الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي الْخَطَأِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ بِالدَّارِ.
فَكَذَا هَذَا لِبُطْلَانِ الْإِحْرَازِ الَّذِي كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بِالتَّبَعِيَّةِ لَهُمْ فِي دَرَاهِمِ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْنَا الْمُسْتَأْمِنُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَقْهُورٍ فَيُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ بِاخْتِيَارِهِ فَلَا يَكُونُ تَبَعًا لَهُمْ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله الْمُسْلِمُ الَّذِي أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ يَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ عَمْدًا وَتَجِبُ الدِّيَةُ بِقَتْلِهِ خَطَأً لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً لِوُجُودِ الْعَاصِمِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا» أَثْبَتَ الْعِصْمَةَ بِالْإِسْلَامِ لَا غَيْرُ وَلِأَنَّ الْعِصْمَةَ تَثْبُتُ نِعْمَةً وَكَرَامَةً فَتَتَعَلَّقُ بِمَا لَهُ أَثَرٌ فِي اسْتِحْقَاقِ الْكَرَامَةِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ وَهَذَا لِأَنَّ الْعِصْمَةَ أَصْلُهَا الْمُؤَثِّمَةُ لِحُصُولِ أَصْلِ الزَّجْرِ بِهَا وَهِيَ حَاصِلَةٌ بِالْإِسْلَامِ ثَابِتَةٌ بِهِ حَتَّى يَأْثَمَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَالْمُقَوِّمَةُ كَمَالٌ فِيهَا لِيَحْصُلَ كَمَالُ الِامْتِنَاعِ لِأَنَّ بَعْضَ السُّفَهَاءِ لَا يَتْرُكُ التَّعَرُّضَ لَهُ إلَّا بِالْمُقَوِّمَةِ خَوْفًا مِنْ التَّبِعَةِ فِي الدُّنْيَا فَيَكُونُ وَصْفًا لَهَا فَيَتَعَلَّقُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَصْلُ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] جَعَلَ التَّحْرِيرَ كُلَّ الْمُوجِبِ رُجُوعًا إلَى حَرْفِ الْفَاءِ فَإِنَّهَا لِلْجَزَاءِ وَهُوَ الْكِفَايَةُ أَوْ إلَى كَوْنِهِ كُلَّ الْمَذْكُورِ فَيَنْتَفِي غَيْرُهُ كَمَا انْتَفَى فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِ الَّذِي فِي دَارِ الْإِسْلَامِ غَيْرِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ لِهَذَا الْمَعْنَى.
وَهَذَا لِأَنَّ الْآيَةَ سِيقَتْ لِبَيَانِ الْأَحْكَامِ فِي الْقَتْلِ وَهِيَ أَنْوَاعٌ فَأَوْجَبَ أَوَّلًا فِي الْمُؤْمِنِ الْمُطْلَقِ دِيَةً وَكَفَّارَةً ثُمَّ أَوْجَبَ بِقَتْلِ مُسْلِمٍ لَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا كَفَّارَةً ثُمَّ أَوْجَبَ بِقَتْلِ الذِّمِّيِّ دِيَةً وَكَفَّارَةً فَلَا يُزَادُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ أَصْلَ الْعِصْمَةِ بِالْإِسْلَامِ بَلْ بِكَوْنِهِ آدَمِيًّا لِأَنَّهُ خُلِقَ لِإِقَامَةِ الدِّينِ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِعِصْمَةِ نَفْسِهِ بِأَنَّ لَا يَتَعَرَّضَ لَهُ أَحَدٌ وَإِبَاحَةُ قَتْلِهِ عَارِضٌ بِسَبَبِ إفْسَادِهِ بِالْقِتَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ لَا يُقَاتِلُ مِنْ الْكُفَّارِ كَالذِّمِّيِّ وَذَرَارِيِّ الْحَرْبِيِّ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ لِعَدَمِ الْإِفْسَادِ، وَالْمُقَوِّمَةُ تَحْصُلُ بِالْإِحْرَازِ بِالدَّارِ أَلَا تَرَى أَنَّ الذِّمِّيَّ مَعَ كُفْرِهِ يَتَقَوَّمُ بِالْإِحْرَازِ وَلَا تَأْثِيرَ لِلْإِسْلَامِ فِي تَحْصِيلِ الْعِصْمَةِ لِأَنَّ الدِّينَ مَا وُضِعَ لِاكْتِسَابِ الدُّنْيَا وَإِنَّمَا وُضِعَ لِاكْتِسَابِ الْآخِرَةِ وَإِذَا كَانَتْ النَّفْسُ مَعْصُومَةً بِالْآدَمِيَّةِ فَالْمَالُ يَتْبَعُهَا لِيَتَمَكَّنَ مِنْ تَحَمُّلِ أَعْبَاءِ التَّكَالِيفِ وَإِنْ خُلِقَ عُرْضَةً فِي الْأَصْلِ لِأَنَّهُ لَا يُقَدَّرُ إلَّا بِهِ فَيَكُونُ مَعْصُومًا بِعِصْمَتِهِ وَأَمَّا الْعِصْمَةُ الْمُقَوِّمَةُ فَالْأَصْلُ فِيهَا لِلْأَمْوَالِ لِأَنَّ التَّقَوُّمَ يُؤْذِنُ بِجَبْرِ الْفَائِتِ بِالتَّمَاثُلِ فَيَسُدُّ مَسَدَّهُ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي النَّفْسِ حَقِيقَةً بِخِلَافِ الْمَالِ فَكَانَتْ النُّفُوسُ تَابِعَةً لِلْأَمْوَالِ فِيهَا ثُمَّ الْعِصْمَةُ الْمُقَوِّمَةُ فِي الْأَمْوَالِ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْإِحْرَازِ بِالدَّارِ مَعَ كَوْنِهِ أَصْلًا فِيهَا فَفِي النَّفْسِ أَوْلَى لِأَنَّهَا تَبَعٌ فِيهَا وَلَيْسَ فِيمَا رَوَاهُ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا قَالَ لِأَنَّهُمْ عَصَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِتَرْكِ الْقِتَالِ وَلِهَذَا لَمْ يُعْصَمُوا بِهِ بِغَيْرِ تَرْكِهِ وَنَظِيرُهُ أَدَاءُ الْجِزْيَةِ يَعْصِمُ الْكَافِرُ بِهِ نَفْسَهُ عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهُ يَتْرُكُ الْإِفْسَادَ عِنْدَ أَدَائِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ
(فَصْلٌ) قَالَ رحمه الله (لَا يُمَكَّنُ مُسْتَأْمَنٌ فِينَا سَنَةً وَقِيلَ لَهُ إنْ أَقَمْت سَنَةً وُضِعَ عَلَيْك الْجِزْيَةُ) أَيْ إذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقِيمَ فِيهَا سَنَةً وَيَقُولُ لَهُ الْإِمَامُ إنْ أَقَمْت سَنَةً كَامِلَةً وُضِعَتْ عَلَيْك الْجِزْيَةُ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْكَافِرَ لَا يُمَكَّنُ مِنْ إقَامَةٍ دَائِمَةٍ فِي دَارِنَا إلَّا بِاسْتِرْقَاقٍ أَوْ جِزْيَةٍ لِأَنَّهُ يَبْقَى ضَرَرًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِكَوْنِهِ عَيْنًا لَهُمْ وَعَوْنَا عَلَيْنَا وَيُمَكَّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ الْيَسِيرَةِ لِأَنَّ فِي مَنْعِهَا قَطْعَ الْمَنَافِعِ مِنْ الْمِيرَةِ وَالْجَلَبِ وَسَدِّ بَابِ التِّجَارَاتِ كُلِّهَا فَفَصَلْنَا بَيْنَهُمَا بِسَنَةٍ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ تَجِبُ فِيهَا الْجِزْيَةُ ثُمَّ إنْ رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ بَعْدَ مَقَالَةِ الْإِمَامِ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ فَلَا سَبِيلَ عَلَيْهِ قَالَ رحمه الله (فَإِنْ مَكَثَ سَنَةً فَهُوَ ذِمِّيٌّ) لِالْتِزَامِهِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ لَا دِيَةَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْحُكْمَ لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِمْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ أُضَمِّنُهُ الدِّيَةَ وَأَجْعَلُ عَلَيْهِ فِي الْخَطَأِ الْكَفَّارَةَ وَأَسْتَحْسِنُ ذَلِكَ وَأَدَعُ الْقِيَاسَ وَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَجْهُ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ مَحْقُونُ الدَّمِ لِأَجْلِ إسْلَامِهِ وَكَوْنُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَنْفِي تَقَوُّمَ دَمِهِ كَالتَّاجِرِ وَوَجْهُ الظَّاهِرِ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَتَأَوَّلُ هَذِهِ الْآيَةَ فِي الَّذِينَ أَسْلَمُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ اهـ (قَوْلُهُ خَوْفًا مِنْ التَّبِعَةِ) التَّبِعَةُ وِزَانُ كَلِمَةٍ مَا تَطْلُبُهُ مِنْ ظُلَامَةٍ وَنَحْوِهَا. اهـ. مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ أَوْجَبَ بِقَتْلِ مُسْلِمٍ لَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا كَفَّارَةً) فَإِنْ قُلْت لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [النساء: 92] الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا بَلْ الْمُرَادُ مِنْهُ الْبَاغِي فَإِنَّهُ مُؤْمِنٌ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَنَا وَالشَّافِعِيُّ لَا يُوجِبُ الدِّيَةَ فِي قَتْلِ الْبَاغِي أَيْضًا قُلْت الْمُرَادُ مِنْهُ هُوَ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ بِالنَّقْلِ عَنْ أَئِمَّةِ التَّفْسِيرِ وَقَدْ دَلَّ إطْلَاقُ اسْمِ الْعَدُوِّ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَدُوَّ الْمُطْلَقَ لَنَا هُوَ الْكَافِرُ لَا الْبَاغِي فَإِنَّ الْبَاغِيَ إنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَنَا مِنْ حَيْثُ الدُّنْيَا لَكِنْ مِنْ قَوْمٍ أَصْدِقَاءَ لَنَا مِنْ حَيْثُ الدِّينُ وَالدَّارُ وَالْكَافِرُ عَدُوُّنَا دِينًا وَدَارًا. اهـ.
[فَصْلٌ إقَامَة الْمُسْتَأْمَنُ فِي دارنا إقَامَة دائمة]
(فَصْلٌ) قَوْلُهُ (لِكَوْنِهِ عَيْنًا لَهُمْ) الْعَيْنُ جَاسُوسُ الْقَوْمِ كَذَا فِي الْجَمْهَرَةِ وَالْعَوْنُ الظَّهِيرُ عَلَى الْأَمْرِ وَالْجَمْعُ أَعْوَانٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فَيَطَّلِعُ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَيُنْهِي الْخَبَرَ إلَى دَارِهِمْ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ الْمِيرَةُ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْيَاءِ الطَّعَامُ يَمْتَارُهُ الْإِنْسَانُ فَأَمَّا الْمِئْرَةُ بِالْهَمْزِ فَهِيَ النَّمِيمَةُ قَالَ فِي الْجَمْهَرَةِ وَكُلُّ شَيْءٍ جَلَبْته مِنْ إبِلٍ وَخَيْلٍ وَسَائِرِ ذَلِكَ مِنْ الْحَيَوَانِ لِلتِّجَارَةِ فَهُوَ جَلَبٌ وَهُوَ بِفَتْحَتَيْنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ مَكَثَ سَنَةً) أَيْ بَعْدَ تَقَدُّمِ الْإِمَامِ إلَيْهِ أَيْ قَوْلُهُ لَهُ مَا يَعْتَمِدُ فِي ضَرْبِ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِ. اهـ. كَمَالٌ وَقَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ بَعْدَ تَقَدُّمِ الْإِمَامِ يُفِيدُ اشْتِرَاطَ تَقَدُّمِ الْإِمَامِ فِي مَنْعِهِ الْعَوْدَ إذَا أَقَامَ سَنَةً وَبِهِ صَرَّحَ الْعَتَّابِيُّ فَقَالَ لَوْ أَقَامَ سَنَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ الْإِمَامُ فَلَهُ الرُّجُوعُ قِيلَ وَلَفْظُ الْمَبْسُوطِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَقَدُّمَ الْإِمَامِ لَيْسَ شَرْطًا لِصَيْرُورَتِهِ ذِمِّيًّا فَإِنَّهُ قَالَ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ فَيَأْمُرَهُ إلَى أَنْ قَالَ فَإِنْ لَمْ يُقَدِّرْ لَهُ مُدَّةً فَالْمُعْتَبَرُ الْحَوْلُ
الْجِزْيَةَ فَتُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ مِنْ وَقْتِ التَّقَدُّمِ إلَيْهِ لَا مِنْ وَقْتِ دُخُولِهِ دَارَ الْإِسْلَامِ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُقَدِّرَ لَهُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ إذَا رَأَى كَالشَّهْرِ وَالشَّهْرَيْنِ فَإِذَا أَقَامَهَا بَعْدَ ذَلِكَ صَارَ ذِمِّيًّا وَذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَصِيرُ ذِمِّيًّا عِنْدَ إقَامَتِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ سَنَةً وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ إلَيْهِ الْإِمَامُ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُقَدِّرْ لَهُ الْإِمَامُ مُدَّةً فَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْحَوْلُ لِأَنَّهُ لِإِبْلَاءِ الْعُذْرِ وَالْحَوْلُ حَسَنٌ لِذَلِكَ كَمَا فِي تَأْجِيلِ الْعِنِّينِ ثُمَّ إذَا صَارَ ذِمِّيًّا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ الْمَضْرُوبَةِ لَهُ اسْتَأْنَفَ عَلَيْهِ الْجِزْيَةَ لِحَوْلٍ بَعْدَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنْ مَكَثَ سَنَةً أَخَذَهَا مِنْهُ فَيَأْخُذَهَا مِنْهُ حِينَئِذٍ كُلَّمَا تَمَّتْ السَّنَةُ
قَالَ رحمه الله (فَلَمْ يُتْرَكْ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِمْ كَمَا لَوْ وَضَعَ عَلَيْهِ الْخَرَاجَ أَوْ نَكَحَتْ ذِمِّيًّا لَا عَكْسُهُ) يَعْنِي لَا يُتْرَكُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ بَعْدَمَا مَكَثَ فِي دَارِنَا سَنَةً كَمَا لَا يُتْرَكُ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِمْ بَعْدَمَا وُضِعَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ أَوْ إذَا تَزَوَّجَتْ الْحَرْبِيَّةُ ذِمِّيًّا لِأَنَّهَا تَصِيرُ بِذَلِكَ ذِمِّيَّةً لِالْتِزَامِهَا الْمَقَامَ مَعَهُ لَا عَكْسُهُ وَهُوَ مَا إذَا تَزَوَّجَ الْحَرْبِيُّ ذِمِّيَّةً لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ بِذَلِكَ ذِمِّيًّا لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ الْمَقَامَ فِي دَارِنَا لِتَمَكُّنِهِ مِنْ طَلَاقِهَا فَلَا يُمْنَعُ إذَا خَرَجَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَإِذَا صَارَ ذِمِّيًّا يُمْنَعُ لِأَنَّ فِي عَوْدِهِ ضَرَرًا بِالْمُسْلِمِينَ بِعَوْدِهِ حَرْبًا عَلَيْنَا وَبِتَوَالُدِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَقَطْعِ الْجِزْيَةِ وَقَوْلُهُ كَمَا لَوْ وُضِعَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا بِشِرَاءِ أَرْضِ الْخَرَاجِ حَتَّى يُوضَعَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ يَصِيرُ ذِمِّيًّا بِنَفْسِ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَاهَا وَحَكَمَ الشَّرْعُ فِيهَا بِوُجُوبِ الْخَرَاجِ صَارَ مُلْتَزِمًا حُكْمًا مِنْ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ وَالْمُرَادُ مِنْ وَضْعِ الْخَرَاجِ الْتِزَامُهُ بِمُبَاشَرَةِ الزِّرَاعَةِ أَوْ تَعْطِيلِهَا عَنْهَا مَعَ التَّمَكُّنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الشِّرَاءَ قَدْ يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ فَلَا يَدُلُّنَا عَلَى الْتِزَامِهِ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ وَأَمَّا الزِّرَاعَةُ أَوْ تَرْكُ الْأَرْضِ عَلَى مِلْكِهِ إلَى أَوَانِ الْخَرَاجِ فَدَلِيلٌ عَلَى الْتِزَامِهِ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ فَيَصِيرُ ذِمِّيًّا فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ وُجُوبِ الْقِصَاصِ بِقَتْلِهِ وَمَنْعِهِ الرُّجُوعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَسَائِرِ أَحْكَامِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَوَّلُ مُدَّتِهِ مِنْ وَقْتِ الْوُجُوبِ حَتَّى إذَا لَزِمَهُ الْخَرَاجُ تَلْزَمُهُ الْجِزْيَةُ لِسَنَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ لِصَيْرُورَتِهِ ذِمِّيًّا بِلُزُومِهِ وَقَوْلُهُ أَوْ نَكَحَتْ ذِمِّيًّا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا تَصِيرُ ذِمِّيَّةً بِنَفْسِ التَّزَوُّجِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَابِعَةٌ لِلرَّجُلِ فِي السُّكْنَى حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يُسْكِنَهَا حَيْثُ شَاءَ وَتَصِيرُ مُقِيمَةً بِإِقَامَتِهِ فَتَصِيرُ رَاضِيَةً بِالْمَقَامِ مَعَهُ فِي دَارِنَا فَتَصِيرُ ذِمِّيَّةً بِمُجَرَّدِ التَّزَوُّجِ وَقَوْلُهُ لَا عَكْسُهُ أَيْ لَوْ تَزَوَّجَ حَرْبِيٌّ ذِمِّيَّةً لَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا لِانْعِكَاسِ الْأَحْكَامِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا
قَالَ رحمه الله (فَإِنْ رَجَعَ إلَيْهِمْ وَلَهُ وَدِيعَةٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ دَيْنٌ عَلَيْهِمَا حَلَّ دَمُهُ) أَيْ الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ رَجَعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَتَرَكَ وَدِيعَةً عِنْدَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ دَيْنًا عَلَيْهِمَا حَلَّ دَمُهُ بِالْعَوْدِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ أَمَانَهُ بِهِ فَعَادَ حَرْبِيًّا وَمَا كَانَ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ أَوْ الذِّمِّيِّينَ مِنْ مَالِهِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ حَرَامُ التَّنَاوُلِ لِأَنَّ حُكْمَ أَمَانِهِ فِي حَقِّ مَالِهِ لَا يَبْطُلُ قَالَ رحمه الله (فَإِنْ أُسِرَ أَوْ ظُهِرَ عَلَيْهِمْ فَقُتِلَ سَقَطَ دَيْنُهُ وَصَارَتْ وَدِيعَتُهُ فَيْئًا) أَمَّا الْوَدِيعَةُ فَلِأَنَّهَا فِي يَدِهِ حُكْمًا لِأَنَّ يَدَ الْمُودَعِ كَيَدِهِ تَقْدِيرًا فَتَصِيرُ فَيْئًا تَبَعًا لِنَفْسِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَتْ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تَصِيرُ مِلْكًا لِلْمُودَعِ لِأَنَّ يَدَهُ فِيهَا أَسْبَقُ فَكَانَ بِهَا أَحَقَّ وَأَمَّا الدَّيْنُ فَلِأَنَّ الْيَدَ عَلَيْهِ لَا تَكُونُ إلَّا بِوَاسِطَةِ الْمُطَالَبَةِ وَقَدْ بَطَلَتْ لِبُطْلَانِ مَالِكِيَّتِهِ إذْ مَمْلُوكِيَّتُهُ بِالْأَسْرِ تُنَافِي مَالِكِيَّتَهُ الدَّيْنَ وَإِذَا لَمْ يَبْقَ مَمْلُوكًا لَهُ صَارَ مِلْكًا لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لِأَنَّ يَدَهُ أَسْبَقُ إلَيْهِ مِنْ يَدِ غَيْرِهِ وَلَا طَرِيقَ لِجَعْلِهِ فَيْئًا لِأَنَّ الْفَيْءَ هُوَ الَّذِي يُمْلَكُ قَهْرًا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
وَلَيْسَ بِلَازِمٍ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ بِقَوْلِهِ إنْ أَقَمْتَ طَوِيلًا مَنَعْتُك مِنْ الْعَوْدِ فَإِنْ أَقَامَ سَنَةً مَنَعَهُ وَفِي هَذَا اشْتَرَطَ التَّقَدُّمَ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُوَقِّتْ لَهُ مُدَّةً خَاصَّةً وَالْوَجْهُ أَنْ لَا يَمْنَعَهُ حَتَّى يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ وَلَا أَنْ يُؤَقِّتَ مُدَّةً قَلِيلَةً كَالشَّهْرِ وَالشَّهْرَيْنِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْحَقَهُ عُسْرٌ بِتَقْصِيرِ الْمُدَّةِ جِدًّا خُصُوصًا إذَا كَانَ لَهُ مُعَامَلَاتٌ يَحْتَاجُ فِي اقْتِضَائِهَا إلَى مُدَّةٍ مَدِيدَةٍ. اهـ.
(قَوْلُهُ أَوْ نَكَحَتْ ذِمِّيًّا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا دَخَلَتْ حَرْبِيَّةٌ بِأَمَانٍ فَتَزَوَّجَتْ ذِمِّيًّا صَارَتْ ذِمِّيَّةً قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّهَا إذَا تَزَوَّجَتْ ذِمِّيًّا تَصِيرُ ذِمِّيَّةً تَجْرِي عَلَيْهَا أَحْكَامُ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ نَحْوِ الْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى دَارِهِمْ وَأَخْذِ الْخَرَاجِ مِنْ أَرْضِهَا وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرْنَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ مِنْ وَضْعِ الْخَرَاجِ الْتِزَامُهُ بِمُبَاشَرَةِ الزِّرَاعَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَكُونُ ذِمِّيًّا بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ وَالزِّرَاعَةِ حَتَّى لَوْ بَاعَ الْأَرْضَ قَبْلَ وُجُوبِ الْخَرَاجِ لَا يَكُونُ ذِمِّيًّا وَبِهِ صَرَّحَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا إذَا وَضَعَ الْخَرَاجَ عَلَى الْأَرْضِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْخَرَاجُ لِسَنَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ مِنْ وَقْتِ وَضْعِ الْخَرَاجِ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ مَعْنَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ إذَا وَضَعَ عَلَيْهِ الْخَرَاجَ أَيْ وَظَّفَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إذَا وَظَّفَ عَلَيْهِ فَقَدْ لَزِمَهُ حُكْمٌ يَتَعَلَّقُ بِالْمَقَامِ فِي دَارِنَا فَصَارَ فِي ضَرُورَتِهِ أَنْ يَكُونَ ذِمِّيًّا ثُمَّ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَكَذَا لَوْ لَزِمَهُ عُشْرٌ فِي قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدٌ إذَا اشْتَرَى أَرْضًا عُشْرِيَّةً يَكُونُ ذِمِّيًّا أَيْضًا لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا مِنْ مُؤَنِ الْأَرْضِ وَلَوْ اشْتَرَى الْحَرْبِيُّ أَرْضَ الْعُشْرِ صَارَتْ أَرْضَ خَرَاجٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَكُونُ ذِمِّيًّا إذَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ فِيهَا الْخَرَاجَ وَهِيَ وَأَرْضُ الْخَرَاجِ وَاحِدٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَمَّا إذَا اسْتَأْجَرَ الْحَرْبِيُّ أَرْضَ خَرَاجٍ فَزَرَعَهَا وَخَرَاجُهَا عَلَى صَاحِبِهَا لَا يَكُونُ ذِمِّيًّا إلَّا إذَا كَانَتْ أَرْضًا بِالْمُقَاسَمَةِ بِنِصْفِ مَا يَخْرُجُ فَزَرَعَهَا الْحَرْبِيُّ بِقَدْرِهَا فَحَكَمَ الْإِمَامُ بِالْخَرَاجِ عَلَيْهِ دُونَ صَاحِبِ الْأَرْضِ يَكُونُ ذِمِّيًّا فَيُوضَعُ عَلَيْهِ خَرَاجُ رَأْسِهِ وَلَا يَنْظُرُ إلَى مِلْكِ الرَّجُلِ بَلْ إلَى وُجُوبِ الْخَرَاجِ وَلِهَذَا إذَا ادَّعَى الْحَرْبِيُّ أَرْضَ خَرَاجٍ بِالْمُقَاسَمَةِ فَآجَرَهَا مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ فَأَخَذَ الْخَرَاجَ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَى مَا رَآهُ الْإِمَامُ فَإِنَّ الْحَرْبِيَّ لَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا. اهـ. (قَوْلُهُ وَمَنَعَهُ الرُّجُوعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ) أَيْ وَجَرَيَانُ الْقِصَاصِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ وَضَمَانُ الْمُسْلِمِ قِيمَةَ خَمْرِهِ وَخِنْزِيرِهِ إذَا أَتْلَفَهُ وَوُجُوبُ الدِّيَةِ عَلَيْهِ إذَا قَتَلَهُ خَطَأً وَوُجُوبُ كَفِّ الْأَذَى عَنْهُ فَتَحْرُمُ غِيبَتُهُ كَمَا تَحْرُمُ غِيبَةُ الْمُسْلِمِ فَضْلًا عَمَّا يَفْعَلُهُ السُّفَهَاءُ مِنْ صَفْعِهِ وَشَتْمِهِ فِي الْأَسْوَاقِ ظُلْمًا
وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ عَلَى التَّحْقِيقِ بَلْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ وُجُوبِ تَمْلِيكِ الْمَالِ فَلَمْ يَكُنْ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِكِهِ اسْتِيلَاءً عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ رَهْنٌ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَأْخُذُهُ الْمُرْتَهِنُ بِدَيْنِهِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُبَاعُ وَيُوَفَّى بِثَمَنِهِ الدَّيْنُ وَالْفَاضِلُ لِبَيْتِ الْمَالِ قَالَ رحمه الله (وَإِنْ قُتِلَ وَلَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِمْ أَوْ مَاتَ فَقَرْضُهُ وَوَدِيعَتُهُ لِوَرَثَتِهِ) لِأَنَّ حُكْمَ الْأَمَانِ بَاقٍ لِعَدَمِ بُطْلَانِهِ فَيُرَدُّ عَلَى وَرَثَتِهِ لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَهُ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّ نَفْسَهُ لَمَّا كَانَتْ مَغْنُومَةً تَبِعَهَا مَالُهُ لِأَنَّ مَا فِي يَدِ مُودَعِهِ كَيَدِهِ وَهُنَا نَفْسُهُ لَمْ تَصِرْ مَغْنُومَةً فَكَذَا مَالُهُ فَكَأَنَّهُ مَاتَ وَالْمَالُ فِي يَدِهِ لِمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَالُهُ فَيْئًا كَمَا إذَا أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَهُ وَدِيعَةٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ ظُهِرَ عَلَى دَارِ الْحَرْبِ يَكُونُ فَيْئًا فَلَا تَكُونُ يَدُ الْمُودَعِ كَيَدِ الْمُودِعِ قُلْنَا يَدُ الْمُودَعِ كَيَدِ الْمَالِكِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَالْعِصْمَةُ مَا كَانَتْ ثَابِتَةً فِي الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ لِمَا أَنَّ دَارَ الْحَرْبِ لَيْسَتْ بِدَارِ عِصْمَةٍ فَلَا تَصِيرُ مَعْصُومَةً بِالشَّكِّ وَفِي هَذِهِ الْعِصْمَةُ كَانَتْ ثَابِتَةً فِيهَا وَقْتَ الْإِيدَاعِ إذْ دَارُ الْإِسْلَامِ دَارُ عِصْمَةٍ وَلَمْ يُظْهَرْ عَلَى دَارِهِمْ فَتَبْقَى عَلَى حَالِهَا مَعْصُومَةً فَلَا تَزُولُ بِالشَّكِّ
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ جَاءَنَا حَرْبِيٌّ بِأَمَانٍ وَلَهُ زَوْجَةٌ ثَمَّةَ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ (وَوَلَدٌ) أَيْ صِغَارٌ وَكِبَارٌ (وَمَالٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ وَحَرْبِيٍّ فَأَسْلَمَ هُنَا ثُمَّ ظُهِرَ عَلَيْهِمْ فَالْكُلُّ فَيْءٌ) أَمَّا الْمَرْأَةُ وَأَوْلَادُهُ وَمَا فِي بَطْنِهَا وَالْعَقَارُ فَلِمَا بَيَّنَّا فِي بَابِ الْغَنَائِمِ وَأَمَّا أَوْلَادُهُ الصِّغَارُ فَلِأَنَّ الصَّغِيرَ إنَّمَا يَتْبَعُ أَبَاهُ وَيَصِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِهِ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ وَتَحْتَ وِلَايَتِهِ وَمَعَ تَبَايُنِ الدَّارَيْنِ لَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ وَأَمْوَالُهُ لَمْ تَصِرْ مُحْرَزَةً بِإِحْرَازِ نَفْسِهِ لِاخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ فَبَقِيَ الْكُلُّ فَيْئًا وَغَنِيمَةً وَلَوْ سُبِيَ الصَّبِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَصَارَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مُسْلِمٌ تَبَعًا لِأَبِيهِ لِأَنَّهُمَا اجْتَمَعَا فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ إخْرَاجِهِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ لَا يَكُونُ مُسْلِمًا لِمَا بَيَّنَّا مِنْ اخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ ثُمَّ هُوَ فَيْءٌ عَلَى حَالِهِ لِمَا ذَكَرْنَا وَكَوْنُهُ مُسْلِمًا لَا يُنَافِي الرِّقَّ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ رحمه الله (وَإِنْ أَسْلَمَ ثَمَّةَ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ (فَجَاءَنَا) أَيْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ (فَظُهِرَ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ (فَوَلَدُهُ الصَّغِيرُ حُرٌّ مُسْلِمٌ وَمَا أَوْدَعَهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ فَهُوَ لَهُ وَغَيْرُهُ فَيْءٌ) وَهُوَ أَوْلَادُهُ الْكِبَارُ وَالْمَرْأَةُ وَالْعَقَارُ لِأَنَّهُ لَمَّا أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ تَبِعَهُ أَوْلَادُهُ الصِّغَارُ لِاتِّحَادِ الدَّارِ وَإِحْرَازِ مَا فِي يَدِهِ أَوْ وَدِيعَةً عِنْدَ مَنْ ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ فِي يَدٍ صَحِيحَةٍ مُحْتَرَمَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُودَعًا عِنْدَ حَرْبِيٍّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي بَابِ الْغَنَائِمِ فِي حَرْبِيٍّ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَخْرُجْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ حُكْمَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَاحِدٌ إذْ الْإِسْلَامُ حَصَلَ فِيهِمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَكُلُّ حُكْمٍ عُرِفَ فِي تِلْكَ فَهُوَ الْحُكْمُ فِي هَذِهِ
قَالَ رحمه الله (وَمَنْ قَتَلَ مُسْلِمًا خَطَأً لَا وَلِيَّ لَهُ أَوْ حَرْبِيًّا جَاءَنَا بِأَمَانٍ فَأَسْلَمَ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِلْإِمَامِ) لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً فَتَتَنَاوَلُهَا النُّصُوصُ الْوَارِدَةُ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ لِلْإِمَامِ إنَّ الْأَخْذَ لَهُ لِيَضَعَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ نُصِّبَ نَاظِرًا لِلْمُسْلِمِينَ وَهَذَا مِنْ النَّظَرِ قَالَ رحمه الله (وَفِي الْعَمْدِ الْقَتْلُ أَوْ الدِّيَةُ لَا الْعَفْوُ) أَيْ لَوْ قَتَلَ عَمْدًا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَتْلُ قِصَاصًا أَوْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
وَعُدْوَانًا. اهـ. فَتْحٌ
(قَوْلُهُ اسْتِيلَاءً عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الدَّيْنِ اهـ
(قَوْلُهُ فَالْكُلُّ فَيْءٌ) أَيْ غَنِيمَةٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ لِأَنَّ تَبَايُنَ الدَّارَيْنِ قَاطِعٌ لِلْعِصْمَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} [الحشر: 8] أَمَّا الزَّوْجَةُ وَأَوْلَادُهُ الْكِبَارُ فَلِعَدَمِ التَّبَعِيَّةِ بِالْبُلُوغِ وَأَمَّا الْأَوْلَادُ الصِّغَارُ فَلِأَنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يَكُونُوا فِي يَدِهِ لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُعْتَبَرُوا مُسْلِمِينَ تَبَعًا لِأَبِيهِمْ فَصَارُوا فَيْئًا أَيْضًا وَكَذَا الْجَنِينُ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْأُمِّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَكَذَا وَدِيعَتُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ حِينَ فَارَقَ دَارَ الْحَرْبِ كَانَ الْمَالُ مَالَ حَرْبِيٍّ غَيْرِ مَعْصُومٍ فَلَمَّا أَسْلَمَ فِي دَارِنَا لَمْ يُحْرِزْهُ فَلَمْ تَثْبُتْ الْيَدُ عَلَيْهَا لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا فَبَقِيَ الْمَالُ غَيْرَ مَعْصُومٍ فَكَانَ فَيْئًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَمَا أَوْدَعَهُ عِنْدَهُ مُسْلِمٌ إلَخْ) قُيِّدَ بِالْإِيدَاعِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ غَصْبًا فِي أَيْدِيهِمْ يَكُونُ فَيْئًا لِعَدَمِ النِّيَابَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ فَيْئًا إلَّا مَا كَانَ غَصْبًا عِنْدَ حَرْبِيٍّ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ. اهـ. كَاكِيٌّ وَقَوْلُهُ لِعَدَمِ النِّيَابَةِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لِأَنَّ يَدَ الْغَاصِبِ لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ أَوْلَادُهُ الْكِبَارُ) أَيْ لَا زَوْجَتُهُ، وَأَوْلَادُهُ الْكِبَارُ حَرْبِيُّونَ وَكَذَا مَا فِي بَطْنِهَا لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْأُمِّ اهـ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُودَعًا عِنْدَ حَرْبِيٍّ) أَيْ لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِمُحْتَرَمَةٍ فَكَانَتْ فَيْئًا. اهـ.
(قَوْلُهُ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِلْإِمَامِ) أَيْ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. اهـ. هِدَايَةُ قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ أَيْ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ لِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمُ قَتْلِ الْمُؤْمِنِ خَطَأً بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] وَالْمُسْتَأْمَنُ لَمَّا أَسْلَمَ صَارَ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا فَصَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِيَضَعَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ) أَيْ لِعَدَمِ الْوَارِثِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ لَا أَنَّهَا تَكُونُ مِلْكًا لَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ لَوْ قُتِلَ عَمْدًا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَتْلُ قِصَاصًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا إذَا كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا فَالْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَتَلَ الْقَاتِلَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ إذَا رَضِيَ الْقَاتِلُ بِالدِّيَةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ أَمَّا وُجُوبُ الْقِصَاصِ فَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» فَإِذَا كَانَ السُّلْطَانُ وَلِيًّا كَانَ لَهُ وِلَايَةُ أَخْذِ الْقِصَاصِ وَأَمَّا الصُّلْحُ عَلَى الدِّيَةِ فَلِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه لَمَّا قُتِلَ رَأَى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ هُرْمُزَانَ وَفِي يَدِهِ خِنْجَرٌ فَظَنَّ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي قَتَلَ عُمَرَ فَقَتَلَهُ فَلَمَّا وُلِّيَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لِعُثْمَانَ اُقْتُلْ عُبَيْدَ اللَّهِ فَقَالَ عُثْمَانُ قُتِلَ أَبُوهُ بِالْأَمْسِ وَأَنَا أَقْتُلُهُ الْيَوْمَ لَا أَفْعَلُ وَلَكِنَّ هَذَا الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ يَعْنِي أَنَّ هُرْمُزَ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَنَا وَلِيُّهُ فَأَعْفُو عَنْهُ وَأُؤَدِّي دِيَتَهُ وَلِأَنَّ الدِّيَةَ أَنْفَعُ لِلْعَامَّةِ مِنْ الْقَوَدِ وَالْحَقُّ لِلْعَامَّةِ وَالْإِمَامُ كَالنَّائِبِ عَنْهُمْ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى الدِّيَةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ بِغَيْرِ شَيْءٍ لِأَنَّهُ اصْطِنَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا وِلَايَتُهُ بِطَرِيقِ النَّظَرِ وَلَا نَظَرَ فِي إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ بِغَيْرِ شَيْءٍ اهـ