المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب العبد يعتق بعضه) - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي - جـ ٣

[الفخر الزيلعي]

فهرس الكتاب

- ‌(بَابُ الظِّهَارِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَار]

- ‌(بَابُ اللِّعَانِ)

- ‌(بَابُ الْعِنِّينِ وَغَيْرِهِ)

- ‌(بَابُ الْعِدَّةِ)

- ‌(فَصْلٌ).فِي الْإِحْدَادِ

- ‌(بَابُ ثُبُوتِ النَّسَبِ)

- ‌[بَابُ الْحَضَانَةِ]

- ‌(بَابُ النَّفَقَةِ)

- ‌(كِتَابُ الْإِعْتَاقِ)

- ‌(بَابُ الْعَبْدُ يَعْتِقُ بَعْضُهُ)

- ‌(بَابُ الْحَلِفِ بِالدُّخُولِ)

- ‌{بَابُ الْعِتْقِ عَلَى جُعْلٍ}

- ‌{بَابُ التَّدْبِيرِ}

- ‌بَابُ الِاسْتِيلَادِ

- ‌{كِتَابُ الْأَيْمَانِ}

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَالسُّكْنَى وَالْإِتْيَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ)

- ‌{بَابُ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللُّبْسِ وَالْكَلَامِ}

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ)

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّزَوُّجِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا)

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ)

- ‌(كِتَابُ الْحُدُودِ)

- ‌(بَابُ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ)

- ‌(بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَالرُّجُوعِ عَنْهَا)

- ‌(بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ)

- ‌(بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي التَّعْزِيرِ)

- ‌(كِتَابُ السَّرِقَةِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الْحِرْزِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ وَإِثْبَاتِهِ]

- ‌(بَابُ قَطْعِ الطَّرِيقِ)

- ‌(كِتَابُ السِّيَرِ)

- ‌[بَابُ الْغَنَائِمِ وَقِسْمَتِهَا]

- ‌(فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ)

- ‌(بَابُ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ)

- ‌(بَابُ الْمُسْتَأْمَنِ)

- ‌[فَصْلٌ إقَامَة الْمُسْتَأْمَنُ فِي دارنا إقَامَة دائمة]

- ‌(بَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ)

- ‌(بَابُ الْمُرْتَدِّينَ)

- ‌(بَابُ الْبُغَاةِ)

- ‌[كِتَابُ اللَّقِيطِ]

- ‌[كِتَابُ اللُّقَطَةِ]

- ‌(كِتَابُ الْآبِقِ)

- ‌[كِتَاب الْمَفْقُود]

- ‌(كِتَابُ الشِّرْكَةِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الشِّرْكَةِ الْفَاسِدَةِ)

- ‌(كِتَابُ الْوَقْفِ)

- ‌[فَصْلٌ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ حَتَّى يَفْرِزَهُ عَنْ مِلْكِهِ]

الفصل: ‌(باب العبد يعتق بعضه)

عِنْدَهُ قَالَ رحمه الله (وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الْمِلْكِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ وَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالْكِتَابَةِ) لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ مَاءَهُ يَكُونُ مُسْتَهْلَكًا بِمَائِهَا فَيُرَجَّحُ جَانِبُهَا، وَلِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ بِهِ مِنْ جِهَتِهَا، وَلِهَذَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدُ الزِّنَا وَوَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ مِنْهَا حَتَّى تَرِثُهُ وَيَرِثُهَا، وَلِأَنَّهُ قَبْلَ الِانْفِصَالِ هُوَ كَعُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا حِسًّا وَحُكْمًا حَتَّى يَتَغَذَّى بِغِذَائِهَا وَيَنْتَقِلُ بِانْتِقَالِهَا وَيَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ، وَغَيْرِهِمَا مِنْ التَّصَرُّفَاتِ تَبَعًا لَهَا فَكَانَ جَانِبُهَا أَرْجَحَ، وَكَذَلِكَ يُعْتَبَرُ جَانِبُ الْأُمِّ فِي الْبَهَائِمِ أَيْضًا حَتَّى إذَا تَوَالَدَ بَيْنَ الْوَحْشِيِّ وَالْأَهْلِيِّ أَوْ بَيْنَ الْمَأْكُولِ وَغَيْرِ الْمَأْكُولِ يُؤْكَلُ إذَا كَانَتْ أُمُّهُ مَأْكُولَةً، وَتَجُوزُ الْأُضْحِيَّةُ بِهِ إذَا كَانَتْ أُمُّهُ مِمَّا يَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِهَا، فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِيمَا ذَكَرْنَا وَالْأَبَ فِي النَّسَبِ لِأَنَّهُ لِلتَّعْرِيفِ، وَالْأُمُّ لَا تُشْهَرُ، وَخَيْرَهُمَا فِي الدِّينِ

وَقَوْلُهُ يَتْبَعُهَا فِي الرِّقِّ وَالْمِلْكِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الرِّقَّ هُوَ الذُّلُّ الَّذِي رَكَّبَهُ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ جَزَاءَ اسْتِنْكَافِهِمْ عَنْ طَاعَتِهِ، وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ حَقُّ الْعَامَّةِ عَلَى مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَالْمِلْكُ هُوَ الَّذِي يَتَمَكَّنُ الشَّخْصُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَهُوَ حَقُّهُ، وَأَوَّلُ مَا يُؤْخَذُ الْمَأْسُورُ يُوصَفُ بِالرِّقِّ، وَلَا يُوصَفُ بِالْمِلْكِ إلَّا بَعْدَ الْإِخْرَاجِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَالْمِلْكُ يُوجَدُ فِي الْجَمَادِ وَالْحَيَوَانِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ دُونَ الرِّقِّ، وَبِالْبَيْعِ يَزُولُ مِلْكُهُ دُونَ الرِّقِّ، وَبِالْعِتْقِ يَزُولُ مِلْكُهُ قَصْدًا لِأَنَّهُ حَقُّهُ، وَيَزُولُ الرِّقُّ ضِمْنًا ضَرُورَةَ فَرَاغِهِ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَيَتَبَيَّنُ لَك الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي الْوَلَدِ الْقِنِّ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ فَإِنَّ الرِّقَّ وَالْمِلْكَ كَامِلَانِ فِي الْقِنِّ، وَرِقُّ أُمِّ الْوَلَدِ نَاقِصٌ حَتَّى لَا يَجُوزُ عِتْقُهَا عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَالْمِلْكُ فِيهَا كَامِلٌ، وَالْمُكَاتَبُ رِقُّهُ كَامِلٌ حَتَّى جَازَ عِتْقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَمِلْكُهُ نَاقِصٌ حَتَّى خَرَجَ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى

وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ قَالَ رحمه الله (وَوَلَدُ الْأَمَةِ مِنْ سَيِّدِهَا حُرٌّ) لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهِ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَلَا يُعَارِضُهُ مَاءُ الْأَمَةِ لِأَنَّ مَاءَهَا مَمْلُوكٌ لَهُ بِخِلَافِ أَمَةِ الْغَيْرِ لِأَنَّ مَاءَهَا مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِهَا فَتَحَقَّقَتْ الْمُعَارَضَةُ فَرَجَّحْنَا جَانِبَهَا بِمَا ذَكَرْنَا، وَالزَّوْجُ قَدْ رَضِيَ بِذَلِكَ لِعِلْمِهِ بِهِ بِخِلَافِ وَلَدِ الْمَغْرُورِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ الْوَالِدُ بِهِ فَلِهَذَا قُلْنَا عَلِقَ حُرًّا فِي حَقِّهِ فَلَا يَتْبَعُهَا الْوَلَدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

(بَابُ الْعَبْدُ يَعْتِقُ بَعْضُهُ)

قَالَ رحمه الله (مَنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ لَمْ يَعْتِقْ كُلُّهُ، وَسَعَى لَهُ فِيمَا بَقِيَ، وَهُوَ كَالْمُكَاتَبِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الْمِلْكِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالتَّدْبِيرِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فِي بَابِ التَّدْبِيرِ، وَوَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ مُدَبَّرٌ، وَعَلَى ذَلِكَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَوْلُهُ وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَعَامَّةُ النُّسَخِ هُنَا بِالتَّأْنِيثِ فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالتَّذْكِيرِ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ وَلَدَ الْعَبْدِ الْمُدَبَّرِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَ مِنْ أَمَةٍ أَوْ حُرَّةٍ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَمَةٍ يَكُونُ رَقِيقًا لِمَوْلَاهُ وَلَا يَكُونُ مُدَبَّرًا كَأَبِيهِ

وَإِنْ كَانَ مِنْ حُرَّةٍ يَكُونُ حُرًّا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ مِنْ أَمَةٍ مُدَبَّرَةٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُدَبَّرًا تَبَعًا لِأُمِّهِ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ الْقَارَّةَ فِي الْأُمَّهَاتِ تَسْرِي إلَى الْأَوْلَادِ، وَلِهَذَا صَرَّحَ بِالتَّأْنِيثِ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ، وَقَالَ وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ بِمَنْزِلَتِهَا لِمَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّ وَلَدَ الْمُدَبَّرَةِ مُدَبَّرٌ، وَكَذَلِكَ فِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ حَيْثُ قَالَ وَوَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ بِمَنْزِلَتِهَا كَوَلَدِ الْحُرَّةِ، وَهَذَا مَذْهَبُنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَدْخُلُ فِي تَدْبِيرِهَا لَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ يَعْتِقُ بِعِتْقِهَا، وَيَرِقُّ بِرِقِّهَا اهـ قَوْلُهُ وَوَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ مُدَبَّرٌ ثَمَّ الْمُرَادُ الْوَلَدُ الَّذِي كَانَتْ حَامِلًا بِهِ وَقْتَ التَّدْبِيرِ أَوْ الْوَلَدُ الَّذِي حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَ التَّدْبِيرِ أَمَّا وَلَدُهَا الْمَوْلُودُ قَبْلَهُ فَلَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا بِتَدْبِيرِهَا أَمَّا الَّذِي كَانَ حَمْلًا فَبِالْإِجْمَاعِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهَا، وَهِيَ حَامِلٌ، وَأَمَّا الَّذِي حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَهُ فَفِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَوْلَى، وَالْمُدَبَّرَةُ فِي وِلَادَتِهَا فَقَالَ وَلَدْتِيهِ (قَوْلُهُ وَغَيْرُهُمَا) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ، وَغَيْرِهِ اهـ (قَوْلُهُ وَالْمِلْكُ) هُوَ تَمَكُّنُ الشَّخْصِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَهُوَ حَقُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لِأَنَّ الرِّقَّ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لِمَا أَنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا اسْتَنْكَفُوا عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَرِقَّاءَ لِعَبِيدِهِ فَكَانَ سَبَبُ رِقِّهِمْ كُفْرَهُمْ أَوْ كُفْرَ أُصُولِهِمْ أَوْ الرِّقُّ حَقُّ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ كَوْنُهُ وَسِيلَةٌ إلَى نَفْعِهِمْ، وَإِقَامَةِ مَصَالِحِهِمْ، وَدَفْعِ الشَّرِّ عَنْهُمْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ حَتَّى لَا يَجُوزَ عِتْقُهَا عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَالْمُلْكُ فِيهَا كَامِلٌ) وَلِهَذَا لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ تَدْخُلُ أُمُّ الْوَلَدِ فِيهِ، وَلَا تَدْخُلُ الْمُكَاتَبَةُ كَمَا سَيَأْتِي مَتْنًا وَشَرْحًا فِي الْأَيْمَانِ اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ حَتَّى جَازَ لَهُ وَطْؤُهَا، وَكَذَا الْمُدَبَّرَةُ، وَقَدْ مَرَّ مَبْسُوطًا فِي بَابِ الظِّهَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ حُرٌّ لِي) وَمِلْكُهُ نَاقِصٌ فَلَا يَحِلُّ لِلْمَوْلَى وَطْءُ الْمُكَاتَبَةِ لِنُقْصَانِ الْمِلْكِ فِيهَا اهـ.

[بَابُ الْعَبْدُ يَعْتِقُ بَعْضُهُ]

(بَابُ الْعَبْدِ يَعْتِقُ بَعْضُهُ) لَمَّا ذَكَرَ إعْتَاقَ الْكُلِّ شَرَعَ فِي إعْتَاقِ الْبَعْضِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ ثَابِتٍ كَمَالُهُ، وَنُقْصَانُهُ بِعَارِضٍ، وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي الثَّانِي اخْتِلَافٌ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الِاخْتِلَافِ، وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ كَثِيرُ الْوُقُوعِ فَاسْتَحَقَّ التَّقْدِيمَ، وَالثَّانِي قَلِيلٌ فَأَخَّرَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ مَنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ) قَالَ الْكَمَالُ وَظَاهِرٌ أَنَّ هَذَا إذَا عَيَّنَ مِقْدَارًا كَرُبْعُك حُرٌّ، وَنَحْوَهُ فَلَوْ قَالَ بَعْضُك حُرٌّ أَوْ جُزْءٌ مِنْك أَوْ شِقْصٌ أُمِرَ بِالْبَيَانِ، وَلَوْ قَالَ سَهْمٌ مِنْك حُرٌّ فَقِيَاسُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يُعَيَّنُ سُدُسُهُ كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ بِالسَّهْمِ مِنْ عَبْدِهِ فَيَسْعَى فِي خَمْسَةِ أَسْدَاسِهِ اهـ.

وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَمْ يَعْتِقْ كُلُّهُ) قَالَ الرَّازِيّ فِيمَا كَتَبَهُ بِخَطِّهِ عَلَى حَوَاشِي شَرْحِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ لَمْ يَعْتِقْ كُلُّهُ، وَلَا بَعْضُهُ بَلْ يَزُولُ الْمِلْكُ عَنْ الشِّقْصِ، وَيَتَأَخَّرُ الْعِتْقُ إلَى زَوَالِ الْمِلْكِ عَنْ الْكُلِّ بِالسِّعَايَةِ، وَلِهَذَا كَانَ رَقِيقًا فِي شَهَادَاتِهِ، وَسَائِرِ أَحْكَامِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَسَعَى فِيمَا بَقِيَ، وَهُوَ كَالْمُكَاتَبِ)

ص: 72

- رحمه الله، وَقَالَا يَعْتِقُ كُلُّهُ، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْإِعْتَاقَ يُوجِبُ زَوَالَ الْمِلْكِ عِنْدَهُ، وَهُوَ مُتَجَزِّئٌ، وَعِنْدَهُمَا يُوجِبُ زَوَالَ الرِّقِّ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَجَزِّئٍ، وَأَمَّا نَفْسُ الْإِعْتَاقِ أَوْ الْعِتْقِ فَلَا يَتَجَزَّأُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ ذَاتَ الْقَوْلِ، وَهُوَ الْعِلَّةُ، وَحُكْمَهُ، وَهُوَ زَوَالُ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ التَّجْزِيءُ، وَكَذَا الرِّقُّ لَا يَتَجَزَّى بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ ضَعْفٌ حُكْمِيٌّ، وَالْحُرِّيَّةُ قُوَّةٌ حُكْمِيَّةٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَأَبُو حَنِيفَةَ اعْتَبَرَ جَانِبَ الرِّقِّ فَجَعَلَهُ رَقِيقًا عَلَى مَا كَانَ، وَقَالَ زَوَالُ مِلْكِهِ عَنْ الْبَعْضِ الَّذِي أَعْتَقَهُ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْبَعْضُ حُرًّا، وَهُمَا اعْتَبَرَا جَانِبَ الْحُرِّيَّةِ فَصَارَ كُلُّهُ حُرًّا، لَهُمَا عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ عَتَقَ كُلُّهُ لَيْسَ لِلَّهِ فِيهِ شَرِيكٌ» ، وَلِأَنَّ الْإِعْتَاقَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَالَ فِي الْكَافِي وَمَا دَامَ يَسْعَى فَهُوَ مُكَاتَبٌ، وَيَجِبُ إزَالَةُ الْمِلْكِ عَنْ الْبَاقِي بِالِاسْتِسْعَاءِ أَوْ الْإِعْتَاقِ فَإِذَا زَالَ كُلُّ مِلْكِهِ يَعْتِقُ حِينَئِذٍ كُلُّهُ اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْكَافِي غَيْرَ أَنَّهُ إذَا عَجَزَ لَا يُرَدُّ إلَى الرِّقِّ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ الْمَقْصُودَةِ لِأَنَّ السَّبَبَ ثَمَّ عَقْدٌ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ، وَهُنَا السَّبَبُ إزَالَةُ الْمِلْكِ لَا إلَى أَجَلٍ فَلَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدٌ صَدَرَ مِنْ شَخْصَيْنِ فَانْتَقَلَ الْحَقُّ مِنْ السَّيِّدِ إلَى الْمُكَاتَبِ تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِ الْمُكَاتَبِ، وَالشَّيْءُ مَهْمَا بَقِيَ قُبِلَ التَّصَرُّفُ فِيهِ وَإِذَا اضْمَحَلَّ فَلَا اهـ

(قَوْلُهُ وَقَالَا يَعْتِقُ كُلُّهُ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ اهـ كَافِيٌّ (قَوْلُهُ وَأَمَّا نَفْسُ الْإِعْتَاقِ إلَخْ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَالْإِعْتَاقُ يَتَجَزَّأُ، وَقَالَ الْعِمَادِيُّ فِي الْفَصْلِ الْأَرْبَعِينَ، وَالْإِعْتَاقُ يَتَجَزَّأُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ، وَقَدْ يُشْتَبَهُ عَلَى بَعْضِ الْفُقَهَاءِ تَصْوِيرُ الْخِلَافِ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَنَا فَإِذَا أَعْتَقَ مِنْ الْعَبْدِ شِقْصَهُ ثَبَتَ الْعِتْقُ فِيهِ، وَفِي عَامَّةِ الْأَشْقَاصِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَجَزَّأُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُعْتَقُ الْبَعْضِ حُرًّا عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مُعْتَقُ الْبَعْضِ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ، وَهَذَا الِاشْتِبَاهُ إنَّمَا يَنْشَأُ مِنْ الْجَهْلِ بِحَقِيقَةِ الْإِعْتَاقِ فَنَقُولُ يَحْتَاجُ فِي تَقْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَى مَعْرِفَةِ مَعْنَى الرِّقِّ فَالرِّقُّ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الضَّعْفِ يُقَالُ رَقَّ الشَّيْءُ إذَا ضَعُفَ وَخَفِيَ أَثَرُهُ وَرَقَّ الثَّوْبُ إذَا ضَعُفَ مِنْ طُولِ اللِّبْسِ، وَثَوْبٌ رَقِيقٌ إذَا كَانَ ضَعِيفَ النَّسْجِ وَالتَّرْكِيبِ، وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ ضَعْفٍ حُكْمِيٍّ فِي الْآدَمِيِّ، وَالْمُرَادُ مِنْ الضَّعْفِ الْحُكْمِيِّ حَالٌ حُكْمِيَّةٌ فِي الْمَحَلِّ لِأَجْلِ تِلْكَ الْحَالَةِ يَصِحُّ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِيهِ، وَإِيرَادُ الْمِلْكِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْحَيَاةِ مَعَ الْعِلْمِ فَإِنَّ الْحَيَاةَ شَرْطٌ مُصَحِّحٌ لِحُصُولِ الْعِلْمِ فِي الْمَحَلِّ، وَأَنَّهُ مَعْنًى وَرَاءَ الْمِلْكِ لِأَنَّ الْمِلْكَ مَعْنًى يَثْبُتُ فِي الْمَحَلِّ بِنَاءً عَلَى سَبَبٍ يُوجَدُ فِي الْمَحَلِّ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ، وَقَبُولُ الْمَحَلِّ ثَابِتٌ قَبْلَ ذَلِكَ فَكَانَ الرِّقُّ مَعْنًى وَرَاءَ الْمِلْكِ ضَرُورَةً، وَالْعِتْقُ عِبَارَةٌ عَنْ الْقُوَّةِ يُقَالُ عَتَقَ الْفَرْخُ إذَا قَوِيَ، وَطَارَ عَنْ وَكْرِهِ، وَمِنْهُ عَتَاقُ الطَّيْرِ، وَهِيَ جَوَارِحُهَا لِاخْتِصَاصِهَا بِمَزِيدِ الْقُوَّةِ، وَالْخَمْرَةُ إذَا تَقَادَمَ عَهْدُهَا تُسَمَّى عَتِيقًا لِاخْتِصَاصِهَا بِزِيَادَةِ الْقُوَّةِ، وَالْكَعْبَةُ تُسَمَّى عَتِيقًا لِاخْتِصَاصِهَا بِالْقُوَّةِ الدَّافِعَةِ لِلتَّمَلُّكِ عَنْ نَفْسِهَا فَهَذَا مَعْنَاهُ لُغَةً

وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ الْقُوَّةِ الْحُكْمِيَّةِ يَظْهَرُ أَثَرُهَا فِي الْمَالِكِيَّةِ، وَالْغَرَضُ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ تَمَلُّكُ الْأَشْيَاءِ بِأَسْبَابِهَا، وَسَيَأْتِيك التَّقْرِيبُ فِي أَثْنَاءِ الْمَسْأَلَةِ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ الْإِعْتَاقُ إذَا وُجِدَ يَزُولُ بِهِ الْمِلْكُ وَالرِّقُّ فَبِنَا أَنْ نَنْظُرَ أَنَّ تَأْثِيرَهُ فِي زَوَالِ الْمِلْكِ قَصْدًا وَابْتِدَاءً أَمْ يَثْبُتُ زَوَالُهُ ضِمْنًا وَتَبَعًا لِزَوَالِ الرِّقِّ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ تَأْثِيرُ الْإِعْتَاقِ فِي إزَالَةِ الْمِلْكِ قَصْدًا وَابْتِدَاءً، وَفِي إزَالَةِ الرِّقِّ ضِمْنًا وَتَبَعًا، وَعِنْدَهُمَا تَأْثِيرُ الْإِعْتَاقِ فِي إزَالَةِ الرِّقِّ قَصْدًا وَابْتِدَاءً، وَفِي إزَالَةِ الْمِلْكِ ضِمْنًا، وَتَبَعًا وَجْهُ قَوْلِهِمَا هُوَ أَنَّ الرِّقَّ لَمَّا كَانَ عِبَارَةً عَنْ الضَّعْفِ، وَالْإِعْتَاقُ عِبَارَةٌ عَنْ إثْبَاتِ الْقُوَّةِ بِإِثْبَاتِ الْعِتْقِ، وَهُوَ لَا يَتَجَزَّأُ بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا رحمهم الله، وَإِثْبَاتُ الْقُوَّةِ يَكُونُ بِإِزَالَةِ الضَّعْفِ الَّذِي هُوَ الرِّقُّ فَلَوْ كَانَ الْإِعْتَاقُ يَتَجَزَّأُ يَلْزَمُ نَوْعُ مُحَالٍ لِأَنَّهُ إذَا أَعْتَقَ الْبَعْضَ يَثْبُتُ الْعِتْقُ فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ عَمَلًا بِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ فِعْلٌ مُتَعَدٍّ لَازِمُهُ الْعِتْقُ، وَلَا وُجُودَ لِلْمُتَعَدِّي إلَّا أَنْ يَثْبُتَ لَازِمُهُ كَالْكَسْرِ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الِانْكِسَارِ، وَإِذَا ثَبَتَ الْعِتْقُ فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ لَوْ لَمْ يَثْبُتْ الْعِتْقُ فِي سَائِرِ الْأَبْعَاضِ بِتَقْدِيرِ ثُبُوتِ الْعِتْقِ فِي الشِّقْصِ يَكُونُ الْعِتْقُ مُتَجَزِّئًا، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ، وَلِأَبِي حَنِيفَة أَنَّ الْإِعْتَاقَ تَأْثِيرُهُ فِي إزَالَةِ الْمِلْكِ قَصْدًا وَابْتِدَاءً، وَيَثْبُتُ زَوَالُ الرِّقِّ ضِمْنًا وَتَبَعًا

وَبَيَانُهُ أَنَّ الرِّقَّ إنَّمَا يَثْبُتُ حَقًّا لِلشَّرْعِ أَوْ حَقًّا لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ جَزَاءً عَلَى كُفْرِهِ أَوْ كُفْرِ أُصُولِهِ حَيْثُ اسْتَنْكَفُوا عَنْ أَنْ يَكُونُوا عَبِيدًا لِلَّهِ فَاَللَّهُ تَعَالَى ضَرَبَ عَلَيْهِمْ الرِّقَّ لِيَكُونُوا عَبِيدَ عَبِيدِهِ مُجَازَاةً لَهُمْ عَلَى الِاسْتِنْكَافِ أَوْ يَكُونُ حَقًّا لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ لِيَكُونَ مَعُونَةً لَهُمْ عَلَى إقَامَةِ التَّكَالِيفِ فَثَبَتَ أَنَّ الرِّقَّ حَقُّ الشَّرْعِ أَوْ حَقُّ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَبَعْدَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْإِعْتَاقُ تَأْثِيرُهُ فِي إزَالَةِ الرِّقِّ قَصْدًا وَابْتِدَاءً لِأَنَّهُ خِلَافُ قَاعِدَةِ الشَّرْعِ لِأَنَّ قَاعِدَةَ الشَّرْعِ أَنْ لَا يَكُونَ الْإِنْسَانُ بِسَبِيلٍ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ قَصْدًا وَابْتِدَاءً وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِسَبِيلٍ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ نَفْسِهِ قَصْدًا وَابْتِدَاءً ثُمَّ يَبْطُلُ حَقُّ غَيْرِهِ ضِمْنًا وَقَصْدًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ اثْنَيْنِ إذَا أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ قَصْدًا لَا يَجُوزُ، وَلَوْ أَعْتَقَ نَصِيبَ نَفْسِهِ يَعْتِقُ نَصِيبُ الْآخَرِ أَوْ يَفْسُدُ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ فَلَوْ جَعَلْنَا تَأْثِيرَ الْإِعْتَاقِ فِي إزَالَةِ الرِّقِّ قَصْدًا وَابْتِدَاءً كَانَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْغَيْرِ قَصْدًا وَابْتِدَاءً، وَأَنَّهُ خِلَافُ قَاعِدَةِ الشَّرْعِ، وَلَوْ جَعَلْنَا تَأْثِيرَهُ فِي إزَالَةِ الْمِلْكِ قَصْدًا وَابْتِدَاءً كَانَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ نَفْسِهِ قَصْدًا لِأَنَّ الْمِلْكَ يَتَمَحَّضُ حَقًّا لَهُ فَيَثْبُتُ أَنَّ الْإِعْتَاقَ تَأْثِيرُهُ فِي إزَالَةِ الْمِلْكِ قَصْدًا، وَالْمِلْكُ مِمَّا يَقْبَلُ الْوَصْفَ بِالتَّجْزِيءِ، وَإِلَّا ثُبُوتًا فَكَانَ الْإِعْتَاقُ مُتَجَزِّئًا. اهـ. كَلَامُ الْعِمَادِيِّ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْإِعْتَاقَ

ص: 73

إثْبَاتُ الْعِتْقِ فِي الْمَحَلِّ كَالْإِعْلَامِ إثْبَاتُ الْعِلْمِ فَلَا يَتَجَزَّأُ كَالطَّلَاقِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ كُلِّفَ عِتْقَ بَقِيَّتِهِ»

وَتَكْلِيفُ الْعِتْقِ فِي الْبَاقِي لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا عِنْدَ قِيَامِ الْمِلْكِ فِيهِ فَإِذَا بَقِيَ فِيهِ بَقِيَ فِي الْكُلِّ ضَرُورَةُ عَدَمِ التَّجْزِيءِ، وَلِأَنَّ الْإِعْتَاقَ إزَالَةُ الْمِلْكِ لَا إزَالَةُ الرِّقِّ لِأَنَّ الْمِلْكَ حَقُّهُ، وَالرِّقَّ حَقُّ الشَّرْعِ أَوْ الْعَامَّةِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ وِلَايَتِهِ وَتَصَرُّفِهِ إلَّا مَا هُوَ حَقُّهُ، وَلَا يَتَعَدَّى إلَى مَا وَرَاءَهُ إلَّا لِلضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ هُنَا لِأَنَّ حَقَّهُ، وَهُوَ الْمِلْكُ يَقْبَلُ الْوَصْفَ بِالتَّجْزِيءِ كَمَا إذَا أَزَالَهُ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَسْبَابِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ فَيَبْقَى الرِّقُّ عَلَى حَالِهِ لِعَدَمِ مَا يُزِيلُهُ لَا قَصْدًا وَلَا ضِمْنًا بِخِلَافِ مَا إذَا عَتَقَ كُلُّهُ حَيْثُ يَزُولُ الرِّقُّ تَبَعًا لِزَوَالِ الْمِلْكِ لِأَنَّ الرِّقَّ كَانَ لِأَجْلِهِمْ فَإِذَا فَرَغَ عَنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ زَالَ الرِّقُّ ضَرُورَةً، وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ قَصْدًا، فَإِذَا بَقِيَ الْمِلْكُ فِي بَعْضِهِ فَلَا يَزُولُ الرِّقُّ لِبَقَاءِ حَقِّ الْعَبْدِ فِيهِ فَبَقِيَ عَلَى مَا كَانَ، وَتَجِبُ السِّعَايَةُ عَلَيْهِ لِاحْتِبَاسِ مَالِيَّةِ الْبَعْضِ عِنْدَهُ فَصَارَ كَالْمُكَاتَبِ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الْبَعْضِ تُوجِبُ ثُبُوتَ الْمَالِكِيَّةِ فِي كُلِّهِ، وَبَقَاءُ الْمِلْكِ فِي الْبَعْضِ يَمْنَعُهُ فَعَمِلْنَا بِالدَّلِيلَيْنِ بِجَعْلِهِ مُكَاتَبًا إذْ هُوَ مَالِكٌ يَدًا لَا رَقَبَةً، وَالسِّعَايَةُ كَبَدَلِ الْكِتَابَةِ فَلَهُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَهُ لِأَنَّهُ قَابِلٌ لَهُ كَالْمُكَاتَبِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُفْسَخُ بِالْعَجْزِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ، وَلَيْسَ فِي الطَّلَاقِ إلَّا التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِهِ بِالْإِزَالَةِ، وَكَذَا فِي الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ فَجَازَ إزَالَتُهُ قَصْدًا، وَلَا لَهُمَا حَالَةٌ مُتَوَسِّطَةٌ فَأَثْبَتْنَاهُ فِي الْكُلِّ تَرْجِيحًا لِلْمُحَرَّمِ، وَالِاسْتِيلَادُ مُتَجَزِّئٌ عِنْدَهُ حَتَّى لَوْ اسْتَوْلَدَ نَصِيبَهُ مِنْ مُدَبَّرَةٍ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ، وَفِي الْقُنْيَةِ لَمَّا ضَمِنَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِالْإِفْسَادِ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ فَكَمُلَ الِاسْتِيلَادُ، وَلَوْ قَالَ بَعْضُك حُرٌّ أَوْ جُزْءٌ مِنْك حُرٌّ يُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ، وَلَوْ قَالَ سَهْمٌ مِنْك حُرٌّ عَتَقَ سُدُسُهُ، وَعِنْدَهُمَا يَعْتِقُ كُلُّهُ فِي الْكُلِّ لِمَا ذَكَرْنَا.

قَالَ رحمه الله (وَإِنْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ فَلِشَرِيكِهِ أَنْ يُحَرِّرَ أَوْ يَسْتَسْعِيَ، وَالْوَلَاءُ لَهُمَا أَوْ يَضْمَنَ لَوْ مُوسِرًا، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْعَبْدِ، وَالْوَلَاءُ لَهُ) أَيْ لِلْمُعْتِقِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَيْسَ لَهُ إلَّا الضَّمَانُ مَعَ الْيَسَارِ، وَالسِّعَايَةُ مَعَ الْإِعْسَارِ، وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ أَحَدُهُمَا ثُبُوتُ الْحُرِّيَّةِ فِي الْكُلِّ بِعِتْقِ الْبَعْضِ، وَعَدَمُ ثُبُوتِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ، وَالثَّانِي أَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ لَا يَمْنَعُ السِّعَايَةَ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَمْنَعُهُ «لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام فِي الرَّجُلِ يُعْتِقُ نَصِيبَهُ إنْ كَانَ غَنِيًّا ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا سَعَى فِي حِصَّةِ الْآخَرِ» وَهَذَا قَسْمٌ، وَالْقِسْمَةُ تُنَافِي الشِّرْكَةَ، وَلَهُ أَنَّهُ احْتَبَسَتْ مَالِيَّةُ نَصِيبِهِ عِنْدَ الْعَبْدِ فَلَهُ أَنْ يَضْمَنَهُ كَمَا إذَا هَبَّتْ الرِّيحُ بِثَوْبِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

إثْبَاتُ الْعِتْقِ فِي الْمَحَلِّ كَالْإِعْلَامِ إلَخْ) وَالْعِتْقُ قُوَّةٌ حُكْمِيَّةٌ يَظْهَرُ بِهَا سُلْطَانُ الْمَالِكِيَّةِ، وَنَفَاذُ الْوِلَايَةِ، وَإِثْبَاتُهُ بِإِزَالَةِ ضِدِّهِ، وَهُوَ الرِّقُّ الَّذِي هُوَ ضَعْفٌ حُكْمِيٌّ أَيْ حَالَةٌ حُكْمِيَّةٌ فِي الْمَحَلِّ يَصِحُّ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِيهِ بِاعْتِبَارِهَا، وَبَقَاءُ الْمِلْكِ فِيهِ لَا يَكُونُ إلَّا بِبَقَاءِ الرِّقِّ، وَهُوَ لَا يَتَجَزَّأُ كَالْعِتْقِ فِي الصَّحِيحِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الشِّقْصِ قَوِيًّا مُتَّصِفًا بِالْمَالِكِيَّةِ وَأَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ وَالْوِلَايَةِ، وَالْبَعْضُ ضَعِيفًا زَائِلَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْوِلَايَةِ وَالشَّهَادَةِ، وَلِأَنَّ الرِّقَّ عُقُوبَةُ الْكُفْرِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُوبُهَا عَلَى النِّصْفِ شَائِعًا لِأَنَّ الذَّنْبَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي النِّصْفِ دُونَ النِّصْفِ، وَإِذَا لَمْ يَكُونَا مُتَجَزِّئَيْنِ لَمْ يَكُنْ الْإِعْتَاقُ مُتَجَزِّئًا ضَرُورَةً، وَإِلَّا يَلْزَمُ الْأَثَرُ بِلَا مُؤَثِّرٍ أَوْ عَكْسُهُ، وَصَارَ كَالتَّطْلِيقِ وَالطَّلَاقِ، وَمَا لَا يَتَجَزَّأُ إذَا ثَبَتَ بَعْضُهُ ثَبَتَ كُلُّهُ كَالطَّلَاقِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ فَلَا يَتَجَزَّأُ كَالطَّلَاقِ وَالِاسْتِيلَادِ) حَتَّى لَوْ اسْتَوْلَدَ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَكَةَ تَصِيرُ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدِهِ اهـ

(قَوْلُهُ وَالْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ) فَإِنْ عَفَا أَحَدُ الْوَرَثَةِ عَنْ نَصِيبِهِ يَسْقُطُ الْقَوَدُ اهـ (قَوْلُهُ وَتَكْلِيفُ الْعِتْقِ فِي الْبَاقِي لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا عِنْدَ قِيَامِ الْمِلْكِ فِيهِ) وَالرِّقِّ فِي الْبَاقِي، وَإِلَّا يَكُونُ تَكْلِيفًا بِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ) أَيْ إضَافَةُ الْعِتْقِ اهـ (قَوْلُهُ تُوجِبُ ثُبُوتَ الْمَالِكِيَّةِ) أَيْ لِلْعَبْدِ اهـ (قَوْلُهُ فِي كُلِّهِ) إذْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ مَعَ بَقَاءِ الْمِلْكِ فِي بَعْضِهِ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ يَمْنَعُهُ) أَيْ الْعَبْدُ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْكُلِّ اهـ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ عَتَقَ قَالَ الْكَمَالُ أَيْ زَالَ مِلْكُهُ فَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا فَشَرِيكُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مُتَجَزِّئًا، وَإِنْ شَاءَ مُضَافًا، وَيَنْبَغِي إذَا أَضَافَهُ أَنْ لَا تُقْبَلَ مِنْهُ إضَافَتُهُ إلَى زَمَانٍ طَوِيلٍ لِأَنَّهُ كَالتَّدْبِيرِ مَعْنًى، وَلَوْ دَبَّرَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي الْحَالِ فَيَعْتِقُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُضَافَ إلَى مُدَّةٍ تُشَاكِلُ مُدَّةَ الِاسْتِسْعَاءِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُعْتِقَ قِيمَتَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِإِذْنِهِ فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الشَّرِيكِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ فِيهَا فَإِنْ ضَمِنَ رَجَعَ الْمُعْتِقُ عَلَى الْعَبْدِ، وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ، وَإِنْ أَعْتَقَ أَوْ اسْتَسْعَى فَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا فِي الْوَجْهَيْنِ أَيْ فِي الْإِعْتَاقِ وَالسِّعَايَةِ، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ، وَذَكَرَ فِي التُّحْفَةِ خَمْسَ خِيَارَاتٍ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ، وَأَنْ يُدَبِّرَهُ، وَعَلِمْت حُكْمَهُ، وَأَنْ يَسْتَسْعِيَ، وَأَنْ يُكَاتِبَهُ، وَهُوَ يَرْجِعُ إلَى مَعْنَى الِاسْتِسْعَاءِ، وَلَوْ عَجَزَ اسْتَسْعَى، وَلَوْ امْتَنَعَ الْعَبْدُ عَنْ السِّعَايَةِ يُؤَجِّرُهُ جَبْرًا، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَةَ فِي مَعْنَى الِاسْتِسْعَاءِ أَنَّهُ لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مِنْ النَّقْدَيْنِ لَا يَجُوزُ إلَّا إنْ قَدْرًا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ السِّعَايَةَ عَلَى قِيمَتِهِ فَلَا يَجُوزُ الْأَكْثَرُ، وَكَذَا لَوْ صَالَحَهُ عَلَى عَرْضٍ أَكْثَرَ اهـ

(قَوْلُهُ فَلِشَرِيكِهِ أَنْ يُحَرِّرَ أَوْ يَسْتَسْعِيَ) قَالَ الْكَمَالُ وَالِاسْتِسْعَاءُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ فَيَأْخُذَ نِصْفَ قِيمَتِهِ مِنْ الْأُجْرَةِ ذَكَرَهُ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ، وَسَيَجِيءُ أَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ عَنْ السِّعَايَةِ فَعَلَ ذَلِكَ إنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ مَعْنَى الِاسْتِسْعَاءِ غَيْرُ هَذَا، وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ فَتَكُونُ الْإِجَارَةُ تَنْفُذُ عَلَيْهِ جَبْرًا اهـ (قَوْلُهُ وَقَالَا لَيْسَ لَهُ إلَّا الضَّمَانُ مَعَ الْيَسَارِ إلَخْ) وَلَا يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ عِنْدَهُمَا كَمَا سَيَأْتِي اهـ (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّهُ احْتَبَسَتْ) عَلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْفَاعِلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ، وَلَا يُقَالُ إنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ فِي مُعَارَضَةِ النَّصِّ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ السِّعَايَةَ إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا لَا إذَا كَانَ مُوسِرًا لِأَنَّا نَقُولُ الشَّرْطُ يُوجِبُ الْوُجُودَ، وَلَا يُوجِبُ الْعَدَمَ عِنْدَ الْعَدَمِ فَافْهَمْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

ص: 74

إنْسَانٍ، وَأَلْقَتْهُ فِي صَبْغِ غَيْرِهِ حَتَّى انْصَبَغَ بِهِ فَعَلَى صَاحِبِ الثَّوْبِ قِيمَةُ صَبْغِهِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا فَكَذَا هُنَا غَيْرَ أَنَّ الْعَبْدَ فَقِيرٌ فَيَسْتَسْعِيهِ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ يَسَارُ التَّيْسِيرِ لَا يَسَارُ الْغِنَى، وَهُوَ أَنْ يَمْلِكَ مِنْ الْمَالِ قَدْرَ قِيمَةِ نَصِيبِ الْآخَرِ فَاضِلًا عَمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ مَلْبُوسِهِ، وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ وَسُكْنَاهُ لِأَنَّ بِذَلِكَ اعْتِدَالَ النَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِتَحْقِيقِ مَا قَصَدَهُ الْمُعْتِقُ مِنْ الْقُرْبَةِ، وَإِيصَالُ بَدَلِ حَقِّ السَّاكِتِ إلَيْهِ

وَيُعْتَبَرُ حَالُهُ يَوْمَ الْإِعْتَاقِ حَتَّى لَوْ أَيْسَرَ بَعْدَهُ أَوْ أَعْسَرَ لَا يُعْتَبَرُ لِأَنَّهُ حَقٌّ وَجَبَ بِنَفْسِ الْعِتْقِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَهُ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيهِ بِحُكْمِ الْحَالِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْخُصُومَةِ وَالْعِتْقِ مُدَّةٌ تَخْتَلِفُ فِيهَا الْأَحْوَالُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُعْتِقِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْعَبْدِ يَوْمَ الْعِتْقِ فَإِنْ كَانَ قَائِمًا يُقَوَّمُ لِلْحَالِ، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا فَالْقَوْلُ لِلْمُعْتِقِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْإِعْتَاقَ سَابِقٌ عَلَى الِاخْتِلَافِ فَالْقَوْلُ لِلْمُعْتِقِ قَائِمًا كَانَ الْعَبْدُ أَوْ هَالِكًا، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْوَقْتِ وَالْقِيمَةِ فَادَّعَى السَّاكِتُ، أَنَّهُ أَعْتَقَهُ لِلْحَالِ يُحْكَمُ بِالْعِتْقِ لِلْحَالِ، وَيُقَوَّمُ لِأَنَّ الْحَادِثَ يُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ لَوْ اخْتَلَفَ الْعَبْدُ وَالسَّاكِتُ ثُمَّ التَّخْرِيجُ عَلَى قَوْلِهِمَا ظَاهِرٌ فَعَدَمُ رُجُوعِ الْمُعْتِقِ عَلَى الْعَبْدِ بَعْدَمَا ضَمِنَ لِعَدَمِ وُجُوبِ السِّعَايَةِ فِي حَالَةِ الْيَسَارِ، وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ لِأَنَّ الْعِتْقَ كُلَّهُ حَصَلَ مِنْ جِهَتِهِ لِعَدَمِ التَّجْزِيءِ، وَأَمَّا التَّخْرِيجُ عَلَى قَوْلِهِ فَخِيَارُ الْعِتْقِ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِي الْبَاقِي إذْ لَمْ يَزُلْ الرِّقُّ عِنْدَهُ

وَخِيَارُ التَّضْمِينِ لِجِنَايَةِ الْمُعْتَقِ عَلَى نَصِيبِهِ بِالْإِفْسَادِ حَيْثُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ التَّصَرُّفَاتُ سِوَى الْإِعْتَاقِ وَتَوَابِعِهِ، وَالِاسْتِسْعَاءُ لِاحْتِبَاسِ الْمَالِيَّةِ عِنْدَ الْعَبْدِ، وَرُجُوعُ الْمُعْتِقِ عَلَى الْعَبْدِ بِمَا ضَمِنَ لِقِيَامِهِ مَقَامَ السَّاكِتِ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ، وَقَدْ كَانَ لِلسَّاكِتِ الِاسْتِسْعَاءُ فَكَذَا لِلْمُعْتِقِ، وَلِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ ضِمْنًا فَيَصِيرُ كَأَنَّ الْكُلَّ لَهُ، وَقَدْ أَعْتَقَ بَعْضَهُ فَلَهُ أَنْ يُعْتِقَ الْبَاقِيَ أَوْ يَسْتَسْعِيَ إنْ شَاءَ، وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ فِي هَذَا الْوَجْهِ لِأَنَّ الْعِتْقَ كُلَّهُ مِنْ جِهَتِهِ حَيْثُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ، وَفِي حَالِ إعْسَارِ الْمُعْتِقِ السَّاكِتُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى لِاحْتِبَاسِ مِلْكِهِ عِنْدَ الْعَبْدِ، وَالْوَلَاءُ لَهُ فِي النِّصْفِ لِوُجُودِ الْعِتْقِ مِنْ جِهَتِهِ بِهَذَا الْقَدْرِ فَيَكُونُ الْبَاقِي لِلْآخَرِ فَيَكُونُ وَلَاءُ الْعَبْدِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فِي الْوَجْهَيْنِ، وَلَا يَرْجِعُ الْعَبْدُ الْمُسْتَسْعَى عَلَى الْمُعْتِقِ بِمَا أَدَّى بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا لِأَنَّهُ أَدَّى لِفِكَاكِ رَقَبَتِهِ بِخِلَافِ الْمَرْهُونِ إذَا أَعْتَقَهُ الرَّاهِنُ الْمُعْسِرُ لِأَنَّهُ يَسْعَى فِي دَيْنٍ عَلَى الرَّاهِنِ لِأَنَّ رَقَبَتَهُ قَدْ فُكَّتْ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَبَرِّعٍ فِيهِ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ

وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُعْتِقِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُلْزَمُ لَهُ كَالْمَرْهُونِ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَلِلسَّاكِتِ أَنْ يُدَبِّرَهُ أَوْ يُكَاتِبَهُ إنْ شَاءَ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ نَوْعُ عِتْقٍ، وَالْكِتَابَةَ اسْتِسْعَاءٌ، وَإِنْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ فَعَلَى صَاحِبِ الثَّوْبِ قِيمَةُ صِبْغِهِ) أَيْ إنْ اخْتَارَ صَاحِبُ الثَّوْبِ إمْسَاكَهُ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّ الْعَبْدَ فَقِيرٌ فَيَسْتَسْعِيهِ) وَفِي الْحَدِيثِ بَيَانٌ أَنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ عَلَى الْمُعْتِقِ عِنْدَ يَسَارِهِ، وَذَا لَا يَنْفِي وُجُوبَ السِّعَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ بِوَصْفِ التَّخْيِيرِ، وَفَائِدَةُ الْقِسْمَةِ فِي نَفْيِ الضَّمَانِ لَوْ كَانَ فَقِيرًا. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ يَسَارُ التَّيْسِيرِ لَا يَسَارُ الْغِنَى) وَيَسَارُ الْغِنَى أَنْ يَمْلِكَ نِصَابًا. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ اعْتِدَالَ النَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ) أَيْ جَانِبِ الْمُعْتِقِ، وَجَانِبِ السَّاكِتِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ حَالُهُ) أَيْ حَالُ الْمُعْتِقِ فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ يَوْمَ الْإِعْتَاقِ) وَكَذَا الْمُعْتَبَرُ فِي الْقِيمَةِ فِي الضَّمَانِ وَالسِّعَايَةِ حَالَةُ الْإِعْتَاقِ. اهـ. مُسْتَصْفَى قَوْلُهُ وَكَذَا الْمُعْتَبَرُ فِي الْقِيمَةِ فِي الضَّمَانِ وَالسِّعَايَةِ حَالَةُ الْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ السَّبَبُ كَمَا فِي الْغَصْبِ. اهـ. كَافِي

(قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيهِ) أَيْ فِي الْيَسَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ) أَيْ فِي حَالَتَيْ الضَّمَانِ وَالسِّعَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ حَيْثُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ التَّصَرُّفَاتُ) يَعْنِي مِنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْإِجَارَةِ وَالِاسْتِخْدَامِ وَالْإِمْهَارِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ سِوَى الْإِعْتَاقِ وَتَوَابِعِهِ) وَأَرَادَ بِالتَّوَابِعِ التَّدْبِيرَ وَالْكِتَابَةَ وَالِاسْتِيلَادَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ ضِمْنًا) جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ بِأَنْ يُقَالَ الْمُسْتَسْعَى كَالْمُكَاتَبِ، وَذَلِكَ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ فَالْمُسْتَسْعَى كَذَلِكَ فَكَيْفَ يَمْلِكُهُ الْمُعْتِقُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ فَأَجَابَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ ضِمْنًا أَيْ كَمْ مِنْ شَيْءٍ ثَبَتَ ضِمْنًا، وَلَا يَثْبُتُ قَصْدًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا يَرْجِعُ الْعَبْدُ الْمُسْتَسْعَى عَلَى الْمُعْتِقِ إلَخْ) قَالَ فِي الْكَافِي، وَفِي حَالِ إعْسَارِ الْمُعْتَقِ لَهُ أَنْ يُعْتِقَ أَوْ يَسْتَسْعِيَ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ، وَالْوَلَاءُ لَهُ لِأَنَّ الْعِتْقَ مِنْهُ، وَيَرْجِعُ الْمُسْتَسْعَى عَلَى الْمُعْتِقِ بِمَا أَدَّى إذَا أَيْسَرَ عِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَلْزَمَهُ ذَلِكَ بِفِعْلِهِ، وَعِنْدَنَا لَا يَرْجِعُ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله فَلِأَنَّ مُعْتَقُ الْبَعْضِ كَالْمُكَاتَبِ فَهَذَا ضَمَانٌ وَجَبَ عَلَى الْعَبْدِ، وَيَسْتَفِيدُ بِهِ عِتْقًا فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمَوْلَى كَالْمُكَاتَبِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَفَدْ بِهَذَا الضَّمَانِ عِتْقٌ لِأَنَّهُ عَتَقَ كُلُّهُ قَبْلَ الضَّمَانِ فَمَا قَضَى بِهِ دِينًا وَجَبَ عَلَى الْمَوْلَى لِيَمْلِكَ مَا فِي ذِمَّتِهِ لِأَنَّ الْمَوْلَى مُعْسِرٌ، وَضَمَانُ الْعِتْقِ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُعْسِرِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْإِيجَابُ عَلَى الْمَوْلَى الْمُعْسِرِ لِعُسْرَتِهِ، وَتَعَذَّرَ إزَالَةُ مِلْكِ الشَّرِيكِ مَجَّانًا لِضَرُورَةٍ أَوْجَبْنَا عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ حَصَلَتْ لَهُ فَكَانَ هَذَا إيجَابُ ضَمَانٍ عَلَى الْعَبْدِ بِعِوَضٍ حَصَلَ لَهُ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ اهـ

(قَوْلُهُ وَلِلسَّاكِتِ أَنْ يُدَبِّرَهُ أَوْ يُكَاتِبَهُ) وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ لَهُ خِيَارَاتٌ خَمْسٌ، وَفِي الْمَتْنِ جَعَلَ لَهُ ثَلَاثَ خِيَارَاتٍ اهـ قَالَ الْكَمَالُ وَلَوْ مَاتَ السَّاكِتُ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ شَيْئًا فَلِوَرَثَتِهِ مِنْ الْخِيَارِ مَا كَانَ لَهُ لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَيْسَ هَذَا تَوْرِيثُ الْخِيَارِ بَلْ الْمَعْنَى الَّذِي أَوْجَبَ الْخِيَارَ لِلْمُوَرِّثِ ثَابِتٌ فِي الْوَرَثَةِ فَإِنْ شَاءُوا أَعْتَقُوا، وَإِنْ شَاءُوا اسْتَسْعَوْا الْعَبْدَ، وَإِنْ شَاءُوا ضَمَّنُوا الْمُعْتِقَ فَإِنْ ضَمَّنُوهُ فَالْوَلَاءُ كُلُّهُ لِلْمُعْتِقِ لِأَنَّهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ إلَيْهِمْ يَمْلِكُ نَصِيبَهُمْ كَمَا كَانَ يَتَمَلَّكُ بِالْأَدَاءِ إلَى الْمُوَرِّثِ، وَإِنْ اخْتَارُوا الْإِعْتَاقَ أَوْ الِاسْتِسْعَاءَ فَالْوَلَاءُ فِي هَذَا النَّصِيبِ لِلذُّكُورِ مِنْ أَوْلَادِ الْمَيِّتِ دُونَ الْإِنَاثِ لِأَنَّ مُعْتَقَ الْبَعْضِ كَالْمُكَاتَبِ، وَالْمُكَاتَبُ لَا تُورَثُ عَيْنُهُ، وَإِنَّمَا يُورَثُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ فَيَعْتِقُ نَصِيبُ السَّاكِتِ عَلَى مِلْكِهِ، وَالْوَلَاءُ يَكُونُ لَهُ فَيَخْلُفُهُ فِي ذَلِكَ الذُّكُورُ مِنْ أَوْلَادِهِ دُونَ الْإِنَاثِ إذْ الْوَلَاءُ لَا يُورَثُ، وَإِنْ اخْتَارَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ السِّعَايَةَ وَبَعْضُهُمْ الضَّمَانَ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا اخْتَارَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِيمَا وَرِثَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَيِّتِ اهـ

ص: 75

كَانَ الشَّرِيكُ عَبْدًا مَأْذُونًا لَهُ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَهُ خِيَارُ التَّضْمِينِ وَالِاسْتِسْعَاءُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالْخِيَارُ لِلْمَوْلَى فَيَكُونُ لَهُ الْخِيَارَاتُ الْخَمْسُ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَإِلَّا فَالْأَرْبَعُ، وَإِنْ كَانَ الشَّرِيكُ صَبِيًّا فَإِنْ كَانَ لَهُ وَلِيٌّ أَوْ وَصِيٌّ فَالْخِيَارُ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ نَصَّبَ الْقَاضِي لَهُ، وَصِيًّا أَوْ يَنْتَظِرُ بُلُوغَهُ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا عَتَقَ، وَيَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ قِيمَةَ نَصِيبِهِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا عَتَقَ نَصِيبُهُ، وَنَصِيبُ شَرِيكِهِ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ شَرِيكُهُ كَيْفَ شَاءَ مِنْ الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ سِوَى السِّعَايَةِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا بَيْنَ اثْنَيْنِ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا قُوِّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَعْتِقُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ الْعَبْدُ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَلِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى تَضْمِينِ الشَّرِيكِ لِإِعْسَارِهِ، وَلَا إلَى السِّعَايَةِ لِعَدَمِ جِنَايَتِهِ وَرِضَائِهِ، وَلَا إلَى إعْتَاقِ الْكُلِّ لِلْإِضْرَارِ بِالسَّاكِتِ فَتَعَيَّنَ مَا عَيَّنَاهُ، وَلَنَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ فَخَلَاصُهُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِلَّا قُوِّمَ عَلَيْهِ، وَاسْتَسْعَى بِهِ غَيْرَ مَشْقُوقٍ أَيْ لَا يُشَدِّدُ عَلَيْهِ الْأَمْرَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَغَيْرُهُمَا، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعْتِقَهُ كُلَّهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِلَّا اسْتَسْعَى الْعَبْدُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَغَيْرُهُمَا،

وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ كَانَ غُلَامٌ لَنَا قَدْ شَهِدَ الْقَادِسِيَّةَ فَأَبْلَى فِيهَا، وَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَخِي الْأَسْوَدِ وَأُمِّي فَأَرَادُوا عِتْقَهُ، وَكُنْت يَوْمَئِذٍ صَغِيرًا فَذَكَرَ ذَلِكَ الْأَسْوَدُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ أَعْتِقُوا أَنْتُمْ فَإِذَا بَلَغَ فَإِنْ رَغِبَ فِيمَا رَغِبْتُمْ أَعْتَقَ، وَإِلَّا ضَمَّنَكُمْ فَبَيَّنَ أَنَّ لَهُ أَنْ يُعْتِقَ بَعْدَ الْبُلُوغِ مَعَ إيجَابِ الضَّمَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا إذَا بَقِيَ رَقِيقًا، وَالسِّعَايَةُ تَثْبُتُ بِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ عَلَى ثُبُوتِ الِاسْتِسْعَاءِ ثَلَاثُونَ صَحَابِيًّا، وَلِأَنَّ الِاسْتِسْعَاءَ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الْجِنَايَةِ بَلْ يُبْنَى عَلَى احْتِبَاسِ الْمَالِيَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَلَا يُصَارُ إلَى الْمُحَالِ، وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الضَّعْفِ وَالْقُوَّةِ الْحُكْمِيَّيْنِ، وَلَيْسَ فِيمَا رَوَاهُ مَا يُنَافِي مَذْهَبَنَا بَلْ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَا نَقُولُ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ «فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا قُوِّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَعْتِقُ» ، وَكَلِمَةُ ثُمَّ لِلتَّرَاخِي فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَعْتِقُ بَعْدَ ذَلِكَ إمَّا بِعِتْقِهِ أَوْ بِالسِّعَايَةِ

وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي «فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ» بِالْوَاوِ، وَهِيَ لَا تُنَافِي التَّرْتِيبَ وَلَا التَّرَاخِيَ فَحَمَلْنَا عَلَيْهِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، وَقَوْلُهُ وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ لَمْ تَصِحَّ هَذِهِ الزِّيَادَةُ عَنْ الثِّقَةِ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام حَتَّى قَالَ أَيُّوبُ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ لَا نَدْرِي أَهُوَ شَيْءٌ فِي الْحَدِيثِ أَوْ قَالَهُ نَافِعٌ مِنْ قِبَلِهِ، وَهُمَا الرَّاوِيَانِ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى هِيَ مَكْذُوبَةٌ

قَالَ رحمه الله (وَلَوْ شَهِدَ كُلٌّ بِعِتْقِ نَصِيبِ صَاحِبِهِ سَعَى لَهُمَا) أَيْ لَوْ شَهِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ بِعِتْقِ نَصِيبِ صَاحِبِهِ بِأَنْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِشَرِيكِهِ أَعْتَقْت نَصِيبَك مِنْهُ سَعَى لَهُمَا الْعَبْدُ مُوسِرَيْنِ كَانَا أَوْ مُعْسِرَيْنِ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَشْهَدُ عَلَى صَاحِبِهِ بِالْعِتْقِ، وَعَلَى نَفْسِهِ بِالتَّكَاتُبِ فَلَا يُقْبَلُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَيُقْبَلُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَيَمْتَنِعُ بِهِ اسْتِرْقَاقُهُ، وَيَسْتَسْعِيهِ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ صَادِقًا فَهُوَ مُكَاتَبُهُ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهُوَ عَبْدُهُ، وَلَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ عِنْدَهُ لِأَنَّ حَقَّ الِاسْتِسْعَاءِ لَا يَبْطُلُ بِالْيَسَارِ بَلْ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ، وَهُنَا تَعَذَّرَ التَّضْمِينُ لِإِنْكَارِ الْآخَرِ فَبَقِيَ الْخِيَارُ بَيْنَ الِاسْتِسْعَاءِ وَالْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَالْوَلَاءُ لَهُمَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّهُ عَتَقَ نَصِيبُهُ مِنْ جِهَتِهِ بِالسِّعَايَةِ

وَرَدُّ قَوْلِهِ أَعْتَقَهُ شَرِيكِي أَوْ قَبُولُهُ لَا يَتَغَيَّرُ بِهِ ذَلِكَ لِمَا عُرِفَ أَنَّ نَصِيبَ السَّاكِتِ رَقِيقٌ عَلَى حَالِهِ، وَلِهَذَا لَا يَعْتِقُ مِنْ الْعَبْدِ شَيْءٌ حَتَّى يُوَفِّيَهُمَا السِّعَايَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَتَبَرَّأُ عَنْهُ بِدَعْوَى الضَّمَانِ عَلَى الْمُعْتِقِ فِي زَعْمِهِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا مُوسِرٌ، وَيَسَارُ الْمُعْتِقِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالْخِيَارُ لِلْمَوْلَى) لِأَنَّ كَسْبَهُ مَمْلُوكٌ لِلْمَوْلَى فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَيَكُونُ لَهُ الْخِيَارَاتُ الْخَمْسُ) الْإِعْتَاقُ وَالتَّضْمِينُ وَالِاسْتِسْعَاءُ وَالتَّدْبِيرُ وَالْكِتَابَةُ اهـ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الشَّرِيكُ صَبِيًّا) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَلَوْ كَانَ السَّاكِتُ صَبِيًّا وَالْمُعْتِقُ مُوسِرًا فَالْخِيَارُ بَيْنَ التَّضْمِينِ وَالسِّعَايَةِ لِوَلِيِّهِ، وَالتَّضْمِينُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَنْظَرُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ اُنْتُظِرَ بُلُوغُهُ لِيَخْتَارَ قِيلَ هَذَا فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ قَاضٍ فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ فِيهِ قَاضٍ نَصَّبَ الْقَاضِي لَهُ قَيِّمًا لِيَخْتَارَ التَّضْمِينَ أَوْ الِاسْتِسْعَاءَ، وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ اخْتِيَارُ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِمَالِ الصَّغِيرِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَكَانَ الصَّبِيِّ مُكَاتَبٌ أَوْ عَبْدٌ مَأْذُونٌ لَيْسَ لَهُمَا إلَّا التَّضْمِينُ أَوْ الِاسْتِسْعَاءُ أَمَّا الْمُكَاتَبُ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ، وَالِاسْتِسْعَاءُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبَةِ، وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَقُّ التَّضْمِينِ فَقَطْ لِأَنَّ الِاسْتِسْعَاءَ بِمَنْزِلَةِ الْكِتَابَةِ، وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ الْمَأْذُونِ أَنْ يُكَاتِبَ، وَلَكِنْ قَالَ سَبَبُ الِاسْتِسْعَاءِ قَدْ تَقَرَّرَ، وَهُوَ عِتْقُ الشَّرِيكِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ إبْطَالُهُ، وَرُبَّمَا يَكُونُ الِاسْتِسْعَاءُ أَنْفَعَ مِنْ التَّضْمِينِ فَلِهَذَا مَلَكَ الْمَأْذُونُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ الْكِتَابَةَ ابْتِدَاءً، وَإِذَا اخْتَارَ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْمَأْذُونُ التَّضْمِينَ أَوْ الِاسْتِسْعَاءَ فَوَلَاءُ نَصِيبِهِمَا لِمَوْلَاهُمَا لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْوَلَاءِ فَيَثْبُتُ الْوَلَاءُ لِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِمَا، وَهُوَ الْمَوْلَى اهـ

(قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ وَلِيٌّ أَوْ وَصِيٌّ فَالْخِيَارُ إلَيْهِ) يَعْنِي فِي التَّضْمِينِ أَوْ السِّعَايَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا عَتَقَ نَصِيبُهُ) فَالْعِتْقُ عِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا يَتَجَزَّأُ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَنَصِيبُ شَرِيكِهِ بَاقٍ إلَخْ) لَهُ أَنَّ عُسْرَةَ الْعَبْدِ أَظْهَرُ مِنْ عُسْرَةِ الْمُعْتِقِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِمِلْكِ الْمَالِ فَإِذَا لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ عَلَى الْمُعْتِقِ بِعُسْرَتِهِ فَأُولَى الْكُلُّ دَفْعًا لِلْإِضْرَارِ بِالشَّرِيكِ فَيَبْقَى عَلَى مَا كَانَ مِنْ قَبْلُ. اهـ. كَافِي

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ شَهِدَ كُلٌّ بِعِتْقِ إلَخْ) أَرَادَ بِالْعِتْقِ الْإِعْتَاقَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بَلْ يَثْبُتُ لَهُ) أَيْ لِلسَّاكِتِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ قَبُولُهُ) أَيْ قَبُولُ الْمَالِ مِنْ الْعَبْدِ وَقْتَ السِّعَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ) أَيْ لِتَصَادُقِهِمَا عَلَى حُرِّيَّتِهِ اهـ

ص: 76

يَمْنَعُ السِّعَايَةَ، وَلَا يَجِبُ لَهُ الضَّمَانُ عَلَى صَاحِبِهِ لِعَجْزِهِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِإِعْتَاقِهِ، وَإِقْرَارُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ سَعَى لَهُمَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَدَّعِي عَلَيْهِ السِّعَايَةَ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ صَادِقًا كَانَ أَوْ كَاذِبًا عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا، وَالْآخَرُ مُعْسِرًا سَعَى لِلْمُوسِرِ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي الضَّمَانَ عَلَى صَاحِبِهِ لِإِعْسَارِهِ، وَإِنَّمَا يَدَّعِي السِّعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ، وَلَا يَسْعَى لِلْمُعْسِرِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الضَّمَانَ عَلَى صَاحِبِهِ لِيَسَارِهِ فَيَكُونُ مُبَرِّئًا لِلْعَبْدِ عَنْ السِّعَايَةِ، وَالْوَلَاءُ مَوْقُوفٌ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ لِلْمُعْتِقِ مِنْهُمَا، وَكُلٌّ يُحِيلُهُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَيَتَبَرَّأُ مِنْهُ فَيَكُونُ مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يُتَّفَقَا عَلَى إعْتَاقِ أَحَدِهِمَا.

قَالَ رحمه الله (وَلَوْ عَلَّقَ أَحَدُهُمَا عِتْقَهُ بِفِعْلِ فُلَانٍ غَدًا، وَعَكَسَ الْآخَرُ وَمَضَى، وَلَمْ يَدْرِ عَتَقَ نِصْفُهُ، وَسَعَى فِي نِصْفِهِ لَهُمَا) أَيْ لَوْ عَلَّقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ عِتْقَ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا بِفِعْلِ شَخْصٍ بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا إنْ دَخَلَ فُلَانٌ الدَّارَ غَدًا فَهُوَ حُرٌّ وَعَكَسَ الْآخَرُ بِأَنْ قَالَ إنْ لَمْ يَدْخُلْ فُلَانٌ ذَلِكَ تِلْكَ الدَّارَ بِعَيْنِهَا غَدًا فَهُوَ حُرٌّ وَمَضَى الْغَدُ وَلَمْ يُدْرَ أَدْخَلَ أَمْ لَا عَتَقَ نِصْفُهُ لِلتَّيَقُّنِ بِحِنْثِ أَحَدِهِمَا، وَسَعَى لَهُمَا فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَسْعَى فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ إنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ عَلَى مَا يَأْتِيك بَيَانُهُ عَلَى التَّمَامِ، لِمُحَمَّدٍ رحمه الله أَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ بِسُقُوطِ السِّعَايَةِ مَجْهُولٌ فَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ بِهِ مَعَ الْجَهَالَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ لَك عَلَى أَحَدِنَا أَلْفُ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِشَيْءٍ لِلْجَهَالَةِ فَكَذَا هَذَا، وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي حِنْثَ صَاحِبِهِ

وَيَنْفِيهِ عَنْ نَفْسِهِ فَيَكُونُ شَاهِدًا عَلَى صَاحِبِهِ بِالْعِتْقِ ضَرُورَةً فَيَسْعَى الْعَبْدُ لَهُمَا كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَلَهُمَا أَنَّا تَيَقَّنَّا بِحِنْثِ أَحَدِهِمَا، وَبِسُقُوطِ نِصْفِ السِّعَايَةِ عَنْ الْعَبْدِ فَلَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِهِ مَعَ التَّيَقُّنِ بِخِلَافِهِ كَمَنْ طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ الْأَرْبَعِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَمَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ أَوْ طَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ مُعَيَّنَةً فَنَسِيَهَا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ التَّذَكُّرِ سَقَطَ نِصْفُ الْمَهْرِ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهَا مِنْهُنَّ مَجْهُولَةً بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ بِصِدْقِ أَحَدِهِمَا فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَا كَاذِبَيْنِ فَلَا يَسْقُطُ مَا كَانَ ثَابِتًا بِيَقِينٍ بِاحْتِمَالِ صِدْقِهِمَا أَوْ صِدْقِ أَحَدِهِمَا، وَالْجَهَالَةُ تَرْتَفِعُ بِالتَّوْزِيعِ كَمَا إذَا أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ بِغَيْرِ عَيْنِهِ أَوْ بِعَيْنِهِ وَنَسِيَهُ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ أَوْ التَّذَكُّرِ، وَكَمَا إذَا طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَلَا يُقَالُ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ أَحَدِهِمَا بِيَقِينٍ، وَهُوَ غَيْرُ الْمُعْتِقِ مِنْهُمَا بِالتَّنْقِيصِ لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ أَهْوَنُ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْعَبْدِ بِالْإِسْقَاطِ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَجِبُ السِّعَايَةُ لَهُمَا فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الرُّبُعُ سَوَاءٌ كَانَا مُوسِرَيْنِ أَوْ مُعْسِرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا، وَالْآخَرُ مُعْسِرًا لِمَا بَيَّنَّا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ سَعَى لَهُمَا فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي النِّصْفِ، وَإِنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ لَا يَسْعَى لَهُمَا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا، وَالْآخَرُ مُعْسِرًا سَعَى لِلْمُوسِرِ، وَلَمْ يَسْعَ لِلْمُعْسِرِ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمِقْدَارِ، وَمَعَ مُحَمَّدٍ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ يُمْنَعُ السِّعَايَةَ) أَيْ عِنْدَهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ سَعَى لَهُمَا) أَيْ فِي قِيمَتِهِ اهـ (قَوْلُهُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَدَّعِي عَلَيْهِ السِّعَايَةَ) أَيْ هُنَا لِأَنَّهُ يَقُولُ شَرِيكِي أَعْتَقَ، وَهُوَ مُعْسِرٌ اهـ (قَوْلُهُ سَعَى لِلْمُوسِرِ مِنْهُمَا) أَيْ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ عَلَّقَ أَحَدُهُمَا عِتْقَهُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَلَا يَخْفَى مِنْ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِكُلٍّ إلَى آخِرِ النَّهَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ) أَيْ، وَإِنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ لَمْ يَسْعَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي شَيْءٍ لِمَا مَرَّ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا، وَالْآخَرُ مُعْسِرًا يَسْعَى فِي رُبْعِ قِيمَتِهِ لِلْمُوسِرِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي السِّعَايَةَ، وَالْمُعْسِرُ يَتَبَرَّأُ عَنْ السِّعَايَةِ بِدَعْوَى الضَّمَانِ عَلَى الْمُوسِرِ، وَدَعْوَاهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَيْهِ فَلَا يَثْبُتُ الضَّمَانُ، وَيَثْبُتُ الْإِبْرَاءُ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ طَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ إلَخْ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ فِي بَابِ تَطْلِيقِ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ لَا بِعَيْنِهَا، وَلَوْ قَالَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ طَالِقٌ فَالْبَيَانُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ الْمُجْهِلُ، وَيُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ إذَا كَانَ ثَانِيًا أَوْ ثَالِثًا لِأَنَّ إحْدَاهُمَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ فَلَا يُمْكِنُ اسْتِدَامَةُ نِكَاحِهَا، وَتَجِبُ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْبَيَانِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ مِنْ الْمَجْهُولَةِ لَا تُتَصَوَّرُ، وَلِلْبَيَانِ حُكْمُ الْإِنْشَاءِ فِي الْمُعَيَّنَةِ، وَلَوْ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا تَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى لِلطَّلَاقِ لِأَنَّ الْمَيِّتَةَ لَمْ تَبْقَ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ، وَلَوْ قَالَ عَيَّنْت الْمَيِّتَةَ صُدِّقَ فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ فَلَا يَرِثُ مِنْهَا، وَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ عَلَى الْبَاقِيَةِ لِأَنَّهَا تَعَيَّنَتْ لِلطَّلَاقِ ظَاهِرًا فَلَا يُصَدَّقُ فِي صَرْفِ الطَّلَاقِ عَنْهَا لِأَنَّهُ حَقُّهَا، وَكَذَلِكَ إذَا مَاتَتَا جَمِيعًا إحْدَاهُمَا بَعْدَ الْأُخْرَى ثُمَّ قَالَ عَيَّنَتْ الَّتِي مَاتَتْ أَوَّلًا لَمْ يَرِثْ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ سَقَطَ مِيرَاثُهُ عَنْ الْأُولَى بِالِاعْتِرَافِ، وَعَنْ الثَّانِيَةِ لِتَعَيُّنِهَا لِلطَّلَاقِ، وَلَوْ مَاتَتَا مَعًا أَوْ إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْأُخْرَى وَلَمْ تُعْرَفْ وَرِثَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ نِصْفَ مِيرَاثِهَا لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْمِيرَاثَ مِنْ إحْدَاهُمَا وَهِيَ مَجْهُولَةٌ فَيُوَزَّعُ عَلَيْهِمَا، وَلَوْ مَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ الْبَيَانِ وَرِثَتَا مِيرَاثَ امْرَأَةٍ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ تَسْتَحِقُّهُ، وَإِحْدَاهُمَا لَيْسَتْ بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى فَيُنَصَّفُ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ لَمْ يَمُتْ لَكِنْ جَامَعَ إحْدَاهُمَا أَوْ قَبَّلَهَا أَوْ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا أَوْ ظَاهَرَ مِنْهَا أَوْ آلَى أَوْ طَلَّقَهَا تَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى لِلطَّلَاقِ اهـ بِاخْتِصَارٍ، وَفِي الْبَابِ فُرُوعٌ أُخَرُ اهـ

(قَوْلُهُ كَمَا إذَا أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ بِغَيْرِ عَيْنِهِ إلَخْ) قَالَ قَاضِي خَانْ رحمه الله فِي فَصْلِ الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ مَا نَصُّهُ رَجُلٌ قَالَ: أَمَةٌ وَعَبْدٌ مِنْ رَقِيقِي أَحْرَارٌ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ فَإِنْ كَانَ لَهُ عَبْدَانِ وَأَمَةٌ عَتَقَتْ الْأَمَةُ، وَمِنْ الْعَبْدَيْنِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أَمَةٌ وَثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ عَتَقَتْ الْأَمَةُ، وَمِنْ الْعَبِيدِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ وَثَلَاثَةُ إمَاءٍ عَتَقَ مِنْ الْإِمَاءِ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ ثُلُثُهَا، وَمِنْ الْعَبِيدِ كَذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ وَأَمَتَانِ عَتَقَ نِصْفُ كُلِّ أَمَةٍ، وَنِصْفُ كُلِّ عَبْدٍ اهـ قَالَ قَاضِي خَانْ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ قَالَ لِجَارِيَتَيْنِ إحْدَاكُمَا حُرَّةٌ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ يَعْتِقُ النِّصْفُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَلَا يَكُونُ الْبَيَانُ إلَى الْوَرَثَةِ، وَلَوْ قَالَ إحْدَاكُمَا أُمُّ وَلَدِي، وَمَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ كَانَ الْبَيَانُ إلَى الْوَارِثِ اهـ ذَكَرَهُ فِي أَوَاخِرِ فَصْلِ مَنْ تَجُوزُ وَصِيَّتُهُ، وَمَنْ لَا تَجُوزُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْآخَرُ مُعْسِرٌ سَعَى) أَيْ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ. اهـ.

ص: 77

فِي اعْتِبَارِ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، وَقَدْ بَيَّنَّا مَذْهَبَهُمْ فِيمَا تَقَدَّمَ.

قَالَ رحمه الله (وَلَوْ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ بِعِتْقِ عَبْدِهِ لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ) يَعْنِي لَوْ حَلَفَا عَلَى عَبْدَيْنِ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَحَدِهِمَا، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْمَقْضِيِّ لَهُ وَالْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ فَتَفَاحَشَتْ فَامْتَنَعَ الْقَضَاءُ، وَفِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ الْمَقْضِيُّ لَهُ بِالْحُرِّيَّةِ وَبِسُقُوطِ نِصْفِ السِّعَايَةِ عَنْهُ، وَهُوَ الْعَبْدُ، وَالْمَقْضِيُّ بِهِ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ وَسُقُوطُ نِصْفِ السِّعَايَةِ مَعْلُومٌ، وَالْمَجْهُولُ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْحَانِثُ مِنْهُمَا فَغَلَبَ الْمَعْلُومُ الْمَجْهُولَ، وَفِي هَذِهِ بِالْعَكْسِ لِأَنَّ الْمَجْهُولَ هُوَ الْغَالِبُ فِيهَا فَامْتَنَعَ الْقَضَاءُ لِذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ يُشْكِلُ هَذَا بِمَا إذَا كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ عَبْدٌ وَأَمَةٌ فَقَالَ أَحَدُهُمَا إنْ دَخَلَ فُلَانٌ الدَّارَ الْيَوْمَ فَالْعَبْدُ حُرٌّ، وَقَالَ الْآخَرُ إنْ لَمْ يَدْخُلْ فَالْأَمَةُ حُرَّةٌ، وَلَمْ يَعْرِفْ أَدْخَلَ أَمْ لَا لَا يَعْتِقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ أَنَّ الْمَقْضِيَّ لَهُ بِالْعِتْقِ، وَالْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ مَجْهُولٌ قُلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَقَرَّ بِفَسَادِ نَصِيبِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّ شَرِيكَهُ هُوَ الْحَانِثُ لِأَنَّ الْحَالِفَ بِعِتْقِ الْعَبْدِ يَقُولُ أَنَا مَا حَنِثْت، وَإِنَّمَا حَنِثَ صَاحِبِي فِي الْأَمَةِ فَعَتَقَ عَلَيْهِ نَصِيبُهُ مِنْهَا

وَفَسَدَ نَصِيبِي بِعِتْقِ نَصِيبِهِ، وَالْآخَرُ يَقُولُ كَذَلِكَ فِي الْعَبْدِ فَيَفْسُدُ نَصِيبُهُ بِزَعْمِهِ، وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ صَاحِبِهِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّ الْآخَرَ هُوَ الْحَانِثُ فِي عَبْدِهِ، وَلَيْسَ لَهُ فِيهِ نَصِيبٌ حَتَّى يَكُونَ مُقِرًّا بِفَسَادِ نَصِيبِهِ حَتَّى لَوْ تَقَابَضَا عَتَقَ عَلَيْهِمَا لِإِقْرَارِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحُرِّيَّةِ عَبْدِ الْآخَرِ، وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِيمَةُ مَا اشْتَرَى لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّهُ اشْتَرَى حُرًّا بِعَبْدٍ فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ بِإِقْرَارِهِمَا، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَقَعَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا بَلْ يَبْقَى عَبْدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مِلْكِهِ لِإِقْرَارِهِمَا بِذَلِكَ، وَلَكِنْ لَا يُصَدَّقَانِ فِي حَقِّ الْعَبْدَيْنِ لِأَنَّ هَذَا الْبَيْعَ يُوَصِّلُهُمَا إلَى الْعِتْقِ لِإِقْرَارِهِمَا بِحُرِّيَّتِهِمَا ثُمَّ إذَا لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إقْرَارُهُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ فِي الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ يَسْعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَكَذَا عِنْدَهُمَا إنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ، وَإِنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ سَعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْحَالِفِ بِعِتْقِهِ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْعِتْقَ فِيهِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا يَعْتِقُ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهِ بِدَعْوَى حِنْثِهِ، وَلَمْ يَسْعَ لِلْآخَرِ وَهُوَ غَيْرُ الْحَالِفِ فِيهِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الضَّمَانَ عَلَى صَاحِبِهِ فَيَكُونُ مُبَرِّئًا لِلْعَبْدِ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ

وَفِي الْإِيضَاحِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْعَى فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ قِيمَتِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ النِّصْفَ حُرٌّ بِيَقِينٍ، وَلَوْ اشْتَرَى الْعَبْدَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ رَجُلٌ وَاحِدٌ جَازَ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِحِنْثِ أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّهُ بَاعَ عَبْدًا، وَزَعْمُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ دُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ، وَمَوْلَاهُ يُنْكِرُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ، وَإِذَا صَحَّ الشِّرَاءُ، وَاجْتَمَعَا فِي مِلْكِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا لِأَنَّ زَعْمَهُ مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ مَعْلُومٌ فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِإِعْتَاقِ الْبَائِعِ ثُمَّ مَلَكَهُ

وَلَوْ قَالَ: عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ لَمْ يَكُنْ فُلَانٌ دَخَلَ هَذِهِ الدَّارَ الْيَوْمَ ثُمَّ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كَانَ دَخَلَ الْيَوْمَ عَتَقَ وَطَلُقَتْ لِأَنَّ بِالْيَمِينِ الْأُولَى صَارَ مُقِرًّا بِوُجُودِ شَرْطِ الطَّلَاقِ، وَبِالْيَمِينِ الثَّانِيَةِ صَارَ مُقِرًّا بِوُجُودِ شَرْطِ الْعِتْقِ، وَقِيلَ لَمْ يَعْتِقْ وَلَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مُعَلَّقٌ بِعَدَمِ الدُّخُولِ، وَالْآخَرَ بِوُجُودِهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرْطَيْنِ دَائِرٌ بَيْنَ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ فَلَا يُتْرَكُ الْجَزَاءُ بِالشَّكِّ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ الْكَائِنِ وَبِغَيْرِ الْكَائِنِ، فَيَقَعُ فِي الْمُعَلَّقِ بِالْكَائِنِ لَا بِغَيْرِ الْكَائِنِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ يُتَصَوَّرُ فِي الْكَائِنِ دُونَ غَيْرِهِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَعْتِقُ، وَلَا تَطْلُقُ لِأَنَّ بِالْيَمِينِ الثَّانِيَةِ صَارَ مُقِرًّا بِنُزُولِ الْعِتْقِ، وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدَ الثَّانِيَةِ مَا يُوجِبُ إقْرَارُهُ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ.

قَالَ رحمه الله (وَمَنْ مَلَكَ ابْنَهُ مَعَ آخَرَ عَتَقَ حَظُّهُ، وَلَمْ يَضْمَنْ وَلِشَرِيكِهِ أَنْ يَعْتِقَ أَوْ يَسْتَسْعِيَ) وَإِنَّمَا عَتَقَ نَصِيبُ الْأَبِ لِمَا رَوَيْنَا، وَبَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى، وَإِنَّمَا لَمْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعِتْقِ عَبْدِهِ) يَعْنِي بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا إنْ دَخَلَ فُلَانٌ هَذِهِ الدَّارَ غَدًا فَعَبْدِي حُرٌّ، وَقَالَ الْآخَرُ إنْ لَمْ يَدْخُلْ فُلَانٌ فِي هَذِهِ الدَّارِ غَدًا فَعَبْدِي حُرٌّ فَمَضَى الْغَدُ، وَلَمْ يَدْرِ أَدَخَلَ أَمْ لَا لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إجْمَاعًا اهـ رَازِيٌّ قَوْلُهُ لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَلَوْ اشْتَرَاهُمَا إنْسَانٌ صَحَّ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِحِنْثِ أَحَدِ الْمَالِكَيْنِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّهُ يَبِيعُ عَبْدَهُ، وَزَعْمُ الْمُشْتَرِي فِي الْعَبْدِ قَبْلَ مِلْكِهِ لَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ، وَمَوْلَاهُ يُنْكِرُ صَحَّ، وَإِذَا صَحَّ شِرَاؤُهُ لَهُمَا، وَاجْتَمَعَا فِي مِلْكِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا لِأَنَّ زَعْمَهُ مُعْتَبَرٌ الْآنَ، وَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ مَعْلُومٌ، وَلَوْ قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ لَمْ يَكُنْ فُلَانٌ دَخَلَ هَذِهِ الدَّارَ الْيَوْمَ ثُمَّ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كَانَ دَخَلَ الْيَوْمَ عَتَقَ، وَطَلُقَتْ لِأَنَّ بِالْيَمِينِ الْأُولَى هُوَ مُقِرٌّ بِوُجُودِ شَرْطِ الثَّانِيَةِ، وَبِالثَّانِيَةِ صَارَ مُقِرًّا بِوُجُودِ شَرْطِ الْأُولَى، وَقِيلَ لَمْ يَعْتِقْ، وَلَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مُعَلَّقٌ بِعَدَمِ الدُّخُولِ، وَالْآخَرُ بِوُجُودِهِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُحْتَمَلُ تَحَقُّقُهُ وَعَدَمُ تَحَقُّقِهِ قُلْنَا ذَاكَ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ فَعَبْدِي حُرٌّ بِخِلَافِ إنْ لَمْ يَكُنْ فَإِنَّهُ يَسْتَعْمِلُهُ الْمُمَارِي فِي الدُّخُولِ وَعَدَمِهِ فِي الْمَاضِي، وَكَذَا إنْ كَانَ دَخَلَ بِخِلَافِ إنْ دَخَلَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَعْتِقُ، وَلَا تَطْلُقُ لِأَنَّهُ بِالْيَمِينِ الثَّانِيَةِ صَارَ مُقِرًّا بِنُزُولِ الْعِتْقِ، وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدَ الثَّانِيَةِ مَا يُوجِبُ إقْرَارَهُ بِنُزُولِ الطَّلَاقِ. اهـ. وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ لَكِنْ بَادَرْت بِكِتَابَتِهِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ مُطَالَعَةِ الْمَقَالَةِ ظَنًّا أَنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَذْكُرْهُ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَمَنْ مَلَكَ ابْنَهُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّ الرَّجُلَيْنِ إذَا مَلَكَا عَبْدًا هُوَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ أَحَدِهِمَا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ قَبِلَاهُ جَمِيعًا مِنْ شِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ لَا يَضْمَنُ الَّذِي عَتَقَ عَلَيْهِ لِشَرِيكِهِ شَيْئًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَكِنَّ الْعَبْدَ يَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِلْآخَرِ مُوسِرًا كَانَ الَّذِي عَتَقَ عَلَيْهِ أَوْ مُعْسِرًا اهـ فَالِابْنُ فِي قَوْلِهِ، وَمَنْ مَلَكَ ابْنَهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ عَتَقَ حَظُّهُ) أَيْ زَالَ مِلْكُهُ فِي نَصِيبِهِ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَثْبُتُ مَا لَمْ يَزُلْ جَمِيعُ الْمِلْكِ اتِّفَاقًا فَإِذَا سَعَى الِابْنُ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ الْعِتْقُ مِنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَضْمَنْ، وَلِشَرِيكِهِ أَنْ يُعْتِقَ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلَانِ ابْنَ أَحَدِهِمَا قَالَ الْكَمَالُ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ

ص: 78

يَضْمَنْ الْأَبُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ لِانْعِدَامِ التَّعَدِّي فِيهِ مِنْهُ، وَتَثْبُتُ الْخِيَارَاتُ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهَا لِمَا بَيَّنَّا هُنَاكَ، وَقَوْلُهُ، وَمَنْ مَلَكَ ابْنَهُ مَعَ آخَرَ يَتَنَاوَلُ مَا إذَا مَلَكَهُ بِالشِّرَاءِ أَوْ بِالْهِبَةِ أَوْ بِالصَّدَقَةِ أَوْ الْوَصِيَّةِ أَوْ الْإِمْهَارِ أَوْ الْإِرْثِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَ الْآخَرُ أَنَّهُ ابْنُ شَرِيكِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَقَالَا يَضْمَنُ الْأَبُ فِي غَيْرِ الْإِرْثِ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا اسْتَسْعَى الِابْنَ فِي نَصِيبِهِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا بِعِتْقِ عَبْدٍ إنْ مَلَكَ نِصْفَهُ فَمَلَكَاهُ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ، لَهُمَا أَنَّهُ أَفْسَدَ نَصِيبَهُ بِالْإِعْتَاقِ لِأَنَّ مُبَاشَرَةَ هَذِهِ الْأَسْبَابِ إعْتَاقٌ لَهُ، وَلِهَذَا يُجْتَزَأُ بِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَعْتَقْت نَصِيبِي بِخِلَافِ مَا إذَا وِرْثَاهُ لِأَنَّهُ جَبْرِيٌّ لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِيهِ

وَلَهُ أَنَّ الشَّرِيكَ رَضِيَ بِإِفْسَادِ نَصِيبِهِ حَيْثُ شَارَكَهُ فِي عِلَّةِ الْعِتْقِ، وَهُوَ مُبَاشَرَةُ أَسْبَابِهِ لِأَنَّ مُبَاشَرَتَهَا إعْتَاقٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا ضَمَانُ إفْسَادٍ فِي ظَاهِرِ قَوْلِهِمَا حَتَّى يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ خِلَافًا لِمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ كَالِاسْتِيلَادِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَضَمَانُ الْفَسَادِ يَسْقُطُ بِالرِّضَا كَضَمَانِ الْإِتْلَافِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ ضَمَانَ الْإِتْلَافِ لَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فَكَانَ أَقْوَى فَإِذَا سَقَطَ الْأَقْوَى بِهِ فَالْأَضْعَفُ أَوْلَى أَنْ يَسْقُطَ، وَدَلَالَةُ الرِّضَا مُسَاعِدَةٌ عَلَى الْقَبُولِ، وَهَذَا فِي الشِّرَاءِ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِقَبُولِهِمَا فَقَدْ شَارَكَهُ فِي الْعِلَّةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَعْتَقَهُ، وَأَمَّا فِي الْهِبَةِ وَأَمْثَالِهِ فَلِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ قَبُولُ أَحَدِهِمَا شَرْطًا لِصِحَّةِ قَبُولِ الْآخَرِ لَكِنَّهُ إذَا وُجِدَ الْقَبُولُ مِنْهُمَا صَارَ قَبُولُهُمَا بِمَنْزِلَةِ شَيْءٍ وَاحِدٍ فَصَارَ الْمَجْمُوعُ عِلَّةً وَاحِدَةً كَمَا قُلْنَا فِي الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ الْفَرْضَ فِيهَا قَدْرُ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ، وَهُوَ آيَةٌ ثُمَّ إذَا قَرَأَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ صَارَ الْكُلُّ فَرْضًا فَإِذَا صَارَ الْمَجْمُوعُ عِلَّةً وَقَدْ بَاشَرَهَا فَلَا يَضْمَنُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِلْآخَرِ إنْ ضَرَبْته فَهُوَ حُرٌّ فَضَرَبَهُ يَعْتِقُ نَصِيبُ الْحَالِفِ حَيْثُ يَرْجِعُ الضَّارِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّ عِلَّةَ الْعِتْقِ هُنَاكَ قَوْلُهُ فَهُوَ حُرٌّ، وَلَمْ يُشَارِكْهُ فِيهِ الضَّارِبُ، وَإِنَّمَا وُجِدَ مِنْهُ الشَّرْطُ، وَهُوَ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الْحُكْمِ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ التَّضْمِينُ فَإِنْ قِيلَ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا مَا لَوْ قَالَ الْمَرِيضُ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ فَإِنَّهَا لَا تَرِثُ فَجُعِلَتْ رَاضِيَةً بِمُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ قُلْنَا حُكْمُ الْقَرَارِ يَثْبُتُ بِشُبْهَةِ الْعُدْوَانِ، وَلِهَذَا يَثْبُتُ بِتَعْلِيقِهِ بِفِعْلِهِ أَوْ بِفِعْلِهَا الَّذِي لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ فِي صِحَّتِهِ فَكَذَا يَسْقُطُ بِشُبْهَةِ الرِّضَا

وَوُجِدَ ذَلِكَ بِمُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ، وَأَمَّا هَذَا الضَّمَانُ فَلَا يَجِبُ إلَّا بِحَقِيقَةِ الْعُدْوَانِ، وَهُوَ الْإِتْلَافُ أَوْ الْإِفْسَادُ فَكَذَا لَا يَبْطُلُ إلَّا بِالرِّضَا صَرِيحًا أَوْ بِمُبَاشَرَةِ الْعِلَّةِ دُونَ الشَّرْطِ، وَلَا فَرْقَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الشَّرِيكُ عَالِمًا بِأَنَّهُ ابْنُ شَرِيكِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّ سَبَبَ الرِّضَا يَتَحَقَّقُ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ، وَالْحُكْمُ يُدَارُ عَلَى سَبَبِهِ لَا عَلَى حَقِيقَتِهِ لِأَنَّهُ مُبْطَنٌ لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ شَخْصٍ يَقُولُ لِغَيْرِهِ كُلْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

فَإِنْ خَاطَبَ الْبَائِعُ الْأَبَ وَالْآخَرَ مَعًا فَقَالَ بِعْتُكُمَا هَذَا الْعَبْدَ بِكَذَا فَقَبِلَا عَتَقَ نَصِيبُ الْأَبِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ بِالْهِبَةِ) وَلَا يَضُرُّ الشُّيُوعُ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ اهـ

(قَوْلُهُ أَوْ الْإِرْثِ) قَالَ فِي الْكَافِي بِأَنْ تَزَوَّجَ أَمَةَ ابْنِ عَمِّهِ فَوَلَدَتْ وَلَدًا ثُمَّ مَاتَ سَيِّدُهَا فَوَرِثَهُ زَوْجُهَا وَابْنُ عَمٍّ لَهُ آخَرُ فَإِنَّ الْوَلَدَ يَعْتِقُ عَلَى أَبِيهِ، وَلَا يَضْمَنُهُ أَبُوهُ لِشَرِيكِهِ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا. اهـ. وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ صُورَتُهُ امْرَأَةٌ اشْتَرَتْ ابْنَ زَوْجِهَا ثُمَّ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ أَخٍ لِأَبٍ وَأُمِّ زَوْجٍ يَكُونُ نِصْفُ الْعَبْدِ لِلزَّوْجِ الَّذِي هُوَ أَبٌ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَالْبَاقِي لِلْأَخِ، وَكَذَا إذَا كَانَ لِلْمَرْأَةِ زَوْجٌ وَأَبٌ، وَلَهَا عَبْدٌ هُوَ أَبُو زَوْجِهَا فَمَاتَتْ الْمَرْأَةُ كَانَ الْعَبْدُ مِيرَاثًا نِصْفُهُ لِزَوْجِهَا الَّذِي هُوَ الِابْنُ وَالْبَاقِي لِأَبِي الْمَرْأَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَقَالَا يَضْمَنُ الْأَبُ فِي غَيْرِ الْإِرْثِ) أَيْ نِصْفَ قِيمَتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا بِعِتْقِ عَبْدٍ إنْ مَلَكَ نِصْفَهُ) قُيِّدَ بِالنِّصْفِ لِأَنَّهُ إذَا حَلَفَ بِعِتْقِهِ إنْ اشْتَرَاهُ لَا يَعْتِقُ بِشِرَاءِ النِّصْفِ لِعَدَمِ الشَّرْطِ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ

(قَوْلُهُ لَهُمَا أَنَّهُ أَفْسَدَ نَصِيبَهُ بِالْإِعْتَاقِ) أَيْ الِاخْتِيَارِيِّ لِتَرَتُّبِهِ عَلَى الشِّرَاءِ، وَهُوَ اخْتِيَارِيٌّ، وَشِرَاءُ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ، وَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ أَجْنَبِيَّيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ لِاتِّحَادِ الْجَامِعِ، وَهُوَ وُقُوعُ الْعِتْقِ مِنْ جِهَتِهِ مُخْتَارًا، وَلَهُ أَنَّ شَرْطَ التَّضْمِينِ مَعَ الْعِتْقِ الِاخْتِيَارِيِّ أَنْ لَا يَكُونَ بِرِضَا مَنْ لَهُ حَقُّ التَّضْمِينِ، وَلَمَّا بَاشَرَ الْعَقْدَ مَعَهُ مُخْتَارًا، وَهُوَ عِلَّةُ الْمِلْكِ الَّذِي هُوَ عِلَّةُ الْعِتْقِ، وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ كَمَا يُضَافُ إلَى الْعِلَّةِ كَانَ رَاضِيًا بِإِفْسَادِ نَصِيبِ نَفْسِهِ فَلَا يَضْمَنُهُ فَصَارَ كَمَا إذَا أَذِنَ لَهُ بِإِعْتَاقِهِ صَرِيحًا، وَعُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْعِلَّةِ فِي قَوْلِهِ شَارَكَهُ فِيمَا هُوَ عِلَّةُ الْعِتْقِ عِلَّةُ الْعِلَّةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ إعْتَاقَهُ يَثْبُتُ اخْتِيَارًا بِالشِّرَاءِ أَنَّهُ يَخْرُجُ بِهِ عَنْ عُهْدَةِ الْكَفَّارَةِ إذَا نَوَى بِالشِّرَاءِ عِتْقَهُ عَنْهَا. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا وِرْثَاهُ) حَيْثُ لَا يَضْمَنُ الَّذِي عَتَقَ عَلَيْهِ لِلشَّرِيكِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ صُنْعٌ، وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله

(قَوْلُهُ وَهَذَا ضَمَانُ إفْسَادٍ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ كَوْنُهُ رَاضِيًا بِإِعْتَاقِ شَرِيكِهِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ الضَّمَانِ كَمَا لَوْ اسْتَوْلَدَ الْأَمَةَ بِإِذْنِ الشَّرِيكِ يَصِحُّ وَيَجِبُ الضَّمَانُ فَقَالَ ذَلِكَ فِي ضَمَانِ التَّمَلُّكِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ ضَمَانُ إفْسَادٍ وَبَسْطُهُ أَنَّ الضَّمَانَ فِي الْعِتْقِ ضَمَانَانِ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ، وَلَا يُسْقِطُهُ الرِّضَا بِسَبَبِهِ، وَذَلِكَ ضَمَانُ الِاسْتِيلَادِ فَلَوْ اسْتَوْلَدَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْجَارِيَةَ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ لَا يَسْقُطُ ضَمَانُهَا لَهُ، وَمِنْ حُكْمِ ضَمَانِ التَّمَلُّكِ أَيْضًا أَنَّهُ يَثْبُتُ مَعَ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، وَإِنَّمَا جَعَلْنَا ضَمَانَ الِاسْتِيلَادِ ضَمَانَ تَمَلُّكٍ لِأَنَّهُ وُضِعَ الِاسْتِيلَادُ لِطَلَبِ الْوَلَدِ، وَهُوَ يَسْتَدْعِي التَّمَلُّكَ فَأَثْبَتْنَاهُ، وَضَمَانُ إتْلَافٍ، وَهُوَ ضَمَانُ الْإِعْتَاقِ، وَيُقَالُ ضَمَانُ جِنَايَةٍ، وَلَيْسَ بِصَوَابٍ لِأَنَّهُ لَا جِنَايَةَ فِي عِتْقِ الْإِنْسَانِ مَا لَمْ يُمَلِّكْهُ سبحانه وتعالى حَتَّى يُثَابُ عَلَيْهِ ثُمَّ يَفْسُدَ بِهِ نَصِيبُ الشَّرِيكِ فَصَحَّ أَنْ يُقَالَ ضَمَانُ إتْلَافٍ وَضَمَانُ إفْسَادٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إثْمٌ فِي هَذَا الْإِفْسَادِ نَعَمْ لَوْ قَصَدَ بِعِتْقِهِ قَصْدًا فَاسِدًا أَثِمَ بِهِ أَمَّا وَضْعُ الْعِتْقِ فَلَيْسَ مُقْتَضِيًا لُزُومَهُ ثُمَّ كَوْنُ ضَمَانِ الْإِعْتَاقِ ضَمَانَ إتْلَافٍ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ عُلَمَائِنَا، وَيَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ بِالنَّصِّ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ اهـ

ص: 79

هَذَا الطَّعَامَ، وَهُوَ طَعَامُ الْآمِرِ، وَالْآمِرُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ طَعَامُهُ فَإِنَّ الْمَأْمُورَ لَا يَضْمَنُ لِلْآمِرِ شَيْئًا لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِإِذْنِهِ حَتَّى لَوْ قَالَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ ذَلِكَ لِلْغَاصِبِ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ سَقَطَ الضَّمَانُ عَنْهُ

وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الشَّرِيكَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ ابْنُهُ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْأَبَ قَالَ رحمه الله (وَإِنْ اشْتَرَى نِصْفَ ابْنِهِ مِمَّنْ يَمْلِكُ كُلَّهُ لَا يَضْمَنُ لِبَائِعِهِ) لِأَنَّ الْبَائِعَ شَارَكَهُ فِي الْعِلَّةِ، وَهُوَ الْبَيْعُ، وَهَذَا لِأَنَّ عِلَّةَ دُخُولِ الْمَبِيعِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي الْإِيجَابُ، وَالْقَبُولُ، وَقَدْ شَارَكَهُ فِيهِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا إنْ كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَهُ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ أَبُوهُ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ، وَهُوَ مُوسِرٌ لَزِمَهُ الضَّمَانُ بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّ الشَّرِيكَ الَّذِي لَمْ يَبِعْ لَمْ يُشَارِكْهُ فِي الْعِلَّةِ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الِابْنِ جَارِيَةٌ مُسْتَوْلَدَةٌ بِالنِّكَاحِ فَمَلَكَهَا الزَّوْجُ مَعَ غَيْرِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ النِّصْفِ لِشَرِيكِهِ كَيْفَمَا كَانَ وَإِنْ كَانَا مَلَكَاهَا بِإِرْثٍ، وَالْفَرْقُ أَنَّ ضَمَانَ أُمِّ الْوَلَدِ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ، وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِصُنْعِهِ أَوْ بِغَيْرِ صُنْعِهِ، وَلِهَذَا لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ.

قَالَ رحمه الله (عَبْدٌ لِمُوسِرَيْنِ دَبَّرَهُ وَاحِدٌ، وَحَرَّرَهُ آخَرُ ضَمَّنَ السَّاكِتُ الْمُدَبِّرَ، وَالْمُدَبِّرُ الْمُعْتَقَ ثُلُثَهُ مُدَبَّرًا لَا مَا ضَمِنَ) أَيْ لَوْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ مُوسِرِينَ دَبَّرَهُ أَحَدُهُمْ ثُمَّ أَعْتَقَهُ آخَرُ فَلِلسَّاكِتِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُدَبِّرَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ، وَلِلْمُدَبِّرِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ ثُلُثَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ الثُّلُثَ الَّذِي ضَمِنَهُ لِلسَّاكِتِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا الْعَبْدُ كُلُّهُ صَارَ مُدَبَّرًا لِلَّذِي دَبَّرَهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَإِعْتَاقُ الْمُعْتِقِ بَاطِلٌ، وَيَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا، وَأَصْلُهُ أَنَّ التَّدْبِيرَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ كَالْعِتْقِ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ إزَالَةُ الْمِلْكِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ لِأَنَّ مُوجَبَهُ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا بِحَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ، وَلَمَّا كَانَ التَّدْبِيرُ مُتَجَزِّئًا عِنْدَهُ اقْتَصَرَ عَلَى نَصِيبِ الْمُدَبِّرِ

وَفَسَدَ بِهِ نَصِيبُ الْآخَرَيْنِ حَيْثُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ فَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ إنْ شَاءَ دَبَّرَ نَصِيبَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَهُ، وَإِنْ شَاءَ كَاتَبَهُ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُدَبِّرَ قِيمَةَ نَصِيبِهِ قِنًّا، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ فِي نَصِيبِهِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ عَلَى حَالِهِ لِأَنَّ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ فَاسِدٌ بِإِفْسَادِ شَرِيكِهِ حَيْثُ سَدَّ عَلَيْهِ طَرِيقَ الِانْتِفَاعِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ فَإِذَا اخْتَارَ أَحَدُهُمَا الْعِتْقَ تَعَيَّنَ حَقُّهُ فِيهِ، وَبَطَلَ اخْتِيَارُهُ غَيْرَهُ فَتَوَجَّهَ لِلسَّاكِتِ سَبَبَا ضَمَانِ تَدْبِيرِ الْمُدَبِّرِ، وَإِعْتَاقِ هَذَا الْمُعْتِقِ غَيْرَ أَنَّ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُدَبِّرَ لِيَكُونَ الضَّمَانُ ضَمَانَ مُعَاوَضَةٍ إذْ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْمَضْمُونَاتِ عِنْدَنَا حَتَّى جَعَلْنَا الْغَصْبَ ضَمَانَ مُعَاوَضَةٍ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فَإِنَّ الْمَأْمُورَ لَا يَضْمَنُ لِلْآمِرِ شَيْئًا لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِإِذْنِهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ثُمَّ هُوَ بِهَذِهِ الْمُشَارَكَةِ مُبَاشِرٌ سَبَبَ إسْقَاطِ حَقِّهِ فِي الضَّمَانِ، وَلَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِعِلْمِهِ وَجَهْلِهِ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ إذَا أَطْعَمَ الْمَغْصُوبَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ فَتَنَاوَلَهُ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الطَّعَامَ طَعَامُهُ لَا يَكُونُ أَنْ يَضْمَنَ الْغَاصِبُ شَيْئًا اهـ

(قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ قَالَ الْمَغْصُوبُ إلَخْ) سَقَطَ مِنْ هُنَا مَسْأَلَةٌ وَهِيَ، وَإِنْ اشْتَرَى نِصْفَهُ أَجْنَبِيٌّ ثُمَّ الْأَبُ مَا بَقِيَ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْأَبَ أَوْ يَسْتَسْعِيَ فَلَعَلَّ الشَّارِحَ تَرَكَهَا سَهْوًا، وَقَدْ ذَكَرَهَا القوجحصاري فِي شَرْحِهِ لِلْكَنْزِ، وَشَرَحَ فِيهِ الْخُطْبَةَ، وَالْأَلْفَاظَ الْأَعْجَمِيَّةَ الَّتِي فِي آخِرِ الْكِتَابِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَإِنْ بَدَأَ الْأَجْنَبِيُّ فَاشْتَرَى نِصْفَهُ ثُمَّ اشْتَرَى الْأَبُ النِّصْفَ الْآخَرَ، وَهُوَ مُوسِرٌ فَالْأَجْنَبِيُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَبَ قَالَ الْكَمَالُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِفَسَادِ نَصِيبِهِ لِأَنَّ دَلَالَةَ ذَلِكَ مَا كَانَ إلَّا بِقَبُولِهِ الْبَيْعَ مَعَهُ، وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَيَضْمَنُ الْأَبُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّ الرِّضَا لَمْ يُوجَدْ مِنْ الشَّرِيكِ لِعَدَمِ مُشَارَكَتِهِ مَعَ الْأَبِ فِيمَا هُوَ عَلَيْهِ الْعِتْقُ، وَقَدْ اتَّفَقُوا فِي الضَّمَانِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْخِيَارِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الشَّرِيكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَبَ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ لِاحْتِبَاسِ الْمَالِكِيَّةِ عِنْدَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَهُ، وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ مُوسِرًا ضَمَّنَهُ الشَّرِيكُ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا اسْتَسْعَى الْعَبْدَ كَالْخِلَافِ فِي عَبْدٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا اهـ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ اشْتَرَى نِصْفَ ابْنِهِ) أَيْ، وَهُوَ مُوسِرٌ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ اشْتَرَاهُ أَبُوهُ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ مِمَّنْ يَمْلِكُ كُلَّهُ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى نَصِيبَ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ يَضْمَنُ لِلسَّاكِتِ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ عَبْدٌ لِمُوسِرَيْنِ) أَيْ لِجَمَاعَةٍ مُوسِرِينَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ، وَحَرَّرَهُ آخَرُ) الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ، وَحَرَّرَهُ بِمَعْنَى ثُمَّ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ حَلِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ ضَمَّنَ السَّاكِتُ الْمُدَبِّرَ، وَالْمُدَبِّرُ الْمُعْتِقَ إلَخْ) وَأَرَادَ السَّاكِتُ وَالْمُدَبِّرُ الضَّمَانَ. اهـ. وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَأَرَادُوا بِضَمِيرِ الْجَمْعِ بِسَبِيلِ التَّغْلِيبِ لِأَنَّ الْمُعْتِقَ لَا يُرِيدُ الضَّمَانَ اهـ

(قَوْلُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ الثُّلُثَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله فَلِلسَّاكِتِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُدَبِّرَ قِيمَةَ الْعَبْدِ قِنًّا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ شَيْئًا، وَإِذَا ضَمِنَ الثُّلُثَ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْعَبْدِ إنْ شَاءَ عَلَى وِزَانِ مَا تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَهُوَ مُوسِرٌ حِصَّتَهُ فَضَمَّنَهُ السَّاكِتُ حَيْثُ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ عَلَى الْعَبْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلِلْمُدَبِّرِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ ثُلُثَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا، وَلَا يُضَمِّنَهُ الثُّلُثَ الَّذِي ضَمِنَ أَعْنِي ثُلُثَهُ قِنًّا، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَصْلُهُ أَنَّ التَّدْبِيرَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ كَالْعِتْقِ إلَخْ) لِأَنَّهُ شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِهِ فَكَانَ مُعْتَبَرًا بِهِ. اهـ. هِدَايَةٌ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِهِ إذْ هُوَ عِتْقٌ مُضَافٌ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ حَيْثُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْآخَرَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَتَوَجَّهَ لِلسَّاكِتِ إلَخْ) أَيْ وَهُوَ الثَّالِثُ الَّذِي لَمْ يُعْتِقْ وَلَمْ يُدَبِّرْ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَإِعْتَاقُ هَذَا الْمُعْتِقِ) فَإِنَّهُ تَغَيَّرَ نَصِيبُ الْمُدَبِّرِ وَالسَّاكِتِ حَيْثُ كَانَ لَهُمَا وِلَايَةُ الِاسْتِخْدَامِ بَعْدَ التَّدْبِيرِ، وَبَطَلَ ذَلِكَ بِعِتْقِ الْمُعْتِقِ حَيْثُ اسْتَحَقَّ بِهِ الْعَبْدُ خُرُوجَهُ إلَى الْحُرِّيَّةِ بِالسِّعَايَةِ أَوْ التَّضْمِينِ اهـ فَتْحٌ

(قَوْلُهُ إذْ هُوَ الْأَصْلُ) قَالَ الْكَمَالُ لِأَنَّ بِهِ يَعْتَدِلُ جَانِبُ الضَّامِنِ وَالْمَضْمُونِ لَهُ لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَكَ الْمَضْمُونُ لَهُ بَدَلَ مِلْكِهِ وَجَبَ فِي تَحَقُّقِ الْمُعَادَلَةِ أَنْ يَمْلِكَ مُعْطِيهِ، وَهُوَ الضَّامِنُ مَا دَفَعَ لَهُ بَدَلَهُ فَحَيْثُ أَمْكَنَ هَذَا لَا يُعْدَلُ عَنْهُ، وَلِهَذَا كَانَ ضَمَانَ مُعَاوَضَةٍ عَلَى أَصْلِنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رحمه الله حَيْثُ جَعَلَهُ ضَمَانَ إتْلَافٍ فَإِذَا جُعِلَ

ص: 80

حَتَّى صَحَّحْنَا إقْرَارَ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ كَإِقْرَارِهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ، وَكَذَا الْغَاصِبُ إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ عِنْدَهُ وَضَمِنَهُ ثُمَّ عَادَ جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى مَا ضَمِنَ مِنْ الْقِيمَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَبْطُلَ الْقَضَاءُ بِالْقِيمَةِ فِيمَا إذَا غَصَبَ إبْرِيقَ ذَهَبٍ فَقُضِيَ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ مِنْ الدَّرَاهِمِ بَعْدَمَا انْكَسَرَ الْإِبْرِيقُ ثُمَّ افْتَرَقَا قَبْلَ قَبْضِ الْقِيمَةِ لِأَنَّا نَقُولُ الْغَصْبُ لَيْسَ بِمَوْضُوعٍ لِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ

وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ ضَرُورَةَ أَنْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكِ رَجُلٍ فَلَا يَظْهَرُ كَوْنُهُ مُعَاوَضَةً فِيمَا عَدَا ذَلِكَ لِأَنَّ الثَّابِتَ لِلضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا فَإِذَا كَانَ الْأَصْلُ ضَمَانَ مُعَاوَضَةٍ، وَأَمْكَنَ ذَلِكَ فِي التَّدْبِيرِ لِكَوْنِهِ قَابِلًا لِلنَّقْلِ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ وَقْتَ التَّدْبِيرِ لِكَوْنِهِ قِنًّا عِنْدَ ذَلِكَ، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الْإِعْتَاقِ لِأَجْلِ التَّدْبِيرِ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ فَلِهَذَا يَضْمَنُ الْمُدَبِّرُ، ثُمَّ لِلْمُدَبِّرِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ ثُلُثَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا لِأَنَّهُ أَفْسَدَ عَلَيْهِ نَصِيبَهُ مُدَبَّرًا، وَالضَّمَانُ يَتَقَدَّرُ بِقِيمَةِ الْمُتْلَفِ، وَقِيمَةُ الْمُدَبَّرِ ثُلُثَا قِيمَتِهِ قِنًّا عَلَى مَا قَالُوا، وَلَا يُضَمِّنُهُ قِيمَةَ مَا مَلَكَهُ مِنْ جِهَةِ السَّاكِتِ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِيهِ يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا، وَهُوَ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ التَّضْمِينِ، وَإِنْ ظَهَرَ فِي حَقِّ الِاسْتِسْعَاءِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ السَّاكِتِ فِي حَقِّهِ، وَلِأَنَّ السَّاكِتَ بِنَفْسِهِ لَا يَمْلِكُ تَضْمِينَ الْمُعْتِقِ لِمَا ذَكَرْنَا فَكَذَا مَنْ قَامَ مَقَامَهُ، وَلَوْ ضَمَّنَ السَّاكِتُ الْمُدَبِّرَ قَبْلَ أَنْ يُعْتِقَهُ الْآخَرُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ كَانَ لِلْمُدَبِّرِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ وُجِدَ بَعْدَ تَمَلُّكِ الْمُدَبِّرِ نَصِيبَ السَّاكِتِ، وَالْوَلَاءُ بَيْنَ الْمُدَبِّرِ وَالْمُعْتِقِ أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ لِلْمُدَبِّرِ، وَثُلُثُهُ لِلْمُعْتِقِ لِأَنَّ الْعَبْدَ عَتَقَ عَلَيْهِمَا عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ لِأَنَّ الْمُدَبِّرَ كَانَ لَهُ ثُلُثُ الْعَبْدِ نَصِيبَهُ

وَحَصَلَ لَهُ الثُّلُثُ بِالضَّمَانِ مِنْ جِهَةِ السَّاكِتِ فَتَمَّ لَهُ الثُّلُثَانِ، وَلِلْمُعْتِقِ الثُّلُثُ الَّذِي كَانَ مِلْكَهُ لَا غَيْرُ، وَلَا يُقَالُ إذَا كَانَ الْمُدَبِّرُ يَمْلِكُ نَصِيبَ السَّاكِتِ بِالضَّمَانِ وَجَبَ أَنْ يَمْلِكَ الْمُعْتِقُ نَصِيبَ الْمُدَبِّرِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهُ الثُّلُثَانِ مِنْ الْوَلَاءِ، وَلِلْمُدَبِّرِ الثُّلُثُ، لِأَنَّا نَقُولُ ضَمَانُ الْمُعْتِقِ نَصِيبَ الْمُدَبِّرِ ضَمَانُ حَيْلُولَةٍ لَا ضَمَانُ مُعَاوَضَةٍ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ بِسَائِرِ الْأَسْبَابِ فَكَذَا بِالضَّمَانِ فَلَمْ يَمْلِكْهُ بِخِلَافِ نَصِيبِ السَّاكِتِ حَيْثُ يَمْلِكُهُ الْمُدَبِّرُ بِالضَّمَانِ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ يَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ التَّعَدِّي، وَهُوَ وَقْتُ التَّدْبِيرِ، وَنَصِيبُ السَّاكِتِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ فَافْتَرَقَا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ التَّدْبِيرُ مُتَجَزِّئًا عِنْدَهُمَا صَارَ كُلُّهُ مُدَبَّرًا لِلَّذِي دَبَّرَهُ، وَصَارَ مُتَمَلِّكًا نَصِيبَ شَرِيكِهِ بِالْقِيمَةِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

الضَّمَانُ فِيمَا هُوَ عُدْوَانٌ ضَمَانَ مُعَاوَضَةٍ فَفِي الْعِتْقِ وَشُعَبِهِ مِنْ التَّدْبِيرِ وَنَحْوِهِ أَوْلَى. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى مَا ضَمِنَ مِنْ الْقِيمَةِ) وَالْمُرَابَحَةُ مَخْصُوصَةٌ بِالْمُعَاوَضَاتِ الْمَحْضَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَإِذْ كَانَ الْأَصْلُ) أَيْ فِي الضَّمَانِ اهـ

(قَوْلُهُ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الْإِعْتَاقِ لِأَجْلِ التَّدْبِيرِ) لِأَنَّهُ عِنْدَ ذَلِكَ مُكَاتَبٌ أَوْ حُرٌّ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ، وَلَا بُدَّ مِنْ رِضَا الْمُكَاتَبِ بِفَسْخِهِ حَتَّى يَقْبَلَ الِانْتِقَالَ فَلِهَذَا يَضْمَنُ الْمُدَبِّرُ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَفْسَدَ عَلَيْهِ نَصِيبَهُ مُدَبَّرًا) فَإِنَّ الْمُدَبِّرَ كَانَ مُتَمَكِّنًا قَبْلَ عِتْقِهِ مِنْ اسْتِخْدَامِهِ وَإِجَارَتِهِ وَإِعَارَتِهِ إلَى مَوْتِهِ فَامْتَنَعَ بِعِتْقِهِ كُلُّ ذَلِكَ، وَهَذَا مَعْنَى الْإِفْسَادِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا أَفْسَدَهُ مُدَبَّرًا، وَالْمُدَبَّرُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ حَتَّى لَوْ كَانَ مُدَبَّرُ الشَّرِيكَيْنِ فَأَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا، وَهُوَ مُوسِرٌ ضَمِنَ نَصِيبَ الْآخَرِ مُدَبَّرًا، وَإِنْ لَمْ يَتَمَلَّكْهُ بِالضَّمَانِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقِيمَةُ الْمُدَبَّرِ ثُلُثَا قِيمَتِهِ قِنًّا) فَلَوْ كَانَ قِيمَتُهُ قِنًّا سَبْعَةً وَعِشْرِينَ دِينَارًا ضَمِنَ لَهُ سِتَّةَ دَنَانِيرَ لِأَنَّ ثُلُثَيْهَا، وَهِيَ قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَثُلُثَهَا وَهُوَ الْمَضْمُونُ سِتَّةٌ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الْكَافِي، وَقِيمَةُ الْمُدَبَّرِ ثُلُثَا قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ قِنًّا لِأَنَّ مَنَافِعَ الْمَمْلُوكِ ثَلَاثٌ الِاسْتِخْدَامُ، وَالِاسْتِرْبَاحُ بِوَاسِطَةِ الْبَيْعِ، وَقَضَاءُ الدَّيْنِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى، وَبِالتَّدْبِيرِ بِفَوْتِ الِاسْتِرْبَاحِ، وَيَبْقَى الْآخَرَانِ

وَقِيلَ نِصْفُ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ قِنًّا لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِعَيْنِ الْمَمْلُوكِ، وَبِبَدَلِهِ أَيْ ثَمَنِهِ، وَبَقِيَ الْأَوَّلُ لَا الثَّانِي، وَإِلَيْهِ مَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ فَقَوْلُهُ وَإِلَيْهِ مَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَيْ إلَى الْقَوْلِ بِكَوْنِ قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ نِصْفَ قِيمَتِهِ قِنًّا مَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا نَقَلَتْهُ عَنْ الْكَمَالِ مِنْ كَوْنِ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ مَالَ إلَى أَنَّ قِيمَتَهُ ثُلُثَا قِيمَتِهِ قِنًّا فَلْيُتَأَمَّلْ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ، وَقِيمَةُ أُمِّ الْوَلَدِ قَدْرُ ثُلُثِ قِيمَتِهَا أَمَةً لِأَنَّ لِلْمَالِكِ فِي مَمْلُوكِهِ ثَلَاثُ مَنَافِعَ الِاسْتِخْدَامُ وَالِاسْتِرْبَاحُ بِالْبَيْعِ وَقَضَاءُ دُيُونِهِ مِنْ مَالِيَّتِهِ بَعْدَهُ فَبِالتَّدْبِيرِ يَنْعَدِمُ أَحَدُ هَذِهِ الْمَعَانِي، وَهُوَ الِاسْتِرْبَاحِ، وَتَبْقَى مَنْفَعَتَانِ، وَبِالِاسْتِيلَادِ تَبْقَى وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الِاسْتِخْدَامُ، وَتَنْعَدِمُ اثْنَتَانِ فَتُوَزَّعُ الْقِيمَةُ عَلَى ذَلِكَ كَذَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ. اهـ. مُسْتَصْفَى لَمْ يَتَحَرَّرْ لَنَا قِيمَةُ الْمُكَاتَبِ اهـ اق

(قَوْلُهُ عَلَى مَا قَالُوا) وَقَالَ بَعْضُهُمْ قِيمَتُهُ لَوْ كَانَ قِنًّا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُنْظَرُ بِكَمْ يُسْتَخْدَمُ مُدَّةَ عُمُرِهِ مِنْ حَيْثُ الْحَزْرُ وَالظَّنُّ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ قِيمَتُهُ نِصْفُ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ قِنًّا. اهـ. قَاضِي خَانْ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ طَرِيقَتُهُ فِي مِثْلِهِ الْإِشْعَارِ بِالْخِلَافِ فَقِيلَ قِيمَتُهُ قِنًّا، وَهُوَ غَيْرُ سَدِيدٍ لِأَنَّ الْقِيَمَ تَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ الْمَنَافِعِ الْمُمْكِنَةِ، وَقِيلَ نِصْفُ قِيمَتِهِ قِنًّا لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِالْمَمْلُوكِ بِعَيْنِهِ وَبَدَلِهِ، وَفَاتَ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، وَقِيلَ تُقَوَّمُ خِدْمَتُهُ مُدَّةَ عُمُرِهِ حَزْرًا فِيهِ فَمَا بَلَغَتْ فَهِيَ قِيمَتُهُ، وَقِيلَ ثُلُثَا قِيمَتِهِ قِنًّا لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْوَطْءِ وَالسِّعَايَةِ وَالْبَدَلِ، وَإِنَّمَا زَالَ الْأَخِيرُ فَقَطْ، وَإِلَيْهِ مَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى إلَّا أَنَّ الْوَجْهَ يَخُصُّ الْمُدَبَّرَةَ دُونَ الْمُدَبَّرِ، وَقِيلَ يُسْأَلُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ أَنَّ الْعُلَمَاءَ لَوْ جَوَّزُوا بَيْعَ هَذَا فَاتَتْ الْمَنْفَعَةُ الْمَذْكُورَةُ كَمْ يَبْلُغُ فَمَا ذُكِرَ فَهُوَ قِيمَتُهُ، وَهَذَا حَسَنٌ عِنْدِي، وَأَمَّا قِيمَةُ أُمِّ الْوَلَدِ فَثُلُثُ قِيمَةِ الْقِنِّ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَالِاسْتِسْعَاءَ قَدْ انْتَفَيَا، وَبَقِيَ مِلْكُ الِاسْتِمْتَاعِ، وَقِيلَ خِدْمَتُهَا مُدَّةَ عُمُرِهَا عَلَى الْحَزْرِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ مُدَّةَ عُمُرِ أَحَدِهِمَا وَمِنْ مَوْلَاهَا، وَقِيلَ يُسْأَلُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ أَنَّ الْعُلَمَاءَ لَوْ جَوَّزُوا هَذَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَقِيمَةُ الْمُكَاتَبِ نِصْفُ قِيمَةِ الْقِنِّ لِأَنَّهُ حُرٌّ يَدًا، وَبَقِيَتْ الرَّقَبَةُ اهـ قَوْلُهُ وَقِيمَةُ أُمِّ الْوَلَدِ إلَخْ سَيَأْتِي مَتْنًا وَشَرْحًا أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لِصَاحِبَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يُضَمِّنُهُ) أَيْ الْمُدَبِّرُ الْمُعْتِقَ اهـ

(قَوْلُهُ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِيهِ) أَيْ فِي ثُلُثِهِ قِنًّا. اهـ. (قَوْلُهُ ثُلُثَاهُ لِلْمُدَبِّرِ) بِكَسْرِ الْبَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ مِنْ جِهَةِ السَّاكِتِ) أَيْ، وَهُوَ ثُلُثُهُ قِنًّا. اهـ. فَتْحٌ

ص: 81

فَلَا يَصِحُّ إعْتَاقُ الْآخَرِ لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ، وَلَا يَخْتَلِفُ هَذَا الضَّمَانُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْإِعْتَاقِ حَيْثُ يَخْتَلِفُ بِهِمَا لِأَنَّهُ ضَمَانُ إفْسَادٍ

وَكَذَا ضَمَانُ التَّدْبِيرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَخْتَلِفُ بِهِمَا لِمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ قِيلَ الْمُضَارِبُ بِالنِّصْفِ إذَا اشْتَرَى بِرَأْسِ الْمَالِ، وَهُوَ أَلْفٌ عَبْدَيْنِ، وَقِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفٌ أَعْتَقَهُمَا رَبُّ الْمَالِ عَتَقَا، وَضَمِنَ نَصِيبَ الْمُضَارِبِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا، وَهُوَ ضَمَانُ إعْتَاقٍ، وَمَعَ هَذَا لَا يَخْتَلِفُ بِهِمَا قُلْنَا هَذَا ضَمَانُ إعْتَاقٍ هُوَ إفْسَادٌ لَا ضَمَانُ سِرَايَةِ الْفَسَادِ لِأَنَّهُمَا حِينَ أَعْتَقَهُمَا أَفْسَدَ كُلًّا مِنْهُمَا بِالْإِعْتَاقِ لِكَوْنِ كُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَشْغُولًا بِرَأْسِ الْمَالِ، وَلَا يَظْهَرُ نَصِيبُ الْمُضَارِبِ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَيْنِهِ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَا ذَوِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لَمْ يَعْتِقَا، وَالِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فِي التَّضْمِينِ وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِي سِرَايَةِ الْفَسَادِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ الْإِفْسَادُ، وَلَا التَّمَلُّكُ، وَلَا الْإِتْلَافُ بِغَيْرِ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلَهُ.

قَالَ رحمه الله (وَلَوْ قَالَ لِشَرِيكِهِ هِيَ أُمُّ وَلَدِك، وَأَنْكَرَ تَخْدُمُهُ يَوْمًا، وَتَتَوَقَّفُ يَوْمًا) أَيْ لَوْ كَانَتْ جَارِيَةً بَيْنَ اثْنَيْنِ فَزَعَمَ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا أُمُّ وَلَدِ صَاحِبِهِ، وَأَنْكَرَ الْآخَرُ ذَلِكَ فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ يَوْمًا، وَتَخْدُمُ الْمُنْكِرَ يَوْمًا، وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا لِلْمُنْكِرِ، وَلَا سَبِيلَ عَلَيْهَا لِلْمُقِرِّ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَيْسَ لِلْمُنْكِرِ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا، وَلَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَهَا فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا ثُمَّ تَكُونَ حُرَّةً، وَلَا سَبِيلَ عَلَيْهَا، وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ رُجُوعَ أَبِي يُوسُفَ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَهُمَا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُصَدِّقْهُ صَاحِبُهُ انْقَلَبَ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا الْمُنْكِرُ أَوْ أَقَرَّ بِالِاسْتِيلَادِ عَلَى نَفْسِهِ كَالْمُشْتَرِي إذَا ادَّعَى أَنَّ الْبَائِعَ كَانَ أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَالْبَائِعُ يُنْكِرُ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي حَتَّى يُحَالَ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَسْقُطُ الثَّمَنُ لِأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ، وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا لِلْمُقِرِّ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الضَّمَانَ عَلَى شَرِيكِهِ بِدَعْوَى التَّمَلُّكِ عَلَيْهِ دُونَ السِّعَايَةِ

وَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا لِأَنَّهُ تَبَرَّأَ مِنْهُ بِدَعْوَى انْتِقَالِهَا إلَى شَرِيكِهِ، وَلَيْسَ لِلْمُنْكِرِ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا لِأَنَّهُ لَمَّا أَنْكَرَ نَفَذَ عَلَى الْمُقِرِّ فَصَارَ كَأَنَّ الْمُقِرَّ اسْتَوْلَدَهَا أَوْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا، وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَا يَسْتَخْدِمُهَا فَكَذَا هَذَا، وَلِهَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى شَرِيكِهِ بِعِتْقِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ، وَأَنْكَرَ الْآخَرُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ فَإِذَا بَطَلَ الِاسْتِخْدَامُ، وَصَارَتْ مَالِيَّتُهَا مَحْبُوسَةً عِنْدَهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ تَضْمِينُ الْغَيْرِ وَجَبَ عَلَيْهَا السِّعَايَةُ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَنْتَفِعُ بِذَلِكَ ثُمَّ تَخْرُجُ إلَى الْحُرِّيَّةِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا يُمْكِنُ تَضْمِينُ الْغَيْرِ لِأَنَّ الْمُقِرَّ يُنْكِرُ الِاسْتِيلَادَ مِنْ جِهَتِهِ فَصَارَتْ كَأُمِّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ إذَا أَسْلَمَتْ فَإِنَّهَا تَسْعَى فِي قِيمَتِهَا، وَتَخْرُجُ إلَى الْحُرِّيَّةِ لِتَعَذُّرِ؛ الِاسْتِخْدَامِ وَالِاسْتِدَامَةِ عَلَى مِلْكِهِ ثُمَّ إذَا أَدَّتْ نِصْفَ قِيمَتِهَا إلَى الْمُنْكِرِ عَتَقَ كُلُّهَا لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ الْمُقِرَّ لَوْ صُدِّقَ كَانَتْ الْخِدْمَةُ كُلُّهَا لِلْمُنْكِرِ، وَلَوْ كُذِّبَ كَانَ لَهُ نِصْفُ الْخِدْمَةِ فَثَبَتَ مَا هُوَ الْمُتَيَقَّنُ بِهِ، وَهُوَ النِّصْفُ، وَلَا خِدْمَةَ لِلْمُقِرِّ

وَلَا اسْتِسْعَاءَ لَهُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ يَتَبَرَّأُ عَنْ ذَلِكَ بِدَعْوَى الِاسْتِيلَادِ مِنْ شَرِيكِهِ وَبِدَعْوَى الضَّمَانِ عَلَيْهِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ) فَأَشْبَهَ الِاسْتِيلَادَ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ حَيْثُ يَخْتَلِفُ بِهِمَا) وَالْوَلَاءُ كُلُّهُ لِلْمُدَبِّرِ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ لِمَا ذَكَرْنَا) أَيْ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ ضَمَانُ إفْسَادٍ. اهـ.

(قَوْلُهُ فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْمُرَادُ مِنْ كَوْنِهَا مَوْقُوفَةً يَوْمًا أَنْ تُرْفَعَ عَنْهَا الْخِدْمَةُ يَوْمًا، وَأَنْ لَا يَكُونَ لِلْمُقِرِّ عَلَيْهَا سَبِيلٌ اهـ (قَوْلُهُ وَتَخْدُمُ الْمُنْكِرَ يَوْمًا) يَعْنِي لَيْسَ لَهُمَا غَيْرُ ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا سَبِيلَ) يَعْنِي لِلْمُقِرِّ بِالِاسْتِيلَادِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَهُمَا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُصَدِّقْهُ إلَخْ) قَالَ الرَّازِيّ لَهُمَا أَنَّ الْمُقِرَّ لَمَّا لَمْ يُصَدِّقْ عَلَى شَرِيكِهِ انْقَلَبَ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا، وَلَا سِعَايَةَ لِلْمُقِرِّ لِأَنَّهُ يَدَّعِي ضَمَانَ التَّمَلُّكِ عَلَى شَرِيكِهِ دُونَ السِّعَايَةِ، وَامْتَنَعَتْ الْخِدْمَةُ عَلَى الْمُنْكِرِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَنْكَرَ نَفَذَ الِاسْتِيلَادُ عَلَى الْمُقِرِّ فَصَارَ كَأَنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا، وَلَوْ اسْتَوْلَدَهَا لَا يَكُونُ لِلْمُنْكِرِ الِاسْتِخْدَامُ فَكَذَا هَذَا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِخْدَامِ، وَمَالِيَّتُهَا مَحْبُوسَةٌ عِنْدَهُمَا عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ تَضْمِينُ الْمُقِرِّ لِإِنْكَارِهِ الِاسْتِيلَادَ مِنْ نَفْسِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهَا السِّعَايَةُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُقِرَّ لَوْ صُدِّقَ كَانَتْ الْخِدْمَةُ كُلُّهَا لِلْمُنْكِرِ، وَلَوْ كُذِّبَ فَلَهُ نِصْفُهَا، وَكَانَ النِّصْفُ ثَابِتًا بِيَقِينٍ فَأَثْبَتْنَاهُ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا يَوْمًا، وَتَكُونُ مَوْقُوفَةً يَوْمًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُقِرٌّ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي اسْتِخْدَامِهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَمَّا الْمُقِرُّ فَلِأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدِ الْغَيْرِ، وَأَمَّا الْمُنْكِرُ فَلِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ، وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا لِأَنَّ السِّعَايَةَ لِلِاسْتِخْرَاجِ عَنْ الرِّقِّ عِنْدَ تَعَذُّرِ اسْتِدَامَةِ الرِّقِّ فِيهَا، وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا لِأَنَّ الْمُقِرَّ يَزْعُمُ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدِ صَاحِبِهِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَدِيمَ الْمِلْكَ فِيهَا إلَى ثُبُوتِهِ، وَالْمُنْكِرُ يَزْعُمُ أَنَّهَا قِنَّةٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا اهـ

(قَوْلُهُ إنَّ الْمُقِرَّ لَوْ صُدِّقَ كَانَتْ الْخِدْمَةُ كُلُّهَا لِلْمُنْكِرِ) لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ كُذِّبَ كَانَ لَهُ نِصْفُ الْخِدْمَةِ) لِأَنَّهَا قِنَّةٌ بَيْنَهُمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا خِدْمَةَ لِلْمُقِرِّ، وَلَا اسْتِسْعَاءَ لَهُ عَلَيْهَا) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا هُوَ أَيْضًا قَوْلُهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَيَانِ قَوْلِهِمَا حَيْثُ قَالَ الشَّارِحُ وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا لِلْمُقِرِّ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الضَّمَانَ عَلَى شَرِيكِهِ بِدَعْوَى التَّمَلُّكِ عَلَيْهِ دُونَ السِّعَايَةِ، وَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا إلَخْ. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُقِرَّ لَا يَسْتَسْعِيهَا، وَلَا يَسْتَخْدِمُهَا، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُنْكِرِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَهُ الْخِدْمَةُ دُونَ الِاسْتِسْعَاءِ، وَقَالَا لَهُ الِاسْتِسْعَاءُ دُونَ الْخِدْمَةِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ ك قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَفِي الْمُخْتَلَفِ فِي بَابِ مُحَمَّدٍ أَنَّ نَفَقَتَهَا فِي كَسْبِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا كَسْبٌ فَنَفَقَتُهَا عَلَى الْمُنْكِرِ، وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا فِي النَّفَقَةِ، وَقَالَ غَيْرُهُ نِصْفُ كَسْبِهَا لِلْمُنْكِرِ، وَنِصْفُهُ مَوْقُوفٌ، وَنَفَقَتُهَا مِنْ كَسْبِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَسْبٌ فَنِصْفُ نَفَقَتِهَا عَلَى الْمُنْكِرِ لِأَنَّ نِصْفَ الْجَارِيَةِ لِلْمُنْكِرِ، وَهَذَا اللَّائِقُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنْ لَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ أَصْلًا لِأَنَّهُ لَا خِدْمَةَ لَهُ عَلَيْهَا، وَلَا احْتِبَاسَ

وَأَمَّا جِنَايَتُهَا فَتَسْعَى فِيهَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ كَالْمُكَاتَبِ وَتَأْخُذُ الْجِنَايَةَ عَلَيْهَا لِتَسْتَعِينَ بِهَا، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ جِنَايَتُهَا مَوْقُوفَةٌ إلَى تَصْدِيقِ أَحَدِهِمَا صَاحِبَهُ اهـ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَتَبَرَّأُ عَنْ ذَلِكَ) أَيْ عَنْ الْخِدْمَةِ وَالِاسْتِسْعَاءِ اهـ

ص: 82

وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْمُقِرُّ كَالْمُسْتَوْلِدِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِالنَّسَبِ، وَذَلِكَ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ فَكَذَا هَذَا فَيَكُونُ إقْرَارُهُ بَاقِيًا عَلَى حَالِهِ، وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا لِلْمُنْكِرِ أَيْضًا لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ مِلْكِهِ مُمْكِنٌ بِأَنْ تَخْدُمَهُ يَوْمًا، وَيَوْمًا لَا، وَلَا يُصَارُ إلَى السِّعَايَةِ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الِاسْتِدَامَةِ بِخِلَافِ أُمِّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ إذَا أَسْلَمَتْ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ فِيهَا فَتَعَيَّنَتْ السِّعَايَةُ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ بِعِتْقِ الْمُشْتَرَكِ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ لِلْمُنْكِرِ بِشَيْءٍ مِنْ الْخِدْمَةِ فَلَمْ يُمْكِنْ اسْتِدَامَتُهُ عَلَى مِلْكِهِ فَوَجَبَتْ السِّعَايَةُ عَلَيْهِ لِلتَّعَذُّرِ، وَلَوْ مَاتَ الْمُنْكِرُ عَتَقَتْ لِإِقْرَارِ الْمُقِرِّ أَنَّهَا كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ثُمَّ تَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا لِوَرَثَةِ الْمُنْكِرِ، وَلَوْ جَنَتْ أَوْ جُنِيَ عَلَيْهَا كَانَ النِّصْفُ مَوْقُوفًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالنِّصْفُ عَلَى الْجَاحِدِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَلْزَمُهَا الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهَا، وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ كَالْمُكَاتَبَةِ

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ النِّصْفُ عَلَى الْمُنْكِرِ، وَأَدَّتْ النِّصْفَ لِأَنَّهُ فِي مَالِ سَيِّدِهَا، وَكَسْبُهَا مَالُهُ قَالَ رحمه الله (وَمَا لِأُمِّ وَلَدٍ تَقَوُّمٌ) أَيْ لَيْسَ لَهَا قِيمَةٌ، وَقَالَا لَهَا قِيمَةٌ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ مُحْرَزَةٌ مُنْتَفَعٌ بِهَا وَطْءً وَإِجَارَةً وَاسْتِخْدَامًا فَتَكُونُ مُتَقَوِّمَةً كَالْمُدَبَّرِ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ تَدْخُلُ أُمُّ الْوَلَدِ فِيهِ، وَاسْتِبَاحَةُ الْوَطْءِ دَلِيلُ الْمِلْكِ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالنِّكَاحِ أَوْ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَالْأَوَّلُ مُنْتَفٍ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي، وَبَقَاءُ الْمِلْكِ آيَةُ بَقَاءِ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ إذْ الْمَمْلُوكِيَّةُ فِي الْآدَمِيِّ لَيْسَتْ غَيْرَ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ وَحَقُّ الْحُرِّيَّةِ لَا يُنَافِي التَّقَوُّمَ كَالْمُدَبَّرِ، وَلِهَذَا إذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ تَسْعَى، وَهِيَ آيَةُ التَّقَوُّمِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَقَضِيَّتُهُ الْحُرِّيَّةُ وَزَوَالُ التَّقَوُّمِ لَكِنَّهُ تَقَاعَدَ عَنْ إفَادَةِ الْحُرِّيَّةِ لِمُعَارِضٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «أَيُّمَا أَمَةٍ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَهِيَ مُعْتَقَةٌ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ» أَوْ قَالَ مِنْ بَعْدِهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَلَا مُعَارِضَ لَهُ فِي زَوَالِ التَّقَوُّمِ فَيَثْبُتُ، وَلِأَنَّ التَّقَوُّمَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْإِحْرَازِ عَلَى قَصْدِ التَّمَوُّلِ، وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا يُتَقَوَّمُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْآدَمِيَّ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فِي الْأَصْلِ لِأَنَّهُ خُلِقَ لِيَمْلِكَ لَا لِيَصِيرَ مَالًا مَمْلُوكًا، وَلَكِنْ مَتَى أُحْرِزَ عَلَى قَصْدِ التَّمَوُّلِ صَارَ مَالًا مُتَقَوِّمًا، وَيَثْبُتُ بِهِ مِلْكُ الْمُتْعَةِ تَبَعًا فَإِذَا حَصَّنَهَا وَاسْتَوْلَدَهَا ظَهَرَ أَنَّ إحْرَازَهَا كَانَ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ وَالنَّسَبِ لَا لِلتَّمَوُّلِ فَكَانَتْ مُحْرَزَةً إحْرَازَ الْمَنْكُوحَاتِ فَلَا تَتَقَوَّمُ

وَمِلْكُ الْمُتْعَةِ يَنْفَصِلُ عَنْ التَّقَوُّمِ كَالْمَنْكُوحَةِ، وَلِهَذَا لَمْ تُبَعْ فِي دَيْنِ الْمَوْلَى، وَلِأَنَّ سَبَبَ الْحُرِّيَّةِ فِيهَا قَدْ تَحَقَّقَ فِي الْحَالِ لِأَنَّ إضَافَةَ الْوَلَدِ عَلَى الْكَمَالِ آيَةُ اتِّحَادِ النَّفْسَيْنِ فَصَارَتْ كَنَفْسِهِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ عُمَرُ بِقَوْلِهِ وَكَيْفَ تَبِيعُوهُنَّ وَقَدْ اخْتَلَطَتْ لُحُومُهُنَّ بِلُحُومِكُمْ، وَدِمَاؤُهُنَّ بِدِمَائِكُمْ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَذَلِكَ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ) فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْمُقِرُّ كَالْمُسْتَوْلِدِ بِنَفْسِهِ حُكْمًا نَعَمْ يُوجِبُ ذَلِكَ أَنْ يُؤَاخَذَ بِإِقْرَارِهِ فَيَمْتَنِعُ اسْتِخْدَامُهُ وَاسْتِسْعَاؤُهُ، وَقَدْ قُلْنَا بِذَلِكَ، وَلَا يَسْرِي قَوْلُهُ فِي حَقِّ شَرِيكِهِ فَيُبْقِي حَقُّهُ عَلَى مَا كَانَ، وَعِتْقُ الْعَبْدِ لَوْ اشْتَرَاهُ مِنْ هَذَا لَا إقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ لَا مِنْ الِانْقِلَابِ، وَحَاصِلُهُ مَنْعُ الِانْقِلَابِ، وَالْجَوَابُ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَيْهِ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا لِلْمُنْكِرِ) لِأَنَّ الْمُقِرَّ إنْ كَانَ صَادِقًا كَانَ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ، وَلَا سِعَايَةَ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهِيَ قِنَّةٌ بَيْنَهُمَا فَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا بِحَالٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ لِلْمُنْكِرِ بِشَيْءٍ مِنْ الْخِدْمَةِ) لِأَنَّهُ إنْ كَانَ صَادِقًا فَلَا خِدْمَةَ لَهُ وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَلَهُ نِصْفُ الْخِدْمَةِ فَنِصْفُ الْخِدْمَةِ ثَابِتٌ لَهُ عَلَى تَقْدِيرٍ فَلَمْ يَتَيَقَّنْ بِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ مُحَرَّرَةٌ مُنْتَفَعٌ بِهَا وَطْءً وَإِجَارَةً وَاسْتِخْدَامًا) أَيْ، وَكَذَا يَمْلِكُ كَسْبَهَا انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَحَقُّ الْحُرِّيَّةِ لَا يُنَافِي التَّقَوُّمَ) إذَا هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ اسْتِحْقَاقٍ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْإِبْطَالُ بِالْبَيْعِ، وَلَا تَنَافِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّقَوُّمِ انْتَهَى كَافِي (قَوْلُهُ وَلِهَذَا إذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ تَسْعَى، وَهِيَ آيَةُ التَّقَوُّمِ) قَالَ الْكَمَالُ، وَلَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ عَتَقَتْ، وَهَذَا هُوَ دَلَالَةُ التَّقَوُّمِ، وَالْفَائِتُ لَيْسَ إلَّا مُكْنَةَ الْبَيْعِ، وَهُوَ لَا يَنْفِي التَّقَوُّمَ كَمَا فِي الْمُدَبَّرِ، وَالْآبِقِ، وَامْتِنَاعُ سِعَايَتِهَا لِغُرَمَاءِ الْمَوْلَى أَوْ لِوَرَثَتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَاهَا مَثَلًا لِأَنَّهَا مَصْرُوفَةٌ إلَى حَاجَتِهِ كَيْ يَضِيعَ نَسَبُهُ وَمَاؤُهُ، وَهَذَا مَانِعٌ يَخُصُّهَا لَا يُوجَدُ فِي الْمُدَبَّرِ فَلِذَا افْتَرَقَا فِي السِّعَايَةِ وَعَدَمِهَا، وَهَذَا أَيْ الِانْتِفَاعُ الْمُطْلَقُ شَرْعًا عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ دَلَالَةُ التَّقَوُّمِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ لَا تَكُونُ إلَّا بِمِلْكِ الْيَمِينِ فِيهَا لِعَدَمِ عَقْدِ النِّكَاحِ، وَالْإِجَارَةِ، وَلَا زِيَادَةَ بَعْدَ هَذَا إلَّا بِثُبُوتِ حَقِّ الْحُرِّيَّةِ، وَلَا تَنَافِي بَيْنَ حَقِّ الْحُرِّيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ أَلَا تَرَى أَنَّ أُمَّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ إذَا أَسْلَمَتْ سَعَتْ لَهُ، وَهَذَا آيَةُ التَّقَوُّمِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَصْلِ بَيْنَ أُمِّ وَلَدِ الْمُسْلِمِ وَبَيْنَ أُمِّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ فَإِذَا ثَبَتَ التَّقَوُّمُ فِي إحْدَاهُمَا ثَبَتَ فِي الْأُخْرَى، وَكَذَا وَلَدُ الْمَغْرُورِ إذَا كَانَتْ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ فَإِنَّ الْمَغْرُورَ يَضْمَنُ قِيمَةَ وَلَدِهِ مِنْهَا عِنْدَهُ انْتَهَى، وَقَوْلُهُ وَهِيَ آيَةُ التَّقَوُّمِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ غَيْرَ أَنَّ قِيمَتَهَا ثُلُثُ قِيمَتِهَا قِنَّةً عَلَى مَا قَالُوا قَالَ الْكَمَالُ لِفَوَاتِ مَنْفَعَتَيْنِ مَنْفَعَةُ الْبَيْعِ وَالسِّعَايَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْبَاقِي مَنْفَعَةٌ مِنْ ثَلَاثِ فَحِصَّتُهَا ثُلُثُ الْقِيمَةِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ فَإِنَّ الْفَائِتَ مَنْفَعَةُ الْبَيْعِ فَقَطْ لِأَنَّهُ يَسْعَى بَعْدَ الْمَوْتِ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ، وَيُسْتَخْدَمُ فَكَانَتْ قِيمَتُهُ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ قِنًّا، وَقَوْلُهُ عَلَى مَا قَالُوا يُفِيدُ الْخِلَافَ، وَقَدْ كَتَبْنَاهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ انْتَهَى

(قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ) قَالَ الْكَمَالُ الْحَاصِلُ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ اللَّوَازِمِ إنَّمَا هِيَ لَوَازِمُ الْمِلْكِ بَعْضُهَا أَعَمُّ مِنْهُ تَثْبُتُ مَعَ غَيْرِهِ كَالْوَطْءِ وَالِاسْتِخْدَامِ وَالْإِجَارَةِ فَإِنَّ الْوَطْءَ يَثْبُتُ، وَلَا مِلْكَ لَهُ فِي الْمَنْكُوحَةِ وَالِاسْتِخْدَامَ وَالْإِجَارَةَ بِالْإِجَارَةِ، وَاللَّازِمُ الْخَاصُّ هُوَ مِلْكُ الْكَسْبِ، وَلَا كَلَامَ فِي مِلْكِ الرَّقَبَةِ إنَّمَا الْكَلَامُ فِي التَّقَوُّمِ وَالْمَالِيَّةِ، وَالتَّقَوُّمُ يَثْبُتُ بِالْإِحْرَازِ عَلَى قَصْدِ التَّمَوُّلِ حَتَّى لَا يَكُونُ الْعَبْدُ قَبْلَ الْإِحْرَازِ مَالًا مُتَقَوِّمًا لَا بِالْمِلْكِ، وَإِنْ ثَبَتَ مَعَهُ وَالْآدَمِيُّ وَإِنْ صَارَ مَالًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَصْلِ مَالًا لِأَنَّهُ خُلِقَ لَأَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلْمَالِ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ إذَا أُحْرِزَ لِلتَّمَوُّلِ، وَأُمُّ الْوَلَدِ إذَا أَحْرَزَهَا وَاسْتَوْلَدَهَا كَانَ إحْرَازُهُ لَهَا لِلنَّسَبِ لَا لِلتَّمَوُّلِ، وَإِنْ كَانَ أَوَّلُ تَمَلُّكِهَا كَانَ لِلتَّمَوُّلِ لَكِنْ عِنْدَمَا اسْتَوْلَدَهَا تُحَوَّلُ صِفَتُهَا عَنْ الْمَالِيَّةِ إلَى مِلْكٍ مُجَرَّدٍ عَنْهَا فَصَارَتْ مُحْرَزَةً لِمَا ذَكَرْنَا انْتَهَى (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ تَقَاعَدَ عَنْ إفَادَةِ الْحُرِّيَّةِ إجْمَاعًا) وَلَا إجْمَاعَ فِي زَوَالِ التَّقَوُّمِ فَيَثْبُتُ انْتَهَى كَافِيٌّ

(قَوْلُهُ فَكَانَتْ مُحَرَّزَةً إحْرَازَ الْمَنْكُوحَاتِ) أَيْ لَا إحْرَازَ الْمَمْلُوكَاتِ فَصَارَ كَأَنَّ الْإِحْرَازَ لَمْ يُوجَدْ أَصْلًا فِي الْمَالِيَّةِ انْتَهَى كَافِي

ص: 83

عَمَلُ هَذَا السَّبَبِ فِي الْحَالِ فِي إفَادَةِ حَقِيقَةِ الْعِتْقِ ضَرُورَةَ الْحَاجَةِ إلَى الِانْتِفَاعِ بِهَا إذْ قَصْدُهُ اسْتِفْرَاشُهَا إلَى الْمَمَاتِ فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ سُقُوطِ التَّقَوُّمِ فَإِذَا مَاتَ اسْتَغْنَى عَنْهَا فَظَهَرَتْ حَقِيقَةُ الْحُرِّيَّةِ، وَقَبْلَهُ الْحَاجَةُ بَاقِيَةٌ فَلَمْ يَظْهَرْ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ أَنْ يَنْعَقِدَ السَّبَبُ بَعْدَ الْمَوْتِ إذْ التَّعْلِيقَاتُ لَيْسَتْ بِأَسْبَابٍ فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا تَصِيرُ أَسْبَابًا عِنْدَ الشَّرْطِ، وَإِنَّمَا قَضَيْنَا بِانْعِقَادِ السَّبَبِ فِي الْحَالِ ضَرُورَةً عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَظَهَرَ أَثَرُ الِانْعِقَادِ فِي حُرْمَةِ الْبَيْعِ خَاصَّةً، وَالنَّصْرَانِيُّ يَعْتَقِدُ تَقَوُّمَهَا، وَقَدْ أُمِرْنَا بِتَرْكِهِ وَمَا يَدِينُ كَبَيْعِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، وَلِأَنَّا حَكَمْنَا بِتَكَاتُبِهَا عَلَيْهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمَا، وَوُجُوبُ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّقَوُّمِ.

قَالَ رحمه الله (فَلَا يَضْمَنُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ بِإِعْتَاقِهَا) يَعْنِي إذَا كَانَتْ أُمُّ وَلَدٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَأَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا عَتَقَتْ، وَلَا يَضْمَنُ الْمُعْتِقُ لِلسَّاكِتِ شَيْئًا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَقَالَا يَضْمَنُ إذَا كَانَ مُوسِرًا، وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَنَّهَا مُتَقَوِّمَةٌ أَمْ لَا، وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَذْهَبَيْنِ، وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْأَصْلِ عِدَّةُ مَسَائِلَ مِنْهَا إذَا غَصَبَهَا غَاصِبٌ فَهَلَكَتْ عِنْدَهُ لَا يَضْمَنُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ، وَمِنْهَا إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا يَعْتِقُ، وَلَا يَسْعَى لِلْحَيِّ فِي شَيْءٍ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا لَهُ، وَمِنْهَا إذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَصَارَتْ كُلُّهَا لَهُ، وَلَمْ يَضْمَنْ لِشَرِيكِهِ شَيْئًا، وَمِنْهَا إذَا بَاعَ جَارِيَةً فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَمَاتَتْ الْجَارِيَةُ، وَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّ الْوَلَدَ ابْنُهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَيَأْخُذُ الْوَلَدَ، وَيَرُدُّ الثَّمَنَ كُلَّهُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَرُدُّ حِصَّةَ الْوَلَدِ، وَلَا يَرُدَّ حِصَّةَ الْأُمِّ، وَذَكَرَ فِي الْكَافِي وَالنِّهَايَةِ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ إذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَعَتَقَ، وَلَمْ يَضْمَنْ لِشَرِيكِهِ قِيمَةَ الْوَلَدِ عِنْدَهُ لِأَنَّ وَلَدَ أُمِّ الْوَلَدِ كَأُمِّهِ فَلَا يَكُونُ مُتَقَوِّمًا عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَيَسْعَى لَهُ الْوَلَدُ إنْ كَانَ مُعْسِرًا، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ السَّبَبَ يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ شَيْءٌ مِنْهُ عَلَى مِلْكِ الشَّرِيكِ، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي بَابِ الِاسْتِيلَادِ فِي الْقِنَّةِ فَضْلًا أَنْ تَكُونَ أُمُّ وَلَدٍ قَبْلَهُ حَتَّى قَالَ لَا تَغْرَمُ قِيمَةَ وَلَدِهَا، وَكَذَا ذَكَرَ غَيْرُهُ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ خِلَافًا فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ سُقُوطُ الضَّمَانِ لِأَجْلِ أَنَّهُ كَأُمِّهِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ، وَهُوَ حُرُّ الْأَصْلِ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الدَّعْوَى إعْتَاقٌ كَانَ مُسْتَقِيمًا، وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الرُّقَيَّاتِ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله عَلَى نَحْوِ مَا يُضْمَنُ بِهِ الصَّبِيُّ الْحُرُّ حَتَّى لَوْ مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا لَمْ يُضْمَنْ، وَلَوْ قَرَّبَهَا إلَى مَسْبَعَةٍ فَافْتَرَسَهَا السَّبْعُ يَضْمَنُ لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ جِنَايَةٍ لَا ضَمَانُ غَصْبٍ، وَلِهَذَا يُضْمَنُ الصَّبِيُّ الْحُرُّ بِمِثْلِهِ.

قَالَ رحمه الله (لَهُ أَعْبُدٌ قَالَ لِاثْنَيْنِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَخَرَجَ وَاحِدٌ، وَدَخَلَ آخَرُ، وَكَرَّرَ، وَمَاتَ بِلَا بَيَانٍ عَتَقَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثَّابِتِ، وَنِصْفُ كُلٍّ مِنْ الْآخَرَيْنِ) أَيْ رَجُلٌ لَهُ ثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ اثْنَانِ فَقَالَ أَحَدُكُمَا حُرُّ فَخَرَجَ أَحَدُهُمَا، وَدَخَلَ آخَرُ فَقَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَمَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ عَتَقَ مَنْ الَّذِي أُعِيدَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى ثَابِتًا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ، وَنِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْآخَرَيْنِ، وَهُوَ الْخَارِجُ وَالدَّاخِلُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ كَذَلِكَ إلَّا فِي الدَّاخِلِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ رُبُعُهُ أَمَّا الْخَارِجُ فَلِأَنَّ الْإِيجَابَ الْأَوَّلَ أَوْجَبَ عِتْقَ رَقَبَةٍ، وَهُوَ دَائِرٌ بَيْنَ الثَّابِتِ وَالْخَارِجِ فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِهِ مِنْ الْآخَرِ فَيَتَنَصَّفُ بَيْنَهُمَا، وَالْإِيجَابُ الثَّانِي كَذَلِكَ، وَهُوَ دَائِرٌ بَيْنَ الثَّابِتِ وَالدَّاخِلِ فَكَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ غَيْرَ أَنَّ الثَّابِتَ اسْتَفَادَ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ نِصْفًا فَكَانَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَالنَّصْرَانِيُّ يَعْتَقِدُ تَقَوُّمَهَا) أَيْ وَجَوَازَ بَيْعِهَا انْتَهَى (قَوْلُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمَا) لِأَنَّ فِي إبْقَائِهَا فِي مِلْكِ الْكَافِرِ إضْرَارًا بِهَا، وَإِبْطَالُ حَقِّ النَّصْرَانِيِّ مَجَّانًا إضْرَارٌ بِهِ انْتَهَى.

(قَوْلُهُ يَعْنِي إذَا كَانَتْ أُمُّ وَلَدٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ) أَيْ بِأَنْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لَهُ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَأَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا) أَيْ، وَهُوَ مُوسِرٌ انْتَهَى هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَالَا يَضْمَنُ) أَيْ نِصْفَ قِيمَتِهَا انْتَهَى هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا) وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا سَعَتْ لِلسَّاكِتِ فِيهِ انْتَهَى كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ) أَيْ يَضْمَنُ عِنْدَهُمَا لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَةِ الْوَلَدِ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَيَسْعَى لَهُ) أَيْ لِلشَّرِيكِ انْتَهَى (قَوْلُهُ لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ جِنَايَةٍ لَا ضَمَانُ غَصْبٍ) وَكَمَا لَوْ قَتَلَهَا حَيْثُ يَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ انْتَهَى فَتْحٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَهُ أَعْبُدٌ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ هَذَا أَيْضًا مِنْ عِتْقِ الْبَعْضِ غَيْرَ أَنَّ الْأَوَّلَ بَعْضُ الْوَاحِدِ، وَهَذَا الْكَلَامُ فِي بَعْضِ الْمُتَعَدِّدِ فَنَزَلَ الْأَوَّلُ مِنْ هَذَا مَنْزِلَةَ الْجُزْءِ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْكُلِّ لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِي عِتْقِ بَعْضِ مَا هُوَ بَعْضٌ لِهَذَا، وَهُوَ الْوَاحِدُ انْتَهَى (قَوْلُهُ فَقَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ) وَذَلِكَ فِي حَالِ الصِّحَّةِ انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ وَقَوْلُهُ فَقَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ إلَخْ فَمَا دَامَ حَيًّا يُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ انْتَهَى فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنْ يُبَيِّنَ الْعِتْقَ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَالثَّانِي أَنْ يَمُوتَ الْمَوْلَى قَبْلَ بَيَانِهِ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ، وَالثَّالِثُ أَنْ يَمُوتَ الْعَبْدُ قَبْلَ الْبَيَانِ، وَحُكْمُ هَذَا الْقَوْلِ إذَا وَقَعَ مِنْهُ أَنْ يُؤْمَرَ الْمَوْلَى بِالْبَيَانِ، وَلِلْعَبْدِ مُخَاصَمَتُهُ فِي ذَلِكَ فَإِذَا بَيَّنَ الْعِتْقَ فِي الثَّابِتِ، وَهُوَ الْعَبْدُ لَمْ يَخْرُجْ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ عِتْقٌ، وَبَطَلَ الْكَلَامُ الثَّانِي لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ، وَقَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ إنْشَاءً فِي الْمُبْهَمِ الدَّائِرِ بَيْنَهُمَا، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَحَلًّا لِحُكْمِهِ، وَالْحُرُّ لَيْسَ كَذَلِكَ فَبَطَلَ إنْشَائِيَّتُهُ، وَصَارَ أَحَدُهُمَا حُرٌّ، وَهُوَ الثَّابِتُ فَلَا يُفِيدُ فِي الْخَارِجِ عِتْقًا انْتَهَى

(قَوْلُهُ وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى ثَابِتًا ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله، وَاسْتَشْكَلَ قَوْلُهُمَا يَعْتِقُ النِّصْفُ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ مَعَ قَوْلِهِمَا بِعَدَمِ تَجْزِئِ الْإِعْتَاقِ، وَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُمَا بِعَدَمِ تَجْزِيهِ إذَا وَقَعَ فِي مَحَلٍّ مَعْلُومٍ أَمَّا إذَا كَانَ إنَّمَا هُوَ الْحُكْمُ بِثُبُوتِهِ بِالضَّرُورَةِ، وَهِيَ مُقْتَضِيَةٌ لِانْقِسَامِهِ انْقَسَمَ ضَرُورَةً، وَالْحَاصِلُ عَدَمُ التَّجْزِيءِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ، وَالِانْقِسَامُ هُنَا ضَرُورِيٌّ، وَرَدَّهُ بَعْضُ الطَّلَبَةِ بِمَنْعِ ضَرُورَةِ الِانْقِسَامِ لِأَنَّ الْوَاقِعَ أَنَّ كُلَّ مَنْ عَتَقَ مِنْهُ الْبَعْضُ الَّذِي ذُكِرَ لَا يُقَرُّ فِي الرِّقِّ بَلْ يَسْعَى فِي بَاقِيهِ حَتَّى يُخَلَّصَ كُلُّهُ حُرًّا فَيُمْكِنَ أَنْ نَقُولَ يَعْتِقُ جَمِيعُ كُلِّ وَاحِدٍ، وَيَسْعَى فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ انْتَهَى

ص: 84

مَا أَصَابَهُ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي، وَهُوَ النِّصْفُ شَائِعًا فِي نِصْفَيْهِ فَمَا أَصَابَ الْمُسْتَحَقَّ بِالْأَوَّلِ لَغَا، وَمَا أَصَابَ الْفَارِغَ ثَبَتَ فَحَصَلَ لَهُ الرُّبُعُ فَتَمَّ لَهُ ثَلَاثَةُ الْأَرْبَاعِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ بِالثَّانِي هُوَ يَعْتِقُ نِصْفُهُ، وَإِنْ أُرِيدَ الدَّاخِلُ فَلَا يَعْتِقُ فَيَتَنَصَّفُ فَحَصَلَ لَهُ الرُّبُعُ بِالثَّانِي، وَبِالْأَوَّلِ النِّصْفُ،

وَأَمَّا الدَّاخِلُ فَمُحَمَّدٌ يَقُولُ إنَّ الْإِيجَابَ الثَّانِي دَائِرٌ بَيْنَ الصِّحَّةِ وَعَدَمِهَا لِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلُ الْخَارِجُ صَحَّ الْإِيجَابُ الثَّانِي لِكَوْنِهِ دَائِرًا بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ فَأَوْجَبَ عِتْقَ رَقَبَةٍ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الثَّابِتُ بَطَلَ الْإِيجَابُ الثَّانِي لِكَوْنِهِ دَائِرًا بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فَدَارَ بَيْنَ أَنْ يُوجِبَ وَأَنْ لَا يُوجِبَ فَيَتَنَصَّفَ فَيَعْتِقَ نِصْفُ رَقَبَةٍ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَيُصِيبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الرُّبُعَ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ تَحْتَهُ ثَلَاثُ نِسْوَةٍ، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهِنَّ فَقَالَ لِثِنْتَيْنِ مِنْهُنَّ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ فَخَرَجَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا، وَدَخَلَتْ الْأُخْرَى فَقَالَ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ سَقَطَ مِنْ مَهْرِ الْخَارِجَةِ رُبُعُهُ، وَمِنْ مَهْرِ الثَّابِتَةِ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِهِ، وَمِنْ مَهْرِ الدَّاخِلَةِ ثُمُنَهُ، وَالثُّمُنُ فِي الطَّلَاقِ كَالرُّبُعِ فِي الْعَتَاقِ لِأَنَّ كُلَّ السَّاقِطِ فِيهِ النِّصْفُ كَمَا أَنَّ كُلَّ الْوَاجِبِ هُنَاكَ الرَّقَبَةُ، وَلَهُمَا أَنَّ الْكَلَامَ الثَّانِي صَحِيحٌ فِي حَقِّ الدَّاخِلِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ تَنَاوَلَ الْمُبْهَمَ مِنْهُمَا فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمُعَلَّقِ بِالْبَيَانِ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا، وَلِهَذَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِمَا بِأَنْ قَطَعَ وَاحِدٌ أَيْدِيَهُمَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَرْشُ الْعَبِيدِ

وَإِذَا صَحَّ الْكَلَامُ الثَّانِي فِي حَقِّ الدَّاخِلِ كَانَ الْكَلَامُ الثَّانِي فِي حَقِّهِ بِمَنْزِلَةِ الْأَوَّلِ فِي حَقِّ الْخَارِجِ فَيَعْتِقُ نِصْفُهُ، وَإِنَّمَا يَعْتِقُ مِنْ الثَّابِتِ رُبُعُهُ بِالْكَلَامِ الثَّانِي لِأَنَّ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ تَنْجِيزٌ فِي حَقِّهِ حَتَّى تَثْبُتُ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْبَيَانِ، وَيَتَعَيَّنُ لِلْعِتْقِ إذَا زَالَتْ الْمُزَاحَمَةُ بِالْمَوْتِ أَوْ بِالْإِخْرَاجِ عَنْ الْمِلْكِ، وَيَشِيعُ الْعِتْقُ فِيمَا إذَا مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلُ بِالْبَيَانِ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَحَدُكُمَا حُرٌّ نَكِرَةٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَاعْتُبِرَ الْعِتْقُ وَاقِعًا فِي حَقِّهِمَا وَلَمْ يُعْتَبَرْ تَعْلِيقًا، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَإِنْ أُرِيدَ بِالْأَوَّلِ الْخَارِجُ صَحَّ الْكَلَامُ الثَّانِي، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الثَّابِتُ لَمْ يَصِحَّ فَتَرَدَّدَ الْكَلَامُ الثَّانِي بَيْنَ الصِّحَّةِ وَعَدَمِهِ فِي حَقِّهِ فَيَتَنَصَّفُ فَيَعْتِقُ رُبُعُهُ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الطَّلَاقِ فَقِيلَ هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَلَهَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ مَهْرِهَا، وَيَسْقُطُ الرُّبُعُ، وَلَئِنْ كَانَ قَوْلَ الْكُلِّ فَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ تَعْلِيقًا فِي حَقِّ الدَّاخِلِ فِي حَقِّ حُكْمٍ يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ

وَأَمَّا فِي حَقِّ حُكْمٍ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ يَكُونُ تَنْجِيزًا فِي حَقِّهِ أَيْضًا فَالْبَرَاءَةُ مِنْ الْمَهْرِ لَا تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ فَيَكُونُ تَنْجِيزًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فَيَثْبُتُ التَّرَدُّدُ فِي الْكَلَامِ الثَّانِي بَيْنَ الصِّحَّةِ وَعَدَمِهِ فِي حَقِّهِ فَيَتَنَصَّفُ بِخِلَافِ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ فَلَا يَكُونُ الْكَلَامُ الثَّانِي مُتَرَدِّدًا فِي حَقِّهِ فَيَثْبُتُ كُلُّهُ أَوْ يَقُولُ هُوَ مُعْتَقُ الْبَعْضِ، وَمُعْتَقُ الْبَعْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله مُكَاتَبٌ فَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَلَامِ الثَّانِي، وَوَافَقَهُ أَبُو يُوسُفَ فِيهِ هُنَا لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، وَلِهَذَا يَسْعَى عِنْدَهُمَا أَيْضًا بِخِلَافِ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ يَقَعُ بِجُزْءٍ مِنْهُ فَيَتَرَدَّدُ الْكَلَامُ الثَّانِي بَيْنَ الصِّحَّةِ وَعَدَمِهِ فَيَصِحُّ إذَا أَرَادَ بِالْأَوَّلِ الْخَارِجَةَ، وَإِلَّا فَلَا فَيُبَرَّآنِ عَنْ نِصْفِ النِّصْفِ فَيُوَزَّعُ عَلَيْهِمَا قَالَ رحمه الله (وَلَوْ فِي الْمَرَضِ قُسِّمَ الثُّلُثُ عَلَى هَذَا) يَعْنِي لَوْ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ فِي الْمَرَضِ قُسِّمَ الثُّلُثُ عَلَى قَدْرِ مَا يُصِيبُهُمْ مِنْ سِهَامِ الْعِتْقِ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ، وَلَا مَزِيدَ لَهَا عَلَى الثُّلُثِ فَتُرَدُّ إلَى الثُّلُثِ فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ سِهَامِهِمْ

وَشَرْحُ ذَلِكَ أَنَّك تَنْظُرُ إلَى مَخْرَجِ أَقَلِّ جُزْءٍ مِنْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فَمَا أَصَابَ الْمُسْتَحَقَّ) أَيْ النِّصْفَ الْمُعْتِقَ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَمَا أَصَابَ الْفَارِغَ) أَيْ مِنْ الْعِتْقِ انْتَهَى

(قَوْلُهُ فَحَصَلَ لَهُ الرُّبُعُ) فَإِنْ قِيلَ يَجِبُ أَنْ يَتَعَيَّنَ النِّصْفُ الْفَارِغُ تَصْحِيحًا لِلتَّصَرُّفِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الصَّرْفِ وَغَيْرِهِ قُلْنَا إنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ أَنْ لَوْ ثَبَتَ قَصْدًا أَمَّا إذَا ثَبَتَ ضِمْنًا فَلَا انْتَهَى كَافِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ بِالثَّانِي) أَيْ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي انْتَهَى (قَوْلُهُ وَإِنْ أُرِيدَ الدَّاخِلُ فَلَا يَعْتِقُ) فَإِذَنْ يَعْتِقُ مِنْ الثَّابِتِ نِصْفُهُ الْبَاقِي فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ انْتَهَى (قَوْلُهُ فَمُحَمَّدٌ يَقُولُ إنَّ الْإِيجَابَ الثَّانِي دَائِرٌ) أَيْ بَيْنَ الثَّابِتِ وَالدَّاخِلِ، وَقَدْ أَصَابَ مِنْهُ الرُّبُعَ الثَّابِتَ بِالْإِنْفَاقِ فَيَنْبَغِي أَنَّ نَصِيبَ الدَّاخِلِ كَذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْإِيجَابَ الثَّانِي دَائِرٌ انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ بَعْضُهُ بِالْمَعْنَى (قَوْلُهُ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ) أَيْ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ انْتَهَى (قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ دَائِرًا بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ) لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِهِ، وَلِحُرٍّ أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَيَلْغُوَا انْتَهَى (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّ الْكَلَامَ الثَّانِي صَحِيحٌ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله، وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْإِيجَابَ الثَّانِي لَوْ أُرِيدَ بِهِ الدَّاخِلُ عَتَقَ، وَلَوْ أُرِيدَ بِهِ الثَّابِتُ يَعْتِقُ الْبَاقِي مِنْهُ، وَلَا يَعْتِقُ الدَّاخِلُ فَإِذَنْ عَتَقَ الدَّاخِلُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَيُنَصَّفُ الْعِتْقُ بَيْنَهُمَا فَعَتَقَ نِصْفُ الدَّاخِلِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَعْتِقَ النِّصْفُ الْبَاقِي مِنْ الثَّابِتِ أَيْضًا إلَّا أَنَّ النِّصْفَ الَّذِي أَصَابَهُ شَاعَ فِي نِصْفَيْهِ فَمَا أَصَابَ النِّصْفَ الْمُعْتَقَ لَغَا، وَمَا أَصَابَ النِّصْفَ الْبَاقِي صَحَّ فَتُنَصَّفُ النِّصْفُ، وَنِصْفُ النِّصْفِ الرُّبُعِ (قَوْلُهُ إذَا زَالَتْ الْمُزَاحَمَةُ بِالْمَوْتِ) أَيْ بِمَوْتِ الْخَارِجِ انْتَهَى

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَلَوْ فِي الْمَرَضِ قُسِّمَ الثُّلُثُ عَلَى هَذَا) أَيْ سِهَامِ الْعِتْقِ، وَهِيَ سَبْعَةٌ انْتَهَى (قَوْلُهُ يَعْنِي لَوْ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ فِي الْمَرَضِ إلَخْ) فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يُخْرَجُ قَدْرُ الْعِتْقِ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَأَجَازَتْ الْوَرَثَةُ فَالْجَوَابُ مَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ كَذَلِكَ، وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ انْتَهَى رَازِيٌّ (قَوْلُهُ فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ سِهَامِهِمْ) أَيْ فَنَقُولُ حَقُّ الْخَارِجِ فِي النِّصْفِ، وَحَقُّ الثَّابِتِ فِي ثَلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ، وَحَقُّ الدَّاخِلِ عِنْدَهُمَا فِي النِّصْفِ أَيْضًا فَنَحْتَاجُ إلَى مَخْرَجٍ لَهُ نِصْفٌ وَرُبُعٌ، وَأَقَلُّهُ أَرْبَعَةٌ فَحَقُّ الْخَارِجِ فِي سَهْمَيْنِ، وَحَقُّ الثَّابِتِ فِي ثَلَاثَةٍ، وَحَقُّ الدَّاخِلِ فِي سَهْمَيْنِ فَبَلَغَتْ سِهَامُ الْعِتْقِ سَبْعَةً فَنَجْعَلُ ثُلُثَ الْمَالِ سَبْعَةً فَإِذَا صَارَ ثُلُثُ الْمَالِ سَبْعَةً صَارَ ثُلُثَا الْمَالِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَهِيَ سِهَامُ السِّعَايَةِ، وَسِهَامُ الْعِتْقِ سَبْعَةٌ، وَيَصِيرُ كُلُّ عَبْدٍ سَبْعَةً فَيَعْتِقُ مِنْ الْخَارِجِ سَهْمَانِ، وَيَسْعَى فِي خَمْسَةٍ، وَيَعْتِقُ مِنْ الدَّاخِلِ سَهْمَانِ، وَيَسْعَى فِي خَمْسَةٍ، وَيَعْتِقُ مِنْ الثَّابِتِ ثَلَاثَةٌ، وَيَسْعَى فِي أَرْبَعَةٍ فَبَلَغَتْ سِهَامُ الْوَصَايَا سَبْعَةً، وَسِهَامُ السِّعَايَةِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَاسْتَقَامَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ حَقُّ الدَّاخِلِ فِي سَهْمٍ فَكَانَ سِهَامُ الْوَصَايَا سِتَّةً، وَكُلُّ رَقَبَةٍ سِتَّةً، وَسِهَامُ السِّعَايَةِ اثْنَيْ عَشَرَ فَيَعْتِقُ مِنْ الثَّابِتِ ثَلَاثَةٌ، وَيَسْعَى فِي ثَلَاثَةٍ، وَمِنْ الْخَارِجِ سَهْمَانِ، وَيَسْعَى فِي أَرْبَعَةٍ، وَمِنْ الدَّاخِلِ سَهْمٌ، وَيَسْعَى فِي خَمْسَةٍ انْتَهَى رَازِيٌّ.

ص: 85

سِهَامِهِمْ، وَهُوَ الرُّبُعُ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ فَلِلثَّابِتِ ثَلَاثَةُ أَجْزَاءٍ مِنْهَا، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْآخَرِينَ جُزْءَانِ فَبَلَغَ سِهَامُ الْعِتْقِ سَبْعَةً فَيُقَسَّمُ الثُّلُثُ عَلَيْهَا فَيَسْقُطُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ السِّعَايَةِ قَدْرُ مَا أَصَابَ سَهْمَهُ مِثَالَهُ لَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قِيمَتُهُ سَبْعُمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُمْ كَانَ جَمِيعُ مَالِهِ أَلْفَيْنِ وَمِائَةً، وَثُلُثُهُ سَبْعَمِائَةٍ فَإِذَا قَسَّمْت الثُّلُثَ عَلَى سَبْعَةٍ أَصَابَ كُلَّ وَاحِدٍ مِائَةٌ فَمَنْ كَانَ لَهُ سَهْمَانِ سَقَطَ عَنْهُ مَا أَصَابَهُمَا، وَهُوَ مِائَتَانِ، وَهُوَ الدَّاخِلُ وَالْخَارِجُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ سَقَطَ عَنْهُ ثَلَاثُمِائَةٍ قَدْرُ مَا أَصَابَ سِهَامَهُ، وَيَسْعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِيمَا بَقِيَ مِنْ قِيمَتِهِ فَيَسْعَى الْخَارِجُ فِي خَمْسِمِائَةٍ، وَكَذَا الدَّاخِلُ، وَالثَّابِتُ يَسْعَى فِي أَرْبَعِمِائَةٍ

وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُجْعَلُ الثُّلُثُ أَسْدَاسًا لِأَجْلِ أَنَّ الدَّاخِلَ لَا يَسْتَحِقُّ سِوَى الرُّبُعَ عِنْدَهُ فَنَقَصَ سَهْمُهُ لِذَلِكَ، وَبَاقِي الْعَمَلِ مَا ذَكَرْنَاهُ هَذَا إذَا مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى بِالْحَيَاةِ أُجْبِرَ عَلَى الْبَيَانِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنْ يَمُوتَ الْمَوْلَى، وَالثَّانِي أَنْ تَمُوتَ الْعَبِيدُ، وَالثَّالِثُ أَنْ يَكُونُوا بِالْحَيَاةِ فَالْأَوَّلُ قَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَهُ، وَالثَّانِي نَذْكُرُهُ فِيمَا بَعْدُ، وَالثَّالِثُ حُكْمُهُ أَنْ يُجْبَرَ الْمَوْلَى عَلَى الْبَيَانِ مَا دَامَ حَيًّا لِأَنَّهُ هُوَ الْمُبْهِمُ فَإِنْ بَدَأَ بِبَيَانِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ فَقَالَ عَنَيْت بِهِ الْخَارِجَ عَتَقَ، وَصَحَّ الْكَلَامُ الثَّانِي لِأَنَّهُ يَبْقَى دَائِرًا بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ فَيُؤْمَرُ بِبَيَانِهِ، وَإِنْ قَالَ عَنَيْت بِهِ الثَّابِتَ عَتَقَ، وَبَطَلَ الْإِيجَابُ الثَّانِي لِأَنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ فَيَكُونُ مُخْبِرًا صَادِقًا فِي قَوْلِهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَإِنْ قِيلَ الْعِتْقُ الْمُبْهَمُ يَتَعَلَّقُ بِشَرْطِ الْبَيَانِ، وَلِهَذَا كَانَ لِلْبَيَانِ حُكْمُ الْإِنْشَاءِ حَتَّى كَانَ لَهُ اسْتِخْدَامُهُمَا قَبْلَهُ، وَحَتَّى اُعْتُبِرَتْ الْعِدَّةُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ لَوْ كَانَ الْإِبْهَامُ فِي الطَّلَاقِ فَلَا يَكُونُ دَائِرًا بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ قُلْنَا الْعِتْقُ الْمُبْهَمُ، وَإِنْ كَانَ مُعَلَّقًا بِشَرْطِ الْبَيَانِ إنْشَاءً مِنْ وَجْهٍ إظْهَارً مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَحَدُكُمَا لَا يَتَنَاوَلُ الْمُعَيَّنَ، وَبَعْدَ الْبَيَانِ يَصِيرُ وَاقِعًا فِي الْمُعَيَّنِ فَكَانَ الْبَيَانُ إنْشَاءً مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ إذَا خَاصَمَهُ الْعَبِيدُ كَانَ إظْهَارًا لِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِنْشَاءِ فَبِالنَّظَرِ إلَى كَوْنِهِ إنْشَاءً صَحَّ الْكَلَامُ الثَّانِي، وَعَتَقَ بِهِ الدَّاخِلُ

وَبِالنَّظَرِ إلَى كَوْنِهِ إظْهَارًا لَا يَصِحُّ الْإِيجَابُ الثَّانِي فَلَا يَعْتِقُ، وَالْعِتْقُ فِي الدَّاخِلِ غَيْرُ ثَابِتٍ فَلَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ، وَإِنْ بَدَأَ بِبَيَانِ الْكَلَامِ الثَّانِي فَإِنْ قَالَ عَنَيْت بِهِ الدَّاخِلَ عَتَقَ، وَيُؤْمَرُ بِبَيَانِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ فَيَعْتِقُ مَنْ يُبَيِّنُهُ فِيهِ. فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَعْتِقَ الدَّاخِلُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُبَيِّنَ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ فِي الثَّابِتِ فَيَكُونُ الْكَلَامُ الثَّانِي دَائِرًا بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فَيَكُونُ بَاطِلًا قُلْنَا الْكَلَامُ الْأَوَّلُ مُبْهَمٌ إذَا لَمْ يُصَادِفْ الْمُعَيَّنَ مِنْهُمَا فَهُوَ كَالْمُعَلَّقِ بِالْبَيَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَلَمْ يَتَّصِلْ بِالْمَحَلِّ فَكَانَ الْكَلَامُ الثَّانِي صَحِيحًا لِكَوْنِهِ دَائِرًا بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ فَإِذَا صَحَّ الْكَلَامُ الثَّانِي صَحَّ بَيَانُهُ فِي أَحَدِهِمَا أَيْضًا لِكَوْنِهِ رَقِيقًا وَقْتَ الْبَيَانِ، وَإِنْ بَيَّنَ الْأَوَّلَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الثَّابِتِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَهُوَ مَا إذَا بَدَأَ بِبَيَانِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ فَبَيَّنَهُ فِي الثَّابِتِ حَيْثُ يَبْطُلُ الْكَلَامُ الثَّانِي لِأَنَّهُ دَائِرٌ السَّاعَةَ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ

وَالْكَلَامُ الْأَوَّلُ تَنْجِيزٌ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَيُرَجَّحُ جَانِبُهُ لِقِيَامِ الْحُرِّيَّةِ فِي الْحَالِ، وَفِي الْأُولَى يُرَجَّحُ جَانِبُ التَّعْلِيقِ لِكَوْنِهِ رَقِيقًا وَقْتَ الْبَيَانِ، وَإِنْ قَالَ عَنَيْت بِالْكَلَامِ الثَّانِي الثَّابِتَ عَتَقَ بِهِ، وَعَتَقَ الْخَارِجُ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ.

قَالَ رحمه الله (وَالْبَيْعُ وَالْمَوْتُ وَالتَّحْرِيرُ وَالتَّدْبِيرُ بَيَانٌ فِي الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ) أَيْ إذَا أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ ثُمَّ بَاعَ أَحَدَهُمَا أَوْ مَاتَ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ دَبَّرَهُ تَعَيَّنَ الْآخَرُ لِلْعِتْقِ، وَصَارَ بَيَانًا لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ أَوْجَبَ عِتْقًا مُتَرَدِّدًا بَيْنَهُمَا عِنْدَ قِيَامِ الْمَحَلِّيَّةِ فَكَانَا فِيهِ سَوَاءً فَإِذَا فَاتَتْ الْمَحَلِّيَّةُ تَعَيَّنَ الْآخَرُ لِلْعِتْقِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ لِزَوَالِ الْمُزَاحِمِ أَمَّا فِي الْمَوْتِ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ قَابِلًا لِلْإِعْتَاقِ مِنْ جِهَتِهِ، وَكَذَا فِي الْإِعْتَاقِ لِأَنَّ الْمُعْتَقَ لَا يَعْتِقُ، وَكَذَا فِي التَّدْبِيرِ لِأَنَّهُ صَارَ حُرًّا مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ يَبْقَ قَابِلًا لِلْإِعْتَاقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَهُوَ الْوَاجِبُ بِهِ فَلَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لَهُ

وَلَا يُقَالُ يَرِدُ عَلَى هَذَا مَا إذَا قَالَ لِغُلَامَيْنِ أَحَدُهُمَا ابْنِي أَوْ قَالَ لِجَارِيَتَيْنِ لَهُ إحْدَاهُمَا أُمُّ وَلَدِي فَمَاتَتْ إحْدَاهُمَا لَا يَتَعَيَّنُ الْبَاقِي لِلْعِتْقِ وَلَا لِلِاسْتِيلَادِ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ أَمْرٍ كَائِنٍ، وَالْإِخْبَارُ يَصِحُّ فِي الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ بِخِلَافِ الْبَيَانِ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْإِنْشَاءِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمَحَلِّ وَهُوَ الْحَيُّ، فَإِنْ قِيلَ لَوْ اشْتَرَى أَحَدٌ الْعَبْدَيْنِ وَسَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا، وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ الْبَيْعُ فِي الْهَالِكِ، وَهُنَا تَعَيَّنَ الْعِتْقُ فِي الْحَيِّ قُلْنَا قَالَ عَلِيٌّ الْقُمِّيُّ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْهَالِكَ يَهْلِكُ عَلَى مِلْكِهِ فِي الْفَصْلَيْنِ لِأَنَّ الْهَالِكَ فِي الْبَيْعِ دَاخِلٌ فِي مِلْكِهِ حِينَ أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ لِتَعَذُّرِ رَدِّهِ كَمَا قُبِضَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ أَوْ دَبَّرَهُ) بِأَنْ قَالَ لِأَحَدِهِمَا أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي عَتَقَ الْآخَرُ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَكَذَا فِي التَّدْبِيرِ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي لَوْ قَالَ لِعَبْدَيْهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ قُتِلَ أَوْ بَاعَهُ أَوْ دَبَّرَهُ عَتَقَ الْبَاقِي اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا قَالَ لِعَبْدَيْهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ أَوْ قَالَ هَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَا أَوْ سَمَّاهُمَا فَقَالَ: سَالِمٌ حُرٌّ أَوْ مُبَارَكٌ يُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ لِأَنَّهُ الْمُجْمِلُ فَيُصْرَفُ الْعِتْقُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ، ثُمَّ الْبَيَانُ يَثْبُتُ صَرِيحًا وَدَلَالَةً فَالْأَوَّلُ كَقَوْلِهِ اخْتَرْت أَنْ يَكُونَ هَذَا حُرًّا بِاللَّفْظِ الَّذِي قُلْت أَوْ يَقُولُ أَنْتَ حُرٌّ بِذَلِكَ الْعِتْقِ أَوْ يَقُولُ أَعْتَقْتُك بِالْعِتْقِ السَّابِقِ، وَالثَّانِي كَمَا إذَا بَاعَ أَحَدَهُمَا مُطْلَقًا أَوْ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِأَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ بَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا، وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَتُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتَاوَى والْوَلْوَالِجِيِّ أَوْ كَاتَبَ أَوْ دَبَّرَ أَوْ رَهَنَ أَوْ آجَرَ فَإِنَّهُ يَكُونُ بَيَانًا فِي هَذَا كُلِّهِ، وَلَوْ اسْتَخْدَمَ أَحَدَهُمَا أَوْ قَطَعَ يَدَ أَحَدِهِمَا أَوْ جَنَى عَلَى أَحَدِهِمَا لَا يَكُونُ بَيَانًا فِي قَوْلِهِمْ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَإِنْ عَتَقَ أَحَدَهُمَا عِتْقًا مُسْتَأْنَفًا يَعْتِقَانِ جَمِيعًا، هَذَا بِإِعْتَاقِهِ، وَذَاكَ بِاللَّفْظِ السَّابِقِ، وَإِنْ قَالَ عَنَيْت بِهِ الْعِتْقَ بِاللَّفْظِ السَّابِقِ صُدِّقَ فِي الْقَضَاءِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ (قَوْلُهُ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّهُ إخْبَارٌ) أَيْ بِصِيغَتِهِ انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ

ص: 86

وَالْكِتَابَةُ وَتَعْلِيقُ عِتْقِ أَحَدِهِمَا بِالشَّرْطِ كَالتَّدْبِيرِ، وَالرَّهْنُ، وَالْإِيصَاءُ، وَالْإِجَارَةُ، وَالتَّزْوِيجُ، وَالْعَرْضُ عَلَى الْبَيْعِ كَالْبَيْعِ لِأَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ لَا تَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ فَصَارَ إقْدَامُهُ عَلَيْهَا بَيَانًا مِنْهُ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ لَهُ

وَمِنْ ضَرُورَتِهِ تَعَيُّنُ الْآخَرِ لِلْعِتْقِ، وَلَا يُقَالُ الْإِجَارَةُ لَا تَخْتَصُّ بِالْمِلْكِ لِجَوَازِ إجَارَةِ الْحُرِّ لِأَنَّا نَقُولُ الِاسْتِبْدَالُ بِإِجَارَةِ الْأَعْيَانِ عَلَى وَجْهٍ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْمِلْكِ فَيَكُونُ تَعْيِينًا دَلَالَةً، وَهَكَذَا نَقُولُ فِي الْإِنْكَاحِ، وَقَالَ فِي الْكَافِي ذِكْرُ التَّسْلِيمِ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فِي الْهِدَايَةِ وَقَعَ اتِّفَاقًا يَعْنِي لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى إبْقَائِهِ لِأَنَّ هَذَا تَصَرُّفٌ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ فَلَا تَتَوَقَّفُ دَلَالَتُهُ عَلَى الْقَبْضِ، وَلِهَذَا سَوَّى فِي الْبَيْعِ بَيْنَ الْمُطْلَقِ، وَبَيْنَ مَا فِيهِ الْخِيَارُ لِأَحَدِهِمَا، وَبَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْقَبْضَ فِي الْفَاسِدِ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُفِيدُ الْحُكْمَ إلَّا بِهِ

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْعَرْضَ عَلَى الْبَيْعِ كَالْبَيْعِ، وَالْمَعْنَى مَا ذَكَرْنَا ثُمَّ لَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعِتْقُ الْمُبْهَمُ مُطْلَقًا أَوْ مُعَلَّقًا حَتَّى تَكُونَ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ بَيَانًا فِيهِمَا حَتَّى إذَا قَالَ لِعَبْدَيْهِ إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَحَدُكُمَا حُرٌّ فَتَصَرَّفَ فِي أَحَدِهِمَا شَيْئًا مِنْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ ثُمَّ جَاءَ الْغَدُ عَتَقَ الْآخَرُ لِمَا بَيَّنَّا، وَكَذَا إذَا اسْتَوْلَدَ إحْدَاهُمَا تَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى لِلْحُرِّيَّةِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي التَّدْبِيرِ قَالَ رحمه الله (لَا الْوَطْءِ) أَيْ لَا يَكُونُ وَطْءُ إحْدَى الْأَمَتَيْنِ فِي الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ بَيَانًا حَتَّى لَا تَعْتِقُ الْأُخْرَى، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَقَالَا تَعْتِقُ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَحِلُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ فَصَارَ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ دَلِيلَ الِاسْتِبْقَاءِ فَصَارَ كَمَا لَوْ عَلِقَتْ مِنْهُ، وَكَمَا إذَا وَطِئَ إحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ فِي الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ

وَلَهُ أَنَّ الْمِلْكَ ثَابِتٌ فِيهِمَا، وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُمَا، وَكَانَ لَهُ الْأَرْشُ إذَا جُنِيَ عَلَيْهِمَا، وَالْمَهْرُ إذَا وُطِئَتَا بِشُبْهَةٍ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعِتْقَ الْمُبْهَمَ مُعَلَّقٌ بِالْبَيَانِ، وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ لَا يَنْزِلُ قَبْلَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ حُرَّةٌ أَوْ إحْدَاكُمَا حُرَّةٌ فَوَطِئَهُمَا أَوْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا قَبْلَ دُخُولِ الدَّارِ، وَهَذَا لِأَنَّ وَطْءَ الْأَمَةِ لِقَضَاءِ الشَّهْوَةِ لَا لِطَلَبِ الْوَلَدِ فَلَا يُرَادُ بِهِ الِاسْتِبْقَاءُ فَصَارَ كَالِاسْتِخْدَامِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ إحْدَى أَمَتَيْهِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثُمَّ وَطِئَ إحْدَاهُمَا أَوْ اشْتَرَى كَذَلِكَ ثُمَّ وَطِئَ إحْدَاهُمَا حَيْثُ يَتَعَيَّنُ الْبَيْعُ فِي الْأُولَى غَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ الْمَوْطُوءَةِ حَتَّى لَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ أَنْ يُعَيِّنَ الْبَيْعَ فِي الْمَوْطُوءَةِ، وَلَا لِلْمُشْتَرِي فِي غَيْرِهَا لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنَّهُ وَطِئَ مِلْكَ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ يَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ وَطِئَ مِلْكَ غَيْرِهِ، وَبِخِلَافِ وَطْءِ إحْدَى الزَّوْجَتَيْنِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْوَلَدُ فَيَكُونُ دَلِيلًا عَلَى الِاسْتِبْقَاءِ ثُمَّ يُقَالُ الْإِعْتَاقُ غَيْرُ نَازِلٍ فِي الْمَحَلِّ قَبْلَ الْبَيَانِ لِتَعَلُّقِهِ بِهِ، وَلِهَذَا حَلَّ وَطْؤُهُمَا عِنْدَهُ، وَلَكِنَّهُ لَا يُفْتَى بِهِ لِلِاحْتِيَاطِ فِي بَابِ الْحُرُمَاتِ أَوْ يُقَالُ هُوَ نَازِلٌ فِي الْمُنَكَّرَةِ فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ حُكْمٍ يَقْبَلُهُ كَالْبَيْعِ فَإِنَّ الْمُنَكَّرَ يَقْبَلُهُ بِأَنْ اشْتَرَى أَحَدَ الْمُعَيَّنَيْنِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ

وَالْمُنَكَّرَةُ لَا تَقْبَلُ الْوَطْءَ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِعْلٌ حِسِّيٌّ فَلَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ فَلَا يَعْمَلُ الْعِتْقُ الْمُبْهَمُ فِي الْمُعَيَّنَةِ أَوْ نَقُولُ إنَّ حِلَّ الْوَطْءِ يَنْبَنِي عَلَى مِلْكِ الْمُتْعَةِ، وَالْعِتْقُ مَحَلُّهُ مِلْكُ الرَّقَبَةِ فَلَمْ يَتَّحِدْ مَحَلُّهُمَا فَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُنَافَاةُ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْمُنَافَاةِ اتِّحَادَ الْمَحَلِّ قَالَ رحمه الله (وَهُوَ وَالْمَوْتُ بَيَانٌ فِي الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ) أَيْ الْوَطْءُ وَالْمَوْتُ يَكُونَانِ بَيَانًا فِي الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى فِيهِ، وَالْفَرْقَ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ فِي الْوَطْءِ.

قَالَ رحمه الله (وَلَوْ قَالَ إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ ذَكَرًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى، وَلَمْ يَدْرِ الْأَوَّلَ رَقَّ الذَّكَرُ وَعَتَقَ نِصْفُ الْأُمِّ وَالْأُنْثَى) أَيْ رَجُلٌ قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ ذَكَرًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ إلَى آخِرِهِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنْ يُوجَدَ التَّصَادُقُ بِعَدَمِ الْعِلْمِ وَجَوَابُهُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ وَلِهَذَا اسْتَوَى) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ انْتَهَى، وَعِبَارَةُ الْكَافِي سَوَّى (قَوْلُهُ وَبَيَّنَ مَا فِيهِ الْخِيَارُ لِأَحَدِهِمَا، وَبَيَّنَ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ مَعَ الْقَبْضِ وَبِدُونِهِ وَالْمُطْلَقِ، وَبِشَرْطِ الْخِيَارِ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِإِطْلَاقِ جَوَابِ الْكِتَابِ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَرَادَ بِالْكِتَابِ الْجَامِعَ الصَّغِيرَ فَإِنَّ إطْلَاقَهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَالَ بَاعَ أَحَدَهُمَا، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ انْتَهَى قَالَ الْكَمَالُ، وَالْبَيَانُ يَقَعُ صَرِيحًا ثُمَّ قَالَ وَدَلَالَةً كَمَا إذَا بَاعَ مُطْلَقًا أَوْ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِأَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ بَيْعًا صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا مَعَ الْقَبْضِ، وَدُونَهُ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ الْبَيَانَ يَقَعُ بِتَصَرُّفٍ مُخْتَصٍّ بِالْمِلْكِ سَوَاءٌ كَانَ مُخْرِجًا لَهُ عَنْ الْمِلْكِ كَمَا لَوْ نَجَزَ عِتْقَ أَحَدِهِمَا أَوْ بَاعَهُ أَوَّلًا، وَلِذَا عَتَقَ الْآخَرُ بِالْمُسَاوَمَةِ فِي صَاحِبِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى قَصْدِهِ اسْتِبْقَاءَ مِلْكِهِ فِي الَّذِي تَصَرَّفَ فِيهِ فَيَقَعُ بَيَانًا لِعِتْقِ الْآخَرِ، وَحُكْمًا كَمَا إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ يُعْتِقُ الْآخَرَ، وَلَيْسَ بَيَانًا مِنْ الْمُتَكَلِّمِ لِأَنَّهُ لَيْسَ اخْتِيَارًا، وَلِأَنَّ الْبَيَانَ إنْشَاءٌ مِنْ وَجْهٍ، وَلَا إنْشَاءَ فِي الْآخَرِ بِمَوْتِ قَرِينِهِ لِأَنَّ الْإِنْشَاءَ صِفَةٌ لِلَّفْظِ بَلْ لَزِمَ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ ذَلِكَ بِسَبَبِ فَوَاتِ مَحَلِّيَّةِ الَّذِي مَاتَ لِنُزُولِ الْعِتْقِ فِيهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ عِتْقِ أَحَدِهِمَا فَلَزِمَ لِذَلِكَ عِتْقُ الْحَيِّ انْتَهَى

(قَوْلُهُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا سَاوَمَ أَحَدَهُمَا يَكُونُ بَيَانًا يَعْنِي أَنَّ الْآخَرَ يَتَعَيَّنُ لِلْعِتْقِ انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْمَعْنَى مَا ذَكَرْنَا) وَهُوَ أَنَّهُ قَصَدَ الْوُصُولَ إلَى الثَّمَنِ، وَالْوُصُولُ إلَى الثَّمَنِ يُنَافِي الْعِتْقَ فَيَتَعَيَّنُ الْآخَرُ لِلْعِتْقِ انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ لَا يَنْزِلُ قَبْلَهُ) فَقَبْلَ الْبَيَانِ الْمِلْكُ ثَابِتٌ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا انْتَهَى رَازِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا حَلَّ وَطْؤُهُمَا) أَيْ جَمِيعًا بَعْدَ قَوْلِهِ لَهُمَا إحْدَاكُمَا حُرَّةٌ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَلَكِنَّهُ لَا يُفْتَى بِهِ) لِأَنَّ الْمُبْهَمَ لَا يَعْدُوهُمَا انْتَهَى رَازِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَهُوَ وَالْمَوْتُ بَيَانٌ فِي الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ) هَذَا التَّقْدِيرُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْوَطْءِ وَالْعِتْقِ الْمُبْهَمِ وَبَيْنَ الْوَطْءِ فِي الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ انْتَهَى

(قَوْلُهُ يَكُونَانِ بَيَانًا إلَخْ) فَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ فَمَاتَتْ إحْدَاهُمَا أَوْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا يَكُونُ بَيَانًا إجْمَاعًا لِأَنَّ الْغَرَضَ الْأَصْلِيَّ مِنْ وَطْءِ الْمَنْكُوحَةِ الْوَلَدُ، وَقَصْدُ الْوَلَدِ بِالْوَطْءِ دَلِيلُ اسْتِبْقَاءِ الْمِلْكِ فِي الْمَوْطُوءَةِ صِيَانَةً لِلْوَلَدِ بِخِلَافِ الْأَمَةِ فَإِنَّ الْغَرَضَ الْأَصْلِيَّ مِنْ وَطْئِهَا قَضَاءُ الشَّهْوَةِ لَا الْوَلَدُ، وَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِبْقَاءِ الْمِلْكِ فَلَا تَتَعَيَّنُ الْأُخْرَى لِلْعِتْقِ انْتَهَى رَازِيٌّ

ص: 87

مَا ذُكِرَ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْغُلَامُ رَقِيقًا، وَيَعْتِقَ نِصْفُ الْأُمِّ وَنِصْفُ الْجَارِيَةِ، وَالْغُلَامُ عَبْدٌ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعْتِقُ فِي حَالٍ، وَهُوَ مَا إذَا وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلًا فَالْأُمُّ بِالشَّرْطِ، وَالْجَارِيَةُ بِالتَّبَعِيَّةِ إذْ الْأُمُّ عَتَقَتْ بِوِلَادَتِهَا، وَتَرِقُّ فِي حَالٍ، وَهُوَ مَا إذَا وَلَدَتْ الْجَارِيَةَ أَوَّلًا لِعَدَمِ الشَّرْطِ فَيَعْتِقُ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَتَسْعَى فِي النِّصْفِ، وَأَمَّا الْغُلَامُ فَيَرِقُّ فِي الْحَالَيْنِ لِأَنَّ وِلَادَتَهُ شَرْطٌ لِحُرِّيَّةِ الْأُمِّ فَتَعْتِقُ بَعْدَ وِلَادَتِهِ فَلَا يَتْبَعُهَا، وَاعْتِبَارُ الْأَحْوَالِ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا إذَا اشْتَبَهَ الْأَحْوَالُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «بَعَثَ أُنَاسًا إلَى بَنِي حَنِيفَةَ لِلْقِتَالِ فَاعْتَصَمَ نَاسٌ مِنْهُمْ بِالسُّجُودِ فَقَتَلَهُمْ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا بَلَغَهُ عليه الصلاة والسلام ذَلِكَ قَضَى بِنِصْفِ الْعَقْلِ» لِتَرَدُّدِ حَالِهِمْ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ سَجَدُوا لِلَّهِ اهـ.

وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ سَجَدُوا لِغَيْرِهِ فَصَارَ أَصْلًا فِي اعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ، وَالثَّانِي أَنْ تَدَّعِيَ الْأُمُّ أَنَّ الْغُلَامَ وَلَدَتْهُ أَوَّلًا، وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى ذَلِكَ، وَالْجَارِيَةُ صَغِيرَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ يُنْكِرُ شَرْطَ الْعِتْقِ، وَيَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْغَيْرِ فَإِذَا حَلَفَ لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ نَكَلَ عَتَقَتْ الْأُمُّ وَالْبِنْتُ لِأَنَّ دَعْوَى الْأُمِّ حُرِّيَّةَ الصَّغِيرَةِ مُعْتَبَرَةٌ لِأَنَّهَا نَفْعٌ مَحْضٌ، وَلَهَا عَلَيْهَا وِلَايَةٌ لَا سِيَّمَا إذَا لَمْ يُعْرَفْ لَهَا أَبٌ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ كَبِيرَةً، وَالثَّالِثُ أَنْ يُوجَدَ التَّصَادُقُ بِأَنَّ الْغُلَامَ هُوَ الْأَوَّلُ فَتَعْتِقُ الْأُمُّ وَالْبِنْتُ دُونَ الْغُلَامِ، وَالرَّابِعُ أَنْ يُوجَدَ التَّصَادُقُ بِأَنَّ الْبِنْتَ هِيَ الْأُولَى فَلَا يَعْتِقُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَالْخَامِسُ أَنْ تَدَّعِيَ الْأُمُّ بِأَنَّ الْغُلَامَ هُوَ الْأَوَّلُ، وَلَمْ تَدَّعِ الْبِنْتُ، وَهِيَ كَبِيرَةٌ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ الْمَوْلَى فَإِنْ حَلَفَ لَمْ يَعْتِقْ أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ نَكَلَ عَتَقَتْ الْأُمُّ دُونَ الْبِنْتِ لِأَنَّ النُّكُولَ حُجَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ فَلَا يَتَعَدَّى، وَلَا ضَرُورَةَ فِي غَيْرِ الْمُدَّعِيَةِ هَكَذَا ذَكَرُوا، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهَا لَوْ أَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ يَتَعَدَّى، وَالسَّادِسُ أَنْ تَدَّعِيَ الْبِنْتُ، وَهِيَ كَبِيرَةٌ أَنَّ الْغُلَامَ هُوَ الْأَوَّلُ، وَلَمْ تَدَّعِ الْأُمُّ فَتَعْتِقُ الْبِنْتُ إذَا نَكَلَ دُونَ الْأُمِّ لِمَا ذَكَرْنَا هَكَذَا فَصَّلَهَا فِي الْكَافِي، وَلَا يُقَالُ وَجَبَ أَنْ يَعْتِقَا إذَا نَكَلَ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عِنْدَهُمَا فَإِذَا أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ إحْدَاهُمَا صَارَ إقْرَارًا بِحُرِّيَّةِ الْأُخْرَى لِأَنَّا نَقُولُ إقْرَارٌ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ، وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ بِمُجَرَّدِ النُّكُولِ حَتَّى يَحْكُمَ بِهِ الْحَاكِمُ

وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ رَجُلٌ قَالَ لِغَيْرِهِ أَنَا كَفِيلٌ بِكُلِّ مَا يُقِرُّ لَك بِهِ فُلَانٌ مِنْ الْمَالِ فَادَّعَى الْمَكْفُولُ لَهُ عَلَى فُلَانٍ مَالًا فَأَنْكَرَ فَحَلَفَ فَنَكَلَ فَقُضِيَ عَلَيْهِ بِالْمَالِ لَا يَصِيرُ كَفِيلًا بِهِ، وَلَوْ كَانَ إقْرَارًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَصَارَ كَفِيلًا بِهِ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ، وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ رحمه الله فِي الْكَيْسَانِيَّاتِ هَذَا الْجَوَابُ الَّذِي ذَكَرَهُ لَيْسَ بِجَوَابِ هَذَا الْفَصْلِ بَلْ فِي هَذَا الْفَصْلِ لَا يُحْكَمُ بِعِتْقِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَلَكِنْ يَحْلِفُ الْمَوْلَى بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهَا وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلًا فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَنُكُولُهُ كَإِقْرَارِهِ فَإِنْ حَلَفَ فَهُمْ أَرِقَّاءُ، وَأَمَّا جَوَابُ الْكِتَابِ فَفِي فَصْلٍ آخَرَ، وَهُوَ مَا إذَا قَالَ الْمَوْلَى لِأَمَتِهِ إذَا كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ، وَإِنْ كَانَ جَارِيَةً فَهِيَ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْهُمَا جَمِيعًا، وَلَمْ يَدْرِ أَيَّهُمَا أَوَّلُ فَالْغُلَامُ رَقِيقٌ وَالْجَارِيَةُ حُرَّةٌ فَيَعْتِقُ نِصْفُ الْأَمَةِ لِأَنَّهَا إنْ وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلًا فَهِيَ حُرَّةٌ، وَالْغُلَامُ رَقِيقٌ، وَإِنْ وَلَدَتْ الْجَارِيَةَ أَوَّلًا فَالْجَارِيَةُ حُرَّةٌ، وَالْأَمَةُ وَالْغُلَامُ رَقِيقٌ فَالْأُمُّ تَعْتِقُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَيَعْتِقُ نِصْفُهَا، وَالْغُلَامُ عَبْدٌ بِيَقِينٍ، وَالْجَارِيَةُ حُرَّةٌ بِيَقِينٍ إمَّا بِعِتْقِ نَفْسِهَا أَوْ بِعِتْقِ أُمِّهَا تَبَعًا ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَيْسَانِيَّاتِ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الشَّرْطَ إذَا كَانَ فِي طَرِيقٍ وَاحِدٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يُنْكِرُ وُجُودَهُ كَدُخُولِ الدَّارِ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ مَذْكُورًا فِي جَانِبِ الْوُجُودِ، وَالْعَدَمِ كَانَ أَحَدُهُمَا مَوْجُودًا لَا مَحَالَةَ فَيُحْتَاجُ فِيهِ إلَى اعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ حَرَّرَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ أَوْ أَمَتَيْهِ لَغَتْ إلَّا أَنْ تَكُونَ فِي وَصِيَّةٍ أَوْ طَلَاقٍ مُبْهَمٍ) أَيْ لَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَيَعْتِقُ نِصْفُ الْأُمِّ وَنِصْفُ الْجَارِيَةِ) وَتَسْعَى كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا فِي النِّصْفِ كَمَا سَيَأْتِي انْتَهَى (قَوْلُهُ لِأَنَّ وِلَادَتَهُ شَرْطٌ لِحُرِّيَّةِ الْأُمِّ) وَالْحُكْمُ يَعْقُبُ الشَّرْطَ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ وَيَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْغَيْرِ) وَكُلُّ مَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ حَلَفَ عَلَى الْعِلْمِ أَصْلُهُ حَدِيثُ الْقَسَامَةِ انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ نَكَلَ عَتَقَتْ الْأُمُّ وَالْبِنْتُ) لِأَنَّ الْجَارِيَةَ صَغِيرَةٌ فَصَارَتْ الْأُمُّ خَصْمًا عَنْهَا لِكَوْنِ حُرِّيَّتِهَا نَفْعًا مَحْضًا فَعَتَقَا جَمِيعًا انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ رحمه الله قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا تَصِحُّ خُصُومَةُ الْأُمِّ عَنْ الْبِنْتِ مَا دَامَتْ صَغِيرَةً، وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً لَمْ تَصِحَّ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَتُعْتِقُ الْأُمُّ وَالْبِنْتُ دُونَ الْغُلَامِ) لِأَنَّهُ لَا حَظَّ لَهُ مِنْ الْعِتْقِ. اهـ. رَازِيٌّ لِأَنَّ الْغُلَامَ قَدْ زَالَ عَنْ الْأُمِّ فِي حَالِ الرِّقِّ فَلَمْ يَعْتِقْ تَبَعًا أَيْضًا انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَلَا يَعْتِقُ مِنْهُمْ أَحَدٌ) أَيْ لِانْعِدَامِ وُجُودِ شَرْطِ الْعِتْقِ انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ الْمَوْلَى) أَيْ عَلَى الْعِلْمِ انْتَهَى

(قَوْلُهُ وَإِنْ نَكَلَ عَتَقَتْ الْأُمُّ دُونَ الْبِنْتِ) لِأَنَّ النُّكُولَ إنَّمَا صَارَ حُجَّةً بِاعْتِبَارِ الدَّعْوَى، وَدَعْوَى الْإِنَابَةِ عَنْ الْجَارِيَةِ لَا تَصِحُّ لِعَدَمِ الْإِنَابَةِ، وَلَمْ تُوجَدْ الْوِلَايَةُ عَلَى الْجَارِيَةِ أَيْضًا فَلَمْ تَصِحَّ دَعْوَاهَا عَنْهَا فَلَمْ يُعْتَبَرْ النُّكُولُ فِي حَقِّ الْجَارِيَةِ انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَمْ تَدَّعِ الْأُمُّ) فَإِنْ حَلَفَ الْمَوْلَى لَا يَثْبُتُ عِتْقُ أَحَدٍ انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ) هَذَا الْفَرْعُ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ الْأَصْلِ سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الدَّعْوَى انْتَهَى.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ حَرَّرَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ إلَخْ).

فُرُوعٌ شَهِدَ أَنَّهُ حَرَّرَ أَمَةً بِعَيْنِهَا، وَسَمَّاهَا فَنَسِيَا اسْمَهَا لَا تُقْبَلْ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَشْهَدَا بِمَا تَحَمَّلَاهُ، وَهُوَ عِتْقُ مَعْلُومَةٍ بَلْ مَجْهُولَةٍ، وَكَذَا الشَّهَادَةُ عَلَى طَلَاقِ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ، وَسَمَّاهَا فَنَسِيَاهَا، وَعِنْدَ زُفَرَ تُقْبَلُ، وَيُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمَا كَقَوْلِ زُفَرَ فِي هَذِهِ لِأَنَّهَا كَشَهَادَتِهِمَا عَلَى عِتْقِ إحْدَى أَمَتَيْهِ وَطَلَاقِ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ، وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ سَالِمًا، وَلَا يَعْرِفُونَ سَالِمًا، وَلَهُ عَبْدٌ وَاحِدٌ اسْمُهُ سَالِمٌ عَتَقَ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَعَيِّنًا لِمَا أَوْجَبَهُ، وَكَوْنُ الشُّهُودِ لَا يَعْرِفُونَ عَيْنَ الْمُسَمَّى لَا يَمْنَعُ قَبُولَ شَهَادَتِهِمْ كَمَا أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِالْعِتْقِ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ، وَهُوَ لَا يَعْرِفُ الْعَبْدَ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدُوا بِبَيْعِهِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدَانِ كُلُّ وَاحِدٍ اسْمُهُ سَالِمٌ، وَالْمَوْلَى يَجْحَدُ لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الدَّعْوَى لِقَبُولِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ عِنْدَهُ، وَلَا تَتَحَقَّقُ هُنَا مِنْ الْمَشْهُودِ لَهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ مِنْهُمَا فَصَارَتْ كَمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ الْخِلَافِيَّةِ انْتَهَى

ص: 88

عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ مَمْلُوكَيْهِ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ فِيهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ فِي، وَصِيَّةٍ اسْتِحْسَانًا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَالَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ، وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ جَازَتْ الشَّهَادَةُ وَيُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ إحْدَاهُنَّ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الشَّهَادَةَ بِعِتْقِ الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى الْعَبْدِ لَا تُقْبَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ، وَفِي الطَّلَاقِ تُقْبَلُ إجْمَاعًا لَهُمَا أَنَّ الْعِتْقَ حَقُّ الشَّرْعِ

وَعَدَمُ الدَّعْوَى فِيهِ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ فِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى قَبُولِ الْعَبْدِ، وَلَا يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ بِهِ، وَإِنَّمَا يَحْلِفُ بِمَا هُوَ حَقُّ اللَّهِ، وَيَجُوزُ إيجَابُهُ فِي الْمَجْهُولِ، وَلَا يَصِحُّ إيجَابُ الْحَقِّ لِلْمَجْهُولِ، وَيَتَعَلَّقُ بِهِ حُرْمَةُ اسْتِرْقَاقِهِ، وَالْحُرْمَةُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ عليه الصلاة والسلام «ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ، وَعَدَّ مِنْهَا مَنْ اسْتَرَقَ حُرًّا» ، وَيَتَعَلَّقُ بِهِ تَكْمِيلُ الْحُدُودِ، وَوُجُوبُ الْجُمُعَةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ، وَتَثْبُتُ بِهِ أَهْلِيَّةُ الشَّهَادَةِ وَالْوِلَايَةِ، وَلَا يُمْنَعُ قَبُولُ الشَّهَادَةِ بِالتَّنَاقُضِ فِي دَعْوَى الْعِتْقِ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ بِالرِّقِّ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ ادَّعَى حُرِّيَّةَ الْأَصْلِ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، وَلَوْ كَانَتْ الدَّعْوَى شَرْطًا لَكَانَ مَانِعًا لِأَنَّ التَّنَاقُضَ بِعَدَمِ الدَّعْوَى، وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ الدَّعْوَى فِي عِتْقِ الْأَمَةِ بِمَنْزِلَةِ طَلَاقِ الْمَرْأَةِ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَلِهَذَا كَانَ قُرْبَةً يَتَأَدَّى بِهِ بَعْضُ الْوَاجِبَاتِ فَإِنْ قِيلَ عَلَى هَذَا وَجَبَ أَنْ تُقْبَلَ فِيهِ شَهَادَةُ الْفَرْدِ لِكَوْنِهِ أَمْرًا دِينِيًّا قُلْنَا فِيهِ إلْزَامٌ، وَإِنْ كَانَ دِينِيًّا فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ الْقُوَّةُ الْحُكْمِيَّةُ لِنَفْسِهِ

وَالْقُوَّةُ الْحَقِيقِيَّةُ حَقُّهُ لِأَنَّهُ نَفْسُهُ بِجَمِيعِ مَعَانِيهِ وَأَوْصَافِهِ، وَالْقُوَّةُ الْحُكْمِيَّةُ مِنْهَا لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِهَا مَالِكًا لِنَفْسِهِ وَأَكْسَابِهِ، وَمَالِكِيَّةُ الْأَكْسَابِ حَقُّ الْمَالِكِ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ اخْتِصَاصٍ يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ إقَامَةِ الْمَصَالِحِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ، وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ ثَمَرَاتُ الْعِتْقِ، وَلَا عِبْرَةَ بِهِ، وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ لِلْمَشْهُودِ بِهِ فَإِذَا كَانَ حَقُّ الْعَبْدِ يَتَوَقَّفُ قَبُولُ الْبَيِّنَةِ فِيهِ عَلَى دَعْوَاهُ، وَحَقُّ الْعَبْدِ قَدْ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِهِ، وَلَا يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ كَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ، وَالتَّنَاقُضُ فِيهِ عَفْوٌ لِخَفَائِهِ كَدَعْوَى النَّسَبِ بِخِلَافِ عِتْقِ الْأَمَةِ لِأَنَّهُ تَضَمَّنَ تَحْرِيمَ الْفَرْجِ، وَحُرْمَةُ الْفَرْجِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَصَارَ كَطَلَاقِ الْمَنْكُوحَةِ، وَإِذَا كَانَ الدَّعْوَى شَرْطًا عِنْدَهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ فِي عَيْنِ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ الدَّعْوَى مِنْ الْمَجْهُولِ لَا تَصِحُّ فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ فِيهِ، وَفِي عِتْقِ الْأَمَةِ إنَّمَا قُبِلَتْ لِتَضَمُّنِهَا تَحْرِيمَ الْفَرْجِ، وَلَيْسَ فِي عِتْقِ إحْدَى الْأَمَتَيْنِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْعِتْقَ الْمُبْهَمَ لَا يُوجِبُ تَحْرِيمَ الْفَرْجِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَتَكُونُ الدَّعْوَى شَرْطًا فِيهِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَحْرِيمَ الْفَرْجِ فَيَكُونُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الدَّعْوَى إجْمَاعًا فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَ سُقُوطُ الدَّعْوَى فِي عِتْقِ الْأَمَةِ لِثُبُوتِ حُرْمَةِ فَرْجِهَا عَلَى الْمُعْتِقِ لَمَّا قُبِلَتْ عَلَى عِتْقِ الْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ وَأُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَأَمْثَالِهِمَا، وَعَلَى الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ لِعَدَمِ تَضَمُّنِ الْحُرْمَةِ قُلْنَا لَا يَخْلُو عَنْ إثْبَاتِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ أَمَّا الرَّجْعِيُّ فَقَدْ انْعَقَدَ سَبَبًا لِلْحُرْمَةِ لِأَنَّهَا تَحْرُمُ بِهِ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَيُنْتَقَصُ بِهِ الْعِدَدُ أَيْضًا، وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْحُرْمَةِ

وَالْأَمَةُ الْمَجُوسِيَّةُ لَا يُوجِبُ وَطْؤُهَا الْحَدَّ، وَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْإِحْصَانُ مَا دَامَتْ فِي مِلْكِهِ، وَبَعْدَ الْعِتْقِ يُوجِبُ الْحَدَّ، وَيَسْقُطُ بِهِ إحْصَانُهُ، وَكَذَا أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ لَا يُوجِبُ وَطْؤُهَا الْحَدَّ مَا دَامَتْ فِي مِلْكِهِ، وَبُضْعُهَا مَمْلُوكٌ لَهُ حَتَّى يَمْلِكُ تَمْلِيكَهُ، وَيَمْلِكَ الْعُقْرَ إذَا وَطِئَتْ بِشُبْهَةٍ، وَلِأَنَّ الْأَمَةَ مُتَّهَمَةٌ فِي تَرْكِهَا الدَّعْوَى أَوْ فِي إنْكَارِهَا لِمَا لَهَا مِنْ الْحَظِّ عِنْدَ الْمَوْلَى فَلَا يُعْتَبَرُ إنْكَارُهَا بِخِلَافِ الْعَبْدِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْعَبْدُ مُتَّهَمًا بِأَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدٌّ أَوْ قِصَاصٌ فِي طَرَفِهِ فَأَنْكَرَ الْعِتْقَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهِ، وَفِي حُزِّيَّةِ الْأَصْلِ قِيلَ لَا يُشْتَرَطُ الدَّعْوَى إجْمَاعًا لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَحْرِيمَ فَرْجِ الْأُمِّ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَوْ شَهِدَا عَلَى تَدْبِيرِهِ فِي مَرَضِهِ أَوْ فِي صِحَّتِهِ تُقْبَلُ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْعِتْقَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، وَصِيَّةٌ حَتَّى اُعْتُبِرَتْ مِنْ الثُّلُثِ وَالتَّدْبِيرُ وَصِيَّةٌ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَرَضِ أَوْ فِي الصِّحَّةِ، وَالْخَصْمُ فِي تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ هُوَ الْمُوصِي لِأَنَّ وُجُوبَ تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ لِحَقِّهِ، وَنَفْعُهُ يَعُودُ إلَيْهِ، وَإِنْكَارُهُ مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ سَفَهٌ، وَهُوَ مَعْلُومٌ، وَلَهُ خُلْفٌ، وَهُوَ الْوَصِيُّ أَوْ الْوَارِثُ فَتَتَحَقَّقُ الدَّعْوَى مِنْ الْخُلْفِ، وَلِأَنَّ الْعِتْقَ الْمُبْهَمَ يَشِيعُ فِيهِمَا بِالْمَوْتِ حَتَّى يَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ فَتَتَحَقَّقُ الدَّعْوَى مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَصَارَ كُلٌّ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَلَوْ شَهِدَا إلَخْ) هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ أَوْ طَلَاقٌ مُبْهَمٌ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَيُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ إحْدَاهُنَّ بِالْإِجْمَاعِ) وَهَذَا لِأَنَّ الطَّلَاقَ مُتَضَمِّنٌ لِتَحْرِيمِ الْفَرْجِ، وَهُوَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ فَلَا تُشْتَرَطُ فِيهِ الدَّعْوَى انْتَهَى (قَوْلُهُ لَهُمَا أَنَّ الْعِتْقَ) يَعْنِي حَقَّ اللَّهِ لِأَنَّ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ لَا تُسْتَرَقَّ الْأَحْرَارُ فَصَارَ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الطَّلَاقِ انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ لِأَنَّ الْعِتْقَ الْمُبْهَمَ لَا يُوجِبُ تَحْرِيمَ الْفَرْجِ) أَيْ عِنْدَهُ انْتَهَى رَازِيٌّ (قَوْلُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا) فَصَارَ كَالشَّهَادَةِ عَلَى عِتْقِ أَحَدِ عَبْدَيْهِ انْتَهَى رَازِيٌّ (قَوْلُهُ لِمَا ذَكَرْنَا) إنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الدَّعْوَى، وَالدَّعْوَى مِنْ الْمُبْهَمِ لَا تُتَصَوَّرُ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ إلَخْ) هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ إلَّا فِي وَصِيَّةٍ انْتَهَى (قَوْلُهُ أَوْ فِي صِحَّتِهِ تُقْبَلُ اسْتِحْسَانًا) ذَكَرَ الِاسْتِحْسَانَ فِي عَتَاقِ الْأَصْلِ، وَقَالَ لَوْ قَالَا أَيْ الشَّاهِدُ إنْ كَانَ هَذَا عِنْدَ الْمَوْتِ اسْتَحْسَنْت أَنْ أُعْتِقَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفَهُ، وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْمُعَادَةِ، وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ أَحَدُ عَبْدَيَّ هَذَيْنِ حُرٌّ، وَشَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ بِذَلِكَ قَالَ شَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي وَصِيَّةٍ، وَيَمُوتُ الْقَائِلُ وَيَتْرُكُ وَرَثَةً فَيُنْكِرُونَ فَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ فِي الصِّحَّةِ، وَيُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُوقِعَ الْعِتْقَ عَلَى أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ اعْلَمْ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى عِتْقِ الْأَمَةِ جَائِزَةٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَكَذَا الشَّهَادَة عَلَى طَلَاقِ الْمَرْأَةِ، وَعَلَى طَلَاقِ إحْدَى النِّسَاءِ جَائِزَةٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى عِتْقِ الْعَبْدِ بِلَا دَعْوَاهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَة خِلَافًا لَهُمَا، وَكَذَا الْخِلَافُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى عِتْقِ إحْدَى الْأَمَتَيْنِ أَنْتَهَى

ص: 89