المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَالْجَدُّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَبٌ وَلَا جَدٌّ، - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي - جـ ٣

[الفخر الزيلعي]

فهرس الكتاب

- ‌(بَابُ الظِّهَارِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَار]

- ‌(بَابُ اللِّعَانِ)

- ‌(بَابُ الْعِنِّينِ وَغَيْرِهِ)

- ‌(بَابُ الْعِدَّةِ)

- ‌(فَصْلٌ).فِي الْإِحْدَادِ

- ‌(بَابُ ثُبُوتِ النَّسَبِ)

- ‌[بَابُ الْحَضَانَةِ]

- ‌(بَابُ النَّفَقَةِ)

- ‌(كِتَابُ الْإِعْتَاقِ)

- ‌(بَابُ الْعَبْدُ يَعْتِقُ بَعْضُهُ)

- ‌(بَابُ الْحَلِفِ بِالدُّخُولِ)

- ‌{بَابُ الْعِتْقِ عَلَى جُعْلٍ}

- ‌{بَابُ التَّدْبِيرِ}

- ‌بَابُ الِاسْتِيلَادِ

- ‌{كِتَابُ الْأَيْمَانِ}

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَالسُّكْنَى وَالْإِتْيَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ)

- ‌{بَابُ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللُّبْسِ وَالْكَلَامِ}

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ)

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّزَوُّجِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا)

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ)

- ‌(كِتَابُ الْحُدُودِ)

- ‌(بَابُ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ)

- ‌(بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَالرُّجُوعِ عَنْهَا)

- ‌(بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ)

- ‌(بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي التَّعْزِيرِ)

- ‌(كِتَابُ السَّرِقَةِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الْحِرْزِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ وَإِثْبَاتِهِ]

- ‌(بَابُ قَطْعِ الطَّرِيقِ)

- ‌(كِتَابُ السِّيَرِ)

- ‌[بَابُ الْغَنَائِمِ وَقِسْمَتِهَا]

- ‌(فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ)

- ‌(بَابُ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ)

- ‌(بَابُ الْمُسْتَأْمَنِ)

- ‌[فَصْلٌ إقَامَة الْمُسْتَأْمَنُ فِي دارنا إقَامَة دائمة]

- ‌(بَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ)

- ‌(بَابُ الْمُرْتَدِّينَ)

- ‌(بَابُ الْبُغَاةِ)

- ‌[كِتَابُ اللَّقِيطِ]

- ‌[كِتَابُ اللُّقَطَةِ]

- ‌(كِتَابُ الْآبِقِ)

- ‌[كِتَاب الْمَفْقُود]

- ‌(كِتَابُ الشِّرْكَةِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الشِّرْكَةِ الْفَاسِدَةِ)

- ‌(كِتَابُ الْوَقْفِ)

- ‌[فَصْلٌ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ حَتَّى يَفْرِزَهُ عَنْ مِلْكِهِ]

الفصل: وَالْجَدُّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَبٌ وَلَا جَدٌّ،

وَالْجَدُّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فِيهِ

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَبٌ وَلَا جَدٌّ، وَكَانَ لَهَا أَخٌ أَوْ عَمٌّ فَلَهُ أَنْ يَضُمَّهَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُفْسِدًا أَمَّا إذَا كَانَ مُفْسِدًا فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ عَصَبَةٍ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ الْبِكْرُ إذَا طَعَنَتْ فِي السِّنِّ فَإِنْ كَانَ لَهَا عَقْلٌ وَرَأْيٌ، وَيُؤْمَنُ عَلَيْهَا مِنْ الْفَسَادِ فَلَيْسَ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ أَنْ يَضُمَّهَا إلَيْهِ، وَإِنْ خِيفَ عَلَيْهَا ذَلِكَ فَلِلْأَخِ وَالْعَمِّ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْعَصَبَاتِ أَنْ يَضُمَّهَا إلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُفْسِدًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَبٌ وَلَا جَدٌّ، وَلَا غَيْرُهُمَا مِنْ الْعَصَبَةِ أَوْ كَانَ لَهَا عَصَبَةٌ مُفْسِدٌ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَنْظُرَ فِي حَالِهَا فَإِنْ كَانَتْ مَأْمُونَةً خَلَّاهَا تَنْفَرِدُ بِالسُّكْنَى سَوَاءٌ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا، وَإِلَّا وَضَعَهَا عِنْدَ امْرَأَةٍ أَمِينَةٍ ثِقَةٍ تَقْدِرُ عَلَى الْحِفْظِ لِأَنَّهُ جُعِلَ نَاظِرًا لِلْمُسْلِمِينَ قَالَ رحمه الله (وَلَا تُسَافِرُ مُطَلَّقَةٌ بِوَلَدِهَا) لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْوَلَدِ

قَالَ رحمه الله (إلَّا إلَى وَطَنِهَا، وَقَدْ نَكَحَهَا ثَمَّ) لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْمُقَامَ فِيهِ شَرْعًا، وَعُرْفًا قَالَ عليه الصلاة والسلام «مَنْ تَأَهَّلَ بِبَلْدَةٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» ، وَلِهَذَا تَصِيرُ الْحَرْبِيَّةُ بِهِ ذِمِّيَّةً، وَالْمُسَافِرُ مُقِيمًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ خُوَاهَرْ زَادَهْ، وَذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُقِيمًا، وَشَرَطَ فِي الْمُخْتَصَرِ لِجَوَازِ النَّقْلِ شَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ وَطَنًا لَهَا، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ التَّزَوُّجُ وَاقِعًا فِيهِ حَتَّى لَوْ وَقَعَ التَّزَوُّجُ فِي بَلَدٍ وَلَيْسَ بِوَطَنٍ لَهَا لَيْسَ لَهَا أَنْ تَنْقُلَهُ إلَيْهِ، وَلَا إلَى وَطَنِهَا لِعَدَمِ الْأَمْرَيْنِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَهُوَ رِوَايَةُ كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ الْأَصْلِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ لَهَا النَّقْلَ إلَى مَكَانِ الْعَقْدِ لِأَنَّ الْعَقْدَ مَتَى وَقَعَ فِي مَكَان يُوجِبُ أَحْكَامَهُ فِيهِ كَمَا يُوجِبُ الْبَيْعُ التَّسْلِيمَ فِي مَكَانِهِ

وَمِنْ جُمْلَتِهِ حَقُّ إمْسَاكِ الْأَوْلَادِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ فِي دَارِ الْغُرْبَةِ لَيْسَ الْتِزَامًا لِلْمُقَامِ فِيهَا عُرْفًا فَلَا يَكُونُ لَهَا النَّقْلُ إلَيْهِ كَمَا لَا يَكُونُ لَهَا النَّقْلُ إلَى وَطَنِهَا إذَا لَمْ يَقَعْ التَّزَوُّجُ فِيهِ، فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مَتَى وُجِدَ الْأَمْرَانِ فِي مَكَان وَاحِدٍ جَازَ لَهَا النَّقْلُ إلَيْهِ كَيْفَمَا كَانَ إلَّا أَنْ يَكُونَ دَارَ الْحَرْبِ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَنْقُلَهُ إلَيْهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْوَلَدِ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ اعْتَبَرَ مَوْضِعَ الْوِلَادَةِ لَا غَيْرُ حَتَّى كَانَ لَهَا النَّقْلُ إلَى مَوْضِعٍ وَلَدَتْهُ فِيهِ لَا إلَى غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ وَطَنًا لَهَا وَوُجِدَ التَّزَوُّجُ فِيهِ رَوَاهَا عَنْهُ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذَا إذَا كَانَ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ تَفَاوُتٌ، وَإِنْ تَقَارَبَا بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ مِنْ مُطَالَعَةِ وَلَدِهِ فِي يَوْمٍ، وَيَرْجِعُ إلَى أَهْلِهِ فِيهِ قَبْلَ اللَّيْلِ جَازَ لَهَا النَّقْلُ إلَيْهِ مُطْلَقًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ وُقُوعُ التَّزَوُّجِ وَلَا الْوَطَنُ إلَّا إلَى قَرْيَةٍ مِنْ مِصْرٍ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ إلَى قَرِيبٍ بِمَنْزِلَةِ الِانْتِقَالِ مِنْ مَحَلَّةٍ إلَى مَحَلَّةٍ فِي بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ غَيْرَ أَنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ مِصْرٍ إلَى قَرْيَةٍ يَضُرُّ بِالْوَلَدِ لِكَوْنِهِ يَتَخَلَّقُ بِأَخْلَاقِ أَهْلِ الْقُرَى فَلَا تَمْلِكُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ تَكُونَ وَطَنَهَا

وَوَقَعَ الْعَقْدُ فِيهَا فِي الْأَصَحِّ لِمَا بَيَّنَّا، وَهَذَا الْحُكْمُ فِي حَقِّ الْأُمِّ خَاصَّةً، وَلَيْسَ لِغَيْرِهَا أَنْ تَنْقُلَهُ إلَّا بِإِذْنِ الْأَبِ حَتَّى الْجَدَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(بَابُ النَّفَقَةِ)

وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ النُّفُوقِ الَّذِي هُوَ الْهَلَاكُ يُقَالُ نَفَقَتْ الدَّابَّةُ تَنْفُقُ نُفُوقًا أَيْ مَاتَتْ، وَنَفَقَتْ الدَّرَاهِمُ وَالزَّادُ تَنْفُقُ نُفُوقًا أَيْ نَفِدَتْ، وَأَنْفَقَ الرَّجُلُ أَيْ افْتَقَرَ وَذَهَبَ مَالُهُ، وَأَنْفَقَتْ الدَّرَاهِمُ مِنْ النَّفَقَةِ، وَنَفَقَتْ السِّلْعَةُ نَفَاقًا بِالْفَتْحِ رَاجَتْ، وَأَنْفَقَ الْقَوْمُ نَفَقَتْ سُوقُهُمْ فَكَانَ لِلْهَلَاكِ وَالرَّوَاجِ، وَفِيهَا هَلَاكُ وَرَوَاجُ الْحَالِ فِي الْمَصَالِحِ، وَنَفَقَةُ الْغَيْرِ تَجِبُ عَلَى الْغَيْرِ بِأَسْبَابٍ ثَلَاثَةٍ بِالْقَرَابَةِ وَالزَّوْجِيَّةِ وَالْمِلْكِ فَنَبْدَأُ بِنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ لِأَنَّهَا أَنْسَبُ بِمَا تَقَدَّمَ قَالَ رحمه الله (تَجِبُ النَّفَقَةُ لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا، وَالْكِسْوَةُ بِقَدْرِ حَالِهِمَا) وَلَوْ مَانِعَةً نَفْسَهَا لِلْمَهْرِ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَضَرْبٍ مِنْ الْمَعْقُولِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] وقَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233]، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ فَلَهُ أَنْ يَضُمَّهَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُفْسِدًا) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ الِابْنُ إذَا بَلَغَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَنْفَرِدَ لَهُ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ فَاسِقًا يُخْشَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فَالْأَبُ أَوْلَى مِنْ الْأُمِّ، وَلَهُ أَنْ يَضُمَّهُ مَعَهُ إلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى صِيَانَتِهِ، فَإِنْ كَانَتْ بِنْتًا فَأَرَادَ الْأَبُ أَنْ يَضُمَّهَا مَعَ نَفْسِهِ إنْ كَانَتْ مَأْمُونَةً لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِزَوَالِ وِلَايَتِهَا عَنْهُ، وَالْأَخُ وَالْعَمُّ لَا يَكُونُ لَهُمَا وِلَايَةُ الضَّمِّ إلَى نَفْسِهِ إذَا كَانَتْ بِنْتًا غَيْرَ مَأْمُونَةٍ، وَلِلْأَبِ ذَلِكَ، وَالْفَرْقُ هُوَ أَنَّ الْأَبَ وَالْجَدَّ كَانَ لَهُمَا حَقُّ الْحَجْرِ فِي ابْتِدَاءِ حَالِهَا فَجَازَ لَهُمَا أَنْ يُعِيدَاهَا إلَى حَجْرِهِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَأْمُونَةً اهـ أَمَّا غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا حَقُّ الْحَجْرِ فِي ابْتِدَاءِ حَالِهَا فَجَازَ لَهُمَا أَنْ يُعِيدَاهَا إلَى حَجْرِهِمَا أَيْضًا لَكِنْ يَتَرَافَعُونَ إلَى الْقَاضِي لِيُسْكِنَهَا بَيْنَ قَوْمٍ صَالِحِينَ لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةً عَلَى النَّاسِ، وَلَوْ لَمْ يَتَرَافَعُوا رُبَّمَا تَرْتَكِبُ مَا يَلْحَقُهُمْ الضَّرَرُ بِذَلِكَ مِنْ الْعَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. اهـ. وَقَوْلُهُ وَالْأَخُ وَالْعَمُّ لَا يَكُونُ لَهُمَا وِلَايَةُ الضَّمِّ إلَى نَفْسِهِ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ الشَّارِحُ، وَيَنْبَغِي الْعَمَلُ بِمَا قَالَهُ الشَّارِحُ سِيَّمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ.

(قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِغَيْرِهَا أَنْ تَنْقُلَهُ إلَّا بِإِذْنِ الْأَبِ إلَخْ) وَلَيْسَ لِأُمِّ الْوَلَدِ إذَا أَعْتَقَهَا أَنْ تُخْرِجَ الْوَلَدَ مِنْ الْمِصْرِ الَّذِي فِيهِ أَبُوهُ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْإِخْرَاجِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا عَقْدٌ. اهـ. وَلْوَالِجِيٌّ

[بَابُ النَّفَقَةِ]

(بَابُ النَّفَقَةِ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله النَّفَقَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ النُّفُوقِ، وَهُوَ الْهَلَاكُ نَفَقَتْ الدَّابَّةُ نُفُوقًا هَلَكَتْ أَوْ مِنْ النَّفَاقِ الرَّوَاجُ نَفَقَتْ السِّلْعَةُ نَفَاقًا رَاجَتْ، وَذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيّ أَنَّ كُلَّ مَا فَاؤُهُ نُونٌ وَعَيْنُهُ فَاءٌ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الْخُرُوجِ وَالذَّهَابِ مِثْلُ نَفَقَ وَنَفَرَ وَنَفَخَ وَنَفِسَ وَنَفَى وَنَفَذَ، وَفِي الشَّرْعِ الْإِدْرَارُ عَلَى الشَّيْءِ بِمَا بِهِ بَقَاؤُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَبَدَأَ بِنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ فَنَبْدَأُ اهـ قَالَ الْكَمَالُ فَبَدَأَ بِالزَّوْجَاتِ إذْ هِيَ الْأَصْلُ فِي ثُبُوتِ النَّفَقَةِ لِلْوَلَدِ لِأَنَّهُ فَرْعُهَا ثُمَّ بِالنَّسَبِ الْأَبْعَدِ. اهـ. (قَوْلُهُ وقَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] وَيَرْجِعُ الضَّمِيرُ إلَى الْوَالِدَاتِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُنَّ قِيلَ هُنَّ الزَّوْجَاتُ، وَقِيلَ هُنَّ الْمُطَلَّقَاتُ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ. اهـ. فَتْحٌ

ص: 50

«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ فِي خُطْبَتِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّهُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فِرَاشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد،

وَعَنْ جَابِرٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِرَجُلٍ ابْدَأْ بِنَفْسِك فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِك فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِك» الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَلِأَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى أَنَّ النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ وَاجِبَتَانِ لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا، وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَلِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ جَزَاءَ الِاحْتِبَاسِ، وَمَنْ كَانَ مَحْبُوسًا بِحَقِّ شَخْصٍ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ تَفَرُّغِهِ لِحَاجَةِ نَفْسِهِ أَصْلُهُ الْقَاضِي وَالْوَالِي وَالْعَامِلُ فِي الصَّدَقَاتِ وَالْمُفْتِي وَالْمُقَاتِلَةُ وَالْمُضَارِبُ إذَا سَافَرَ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَالْوَصِيُّ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مُسْلِمَةً أَوْ كَافِرَةً لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ، وَقَوْلُهُ بِقَدْرِ حَالِهِمَا يَعْنِي يُعْتَبَرُ حَالُهُمَا فِي النَّفَقَةِ حَتَّى إذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْمُوسِرَاتِ، وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْمُعْسِرَاتِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا، وَالْآخَرُ مُعْسِرًا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ دُونَ نَفَقَةِ الْمُوسِرَاتِ، وَفَوْقَ نَفَقَةِ الْمُعْسِرَاتِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْخَصَّافِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى

وَقَالَ الْكَرْخِيُّ يُعْتَبَرُ حَالُ الزَّوْجِ لَا غَيْرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] وَقَالَ تَعَالَى {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] وَقَالَ تَعَالَى {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7] وَمَنْ اعْتَبَرَ حَالَهُمَا فَقَدْ تَرَكَ الْعَمَلَ بِالْكِتَابِ بَيَانُهُ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا كَانَ مُعَسِّرًا وَهِيَ مُوسِرَةٌ فَلَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ فَوْقَ نَفَقَةِ الْمُعْسِرَاتِ لَكَانَ تَكْلِيفًا بِمَا لَمْ يُؤْتَ، وَهُوَ مَنْفِيٌّ بِالنَّصِّ، وَلَنَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام لِهِنْدَ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ «خُذِي مِنْ مَالِ أَبِي سُفْيَانَ مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ» فَقَدْ اعْتَبَرَ حَالَهَا، وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ مَذْكُورٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَمَا تَلَاهُ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ حَالِ الرَّجُلِ فَاعْتَبَرْنَا حَالَهُمَا عَمَلًا بِهِمَا، وَنَحْنُ نَقُولُ فِيمَا إذَا كَانَ هُوَ فَقِيرًا وَهِيَ مُوسِرَةً يُسَلِّمُ لَهَا قَدْرَ نَفَقَةِ الْمُعْسِرَاتِ فِي الْحَالِ، وَالزَّائِدُ يَبْقَى دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَكُونُ تَكْلِيفًا بِمَا لَمْ يُؤْتَ، وَكُلُّ جَوَابٍ عَرَفْته فِي فَصْلِ النَّفَقَةِ مِنْ اعْتِبَارِ حَالِ الزَّوْجِ أَوْ حَالِهَا فَهُوَ الْجَوَابُ فِي الْكِسْوَةِ إذْ الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ

وَقَدْ تَعَارَضَ فِيهِ نَصَّانِ أَيْضًا لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] الْمُرَادُ بِهِ الْكِسْوَةُ، وَحَدِيثُ هِنْدَ عَامٌّ فِيهِمَا فَقَدْ تَعَارَضَا فِيهَا فَعَمِلْنَا بِهِمَا بِاعْتِبَارِ حَالِهِمَا، وَمَعْنَى قَوْلِهِ بِالْمَعْرُوفِ الْوَسَطُ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَالْمُسْتَحَبُّ لِلزَّوْجِ الْمُوسِرِ وَهِيَ فَقِيرَةٌ أَنْ يَأْكُلَ مَعَهَا لِإِظْهَارِ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَحُسْنِ الْعِشْرَةِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ «وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجُهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ» ) قِيلَ هِيَ كَلِمَةُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَقِيلَ هِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي يَنْعَقِدُ بِهَا النِّكَاحُ. اهـ. شَرْحُ مُسْلِمٍ لِلْقُرْطُبِيِّ فِي بَابِ الْحَجِّ اهـ

(قَوْلُهُ وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَلِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ جَزَاءَ الِاحْتِبَاسِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ مَحْبُوسًا بِحَقٍّ مَقْصُودٍ لِغَيْرِهِ قَالَ الْكَمَالُ أَيْ لِمَنْفَعَةٍ تَرْجِعُ إلَى غَيْرِهِ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ فَخَرَجَ الرَّهْنُ فَإِنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى الرَّاهِنِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ حَبْسِهِ لَيْسَتْ مُتَمَحِّضَةً لِلْمُرْتَهِنِ بَلْ مُشْتَرَكَةٌ، وَخَرَجَ الْمَنْكُوحَةُ نِكَاحًا فَاسِدًا حَتَّى لَوْ تَعَجَّلَتْ نَفَقَةَ شَهْرٍ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ فَاسِدٌ رَجَعَ عَلَيْهَا بِمَا أَخَذَتْ أَمَّا لَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا بِلَا فَرْضِ الْقَاضِي فَلَا يَرْجِعُ، وَفِي الْفَتَاوَى رَجُلٌ اُتُّهِمَ بِامْرَأَةٍ فَظَهَرَ بِهَا حَبَلٌ فَزُوِّجَتْ مِنْهُ فَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِأَنَّ الْحَمْلَ مِنْهُ كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَهُمَا صَحِيحٌ فَتَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ، وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ عِنْدَهُمَا أَيْضًا لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْ وَطْئِهَا

وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ مِنْهُ تَجِبُ النَّفَقَةُ بِالِاتِّفَاقِ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ عِنْدَ الْكُلِّ، وَحَلَّ وَطْؤُهَا، وَتَقَدَّمَ أَصْلُهُ فِي الْمُحَرَّمَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمُقَاتِلَةُ) أَيْ إذَا قَامُوا بِدَفْعِ عَدُوِّ الْمُسْلِمِينَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مُسْلِمَةً أَوْ كَافِرَةً) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ النَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كَافِرَةً إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا فِي مَنْزِلِهِ فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا وَسُكْنَاهَا. قَالَ الْكَمَالُ وَقَوْلُهُ إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا فِي مَنْزِلِهِ لَيْسَ شَرْطًا لَازِمًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَلْ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ، وَإِنْ لَمْ تَنْتَقِلْ إلَى مَنْزِلِ الزَّوْجِ إذَا لَمْ يَطْلُبْ الزَّوْجُ انْتِقَالَهَا فَإِنْ طَلَبَهُ فَامْتَنَعَتْ لِحَقٍّ لَهَا كَمَهْرِهَا لَا تَسْقُطُ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ حَقٍّ لَا نَفَقَةَ لَهَا لِنُشُوزِهَا، وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا نَفَقَةَ لَهَا حَتَّى تُزَفَّ إلَى مَنْزِلِ الزَّوْجِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَاخْتَارَهَا الْقُدُورِيُّ، وَلَيْسَ الْفَتْوَى عَلَيْهِ

وَقَوْلُ الشَّيْخِ الْأَقْطَعِ أَبِي نَصْرٍ فِي شَرْحِهِ إنَّ تَسْلِيمَهَا نَفْسَهَا شَرْطٌ بِالْإِجْمَاعِ مَنْظُورٌ فِيهِ ثُمَّ قَدَّرَهُ عَلَى وَجْهٍ يَرْفَعُ الْخِلَافَ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْقُلْهَا إلَى بَيْتِهِ وَلَمْ تَمْتَنِعْ هِيَ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِأَنَّهَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا، وَلَكِنَّهُ رَضِيَ بِبُطْلَانِ حَقِّهِ حَيْثُ تَرَكَ النُّقْلَةَ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهَا. اهـ. (قَوْلُهُ عَمَلًا بِهِمَا) أَيْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكُلُّ جَوَابٍ عَرَفْته فِي فَصْلِ النَّفَقَةِ مِنْ اعْتِبَارِ حَالِ الزَّوْجِ أَوْ حَالِهَا فَهُوَ الْجَوَابُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِي الْعُسْرَةِ كَذَا فِي الْأَصْلِ، وَأَشَارَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إلَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا أَنَّهُ قَادِرٌ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ، وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ قَالَ يُنْظَرُ إلَى زِيِّهِ إلَّا فِي الْعَلَوِيَّةِ وَالْفُقَهَاءِ، وَإِذَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ فَسَأَلَتْ الْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ عَنْ يَسَارِهِ فِي السِّرِّ فَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى الْقَاضِي، وَإِنْ فَعَلَهُ فَأَتَاهُ عَنْهُ أَنَّهُ مُوسِرٌ لَمْ تُفْرَضْ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْمُوسِرِ إلَّا أَنْ يُخْبِرَهُ بِذَلِكَ عَدْلَانِ أَنَّهُمَا عَلِمَا ذَلِكَ، وَيَكُونَانِ بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدَيْنِ فَإِنْ أَخْبَرَاهُ مِنْ وَرَاءِ وَرَاءٍ لَمْ يُؤْخَذْ بِقَوْلِهِمَا، فَإِنْ أَقَامَتْ الزَّوْجَةُ أَنَّهُ مُوسِرٌ فَأَقَامَ الزَّوْجُ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ أَخَذَ بِبَيِّنَتِهَا وَفَرَضَ عَلَيْهِ نَفَقَةَ الْمُوسِرِ كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ اهـ

(قَوْلُهُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ بِالْمَعْرُوفِ الْوَسَطُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَهُوَ الْوَاجِبُ قَالَ الْكَمَالُ أَيْ الْوَسَطُ هُوَ الْوَاجِبُ بَعْدَ اعْتِبَارِ حَالِهِمَا، وَقَدْ يُقَالُ لَا يَتَمَشَّى عَلَى جَمِيعِ أَقْسَامِ تَفْسِيرِ قَوْلِ الْخَصَّافِ رحمه الله بَلْ فِي أَوَاسِطِ الْحَالِ، وَفِي اخْتِلَافِهِمَا بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ فَوْقَ الْإِعْسَارِ، وَدُونَ نَفَقَةِ الْيَسَارِ، وَهُوَ وَسَطٌ فِي الْيَسَارِ، وَأَمَّا فِي يَسَارِهِمَا فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ تَجِبُ نَفَقَةٌ هِيَ وَسَطٌ فِي الْيَسَارِ، وَأَمَّا فِي إعْسَارِهِمَا فَتَجِبُ نَفَقَةٌ وَسَطٌ فِي الْإِعْسَارِ، وَهُوَ بَعِيدٌ

ص: 51

وَقَوْلُهُ (وَلَوْ مَانِعَةً نَفْسَهَا لِلْمَهْرِ) أَيْ النَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ لَهَا، وَإِنْ مَنَعَتْ نَفْسَهَا مِنْ التَّسْلِيمِ حَتَّى يُسَلِّمَ لَهَا الْمَهْرَ الْمُقَدَّمَ، وَهُوَ الَّذِي تُعُورِفَ تَقْدِيمُهُ فِي كُلِّ بِلَادٍ وَزَمَانٍ لِأَنَّهُ مَنْعٌ بِحَقٍّ لِتَقْصِيرٍ مِنْ جِهَتِهِ فَلَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَا إلَّا إذَا كَانَتْ دُونَ الْبُلُوغِ لِعَدَمِ صِحَّةِ تَسْلِيمِ الْأَبِ، وَهَذَا لِأَنَّ النَّفَقَةَ، وَإِنْ كَانَتْ جَزَاءَ الِاحْتِبَاسِ عِنْدَنَا لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا حَقِيقَةُ الِاحْتِبَاسِ بِأَنْ يَنْقُلَهَا إلَى بَيْتِهِ بَلْ الِاحْتِبَاسُ الْمُقَدَّرُ كَافٍ لِوُجُوبِهَا، وَذَلِكَ يُوجَدُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَالتَّمْكِينِ مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا الِامْتِنَاعُ ظُلْمًا قَالَ رحمه الله (لَا نَاشِزَةً) أَيْ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لِلنَّاشِزَةِ، وَهِيَ الْخَارِجَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ الْمَانِعَةُ نَفْسَهَا مِنْهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ مَانِعَتَهُ فِي الْبَيْتِ وَلَمْ تُمَكِّنْهُ مِنْ الْوَطْءِ حَيْثُ لَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ بِهِ لِقِيَامِ الِاحْتِبَاسِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى وَطْئِهَا

وَكَذَا الْعَادَةُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبِكْرَ لَا تُوطَأُ إلَّا كَرْهًا، وَلَوْ كَانَا يَسْكُنَانِ فِي مِلْكِ الْمَرْأَةِ فَمَنَعَتْهُ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا لَا نَفَقَةَ لِأَنَّهَا نَاشِزَةٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ سَأَلَتْهُ النَّقْلَةَ لِأَنَّ الِاحْتِبَاسَ فَاتَ لِمَعْنًى مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ يَسْكُنُ فِي الْمَغْصُوبِ فَامْتَنَعَتْ مِنْهُ فَلَهَا النَّفَقَةُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِنَاشِزَةٍ، وَلَوْ عَادَتْ النَّاشِزَةُ إلَى مَنْزِلِ الزَّوْجِ وَجَبَتْ لَهَا النَّفَقَةُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ.

قَالَ رحمه الله (وَصَغِيرَةٌ لَا تُوطَأُ) يَعْنِي لَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي مَنْزِلِهِ أَوْ لَمْ تَكُنْ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَهَا نَفَقَةٌ لِأَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ الْمِلْكِ عِنْدَهُ كَمَا فِي الْمَمْلُوكَةِ مِلْكَ الْيَمِينِ، وَكَوْنُهَا مُسْتَمْتَعًا بِهَا لَا تَأْثِيرَ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَجِبُ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْمَرِيضَةِ وَالرَّتْقَاءِ وَالْعَجُوزِ الَّتِي لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا، وَلَنَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي إيجَابِ نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ احْتِبَاسُ مَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ الزَّوْجُ انْتِفَاعًا مَقْصُودًا بِالنِّكَاحِ، وَهُوَ الْجِمَاعُ أَوْ الدَّوَاعِي لَهُ وَالصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا تَصْلُحُ لِلْجِمَاعِ لَا تَصْلُحُ لِلدَّوَاعِي أَيْضًا فَكَانَ فَوَاتُ مَنْفَعَةِ الِاحْتِبَاسِ لِمَعْنًى فِيهَا فَصَارَتْ كَالنَّاشِزَةِ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي ذَكَرْت لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهِنَّ حَاصِلٌ فِي الْجُمْلَةِ مِنْ حَيْثُ الدَّوَاعِي بِأَنْ يُجَامِعَهُنَّ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ أَوْ مِنْ حَيْثُ حِفْظُ الْبَيْتِ وَالْمُؤَانَسَةُ بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ، وَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ لِأَنَّ النَّفَقَةَ فِيهِ لِأَجْلِ الْمِلْكِ لَا لِأَجْلِ الِاحْتِبَاسِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِالْإِبَاقِ، وَهَذِهِ تَسْقُطُ بِالنُّشُوزِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا كَانَتْ الصَّغِيرَةُ تَصْلُحُ لِلْخِدْمَةِ وَالِاسْتِئْنَاسِ فَنَقَلَهَا إلَى بَيْتِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا، وَتَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ النَّفَقَةَ فَاعْتُبِرَ مَنْفَعَةُ الْخِدْمَةِ وَالِاسْتِئْنَاسِ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ فِي تَعْلِيلِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ

وَقِيلَ إنَّ الصَّغِيرَةَ إذَا كَانَتْ مُشْتَهَاةً وَيُمْكِنُ جِمَاعُهَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ يَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ، وَلَوْ كَانَتْ الصَّغِيرَةُ تَصْلُحُ لِلْجِمَاعِ تَجِبُ نَفَقَتُهَا عَلَى الزَّوْجِ بِالْإِجْمَاعِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّهِ فَقِيلَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِالسِّنِّ، وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ لِلِاحْتِمَالِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى الْجِمَاعِ فَإِنَّ السَّمِينَةَ الضَّخْمَةَ تَحْتَمِلُ الْجِمَاعَ، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةَ السِّنِّ، وَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ صَغِيرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ، وَهِيَ كَبِيرَةٌ تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ فِي مَالِهِ لِأَنَّ الْعَجْزَ مِنْ قِبَلِهِ فَصَارَ كَالْمَجْبُوبِ وَالْعِنِّينِ، وَإِنْ كَانَا صَغِيرَيْنِ لَا يَقْدِرَانِ عَلَى الْجِمَاعِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا لِلْعَجْزِ مِنْ قِبَلِهَا فَصَارَ كَالْمَجْبُوبِ وَالْعِنِّينِ إذَا كَانَ تَحْتَهُ صَغِيرَةٌ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

فَإِنَّهُ إذَا فُرِضَ أَنَّ إعْسَارَهُمَا غَايَةٌ فِي الْإِعْسَارِ فَإِنَّمَا تَجِبُ الْغَايَةُ فِيهِ لِأَنَّ اعْتِبَارَ حَالِهِ أَوْ حَالِهِمَا لَا يُوجِبُ غَيْرَ ذَلِكَ

وَالْوَجْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَعْرُوفِ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم خُذِي مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ مَا يُقَابِلُ الْمُنْكَرَ فَيَسْتَقِيمُ فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ فِي مُتَوَسِّطَةِ الْحَالِ أَنَّ كِفَايَتَهَا دُونَ كِفَايَةِ الْفَائِقَةِ فَيَجِبُ ذَلِكَ بِيَسَارِهِ، وَعِنْدَ غَايَةِ إعْسَارِهَا وَإِعْسَارِهِ الْمَعْرُوفُ دُونَ التَّوَسُّطِ فِيهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَلَى الْقَاضِي اعْتِبَارَ الْكِفَايَةِ بِالْمَعْرُوفِ فِيمَا فَرَضَ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَبِاعْتِبَارِ الْحَالِ مِنْ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، وَكَمَا يَفْرِضُ لَهَا قَدْرَ الْكِفَايَةِ مِنْ الطَّعَامِ كَذَلِكَ مِنْ الْإِدَامِ لِأَنَّ الْخُبْزَ لَا يُؤْكَلُ إلَّا مَأْدُومًا اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا نَاشِزَةً) قِيلَ لِشُرَيْحٍ هَلْ لِلنَّاشِزَةِ نَفَقَةٌ فَقَالَ نَعَمْ فَقِيلَ كَمْ فَقَالَ جِرَابٌ مِنْ تُرَابٍ مَعْنَاهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا اهـ أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ يَسْكُنُ فِي الْمَغْصُوبِ فَامْتَنَعَتْ) قَالَ قَاضِي خَانْ إلَّا إذَا امْتَنَعَتْ لِيُحَوِّلَهَا إلَى مَنْزِلِهِ أَوْ يَكْتَرِيَ لَهَا مَنْزِلًا فَحِينَئِذٍ لَا تَكُونُ نَاشِزَةً اهـ. وَفِي الْفَتَاوَى لِلنَّسَفِيِّ لَوْ كَانَ بِسَمَرْقَنْدَ، وَهِيَ بِنَسَفَ فَبَعَثَ إلَيْهَا أَجْنَبِيًّا لِيَحْمِلَهَا إلَيْهِ فَأَبَتْ لِعَدَمِ الْمَحْرَمِ لَهَا النَّفَقَةُ. اهـ. كَمَالٌ رحمه الله

(قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَهَا النَّفَقَةُ لِأَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ الْمِلْكِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا وَجَبَتْ عِوَضًا لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ عِوَضًا عَنْ مِلْكِ الْبُضْعِ أَوْ عَنْ الِاسْتِمْتَاعِ، وَلَا ثَالِثَ فَمَنْ ادَّعَى فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ فَلَا يَجُوزُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ مِلْكَ الْبُضْعِ وَقَعَ الْمَهْرُ عِوَضًا عَنْهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ عِوَضًا عَنْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي الشَّرْعِ عِوَضَانِ عَنْ مُعَوَّضٍ وَاحِدٍ، وَلَا يَجُوزُ الثَّانِي أَيْضًا لِأَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ وَقَعَ تَصَرُّفًا فِيمَا مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ فَلَا يَجِبُ شِرَاءُ جُزْءٍ غَيْرِ مَا أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ كَمَا فِي اسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ فِي الْإِجَارَةِ فَإِنْ قُلْت لَوْ لَمْ تَكُنْ عِوَضًا عَنْ الِاسْتِمْتَاعِ لَمْ تَسْقُطْ إذَا تَعَذَّرَ الِاسْتِمْتَاعُ، وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ فَيَنْتَفِي الْمَلْزُومُ قُلْت لَا نُسَلِّمُ الْمُلَازَمَةَ لِأَنَّهَا تَجِبُ لِلْمَرِيضَةِ مَعَ تَعَذُّرِ الِاسْتِمْتَاعِ فَإِنْ قُلْت لَوْ كَانَتْ تَجِبُ عَلَى وَجْهِ الصِّلَةِ كَمَا قُلْتُمْ لَمْ يُحْبَسْ الزَّوْجُ لِأَجْلِهَا قُلْت الْمُلَازَمَةُ مَمْنُوعَةٌ لِانْتِقَاضِهَا بِنَفَقَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ لِأَنَّهَا عَلَى وَجْهِ الصِّلَةِ، وَمَعَ هَذَا يُحْبَسُ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ إذَا امْتَنَعَ اهـ

(قَوْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَجِبُ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْمَرِيضَةِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا مَرِضَتْ مَرَضًا لَا تُطِيقُ الْجِمَاعَ أَوْ كَبِرَتْ، وَلَا تُطِيقُ الْجِمَاعَ أَوْ بِهَا رَتْقٌ يَمْنَعُ الْجِمَاعَ أَوْ قَرْنٌ يَمْنَعُ الْجِمَاعَ أَوْ أَصَابَهَا بَلَاءٌ يَمْنَعُ الْجِمَاعَ فَإِنَّ لَهَا النَّفَقَةَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِالسِّنِّ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى إذَا كَانَتْ الْمَنْكُوحَةُ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ حَتَّى تَبْلُغَ مَبْلَغَ الْجِمَاعِ، وَتَكَلَّمُوا فِي تَفْسِيرِ الْبُلُوغِ مَبْلَغَ الْجِمَاعِ قَالَ بَعْضُهُمْ إذَا كَانَتْ بِنْتَ تِسْعِ سِنِينَ بَلَغَتْ، وَإِنْ كَانَتْ بِنْتَ الْخَمْسِ لَا، وَفِي السَّبْعِ وَالسِّتِّ وَالثَّمَانِ إذَا كَانَتْ عَبْلَةً فَقَدْ بَلَغَتْ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا مَا لَمْ تَبْلُغْ مَبْلَغَ الْجِمَاعِ هَكَذَا قَالَ أَبُو اللَّيْثِ فِي النَّوَازِلِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى انْتَهَى صُغْرَى فِي بَابِ النَّفَقَةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَا صَغِيرَيْنِ لَا يَقْدِرَانِ عَلَى الْجِمَاعِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا) قَالَ الْكَمَالُ، وَأَكْثَرُ مَا فِي الْبَابِ

ص: 52

قَالَ رحمه الله (وَمَحْبُوسَةٌ بِدَيْنٍ وَمَغْصُوبَةٌ وَحَاجَّةٌ مَعَ غَيْرِ الزَّوْجِ وَمَرِيضَةٌ لَمْ تُزَفَّ) أَيْ لَا تَجِبُ لَهُنَّ النَّفَقَةُ أَمَّا الْمَحْبُوسَةُ فَلِأَنَّ الِامْتِنَاعَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا بِأَنْ كَانَتْ عَاجِزَةً فَلَيْسَ مِنْهُ، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهَا إذَا حُبِسَتْ قَبْلَ النُّقْلَةِ فَإِنْ كَانَتْ تَقْدِرُ أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ فِي الْحَبْسِ فَلَهَا النَّفَقَةُ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَقْدِرُ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا

وَلَوْ حُبِسَتْ بَعْدَ النُّقْلَةِ لَمْ تَبْطُلْ نَفَقَتُهَا لِأَنَّ الْمَنْعَ يُعَارِضُ الزَّوَالَ، وَهُوَ غَيْرُ مُضَافٍ إلَيْهَا فَلَا يُؤَثِّرُ فِي إسْقَاطِ حَقِّهَا كَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ لَا تَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهِ أَمَّا إذَا كَانَتْ تَقْدِرُ فَلَمْ تَقْضِ حَتَّى حُبِسَتْ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي حَبَسَتْ نَفْسَهَا يُرْوَى هَذَا التَّفْصِيلُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله، وَالْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَاسْتَشْهَدَ مُحَمَّدٌ عَلَى ذَلِكَ بِغَصْبِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ مِنْ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ حَيْثُ تَسْقُطُ عَنْهُ الْأُجْرَةُ لِفَوَاتِ الِانْتِفَاعِ لَا مِنْ جِهَتِهِ، وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ، وَإِذَا هَرَبَ الزَّوْجُ أَوْ حُبِسَ بِحَقٍّ أَوْ ظُلْمٍ فَلَهَا النَّفَقَةُ لِعَدَمِ الْمَانِعِ مِنْ جِهَتِهَا، وَأَمَّا إذَا غَصَبَهَا غَاصِبٌ فَلِأَنَّهُ قَدْ فَاتَ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا لَا مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ فَلَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْمَحْبُوسَةِ، وَأَمَّا إذَا حَجَّتْ مَعَ غَيْرِهِ فَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ فَوَاتَ الِاحْتِبَاسِ لَا مِنْ قِبَلِهِ يُوجِبُ سُقُوطَ النَّفَقَةِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَهَا النَّفَقَةُ إذَا حَجَّتْ بَعْدَ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا لِأَنَّهَا مُضْطَرَّةٌ فِيهِ فَلَمْ تُفِتْ مِنْ جِهَتِهَا بِاخْتِيَارِهَا

وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الِاحْتِبَاسَ إذَا فَاتَ لَا مِنْ جِهَتِهَا لَا يُوجِبُ سُقُوطَ النَّفَقَةِ عِنْدَهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةً عَلَى أَنَّ الْحَجَّ يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَهُ فَتَكُونُ مُضْطَرَّةً، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَى التَّرَاخِي فَلَا تَكُونُ مُضْطَرَّةً لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْحَضَرِ عِنْدَهُ دُونَ السَّفَرِ لِأَنَّهَا هِيَ الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ زَوْجُهَا مَعَهَا فِي السَّفَرِ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْإِقَامَةِ إجْمَاعًا، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْكِرَاءُ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى نَفَقَةِ الْإِقَامَةِ لَحِقَتْهَا بِإِزَاءِ مَنْفَعَةٍ تَحْصُلُ لَهَا فَلَا تَكُونُ عَلَيْهِ كَالْمُدَاوَاةِ فِي مَرَضِهَا، وَأَمَّا الْمَرِيضَةُ قَبْلَ النُّقْلَةِ إلَى مَنْزِلَةِ الزَّوْجِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ، وَمَرِيضَةٌ لَمْ تُزَفَّ فَلِعَدَمِ الِاحْتِبَاسِ لِأَجْلِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، وَلَوْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا، وَهِيَ مَرِيضَةٌ لَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ، وَلَوْ مَرِضَتْ بَعْدَ التَّسْلِيمِ تَجِبُ لَهَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله، وَالْقِيَاسُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهَا انْتِفَاعًا مَقْصُودًا بِالنِّكَاحِ، وَهُوَ الْجِمَاعُ أَوْ دَوَاعِيهِ، وَالِاسْتِئْنَاسُ بِهَا، وَحِفْظُ الْبَيْتِ وَالْمَانِعُ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَصَارَ كَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ يُعْقَدُ لِلصُّحْبَةِ وَالْأُلْفَةِ، وَلَيْسَ مِنْ الْأُلْفَةِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا، وَيَرُدَّهَا إلَى أَهْلِهَا إذَا مَرِضَتْ، وَقِيلَ إنْ أَمْكَنَ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا بِوَجْهٍ فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا، وَإِلَّا فَلَا كَالْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ لِإِنْسَانٍ، وَبِرَقَبَتِهِ لِآخَرَ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهَا إلَّا إذَا تَطَاوَلَ بِهَا الْمَرَضُ.

قَالَ رحمه الله (وَلِخَادِمِهَا لَوْ مُوسِرًا) يَعْنِي يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ نَفَقَةُ خَادِمِهَا إذَا كَانَ مُوسِرًا يَعْنِي إذَا كَانَ لَهَا خَادِمٌ مُتَفَرِّغٌ لِخِدْمَتِهَا لَيْسَ لَهُ شُغْلٌ غَيْرُ خِدْمَتِهَا، وَهُوَ مَمْلُوكٌ لَهَا لِأَنَّهَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْ خَادِمٍ، وَيُهَيِّئُ أَمْرَ بَيْتِهَا حَتَّى تَتَفَرَّغَ لِحَوَائِجِهِ فَكَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ خَادِمِهَا، وَالْجَامِعُ أَنَّ نَفَقَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَنْفَعَةٍ تَعُودُ إلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَمَّا وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ تَجِبُ نَفَقَةُ خَادِمِهِ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا، وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْخَادِمِ قِيلَ هِيَ جَارِيَةٌ مَمْلُوكَةٌ لَهَا، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ لَهَا لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ لِلْخَادِمِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَالْقَاضِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ خَادِمٌ لَا يَسْتَحِقُّ نَفَقَةَ الْخَادِمِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

أَنْ يُجْعَلَ الْمَنْعُ مِنْ قِبَلِهِ كَالْمَعْدُومِ فَالْمَنْعُ مِنْ جِهَتِهِ قَائِمٌ، وَمَعَهُ لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ، وَعَنْ هَذَا قُلْنَا إذَا تَزَوَّجَ الْمَجْبُوبُ صَغِيرَةً لَا تَصْلُحُ لِلْجِمَاعِ لَا يُفْرَضُ لَهَا نَفَقَةٌ، وَلَا يَخْفَى إمْكَانُ عَكْسِ هَذَا الْكَلَامِ فَيُقَالُ يُجْعَلُ الْمَنْعُ مِنْ جِهَتِهَا كَالْمَعْدُومِ فَتَحْتَاجُ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ النَّفَقَةَ لَا تَجِبُ إلَّا لِتَسْلِيمِهَا لِاسْتِيفَاءِ مَنَافِعِهَا الْمَقْصُودَةِ بِذَلِكَ التَّسْلِيمِ فَيَدُورُ وُجُوبُهَا مَعَهُ وُجُودًا وَعَدَمًا فَلَا تَجِبُ فِي الصَّغِيرَيْنِ، وَتَجِبُ فِي الْكَبِيرَةِ تَحْتَ الصَّغِيرِ انْتَهَى

(قَوْلُهُ لِفَوَاتِ الِانْتِفَاعِ لَا مِنْ جِهَتِهِ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِهَةِ الْأَجْرِ انْتَهَى فَتْحٌ. (قَوْلُهُ أَوْ حُبِسَ بِحَقٍّ) أَيْ بِحَقٍّ يَقْدِرُ عَلَى إيفَائِهِ أَوْ لَا يَقْدِرُ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ ظُلْمٍ) أَيْ وَكَذَلِكَ لَوْ ارْتَدَّ أَوْ أَسْلَمَتْ وَأَبَى هُوَ الْإِسْلَامَ أَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ، وَكَذَا كُلُّ فُرْقَةٍ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا بِحَقٍّ لَا تُسْقِطُ النَّفَقَةَ كَالْفُرْقَةِ بِخِيَارِ الْعِتْقِ وَالْبُلُوغِ وَعَدَمِ الْكَفَّارَةِ أَوْ بِسَبَبِ الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ لَكِنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْحَضَرِ) بِأَنْ يَعْتَبِرَ مَا كَانَ قِيمَةَ الطَّعَامِ فِي الْحَضَرِ فَتَجِبُ دُونَ نَفَقَةِ السَّفَرِ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْإِقَامَةِ) أَيْ لَا نَفَقَةُ السَّفَرِ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَلَوْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا، وَهِيَ مَرِيضَةٌ لَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهَا إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا إلَيْهِ ثُمَّ مَرِضَتْ تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ لِتَحَقُّقِ التَّسْلِيمِ، وَلَوْ مَرِضَتْ ثُمَّ سَلَّمَتْ قَالُوا لَا تَجِبُ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ لَمْ يَصِحَّ هَذَا حَسَنٌ، وَفِي لَفْظِ الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَيْهِ انْتَهَى قَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ هَذَا حَسَنٌ، وَفِي لَفْظِ الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ إنْ مَرِضَتْ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا صَحِيحَةً ثُمَّ طَرَأَ الْمَرَضُ لَا يَخْفَى أَنَّ إشَارَةَ الْكِتَابِ هَذِهِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَا اخْتَارَهُ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فِي مَنْزِلِهِ عَلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ النَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا فِي مَنْزِلِهِ

وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ مُخْتَارُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَلَيْسَ الْفَتْوَى عَلَيْهِ بَلْ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ تَعَلُّقُهَا بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ مَا لَمْ يَقَعْ نُشُوزٌ فَالْمُسْتَحْسَنُ لِهَذَا التَّفْصِيلِ هُمْ الْمُخْتَارُونَ لِتِلْكَ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَهَذِهِ فُرَيْعَتُهَا، وَالْمُخْتَارُ وُجُوبُ النَّفَقَةِ لِتَحَقُّقِ الِاحْتِبَاسِ بِاسْتِيفَاءِ مَا هُوَ مِنْ مَقَاصِدِ النِّكَاحِ مِنْ الِاسْتِئْنَاسِ وَالِاسْتِمْتَاعِ بِالدَّوَاعِي، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ قَالَ فِي الْأَصْلِ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ انْتَهَى

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِخَادِمٍ) الْخَادِمُ وَاحِدُ الْخُدَّامِ غُلَامًا كَانَ أَوْ جَارِيَةً كَذَا فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إذَا كَانَ مُوسِرًا) وَالْيَسَارُ يُقَدَّرُ بِنِصَابِ حِرْمَانِ الصَّدَقَةِ لَا بِنِصَابِ

ص: 53

مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَهَذَا لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهَا نَفَقَةَ الْخَادِمِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ الْخَادِمِ فَإِذَا لَمْ يَمْلِكْ فَلَا يَسْتَحِقُّ كَالْغَازِي إذَا كَانَ رَاجِلًا لَا يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْفَارِسِ، وَلَوْ جَاءَ بِخَادِمٍ يَخْدُمُهَا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ إلَّا بِرِضَاهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مَنْ يَخْدُمُهَا، وَهَذَا إذَا كَانَتْ حُرَّةً، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَلَا تَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ نَفَقَةَ الْخَادِمِ، وَقِيلَ إذَا كَانَتْ مِنْ الْأَرْذَالِ لَا تَسْتَحِقُّ الْخَادِمَ وَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً، وَلَا يُفْرَضُ لِأَكْثَرَ مِنْ خَادِمٍ وَاحِدٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُفْرَضُ لِخَادِمَيْنِ أَحَدُهُمَا لِمَصَالِحِ دَاخِلِ الْبَيْتِ، وَالْآخَرُ لِمَصَالِحِ خَارِجَهُ، وَهُوَ نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ فِي الْغَازِي إذَا كَانَ مَعَهُ أَكْثَرُ مِنْ فَرَسٍ وَاحِدٍ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَتْ فَائِقَةً فِي الْغِنَى، وَزُفَّتْ إلَيْهِ بِخَدَمٍ كَثِيرَةٍ اسْتَحَقَّتْ نَفَقَةَ الْجَمِيعِ، وَلَهُمَا أَنَّ الْوَاحِدَ يَقُومُ بِالْأَمْرَيْنِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْآخَرِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْكِفَايَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِلزِّينَةِ، وَوُجُوبُ النَّفَقَةِ بِاعْتِبَارِ الْكِفَايَةِ لَا بِاعْتِبَارِ الزِّينَةِ وَالتَّجَمُّلِ، وَهُوَ لَوْ قَامَ بِخِدْمَتِهَا بِنَفْسِهِ كَانَ يَكْفِي، وَلَمْ يَلْزَمْهُ نَفَقَةُ الْخَادِمِ فَكَذَا إذَا قَامَ الْوَاحِدُ مَقَامَ نَفْسِهِ، وَيَلْزَمُهُ مِنْ نَفَقَةِ الْخَادِمِ أَدْنَى الْكِفَايَةِ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ مُعْسِرًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ خَادِمِهَا، وَإِنْ كَانَ لَهَا خَادِمٌ فِيمَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ هُوَ يَقُولُ أَنَّهَا إذَا كَانَ لَهَا خَادِمٌ لَمْ تَكْتَفِ بِخِدْمَةِ نَفْسِهَا فَتَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ كَمَا لَوْ كَانَ مُوسِرًا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ الْمُعْسِرَةَ تَكْتَفِي بِخِدْمَةِ نَفْسِهَا، وَاسْتِعْمَالُ الْخَادِمِ لِزِيَادَةِ التَّنَعُّمِ فَتُعْتَبَرُ فِي حَالَةِ الْيَسَارِ دُونَ الْإِعْسَارِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ تُقِيمَ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ.

قَالَ رحمه الله (وَلَا يُفَرَّقُ بِعَجْزِهِ عَنْ النَّفَقَةِ، وَتُؤْمَرُ بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «ابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ فَقَالَ مَنْ أَعُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ امْرَأَتُك تَقُولُ أَطْعِمْنِي أَوْ فَارِقْنِي، جَارِيَتُك تَقُولُ أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي، وَوَلَدُك يَقُولُ إلَى مَنْ تَتْرُكُنِي» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الرَّجُلِ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَكَتَبَ عُمَرُ رضي الله عنه إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ فِي رِجَالٍ غَابُوا عَنْ نِسَائِهِمْ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُنْفِقُوا أَوْ يُطَلِّقُوا فَإِنْ طَلَّقُوا بَعَثُوا بَقِيَّةَ نَفَقَتِهِنَّ الْمَاضِيَةِ، وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَدْ فَاتَ ذَلِكَ بِالْعَجْزِ عَنْ النَّفَقَةِ فَتَعَيَّنَ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ فَصَارَ كَالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الْبَدَنَ لَا بَقَاءَ لَهُ بِدُونِ النَّفَقَةِ، وَيَبْقَى بِدُونِ الْجِمَاعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى الْمَمْلُوكَةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَبِبَيْعِهَا عِنْدَ الْعَجْزِ أَوْ الْإِبَاءِ، وَلَا يُؤْمَرُ بِالْجِمَاعِ، وَكَذَا مَنْفَعَةُ الْجِمَاعِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، وَمَنْفَعَةُ النَّفَقَةِ تَخْتَصُّ بِهَا فَكَانَ فَوْقَهُ

وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] يَدْخُلُ تَحْتَهُ كُلُّ مُعْسِرٍ وقَوْله تَعَالَى {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق: 7] دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى النَّفَقَةِ لَا يُكَلَّفُ بِالْإِنْفَاقِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِنْفَاقُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَلِأَنَّ فِي التَّفْرِيقِ إبْطَالَ الْمِلْكِ عَلَى الزَّوْجِ، وَفِي الْأَمْرِ بِالِاسْتِدَانَةِ تَأْخِيرَ حَقِّهَا، وَهُوَ أَهْوَنُ مِنْ الْإِبْطَالِ فَكَانَ أَوْلَى، وَلَا حُجَّةَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ لِأَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

وُجُوبِ الزَّكَاةِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَغَيْرِهَا انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا يُفْرَضُ لِأَكْثَرَ مِنْ خَادِمٍ وَاحِدٍ) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ، وَكَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمَوْسُومُ بِالْكَافِي، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِلَا خِلَافٍ حَيْثُ قَالَ فَإِنْ كَانَ لَهَا خَادِمٌ أَوْ خَدَمٌ فَرَضَ الْحَاكِمُ لِخَادِمٍ وَاحِدٍ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ فَعَنْ هَذَا قَالَ صَاحِبُ النَّافِعِ بِلَفْظِ عَنْ فَقَالَ

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُفْرَضُ نَفَقَةُ خَادِمَيْنِ، وَلَكِنْ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يُفْرَضُ نَفَقَةُ خَادِمَيْنِ كَذَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ وَالْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ، وَفِي التُّحْفَةِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ غَيْرُ الْمَشْهُورِ عَنْهُ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ قَوْلِهِ كَقَوْلِهِمَا، وَبِهِ صَرَّحَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ ثُمَّ قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِيهِ، وَرَوَى أَصْحَابُ الْإِمْلَاءِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ إنَّ الْمَرْأَةَ إنْ كَانَتْ مِمَّنْ يَجِلُّ مِقْدَارُهَا عَنْ خِدْمَةِ خَادِمٍ وَاحِدٍ أَنْفَقَ عَلَى مَنْ لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ مِنْ الْخَدَمِ مِمَّنْ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ الْخَادِمِ الْوَاحِدِ أَوْ الِاثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ، وَبِهِ نَأْخُذُ اهـ أَتْقَانِيُّ

(قَوْلُهُ وَزُفَّتْ إلَيْهِ بِخَدَمٍ كَثِيرَةٍ اسْتَحَقَّتْ نَفَقَةَ الْجَمِيعِ) لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْمَعْرُوفِ لِمِثْلِهَا، وَهُوَ الْوَاجِبُ فِي النَّفَقَةِ بِالنَّصِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لِمَا رُوِيَ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ التَّفْرِيقَ بِالْعَجْزِ عَنْ الْإِنْفَاقِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَسْخٌ لَا طَلَاقٌ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْعَجْزَ عَنْ الْإِنْفَاقِ لَا يُوجِبُ التَّفْرِيقَ عِنْدَنَا، وَلَكِنْ مَعَ هَذَا إذَا فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا هَلْ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ أَمْ لَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَفْصٍ مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمُودٍ الْأُسْرُوشَنِيُّ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فِي الْقَضَاءِ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ مِنْ كِتَابِ الْفُصُولِ، وَإِذَا ثَبَتَ الْعَجْزُ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي شَافِعِيَّ الْمَذْهَبِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا نَفَذَ قَضَاؤُهُ بِالتَّفْرِيقِ، وَإِنْ كَانَ حَنَفِيًّا لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ إلَّا إذَا كَانَ مُجْتَهِدًا وَوَقَعَ اجْتِهَادُهُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ قَضَى مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ

فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي جَوَازِ قَضَائِهِ رِوَايَتَانِ، وَلَوْ لَمْ يَقْضِ وَلَكِنْ أَجَّرَ شَافِعِيَّ الْمَذْهَبِ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمَا فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ فَقَضَى بِالتَّفْرِيقِ نَفَذَ إذَا لَمْ يَرْتَشِ الْآمِرُ وَالْمَأْمُورُ، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا فَرُفِعَتْ الْمَرْأَةُ الْأَمْرُ لِلْقَاضِي، وَأَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ أَنَّ زَوْجَهَا الْغَائِبَ عَاجِزٌ عَنْ النَّفَقَةِ وَطَلَبَتْ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي حَنَفِيًّا فَقَدْ ذَكَرْنَا، وَإِنْ كَانَ شَافِعِيًّا فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ مَشَايِخُ سَمَرْقَنْدَ جَازَ تَفْرِيقُهُ لِأَنَّهُ قَضَى فِي فَصْلَيْنِ مُجْتَهَدٍ فِيهِمَا التَّفْرِيقُ بِسَبَبِ الْعَجْزِ عَنْ النَّفَقَةِ وَالْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُجْتَهَدٌ فِيهِ، وَقَالَ الْقَاضِي ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ لَا يَصِحُّ هَذَا التَّفْرِيقُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ إنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ

وَيَنْفُذُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا ثَبَتَ الْمَشْهُودُ بِهِ، وَهُنَا لَمْ يَثْبُتْ الْمَشْهُودُ بِهِ عِنْدَ الْقَاضِي، وَهُوَ الْعَجْزُ لِأَنَّ الْمَالَ غَادٍ وَرَائِحٌ، وَمِنْ الْجَائِزِ أَنَّ الْغَائِبَ صَارَ غَنِيًّا، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الشَّاهِدُ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمَسَافَةِ، وَكَانَ الشَّاهِدُ مُجَازِفًا فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ. اهـ. وَقَالَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَضَاؤُهُ لِأَنَّ الْعَجْزَ لَا يُعْرَفُ حَالَ الْغَيْبَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا فَيَكُونُ هَذَا تَرَكَ الْإِنْفَاقَ

ص: 54

سَمِعْت هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا هَذَا مِنْ كَيْسِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ كَذَلِكَ عَنْهُ فِي صَحِيحِهِ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا حِكَايَةُ قَوْلِ الْمَرْأَةِ أَطْعِمْنِي أَوْ فَارِقْنِي، وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْفِرَاقَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ إذَا طَلَبَتْ ذَلِكَ، وَكَذَا الْحَدِيثُ الثَّانِي لَا يُلْزِمُ الْحُجَّةَ لِأَنَّ فِي طَرِيقِهِ عَبْدَ الْبَاقِي بْنِ قَانِعٍ، وَقَالَ الْبَرْقَانِيُّ فِي حَدِيثِهِ نَكِرَةٌ، وَقَالَ أَيْضًا هُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَنَا، وَضَعَّفَهُ غَيْرُهُ، وَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِجَاجُ بِكِتَابِ عُمَرَ أَيْضًا لِأَنَّ مَذْهَبَهُ إسْقَاطُ طَلَبِهَا مِنْ الْمُعْسِرِ ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ، وَقَالَ صَحَّ ذَلِكَ عَنْهُ، وَكِتَابُهُ أَيْضًا كَانَ إلَى الْقَادِرِينَ عَلَى النَّفَقَةِ، وَلِهَذَا أَمَرَهُمْ أَنْ يُوَفُّوا بِالْبَقِيَّةِ مِنْ النَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ، وَلَا يُمْكِنُ قِيَاسُهَا عَلَى الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ لِأَنَّهُمَا يَفُوتُ بِهِمَا الْمَقْصُودُ بِالنِّكَاحِ، وَهُوَ التَّوَالُدُ وَالْمَالُ تَابِعٌ فَلَا يَلْحَقُ بِمَا هُوَ أَصْلٌ، وَلِأَنَّهَا لَا تَفُوتُ بَلْ تَتَأَخَّرُ، وَتَبْقَى دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَيُمْكِنُ تَدَارُكُهَا فِي الْآخِرَةِ فَلَا تَكُونُ مُعَارِضَةً لِإِبْطَالِ حَقِّهِ مِنْ الْمِلْكِ

وَفِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فَتَعَارَضَ الْحَقَّانِ فَتَرَجَّحَ حَقُّهَا لِأَنَّهُ أَصْدَقُ مِنْ حَقِّهِ إذْ لَا حَاجَةَ لَهُ إلَيْهَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمَقْصُودِ بِالنِّكَاحِ، وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ نَفَقَةِ الْأَمَةِ إذْ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهَا لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ لَا يَكُونُ لَهُ دَيْنٌ عَلَى سَيِّدِهِ فَتَعَيَّنَ الْبَيْعُ، وَلِأَنَّ سُقُوطَ حَقِّهِ فِي الرَّقَبَةِ إلَى بَدَلٍ وَهُوَ الثَّمَنُ، وَسُقُوطَ حَقِّ الْعَبْدِ فِي النَّفَقَةِ لَا إلَى بَدَلٍ فَكَانَ الْبَيْعُ أَهْوَنَ لِأَنَّهُ كَلَا فَائِتٍ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لَا يُعْتِقَهَا الْقَاضِي عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهِ بِلَا عِوَضٍ، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْإِمْسَاكَ بِالْمَعْرُوفِ لَمْ يَفُتْ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مُخَاطَبٌ بِمَا عِنْدَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] وَلَيْسَ لَهُ قُدْرَةٌ إلَّا عَلَى الِالْتِزَامِ فِي الذِّمَّةِ فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ إلَى الْمَيْسَرَةِ بِالنَّصِّ، وَلِهَذَا وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ فِي حَقِّ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ الْمُجْتَمَعَةُ عَنْ الْمَاضِي، وَفَائِدَةُ الْأَمْرِ بِالِاسْتِدَانَةِ مَعَ فَرْضِ الْقَاضِي النَّفَقَةَ أَنْ يُمْكِنَهَا إحَالَةُ الْغَرِيمِ عَلَى الزَّوْجِ فَيُطَالِبَهُ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ حَيْثُ تُطَالِبُ هِيَ ثُمَّ تَرْجِعُ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ، وَلَا تُحِيلُ عَلَيْهِ الْغَرِيمَ لِعَدَمِ وِلَايَتِهَا عَلَيْهِ، وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ تَفْسِيرَ الِاسْتِدَانَةِ هُوَ الشِّرَاءُ بِالنَّسِيئَةِ لِتَقْضِيَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ، وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ الْمَرْأَةُ الْمُعْسِرَةُ إذَا كَانَ زَوْجُهَا مُعْسِرًا، وَلَهَا ابْنٌ مِنْ غَيْرِهِ مُوسِرٌ أَوْ أَخٌ مُوسِرٌ فَنَفَقَتُهَا عَلَى زَوْجِهَا

وَيُؤْمَرُ الِابْنُ أَوْ الْأَخُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ إذَا أَيْسَرَ، وَيُحْبَسُ الِابْنُ أَوْ الْأَخُ إذَا امْتَنَعَ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْمَعْرُوفِ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الِاسْتِدَانَةَ لِنَفَقَتِهَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ مُعْسِرًا، وَهِيَ مُعْسِرَةً تَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَتْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا لَوْلَا الزَّوْجُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ لِلْمُعْسِرِ أَوْلَادٌ صِغَارٌ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى إنْفَاقِهِمْ تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ لَوْلَا الْأَبُ كَالْأُمِّ وَالْأَخِ وَالْعَمِّ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْأَبِ إذَا أَيْسَرَ بِخِلَافِ نَفَقَةِ أَوْلَادِهِ الْكِبَارِ حَيْثُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْيَسَارِ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ مَعَ الْإِعْسَارِ فَكَانَ كَالْمَيِّتِ قَالَ رحمه الله (وَتَمَّمَ نَفَقَةَ الْيَسَارِ بِطُرُوِّهِ، وَإِنْ قَضَى بِنَفَقَةِ الْإِعْسَارِ) يَعْنِي إذَا كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهَا نَفَقَةَ الْمُعْسِرِ لِإِعْسَارِهِ ثُمَّ أَيْسَرَ تَمَّمَ لَهَا نَفَقَةُ الْمُوسِرِينَ بِطُرُوِّ الْيَسَارِ أَيْ بِحُدُوثِهِ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ بِالْقَضَاءِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِهِ لِعُذْرِ الْإِعْسَارِ فَإِنْ زَالَ الْعُذْرُ بَطَلَ ذَلِكَ كَالْمُكَفِّرِ بِالصَّوْمِ إذَا وَجَدَ رَقَبَةً بَطَلَ صَوْمُهُ، وَتَقَدُّمُ الْفَرْضِ لَا يَمْنَعُ الْإِتْمَامَ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ تَقْدِيرٌ لِنَفَقَةٍ لَمْ تَجِبْ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ حَيْثُ اعْتَبَرَ حَالَ الرَّجُلِ فَقَطْ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ حَالَ الْمَرْأَةِ أَصْلًا، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ

وَلَا يَسْتَقِيمُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ مِنْ اعْتِبَارِ حَالِهِمَا عَلَى مَا عَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ فَيَكُونُ فِيهِ نَوْعُ تَنَاقُضٍ مِنْ الشَّيْخِ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ هُوَ قَوْلُ الْخَصَّافِ ثُمَّ بَنَى الْحُكْمَ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ

قَالَ رحمه الله (وَلَا تَجِبُ نَفَقَةٌ مَضَتْ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا) أَيْ إذَا مَضَتْ مُدَّةٌ، وَلَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا الزَّوْجُ فَلَا شَيْءَ لَهَا مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي فَرَضَ لَهَا النَّفَقَةَ أَوْ صَالَحَتْ الزَّوْجَ عَلَى مِقْدَارٍ مِنْهَا فَيَقْضِي لَهَا بِنَفَقَةِ مَا مَضَى لِأَنَّ النَّفَقَةَ صِلَةٌ فَلَا تُمْلَكُ إلَّا بِالْقَبْضِ كَرِزْقِ الْقَاضِي، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله يَصِيرُ دَيْنًا بِلَا قَضَاءٍ وَلَا رِضًا لِأَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ الْمِلْكِ كَالْمَهْرِ قُلْنَا لَوْ كَانَ عِوَضًا عَنْ الْمِلْكِ لَوَجَبَ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَالْمَهْرِ، وَثَمَنِ الْمَبِيعِ، وَلِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْمَهْرِ فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا بِغَيْرِهِ كَيْ لَا يَقَعَ الْعِوَضَانِ عَلَى مُعَوَّضٍ وَاحِدٍ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عِوَضًا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ عِوَضًا عَنْ الْمِلْكِ أَوْ عَنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهِ، وَالْأَوَّلُ مُنْتَفٍ لِمَا ذَكَرْنَا، وَكَذَا الثَّانِي لِأَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ تَصَرُّفٌ فِي الْمَمْلُوكِ فَلَا يَسْتَحِقُّ عِوَضًا، وَلَكِنْ لَمَّا وَقَعَ الِاحْتِبَاسُ لِأَجْلِهِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ، وَصِيَانَةِ مَائِهِ أُوجِبَتْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

لَا لِعَجْزٍ عَنْ الْإِنْفَاقِ فَإِنْ رُفِعَ هَذَا الْقَضَاءُ إلَى قَاضٍ آخَرَ جَازَ قَضَاؤُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ إذَا أَيْسَرَ وَيُحْبَسُ) وَفِي الْبَدَائِعِ يُضْرَبُ وَلَا يُحْبَسُ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَقْدِيرٌ لِنَفَقَةٍ لَمْ تَجِبْ) لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ شَيْئًا فَشَيْئًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلَا يَتَقَدَّرُ حُكْمُ الْقَاضِي فِيهَا بِخُصُوصِ مِقْدَارٍ، وَلِأَنَّهُ كَانَ بِشَرْطِ الْإِعْسَارِ، وَعَلَى تَقْدِيرِهِ قَدْ زَالَ فَتَزُولُ بِزَوَالِهِ اهـ فَتْحٌ

(قَوْلُهُ فَيَكُونُ فِيهِ نَوْعُ تَنَاقُضٍ) رَدَّ هَذَا التَّنَاقُضَ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ، وَقَدْ نُقِلَتْ عِبَارَتُهُ عَلَى هَامِشِ الْمَتْنِ اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا تَجِبُ نَفَقَةٌ مَضَتْ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا عَنْ الْفَتَاوَى النَّسَفِيَّةِ وَلَوْ فَرَضَ الْقَاضِي نَفَقَةَ الْعِدَّةِ فَلَمْ تَأْخُذْ حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ هَلْ تَسْقُطُ النَّفَقَةُ كَمَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَسْقُطُ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ إذَا فَرَضَ الْقَاضِي لِلْمَرْأَةِ نَفَقَةَ الْعِدَّةِ فَلَمْ تَسْتَوْفِ حَتَّى مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ تَسْقُطُ، وَكَذَا إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ. اهـ. (قَوْلُهُ إذَا مَضَتْ مُدَّةٌ، وَلَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا الزَّوْجُ فَلَا شَيْءَ لَهَا) يَعْنِي بِأَنْ غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا أَوْ كَانَ حَاضِرًا، وَامْتَنَعَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ النَّفَقَةَ صِلَةٌ فَلَا تُمْلَكُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ نَفَقَتَهَا لَا تَثْبُتُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِفَرْضٍ أَوْ بِاصْطِلَاحِهِمَا عَلَى مِقْدَارٍ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ ذَلِكَ الْمِقْدَارُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ إذَا لَمْ يُعْطِهَا، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ تَصِيرُ دَيْنًا عَلَيْهِ إلَّا إنْ كَانَتْ أَكَلَتْ مَعَهُ بَعْدَ الْفَرْضِ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ بِالْمُضِيِّ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْأَصَحِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَصِيرُ دَيْنًا بِلَا قَضَاءٍ وَلَا رِضًا) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ اهـ ع

ص: 55

كَرِزْقِ الْقَاضِي لَمَّا كَانَ مَشْغُولًا بِحُقُوقِهِمْ وَجَبَ لَهُ النَّفَقَةُ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ أَلَا تَرَى أَنَّ الِاسْتِيفَاءَ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى مَا وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، وَكَذَا الِاحْتِبَاسُ فَيَجِبُ بِمُقَابَلَتِهِ جَزَاؤُهُ صِلَةً، وَالصِّلَاتُ لَا تُمْلَكُ إلَّا بِالْقَبْضِ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ، وَلِأَنَّ فِيهِ حَقَّيْنِ حَقَّ الزَّوْجِ وَحَقَّ الشَّرْعِ فَمِنْ حَيْثُ الِاسْتِمْتَاعُ وَقَضَاءُ الشَّهْوَةِ وَإِصْلَاحُ الْمَعِيشَةِ حَقُّ الزَّوْجِ، وَمِنْ حَيْثُ تَحْصِيلُ الْوَلَدِ وَصِيَانَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ الزِّنَا حَقُّ الشَّرْعِ فَبِاعْتِبَارِ حَقِّهِ عِوَضٌ، وَبِاعْتِبَارِ حَقِّ الشَّرْعِ صِلَةٌ فَإِذَا تَرَدَّدَ بَيْنَهُمَا فَلَا يَسْتَحْكِمُ إلَّا بِحُكْمِ الْقَاضِي أَوْ بِاصْطِلَاحِهِمَا لِأَنَّ وِلَايَتَهُمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَوْقَ وِلَايَةِ الْقَاضِي عَلَيْهِمَا، وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّ نَفَقَةَ مَا دُونَ الشَّهْرِ لَا تَسْقُطُ، وَعَزَاهُ إلَى الذَّخِيرَةِ فَكَأَنَّهُ جَعَلَ الْقَلِيلَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ إذْ لَوْ سَقَطَتْ بِمُضِيِّ يَسِيرٍ مِنْ الْمُدَّةِ لَمَا تَمَكَّنَتْ مِنْ الْأَخْذِ أَصْلًا.

قَالَ رحمه الله (وَبِمَوْتِ أَحَدِهِمَا تَسْقُطُ الْمَقْضِيَّةُ) أَيْ بِمَوْتِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ تَسْقُطُ النَّفَقَةُ الْمَقْضِيُّ بِهَا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا صِلَةٌ، وَالصِّلَاتُ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ كَالْهِبَةِ وَالدِّيَةِ وَالْجِزْيَةِ وَضَمَانِ الْعِتْقِ، هَذَا إذَا لَمْ يَأْمُرْهَا بِالِاسْتِدَانَةِ، وَإِنْ أَمَرَهَا الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ لَمْ تَسْقُطْ بِالْمَوْتِ هُوَ الصَّحِيحُ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ هَذِهِ النَّفَقَةَ لَهَا شَبَهَانِ شَبَهٌ بِالصِّلَةِ وَشَبَهٌ بِالدُّيُونِ فَإِنْ أَمَرَهَا بِالِاسْتِدَانَةِ لَا تَسْقُطُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ، وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهَا بِهَا سَقَطَتْ كَسَائِرِ الصِّلَاتِ عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ، وَلِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةً عَامَّةً فَاسْتِدَانَتُهَا بِأَمْرِ الْقَاضِي كَاسْتِدَانَةِ الزَّوْجِ، وَمَا لَزِمَ بِاسْتِدَانَتِهِ لَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ فَكَذَا بِاسْتِدَانَتِهَا بِأَمْرِ الْقَاضِي، فَإِنْ قِيلَ أَنْتُمْ قُلْتُمْ فِيمَا تَقَدَّمَ اسْتَحْكَمَ هَذَا الدَّيْنُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ فَلَا يَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا تَسْقُطَ بِالْمَوْتِ أَيْضًا لِاسْتِحْكَامِهِ بِالْقَضَاءِ قُلْنَا إنَّ الْمَوْتَ يُبْطِلُ الْأَهْلِيَّةَ بِالْكُلِّيَّةِ حَتَّى لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْإِتْمَامُ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَانَ أَقْوَى فِي إبْطَالِ الصِّلَةِ فَيَحْتَاجُ فِيهِ لِلِاسْتِحْكَامِ إلَى زِيَادَةِ تَأْكِيدٍ، وَهُوَ الْأَمْرُ بِالِاسْتِدَانَةِ، وَفِي حَالِ الْحَيَاةِ لَمْ تَبْطُلُ الْأَهْلِيَّةُ فَيَسْتَحْكِمُ بِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ، وَهُوَ الْقَضَاءُ بِهَا، وَكَذَا لَا تَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ فِي الصَّحِيحِ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ رحمه الله (وَلَا تُرَدُّ الْمُعَجَّلَةُ) أَيْ لَا تُرَدُّ النَّفَقَةُ الْمُعَجَّلَةُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا بِأَنْ أَسْلَفَهَا نَفَقَةَ سَنَةٍ مَثَلًا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا لَا يُسْتَرَدُّ ذَلِكَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله يُحْتَسَبُ لَهَا بِنَفَقَةِ مَا مَضَى، وَمَا بَقِيَ يُسْتَرَدُّ مِنْهَا، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْكِسْوَةُ هُمَا يَقُولَانِ إنَّهَا أَخَذَتْ عِوَضًا عَمَّا تَسْتَحِقُّهُ عَلَيْهِ بِالِاحْتِبَاسِ فَتَبَيَّنَ أَنْ لَا اسْتِحْقَاقَ لَهَا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَبِاعْتِبَارِ حَقِّ الشَّرْعِ صِلَةٌ) قَالَ الرَّازِيّ، وَإِذَا كَانَ مِنْ الصِّلَاتِ لَا يَسْتَحْكِمُ الْوُجُوبُ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ بِالرِّضَا. اهـ. (قَوْلُهُ لَمَّا تَمَكَّنَتْ مِنْ الْأَخْذِ أَصْلًا) وَهَذَا حَقٌّ، وَقَدْ تَمَّ الْوَجْهُ. اهـ. فَتْحٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَبِمَوْتِ أَحَدِهِمَا تَسْقُطُ الْمَقْضِيَّةُ) قَالَ فِي النُّقَايَةِ وَتَسْقُطُ فِي مُدَّةٍ مَضَتْ إلَّا إذَا سَبَقَ فَرْضُ قَاضٍ أَوْ رَضِيَا بِشَيْءٍ فَتَجِبُ لِمَا مَضَى مَا دَامَا حَيَّيْنِ فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ قَبْضٍ سَقَطَتْ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي أَصْلِ الْوِقَايَةِ، وَقَالَ قَاضِي خَانْ رحمه الله فِي فَتَاوِيهِ، وَكَمَا تَسْقُطُ الْمَفْرُوضَةُ بِمَوْتِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ هَلْ تَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَسْقُطُ، وَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ وُجِدَتْ رِوَايَةٌ فِي السُّقُوطِ، وَذَكَرَ الْبَقَّالِيُّ أَنَّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ تَسْقُطُ، وَلَا رِوَايَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيهِ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ زَادَ الْخَصَّافُ لِسُقُوطِ النَّفَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ شَيْئًا آخَرَ فَقَالَ تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ وَمَوْتِهَا، وَتَسْقُطُ إذَا طَلَّقَهَا أَوْ أَبَانَهَا اهـ كَلَامُ قَاضِي خَانْ، وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ أَيْ إذَا أَمَرَهَا الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ اهـ

قَوْلُهُ قَالَ فِي الْفَتَاوَى، وَتَسْقُطُ أَيْ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ. اهـ. شُمُنِّيٌّ، وَقَوْلُهُ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ قَبْضٍ سَقَطَتْ أَيْ وَبَعْدَ فَرْضِ الْقَاضِي أَوْ التَّرَاضِي عَلَى شَيْءٍ. اهـ. شُمُنِّيٌّ وَقَوْلُهُ سَقَطَ الْمَفْرُوضُ إلَّا إذَا اسْتَدَانَتْ بِأَمْرِ قَاضٍ أَيْ فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ عَلَى الصَّحِيحِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إذَا أَمَرَهَا يَعْنِي الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَى الزَّوْجِ فَاسْتَدَانَتْ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا لَا يَبْطُلُ ذَلِكَ هَكَذَا ذَكَرَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ يَبْطُلُ أَيْضًا، وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ لِأَنَّ اسْتِدَانَتَهَا بِأَمْرِ الْقَاضِي، وَلِلْقَاضِي وِلَايَةٌ عَلَيْهِمَا فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ اسْتِدَانَتِهِ بِنَفْسِهِ، وَهِيَ لَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ، وَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي رِوَايَةٍ لَا تَسْقُطُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. شَرْحُ النُّقَايَةِ لِلشَّيْخِ قَاسِمٍ اهـ

(قَوْلُهُ بِمَوْتِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ تَسْقُطُ النَّفَقَةُ) قَالَ الرَّازِيّ بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَهَا الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ لِأَنَّ لَهَا زِيَادَةَ تَأْكِيدٍ بِأَمْرِ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ فَلَا تَسْقُطُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَأْمُرْهَا بِالِاسْتِدَانَةِ فَإِنَّهَا لَا تَتَأَكَّدُ تَأْكِيدَهَا فَتَسْقُطُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَسْقُطُ لِأَنَّهَا عِوَضٌ عِنْدَهُ، وَالْأَعْوَاضُ لَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا صِلَةٌ) الصِّلَةُ بَذْلُ مَالٍ شَرَعَهُ الشَّارِعُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا لِشَيْءٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ أَمَرَهَا الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ إلَخْ) فَاسْتَدَانَتْ ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ لَا يَبْطُلُ الرُّجُوعُ فِي هَذَا الدَّيْنِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ النَّفَقَاتِ، وَعَلَّلَ وَقَالَ لِأَنَّهَا لَمَّا اسْتَدَانَتْ بِأَمْرِ الْقَاضِي جُعِلَ كَأَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الَّذِي اسْتَدَانَ، وَلَوْ كَانَ هُوَ اسْتَدَانَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ مَاتَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّيْنُ كَذَا هَذَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَإِنْ قِيلَ أَنْتُمْ قُلْتُمْ فِيمَا تَقَدَّمَ اسْتَحْكَمَ هَذَا إلَخْ) وَجَعَلْتُمُوهُ مُؤَكِّدًا لِلِاسْتِحْقَاقِ كَالْقَبْضِ فِي الْهِبَةِ. اهـ. فَتْحٌ

(قَوْلُهُ لِاسْتِحْكَامِهِ بِالْقَضَاءِ) أَيْ كَالْهِبَةِ الْمَقْبُوضَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَيْ لَا تُرَدُّ النَّفَقَةُ الْمُعَجَّلَةُ إلَخْ) سَوَاءٌ كَانَتْ قَائِمَةً أَوْ مُسْتَهْلَكَةً اسْتِحْسَانًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَمَا بَقِيَ يُسْتَرَدُّ مِنْهَا)، وَكَذَا يُسْتَرَدُّ قِيمَةُ الْمُسْتَهْلَكِ وَلَا يُرَدُّ قِيمَةُ الْهَالِكِ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُسْتَرَدُّ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ سَوَاءٌ كَانَتْ قَائِمَةً أَوْ مُسْتَهْلَكَةً قِيَاسًا كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَغَيْرِهِ، وَلَكِنْ ذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ أَيْضًا فِي فَتَاوِيهِ، وَفِي عَامَّةِ نُسَخِ أَصْحَابِنَا مِثْلُ شَرْحِ الْكَافِي لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ، وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لِلْإِمَامِ الْإِسْبِيجَابِيِّ وَالْمُخْتَلِفِ وَالتُّحْفَةِ، وَخُلَاصَةِ الْفَتَاوَى ذُكِرَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ اهـ

ص: 56

عَلَيْهِ فَتَرُدُّهُ كَمَا إذَا ادَّعَى عَلَى شَخْصٍ دَيْنًا فَقَضَاهُ ثُمَّ تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَرُدُّ الْمَقْبُوضَ، وَكَمَا إذَا أَسْلَفَهَا نَفَقَةَ سَنَةٍ ثُمَّ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَكَرِزْقِ الْقَاضِي وَالْمُقَاتِلَةِ إذَا أُسْلِفَ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الْمُدَّةِ، وَلَنَا أَنَّهَا صِلَةٌ اتَّصَلَ بِهَا الْقَبْضُ، وَلَا رُجُوعَ فِي الصِّلَاتِ بَعْدَ الْمَوْتِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ التَّصَادُقِ فَإِنَّ الْمَقْبُوضَ هُنَاكَ مَضْمُونٌ عَلَى الْقَابِضِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَإِنْ هَلَكَ، وَهُنَا يَسْقُطُ الرُّجُوعُ بِالْهَلَاكِ إجْمَاعًا، وَبِخِلَافِ التَّعْجِيلِ قَبْلَ التَّزَوُّجِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ سَبَبِهِ، وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُ، وَهُنَا وَقَعَ صَحِيحًا لَازِمًا، وَرِزْقُ الْقَاضِي مَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ، وَلَئِنْ سُلِّمَ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ تَصَرُّفَ الْإِمَامِ فِي بَيْتِ الْمَالِ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ، وَالنَّظَرُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ وَيُعْطَى لِمَنْ يَجِيءُ بَعْدَهُ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ.

قَالَ رحمه الله (وَيُبَاعُ الْقِنُّ فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ) وَمَعْنَاهُ إذَا تَزَوَّجَهَا بِإِذْنِ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ لِوُجُودِ سَبَبِهِ، وَقَدْ ظَهَرَ وُجُوبُهُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ كَدَيْنِ التِّجَارَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يَصِحَّ فَلَمْ تَجِبْ النَّفَقَةُ فِيهِ، وَلَوْ دَخَلَ بِهَا لَا يُبَاعُ أَيْضًا فِي الْمَهْرِ لِأَنَّ وُجُوبَ الْمَهْرِ لَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ الْمَوْلَى لِكَوْنِهِ مَحْجُورًا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُطَالَبُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ، وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَفْدِيَهُ لِأَنَّ حَقَّهَا فِي النَّفَقَةِ لَا فِي عَيْنِ الرَّقَبَةِ فَلَوْ مَاتَ سَقَطَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الصِّلَاتِ تُمْلَكُ بِالْقَبْضِ، وَتَسْقُطُ بِالْمَوْتِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَكَذَا إذَا قُتِلَ تَسْقُطُ فِي الصَّحِيحِ، وَقِيلَ لَا تَسْقُطُ لِأَنَّهُ أَخْلَفَ الْقِيمَةَ فَيَنْتَقِلُ إلَيْهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ، وَإِنَّمَا تَسْقُطُ إنْ لَوْ فَاتَ الْمَحَلِّ لَا إلَى خُلْفٍ كَالْعَبْدِ الْجَانِي إذَا قُتِلَ بِالْجِنَايَةِ، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الدَّيْنَ إنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى الْقِيمَةِ إذَا كَانَ دِينًا لَا يَسْقُط بِالْمَوْتِ، وَهَذَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَكَيْفَ يَنْتَقِلُ إلَيْهَا، وَلَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ أُخْرَى بَعْدَمَا بِيعَ مَرَّةً بِيعَ ثَانِيًا، وَكَذَا ثَالِثًا إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى، وَلَيْسَ مِنْ الدُّيُونِ مَا يُبَاعُ فِيهِ مِرَارًا إلَّا دَيْنَ النَّفَقَةِ، وَغَيْرُهُ مِنْ الدُّيُونِ يُبَاعُ فِيهِ مَرَّةً فَإِنْ أَوْفَى الْغُرَمَاءَ، وَإِلَّا طُولِبَ بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ دَيْنَ النَّفَقَةِ يَتَجَدَّدُ فِي كُلِّ زَمَانٍ فَيَكُونُ دِينًا آخَرَ حَادِثًا بَعْد الْبَيْعِ، وَلَا كَذَلِكَ سَائِرُ الدُّيُونِ، وَلَوْ كَانَ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ وَلَدَ أُمِّ وَلَدٍ لَا يُبَاعُ بِالنَّفَقَةِ لِعَدَمِ جَوَازِ الْبَيْعِ إلَّا أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا عَجَزَ يُبَاعُ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ النَّقْلَ بَعْدَ الْعَجْزِ

قَالَ رحمه الله (وَنَفَقَةُ الْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ إنَّمَا تَجِبُ بِالتَّبْوِئَةِ) لِأَنَّ الِاحْتِبَاسَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِهَا، وَتَبْوِئَتُهَا أَنْ يُخَلَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا، وَلَا يَسْتَخْدِمَهَا لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ تَفْرِيغُهَا لِمَصَالِحِ الزَّوْجِ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالتَّبْوِئَةِ، وَإِنْ اسْتَخْدَمَهَا بَعْدَ التَّبْوِئَةِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا لِزَوَالِ الْمُوجِبِ فَإِنْ خَدَمَتْهُ أَحْيَانَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا لَا تَسْقُطُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ وَلَا رُجُوعَ فِي الصِّلَاتِ بَعْدَ الْمَوْتِ) لِانْتِهَاءِ حُكْمِهَا كَمَا إذَا مَاتَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بَعْدَ قَبْضِ الْهِبَةِ، وَكَمَا إذَا كَانَتْ هَالِكَةً مِنْ غَيْرِ اسْتِهْلَاكٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الرَّازِيّ قُلْنَا إنَّهَا صِلَةٌ اتَّصَلَ بِهَا الْقَبْضُ وَحَقُّ الِاسْتِرْدَادِ فِي الصِّلَاتِ يَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُنَا يَسْقُطُ بِالْهَلَاكِ إجْمَاعًا) أَيْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ

. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُبَاعُ الْقِنُّ فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ حُرَّةً فَنَفَقَتُهَا دَيْنٌ عَلَيْهِ يُبَاعُ فِيهَا مَعْنَاهُ إذَا تَزَوَّجَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا احْتَاجَ إلَى هَذَا التَّفْسِيرِ لِأَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَ بِدُونِ إذْنِ الْمَوْلَى فَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ وَلَا مَهْرَ، وَبِهِ صَرَّحَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ لِأَنَّ وُجُوبَ النَّفَقَةِ وَالْمَهْرِ بَعْدَ صِحَّةِ الْعَقْدِ، وَبِدُونِ إذْنِ الْمَوْلَى لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْحُرَّةِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ أَمَةً لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ قَبْلَ التَّبْوِئَةِ وَيَجِيءُ بَيَانُهَا. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ النَّفَقَةُ دَيْنًا عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّ النَّفَقَةَ مِنْ أَحْكَامِ الْعَقْدِ فَيَسْتَوِي فِيهَا الْحُرُّ وَالْمَمْلُوكُ كَالْمَهْرِ، وَإِنَّمَا يُبَاحُ فِي النَّفَقَةِ وَالْمَهْرِ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَمَّا كَانَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى ظَهَرَ وُجُوبُ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ فِي حَقِّهِ فَتَعَلَّقَ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ وَأَكْسَابِهِ كَمَا فِي دُيُونِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ الْمَوْلَى لِأَنَّ حَقَّ الْمَرْأَةِ فِي النَّفَقَةِ لَا فِي عَيْنِ الرَّقَبَةِ

فَإِذَا أَوْفَاهَا الْمَوْلَى نَفَقَتَهَا لَا يَبْقَى حَقُّهَا فِي النَّفَقَةِ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يُبَاعُ الْعَبْدُ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ إذَا تَزَوَّجَا بِإِذْنِ الْمَوْلَى حُرَّةً أَوْ أَمَةً بَعْدَ التَّبْوِئَةِ حَيْثُ تَجِبُ النَّفَقَةُ وَالْمَهْرُ عَلَيْهِمَا، وَلَكِنَّهُمَا لَا يُبَاعَانِ فِي الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ لِأَنَّهُمَا لَا يَحْتَمِلَانِ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ بَلْ يُؤْمَرَانِ بِالسِّعَايَةِ اهـ. قَالَ الرَّازِيّ فَإِنْ كَانَ مُدَبَّرًا تَتَعَلَّقُ النَّفَقَةُ بِكَسْبِهِ، وَكَذَا إنْ كَانَ مُكَاتَبًا مَا لَمْ يَعْجِزْ فَإِنْ عَجَزَ بِيعَ فِيهَا اهـ قَوْلُهُ تَتَعَلَّقُ النَّفَقَةُ بِكَسْبِهِ يَعْنِي لَا بِرَقَبَتِهِ لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ مَاتَ) أَيْ الْعَبْدُ الَّذِي تَزَوَّجَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَغَيْرُهُ مِنْ الدُّيُونِ يُبَاعُ فِيهِ مَرَّةً) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ إذَا بِيعَ فِي الْمَهْرِ مَرَّةً وَبَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ بِأَنْ لَمْ يَفِ الثَّمَنُ بِكُلِّ الْمَهْرِ لَا يُبَاعُ مَرَّةً أُخْرَى بَلْ يَتَأَخَّرُ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ النَّفَقَةِ وَالْمَهْرِ أَنَّ الْعَبْدَ إنَّمَا بِيعَ فِي جَمِيعِ الْمَهْرِ فَلَا يُبَاعُ فِيمَا بَقِيَ مِنْهُ مَرَّةً أُخْرَى بِخِلَافِ النَّفَقَةِ فَإِنَّهُ يُبَاعُ فِي النَّفَقَةِ الْمُجْتَمِعَةِ لَا فِي النَّفَقَاتِ الَّتِي لَمْ تَصِرْ وَاجِبَةً بَعْدُ

وَالنَّفَقَةُ تَجِبُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَإِذَا اجْتَمَعَتْ مَرَّةً أُخْرَى يُبَاعُ فِيهَا لِأَنَّ النَّفَقَةَ الَّتِي بِيعَ فِيهَا أَوَّلًا غَيْرُ هَذِهِ النَّفَقَةِ الَّتِي وَجَبَتْ ثَانِيَةً قَالَ فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ وَشَرْحِ الْكَافِي لِلسَّرَخْسِيِّ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالشَّامِلِ إذَا كَانَ لِلْعَبْدِ أَوْ الْمُدَبَّرِ وَلَدٌ مِنْ امْرَأَتِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْوَلَدِ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً فَالْوَلَدُ مِلْكٌ لِمَوْلَاهَا وَنَفَقَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ دُونَ الْأَبِ، وَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً فَوَلَدُهَا يَكُونُ حُرًّا، وَلَا تَجِبُ نَفَقَةُ حُرٍّ عَلَى مَمْلُوكٍ، وَلَا عَلَى مَوْلَاهُ لِأَنَّ وَلَدَهُ أَجْنَبِيٌّ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ وَلَدِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ امْرَأَتُهُ حُرَّةً أَوْ أَمَةً لِهَذَا الْمَعْنَى، وَإِذَا كَانَتْ امْرَأَةُ الْمُكَاتَبِ مُكَاتَبَةً، وَهُمَا لِمَوْلًى وَاحِدٍ فَنَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَى الْأُمِّ لِأَنَّ الْوَلَدَ تَابِعٌ لِلْأُمِّ فِي كِتَابَتِهَا، وَلِهَذَا كَانَ كَسْبُ الْوَلَدِ لَهَا، وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ لَهَا وَمِيرَاثُهُ لَهَا، وَكَذَلِكَ النَّفَقَةُ تَكُونُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَطِئَ الْمُكَاتَبُ أَمَتَهُ فَوَلَدَتْ حَيْثُ تَكُونُ نَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَى الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي كِتَابَتِهِ، وَلِهَذَا يَكُونُ كَسْبُهُ لَهُ، وَكَذَا أَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ لَهُ، وَلِأَنَّهُ جُزْؤُهُ فَإِذَا تَبِعَهُ فِي الْعَقْدِ كَانَ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ كَنَفَقَةِ نَفْسِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ وَتَبْوِئَتُهَا) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَبَوَّأْته دَارًا أَسْكَنْته إيَّاهَا وَبَوَّأْت لَهُ كَذَلِكَ اهـ (قَوْلُهُ وَلَا يَسْتَخْدِمَهَا) بِالنَّصْبِ عَطْفًا

ص: 57

النَّفَقَةُ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَخْدِمْهَا فَلَا يَكُونُ اسْتِرْدَادًا، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ زَوْجُهَا حُرًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُوجِبَ هُوَ التَّبْوِئَةُ فَلَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْوَاجِ، وَلَا يُقَالُ إنْ خِدْمَةَ الْمَوْلَى مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَقِّ الزَّوْجِ شَرْعًا حَتَّى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّبْوِئَةُ فَيَكُونَ حَبْسُهَا نَفْسَهَا بِحَقٍّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهَا النَّفَقَةُ كَالْحُرَّةِ إذَا امْتَنَعَتْ مِنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا حَتَّى يُوَفِّيَهَا مَهْرَهَا لِأَنَّا نَقُولُ الْحُرَّةُ إذَا مَنَعَتْ نَفْسَهَا حَتَّى يُوَفِّيَهَا مَهْرَهَا كَانَ التَّفْوِيتُ مِنْ جِهَتِهِ فَلَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ بِخِلَافِ الْأَمَةِ فَإِنَّ التَّفْوِيتَ فِيهَا مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى فَلَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ، وَكَوْنُهُ مُقَدَّمًا شَرْعًا لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي عَدَمِ سُقُوطِ النَّفَقَةِ كَمَا إذَا حَجَّتْ مَعَ مَحْرَمٍ، وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةُ كَالْقِنَّةِ حَتَّى لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُنَّ إلَّا بِالتَّبْوِئَةِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبَةِ إذَا تَزَوَّجَتْ بِإِذْنِ الْمَوْلَى حَيْثُ تَجِبُ نَفَقَتُهَا قَبْلَ التَّبْوِئَةِ كَالْحُرَّةِ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَيْسَ لَهُ اسْتِخْدَامُهَا لِصَيْرُورَتِهَا أَحَقَّ بِنَفْسِهَا وَمَنَافِعِهَا فَتَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِ نَفْسِهَا شَرْعًا كَالْحُرَّةِ فَتَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ كَالْحُرَّةِ، وَلَوْ بَوَّأَ الْأَمَةَ بَعْدَ الطَّلَاقِ، وَلَمْ يَكُنْ بَوَّأَهَا قَبْلَهُ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا خِلَافًا لِزُفَرَ رحمه الله لِأَنَّهَا صَارَتْ مَحْبُوسَةً بِحَقِّهِ فَتَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ قُلْنَا لَمْ تَكُنْ مُسْتَحَقَّةَ عِنْدَ الطَّلَاقِ فَلَا تُسْتَحَقُّ بَعْدَهُ، وَإِنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ فَنَفَقَتُهَا عَلَى الْمَوْلَى بَوَّأَهَا مَنْزِلًا أَوْ لَمْ يُبَوِّئْهَا لِأَنَّ نَفَقَةَ الْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ.

قَالَ رحمه الله (وَالسُّكْنَى فِي بَيْتٍ خَالٍ عَنْ أَهْلِهِ وَأَهْلِهَا) أَيْ تَجِبُ لَهَا السُّكْنَى فِي بَيْتٍ لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ، وَلَا مِنْ أَهْلِهَا إلَّا أَنْ يَخْتَارَا ذَلِكَ لِأَنَّ السُّكْنَى حَقُّهَا إذْ هِيَ مِنْ كِفَايَتِهَا فَتَجِبُ لَهَا كَالنَّفَقَةِ، وَقَدْ أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى مَقْرُونًا بِالنَّفَقَةِ بِقَوْلِهِ {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] أَيْ وَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ مِنْ وُجْدِكُمْ، وَهَكَذَا قَرَأَهَا ابْنُ مَسْعُودٍ، وَإِذَا كَانَ حَقًّا لَهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُشْرِكَ غَيْرَهَا فِيهَا كَالنَّفَقَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ السُّكْنَى مَعَ النَّاسِ يَتَضَرَّرَانِ بِهَا فَإِنَّهُمَا لَا يَأْمَنَانِ عَلَى مَتَاعِهِمَا، وَيَمْنَعُهُمَا مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ وَالْمُعَاشَرَةِ إلَّا أَنْ يَخْتَارَا ذَلِكَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا فَلَهُمَا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَيْهِ، وَلَوْ أَسْكَنَ أَمَتَهُ مَعَهَا لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِخْدَامِ فَلَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا، وَلَوْ أَخْلَى لَهَا بَيْتًا مِنْ دَارٍ، وَجَعَلَ لَهُ مَرَافِقَ، وَغَلْقًا عَلَى حِدَةٍ كَفَاهَا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ فَإِنْ اشْتَكَتْ مِنْ الزَّوْجِ الْإِيذَاءَ بِسُوءِ الْعِشْرَةِ فَإِنْ عَلِمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ أَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، وَمَنَعَهُ، وَفِي الْغَايَةِ عَلَيْهِ أَنْ يُسْكِنَهَا عِنْدَ جِيرَانٍ صَالِحِينَ قَالَ رحمه الله (وَلَهُمْ النَّظَرُ، وَالْكَلَامُ مَعَهَا) أَيْ لِأَهْلِهَا أَنْ يَنْظُرُوا إلَيْهَا، وَيَتَكَلَّمُوا مَعَهَا أَيَّ وَقْتٍ شَاءُوا، وَلَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ، وَقِيلَ لَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ الدُّخُولِ وَالْكَلَامِ مَعَهَا، وَإِنَّمَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ الْقَرَارِ لِأَنَّ الْفِتْنَةَ فِي اللَّبَاثِ وَتَطْوِيلِ الْكَلَامِ، وَقِيلَ لَا يَمْنَعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْوَالِدَيْنِ، وَلَا يَمْنَعُهُمَا مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ، وَفِي

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

عَلَى قَوْلِهِ أَنْ يُخَلَّى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالسُّكْنَى فِي بَيْتٍ خَالٍ عَنْ أَهْلِهِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ مِنْ غَيْرِهَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسْكِنَهُ مَعَهَا. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَخْتَارَا) بِأَلِفِ التَّثْنِيَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ {فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: 6] {مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] أَيْ مِنْ غِنَاكُمْ اهـ (قَوْلُهُ فَلَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا) غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَطَؤُهَا بِحَضْرَتِهَا كَمَا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ زَوْجَتِهِ بِحَضْرَتِهَا وَلَا بِحَضْرَةِ الضَّرَّةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَخْلَى لَهَا بَيْتًا مِنْ دَارٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَلَوْ أَسْكَنَهَا فِي بَيْتٍ مِنْ الدَّارِ مُفْرَدَةً، وَلَهُ غَلْقٌ كَفَاهَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَدْ حَصَلَ قَالَ الْكَمَالُ اقْتَصَرَ عَلَى الْغَلْقِ فَأَفَادَ أَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ الْخَلَاءُ مُشْتَرَكًا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ لَهُ غَلْقٌ يَخُصُّهُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِمَسْكَنٍ آخَرَ، وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ لِأَنَّ الضَّرَرَ بِالْخَوْفِ عَلَى الْمَتَاعِ وَعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ قَدْ زَالَ، وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ كَوْنَ الْخَلَاءِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَيْرِ الْأَجَانِبِ، وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ، وَلَوْ كَانَتْ فِي الدَّارِ بُيُوتٌ وَأَبَتْ تَسْكُنُ مَعَ ضَرَّتِهَا أَوْ مَعَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِهِ إنْ أَخْلَى لَهَا بَيْتًا، وَجَعَلَ لَهَا مَرَافِقَ، وَغَلْقًا عَلَى حِدَةٍ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَطْلُبَ بَيْتًا، وَلَوْ شَكَّتْ أَنَّهُ يَضْرِبُهَا أَوْ يُؤْذِيَهَا إنْ عَلِمَ الْقَاضِي ذَلِكَ زَجَرَهُ

وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ سَأَلَ مِنْ جِيرَانِهِ فَإِنْ لَمْ يُوثَقْ بِهِمْ أَوْ كَانُوا يَمِيلُونَ إلَيْهِ أَسْكَنَهَا بَيْنَ قَوْمٍ أَخْيَارٍ يَعْتَمِدُ الْقَاضِي عَلَى خَبَرِهِمْ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي اللَّبَاثِ) بِفَتْحِ اللَّامِ اهـ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يَمْنَعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْوَالِدَيْنِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ، وَلَوْ كَانَ أَبُوهَا زَمِنًا مَثَلًا، وَهُوَ يَحْتَاجُ إلَى خِدْمَتِهَا، وَالزَّوْجُ يَمْنَعُهَا مِنْ تَعَاهُدِهِ فَعَلَيْهَا أَنْ تَعْصِيَهُ مُسْلِمًا كَانَ الْأَبُ أَوْ كَافِرًا، وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ فَإِنْ كَانَتْ قَابِلَةً أَوْ غَسَّالَةً أَوْ كَانَ لَهَا حَقٌّ عَلَى آخَرَ أَوْ لِآخَرَ عَلَيْهَا حَقٌّ تَخْرُجُ بِالْإِذْنِ وَبِغَيْرِ الْإِذْنِ، وَالْحَجُّ عَلَى هَذَا، وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ رِضَا الزَّوْجِ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ فَإِنْ وَقَعَتْ لَهَا نَازِلَةٌ إنْ سَأَلَ الزَّوْجُ مِنْ الْعَالِمِ، وَأَخْبَرَهَا بِذَلِكَ لَا يَسَعُهَا الْخُرُوجُ، وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ السُّؤَالِ يَسَعُهَا أَنْ تَخْرُجَ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَإِنْ لَمْ تَقَعْ لَهَا نَازِلَةٌ لَكِنْ أَرَادَتْ أَنْ تَخْرُجَ لِتَتَعَلَّمَ مَسَائِلَ مِنْ مَسَائِلِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ إنْ كَانَ الزَّوْجُ يَحْفَظُ الْمَسَائِلَ، وَيَذْكُرُ مَعَهَا لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا

وَإِنْ كَانَ لَا يَحْفَظُ الْأَوْلَى أَنْ يَأْذَنَ لَهَا أَحْيَانَا، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَا يَسَعُهَا الْخُرُوجُ مَا لَمْ تَقَعْ لَهَا نَازِلَةٌ، وَفِي الْفَتَاوَى فِي بَابِ الْغُزَاةِ الْمَرْأَةُ قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَ مَهْرَهَا لَهَا أَنْ تَخْرُجَ فِي حَوَائِجِهَا وَتَزُورَ الْأَقَارِبَ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ فَإِنْ أَعْطَاهَا الْمَهْرَ لَيْسَ لَهَا الْخُرُوجُ إلَّا بِإِذْنِ الزَّوْجِ، وَلَا تُسَافِرُ مَعَ عَبْدِهَا خَصِيًّا كَانَ أَوْ فَحْلًا، وَكَذَا أَبُوهَا الْمَجُوسِيُّ، وَالْمَحْرَمُ غَيْرُ الْمُرَاهِقِ بِخِلَافِ الْمُرَاهِقِ وَحَدُّهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ أَوْ اثْنَا عَشَرَ، وَلَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ مَحْرَمًا لِامْرَأَةٍ، وَحَيْثُ أَبَحْنَا لَهَا الْخُرُوجُ فَإِنَّمَا يُبَاحُ بِشَرْطِ عَدَمِ الزِّينَةِ وَتَغْيِيرِ الْهَيْئَةِ إلَى مَا لَا يَكُونُ دَاعِيَةً لِنَظَرِ الرِّجَالِ وَالِاسْتِمَالَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب: 33] وَقَوْلُ الْفَقِيهِ وَتُمْنَعُ مِنْ الْحَمَّامِ خَالَفَهُ فِيهِ قَاضِي خَانْ فَقَالَ فِي فَصْلِ الْحَمَّامِ مِنْ فَتَاوَاهُ دُخُولُ الْحَمَّامِ مَشْرُوعٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ بَعْضُ النَّاسِ وَرُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْحَمَّامَ وَتَنَوَّرَ» وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ دَخَلَ حَمَّامَ حِمْصَ لَكِنْ إنَّمَا يُبَاحُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إنْسَانٌ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ اهـ

وَعَلَى ذَلِكَ فَلَا خِلَافَ فِي مَنْعِهِنَّ مِنْ دُخُولِهِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ كَثِيرًا مِنْهُنَّ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ اهـ.

ص: 58

غَيْرِهِمَا مِنْ الْمَحَارِمِ فِي كُلِّ عَامٍ هُوَ الصَّحِيحُ، وَقَدَّرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ الرَّازِيّ بِشَهْرٍ فِي الْمَحَارِمِ.

قَالَ رحمه الله (وَفُرِضَ لِزَوْجَةِ الْغَائِبِ وَطِفْلِهِ وَأَبَوَيْهِ فِي مَالٍ لَهُ عِنْدَ مَنْ يُقِرُّ بِهِ وَبِالزَّوْجِيَّةِ، وَيُؤْخَذُ كَفِيلٌ مِنْهَا) أَيْ تُفْرَضُ النَّفَقَةُ فِي مَالِ الْغَائِبِ بِشَرْطِ أَنْ يُقِرَّ مَنْ عِنْدَهُ الْمَالُ بِالْمَالِ وَالزَّوْجِيَّةِ، وَكَذَا يُشْتَرَطُ إقْرَارُ مَنْ عِنْدَهُ الْمَالُ بِالنَّسَبِ، وَكَذَا إذَا عَلِمَ الْقَاضِي ذَلِكَ، وَلَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ، وَقَالَ زُفَرُ لَا يَدْفَعُ إلَيْهَا مِنْ الْوَدِيعَةِ، وَتُؤْمَرُ بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُودَعَ مَأْمُورٌ بِالْحِفْظِ دُونَ الدَّفْعِ، وَلَنَا أَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ إذَا كَانَ مُقِرًّا بِالْمَالِ وَالزَّوْجِيَّةِ وَالنَّسَبِ فَقَدْ أَقَرَّ لَهُمْ بِحَقِّ الْأَخْذِ لِأَنَّهُمْ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَإِقْرَارُ صَاحِبِ الْيَدِ مَقْبُولٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا سِيَّمَا هُنَا، فَإِنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ لَا يَقْبَلُ بَيِّنَتَهُمْ فِيهِ لِأَنَّ الْمُودَعَ لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْهُ فِي إثْبَاتِ الزَّوْجِيَّةِ وَالنَّسَبِ، وَلَا هُمْ خَصْمٌ عَنْهُ فِي إثْبَاتِ الْمَالِ فَإِذَا قُبِلَ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى يُؤْخَذُ مِنْهُ تَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ، وَهُوَ الْغَائِبُ ضَرُورَةً، وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَالُ فِي يَدِ مُضَارِبِهِ أَوْ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ وَأَقَرَّ بِالْمَالِ وَالزَّوْجِيَّةِ وَالنَّسَبِ أَوْ عَلِمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ

وَإِنْ عَلِمَ أَحَدَهُمَا إمَّا النَّسَبَ وَالزَّوْجِيَّةَ أَوْ الْمَالَ يَحْتَاجُ إلَى الْإِقْرَارِ بِمَا لَيْسَ بِمَعْلُومٍ عِنْدَهُ هُوَ الصَّحِيحُ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْمَالُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِمْ أَيْ مِنْ النُّقُودِ أَوْ الطَّعَامِ أَوْ الْكِسْوَةِ أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ خِلَافِهِ فَلَا تُفْرَضُ النَّفَقَةُ فِيهِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ أَوْ إلَى الْبَيْعِ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ عَلَى الْغَائِبِ، وَالتِّبْرُ بِمَنْزِلَةِ الدَّرَاهِمِ فِي هَذَا الْحُكْمِ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ قِيمَةً لِلْمَضْرُوبِ، وَإِنْ أُخِذَ مِنْ الْمَرْأَةِ كَفِيلٌ فَحَسَنٌ احْتِيَاطًا لِجَوَازِ أَنَّهُ قَدْ كَانَ عَجَّلَ لَهَا النَّفَقَةَ أَوْ كَانَتْ نَاشِزَةً أَوْ مُطَلَّقَةً قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَكَانَ النَّظَرُ لَهُ التَّكْفِيلَ بِخِلَافِ مَا إذَا قُسِّمَتْ التَّرِكَةُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ بِالْبَيِّنَةِ حَيْثُ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ كَفِيلٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَارِثٌ آخَرُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَكْفُولَ لَهُ فِي النَّفَقَةِ مَعْلُومٌ، وَهُوَ الزَّوْجُ، وَفِي الْمِيرَاثِ مَجْهُولٌ، وَتَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَعَ التَّكْفِيلِ احْتِيَاطًا لِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْطِي الْكَفِيلَ وَلَا يَحْلِفُ

وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْلِفُ وَلَا يُعْطِي الْكَفِيلَ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا احْتِيَاطًا نَظَرًا لِلْغَائِبِ، وَلَا يُقْضَى بِنَفَقَةٍ فِي مَالِ الْغَائِبِ إلَّا لِهَؤُلَاءِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ فَنَفَقَةُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَفُرِضَ) أَيْ الْإِنْفَاقُ اهـ ع قَالَ الرَّازِيّ يَعْنِي إذَا غَابَ شَخْصٌ وَلَهُ مَالٌ عِنْدَ رَجُلٍ وَدِيعَةً أَوْ مُضَارَبَةً وَهُوَ مُقِرٌّ بِهِ وَلِلْغَائِبِ زَوْجَةٌ يُقِرُّ الْمُودَعُ بِزَوْجِيَّتِهَا فَرَضَ الْقَاضِي نَفَقَتَهَا مِنْ ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَبَوَيْهِ) أَيْ وَكَذَا يُفْرَضُ نَفَقَةُ أَوْلَادِهِ الْكِبَارِ الزَّمْنَى وَالْإِنَاثِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَيُؤْخَذُ كَفِيلٌ مِنْهَا) أَيْ بِالنَّفَقَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا يُشْتَرَطُ إقْرَارُ مَنْ عِنْدَهُ الْمَالُ بِالنَّسَبِ) وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَزِيدَهُ فَيَقُولَ عِنْدَ مَنْ يَعْتَرِفُ بِهِ وَبِالزَّوْجِيَّةِ وَبِالنَّسَبِ. اهـ. فَتْحٌ بِالْمَعْنَى (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا عَلِمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ) أَيْ بِالزَّوْجِيَّةِ وَبِأَنَّ الْمَالَ لِلْغَائِبِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ) أَيْ بِكَوْنِهَا زَوْجَتَهُ. اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْ صَاحِبُ الْيَدِ اهـ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْغَائِبُ ضَرُورَةً) أَيْ لِكَوْنِ مَا أَقَرَّ بِهِ مِلْكَهُ اهـ

(قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَالُ فِي يَدِ مُضَارِبِهِ) أَيْ مُضَارِبِ الْغَائِبِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ خِلَافِهِ) كَالدَّارِ وَالْعَبْدِ وَالْعُرُوضِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَلَا تُفْرَضُ النَّفَقَةُ فِيهِ) وَيُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْ غَلَّةِ الدَّارِ وَالْعَبْدِ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ حَقِّهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَتَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَعَ التَّكْفِيلِ إلَخْ) قَالَ الرَّازِيّ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُحَلِّفَهَا أَنَّهَا مَا أَخَذَتْ النَّفَقَةَ نَظَرًا لِلْغَائِبِ اهـ (قَوْلُهُ وَلَا يُقْضَى بِنَفَقَةٍ فِي مَالِ الْغَائِبِ إلَّا لِهَؤُلَاءِ) أَيْ لِهَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ مِنْ الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ الصِّغَارِ وَالْوَالِدَيْنِ وَالْأَوْلَادِ الْكِبَارِ الزَّمْنَى وَالْإِنَاثِ يَعْنِي يُقْضَى لِهَؤُلَاءِ بِالنَّفَقَةِ فِي مَالِ الْغَائِبِ، وَلَا يُقْضَى لِغَيْرِهِمْ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ وَسَائِرِ ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ تَجِبُ قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَإِنَّمَا الْقَضَاءُ الْإِيفَاءُ وَالْإِعَانَةُ بِخِلَافِ نَفَقَةِ غَيْرِهِمْ فَإِنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا بِالْقَضَاءِ لِكَوْنِهَا مُجْتَهِدًا فِيهَا لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ لَا يَقُولُ بِوُجُوبِ النَّفَقَةِ فِي غَيْرِ الْأَوْلَادِ فَلَمَّا كَانَ وُجُوبُهَا بِالْقَضَاءِ

وَالْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا فَلَا يُقْضَى لَهُمْ بِالنَّفَقَةِ فِي مَالِ الْغَائِبِ، تَحْقِيقُ ذَلِكَ أَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ جَارِيَةٌ مَجْرَى الدُّيُونِ، وَلِهَذَا تَجِبُ مَعَ الْإِعْسَارِ، وَكَذَلِكَ نَفَقَةُ الْأَوْلَادِ لِهَذَا الْمَعْنَى فَلَمْ يَتَوَقَّفْ وُجُوبُهَا إلَى الْقَضَاءِ، وَأَمَّا الْأَبَوَانِ فَقَدْ جُعِلَ مَالُ الْوَلَدِ الْغَائِبِ فِي حُكْمِ مَالِهِمَا أَمَّا فِي الْوَلَدِ فَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» فَكَانَ قَضَاءُ الْقَاضِي بِالنَّفَقَةِ إعَانَةً، وَأَمَّا فِي الْوَالِدَةِ فَلِأَنَّهَا مِثْلُ الْوَالِدِ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ عِنْدَ الْجَمِيعِ، وَقَدْ قَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «أَنْتَ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجِي» فَإِذَا كَانَتْ أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْوَالِدِ، وَلِلْوَالِدِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِهِ مِنْ النَّفَقَةِ مِقْدَارَ كِفَايَتِهِ أَوْ يَفْرِضَ لَهُ الْقَاضِي كَانَتْ الْأُمُّ أَوْلَى، وَأَمَّا الْأَوْلَادُ الْكِبَارُ الزَّمْنَى وَالْإِنَاثُ فَلِعَجْزِهِمْ صَارُوا فِي مَعْنَى الصِّغَارِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ مَنْ سِوَاهُمْ فَإِنَّهَا لَا تَجْرِي مَجْرَى الدُّيُونِ بَلْ هِيَ صِلَةٌ يَتَأَكَّدُ حُكْمُهَا بِالْقَضَاءِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عَلَى الْغَائِبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ رحمه الله، وَقَالَ الْكَمَالُ رحمه الله عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ أَمَّا غَيْرُهُمْ مِنْ الْمَحَارِمِ فَنَفَقَتُهُمْ إنَّمَا تَجِبُ بِالْقَضَاءِ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ اهـ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْوُجُوبَ ثَابِتٌ بِدَلِيلِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ حَتَّى كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِمْ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ دِيَانَةً

وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُجْتَهِدًا فِيهِ فَقَدْ يَمْتَنِعُ تَمَسُّكًا بِقَوْلِ مَنْ يَرَى أَنْ لَا تَجِبَ النَّفَقَةُ فَلَا يُعَيَّنُ عَلَيْهِ قَوْلُ الْوُجُوبِ إلَّا الْقَضَاءُ بِهِ فَيَنْتَفِي تَأْوِيلُهُ، وَيَتَقَرَّرُ فِي ذِمَّتِهِ، وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ إذَا امْتَنَعَ، وَفِي الْكَافِي لَوْ أَنْفَقَ الْمَدْيُونُ أَوْ الْمُودَعُ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي ضَمِنَ الْمُودَعُ، وَلَا يَبْرَأُ الْمَدْيُونُ، وَلَكِنْ لَا يَرْجِعُ عَلَى مَنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ، وَلَوْ اجْتَمَعَ الدَّيْنُ الْوَدِيعَةُ فَالْقَاضِي يَأْمُرُ بِالْإِنْفَاقِ مِنْ الْوَدِيعَةِ لِأَنَّهُ أَنْظَرُ لِلْغَائِبِ فَإِنَّ الدَّيْنَ مَحْفُوظٌ لَا يَحْتَمِلُ الْهَلَاكَ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ اهـ، وَكُتِبَ عَلَى قَوْلِهِ إلَّا لِهَؤُلَاءِ مَا نَصُّهُ، وَهُمْ الزَّوْجَةُ وَالْوَالِدَانِ وَالْوَلَدُ الصَّغِيرُ، وَيُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ الْأَوْلَادُ الْكِبَارُ الْإِنَاثُ وَالذُّكُورُ الْكِبَارُ الزَّمْنَى وَنَحْوُهُمْ لِأَنَّهُمْ كَالصِّغَارِ لِلْعَجْزِ عَنْ الْكَسْبِ. اهـ. فَتْحٌ

(قَوْلُهُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ) وَإِيفَاءُ حَقٍّ وَجَبَ عَلَى الْغَائِبِ مِنْ مَالِهِ جَائِزٌ وَالْقَضَاءُ بِنَفَقَةِ هَؤُلَاءِ إيفَاءٌ لِمَا وَجَبَ عَلَى الْغَائِبِ، وَلَيْسَ بِقَضَاءٍ لِأَنَّ الْقَضَاءَ إيجَابٌ مَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَقَدْ

ص: 59

هَؤُلَاءِ وَاجِبَةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَلِهَذَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوهَا قَبْلَ الْقَضَاءِ بِدُونِ رِضَاهُ فَيَكُونُ الْقَضَاءُ فِي حَقِّهِمْ إعَانَةً وَفَتْوَى مِنْ الْقَاضِي بِخِلَافِ غَيْرِ الْوِلَادِ مِنْ الْأَقَارِبِ لِأَنَّ نَفَقَتَهُمْ غَيْرُ وَاجِبَةٍ قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَلِهَذَا لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ مَالِهِ شَيْئًا قَبْلَ الْقَضَاءِ إذَا ظَفِرُوا بِهِ فَكَانَ الْقَضَاءُ فِي حَقِّهِمْ ابْتِدَاءَ إيجَابٍ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى الْغَائِبِ، وَلَوْ لَمْ يُقِرَّ الَّذِي فِي يَدِهِ الْمَالُ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي فَأَرَادَتْ الْمَرْأَةُ إثْبَاتَ الْمَالِ أَوْ الزَّوْجِيَّةِ أَوْ مَجْمُوعِهِمَا بِالْبَيِّنَةِ لِيُقْضَى لَهَا فِي مَالِ الْغَائِبِ أَوْ لِتُؤْمَرَ بِالِاسْتِدَانَةِ لَا يُقْضَى لَهَا بِذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ

وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله تُسْمَعُ بَيِّنَتُهَا، وَلَا يُقْضَى بِالنِّكَاحِ، وَتُعْطَى النَّفَقَةَ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ تُؤْمَرُ بِالِاسْتِدَانَةِ لِأَنَّ قَبُولَ الْبَيِّنَةِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ نَظَرًا لَهَا، وَلَيْسَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْغَائِبِ لِأَنَّهُ لَوْ حَضَرَ، وَصَدَّقَهَا أَوْ أَثْبَتَتْ ذَلِكَ بِطَرِيقَةٍ كَانَتْ آخِذَةً لِحَقِّهَا، وَإِلَّا فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى الْكَفِيلِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَوَّلًا ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ، وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ أَوَّلًا يُقْضَى بِبَيِّنَتِهَا، وَيَثْبُتُ بِهِ النِّكَاحُ أَيْضًا ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذُكِرَ هُنَا

قَالَ رحمه الله (وَلِمُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ) أَيْ تَجِبُ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى لِمُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْبَائِنِ وَالرَّجْعِيِّ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله لَا نَفَقَةَ لِلْمُبَانَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا لِمَا رُوِيَ «أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ قَالَتْ طَلَّقَنِي زَوْجِي ثَلَاثًا، وَلَمْ يَجْعَلْ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُكْنَى وَلَا نَفَقَةً» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ، وَعَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ عَنْ «النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا قَالَ لَيْسَ لَهَا نَفَقَةٌ وَلَا سُكْنَى» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ، وَفِيمَا رَوَاهُ عَنْهَا مُسْلِمٌ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ «لَا نَفَقَةَ لَهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا» الْحَدِيثَ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] وَلِأَنَّهَا بِإِزَاءِ التَّمْكِينِ، وَلَا تَمْكِينَ هُنَا لِعَدَمِ الْحِلِّ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَتْ حَامِلًا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْحَمْلِ لِكَوْنِهِ وَلَدَهُ، وَلَنَا قَوْلُ عُمَرَ رضي الله عنه لَا نَدْعُ كِتَابَ رَبِّنَا وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا عليه الصلاة والسلام لِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي لَعَلَّهَا حَفِظَتْ أَوْ نَسِيَتْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِيمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ زِيَادَةُ قَوْلِهِ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى» ، وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ كِتَابُ رَبِّنَا قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ مِنْ الْآيَاتِ

وَوَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهِ أَنَّهُ تَعَالَى نَهَى عَنْ إخْرَاجِهِنَّ وَخُرُوجِهِنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ} [الطلاق: 1] وَأَوْجَبَ النَّفَقَةَ وَالسُّكْنَى عَلَى الْأَزْوَاجِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] وَفِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ مِنْ وُجْدِكُمْ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الرَّجْعِيِّ وَالْبَائِنِ، وَهَذَا لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ جَزَاءَ الِاحْتِبَاسِ بِحَقِّهِ صِيَانَةً لِمَائِهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِيهِمَا، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَهَى عَنْ مُضَارَّتِهِنَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: 6] فَلَوْ لَمْ تَكُنْ لَهَا النَّفَقَةُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَتَضَرَّرَتْ فَأَيُّ ضَرَرٍ وَأَيُّ تَضْيِيقٍ أَشَدُّ مِنْ مَنْعِ النَّفَقَةِ مَعَ الْحَبْسِ بِحَقِّهِ، وَأَيُّ جَرِيمَةٍ أَوْجَبَتْ ذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ لَا نُسَلِّمُ عُمُومَ الْآيَةِ بَلْ الْمُرَادُ بِهَا الْمُطَلَّقَةُ رَجْعِيًّا بِدَلِيلٍ قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] إذْ لَا خِيَارَ لَهُ فِي الْبَائِنِ قُلْنَا صَدْرُ الْآيَةِ عَامٌّ فَلَا يَبْطُلُ بِذِكْرِ حُكْمٍ يَخُصُّ بَعْضَ مَا تَنَاوَلَهُ الصَّدْرُ فِي آخِرِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] يَتَنَاوَلُ الْبَائِنَ وَالرَّجْعِيَّ ثُمَّ لَا يُبْطِلُ عُمُومَهُ بِقَوْلِهِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ

وَتَخْصِيصُ الْحَامِلِ بِالذِّكْرِ لَا يَنْفِي الْحُكْمَ عَمَّنْ عَدَاهَا إذْ لَوْ نُفِيَ لَنُفِيَ عَنْ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّ أَيْضًا إذَا كَانَتْ حَائِلًا، وَإِنَّمَا خُصَّتْ الْحَامِلُ بِالذِّكْرِ لِشِدَّةِ الْعِنَايَةِ بِهَا لِمَا يَلْحَقُهَا مِنْ الْمَشَاقِّ بِالْحَمْلِ وَطُولِ مُدَّتِهِ أَوْ لِإِزَالَةِ الْوَهْمِ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ سُقُوطُهَا لِطُولِ الْمُدَّةِ، وَحَدِيثُ فَاطِمَةَ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

اسْتَشْكَلَهُ السُّرُوجِيُّ، وَقَالَ: الْقَاضِي لَيْسَ بِمُشَرِّعٍ، وَمَا ذَاكَ إلَّا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَنَقَلَهُ الطَّرَسُوسِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى الْكَفِيلِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَعَمَلُ الْقُضَاةِ الْيَوْمَ عَلَى هَذَا أَنَّهُ يُقْضَى بِالنَّفَقَةِ عَلَى الْغَائِبِ لِحَاجَةِ النَّاسِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ، وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَالتَّتِمَّةِ وَالْقُضَاةُ إنَّمَا يَقْبَلُونَ الْبَيِّنَةَ الْيَوْمَ عَلَى النِّكَاحِ لِلْفَرْضِ، وَيَفْرِضُونَ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ إمَّا لِأَنَّ فِيهِ خِلَافَ زُفَرَ أَوْ لِأَنَّ فِيهِ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ مُطْلَقًا أَوْ عَلَى قَوْلِهِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ ثُمَّ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَفْرِضُ لَا تَحْتَاجُ الْمَرْأَةُ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يُخَلِّفْ لَهَا النَّفَقَةَ

(قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا نَفَقَةَ لِلْمُبَانَةِ إلَخْ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو اللَّيْثِ اهـ أَتْقَانِيٌّ، وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ أَيْضًا لَيْسَ لَهَا سُكْنَى وَلَا نَفَقَةٌ إذَا لَمْ يَمْلِكْ زَوْجُهَا الرَّجْعَةَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَالشَّعْبِيِّ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَا نَفَقَةَ لِلْمُبَانَةِ) وَهِيَ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا وَالْمُخْتَلِعَةُ إذْ لَا بَيْنُونَةَ عِنْدَهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ. اهـ. فَتْحٌ، وَلَهَا السُّكْنَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ قَالَتْ طَلِّقْنِي إلَخْ) أَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ خَرَجَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إلَى الْيَمَنِ فَأَرْسَلَ إلَى امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ بِتَطْلِيقَةٍ كَانَتْ بَقِيَتْ مِنْ طَلَاقِهَا، وَعَلَى هَذَا فَتُحْمَلُ رِوَايَةُ الثَّلَاثِ عَلَى أَنَّهُ أَوْقَعَ وَاحِدَةً هِيَ تَمَامُ الثَّلَاثِ. اهـ. فَتْحٌ

(قَوْلُهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ) لَمْ يَرْوِ مُسْلِمٌ هَذَا، وَإِنَّمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِ مُسْلِمٍ قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ رحمه الله، وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ نَسَبَهُ إلَى مُسْلِمٍ قَالَ لَكِنَّ الْحَقَّ مَا عَلِمْت اهـ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَتْ حَامِلًا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْحَمْلِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَالْجَوَابُ أَنَّ شَرْطَ قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ عَدَمُ طَعْنِ السَّلَفِ فِيهِ، وَعَدَمُ الِاضْطِرَابِ، وَعَدَمُ مُعَارِضٍ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ، وَالْمُتَحَقِّقُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ضِدُّ كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْأُمُور اهـ (قَوْلُهُ وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ كِتَابُ رَبِّنَا إلَخْ) قَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ كِتَابُ رَبِّنَا وَسُنَّةُ نَبِيِّنَا الْقِيَاسَ الصَّحِيحُ لِثُبُوتِ كَوْنِهِ حُجَّةً بِهِمَا إذْ لَوْ كَانَ مُرَادُهُ عَيْنَهُمَا لَذَكَرَهُمَا. اهـ. شَرْحُ الْبَدَائِعِ لِلْهَدْيِ (قَوْلُهُ صِيَانَةً لِمَائِهِ) وَلِهَذَا كَانَ لَهَا السُّكْنَى بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. هِدَايَةٌ

ص: 60

لِوُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّ كِبَارَ الصَّحَابَةِ أَنْكَرُوا عَلَيْهَا كَعُمَرَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَعَائِشَةَ حَتَّى قَالَتْ لِفَاطِمَةَ فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ، وَرُوِيَ أَنَّهَا قَالَتْ لَهَا لَا خَيْرَ لَك فِيهِ

وَمِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ لَا يُقَالُ إلَّا لِمَنْ ارْتَكَبَ بِدْعَةً مُحَرَّمَةً، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ لَمَّا حَدَّثَ الشَّعْبِيُّ عَنْهَا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَخَذَ الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ كَفًّا مِنْ حَصَى وَحَصَبَ بِهِ الشَّعْبِيَّ فَقَالَ لَهُ وَيْلَك أَتُحَدِّثُ بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ أَنْكَرَ النَّاسُ عَلَيْهَا فَصَارَ مُنْكَرًا فَلَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَالثَّانِي لِاضْطِرَابِهِ فَإِنَّهُ جَاءَ طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ، وَجَاءَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، وَجَاءَ أَرْسَلَ إلَيْهَا بِتَطْلِيقَةِ كَانَتْ بَقِيَتْ مِنْ طَلَاقِهَا، وَجَاءَ طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ، وَهُوَ غَائِبٌ، وَجَاءَ مَاتَ عَنْهَا، وَجَاءَ حِينَ قُتِلَ زَوْجُهَا، وَجَاءَ طَلَّقَهَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَفْصٍ، وَجَاءَ طَلَّقَهَا أَبُو حَفْصِ بْنُ الْمُغِيرَةِ فَلَمَّا اضْطَرَبَ سَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَالثَّالِثُ أَنَّ نَفَقَتَهَا سَقَطَتْ بِتَطْوِيلِ لِسَانِهَا عَلَى أَحْمَائِهَا فَلَعَلَّهَا أُخْرِجَتْ لِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] وَهُوَ أَنْ تُفْحِشَ عَلَى أَهْلِ الرَّجُلِ فَتُؤْذِيَهُمْ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ذَكَرَهُ السَّفَاقِسِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ

وَفِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ إلَّا أَنْ يُفْحِشَ عَلَيْكُمْ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ لِفَاطِمَةَ تِلْكَ امْرَأَةٌ فَتَنَتْ النَّاسَ كَانَتْ لَسِنَةً فَوَضَعَتْ عَلَى يَدِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَعَنْ عَائِشَةَ بِمَعْنَاهُ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَفْرِضْ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَجْلِ ذَلِكَ لِأَنَّهَا تَكُونُ بِهِ نَاشِزَةً، وَشَرْطُ وُجُوبِ النَّفَقَةِ أَنْ تَكُونَ مَحْبُوسَةً فِي بَيْتِهِ وَالشَّافِعِيُّ احْتَجَّ بِهِ ثُمَّ تَرَكَ الْعَمَلَ بِهِ فِي حَقِّ السُّكْنَى، وَلِأَنَّ هَذَا حِكَايَةُ حَالٍ فَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ أَلَا تَرَى إلَى مَا يُرْوَى عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ كَانَتْ رُخْصَةً لِعِلَّةٍ، وَقَوْلُهُ النَّفَقَةُ بِإِزَاءِ التَّمْكِينِ، وَلَا تَمْكِينَ هُنَا لِعَدَمِ الْحِلِّ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ بِإِزَائِهِ بَلْ لِأَجْلِ الِاحْتِبَاسِ بِحَقِّ الزَّوْجِ، وَهُوَ الْمُؤَثِّرُ فِيهِ لِأَنَّ مَنْ كَانَ مَحْبُوسًا لِأَجْلِ غَيْرِهِ تَكُونُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ أَصْلُهُ الْقَاضِي وَالْمُضَارِبُ، وَلَا تَأْثِيرَ لِعَدَمِ الْحِلِّ فِي سُقُوطِ النَّفَقَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْمُظَاهَرِ مِنْهَا وَكَذَا إذَا فَاتَ التَّمْكِينُ حِسًّا بِنَحْوِ الْمَرَضِ لَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ

وَقَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَتْ حَامِلًا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْحَمْلِ لَا يَصِحُّ لِوُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّ النَّفَقَةَ لَوْ كَانَتْ لِلْحَمْلِ لَوَجَبَتْ فِي مَالِ الْحَمْلِ كَنَفَقَةِ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ، وَثَانِيهَا أَنَّ امْرَأَتَهُ لَوْ كَانَتْ أَمَةً وَبَتَّ طَلَاقَهَا وَهِيَ حَامِلٌ لَوَجَبَتْ نَفَقَتُهَا عَلَى مَوْلَاهَا لَا عَلَى الزَّوْجِ لِأَنَّ الْحَمْلَ مِلْكُهُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ لِشَخْصٍ، وَحَمَّلَهَا الْآخَرُ لَوَجَبَتْ النَّفَقَةُ عَلَى صَاحِبِ الْحَمْلِ، وَثَالِثُهَا أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلْحَمْلِ لَسَقَطَتْ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ كَنَفَقَةِ الْأَقَارِبِ، وَهِيَ لَا تَسْقُطُ عِنْدَهُمْ بِمُضِيِّهِ، وَرَابِعُهَا أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلْحَمْلِ لَتَعَدَّدَتْ بِتَعَدُّدِهِ قَالَ رحمه الله (لَا لِلْمَوْتِ وَالْمَعْصِيَةِ) أَيْ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لِلْمُعْتَدَّةِ عَنْ الْوَفَاةِ، وَلَا لِمُعْتَدَّةِ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِمَعْصِيَةٍ مِنْ جِهَتِهَا كَالرِّدَّةِ وَتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ أَمَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَلِأَنَّ الِاحْتِبَاسَ لَيْسَ بِحَقِّ الزَّوْجِ بَلْ لِحَقِّ الشَّرْعِ وَجَبَتْ عَلَيْهَا عِبَادَةً، وَلِهَذَا لَا يُرَاعَى فِيهَا مَعْنَى التَّعَرُّفِ عَنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ بِالْحَيْضِ مَعَ الْإِمْكَانِ فَلَا تَجِبُ نَفَقَتُهَا عَلَى الزَّوْجِ، وَلِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ سَاعَةً فَسَاعَةً، وَلَا مِلْكَ لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ

وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهَا فِي مِلْكِ الْوَرَثَةِ لِانْعِدَامِ الِاحْتِبَاسِ لِأَجْلِهِمْ، وَأَمَّا إذَا حَصَلَتْ الْفُرْقَةُ بِمَعْصِيَةٍ مِنْ جِهَتِهَا فَلِأَنَّهَا صَارَتْ حَابِسَةً نَفْسَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ فَصَارَتْ كَالنَّاشِزَةِ بَلْ أَبْعَدَ لِأَنَّهَا أَزَالَتْ الْحِلَّ وَالنِّكَاحَ بَيْنَهُمَا فَلَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ بِخِلَافِ الْمَهْرِ إذَا كَانَتْ الرِّدَّةُ وَنَحْوُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ حَيْثُ تَجِبُ لَهَا لِأَنَّهُ يَجِبُ بِالتَّسْلِيمِ، وَقَدْ وُجِدَ، وَلَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِاللِّعَانِ أَوْ الْإِيلَاءِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ) يَعْنِي فِي قَوْلِهَا لَا نَفَقَةَ، وَلَا سُكْنَى. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لِلْمُعْتَدَّةِ عَنْ الْوَفَاةِ) أَيْ فِي تَرِكَةِ الزَّوْجِ وَإِنَّمَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا مِنْ حِصَّتِهَا مِنْ الْمِيرَاثِ سَوَاءٌ كَانَتْ حَامِلًا أَوْ غَيْرَ حَامِلٍ قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَا سُكْنَى لِلْمُتَوَفَّى زَوْجُهَا وَلَا نَفَقَةُ فِي مَالِ الزَّوْجِ حَامِلًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَ حَامِلٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ قَدْ كَانَتْ نَفَقَتُهَا وَاجِبَةً فِي مَالِ الْمَيِّتِ بِقَوْلِهِ {وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة: 240] فَنُسِخَتْ هَذِهِ النَّفَقَةُ بِالْمِيرَاثِ، وَبِقَوْلِهِ {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} [البقرة: 228] فَأَوْجَبَ نَفَقَتَهَا عَلَى نَفْسِهَا، وَقَطَعَهَا مِنْ مَالِ الزَّوْجِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ هِلَالٌ رحمه الله فِي أَوْقَافِهِ فِي بَابِ الرَّجُلِ يَقِفُ الْأَرْضَ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ وَفُقَرَاءِ وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ قُلْت أَرَأَيْت إذَا قَالَ أَرْضِي صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِي فَجَاءَتْ الْغَلَّةُ يَوْمَ وَلَدَتْ امْرَأَةٌ مِنْ قَرَابَتِهِ وَلَدًا فَقِيرًا كَانَ مَخْلُوقًا فِي الْبَطْنِ قَبْلَ مَجِيءِ الْغَلَّةِ فَجَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ قَالَ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْغَلَّةِ لِأَنَّ مَا فِي الْبَطْنِ لَا يُوصَفُ بِالْفَقْرِ، وَإِنَّمَا الْفَقِيرُ مَنْ كَانَ مُحْتَاجًا

وَمَا فِي الْبَطْنِ لَا يُحْتَاجُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَامِلَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا يُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْ مَالِ مَا فِي بَطْنِهَا، وَإِنَّمَا يُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْ حِصَّتِهَا لِأَنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوا الْوَلَدَ فِي بَطْنِهَا مُحْتَاجًا إلَى شَيْءٍ. اهـ. (قَوْلُهُ بَلْ لِحَقِّ الشَّرْعِ) وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ لِلْوَفَاةِ قَبْلَ الدُّخُولِ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا أَزَالَتْ الْحِلَّ، وَالنِّكَاحَ بَيْنَهُمَا فَلَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِالنَّفَقَةِ احْتِرَازًا عَنْ السُّكْنَى لِأَنَّ السُّكْنَى وَاجِبٌ لَهَا لِأَنَّ الْقَرَارَ فِي الْبَيْتِ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهَا فَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ بِمَعْصِيَتِهَا فَأَمَّا النَّفَقَةُ فَوَاجِبَةٌ لَهَا فَيَسْقُطُ ذَلِكَ بِمَجِيءِ الْفُرْقَةِ مِنْ قِبَلِهَا بِمَعْصِيَةٍ اهـ قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَأَمَّا إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ إنْ وَقَعَتْ بِفِعْلٍ مُبَاحٍ كَخِيَارِ الْبُلُوغِ وَخِيَارِ الْعِتْقِ وَعَدَمِ الْكَفَاءَةِ كَانَ لَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى، وَإِنْ وَقَعَتْ بِفِعْلٍ مَحْظُورٍ كَالرِّدَّةِ وَمُطَاوَعَةِ ابْنِ الزَّوْجِ لَيْسَ لَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى اهـ

فَقَوْلُهُ لَيْسَ لَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى ظَاهِرُهُ نَفْيُ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى فَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْأَتْقَانِيُّ مِنْ وُجُوبِ السُّكْنَى، وَيَحْتَمِلُ قَوْلُ قَاضِي خَانْ لَيْسَ لَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى أَيْ لَا تَسْتَحِقُّهُمَا بَلْ أَحَدُهُمَا فَقَطْ وَهُوَ النَّفَقَةُ، وَوَجْهُ هَذَا الِاحْتِمَالِ ظَاهِرٌ، وَعَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ فَلَا مُخَالَفَةَ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا عَنْ الْخَانِيَّةِ لَوْ قَبَّلَتْ ابْنَ الزَّوْجِ حَتَّى وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ لَا نَفَقَةَ لَهَا، وَلَهَا السُّكْنَى اهـ

ص: 61

أَوْ الْعُنَّةِ أَوْ الْجَبِّ فَلَهَا النَّفَقَةُ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُضَافَةٌ إلَى الزَّوْجِ، وَكَذَا إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِخِيَارِ الْبُلُوغِ أَوْ الْعِتْقِ أَوْ عَدَمِ الْكَفَاءَةِ، وَلَوْ أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ وَأَبَى الزَّوْجُ أَنْ يُسْلِمَ فَلَهَا النَّفَقَةُ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ بِالْإِبَاءِ وَهُوَ مِنْهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَ الزَّوْجُ وَأَبَتْ هِيَ حَيْثُ لَا يَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهَا

وَلِهَذَا يَسْقُطُ بِهِ مَهْرُهَا كُلُّهُ إذَا كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ قَالَ رحمه الله (وَرِدَّتُهَا بَعْدَ الْبَتِّ تُسْقِطُ نَفَقَتُهَا لَا تَمْكِينُ ابْنِهِ) أَيْ إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ ارْتَدَّتْ، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا، وَلَوْ مَكَّنَتْ ابْنَ الزَّوْجِ بَعْدَمَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً بَائِنَةً لَا تَسْقُطُ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ تَثْبُتُ بِالطَّلَاقِ الْبَائِنِ، وَلَا تَأْثِيرَ لِلرِّدَّةِ فِيهَا وَلَا لِلتَّمْكِينِ غَيْرَ أَنَّ الْمُرْتَدَّةَ تُحْبَسُ، وَلَا نَفَقَةَ لِلْمَحْبُوسَةِ لِمَا بَيَّنَّا، وَالْمُمَكِّنَةُ لَا تُحْبَسُ فَافْتَرَقَا حَتَّى لَوْ أَسْلَمَتْ الْمُرْتَدَّةُ، وَعَادَتْ إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ وَجَبَتْ لَهَا النَّفَقَةُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ فَصَارَتْ كَالنَّاشِزَةِ إذَا رَجَعَتْ إلَى مَنْزِلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِالرِّدَّةِ بِأَنْ ارْتَدَّتْ قَبْلَ الطَّلَاقِ حَيْثُ لَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ وَعَادَتْ إلَى مَنْزِلِهِ لِأَنَّهَا بِالرِّدَّةِ فَوَّتَتْ عَلَيْهِ مِلْكَ النِّكَاحِ، وَهُوَ لَا يَعُودُ بِعَوْدِهَا إلَى مَنْزِلِ الزَّوْجِ

وَلَوْ لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدَّةً ثُمَّ عَادَتْ مُسْلِمَةً فَلَا نَفَقَةَ لَهَا كَيْفَمَا كَانَ لِأَنَّ الْعِدَّةَ تَسْقُطُ بِاللِّحَاقِ حُكْمًا لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ فَانْعَدَمَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ.

قَالَ رحمه الله (وَلِطِفْلِهِ الْفَقِيرِ) يَعْنِي تَجِبُ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ عَلَيْهِ لِأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ الْفُقَرَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233]، وَالْمَوْلُودُ لَهُ هُوَ الْأَبُ فَأَوْجَبَ عَلَيْهِ رِزْقَ النِّسَاءِ لِأَجْلِ الْأَوْلَادِ فَلَأَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْأَوْلَادِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى، وَإِنَّمَا قُلْنَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْأَوْلَادِ لِأَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الِاسْمِ الْمُشْتَقِّ مِنْ مَعْنًى يَدُلُّ عَلَى عَلِيَّةِ ذَلِكَ الْمَعْنَى كَ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] أَوْ نَقُولُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَيْهِ أُجْرَةَ الْإِرْضَاعِ بِمَا تَلَوْنَا، وَهُوَ نَفَقَةٌ لِلْوَلَدِ، وَلَا يُشَارِكُهُ فِيهِ أَحَدٌ لِمَا تَلَوْنَا

وَتَقْيِيدُهُ بِالطِّفْلِ وَالْفَقِيرِ يُفِيدُ عَدَمَ وُجُوبِهَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ غَنِيًّا أَوْ كَبِيرًا، وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ الْغَنِيَّ يَأْكُلُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، وَالْبَالِغَ إذَا كَانَ ذَكَرًا، وَهُوَ صَحِيحٌ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى أَبِيهِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَقَارِبِ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ قَالَ رحمه الله (وَلَا تُجْبَرُ أُمُّهُ لِتُرْضِعَ) أَيْ لَا تُجْبَرُ أُمُّ الصَّغِيرِ عَلَى إرْضَاعِ وَلَدِهَا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى الْأَبِ، وَالْإِرْضَاعَ نَفَقَةٌ لَهُ فَكَانَ عَلَى الْأَبِ، وَرُبَّمَا تَعْجِزُ عَنْ إرْضَاعِهِ، وَامْتِنَاعُهَا دَلِيلٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا لَا تَمْتَنِعُ عَنْ إرْضَاعِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ غَالِبًا، وَهُوَ كَالْمُتَحَقِّقِ فَإِلْزَامُهَا إيَّاهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ إضْرَارًا بِهَا، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} [البقرة: 233]، وَتُؤْمَرُ بِهِ دِيَانَةً لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاسْتِخْدَامِ كَكَنْسِ الْبَيْتِ وَالطَّبْخِ وَغَسْلِ الثِّيَابِ وَالْخَبْزِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهَا دِيَانَةً، وَلَا يُجْبِرُهَا الْقَاضِي عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهَا بَعْدَ النِّكَاحِ تَسْلِيمُ النَّفْسِ لِلِاسْتِمْتَاعِ لَا غَيْرُ

وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ الْأَبَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، وَلَا لِلْوَلَدِ مَالٌ تُجْبَرُ عَلَيْهِ، وَتُجْعَلُ الْأُجْرَةُ دَيْنًا عَلَيْهِ كَمَا فِي نَفَقَتِهِ، وَيُحْمَلُ هَذَا الْقَوْلُ عَلَى مَا إذَا طَلَّقَهَا، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا قَالَ رحمه الله (وَيَسْتَأْجِرُ مَنْ تُرْضِعُهُ عِنْدَهَا) أَيْ يَسْتَأْجِرُ الْأَبُ مَنْ تَرْضِعُهُ عِنْدَ الْأُمِّ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى الْأَبِ وَالْحَضَانَةَ لَهَا، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُرْضِعَةِ أَنْ تَمْكُثَ عِنْدَ الْأُمِّ إذَا لَمْ يَشْرُطْ ذَلِكَ عَلَيْهَا بَلْ تُرْضِعُهُ، وَتَرْجِعُ إلَى مَنْزِلِهَا أَوْ تَحْمِلُ الصَّبِيَّ مَعَهَا إلَيْهِ أَوْ تُرْضِعُهُ فِي فِنَاءِ الدَّارِ ثُمَّ تَدْخُلُ بِهِ الدَّارَ إلَى أُمِّهِ هَذَا إذَا كَانَ يَجِدُ مَنْ تُرْضِعُهُ، وَكَانَ الْوَلَدُ يَأْخُذُ ثَدْيَ غَيْرِهَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَجِدُ مَنْ تُرْضِعُهُ أَوْ كَانَ لَا يَأْخُذُ ثَدْيَ غَيْرِهَا تُجْبَرُ عَلَيْهِ صِيَانَةً عَنْ ضَيَاعِهِ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا تُجْبَرُ لِأَنَّهُ يَتَغَذَّى بِالدُّهْنِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى ضَيَاعِهِ، وَإِلَى الْأَوَّلِ مَالَ الْقُدُورِيُّ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ، وَقَالَ مَالِكٌ تُجْبَرُ الْأُمُّ مُطْلَقًا إلَّا إذَا كَانَتْ شَرِيفَةً، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا قَالَ رحمه الله (لَا أُمَّهُ لَوْ مَنْكُوحَةً أَوْ مُعْتَدَّةً) أَيْ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ أُمِّ الصَّبِيِّ إذَا كَانَتْ تَحْتَهُ أَوْ فِي

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِخِيَارِ الْبُلُوغِ أَوْ الْعِتْقِ) قَالَ الرَّازِيّ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا بِلَا مَعْصِيَةٍ كَخِيَارِ الْعِتْقِ وَالْبُلُوغِ وَالتَّفْرِيقِ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ فَإِنَّهَا تَجِبُ فِيهَا النَّفَقَةُ لِأَنَّهَا حَبَسَتْ نَفْسَهَا بِحَقٍّ، وَذَا لَا يُسْقِطُ النَّفَقَةَ اهـ

(قَوْلُهُ أَيْ إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ ارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا) لَا لِعَيْنِ الرِّدَّةِ، وَلَكِنْ لِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ بِحَقٍّ عَلَيْهَا، وَالْحَبْسُ لِحَقٍّ عَلَيْهَا مُسْقِطٌ لِلنَّفَقَةِ كَالْمَحْبُوسَةِ بِدَيْنٍ عَلَيْهَا. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَكَّنَتْ ابْنَ زَوْجِهَا بَعْدَمَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا إلَخْ) وَلَوْ مَكَّنَتْهُ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ لَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ. اهـ. مُسْتَصْفَى قَالَ الرَّازِيّ فَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا إذَا مَكَّنَتْ ابْنَ زَوْجِهَا أَوْ ارْتَدَّتْ فَحُبِسَتْ أَوْ لَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا لِأَنَّ النِّكَاحَ بَاقٍ فَجَاءَتْ الْفُرْقَةُ بِمَعْصِيَةٍ مِنْ جِهَتِهَا فَتَسْقُطُ النَّفَقَةُ اهـ (قَوْلُهُ وَلَا نَفَقَةَ لِلْمَحْبُوسَةِ) حَتَّى قَالُوا إذَا ارْتَدَّتْ وَلَمْ تُحْبَسْ بَعْدُ فَلَهَا النَّفَقَةُ. اهـ. مُسْتَصْفَى (قَوْلُهُ وَجَبَتْ لَهَا النَّفَقَةُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ) أَيْ وَهُوَ الْحَبْسُ. اهـ. (قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ وَعَادَتْ إلَخْ) لِأَنَّ أَصْلَ الْفُرْقَةِ كَانَ مِنْ جِهَتِهَا بِمَعْصِيَةٍ، وَلَا تَأْثِيرَ لِلرِّدَّةِ هُنَا فِي التَّفْرِيقِ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ وَقَعَ قَبْلَ الرِّدَّةِ بِالطَّلَاقِ الْبَائِنِ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِطِفْلِهِ الْفَقِيرِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَفِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إنَّمَا تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى الْأَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ مَالٌ قَالَ الْكَمَالُ وَأَطْلَقَهُ فَعَمَّ جَمِيعَ أَصْنَافِ الْمَالِ مِنْ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ وَالْعَقَارِ حَتَّى إذَا كَانَ ذَلِكَ فَقَطْ فَلِلْأَبِ أَنْ يَبِيعَهُ وَيُنْفِقَهُ عَلَيْهِ، وَكَذَا يُعْطِي مِنْهُ أَجْرَ رَضَاعِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ إيجَابَ نَفَقَةِ أَحَدِ الْمُوسِرَيْنِ عَلَى الْآخَرِ إذَا لَمْ يَكُنْ الِاحْتِبَاسُ ذَلِكَ لَهُ لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ إيجَابِ نَفَقَةِ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّهَا مُحْتَبِسَةٌ لِغَرَضٍ آخَرَ فَنَفَقَتُهَا عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ غَنِيَّةً، أَمَّا الْوَلَدُ فَنَفَقَتُهُ لِلْحَاجَةِ وَبِغِنَاهُ انْدَفَعَتْ حَاجَتُهُ فَلَا تَجِبُ عَلَى غَيْرِهِ كَنَفَقَةِ الْمَحَارِمِ اهـ

(قَوْلُهُ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهَا دِيَانَةً) وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَسْتَأْجِرُ مَنْ تُرْضِعُهُ عِنْدَهَا) أَيْ إنْ أَرَادَتْ ذَلِكَ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِلَى الْأَوَّلِ مَالَ الْقُدُورِيُّ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ) وَهُوَ الْأَصْوَبُ لِأَنَّ قَصْرَ الرَّضِيعِ الَّذِي لَمْ يَأْنَسْ الطَّعَامَ عَلَى الدُّهْنِ وَالشَّرَابِ يُسَبِّبُ تَمْرِيضَهُ وَمَوْتَهُ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا أُمَّهُ) أَيْ لَا تُسْتَأْجَرُ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ مُعْتَدَّةٌ)

ص: 62

عِدَّتِهِ لِأَنَّ الْإِرْضَاعَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهَا دِيَانَةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة: 233] الْآيَةَ، وَهُوَ أَمَرَ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ، وَهُوَ آكَدُ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ تَأْخُذَ الْأُجْرَةَ عَلَى خِدْمَةِ الْبَيْتِ مِنْ الْكَنْسِ وَغَيْرِهِ

وَإِنَّمَا لَا تُجْبَرُ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ عَجْزِهَا فَعُذِرَتْ فَإِذَا أَقْدَمَتْ عَلَيْهِ ظَهَرَتْ قُدْرَتُهَا فَلَا تُعْذَرُ، وَقِيلَ إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً عَنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ جَازَ اسْتِئْجَارُهَا لِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ زَالَ فَالْتَحَقَتْ بِالْأَجَانِبِ، وَالْأَوَّلُ رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْعِدَّةَ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ، وَلِهَذَا تَجِبُ فِيهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى، وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهَا، وَالشَّهَادَةُ لَهَا فَلَمْ يَنْقَطِعْ فِي حَقِّ هَذِهِ الْأَحْكَامِ فَكَذَا فِي هَذَا الْحُكْمِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ مَنْكُوحَتَهُ لِتُرْضِعَ وَلَدَهُ مِنْ غَيْرِهَا جَازَ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا إرْضَاعُهُ قَالَ رحمه الله (وَهِيَ أَحَقُّ بَعْدَهَا مَا لَمْ تَطْلُبْ زِيَادَةً) أَيْ الْأُمُّ أَوْلَى بِإِرْضَاعِ الْوَلَدِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مَا لَمْ تَطْلُبْ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ لِأَنَّهَا أَشْفَقُ وَأَنْظَرُ لِلصَّبِيِّ، وَفِي الْأَخْذِ مِنْهَا إضْرَارٌ بِهَا فَكَانَتْ أَوْلَى فَإِنْ الْتَمَسَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُجْبَرْ الْأَبُ عَلَيْهَا دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة: 233] أَيْ لَا تُضَارَّ هِيَ بِأَخْذِ الْوَلَدِ مِنْهَا، وَلَا هُوَ بِإِلْزَامِهِ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: 6] وَإِنْ رَضِيَتْ الْأَجْنَبِيَّةُ أَنْ تَرْضِعَهُ بِغَيْرِ أَجْرٍ أَوْ بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ، وَالْأُمُّ بِأَجْرِ الْمِثْلِ فَالْأَجْنَبِيَّةُ أَوْلَى لِمَا قُلْنَا قَالَ رحمه الله (وَلِأَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ وَجَدَّاتِهِ لَوْ فُقَرَاءَ) أَيْ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِهَؤُلَاءِ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ

أَمَّا الْأَبَوَانِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15]، وَفَسَّرَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِحُسْنِ الْعِشْرَةِ بِأَنْ يُطْعِمَهُمَا إذَا جَاعَا وَيَكْسُوَهُمَا إذَا عَرِيَا نَزَلَتْ فِي حَقِّ الْأَبَوَيْنِ الْكَافِرَيْنِ بِدَلِيلِ مَا قَبْلَهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} [العنكبوت: 8] وَلَيْسَ مِنْ الْإِحْسَانِ وَلَا مِنْ الْمَعْرُوفِ أَنْ يَعِيشَ فِي نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَتْرُكَهُمَا يَمُوتَانِ جُوعًا، وَأَمَّا الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ فَكَالْأَبَوَيْنِ، وَلِهَذَا يَقُومَانِ مَقَامَ الْأَبِ وَالْأُمِّ فِي الْإِرْثِ وَغَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُمْ تَسَبَّبُوا لِإِحْيَائِهِ فَاسْتَوْجَبُوا عَلَيْهِ الْإِحْيَاءَ كَالْأَبَوَيْنِ، وَشُرِطَ الْفَقْرُ لِتَتَحَقَّقَ الْحَاجَةُ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ حَيْثُ تَجِبُ مَعَ الْغِنَى لِأَنَّهَا تَجِبُ لِأَجْلِ الْحَبْسِ الدَّائِمِ كَرِزْقِ الْقَاضِي.

قَالَ رحمه الله (وَلَا تَجِبُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ إلَّا بِالزَّوْجِيَّةِ وَالْوِلَادِ) أَيْ لَا تَجِبُ لِأَحَدٍ النَّفَقَةُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ إلَّا بِسَبَبِ الزَّوْجِيَّةِ وَبِسَبَبِ قَرَابَةِ الْوِلَادِ أَمَّا الزَّوْجِيَّةُ فَلِأَنَّهَا تَجِبُ بِاعْتِبَارِ الْحَبْسِ الْمُسْتَحَقِّ بِعَقْدِ النِّكَاحِ، وَذَلِكَ يَعْتَمِدُ صِحَّةَ الْعَقْدِ دُونَ اتِّحَادِ الْمِلَّةِ حَتَّى لَا تَجِبُ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَلَا الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ، وَأَمَّا بِسَبَبِ الْوِلَادِ فَلِمَا تَلَوْنَا، وَلِأَنَّهُ جُزْؤُهُ وَنَفَقَةُ الْجُزْءِ لَا تَمْتَنِعُ بِالْكُفْرِ كَنَفَقَةِ نَفْسِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ نَفَقَةُ أَبَوَيْهِ الْحَرْبِيَّيْنِ، وَلَا يُجْبَرُ الْحَرْبِيُّ عَلَى إنْفَاقِ أَبِيهِ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِطَرِيقِ الصِّلَةِ، وَلَا تُسْتَحَقُّ الصِّلَةُ لِلْحَرْبِيِّ لِلنَّهْيِ عَنْ بِرِّهِمْ، وَلِهَذَا لَا يَجْرِي الْإِرْثُ بَيْنَ مَنْ هُوَ فِي دَارِنَا وَبَيْنَهُمْ وَإِنْ اتَّحَدَتْ مِلَّتُهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وِلَادٌ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ وَنَحْوِهِمَا لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ لِأَنَّ النَّفَقَةَ فِي غَيْرِ الْوِلَادِ تَتَعَلَّقُ بِالْقَرَابَةِ وَالْمَحْرَمِيَّةِ مُقَيَّدًا بِالْإِرْثِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] بِخِلَافِ الْعِتْقِ حَيْثُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

وَهَذَا فِي الْمُعْتَدَّةِ عَنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَكَذَا فِي الْمَبْتُوتَةِ فِي رِوَايَةٍ. اهـ. هِدَايَةٌ

(قَوْلُهُ فَإِذَا أَقْدَمَتْ عَلَيْهِ ظَهَرَتْ قُدْرَتُهَا) أَيْ فَظَهَرَ أَنَّ الْفِعْلَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا فَإِذَا اسْتَأْجَرَهَا عَلَى فِعْلٍ وَاجِبٍ عَلَيْهَا لَمْ تَجُزْ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ وَقِيلَ إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً عَنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ جَازَ) صَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ اهـ فَتْحٌ، وَقَوْلُهُ بَعْضُهُمْ كَقَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَالْخُلَاصَةِ فِي الْإِجَارَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ رَوَاهُ الْحَسَنُ) وَهُوَ مُخْتَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْقُدُورِيِّ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ مَنْكُوحَتَهُ إلَخْ) وَلَوْ اسْتَأْجَرَ لِوَلَدِهِ مِنْ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ الرَّحِمِ اللَّاتِي لَهُنَّ حَضَانَتُهُ جَازَ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِنَّ خِدْمَتُهُ، وَلَا نَفَقَةَ لَهُنَّ عَلَى أَبِي الْوَلَدِ، وَاسْتِئْجَارُ خَادِمِ الْأُمِّ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ فَمَا جَازَ فِي الْأُمِّ جَازَ فِي خَادِمِهَا، وَمَا لَمْ يَجُزْ فِيهَا لَمْ يَجُزْ فِي خَادِمِهَا، وَكَذَا مُدَبَّرَتُهَا فَإِنْ اسْتَأْجَرَ مُكَاتَبَتَهَا جَازَ لِأَنَّهَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ. اهـ. بَدَائِعُ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَلِأَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ إلَخْ) يَدْخُلُ فِيهِ الْجَدُّ لِأَبٍ، وَالْجَدُّ لِأُمٍّ، وَإِنْ عَلَوَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وُجِدَ أَنَّهُ) يَدْخُلُ فِيهِ جَدَّاتُهُ لِأَبِيهِ، وَجَدَّاتُهُ لِأُمِّهِ وَإِنْ عَلَوْنَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لَوْ فُقَرَاءَ) أَيْ لَا تَجِبُ عَلَى الْفَقِيرِ نَفَقَةٌ إلَّا لِلزَّوْجَةِ وَالْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ. اهـ. مُحِيطِ (قَوْلُهُ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِهَؤُلَاءِ) أَيْ وَإِنْ خَالَفُوهُ فِي دِينِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ) يُوَافِقُ بِإِطْلَاقِهِ قَوْلَ السَّرَخْسِيِّ حَيْثُ قَالَ إذَا كَانَ الْأَبُ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ يُجْبَرُ الِابْنُ عَلَى نَفَقَتِهِ بِخِلَافِ قَوْلِ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ الِابْنُ إذَا كَانَ الْأَبُ كَسُوبًا لِأَنَّهُ كَانَ غَنِيًّا بِاعْتِبَارِ الْكَسْبِ فَلَا ضَرُورَةَ فِي إيجَابِ النَّفَقَةِ عَلَى الْغَيْرِ، وَإِذَا كَانَ الِابْنُ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ فَلَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَسُوبًا يَجِبُ أَنْ يَكْسِبَ الِابْنُ وَيُنْفِقَ عَلَى الْأَبِ فَالْمُعْتَبَرُ فِي إيجَابِ نَفَقَةِ الْوَالِدَيْنِ مُجَرَّدُ الْفَقْرِ قِيلَ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ مَعْنَى الْأَذَى فِي اتِّكَالِهِ إلَى الْكَدِّ وَالتَّعَبِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي التَّأْفِيفِ الْمُحَرَّمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23]. اهـ. كَمَالٌ رحمه الله وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ نَفَقَةَ الْوَالِدَيْنِ تَجِبُ عَلَى الْوَلَدِ وَإِنْ كَانَا قَادِرَيْنِ عَلَى الْكَسْبِ ثُمَّ ذَكَرَ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ فِي الْأَبِ إذَا كَانَ كَسُوبًا. اهـ. (قَوْلُهُ بِدَلِيلِ مَا قَبْلَهَا) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} [لقمان: 15] اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا تَجِبُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ إلَّا بِالزَّوْجِيَّةِ وَالْوِلَادَةِ) مِثْلُ الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ وَالْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ اهـ ع (قَوْلُهُ وَأَمَّا بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ فَلِمَا تَلَوْنَا) وَأَمَّا الْوَلَدُ فَصُورَتُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً فَوَلَدَتْ وَلَدًا ثُمَّ أَسْلَمَتْ فَالْوَلَدُ يَتْبَعُهَا فِي الْإِسْلَامِ وَنَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ لِأَنَّهُ جُزْؤُهُ. اهـ. رَازِيٌّ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَنَفَقَةُ الصَّغِيرِ وَاجِبَةٌ عَلَى أَبِيهِ وَإِنْ خَالَفَهُ فِي دِينِهِ، قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذَا إذَا أَسْلَمَ الصَّغِيرُ الْعَاقِلُ وَأَبُوهُ كَافِرٌ أَوْ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَأَبُوهُ مُسْلِمٌ لِأَنَّ إسْلَامَهُ وَارْتِدَادَهُ صَحِيحٌ عِنْدَنَا أَوْ اُعْتُبِرَ الصَّغِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أُمِّهِ اهـ

ص: 63

يَتَعَلَّقُ بِالْمَحْرَمِيَّةِ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِكَوْنِهِ وَارِثًا لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ» مُطْلَقًا، وَلِأَنَّ الْقَرَابَةَ مُوجِبَةٌ لِلصِّلَةِ، وَمَعَ اتِّحَادِ الدِّينِ آكَدُ، وَدَوَامُ مِلْكِ الْيَمِينِ أَشَدُّ فِي الْقَطِيعَةِ مِنْ حِرْمَانِ النَّفَقَةِ فَاعْتُبِرَ فِيهِ أَصْلُ الْعِلَّةِ، وَفِي النَّفَقَةِ الْعِلَّةُ الْمُؤَكَّدَةُ بِالثِّنْتَيْنِ.

قَالَ رحمه الله (وَلَا يُشَارِكُ الْأَبَ وَالْوَلَدَ فِي نَفَقَةِ وَلَدِهِ وَأَبَوَيْهِ أَحَدٌ) أَمَّا الْأَبَوَانِ فَإِنَّ لَهُمَا تَأْوِيلًا فِي مَالِ الْوَلَدِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» ، وَلَا تَأْوِيلَ لَهُمَا فِي مَالِ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِمَا فَصَارَ أَوْلَى بِإِيجَابِ النَّفَقَةِ، وَهِيَ تَجِبُ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ بِالسَّوِيَّةِ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ الْمَعْنَى، وَهُوَ الْجُزْئِيَّةُ أَوْ اعْتِبَارُ التَّأْوِيلِ فِي مَالِ الْوَلَدِ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، وَأَمَّا نَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَى الْأَبِ فَلِمَا تَلَوْنَا، وَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى، وَرَوَى الْخَصَّافُ وَالْحَسَنُ أَنَّ الْوَلَدَ الْبَالِغَ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبَوَيْنِ أَثْلَاثًا بِاعْتِبَارِ الْإِرْثِ بِخِلَافِ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ حَيْثُ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ وَحْدَهُ لِأَنَّ الْأَبَ يَخْتَصُّ بِالْوِلَايَةِ فِي الصَّغِيرِ فَكَذَا فِي النَّفَقَةِ بِخِلَافِ الْكَبِيرِ

وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ قَالَ رحمه الله (وَلِقَرِيبٍ مَحْرَمٍ فَقِيرٍ عَاجِزٍ عَنْ الْكَسْبِ بِقَدْرِ الْإِرْثِ لَوْ مُوسِرًا) يَعْنِي تَجِبُ النَّفَقَةُ لِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ إذَا كَانَ فَقِيرًا عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ لِصِغَرِهِ أَوْ لِأُنُوثَتِهِ أَوْ لِعَمًى أَوْ لِزَمَانَةٍ، وَكَانَ هُوَ مُوسِرًا لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ بِهَذِهِ الْأَعْذَارِ، وَالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بِالْيَسَارِ، وَيَجِبُ ذَلِكَ بِقَدْرِ الْإِرْثِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] فَجَعَلَ الْعِلَّةَ هِيَ الْإِرْثُ فَيَتَقَدَّرُ الْوُجُوبُ بِقَدْرِ الْعِلَّةِ، وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَلَى الْوَارِثِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ، وَهِيَ مَشْهُورَةٌ فَجَازَ التَّقْيِيدُ بِهَا، وَيُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ، وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ فَإِنَّ الْقَادِرَ عَلَيْهِ غَنِيٌّ بِهِ بِخِلَافِ الْأَبَوَيْنِ لِأَنَّهُمَا يَتَضَرَّرَانِ بِهِ

وَالْوَلَدُ مَأْمُورٌ بِدَفْعِهِ عَنْهُمَا، وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُعْسِرًا فَهُوَ عَاجِزٌ، وَلَا تَجِبُ هَذِهِ النَّفَقَةُ عَلَى الْعَاجِزِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِالْعَقْدِ فَلَا تَسْقُطُ بِالْفَقْرِ، وَقِيلَ إذَا كَانَ فَقِيرًا زَمِنًا أَوْ أَعْمَى أَوْ نَحْوَهُ تَجِبُ نَفَقَةُ أَوْلَادِهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَنَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ إلَّا إذَا كَانَ مُوسِرًا وَالِابْنُ فَقِيرٌ زَمِنٌ وَنَحْوُهُ أَوْ يَكُونَ مِنْ أَعْيَانِ النَّاسِ يَلْحَقُهُ الْعَارُ بِالتَّكَسُّبِ أَوْ طَالِبَ عِلْمٍ لَا يَتَفَرَّغُ لِذَلِكَ، وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ الْأَبَ إذَا كَانَ عَاجِزًا، وَالِابْنُ فَقِيرٌ كَسُوبٌ يُنْفِقُ عَلَى الْأَبِ فَضْلَ كَسْبِهِ، وَإِذَا كَانَ الْأَبُ كَسُوبًا لَا يُجْبَرُ الِابْنُ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةٍ، وَيُجْبَرُ فِي أُخْرَى لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الضَّرَرُ بِالْكَسْبِ، وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْكَسُوبَ لَا يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَةِ كَسُوبٍ آخَرَ، وَيُجْبَرُ الِابْنُ إذَا كَانَ مُوسِرًا عَلَى نَفَقَةِ أَوْلَادِ أَبِيهِ الصِّغَارِ لِأَنَّ الْفَقِيرَ كَالْمَيِّتِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ إخْوَتِهِ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ، وَفِيهِ أَنَّ الِابْنَ يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَةِ امْرَأَةِ أَبِيهِ ذَكَرَهُ هِشَامٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ

وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ نَفَقَةَ خَادِمِ الْأَبِ لَا تَجِبُ عَلَى الِابْنِ إلَّا إذَا كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ، وَالْيَسَارُ هُنَا مُقَدَّرٌ بِنِصَابِ حِرْمَانِ الصَّدَقَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ لِوُجُوبِ الْمُوَاسَاةِ عَلَيْهِ فِي الشَّرْعِ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَدَّرَهُ بِمَا يَفْضُلُ عَنْ نَفَقَةِ نَفْسِهِ، وَعِيَالِهِ شَهْرًا إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْغَلَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحِرَفِ فَهُوَ مُقَدَّرٌ بِمَا يَفْضُلُ عَنْ نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ كُلَّ يَوْمٍ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ الْقُدْرَةُ دُونَ النِّصَابِ، وَهُوَ مُسْتَغْنٍ عَمَّا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَيَصْرِفُهُ إلَى أَقَارِبِهِ إذْ الْمُعْتَبَرُ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ الْقُدْرَةُ دُونَ النِّصَابِ، وَهَذَا أَوْجَهُ، وَقَالُوا الْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ قَالَ رحمه الله (وَصَحَّ بَيْعُ عَرْضِ ابْنِهِ لَا عَقَارِهِ لِنَفَقَتِهِ) يَعْنِي إذَا كَانَ الِابْنُ غَائِبًا وَالْأَبُ فَقِيرٌ جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْعُرُوضَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ لِلنَّفَقَةِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فَاعْتُبِرَ فِيهِ أَصْلُ الْعِلَّةِ) أَيْ، وَهُوَ الْقَرَابَةُ الْمَحْرَمِيَّةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَفِي النَّفَقَةِ الْعِلَّةُ) أَيْ هِيَ الْقَرَابَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ الْمُؤَكَّدَةُ بِالثِّنْتَيْنِ) أَيْ هُمَا الْمَحْرَمِيَّةُ وَالْإِرْثُ

(قَوْلُهُ وَلَا يُشَارِكُ الْأَبَ وَالْوَلَدَ فِي نَفَقَةِ وَلَدِهِ) أَيْ الصَّغِيرِ أَوْ الْكَبِيرِ الزَّمِنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهِيَ تَجِبُ) أَيْ نَفَقَةُ الْأَبَوَيْنِ عَلَى الْأَوْلَادِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة فَإِنْ كَانَ الْأَوْلَادُ ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا مُوسِرِينَ فَنَفَقَةُ الْأَبَوَيْنِ عَلَيْهِمْ بِالسَّوِيَّةِ فِي أَظْهَرْ الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَاقِعَاتٌ النَّاطِفِيِّ، وَلَا كَذَلِكَ الْأَخُ وَالْأُخْتُ فَتَجِبُ عَلَيْهِمْ أَثْلَاثًا عَلَى قِيَاسِ الْمِيرَاثِ، وَاعْتُبِرَتْ نَفَقَةُ ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ فَرْعٌ قَالَ فِي النُّقَايَةِ وَنَفَقَةُ الْبِنْتِ بَالِغَةً وَالِابْنِ زَمِنًا عَلَى الْأَبِ خَاصَّةً بِهِ يُفْتَى. اهـ. (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ) أَيْ وَهُوَ مَا فِي الْمَتْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ لِزَمَانَةٍ) زَمِنَ الشَّخْصُ زَمَنًا وَزَمَانَةً فَهُوَ زَمِنٌ مِنْ بَابِ تَعِبَ، وَهُوَ مَرَضٌ يَدُومُ زَمَانًا طَوِيلًا، وَالْقَوْمُ زَمْنَى مِثْلُ مَرْضَى، وَأَزْمَنَهُ اللَّهُ فَهُوَ مُزْمِنٌ اهـ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْأَبَوَيْنِ لِأَنَّهُمَا يَتَضَرَّرَانِ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة ثُمَّ يُفْرَضُ عَلَى الِابْنِ نَفَقَةُ الْأَبِ إذَا كَانَ الْأَبُ مُحْتَاجًا وَالِابْنُ مُوسِرًا سَوَاءٌ كَانَ الْأَبُ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ أَنَّ الْأَبَ إذَا كَانَ كَسُوبًا، وَالِابْنُ أَيْضًا كَسُوبًا يُجْبَرُ الِابْنُ عَلَى الْكَسْبِ وَنَفَقَةِ الْأَبِ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ فِي أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ الِابْنُ عَلَى نَفَقَةِ الْأَبِ إذَا كَانَ الْأَبُ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ، وَاعْتَبَرَهُ بِذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ فِي كَسْبِ قَرِيبِهِ، وَلَا عَلَى قَرِيبِهِ الْمُوسِرِ إذَا كَانَ هُوَ كَسُوبًا، وَفِي فَتَاوَى الْخُلَاصَةِ، وَفِي الْأَصْلِ يَلْحَقُهُ الْعَارُ، وَإِذَا كَانَ الِابْنُ وَالْأَبُ مُعْسِرَيْنِ لَا يَجِبُ عَلَى أَحَدِهِمَا نَفَقَةُ الْآخَرِ اهـ

(قَوْلُهُ أَوْ يَكُونَ مِنْ أَعْيَانِ النَّاسِ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ بَعْدَ أَنْ رَقَّمَ لِلْمُحِيطِ وَلِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ الرَّجُلُ الصَّحِيحُ قَدْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ لِشَرَفِهِ أَوْ لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ فَنَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ، وَهَكَذَا قَالُوا فِي طَالِبِ الْعِلْمِ إذَا كَانَ لَا يَهْتَدِي إلَى الْكَسْبِ لَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهُ عَنْ أَبِيهِ بِمَنْزِلَةِ الزَّمِنِ وَالْأُنْثَى. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْيَسَارُ هُنَا مُقَدَّرٌ بِنِصَابِ حِرْمَانِ الصَّدَقَةِ) وَهُوَ نِصَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَهُوَ مِلْكُ مَا يَبْلُغُ مِائَتِي دِرْهَمٍ مِنْ أَيِّ مَالٍ كَانَ فَاضِلًا عَنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَصَحَّ بَيْعُ عَرْضِ ابْنِهِ) أَيْ الْبَالِغِ الْغَائِبِ اهـ

ص: 64

وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْعَقَارَ، وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا لِأَنَّ وِلَايَةَ الْأَبِ زَالَتْ بِبُلُوغِ الْوَلَدِ رَشِيدًا إلَّا فِيمَا يَبِيعُهُ تَحْصِينًا كَالْوَصِيِّ، وَلَيْسَ فِي بَيْعِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَحْصِينٌ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُهُ حَالَ حَضْرَتِهِ، وَلَا فِي دَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ سِوَى النَّفَقَةِ فَصَارَ كَالْأُمِّ وَغَيْرِهَا مِنْ مُسْتَحَقِّي النَّفَقَةِ، وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِهِ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ

وَلَهُ أَنَّ لِلْأَبِ وِلَايَةَ حِفْظِ مَالِ وَلَدِهِ الْغَائِبِ كَالْوَصِيِّ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الْوَصِيَّ يَسْتَفِيدُ الْوِلَايَةَ مِنْ جِهَتِهِ فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ الْوِلَايَةُ، وَغَيْرُهُ يَسْتَفِيدُهَا مِنْهُ، وَبَيْعُ الْمَنْقُولِ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ لِأَنَّهُ يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ، وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ الْوَصِيُّ بِخِلَافِ الْعَقَارِ لِأَنَّهُ مُحْصَنٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ بَيْعُهُ مِنْ الْحِفْظِ إذَا بَاعَ الْعُرُوضَ صَارَ الثَّمَنُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ فَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ مِنْهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَقَارِبِ لِأَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ وِلَايَةُ الْحِفْظِ فِي مَالِهِ، وَبِخِلَافِ حَالَةِ حَضْرَتِهِ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْحِفْظِ لَهُ لَا لِلْأَبِ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ نَوْعُ إشْكَالٍ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ إذَا كَانَ لِلْأَبِ حَالَةَ غَيْبَةِ ابْنِهِ وِلَايَةُ الْحِفْظِ إجْمَاعًا فَمَا الْمَانِعُ لَهُ مِنْ الْبَيْعِ بِالنَّفَقَةِ عِنْدَهُمَا أَوْ بِالدَّيْنِ عِنْدَ الْكُلِّ قَالَ رحمه الله (وَلَوْ أَنْفَقَ مُودَعُهُ عَلَى أَبَوَيْهِ بِلَا أَمْرٍ ضَمِنَ) أَيْ لَوْ أَنْفَقَ مُودَعُ الْغَائِبِ عَلَى أَبَوَيْ الْغَائِبِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي ضَمِنَ الْمُودَعُ لِتَصَرُّفِهِ فِي مَالِ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ وِلَايَةٍ وَلَا نِيَابَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَهُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ مُلْزِمٌ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ

وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ لِأَنَّ لِلْأَبَوَيْنِ فِيهِ حَقًّا، وَلَهُمَا أَنْ يَأْخُذَا مِنْهُ إذَا ظَفِرَ بِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِأَنَّا نَقُولُ جَوَازُ الْأَخْذِ لَهُمَا مِنْهُ عِنْدَ الظَّفَرِ بِهِ لَا يَنْفِي الضَّمَانَ عَنْهُ عِنْدَ دَفْعِهِ كَالْمُودَعِ يَقْضِي الْوَدِيعَةِ دَيْنَ الْمُودِعِ ثُمَّ إذَا ضَمِنَ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمَا بِهِ لِأَنَّهُ بِالضَّمَانِ مِلْكُهُ مُسْتَنِدٌ إلَى وَقْتِ التَّعَدِّي فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِمِلْكِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَضَى الْوَدِيعَةِ دَيْنَ الْمُودِعِ، وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى النَّوَادِرِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَكَان يُمْكِنُ اسْتِطْلَاعُ رَأْيِ الْقَاضِي لَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا، وَعَلَى هَذَا لَوْ مَاتَ بَعْضُ الرُّفْقَةِ فِي السَّفَرِ فَبَاعُوا قُمَاشَهُ وَعُدَّتَهُ وَجَهَّزُوهُ بِثَمَنِهِ وَرَدُّوا الْبَقِيَّةَ إلَى الْوَرَثَةِ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَأَنْفَقُوا عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ لَمْ يَضْمَنُوا اسْتِحْسَانًا، وَرُوِيَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ حَجُّوا فَمَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَأَخَذُوا مَا كَانَ مَعَهُ فَبَاعُوهُ فَلَمَّا وَصَلُوا إلَى مُحَمَّدٍ سَأَلَهُمْ فَذَكَرُوا لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا ذَلِكَ لَمْ تَكُونُوا فُقَهَاءَ {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة: 220] قَالَ رحمه الله (وَلَوْ أَنْفَقَا مَا عِنْدَهُمَا لَا) أَيْ لَوْ كَانَ لِلْغَائِبِ مَالٌ عِنْدَ أَبَوَيْهِ فَأَنْفَقَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا مِنْهُ وَهُوَ مِنْ جِنْسِ النَّفَقَةِ لَمْ يَضْمَنَا لِأَنَّ نَفَقَتَهُمَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَاسْتَوْفَيَا حَقَّهُمَا قَالَ رحمه الله (وَلَوْ قَضَى بِنَفَقَةِ الْوِلَادِ وَالْقَرِيبِ، وَمَضَتْ مُدَّةٌ سَقَطَتْ) لِأَنَّ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ

وَقَدْ وَقَعَتْ الْغُنْيَةُ عَنْ الْمَاضِي بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ لِأَنَّهَا لِلِاحْتِبَاسِ، وَلِهَذَا تَجِبُ مَعَ يَسَارِهَا فَلَا تَسْقُطُ بِالِاسْتِغْنَاءِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ، وَلِهَذَا لَوْ سَرَقَتْ النَّفَقَةَ الْمُعَجَّلَةَ أَوْ الْكِسْوَةَ تُفْرَضُ لِذَوِي الْأَرْحَامِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى لِتَحَقُّقِ حَاجَتِهِمْ، وَلَا يُفْرَضُ لِلزَّوْجَةِ بِشَيْءٍ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ الْحَاجَةِ فِي حَقِّهَا، وَبِعَكْسِهِ لَوْ بَقِيَتْ النَّفَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ فِي مُدَّةٍ بَعْدَ الْمُدَّةِ يُفْرَضُ لِلزَّوْجَاتِ، وَلَا يُفْرَضُ لِذَوِي الْأَرْحَامِ، وَعَنْ هَذَا إذَا أَسْلَفَهَا نَفَقَةَ مُدَّةٍ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْمُدَّةِ يَسْتَرِدُّ فِي الزَّوْجَاتِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ دُونَ الْأَقَارِبِ

وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ أَنَّ نَفَقَةَ مَا دُونَ الشَّهْرِ لَا تَسْقُطُ لِأَنَّهُ لَوْ سَقَطَتْ بِالْمُدَّةِ الْيَسِيرَةِ لَمَا أَمْكَنَهُمْ اسْتِيفَاؤُهَا فَقَدَّرُوا الْفَاضِلَ بِالشَّهْرِ، وَقَالَ فِي الْحَاوِي نَفَقَةُ الصَّغِيرِ تَصِيرُ دَيْنًا بِالْقَضَاءِ دُونَ غَيْرِهِ قَالَ رحمه الله (إلَّا أَنْ يَأْذَنَ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ) لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةً عَامَّةً فَصَارَ إذْنُهُ كَأَمْرِ الْغَائِبِ فَلَا يَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَفِي زَكَاةِ الْجَامِعِ نَفَقَةُ الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ بَعْدَ الْقَضَاءِ مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ لِأَنَّهُ مُطَالَبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ فَسَوَّى بَعْدَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْأَقَارِبِ وَالزَّوْجَاتِ وَالزَّوْجَاتِ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَذَا إذَا أَذِنَ لَهُ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَذَا إذَا قَصُرَتْ الْمُدَّةُ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَإِلَى الْأَوَّلِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ رحمه الله (وَلِمَمْلُوكِهِ) أَيْ تَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ لِمَمْلُوكِهِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «هُمْ إخْوَانُكُمْ وَخَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدَيْهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ «كَانَ آخِرُ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْعَقَارَ إلَخْ) وَهَذَا إذَا كَانَ الِابْنُ بَالِغًا عَاقِلًا أَمَّا إذَا كَانَ صَغِيرًا جَازَ أَنْ يَبِيعَ عَقَارَهُ، وَيَأْخُذَ النَّفَقَةَ مِنْهُ، وَهَذَا يَجُوزُ لِلْأَبِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْأُمِّ وَسَائِرِ الْأَقَارِبِ لِانْتِفَاءِ وِلَايَتِهِمْ فِي مَالِ الصَّغِيرِ. اهـ. رَازِيٌّ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ أَنْفَقَ مُودَعُهُ عَلَى أَبَوَيْهِ بِلَا أَمْرٍ ضَمِنَ) أَيْ فِي الْقَضَاءِ أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَلَوْ مَاتَ الْغَائِبُ حَلَّ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ لِوَرَثَتِهِ أَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ عَلَيْهِ حَقٌّ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ غَيْرَ الْإِصْلَاحِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ) وَلِهَذَا لَا يَجِبُ مَعَ الْيَسَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَلَا يُفْرَضُ لِلزَّوْجَةِ بِشَيْءٍ) يَعْنِي حَتَّى تَنْقَضِيَ مُدَّةُ تِلْكَ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ) وَيَسْتَدِينُ فَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ الْمُسْتَدِينُ عَلَى الْمَفْرُوضِ عَلَيْهِ، وَلَا يَكُونُ مُضِيُّ الْمُدَّةِ مُسْقِطًا لِمَا اسْتَدَانَ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَقَدْ غَلَطَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ هُنَا فِي مَفْهُومِ كَلَامِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَقَالَ إذَا أَذِنَ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ وَلَمْ يَسْتَدِنْ فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ، وَهَذَا غَلَطٌ بَلْ مَعْنَى الْكَلَامِ أَذِنَ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ وَاسْتَدَانَ أَمَّا مُجَرَّدُ الْإِذْنِ مِنْ غَيْرِ اسْتِدَانَةٍ لَا يَكُونُ مُحْصِنًا لَهَا مِنْ السُّقُوطِ، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ حَافِظُ الدِّينِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَيْضًا السِّغْنَاقِيُّ. اهـ. طَرْسُوسِيٌّ

(قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَذَا إذَا أَذِنَ لَهُ الْقَاضِي إلَخْ) وَاسْتَدَانُوا حَتَّى احْتَاجُوا إلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ أَمَّا إذَا لَمْ يَسْتَدِينُوا بَلْ أَكَلُوا مِنْ الصَّدَقَةِ لَا تَصِيرُ النَّفَقَةُ دَيْنًا، وَإِلَى هَذَا مَالَ السَّرَخْسِيُّ وَحَكَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْقُضَاةِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَنَصَرُوهُ وَقَيَّدُوا إطْلَاقَ الْهِدَايَةِ بِهِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ)

ص: 65