. اهـ. كَمَالٌ رحمه الله

(قَوْلُهُ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ) احْتِرَازٌ عَنْ الْأَبْوَابِ وَالْأَوَانِي الْمُتَّخَذَةِ فَإِنَّ فِيهَا الْقَطْعَ كَمَا بَيَّنَّا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَيَدْخُلُ فِي الطَّيْرِ جَمِيعُ أَنْوَاعِهِ) قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رَجُلٌ سَرَقَ طَيْرًا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ لَا يُقْطَعُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ أَرَادَ بِهِ الطَّائِرَ الَّذِي يَكُونُ صَيْدًا سِوَى الدَّجَاجِ وَالْبَطِّ فَيَجِبُ فِيهِمَا الْقَطْعُ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْأَهْلِيِّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ فِي جَمِيعِ الطُّيُورِ وَهَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّ ثُمَّ قَالَ وَذُكِرَ فِي الْمُجَرَّدِ لَوْ سَرَقَ مِنْ الدَّجَاجِ أَوْ الْبَطِّ أَوْ الْحَمَامِ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ وَفِي السَّمَكِ الطَّرِيِّ وَالْمَالِحِ) قَالَ الْكَمَالُ صَوَابُهُ السَّمَكُ الْمَلِيحُ أَوْ الْمَمْلُوحُ اهـ وَفِي الْمُغْرِبِ وَمَاءٌ مِلْحٌ وَسَمَكٌ مَلِيحٌ وَمَمْلُوحٌ وَلَا يُقَالُ مَالِحٌ إلَّا فِي لُغَةٍ رَدِيئَةٍ وَهُوَ الْمُقَدَّدُ الَّذِي جُعِلَ فِيهِ مِلْحٌ اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَطُنْبُورٍ) الطُّنْبُورُ مِنْ آلَاتِ الْمَلَاهِي وَهُوَ فُنْعُولٌ بِضَمِّ الْفَاءِ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَإِنَّمَا ضُمَّ حَمْلًا عَلَى بَابِ عُصْفُورٍ اهـ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ وَلَا كَثَرٍ) بِفَتْحَتَيْنِ. اهـ. مِصْبَاحٌ وَقَوْلُهُ كَثَرٍ بِالْمُثَلَّثَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً) الْخُبْنَةُ بِالضَّمِّ مَا تَحْمِلُهُ تَحْتَ إبْطِك. اهـ. مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ الْمِرْبَدُ) مِثْلُ مِقْوَدٍ. اهـ. مِصْبَاحٌ

(قَوْلُهُ وَالْقَطْعُ بِدُونِهِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ) أَيْ وَلَا خِلَافَ فِيهِ لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَإِنْ كَانَ فِي حَائِطٍ مُحْرَزٍ. اهـ. كَيْ

ص: 215

وَجْهٍ بِخِلَافِ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُقْطَعُ فِي الْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ وَبِمَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ وَالْأَشْرِبَةِ لِمَا رَوَيْنَا قُلْنَا أَخْرَجَهُ عَلَى وِفَاقِ الْعَادَةِ لِأَنَّ مَا يُؤْوِيهِ الْجَرِينُ هُوَ الْيَابِسُ مِنْ الثِّمَارِ عَادَةً وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ إذَا سَرَقَهُ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْغَلَاءِ وَفِي الْقَحْطِ لَا يُقْطَعُ فِي الطَّعَامِ لِلضَّرُورَةِ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَفِي الْمُنْتَقَى لَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ وَفِي الْخَلِّ يُقْطَعُ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ لَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَهُوَ مَالٌ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا فِي الْعَسَلِ بِخِلَافِ الْأَشْرِبَةِ الْمُطْرِبَةِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ بَعْضَهَا لَيْسَ بِمَالٍ وَفِي مَالِيَّةِ بَعْضِهَا اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَفِي الْمَعَازِفِ يُتَأَوَّلُ لِكَسْرِهَا وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ بَعْضِهِمْ لِكَوْنِهِ أَمْرًا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيًا عَنْ الْمُنْكَرِ.

قَالَ رحمه الله (وَمُصْحَفٍ وَلَوْ مُحَلًّى) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله يُقْطَعُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ مُحْرَزٌ حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُقْطَعُ إذَا بَلَغَتْ حِلْيَتُهُ نِصَابًا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْمُصْحَفِ فَتُعْتَبَرُ بِانْفِرَادِهَا وَلَنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِمُحْرَزٍ لِلتَّمَوُّلِ وَآخِذُهُ يَتَأَوَّلُ الْقِرَاءَةَ فِيهِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْمُصْحَفِ الْقُرْآنُ لَا الْحِلْيَةُ وَالْجِلْدُ وَالْوَرَقُ وَهُوَ لَا يُوصَفُ بِالْمَالِيَّةِ وَوُجُوبِ الْقَطْعِ بِاعْتِبَارِهَا فَصَارَ ذَلِكَ شُبْهَةً وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ أَتْبَاعٌ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالتَّبَعِ كَمَنْ سَرَقَ آنِيَةً فِيهَا خَمْرٌ أَوْ ثَرِيدٌ أَوْ غَيْرُهُ مِمَّا لَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ وَقِيمَةُ الْأَوَانِي تَبْلُغُ نِصَابًا فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ فِيهَا لِمَا أَنَّهَا تَبَعٌ فَإِذَا لَمْ يُعْتَبَرْ الْأَصْلُ فَأَوْلَى أَنْ لَا يُعْتَبَرَ التَّبَعُ وَهِيَ عَلَى الْخِلَافِ فَلَا يَصِحُّ الْإِلْزَامُ

وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ مَا لَوْ سَرَقَ ثَوْبًا لَا يُسَاوِي عَشَرَةً وَفِيهِ فِضَّةٌ أَوْ ذَهَبٌ مَضْرُوبٌ يَزِيدُ عَلَى النِّصَابِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ الثَّوْبُ فَكَانَ هُوَ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا سَرَقَ مِنْدِيلًا قَدْ صُرَّ فِيهِ ذَلِكَ حَيْثُ يُقْطَعُ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْمِنْدِيلَ يُصَرُّ فِيهِ عَادَةً فَكَانَ مَا فِيهِ مُعْتَبَرًا إذْ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْأَخْذِ، وَفَرَّقُوا فِي مَسْأَلَةِ الثَّوْبِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِمَا صُرَّ فِيهِ وَبَيْنَ أَنْ لَا يَكُونَ عَالِمًا بِهِ فَأَوْجَبُوا الْقَطْعَ فِي الْعَالِمِ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا فِي مَسْأَلَةِ الْأَوَانِي، وَلَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدَّارِ أَوْ أَرَاقَهُ ثُمَّ أَخْرَجَ الْآنِيَةَ يُقْطَعُ إجْمَاعًا.

قَالَ رحمه الله (وَبَابِ مَسْجِدٍ) لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ كَبَابِ الدَّارِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ يُحْرَزُ بِبَابِ الدَّارِ مَا فِيهَا بِخِلَافِ بَابِ الْمَسْجِدِ. قَالَ رحمه الله (وَصَلِيبِ ذَهَبٍ وَشِطْرَنْجٍ وَنَرْدٍ) لِأَنَّ مَنْ أَخَذَهَا يَتَأَوَّلُ الْكَسْرَ كَمَا فِي الْمَعَازِفِ بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ الَّتِي عَلَيْهَا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُقْطَعُ فِي الْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ وَبِمَا يَتَسَارَعُ إلَخْ) رَوَى الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَا قَطْعَ فِي طَعَامٍ» وَالْمُرَادُ الطَّعَامُ الَّذِي لَا يَبْقَى وَيَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَمَا فِي مَالِيَّتِهِ قُصُورٌ كَاللَّحْمِ وَالثَّمَرِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ الْقَطْعِ فِي الْحِنْطَةِ وَالسُّكَّرِ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ مَا يُؤْوِيهِ الْجَرِينُ هُوَ الْيَابِسُ مِنْ الثِّمَارِ) أَيْ وَفِيهِ الْقَطْعُ وَهَذَا لِأَنَّ ثِمَارَ الْمَدِينَةِ لَا تُؤْوَى إلَّا يَابِسَةً فَيَكُونُ مِمَّا يَبْقَى بَعْدَ الْإِيوَاءِ عَلَى عَادَتِهِمْ وَكَذَا عِنْدَنَا لَا يُقْطَعُ إذَا صَارَتْ تَمْرًا عَلَى رُءُوسِ الْأَشْجَارِ. اهـ. دِرَايَةٌ

(قَوْلُهُ وَفِيهِ الْقَطْعُ) أَيْ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا قَطْعَ فِيهَا أَيْضًا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَفِي الْقَحْطِ لَا يُقْطَعُ فِي الطَّعَامِ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَا قَطْعَ عَلَى سَارِقِ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا لِأَنَّ هَذَا مَالٌ ظَاهِرٌ غَيْرُ مُحْرَزٍ فَإِذَا كَانَ مُحْرَزًا يُقْطَعُ إلَّا إذَا كَانَ فِي عَامِ السَّنَةِ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ سَرَقَ مُتَأَوِّلًا، إلَى هُنَا لَفْظُهُ يَعْنِي إذَا كَانَ فِي عَامِ الْقَحْطِ لَا يُقْطَعُ سَارِقُ الْحِنْطَةِ وَإِنْ كَانَ مُحْرَزًا لِأَنَّهُ تَأَوَّلَ دَفْعَ ضَرُورَةِ الْمَخْمَصَةِ وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ «لَا قَطْعَ فِي عَامِ سَنَةٍ وَلَا فِي عِذْقٍ مُعَلَّقٍ» . اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْأَشْرِبَةِ الْمُطْرِبَةِ) يُقَالُ أَطْرَبَهُ فَطَرِبَ وَالطَّرَبُ أَنْ يَسْتَخِفَّك فَرَحٌ أَوْ حُزْنٌ وَالْمُرَادُ مِنْهَا الْأَشْرِبَةُ الْمُسْكِرَةُ

وَبِذَلِكَ صَرَّحَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَإِنَّمَا لَمْ يُقْطَعْ مِنْهَا لِأَنَّ بَعْضَهَا حَرَامٌ كَالْخَمْرِ يَتَأَوَّلُ سَارِقُهَا إرَاقَتَهَا وَبَعْضُهَا مُخْتَلَفٌ فِي إبَاحَتِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْقَطْعِ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي إبَاحَتِهِ يُورِثُ شُبْهَةً فِي عَدَمِ الْمَالِيَّةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ رحمه الله (قَوْلُهُ وَفِي مَالِيَّةِ بَعْضِهَا اخْتِلَافٌ) أَيْ الْمُنْصَفِ وَالْبَاذِقِ وَمَاءِ الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ فَإِنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ كَالْخَمْرِ وَلَا مَالِيَّةَ لَهُ. اهـ. مِعْرَاجُ الدِّرَايَةِ (قَوْلُهُ وَفِي الْمَعَازِفِ) الْمَعَازِفُ آلَاتٌ يَضْرِبُ بِهَا الْوَاحِدُ عَزْفٌ مِثْلُ فَلْسٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَهُوَ نَقْلٌ عَنْ الْعَرَبِ وَإِذَا قِيلَ الْمِعْزَفُ بِكَسْرِ الْمِيمِ فَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الطَّنَابِيرِ يَتَّخِذُهُ أَهْلُ الْيَمَنِ قَالَ وَغَيْرُ اللَّيْثِ يَجْعَلُ الْعُودَ مِعْزَفًا. اهـ. مِصْبَاحٌ قَالَ فِي شَرَحَ الطَّحَاوِيِّ وَلَا قَطْعَ عَلَى سَارِقِ الْمَلَاهِي كَالدُّفِّ وَالطَّبْلِ وَالْمِزْمَارِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى كَاسِرِهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَأَوْجَبَ قُصُورًا فِي مَالِيَّتِهَا فَصَارَ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي عَدَمِ الْقَطْعِ وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيُّ رَجُلٌ سَرَقَ طَبْلًا لِلْغُزَاةِ وَهُوَ يُسَاوِي عَشَرَةً تَكَلَّمُوا فِيهِ

وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ كَمَا يَصْلُحُ لِلْغَزْوِ يَصْلُحُ لِلَّهْوِ فَتَمَكَّنَتْ الشُّبْهَةُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ رحمه الله.

(قَوْلُهُ حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُهُ) أَيْ وَلِأَنَّ وَرَقَهُ مَالٌ وَمَا كُتِبَ فِيهِ ازْدَادَ بِهِ وَلَمْ يَنْتَقِصْ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ فَأَوْجَبُوا الْقَطْعَ فِي الْعَالِمِ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُقْطَعُ فِي الْحَالَيْنِ لِأَنَّ سَرِقَتَهُ تَمَّتْ فِي نِصَابٍ كَامِلٍ وَقُلْنَا السَّارِقُ قَصَدَ إخْرَاجَ مَا يُعْلَمُ بِهِ دُونَ مَا لَا يُعْلَمُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ اهـ. دِرَايَةٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبَابِ مَسْجِدٍ) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَإِنْ اعْتَادَ هَذَا الْفِعْلَ أَيْ سَرِقَةَ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ فَيَجِبُ أَنْ يُعَزَّرَ وَيُبَالَغَ فِيهِ وَيُحْبَسَ حَتَّى يَتُوبَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَصَلِيبِ ذَهَبٍ) وَالصَّلِيبُ شَيْءٌ مُثَلَّثٌ تَعْبُدُهُ النَّصَارَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَشِطْرَنْجٍ) بِكَسْرِ الشِّينِ. اهـ. كَاكِيٌّ عَلَى وَزْنِ قِرْطَعْبٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ ابْنُ الْجَوَالِيقِيِّ فِي كِتَابِ مَا تَلْحَنُ فِيهِ الْعَامَّةُ وَمِمَّا يُكْسَرُ وَالْعَامَّةُ تَفْتَحُهُ أَوْ تَضُمُّهُ وَهُوَ الشِّطْرَنْجُ بِكَسْرِ الشِّينِ قَالُوا وَإِنَّمَا كُسِرَ لِيَكُونَ نَظِيرَ الْأَوْزَانِ الْعَرَبِيَّةِ مِثْلَ جِرْدَحْلٍ إذْ لَيْسَ فِي الْأَوْزَانِ الْعَرَبِيَّةِ فَعَلَلٍ بِالْفَتْحِ حَتَّى يُحْمَلَ عَلَيْهِ. اهـ. مِصْبَاحٌ

(قَوْلُهُ وَنَرْدٍ) أَيْ وَإِنْ كَانَ مِنْ ذَهَبٍ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ مَنْ أَخَذَهَا يَتَأَوَّلُ الْكَسْرَ كَمَا فِي الْمَعَازِفِ) وَيَضْمَنُ مِثْلَ ذَهَبِهِ وَزْنًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

ص: 216

التِّمْثَالُ لِأَنَّهُ مَا أُعِدَّ لِلْعِبَادَةِ بَلْ لِلتَّمَوُّلِ فَلَا يَثْبُتُ فِيهَا تَأْوِيلُ الْكَسْرِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله إذَا كَانَ الصَّلِيبُ فِي مُصَلَّاهُمْ لَا يُقْطَعُ وَإِنْ كَانَ فِي حِرْزٍ يُقْطَعُ لِعَدَمِ الْحِرْزِ فِي الْأَوَّلِ وَوُجُودِهِ فِي الثَّانِي.

قَالَ رحمه الله (وَصَبِيٍّ حُرٍّ وَلَوْ مَعَهُ حُلِيٌّ) لِأَنَّ الْحُرَّ لَيْسَ بِمَالٍ وَمَا عَلَيْهِ تَبَعٌ لَهُ فَلَا يُعْتَبَرُ وَلِأَنَّهُ يُتَأَوَّلُ إسْكَاتُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُقْطَعُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ حُلِيٌّ يُسَاوِي النِّصَابَ وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي الْمُصْحَفِ الْمُحَلَّى وَالْأَوَانِي وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَفِي الْمُمَيِّزِ لَا يُقْطَعُ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ حُلِيٌّ لِأَنَّهُ خِدَاعٌ وَلَيْسَ بِسَرِقَةٍ لِمَا أَنَّ لَهُ يَدًا عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى مَا فِي يَدِهِ.

قَالَ رحمه الله (وَعَبْدٍ كَبِيرٍ وَدَفَاتِرَ) بِخِلَافِ الصَّغِيرِ وَدَفْتَرِ الْحِسَابِ لِأَنَّ سَرِقَةَ الْعَبْدِ الْكَبِيرِ غَصْبٌ وَخِدَاعٌ وَالصَّغِيرُ لَيْسَ لَهُ يَدٌ مُعْتَبَرَةٌ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ مَالٌ فَيَتَحَقَّقُ فِيهِ السَّرِقَةُ وَالْمُرَادُ بِالصَّغِيرِ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ وَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا فَهُوَ كَالْكَبِيرِ لِمَا بَيَّنَّا فِي الْحُرِّ وَاسْتَحْسَنَ أَبُو يُوسُفَ فِي غَيْرِ الْمُمَيِّزِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ آدَمِيٌّ وَإِنْ كَانَ مَالًا مِنْ وَجْهٍ وَهُمَا اعْتَبَرَا جِهَةَ الْمَالِيَّةِ فِيهِ لِوُجُودِ حَدِّ الْمَالِيَّةِ فِيهِ وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ وَفِي إذْنِهِ شَيْءٌ مِثْلُهُ يَقْطَعُ بِاعْتِبَارِ الضَّمِّ وَالدَّفَاتِرِ الْمَقْصُودِ مَا فِيهَا وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا يُقْصَدُ فِي دَفَاتِرِ الْحِسَابِ مَا فِيهَا إذْ لَا نَفْعَ فِيهِ لِغَيْرِ صَاحِبِهِ فَكَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْكَاغِدُ وَفِي دَفَاتِرِ الْأَدَبِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ مُلْحَقَةٍ بِالْحِسَابِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ إذْ لَيْسَ فِيهِ أَحْكَامٌ وَفِي رِوَايَةٍ مُلْحَقَةٌ بِالْأَحَادِيثِ وَالتَّفْسِيرِ وَالْفِقْهِ فَلَا يُقْطَعُ فِيهَا إذْ الْحَاجَةُ إلَيْهَا لِمَعْرِفَةِ التَّفْسِيرِ وَالْأَحْكَامِ ثَابِتَةٌ لِأَنَّ مَعْرِفَتَهَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا وَلِأَنَّ نَفْعَهَا مُتَعَدٍّ وَهِيَ مُعَدَّةٌ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ وَلَا يُقْصَدُ بِهَا التَّمَوُّلُ فَصَارَتْ كَغَيْرِهَا مِنْ الدَّفَاتِرِ.

قَالَ رحمه الله (وَكَلْبٍ وَفَهْدٍ) لِأَنَّ جِنْسَهُمَا يُوجَدُ مُبَاحَ الْأَصْلِ غَيْرَ مَرْغُوبٍ فِيهِ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي مَالِيَّةِ الْكَلْبِ يُورِثُ شُبْهَةً وَلَوْ كَانَ عَلَى الْكَلْبِ طَوْقُ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لَا يُقْطَعُ عَلِمَ بِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ كَالصَّبِيِّ الْحُرِّ إذَا كَانَ عَلَيْهِ حُلِيٌّ.

قَالَ رحمه الله (وَدُفٍّ وَطَبْلٍ وَبَرْبَطٍ وَمِزْمَارٍ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَهُمَا وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ مُتْلِفُهَا وَيَجِبُ كَسْرُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَإِنْ كَانَ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُتْلِفِ بِاعْتِبَارِ صَلَاحِيَتِهَا لِغَيْرِ اللَّهْوِ لَكِنْ بِاعْتِبَارِ مَقْصُودِهِ وَهُوَ اللَّهْوُ أَوْرَثَ شُبْهَةً لِأَنَّ الْآخِذَ يَتَأَوَّلُ النَّهْيَ عَنْ الْمُنْكِرِ فَيَكْفِي ذَلِكَ لِدَرْءِ الْحَدِّ هَذَا إذَا كَانَ لِلَّهْوِ وَإِنْ كَانَ الدُّفُّ أَوْ الطَّبْلُ لِلْغُزَاةِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قِيلَ يُقْطَعُ فِيهِ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ لِإِرْهَابِ الْعَدُوِّ بِهِ وَقِيلَ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ لِغَيْرِهِ مِنْ اللَّهْوِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً.

قَالَ رحمه الله (وَبِخِيَانَةٍ وَنَهْبٍ وَاخْتِلَاسٍ) لِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ «لَيْسَ عَلَى خَائِنٍ وَلَا مُنْتَهِبٍ وَلَا مُخْتَلِسٍ قَطْعٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ لِأَنَّ الْحِرْزَ وَالْإِخْفَاءَ شَرْطُ الْقَطْعِ وَعُدِمَا فِي الْأَوَّلِ وَلَمْ يُوجَدْ الثَّانِي فِي الْأَخِيرَيْنِ فَانْتَفَى رُكْنُ السَّرِقَةِ وَشَرْطُهَا فَلَمْ يُقْطَعْ وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «قَطَعَ مَخْزُومِيَّةً كَانَتْ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ» مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِمَا رَوَيْنَا أَوْ عَلَى أَنَّهُ سِيَاسَةٌ لِتَكَرُّرِ الْفِعْلِ مِنْهَا

قَالَ رحمه الله (وَبِنَبْشٍ) أَيْ لَا قَطْعَ بِسَبَبِ نَبْشٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُقْطَعُ بِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ نَبَشَ قَطَعْنَاهُ» لِأَنَّهُ سَرَقَ مَالًا مُتَقَوِّمًا يَبْلُغُ نِصَابًا مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ فَوَجَبَ الْقَطْعُ بِهِ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ أَنْوَاعِ الْحِرْزِ وَلَنَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «لَا قَطْعَ عَلَى الْمُخْتَفِي» وَهُوَ النَّبَّاشُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْمَدِينَة وَلِأَنَّهُ تَمَكَّنَ الْخَلَلُ فِي السَّرِقَةِ وَالْمِلْكِ وَالْمَالِيَّةِ وَالْحِرْزِ وَالْمَقْصُودِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَمْنَعُ الْقَطْعَ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ السَّرِقَةَ أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهٍ يُسَارِقُ عَيْنَ حَافِظٍ قَصَدَ حِفْظَهُ لَكِنَّهُ انْقَطَعَ حِفْظُهُ بِعَارِضٍ كَنَوْمٍ وَغَفْلَةٍ وَالنَّبَّاشُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ الصَّلِيبُ فِي مُصَلَّاهُمْ) أَيْ مَوْضِعِ صَلَاتِهِمْ. اهـ. (قَوْلُهُ يُقْطَعُ لِعَدَمِ الْحِرْزِ فِي الْأَوَّلِ) أَيْ لِأَنَّهُ بَيْتٌ مَأْذُونٌ فِي دُخُولِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَصَبِيٍّ حُرٍّ) قُيِّدَ بِهِ احْتِرَازًا عَنْ سَرِقَةِ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ كَمَا يَجِيءُ اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَصَبِيٍّ حُرٍّ وَلَوْ مَعَهُ حُلِيٌّ) يَعْنِي لَا قَطْعَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَكَذَا لَمْ يَذْكُرْ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ الْخِلَافَ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ وَصَرَّحَ صَاحِبُ الْمُخْتَلِفِ بِأَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَيْضًا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ يُقْطَعُ فَعَلَى هَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُقْطَعُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ حُلِيٌّ هُوَ نِصَابٌ مَكَانَ قَوْلِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ اهـ يَعْنِي وَإِلَّا أَوْهَمَ أَنَّهُ مَذْهَبُهُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. اهـ. فَتْحٌ وَالزَّيْلَعِيُّ رحمه الله تَبِعَ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ فِي التَّعْبِيرِ بِلَفْظِ قَالَ اهـ.

(قَوْلُهُ وَلَا يُقْصَدُ فِي دَفَاتِرِ الْحِسَابِ) أَيْ وَهِيَ دَفَاتِرُ أَهْلِ الدِّيوَانِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَفِي الْفَوَائِدِ الْبَدْرِيَّةِ الْمُرَادُ بِدَفَاتِر الْحِسَابِ دَفَاتِرُ أَهْلِ الْعَمَلِ وَالْحِسَابُ الَّذِي أُمْضِيَ حِسَابُهُ فَكَانَ فِيهَا مَا لَا يُقْصَدُ بِالْأَخْذِ إذْ لَيْسَ فِيهِ أَحْكَامُ الشَّرْعِ فَكَانَ الْمَقْصُودُ الْكَوَاغِدَ فَيُقْطَعُ إذَا بَلَغَتْ نِصَابًا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ. اهـ. دِرَايَةٌ قَوْلُهُ الَّذِي أُمْضِيَ أَمَّا إذَا لَمْ يَمْضِ حِسَابُهُ يَكُونُ غَرَضُهُ الْكَاغَدَ لَا مَا فِيهِ فَيُقْطَعُ اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَدُفٍّ) بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِهَا اهـ (قَوْلُهُ وَبَرْبَطٍ) الْبَرْبَطُ وِزَانُ جَعْفَرٍ مِنْ مَلَاهِي الْعَجَمِ وَلِهَذَا قِيلَ مُعَرَّبٌ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ وَجَمَاعَةُ الْعَرَبِ تُسَمِّيهِ الْمِزْهَرَ وَالْعُودَ. اهـ. مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ قِيلَ يُقْطَعُ فِيهِ) أَيْ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ. اهـ. كَيْ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يُقْطَعُ) أَيْ وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَاخْتَارَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ. اهـ. كَاكِيٌّ وَأَيْضًا وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَذَا فِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجيَّةِ اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِخِيَانَةٍ إلَخْ) قَالَ الْإِمَامُ الْكَرْدَرِيِّ الْخَائِنُ مَا يَخُونُ فِيمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْأَمَانَةِ كَالْمُودَعِ وَالْخَائِنَةُ لِلْمُؤَنَّثِ وَالِانْتِهَابُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى وَجْهِ الْعَلَانِيَةِ قَهْرًا مِنْ بَلْدَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ وَالِاخْتِلَاسُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْبَيْتِ سُرْعَةً جَهْرًا لَا قَطْعَ فِيهِ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ لِعَدَمِ صِدْقِ السَّرِقَةِ عَلَيْهَا. اهـ. دِرَايَةٌ.

ص: 217

لَا يُسَارِقُ عَيْنَ مَنْ قَصَدَ حِفْظَهُ وَإِنَّمَا يُسَارِقُ عَيْنَ مَنْ لَعَلَّهُ يَهْجُمُ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَاهُ وَلِهَذَا اُخْتُصَّ بِاسْمٍ آخَرَ وَلَا يُسَمَّى سَارِقًا فَلَا تَتَنَاوَلُهُ آيَةُ السَّرِقَةِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ الْمَيِّتُ حَقِيقَةً لِعَجْزِهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ عِبَارَةٌ عَنْ الِاقْتِدَارِ وَالِاسْتِيلَاءِ وَالتَّمَكُّنِ مِنْ التَّصَرُّفِ وَالْمَوْتُ يُنَافِيهِ

وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّ الْمَالَ عِبَارَةٌ عَمَّا تَمِيلُ إلَيْهِ النُّفُوسُ وَتَضِنُّ بِهِ وَهُوَ مَخْلُوقٌ لِمَصَالِح الْآدَمِيِّ وَالطِّبَاعُ السَّلِيمَةُ تَنْفِرُ عَنْهُ فَضْلًا عَمَّا تَضِنُّ بِهِ وَأَمَّا الرَّابِعُ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُحْرَزٍ بِالْمَيِّتِ لِأَنَّهُ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ فَكَيْفَ يُحْرِزُ غَيْرَهُ وَلَا بِالْقَبْرِ لِأَنَّهُ حُفْرَةٌ فِي الصَّحْرَاءِ فَلَا يَكُونُ حِرْزًا وَلِهَذَا لَوْ دُفِنَ فِيهِ مَالٌ آخَرُ غَيْرَ الْكَفَنِ لَا يُقْطَعُ سَارِقُهُ وَأَمَّا الْخَامِسُ فَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ شَرْعِ الْحُدُودِ تَقْلِيلُ الْفَسَادِ فِيمَا يَكْثُرُ وُجُودُهُ وَهَذِهِ الْجِنَايَةُ نَادِرَةٌ فَلَا تَحْتَاجُ إلَى الزَّاجِرِ وَمَا رَوَاهُ غَيْرُ مَرْفُوعٍ بَلْ هُوَ مِنْ كَلَامِ زِيَادٍ وَذُكِرَ فِي آخِرِهِ «مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ وَمَنْ جَدَعَ أَنْفَهُ جَدَعْنَاهُ» وَلَا يَكَادُ يَثْبُتُ هَذَا أَبَدًا وَلَئِنْ ثَبَتَ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ فِيمَنْ اعْتَادَ ذَلِكَ وَنَحْنُ نَقُولُ بِذَلِكَ إذَا رَأَى الْإِمَامُ فِيهِ

مَصْلَحَةً

وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ نَبَّاشًا أَتَى بِهِ مَرْوَانُ فَسَأَلَ الصَّحَابَةَ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يُبَيِّنُوا لَهُ فِيهِ شَيْئًا فَعَزَّرَهُ أَسْوَاطًا وَلَمْ يَقْطَعْهُ

وَلَوْ كَانَتْ الْآيَةُ تَتَنَاوَلُهُ أَوْ كَانَ فِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ لَبَيَّنُوا لَهُ وَلَا احْتَاجَ هُوَ إلَى مُشَاوَرَتِهِمْ وَلَا كَانُوا يَتَّفِقُونَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ وَمَا رُوِيَ فِيهِ مِنْ اخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ ارْتَفَعَ بِإِجْمَاعٍ مَنْ كَانَ فِي عَصْرِهِ مِنْهُمْ وَقَوْلُهُ مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ قُلْنَا حِرْزُ الْمِثْلِ لَا يَخْتَلِفُ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَجْنَاسِ كَمَا إذَا سَرَقَ دَابَّةً مِنْ إصْطَبْلٍ يُقْطَعُ وَلَوْ سَرَقَ مِنْهُ لُؤْلُؤًا لَا يُقْطَعُ وَكَذَا لَوْ سَرَقَ شَاةً مِنْ حَظِيرَةٍ يُقْطَعُ وَلَوْ سَرَقَ مِنْهَا ثَوْبًا لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حِرْزٌ فِي حَقِّ الدَّابَّةِ وَالشَّاةِ دُونَ اللُّؤْلُؤِ وَالثَّوْبِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَوْ سَرَقَ مِنْهُ ثَوْبًا آخَرَ غَيْرَ الْكَفَنِ لَا يُقْطَعُ فِيهِ وَلَوْ كَانَ حِرْزًا لِلْكَفَنِ لَقُطِعَ فِيهِ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ لِأَنَّ مَعْنَى الصِّيَانَةِ بِالْحِرْزِ لَا تَخْتَلِفُ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ وَلَا يُقَالُ لَوْ لَمْ يَكُنْ حِرْزًا لَكَانَ تَضْيِيعًا وَبِهِ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْأَبِ وَالْوَصِيِّ فِي مَالِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِمَا إذَا كَفَّنَا الصَّغِيرَ مِنْ مَالِهِ فَكَانَ حِرْزًا ضَرُورَةً لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ كَانَ حِرْزًا لَمَا ضَمِنَا ثَوْبًا آخَرَ لَهُ غَيْرَ الْكَفَنِ بِدَفْنِهِ فِيهِ وَإِنَّمَا لَا يَضْمَنَانِ بِالتَّكْفِينِ لِأَنَّهُ صَرْفٌ إلَى حَاجَةِ الْمَيِّتِ وَبِهِ لَا يَكُونُ تَضْيِيعًا كَإِلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ وَذَبْحِ الشَّاةِ لِلْأَكْلِ وَتَنَاوُلِ الطَّعَامِ لِحَاجَتِهِ

وَإِنْ كَانَ الْقَبْرُ فِي بَيْتٍ مُغْلَقٍ لَا يُقْطَعُ فِي الْأَصَحِّ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْخَلَلِ وَكَذَا لَوْ سَرَقَ مِنْ ذَلِكَ الْبَيْتِ مَالًا آخَرَ غَيْرَ الْكَفَنِ لِأَنَّهُ يَتَأَوَّلُ بِالدُّخُولِ فِيهِ زِيَارَةَ الْقَبْرِ وَكَذَا إذَا سَرَقَ الْكَفَنَ مِنْ تَابُوتٍ فِي الْقَافِلَةِ وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ السَّارِقُ مِنْ بَيْتٍ فِيهِ الْمَيِّتُ لِأَنَّهُ يَتَأَوَّلُ بِالدُّخُولِ فِيهِ تَجْهِيزُهُ وَهُوَ أَظْهَرُ مِنْ الْكُلِّ لِوُجُودِ الْإِذْنِ بِالدُّخُولِ فِيهِ عَادَةً.

قَالَ رحمه الله (وَمَالُ عَامَّةٍ أَوْ مُشْتَرَكٍ) أَيْ لَا يُقْطَعُ فِي مَالِ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ فِي مَالٍ لِلسَّارِقِ فِيهِ شَرِكَةً لِأَنَّ لَهُ فِيهِ شَرِكَةً حَقِيقَةً أَوْ شُبْهَةَ شَرِكَةٍ فَإِنَّ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ مَالٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مِنْهُمْ وَإِذَا احْتَاجَ ثَبَتَ لَهُ الْحَقُّ فِيهِ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ فَأَوْرَثَ ذَلِكَ شُبْهَةً وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِهَا.

قَالَ رحمه الله (وَمِثْلُ دَيْنِهِ) أَيْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ إذَا سَرَقَ مِنْ مَدِينِهِ قَدْرَ دَيْنِهِ مِنْ جِنْسِهِ وَالدَّيْنُ حَالٌّ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ لِدَيْنِهِ وَلَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ رِضَا مَنْ عَلَيْهِ إذَا ظَفِرَ بِهِ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا يُقْطَعُ قِيَاسًا لِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُ أَخْذُهُ فَصَارَ كَأَخْذِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا يُقْطَعُ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ دَيْنَهُ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ وَالتَّأْجِيلُ لِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ وَكَذَا إذَا سَرَقَ زِيَادَةً عَلَى حَقِّهِ لِأَنَّهُ بِمِقْدَارِ حَقِّهِ يَصِيرُ شَرِيكًا فِيهِ فَيَصِيرُ شُبْهَةً وَإِنْ سَرَقَ مِنْ خِلَافٍ جِنْسَ حَقِّهِ فَإِنْ كَانَ نَقْدًا لَا يُقْطَعُ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ النَّقْدَيْنِ جِنْسٌ وَاحِدٌ حُكْمًا وَلِهَذَا كَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِهِ دَيْنَهُ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْمَطْلُوبِ وَيُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ فِي الزَّكَاةِ وَإِنْ كَانَ عَرْضًا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِاسْتِيفَاءٍ وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِبْدَالٌ فَلَا يَتِمُّ إلَّا بِالتَّرَاضِي

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَقْطَعُ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ فَإِنَّ عِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِدَيْنِهِ لِوُجُودِ الْمُجَانَسَةِ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ الْمَيِّتُ حَقِيقَةً لِعَجْزِهِ) أَيْ وَلَا الْوَارِثُ لِأَنَّهُ لَوْ نَبَشَ الْقَبْرَ وَأَخَذَ الْكَفَنَ يُقْطَعُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَلَوْ كَانَ مَالِكًا لَهُ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُقْطَعُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَمَنْ جَدَعَ أَنْفَهُ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِإِجْمَاعِ مَنْ كَانَ فِي عَصْرِهِ) أَيْ فِي عَصْرِ مَرْوَانَ مِنْ الصَّحَابَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَتَنَاوُلِ الطَّعَامِ لِحَاجَتِهِ) أَيْ لِحَاجَةِ الصَّغِيرِ اهـ.

(قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ نَقْدًا لَا يُقْطَعُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ كَانَ حَقُّهُ دَرَاهِمَ فَسَرَقَ دَنَانِيرَ قِيلَ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ وَقِيلَ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ النُّقُودَ جِنْسٌ وَاحِدٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِبْدَالٌ فَلَا يَتِمُّ إلَّا بِالتَّرَاضِي) أَيْ وَلِهَذَا إذَا سَلَّمَ إلَيْهِ الْمَدْيُونُ الْعُرُوضَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ تَسْلِيمِ الدَّرَاهِمِ حَيْثُ يُجْبَرُ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ جِنْسِ الْحَقِّ وَغَيْرِهِ وَقَالَ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ فَإِنْ قَالَ إنَّمَا أَرَدْت أَنْ آخُذَ الْعُرُوضَ رَهْنًا بِحَقِّي أَوْ قَضَاءً بِحَقِّي دُرِئَ عَنْهُ الْقَطْعُ وَذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ اخْتِلَافًا فَعِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى لَهُ أَنْ يَأْخُذَ خِلَافَ جِنْسِ حَقِّهِ لِوُجُودِ الْمُجَانَسَةِ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةِ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ وَاخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ أَوْرَثَ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ فِي الْعُرُوضِ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الْأَخْذَ لِحَقِّهِ لِكَوْنِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ شُبْهَةً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ رحمه الله وَكَذَا يُقْطَعُ إذَا سَرَقَ حُلِيًّا مِنْ فِضَّةٍ وَحَقُّهُ دَرَاهِمُ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ قِصَاصًا لِحَقِّهِ بَلْ يَصِيرُ بَيْعًا مُبْتَدَأً

وَلَوْ سَرَقَ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْعَبْدُ مِنْ غَرِيمِ الْمَوْلَى قُطِعَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَوْلَى وَكَّلَهُمَا بِالْقَبْضِ فَحِينَئِذٍ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لَهُمَا وَلَوْ سَرَقَ مِنْ غَرِيمِ أَبِيهِ أَوْ غَرِيمِ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ أَوْ غَرِيمِ مُكَاتَبِهِ أَوْ غَرِيمِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ قُطِعَ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لِغَيْرِهِ وَلَوْ سَرَقَ مِنْ غَرِيمِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ لَا يُقْطَعُ وَالْمَسَائِلُ مَذْكُورَةٌ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ وَالْفَتَاوَى الْوَلْوَالِجيَّةِ وَغَيْرِهِمَا اهـ أَتْقَانِيٌّ

ص: 218

وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَقُولُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ رَهْنًا بِحَقِّهِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً قُلْنَا هَذَا قَوْلٌ لَا يَسْتَنِدُ إلَى دَلِيلٍ ظَاهِرٍ فَلَا يُعْتَبَرُ بِدُونِ اتِّصَالِ الدَّعْوَى بِهِ حَتَّى لَوْ ادَّعَاهُ دُرِئَ الْحَدُّ عَنْهُ لِوُجُودِ الظَّنِّ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ.

قَالَ رحمه الله (وَبِشَيْءٍ قُطِعَ فِيهِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ) أَيْ لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ شَيْءٍ كَانَ قَدْ سَرَقَهُ مِنْ قَبْلُ وَقُطِعَ فِيهِ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْ حَالَتِهِ الْأُولَى وَإِنْ تُغَيِّرْ بِأَنْ كَانَ غَزْلًا فَسَرَقَهُ فَقُطِعَ فِيهِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَى صَاحِبِهِ فَنَسَجَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ثُمَّ سَرَقَهُ قُطِعَ فِيهِ ثَانِيًا وَالْقِيَاسُ أَنْ يُقْطَعَ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْ حَالِهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ لِأَنَّهُ سَرَقَ مَالًا مَعْصُومًا كَامِلَ النِّصَابِ مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ فَيُقْطَعُ كَالْأُولَى بَلْ أَوْلَى لِتَقَدُّمِ الزَّاجِرِ وَلَا إشْكَالَ فِي عِصْمَتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَضْمَنُهُ بِالْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ فَصَارَ كَمَا إذَا تَغَيَّرَ عَنْ حَالِهِ أَوْ بَاعَهُ مِنْ السَّارِقِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ ثُمَّ كَانَتْ السَّرِقَةُ وَلَنَا أَنَّ الْقَطْعَ يَسْتَلْزِمُ سُقُوطَ عِصْمَةِ الْمَحَلِّ حَقًّا لِلْعَبْدِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

وَبِالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ إنْ بَقِيَتْ حَقِيقَةُ الْعِصْمَةِ بَقِيَتْ فِيهِ شُبْهَةُ السُّقُوطِ نَظَرًا إلَى اتِّحَادِ الْمَالِكِ وَالْمِلْكِ وَالْعَيْنِ وَبَقَاءِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِسُقُوطِ عِصْمَةِ ذَلِكَ الْمَالِ وَهُوَ الْقَطْعُ فِي ذَلِكَ الْمَالِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَلِأَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ وُجُودُهَا نَادِرٌ فَتُعَرَّى الْإِقَامَةُ عَنْ الْمَقْصُودِ وَهُوَ تَقْلِيلُ الْجِنَايَةِ لِأَنَّ تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ مُحَالٌ فَصَارَ نَظِيرُ قَذْفِ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ الْمَقْذُوفَ الْأَوَّلَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ إظْهَارُ كَذِبِ الْقَاذِفِ وَدَفْعُ الْعَارِ عَنْ الْمَقْذُوفِ قَدْ حَصَلَ بِالْأَوَّلِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الثَّانِي بِخِلَافِ مَا إذَا تَغَيَّرَتْ عَنْ حَالِهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ كَعَيْنٍ أُخْرَى حَتَّى تَبَدَّلَ اسْمُهَا وَيَمْلِكُهَا الْغَاصِبُ بِهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهَا مِنْ السَّارِقِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ ثُمَّ سَرَقَهَا الْأَوَّلُ لِأَنَّ تَبَدُّلَ الْمِلْكِ يُوجِبُ تَبَدُّلَ الْعَيْنِ حُكْمًا فَصَارَتْ كَأَنَّهَا تَبَدَّلَتْ حَقِيقَةً أَصْلُهُ حَدِيثُ بَرِيرَةَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «قَالَ: هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ»

فَإِنْ قِيلَ حَدُّ الزِّنَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْفِعْلِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَدُّ الْقَذْفِ كَذَلِكَ قُلْنَا حَدُّ الزِّنَا يَجِبُ بِاعْتِبَارِ الْمُسْتَوْفَى مِنْ مَنَافِعِ الْبُضْعِ وَالْمُسْتَوْفَى فِي الزِّنَا الثَّانِي غَيْرُ الْمُسْتَوْفَى فِي الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ عَرَضٌ لَا يَبْقَى فَصَارَ كَشُرْبِ الْخَمْرِ فَإِنَّ الْمَشْرُوبَ فِي الثَّانِي غَيْرُ الْمَشْرُوبِ فِي الْأَوَّلِ أَمَّا حَدُّ السَّرِقَةِ فَبِاعْتِبَارِ الْعَيْنِ وَهِيَ لَا تَخْتَلِفُ حَتَّى لَوْ اخْتَلَفَتْ بِأَنْ تَغَيَّرَتْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ ثَانِيًا عَلَى مَا بَيَّنَّا لِأَنَّ حَدَّ الزِّنَا لَا تَسْقُطُ بِهِ عِصْمَةُ الْمَحَلِّ وَبِحَدِّ السَّرِقَةِ تَسْقُطُ فَلَا تَعُودُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ عَنْ تِلْكَ الْهَيْئَةِ لِأَنَّ هَذَا الْحَدَّ لَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِخُصُومَةٍ فَلَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْخُصُومَةِ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ كَحَدِّ الْقَذْفِ بِخِلَافِ حَدِّ الزِّنَا فَإِنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الْخُصُومَةُ.

قَالَ رحمه الله (وَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ السَّاجِ وَالْقَنَا وَالْآبِنُوسِ وَالصَّنْدَلِ وَالْفُصُوصِ الْخُضْرِ وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ وَاللُّؤْلُؤِ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِنْ أَعَزِّ الْأَمْوَالِ وَأَنْفَسِهَا وَهِيَ مُحْرَزَةٌ وَلَا تُوجَدُ مُبَاحَةَ الْأَصْلِ بِصُورَتِهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ غَيْرَ مَرْغُوبٍ فِيهَا فَصَارَتْ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ أَنْ لَا قَطْعَ فِي الْعَاجِ مَا لَمْ يُعْمَلْ فَإِذَا عَمِلَ مِنْهُ شَيْءٌ قُطِعَ فِيهِ وَلَا قَطْعَ فِي الزُّجَاجِ لِأَنَّ الْمَكْسُورَةَ مِنْهُ تَافِهٌ وَالْمَصْنُوعَ مِنْهُ يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَقِيلَ فِي الْمَصْنُوعِ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ مَالٌ نَفِيسٌ لَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ إلَّا بِالتَّقْصِيرِ فِي الِاحْتِرَازِ غَالِبًا وَيُقْطَعُ فِي الْعُودِ وَالْمِسْكِ وَالْأَدْهَانِ وَالْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ وَالْعَنْبَرِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْفُصُوصِ.

قَالَ رحمه الله (وَالْأَوَانِي وَالْأَبْوَابِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْخَشَبِ) لِأَنَّ الصَّنْعَةَ فِيهَا غَلَبَتْ عَلَى الْأَصْلِ وَالْتَحَقَتْ بِالصَّنْعَةِ بِالْأَمْوَالِ النَّفِيسَةِ حَتَّى تَضَاعَفَتْ قِيمَتُهَا وَخَرَجَتْ مِنْ أَنْ تَكُونَ تَافِهَةً وَلِهَذَا تُحْرَزُ بِخِلَافِ الْمُتَّخَذِ مِنْ الْحَشِيشِ وَالْقَصَبِ لِأَنَّ الصَّنْعَةَ لَمْ تَغْلِبْ فِيهِ حَتَّى لَا تَتَضَاعَفَ قِيمَتُهُ وَلَا يُحْرَزَ حَتَّى لَوْ غَلَبَتْ فِيهِ الصَّنْعَةُ كَالْحُصْرِ الْبَغْدَادِيَّةِ والجرجانية وَالْعَبْدَانِيَّةِ وَالْأَوَانِي الَّتِي تُتَّخَذُ لِلَّبَنِ وَالْمَاءِ مِنْ الْحَشِيشِ فِي

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ ادَّعَاهُ) أَيْ الْأَخْذَ بِحَقِّهِ أَوْ الرَّهْنَ. اهـ.

(قَوْلُهُ الْمَقْذُوفَ الْأَوَّلَ) وَفِي الْمِرْعَزِيَّةِ هَذَا إذَا قَذَفَهُ بِعَيْنِ ذَلِكَ الزِّنَا أَمَّا لَوْ نَسَبَهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ الزِّنَا يُحَدُّ ثَانِيًا وَقَدْ مَرَّ فِي حَدِّ الْقَذْفِ. اهـ. دِرَايَةٌ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا تَغَيَّرَتْ عَنْ حَالِهَا) أَيْ كَمَا لَوْ كَانَ قُطْنًا فَصَارَ غَزْلًا أَوْ كَانَ غَزْلًا فَصَارَ ثَوْبًا يُقْطَعُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْعَيْنَ بِتَبَدُّلِهَا عَنْ حَالِهَا صَارَتْ فِي حُكْمِ عَيْنٍ أُخْرَى فَلَوْ سَرَقَ عَيْنًا وَقُطِعَ فِيهَا ثُمَّ سَرَقَ عَيْنًا أُخْرَى يُقْطَعُ ثَانِيًا فَكَذَا هُنَا وَلِهَذَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ عَنْ الْمَغْصُوبِ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ هَكَذَا قَالَ (قَوْلُهُ ثُمَّ سَرَقَهَا الْأَوَّلُ) أَيْ السَّارِقُ الْأَوَّلُ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْأَوَّلَ) وَهُوَ السَّارِقُ اهـ

(قَوْلُهُ حَدَّ الْقَذْفِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَصَوَابُهُ حَدُّ السَّرِقَةِ وَقَوْلُهُ أَمَّا حَدُّ السَّرِقَةِ إلَخْ يُؤَيِّدُهُ مَا قُلْنَاهُ اهـ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ فَإِنْ قِيلَ حَدُّ السَّرِقَةِ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ الزِّنَا وَحَدُّ الزِّنَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْفِعْلِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ حَتَّى لَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَحُدَّ ثُمَّ زَنَى ثَانِيًا بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ يُحَدُّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَدُّ السَّرِقَةِ كَذَلِكَ بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ فَإِنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ وَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ إظْهَارُ كَذِبِ الْقَاذِفِ وَدَفْعُ الْعَارِ عَنْ الْمَقْذُوفِ بِالْمَرَّةِ الْأُولَى فَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ ثَانِيًا قُلْنَا فِي حَدِّ الزِّنَا يَجِبُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ حُرْمَةَ الْمَحَلِّ لَا تَسْقُطُ فِي حَقِّهِ بِاسْتِيفَاءِ الْحَدِّ مِنْهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى بِخِلَافِ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ الَّذِي هُوَ حَقُّ الْمَالِكِ فِي الْعَيْنِ فَإِنَّهُ سَقَطَ اعْتِبَارُهُ بِاسْتِيفَاءِ الْقَطْعِ مِنْ السَّارِقِ وَلِأَنَّ هَذَا حَقٌّ لَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ أَوْ نَائِبِهِ وَلَا يَتَكَرَّرَانِ بِخُصُومَةٍ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ كَحَدِّ الْقَذْفِ بِخِلَافِ حَدِّ الزِّنَا فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْخُصُومَةُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْأَبْوَابِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْخَشَبِ) يَعْنِي وَلَا يُقْطَعُ فِي الْخَشَبِ إلَّا فِي خَمْسَةٍ السَّاجِ وَالسِّيجِ وَالْعُودِ وَالْخَلَنْجِ وَالصَّنْدَلِ وَالْآبِنُوسِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُقْطَعُ فِي الصَّنَوْبَرِ كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ.

ص: 219