الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدِّيَةُ بِالصُّلْحِ يَنْظُرُ فِيهِ الْإِمَامُ فَأَيُّهُمَا رَأَى أَصْلَحَ فَعَلَ وَلَا يَجُوزُ الْعَفْوُ مَجَّانًا لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ مُقَيَّدٌ بِالنَّظَرِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ إبْطَالُ حَقِّ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ لَقِيطًا لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَ الْقَاتِلَ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ هُوَ يَقُولُ الْمَوْلُودُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَخْلُو عَنْ الْوَارِثِ غَالِبًا وَهُوَ كَالْمُتَحَقِّقِ أَوْ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ فَكَانَ فِيهِ احْتِمَالُ عَدَمِ الْوِلَايَةِ لِلْإِمَامِ فَكَانَ فِيهِ شُبْهَةٌ وَالْقِصَاصُ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ وَلَهُمَا أَنَّ الْحَقَّ إنَّمَا يَثْبُتُ لِلْوَلِيِّ بِطَرِيقِ قِيَامِهِ مَقَامَ الْمَيِّتِ نَظَرًا لِلْمَيِّتِ وَالْمَجْهُولُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهِ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمَيِّتُ فَلَا يَصْلُحُ وَلِيًّا فَصَارَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ فَتَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ إلَى السُّلْطَانِ أَوْ إلَى الْعَامَّةِ كَمَا فِي الْإِرْثِ وَلَا يُقَالُ تَرَدُّدُ مَنْ لَهُ الْحَقُّ يُوجِبُ سُقُوطَ الْقِصَاصِ كَالْمُكَاتَبِ إذَا قُتِلَ عَنْ وَفَاءٍ وَلَهُ وَارِثٌ غَيْرُ الْمَوْلَى لِأَنَّا نَقُولُ السُّلْطَانُ هُنَا نَائِبٌ عَنْ الْعَامَّةِ فَصَارَ الْوَلِيُّ وَاحِدًا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمُكَاتَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(بَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ)
قَالَ رحمه الله (أَرْضُ الْعَرَبِ وَمَا أَسْلَمَ أَهْلُهُ أَوْ فُتِحَ عَنْوَةً وَقُسِمَ بَيْنَ الْغَانِمِينَ عُشْرِيَّةٌ) أَمَّا أَرْضُ الْعَرَبِ فَلِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام وَالْخُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِهِ لَمْ يَأْخُذُوا الْخَرَاجَ مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ وَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْفَيْءِ فَلَا يَثْبُتُ فِي أَرْضِهِمْ كَمَا لَا يَثْبُتُ فِي رِقَابِهِمْ وَهَذَا لِأَنَّ الْخَرَاجَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يُقِرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا عَلَى الْكُفْرِ كَمَا فِي سَوَادِ الْعِرَاقِ وَمُشْرِكُو الْعَرَبِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ لِقَوْلِ عَائِشَةَ رضي الله عنها «آخِرُ مَا عَهِدَ إلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ قَالَ لَا يُتْرَكُ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَحَدُّهَا طُولًا مَا وَرَاءَ رِيفِ الْعِرَاقِ إلَى أَقْصَى صَخْرٍ بِالْيَمَنِ وَعَرْضًا مِنْ جُدَّةَ وَمَا وَالَاهَا مِنْ السَّاحِلِ إلَى حَدِّ الشَّامِ، وَأَمَّا مَا أَسْلَمَ أَهْلُهُ عَلَيْهِ أَوْ فُتِحَ عَنْوَةً وَقُسِمَ بَيْنَ الْغَانِمِينَ
فَلِأَنَّ الْحَاجَةَ
إلَى ابْتِدَاءِ التَّوْظِيفِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَالْعُشْرُ أَلْيَقُ بِهِ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ حَتَّى يُصْرَفَ مَصَارِفَ الصَّدَقَاتِ وَيُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ وَأَرْفَقُ لِأَنَّهُ أَخَفُّ مِنْ الْخَرَاجِ لِتَعَلُّقِهِ بِحَقِيقَةِ الْخَارِجِ بِخِلَافِ الْخَرَاجِ
قَالَ رحمه الله (وَالسَّوَادُ وَمَا فُتِحَ عَنْوَةً وَأُقِرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهِ أَوْ فُتِحَ صُلْحًا خَرَاجِيَّةٌ) لِأَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه حِينَ فَتَحَ السَّوَادَ وَضَعَ عَلَيْهِمْ الْخَرَاجَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَوَضَعَ عَلَى مِصْرَ حِينَ فَتَحَهَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَأَجْمَعَتْ الصَّحَابَةُ عَلَى وَضْعِ الْخَرَاجِ عَلَى الشَّامِ
وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ
إلَى ابْتِدَاءِ التَّوْظِيفِ عَلَى الْكَافِرِ وَالْخَرَاجُ أَلْيَقُ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ وَالتَّغْلِيظِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ حَقِيقَةُ الْإِخْرَاجِ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ الْعُشْرِ أَيْضًا وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كُلُّ أَرْضٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً فَوَصَلَ إلَيْهَا مَاءُ الْأَنْهَارِ فَهِيَ أَرْضُ خَرَاجٍ وَمَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا مَاءُ الْأَنْهَارِ وَاسْتُخْرِجَ مِنْهَا عَيْنٌ فَهِيَ أَرْضُ عُشْرٍ لِأَنَّ الْعُشْرَ وَالْخَرَاجَ مُعَلَّقَانِ بِالْأَرْضِ النَّامِيَةِ وَنَمَاؤُهَا بِمَائِهَا فَيُعْتَبَرُ السَّقْيُ بِمَاءِ الْعُشْرِ أَوْ بِمَاءِ الْخَرَاجِ وَالْمُرَادُ بِالْأَنْهَارِ الْأَنْهَارُ الَّتِي احْتَفَرَتْهَا الْأَعَاجِمُ كَنَهْرِ يَزْدَجْرِدْ فَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ إجْمَاعِيَّةً لِأَنَّ الْأَنْهَارَ الْعِظَامَ كَسَيْحُونَ وَجَيْحُونَ فِيهَا خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الزَّكَاةِ وَكَذَا مُرَادُهُ فِي
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ لَقِيطًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ لَقِيطًا فَقَتَلَهُ الْمُلْتَقِطُ أَوْ غَيْرُهُ خَطَأً تَجِبُ الدِّيَةُ لِيَثْبُتَ الْمَالُ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ وَالْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ لِمَا قُلْنَا وَإِذَا كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا فَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ قَتَلَهُ وَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ صَالَحَهُ عَلَى الدِّيَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَلَا أَقْتُلُهُ مِنْ قِبَلَ أَنِّي لَا أَعْرِفُ لَهُ وَلِيًّا وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ وَلِيٍّ كَالْأَبِ وَنَحْوِهِ إنْ كَانَ ابْنَ رِشْدَةٍ وَكَالْأُمِّ إنْ كَانَ ابْنَ زَنْيَةٍ فَاشْتَبَهَ مَنْ لَهُ حَقُّ الْقِصَاصِ فَلَا يُسْتَوْفَى وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» فَيَكُونُ السُّلْطَانُ وَلِيَّهُ لِأَنَّ اللَّقِيطَ لَا وَلِيَّ لَهُ. اهـ.
[بَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ]
(بَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ) قَالَ الْكَمَالُ لَمَّا ذَكَرَ مَا يَصِيرُ بِهِ الْمُسْتَأْمَنُ ذِمِّيًّا ذَكَرَ مَا يَنُوبُهُ مِنْ الْوَظَائِفِ الْمَالِيَّةِ إذَا صَارَ ذِمِّيًّا وَذَلِكَ هُوَ الْخَرَاجُ فِي أَرْضِهِ وَرَأْسِهِ وَفِي تَفَارُقِهِمَا كَثْرَةً فَأَوْرَدَهُمَا فِي بَابَيْنِ وَقَدَّمَ خَرَاجَ الْأَرْضِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ كَانَ بِقُرْبٍ قَرِيبٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْعُرْفِيَّةَ أَيْضًا تَتْمِيمًا لِوَظِيفَةِ الْأَرْضِ لِأَنَّهَا السَّبَبُ فِي الْخَرَاجِ وَالْعُشْرِ جَمِيعًا وَقَدَّمَ ذِكْرَ الْعُشْرِ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَالْعُشْرُ لُغَةً وَاحِدٌ مِنْ الْعَشَرَةِ وَالْخَرَاجُ مَا يَخْرُجُ مِنْ نَمَاءِ الْأَرْضِ أَوْ نَمَاءِ الْغُلَامِ وَسُمِّيَ بِهِ مَا يَأْخُذُهُ السُّلْطَانُ مِنْ وَظِيفَةِ الْأَرْضِ وَالْغِرَاسِ وَحَدَّدَ الْأَرَاضِيَ الْعُشْرِيَّةُ وَالْخَرَاجِيَّةَ أَوَّلًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ أَضْبَطُ فَقَالَ. اهـ. (قَوْلُهُ لَمْ يَأْخُذُوا الْخَرَاجَ مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ) أَيْ وَالْأَرْضُ لَا تَخْلُو مِنْ أَحَدِ الْحَقَّيْنِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا عُشْرِيَّةٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَرْضُ الْعَرَبِ كُلُّهَا أَرْضُ عُشْرٍ وَهِيَ أَرْضُ الْحِجَازِ وَتِهَامَةَ وَمَكَّةَ وَالْيَمَنِ وَالطَّائِفِ وَالْبَرِّيَّةِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ وَالْحِجَازُ هُوَ جَزِيرَةُ الْعَرَبِ سُمِّيَ جَزِيرَةً لِأَنَّ بَحْرَ الْحَبَشِ وَبَحْرَ فَارِسَ وَالْفُرَاتِ أَحَاطَتْ بِهَا وَتُسَمَّى حِجَازًا لِأَنَّهُ حَجَزَ بَيْنَ تِهَامَةَ وَنَجْدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَحَدُّهَا) أَيْ حَدُّ أَرْضِ الْعَرَبِ. اهـ.
(قَوْلُهُ حِينَ فَتْحِ السَّوَادِ) أَيْ عَلَى يَدِ سَعْدٍ عَنْوَةً اهـ (قَوْلُهُ وَأَجْمَعَتْ الصَّحَابَةُ عَلَى وَضْعِ الْخَرَاجِ عَلَى الشَّامِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَكَذَا وَضْعُهُ عَلَى مِصْرَ أَيْ وَضْعُ عُمَرَ الْخَرَاجَ عَلَى مِصْرَ حِينَ اُفْتُتِحَتْ صُلْحًا عَلَى يَدِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَكَذَا وَضْعُهُ عَلَى الشَّامِ حِينَ افْتَتَحَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَمُدُنَ الشَّامِ كُلَّهَا صُلْحًا دُونَ أَرَاضِيهَا وَأَمَّا أَرَاضِيهَا فَفُتِحَتْ عَنْوَةً عَلَى يَدِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَشُرَحْبِيلَ بْنِ أَبِي حَسَنَةَ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَخَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فَأَمَّا أَجْنَادِينُ مِنْ الشَّامِ فَقَدْ اُفْتُتِحَ صُلْحًا فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه. اهـ. (قَوْلُهُ وَجِيحُونَ) أَيْ وَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِيهَا خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ) أَيْ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عُشْرِيٌّ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خَرَاجِيٌّ اهـ
هَذَا التَّفْصِيلِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ أَمَّا الْكَافِرُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ مِنْ أَيِّ مَاءٍ سَقَى لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُبْتَدَأُ بِالْعُشْرِ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ التَّفْصِيلُ فِي حَالَةِ الِابْتِدَاءِ إجْمَاعًا.
وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيهِ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ فِيمَا إذَا مَلَكَ أَرْضًا عُشْرِيَّةً هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ أَوْ الْعُشْرُ أَوْ الْعُشْرَانِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي الزَّكَاةِ وَلَا يُقَالُ إذَا وُضِعَ الْخَرَاجُ عَلَى الْمُسْلِمِ بِاعْتِبَارِ الْمَاءِ يَكُونُ ابْتِدَاءُ الْمُسْلِمِ بِالْخَرَاجِ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ لِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَ هَذَا بِابْتِدَاءِ وَضْعٍ عَلَى الْمُسْلِمِ بَلْ الْأَرْضُ لَمَّا لَمْ تَنْمُ إلَّا بِالْمَاءِ اُعْتُبِرَ الْمَاءُ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْعَدُوِّ فَجَعَلْنَا وَظِيفَتَهُ الْخَرَاجَ وَالْمُسْلِمُ إذَا سَقَى أَرْضَهُ بِهِ فَقَدْ الْتَزَمَ الْخَرَاجَ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ وَمِثْلُهُ لَا يَمْتَنِعُ بِالْإِسْلَامِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى الْخَرَاجِيَّةَ يُؤَدِّي خَرَاجَهَا لِمَا قُلْنَا وَإِنَّمَا «لَمْ يُوَظِّفْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَرَاضِي مَكَّةَ» مَعَ أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً وَأَقَرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا يُوضَعُ عَلَى أَرَاضِيِهِمْ الْخَرَاجُ كَمَا لَا يُوضَعُ عَلَى رِقَابِهِمْ الْجِزْيَةُ وَالرِّقُّ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ثُمَّ أَرْضُ السَّوَادِ مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَيْسَتْ بِمَمْلُوكَةٍ لَهُمْ وَإِنَّمَا هِيَ وَقْفٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلُهَا مُسْتَأْجِرُونَ لَهَا لِأَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه اسْتَطَابَ قُلُوبَ الْغَانِمِينَ فَآجَرَهَا وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ هَذَا غَلَطٌ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّ عُمَرَ لَمْ يَسْتَطِبْ قُلُوبَهُمْ فِيهِ بَلْ نَاظَرَهُمْ عَلَيْهِ وَشَاوَرَ الصَّحَابَةَ عَلَى وَضْعِ الْخَرَاجِ وَامْتَنَعَ بِلَالٌ وَأَصْحَابُهُ فَدَعَا عَلَيْهِمْ وَأَيْنَ الِاسْتِرْضَاءُ، ثَانِيًا: أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ لَمْ يَحْضُرُوا الْغَانِمِينَ عَلَى تِلْكَ الْأَرَاضِي فَلَوْ كَانَ إجَارَةً لَاشْتُرِطَ حُضُورُهُمْ، ثَالِثُهَا: أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي ذَلِكَ رِضَا أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَوْ كَانَتْ إجَارَةً لَاشْتَرَطَ رِضَاهُمْ وَرَابِعُهَا أَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ لَمْ يَصْدُرْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عُمَرَ وَلَوْ كَانَتْ إجَارَةً لَوَجَبَ الْعَقْدُ.
وَخَامِسُهَا: أَنَّ جَهَالَةَ الْأَرَاضِي تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِجَارَةِ وَسَادِسُهَا أَنَّ جَهَالَةَ الْمُدَّةِ تَمْنَعُ مِنْ صِحَّتِهَا أَيْضًا وَسَابِعُهَا أَنَّ الْخَرَاجَ مُؤَبَّدٌ وَتَأْبِيدُ الْإِجَارَةِ بَاطِلٌ وَثَامِنُهَا أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ وَالْخَرَاجُ يَسْقُطُ عِنْدَهُ وَتَاسِعُهَا أَنَّ عُمَرَ قَدْ أَخَذَ الْخَرَاجَ مِنْ النَّحْلِ وَنَحْوِهِ وَلَا يَجُوزُ إجَارَتُهَا وَعَاشِرُهَا أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ اشْتَرَوْهَا فَكَيْفَ يَبِيعُونَ الْأَرْضَ الْمُسْتَأْجَرَةَ وَكَيْفَ يَجُوزُ لَهُمْ شِرَاؤُهَا
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا يُعْتَبَرُ قُرْبُهُ) أَيْ قُرْبُ مَا أَحْيَا فَإِنْ كَانَتْ إلَى الْخَرَاجِ أَقْرَبَ فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ وَإِنْ كَانَتْ إلَى الْعُشْرِ أَقْرَبَ فَهِيَ عُشْرِيَّةٍ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ حَيِّزَ الشَّيْءِ يُعْطَى لَهُ حُكْمُهُ كَفِنَاءِ الدَّارِ يُعْطِي لَهُ حُكْمَ الدَّارِ حَتَّى يَجُوزَ لِصَاحِبِهَا الِانْتِفَاعُ بِهِ وَكَذَا لَا يَجُوزُ إحْيَاءُ مَا قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله إنْ أَحْيَاهَا بِمَاءِ الْخَرَاجِ كَالْأَنْهَارِ الَّتِي احْتَفَرَتْهَا الْأَعَاجِمُ فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ وَإِلَّا فَعُشْرِيَّةٌ لِمَا ذَكَرْنَا وَهَذَا التَّفْصِيلُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ مُطْلَقًا
قَالَ رحمه الله (وَالْبَصْرَةُ عُشْرِيَّةٌ) لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ وَالْقِيَاسُ أَنْ تَكُونَ خَرَاجِيَّةً لِأَنَّهَا اُفْتُتِحَتْ عَنْوَةً وَأَقَرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا مِنْ جُمْلَةِ أَرَاضِي الْعِرَاقِ وَلَكِنْ تَرَكَ ذَلِكَ بِإِجْمَاعِهِمْ وَهَذَا يُورِدُ إشْكَالًا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله حَيْثُ لَمْ يَعْتَبِرْ فِيهَا الْحَيِّزُ وَلَيْسَ هَذَا بِظَاهِرٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ الْحَيِّزُ فِي الْأَرَاضِي الْمُحْيَاةِ لَا فِي الْمَفْتُوحَةِ عَنْوَةً ثُمَّ الْخَرَاجُ عَلَى نَوْعَيْنِ خَرَاجُ مُقَاسَمَةٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ جُزْءًا شَائِعًا مِنْ الْخَارِجِ كَالرُّبُعِ وَالْخُمُسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَخَرَاجُ وَظِيفَةٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ شَيْئًا فِي الذِّمَّةِ يَتَعَلَّقُ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَهُوَ مَا وَضَعَهُ عُمَرُ رضي الله عنه عَلَى سَوَادِ الْعِرَاقِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فَجَعَلْنَا وَظِيفَتَهُ) أَيْ وَظِيفَةَ الْمَاءِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ رحمه الله (قَوْلُهُ ثُمَّ أَرْضُ السَّوَادِ مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا عِنْدَنَا) أَيْ يَجُوزُ بَيْعُهُمْ وَتَصَرُّفُهُمْ فِيهَا بِالرَّهْنِ وَالْهِبَةِ لِأَنَّ الْإِمَامَ إذَا فَتَحَ أَرْضًا عَنْوَةً لَهُ أَنْ يُقِرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا وَيَضَعَ عَلَيْهَا الْخَرَاجَ وَعَلَى رُءُوسِهِمْ الْجِزْيَةَ فَتَبْقَى الْأَرْضُ مَمْلُوكَةً لِأَهْلِهَا وَقَدَّمْنَاهُ مِنْ قَبْلُ فِي بَابِ قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ أَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَجُوزُ لِأَهْلِهَا هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ. اهـ. كَمَالٌ رحمه الله
(قَوْلُهُ حَتَّى يَجُوزَ لِصِحَابِهَا الِانْتِفَاعُ بِهِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْفِنَاءُ مِلْكًا لَهُ فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ اعْتِبَارُ الْأَرْضِ الْمُحْيَاةِ بِالْحَيِّزِ خَرَاجِيًّا كَانَ أَوْ عُشْرِيًّا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله غَيْرَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ اسْتَثْنَى الْبَصْرَةَ مِنْ ضَابِطِهِ فَإِنَّهَا عُشْرِيَّةٍ عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَيِّزِ أَرْضِ الْخَرَاجِ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى جَعْلِهَا عُشْرِيَّةً كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ فَتَرْكُ الْقِيَاسِ فِيهَا كَذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ مَا وَضَعَهُ عُمَرُ رضي الله عنه عَلَى سَوَادِ الْعِرَاقِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْخَرَاجُ الَّذِي وَضَعَهُ عُمَرُ عَلَى أَهْلِ السَّوَادِ مِنْ كُلِّ جَرِيبٍ يَبْلُغُهُ الْمَاءُ قَفِيزٌ هَاشِمِيٌّ وَهُوَ الصَّاعُ وَدِرْهَمٌ وَمِنْ جَرِيبِ الرَّطْبَةِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَمِنْ جَرِيبِ الْكَرْمِ الْمُتَّصِلِ وَالنَّخْلِ الْمُتَّصِلِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ اعْلَمْ أَنَّ الْقَفِيزَ الْوَاجِبَ فِي الْخَرَاجِ مُطْلَقٌ عَنْ قَيْدِ الْهَاشِمِيِّ وَالْحَجَّاجِيِّ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْفِقْهِ كَالْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ وَالشَّامِلِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَشُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَقَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ الْقَفِيزُ هُوَ الْحَجَّاجِيُّ وَهُوَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ وَهُوَ صَاعُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا نُسِبَ إلَى الْحَجَّاجِ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ بَعْدَمَا فُقِدَ وَأَنَّهُ يَسَعُ فِيهِ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَمْنَاءٍ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثُ رِطْلٍ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى قُلْت هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْخَرَاجِ مِنْ الْأَصْلِ فَمَا كَانَ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ مِنْ عَامِرٍ أَوْ غَامِرٍ مِمَّا يَبْلُغُهُ الْمَاءُ مِمَّا يَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ فَفِي كُلِّ جَرِيبٍ قَفِيزٌ وَدِرْهَمٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ زَرَعَ ذَلِكَ صَاحِبُهُ فِي السَّنَةِ مَرَّةً أَوْ مِرَارًا أَوْ لَمْ يَزْرَعْهُ كُلُّهُ سَوَاءٌ وَفِي كُلِّ سَنَةٍ قَفِيزٌ وَدِرْهَمٌ فِي كُلِّ جَرِيبٍ زُرِعَ وَالْقَفِيزُ قَفِيزُ الْحَجَّاجِ وَهُوَ رُبْعُ الْهَاشِمِيِّ وَهُوَ مِثْلُ الصَّاعِ الَّذِي كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ وَلِأَنَّ الْحَجَّاجَ كَانَ يَمُنُّ عَلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ بِصَاعِ عُمَرَ وَصَاعُ عُمَرَ هُوَ صَاعُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا كَانَ صَاعُ عُمَرَ هُوَ الْحَجَّاجِيُّ الَّذِي هُوَ صَاعُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَيْفَ
عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ
قَالَ رحمه الله (وَخَرَاجُ جَرِيبٍ صَلُحَ لِلزَّرْعِ صَاعٌ وَدِرْهَمٌ وَفِي جَرِيبِ الرَّطْبَةِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَفِي جَرِيبِ الْكَرْمِ وَالنَّخْلِ الْمُتَّصِلِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ) لِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه فَإِنَّهُ بَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ وَحُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ فَمَسَحَا سَوَادَ الْعِرَاقِ فَبَلَغَتْ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ أَلْفَ أَلْفِ جَرِيبٍ وَوَضَعَاهُ عَلَى نَحْوِ مَا قُلْنَا بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ إجْمَاعًا وَلِأَنَّ الْمُؤَنَ مُتَفَاوِتَةٌ فَيَجِبُ عَلَى أَخَفِّهَا الْأَكْثَرُ وَعَلَى أَشَدِّهَا الْأَقَلُّ وَعَلَى الْوَسَطِ الْوَسَطُ وَالْجَرِيبُ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي سِتِّينَ ذِرَاعًا بِذِرَاعِ كِسْرَى وَأَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى ذِرَاعِ الْعَامَّةِ بِقَبْضَةٍ وَقِيلَ جَرِيبُ سَوَادِ الْعِرَاقِ وَفِي غَيْرِهِمْ يُعْتَبَرُ عَلَى مَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ عِنْدَهُمْ وَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْنَاءٍ وَالْمَنُّ مِائَتَانِ وَسِتُّونَ دِرْهَمًا وَيُعْطَى الدِّرْهَمُ مِنْ أَجْوَدِ النُّقُودِ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى قَاضِي خَانْ أَنَّ الْقَفِيزَ مِنْ الْحِنْطَةِ أَوْ الشَّعِيرِ بِلَفْظِ التَّخْيِيرِ وَقَالَ فِي الْكَافِي هُوَ يَكُونُ مِنْ الْحِنْطَةِ وَقَالَ كَذَا فِي كِتَابِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ ثُمَّ قَالَ وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَيَكُونُ هَذَا الْقَفِيزُ مِمَّا يُزْرَعُ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَمَا لَيْسَ فِيهِ تَوْظِيفُ عُمَرَ رضي الله عنه مِمَّا سِوَى مَا ذَكَرْنَا كَالزَّعْفَرَانِ وَالْبُسْتَانِ يُوضَعُ عَلَيْهِ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ اعْتِبَارًا بِمَا وَضَعَهُ عُمَرُ رضي الله عنه أَلَا تَرَى أَنَّهُ اعْتَبَرَ الطَّاقَةَ حَيْثُ قَالَ لَعَلَّكُمَا حَمَّلْتُمَا الْأَرْضَ مَا لَا تُطِيقُ فَقَالَا لَا بَلْ حَمَّلْنَاهَا مَا تُطِيقُ وَلَوْ زِدْنَا لَأَطَاقَتْ قَالُوا وَنِهَايَةُ الطَّاقَةِ أَنْ يَبْلُغَ الْوَاجِبُ نِصْفَ الْخَارِجِ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ لِأَنَّ التَّنْصِيفَ عَيْنُ الْإِنْصَافِ لَمَّا كَانَ لَنَا أَنْ نَقْسِمَ الْكُلَّ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ لَمْ تُطِقْ مَا وَظَّفَ نُقِضَ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ) يَعْنِي لَا تَجُوزُ وَإِنْ أَطَاقَتْ لِأَنَّ قَوْلَ عُمَرَ رضي الله عنه لَعَلَّكُمَا حَمَّلْتُمَا الْأَرْضَ مَا لَا تُطِيقُ وَقَوْلَهُمَا لَا بَلْ حَمَّلْنَاهَا مَا تُطِيقُ وَلَوْ زِدْنَا لَأَطَاقَتْ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ النُّقْصَانِ عِنْدَ عَدَمِ الطَّاقَةِ وَعَلَى عَدَمِ جَوَازِ الزِّيَادَةِ عِنْدَ الطَّاقَةِ لِلزِّيَادَةِ لِأَنَّ مُرَادَ عُمَرَ رضي الله عنه أَنْ يَنْقُصَهُ عِنْدَ عَدَمِ الطَّاقَةِ لِمَا وُضِعَ فَلَوْلَا أَنَّهُ يَجُوزُ لَمَا قَصَدَ ذَلِكَ وَأَخْبَرَاهُ بِأَنَّهَا تُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَزِدْ فَلَوْ كَانَ جَائِزًا لَزَادَ ثُمَّ الْحَاصِلُ فِي هَذَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى مَا وَظَّفَهُ عُمَرُ رضي الله عنه فِي سَوَادِ الْعِرَاقِ لِأَنَّهُ خِلَافُ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ - وَمَا وَظَّفَهُ إمَامٌ آخَرُ فِي أَرْضٍ فَتَحَهَا هُوَ كَتَوْظِيفِ عُمَرَ رضي الله عنه فِي الْعِرَاقِ لِأَنَّهُ بِاجْتِهَادٍ فَلَا يُنْقَضُ بِاجْتِهَادٍ مِثْلِهِ وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُوَظِّفَ ابْتِدَاءً عَلَى أَرْضٍ بِقَدْرِ طَاقَتِهَا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
يُقَدِّرُ عُمَرُ الْخَرَاجَ بِالصَّاعِ الْهَاشِمِيِّ الَّذِي لَيْسَ صَاعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
وَلِهَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ تَصْنِيفُهُ حَدَّثَنِي السَّرِيُّ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَرَضَ عَلَى الْكَرْمِ عَشَرَةً وَعَلَى الرَّطْبَةِ خَمْسَةً وَعَلَى كُلِّ أَرْضٍ يَبْلُغُهَا الْمَاءُ دِرْهَمًا وَمَخْتُومًا قَالَ عَامِرٌ هُوَ الْحَجَّاجِيُّ وَهُوَ الصَّاعُ إلَى هُنَا لَفْظُ أَبِي يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ فَعُلِمَ أَنَّ فِيمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالنَّافِعِ مُقَيَّدًا بِالْهَاشِمِيِّ نَظَرٌ أَوْ الصَّاعُ الْهَاشِمِيُّ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ رِطْلًا اهـ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ قَوْلُهُ قُلْت هَذَا أَيْ مَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ مِنْ أَنَّهُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ اهـ وَقَوْلُهُ قَالَ عَامِرٌ هُوَ الشَّعْبِيُّ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْمُؤَنَ مُتَفَاوِتَةٌ) هِيَ جَمْعُ مُؤْنَةٍ يَعْنِي أَنَّ تَفَاوُتَ الْمُؤَنِ لَهُ أَثَرٌ فِي تَفَاوُتِ الْوَاجِبِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِيمَا سُقِيَ سَيْحًا مِنْ الْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةُ هُوَ الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِغَرْبٍ أَوْ دَالِيَةٍ أَوْ سَانِيَةٍ نِصْفُ الْعُشْرِ فَلَمَّا ثَبَتَ هَذَا قُلْنَا لَمَّا كَانَ مُؤْنَةُ الْكَرْمِ أَخَفَّ وَرِيعُهُ أَكْثَرَ كَانَ الْوَاجِبُ فِيهِ أَعْلَى وَهُوَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَهَذَا لِأَنَّهُ يَبْقَى دَهْرًا مَدِيدًا مَعَ قِلَّةِ الْمُؤْنَةِ وَمُؤْنَةُ الزَّرْعِ أَثْقَلُ فَجُعِلَ الْوَاجِبُ فِيهِ أَدْنَى وَهُوَ قَفِيزٌ وَدِرْهَمٌ وَهَذَا لِأَنَّ الزَّرْعَ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْكِرَابِ وَإِلْقَاءِ الْبَذْرِ وَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كُلَّ سَنَةٍ وَمُؤْنَةُ الرِّطَابِ بَيْنَ بَيْنَ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي كُلِّ عَامٍ وَلَا تَذْرِيَةٍ فِيهَا أَصْلًا وَتَدُومُ أَعْوَامًا لَكِنْ لَيْسَ كَدَوَامِ الْكَرْمِ فَكَانَ الْوَاجِبُ فِيهَا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَجِبُ عَلَى أَخَفِّهَا) أَيْ الْكَرْمِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَلَى أَشَدِّهَا) أَيْ الْمَزَارِعِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَلَى الْوَسَطِ) أَيْ الرِّطَابِ اهـ (قَوْلُهُ أَمْنَاءٌ) جَمْعُ مَنَا لُغَةٌ فِي الْمَنِّ اهـ (قَوْلُهُ بِلَفْظِ التَّخْيِيرِ) أَيْ بِأَوْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْبُسْتَانُ) أَيْ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ وَقَالُوا الْبُسْتَانُ كُلُّ أَرْضٍ يُحَوِّطُهَا حَائِطٌ وَفِيهَا نَخِيلٌ مُتَفَرِّقَةٌ وَأَشْجَارٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ حَيْثُ قَالَ) أَيْ لِحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَعُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ. اهـ. (قَوْلُهُ لَمَّا كَانَ لَنَا أَنْ نَقْسِمَ) يَعْنِي لَمَّا ظَفِرْنَا عَلَيْهِمْ وَسِعَنَا أَنْ نَسْتَرِقَّهُمْ وَنَقْسِمَ أَمْوَالَهُمْ فَإِذَا قَاطَعْنَاهُمْ كَانَ التَّنْصِيفُ عَيْنَ الْإِنْصَافِ اهـ كَيْ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ لَمْ تُطِقْ مَا وُظِّفَ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَظَّفْت عَلَيْهِ الْعَمَلَ تَوْظِيفًا قَدَّرْته اهـ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُوَظِّفَ ابْتِدَاءً عَلَى أَرْضٍ بِقَدْرِ طَاقَتِهَا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا إذَا كَانَتْ لَا تُطِيقُ قَدْرَ خَرَاجِهَا الْمَوْضُوعَ نَقَصَ وَأَخَذَ مِنْهَا قَدْرَ مَا تُطِيقُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الطَّاقَةُ بِالْأَثَرِ بَيَانُهُ فِيمَا قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى بِقَوْلِهِ فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ لَا تُطِيقُ أَنْ يَكُونَ الْخَرَاجُ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ بِأَنْ كَانَ الْخَارِجُ لَا يَبْلُغُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ يَجُوزُ أَنْ يُنْتَقَصَ حَتَّى يَصِيرَ الْخَرَاجُ مِثْلَ نِصْفِ الْخَارِجِ أَمَّا إذَا كَانَتْ تُطِيقُ ذَلِكَ وَزِيَادَةً فَقَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ أَجْمَعُوا أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى وَظِيفَةِ عُمَرَ رضي الله عنه فِي سَوَادِ الْعِرَاقِ وَفِي بَلْدَةٍ وَظَّفَ الْإِمَامُ عَلَيْهَا الْخَرَاجَ لَا يَجُوزُ فَأَمَّا فِي بَلْدَةٍ أَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يَبْتَدِئَهَا بِالتَّوْظِيفِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَزِيدُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَزِيدُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّ النُّقْصَانَ عِنْدَ قِلَّةِ الرِّيعِ جَائِزٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ زِيَادَةُ التَّوْظِيفِ عِنْدَ زِيَادَةِ الرِّيعِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه لَمْ يَزِدْ فِي التَّوْظِيفِ فَلَوْ جَازَ لَزَادَ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ حُذَيْفَةَ وَعُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ وَلَوْ زِدْنَا لَأَطَاقَتْ وَقَالَ فِي الْمُخْتَلَفِ فِي خِلَافِ أَبِي يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْخَرَاجِ الْمُوَظَّفِ بِتَوْظِيفِ الْإِمَامِ وَإِنْ أَطَاقَتْ الْأَرْضُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجُوزُ وَهَذَا يَرُدُّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ مِنْ مُدَّعِيهِ اهـ
زِيَادَةً عَلَى مَا وَظَّفَهُ عُمَرُ جَازَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ إنْشَاءُ حُكْمٍ بِاجْتِهَادٍ وَلَيْسَ فِيهِ نَقْضُ حُكْمٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لِأَنَّ خَرَاجَ التَّوْظِيفِ مُقَدَّرٌ شَرْعًا وَاتِّبَاعُ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ - فِيهِ وَاجِبٌ لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ لَا تُعْرَفُ إلَّا تَوْقِيفًا وَالتَّقْدِيرُ يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ لِأَنَّ النُّقْصَانَ يَجُوزُ إجْمَاعًا فَتَعَيَّنَ مَنْعُ الزِّيَادَةِ لِئَلَّا يَخْلُوَ التَّقْدِيرُ عَنْ الْفَائِدَةِ
قَالَ رحمه الله (وَلَا خَرَاجَ إنْ غَلَبَ عَلَى أَرْضِهِ الْمَاءُ أَوْ انْقَطَعَ أَوْ أَصَابَ الزَّرْعَ آفَةٌ) أَمَّا فِي الْفَصْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَلِفَوَاتِ النَّمَاءِ التَّقْدِيرِيِّ الْمُعْتَبَرِ فِي الْخَرَاجِ وَهُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ الزِّرَاعَةِ فِي كُلِّ الْحَوْلِ وَكَوْنُهُ نَامِيًا فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ شَرْطٌ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّهُ إذَا وُجِدَ الْأَصْلُ الَّذِي كَانَ التَّمَكُّنُ قَائِمًا مَقَامَهُ سَقَطَ الْخَلَفُ وَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالْأَصْلِ فَإِذَا هَلَكَ بَطَلَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ وَصَارَ كَالْعُشْرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَسَلِمَ بِسَلَامَةِ الْخَارِجِ وَبَطَلَ بِهَلَاكِهِ وَعَلَى هَذَا لَوْ مَنَعَهُ إنْسَانٌ مِنْ الزِّرَاعَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَالتَّمَكُّنُ شَرْطٌ فِيهِ وَقَالُوا فِي الِاصْطِلَامِ إنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُ إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ السَّنَةِ مِقْدَارُ مَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَزْرَعَ الْأَرْضَ ثَانِيًا وَأَمَّا إذَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ قَدْرُ ذَلِكَ فَلَا يَسْقُطُ وَالْمُرَادُ بِالِاصْطِلَامِ أَيْضًا أَنْ يَذْهَبَ كُلُّ الْخَارِجِ أَمَّا إذَا ذَهَبَ بَعْضُهُ فَإِنْ بَقِيَ مِقْدَارُ الْخَرَاجِ وَمِثْلُهُ بِأَنْ بَقِيَ مِقْدَارُ دِرْهَمَيْنِ وَقَفِيزَيْنِ يَجِبُ الْخَرَاجُ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى نِصْفِ الْخَارِجِ وَإِنْ بَقِيَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ يَجِبُ نِصْفُهُ لِأَنَّ التَّنْصِيفَ عَيْنُ الْإِنْصَافِ عَلَى مَا مَرَّ
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ عَطَّلَهَا صَاحِبُهَا أَوْ أَسْلَمَ أَوْ اشْتَرَى مُسْلِمٌ أَرْضَ خَرَاجٍ يَجِبُ) أَيْ يَجِبُ الْخَرَاجُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ أَمَّا إذَا عَطَّلَهَا صَاحِبُهَا فَلِأَنَّ التَّمَكُّنَ كَانَ ثَابِتًا وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي هَذَا الْبَابِ فَلَا يُعْذَرُ فِي التَّقْصِيرِ هَذَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ جَازَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) أَيْ وَأَحْمَدَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ. اهـ. كَيْ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ أَصَابَ الزَّرْعَ آفَةٌ) مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
وَالْمَالِكُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَلَمْ يَزْرَعْهَا وَأَمَّا إذَا عَجَزَ الْمَالِكُ عَنْ الزِّرَاعَةِ بِاعْتِبَارِ قُوَّتِهِ وَأَسْبَابِهِ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ مُزَارَعَةً وَيَأْخُذَ الْخَرَاجَ مِنْ نَصِيبِ الْمَالِكِ وَيُمْسِكَ الْبَاقِيَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ آجَرَهَا وَأَخَذَ الْخَرَاجَ مِنْ أُجْرَتِهَا وَإِنْ شَاءَ زَرَعَهَا بِنَفَقَةٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَأَخَذَ الْخَرَاجَ مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَقْبَلُ ذَلِكَ بَاعَهَا وَأَخَذَ مِنْ ثَمَنِهَا الْخَرَاجَ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ هَذَا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ إلْحَاقُ الضَّرَرِ بِالْوَاحِدِ لِأَجْلِ الْعَامَّةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَدْفَعُ إلَى الْعَاجِزِ كِفَايَتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ قَرْضًا لِيَعْمَلَ فِيهَا وَلَوْ انْتَقَلَ إلَى أَخَسَّ مِمَّا كَانَ يَزْرَعُهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهِ خَرَاجُ الْأَعْلَى لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي ضَيَّعَ الزِّيَادَةَ وَهَذَا يُعْرَفُ وَلَا يُفْتَى بِهِ كَيْ لَا يَتَجَرَّأَ الظَّلَمَةُ عَلَى أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالدَّعَاوَى الْبَاطِلَةِ بِأَنْ يَقُولَ كَانَتْ هَذِهِ الْأَرْضُ قَبْلَ هَذَا كَيْتَ وَكَيْتَ لِشَيْءٍ هُوَ أَحْسَنُ مِمَّا فِيهَا فَنَسُدُّ هَذَا حَتَّى لَا يَنْفَتِحَ لَهُمْ بَابُ الظُّلْمِ وَأَمَّا إذَا أَسْلَمَ صَاحِبُ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ فَلِأَنَّ الْخَرَاجَ فِيهِ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ وَمَعْنَى الْعُقُوبَةِ فَيُعْتَبَرُ مُؤْنَةً فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ فَيَبْقَى عَلَى الْمُسْلِمِ وَعُقُوبَةً فِي الِابْتِدَاءِ فَلَا يُبْتَدَأُ الْمُسْلِمُ بِهِ وَلِأَنَّ الْخَرَاجَ مِنْ أَثَرِ الْكُفْرِ فَجَازَ بَقَاؤُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ كَالرِّقِّ بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ لِأَنَّ الرَّأْسَ لَا مُؤْنَةَ فِيهِ فَيَسْقُطُ وَالْأَرْضُ لَا تَخْلُو عَنْ مُؤْنَةٍ فَلَوْ سَقَطَ الْخَرَاجُ لَاحْتَجْنَا إلَى إيجَابِ شَيْءٍ آخَرَ مِنْ الْمُؤَنِ وَلِأَنَّ فِي الْجِزْيَةِ صَغَارًا أَيْضًا فَلَا تَبْقَى بَعْدَ الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ الْخَرَاجِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ اشْتَرَوْا الْأَرْضَ الْخَرَاجَ وَأَدَّوْا خَرَاجَهَا فَدَلَّ عَلَى بَقَائِهِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَجَوَازِ شِرَائِهِ وَأَدَائِهِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى الْمُسْلِمُ أَرْضَ الْخَرَاجِ فَلِمَا بَيَّنَّا ثَمَّ إنْ بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ مِقْدَارُ مَا يَتَمَكَّنُ الْمُشْتَرِي مِنْ الزِّرَاعَةِ فَالْخَرَاجُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَعَلَى الْبَائِعِ
قَالَ رحمه الله (وَلَا عُشْرَ فِي خَارِجِ أَرْضِ الْخَرَاجِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ مَعَ الْخَرَاجِ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ مُخْتَلِفَانِ ذَاتًا وَمَحَلًّا وَسَبَبًا وَمَصْرِفًا فَإِنَّ الْخَرَاجَ مُؤْنَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْعُقُوبَةِ، وَالْعُشْرَ مُؤْنَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَالْخَرَاجُ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ وَالْعُشْرُ فِي الْخَارِجِ وَيَجِبُ الْخَرَاجُ بِالتَّمَكُّنِ وَالْعُشْرُ بِحَقِيقَةِ الْخَارِجِ وَيُصْرَفُ الْخَرَاجُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَالْعُشْرُ لِلْفُقَرَاءِ فَوُجُوبُ أَحَدِهِمَا لَا يُنَافِي الْآخَرَ. وَلَنَا قَوْلُهُ «عليه الصلاة والسلام لَا يَجْتَمِعُ عُشْرٌ وَخَرَاجٌ فِي أَرْضِ مُسْلِمٍ» وَلِأَنَّ أَحَدًا مِنْ أَئِمَّةِ الْعَدْلِ وَالْجَوْرِ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا فَصَارَ إجْمَاعًا عَمَلًا وَكَفَى بِهِمْ قُدْوَةً وَلِأَنَّ الْخَرَاجَ يَجِبُ فِي أَرْضٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً وَقَهْرًا وَأُقِرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهَا وَالْعُشْرُ فِي أَرْضً أَسْلَمَ أَهْلُهَا عَلَيْهَا طَوْعًا أَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَالْوَصْفَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ وَسَبَبُ الْحَقَّيْنِ وَاحِدٌ وَهِيَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ إلَّا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْعُشْرِ تَحْقِيقًا وَفِي الْخَرَاجِ تَقْدِيرًا وَلِهَذَا يُضَافَانِ إلَى الْأَرْضِ وَالْإِضَافَةُ تَدُلُّ عَلَى الِاخْتِصَاصِ وَهُوَ بِالسَّبَبِيَّةِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُؤْنَةُ أَرْضٍ نَامِيَةٍ وَلَا يَجْتَمِعُ وَظِيفَتَانِ بِسَبَبِ أَرْضٍ وَاحِدَةٍ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الزَّكَاةُ مَعَ الْعُشْرِ أَوْ الْخَرَاجِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى أَرْضًا عُشْرِيَّةً أَوْ خَرَاجِيَّةً لِلتِّجَارَةِ فَفِيهَا الْعُشْرُ أَوْ الْخَرَاجُ دُونَ زَكَاةِ التِّجَارَةِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ تَجِبُ الزَّكَاةُ مَعَ أَحَدِهِمَا وَمُحَمَّدٌ رحمه الله مَعَهُ فِيهِ لِاخْتِلَافِ مَحِلِّهِمَا لِأَنَّ الْعُشْرَ مَحَلُّهُ الْخَارِجُ.
وَكَذَا الْخَرَاجُ لَكِنْ فِي أَحَدِهِمَا حَقِيقَةً وَفِي الْآخَرِ تَقْدِيرًا وَالزَّكَاةُ مَحَلُّهَا مَالُ التِّجَارَةِ وَهِيَ الْأَرْضُ فَلَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا كَدَيْنِ ثَمَنِ الْأَرْضِ مَعَهُمَا بِخِلَافِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ لِأَنَّ مَحَلَّهُمَا وَاحِدٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا قُلْنَا إنَّ الْعُشْرَ وَالْخَرَاجَ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ النَّامِيَةِ وَلِهَذَا يُضَافَانِ إلَيْهَا وَكَذَا الزَّكَاةُ وَظِيفَةُ الْمَالِ النَّامِي وَكَذَا الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ وَاحِدٌ وَهُوَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَجِبُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجِبُ بِسَبَبِ مِلْكِ مَالٍ وَاحِدٍ حَقَّانِ لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا لَا تَجِبُ زَكَاةُ السَّائِمَةِ وَزَكَاةُ التِّجَارَةِ بِاعْتِبَارِ مَالٍ وَاحِدٍ فَصَارَ كَالْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ بِخِلَافِ دَيْنِ ثَمَنِ الْأَرْضِ مَعَ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ الدَّيْنَ يَجِبُ لِلْعَبْدِ وَالْعُشْرَ وَالْخَرَاجَ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَتَنَافَيَانِ بَلْ يَجْتَمِعَانِ وَإِنْ كَانَا بِسَبَبِ مِلْكِ مَالٍ وَاحِدٍ ثُمَّ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ كَانَ الْعُشْرُ أَوْ الْخَرَاجُ أَوْلَى مِنْ الزَّكَاةِ بِالْوُجُوبِ لِأَنَّهُمَا صَارَا وَظِيفَةً لَازِمَةً لَهَا وَلَا يَسْقُطَانِ بِعُذْرِ الصِّبَا وَالْجُنُونِ وَالرِّقِّ وَهُمَا أَسْبَقُ وُجُوبًا مِنْ الزَّكَاةِ فَتُتْرَكُ عَلَى حَالِهَا ثُمَّ الْخَرَاجُ لَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْخَارِجِ فِي سَنَةٍ لِأَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه لَمْ يُوَظِّفْهُ مُكَرَّرًا بِخِلَافِ الْعُشْرِ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ كَوْنُهُ عُشْرًا إلَّا بِوُجُوبِهِ فِي كُلِّ الْخَارِجِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فَلَا يُعْذَرُ فِي التَّقْصِيرِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بِخِلَافِ مَا إذَا عَطَّلَهَا وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الزِّرَاعَةِ حَيْثُ يَكُونُ الْخَرَاجُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ لِتَعَلُّقِ الْخَرَاجِ بِالنَّمَاءِ التَّقْدِيرِيِّ حِينَئِذٍ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ اسْتَأْجَرَ بَيْتًا أَوْ حَانُوتًا فَعَطَّلَهُ الْمُسْتَأْجِرُ فَعَلَيْهِ الْأَجْرُ فَلَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِأَنْ غَصَبَهُ غَاصِبٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ هُنَا سُؤَالًا وَجَوَابًا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَقَالَ فَإِنْ قِيلَ لَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلٌ أَرْضًا يَزْرَعُهَا فَاصْطَلَمَتْ الزَّرْعَ آفَةٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ يَجِبُ إلَى وَقْتِ هَلَاكِ الزَّرْعِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَيْسَ الْأَجْرُ بِمَنْزِلَةِ الْخَرَاجِ لِأَنَّ الْخَرَاجَ وُضِعَ عَلَى مِقْدَارِ الْخَارِجِ إذَا صَلُحَتْ الْأَرْضُ لِلزِّرَاعَةِ فَإِذَا لَمْ تُخْرِجْ الْأَرْضُ شَيْئًا جَازَ إسْقَاطُهُ وَالْأَجْرُ لَمْ يُوضَعْ عَلَى مِقْدَارِ الْخَارِجِ فَجَازَ إيجَابُهُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَخَرَاجُ الْوَظِيفَةِ وَالْمُقَاسَمَةِ لَا يَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْخَارِجِ بَعْدَ الْحَصَادِ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ فِي الذِّمَّةِ بِسَبَبِ الْخَارِجِ، وَقَبْلَ الْحَصَادِ يَسْقُطُ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ فِي الذِّمَّةِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي الْمَالِ لَا فِي الذِّمَّةِ اهـ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا فَأَصَابَ الزَّرْعَ آفَةٌ فَهَلَكَ أَوْ غَرِقَ وَلَمْ يَنْبُتْ كَانَ عَلَيْهِ الْأَجْرُ كَأَنَّهُ قَدْ زَرَعَ وَلَوْ غَرِقَتْ الْأَرْضُ قَبْلَ أَنْ يَزْرَعَهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَكَذَا لَوْ غَصَبَهَا رَجُلٌ وَزَرَعَهَا لَا أَجْرَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَلَوْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ فَلَمْ يَزْرَعْهَا حَتَّى مَضَتْ السَّنَةُ كَانَ عَلَيْهِ الْأَجْرُ.
وَكَذَا لَوْ زَرَعَ الْبَعْضَ وَلَمْ يَزْرَعْ الْبَعْضَ اهـ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَإِنْ زَرَعَهَا فَأَصَابَ الزَّرْعَ آفَةٌ فَذَهَبَ لَمْ يُؤْخَذْ الْخَرَاجُ مِنْهُ لِأَنَّهُ مُصَابٌ فَيَسْتَحِقُّ الْمَعُونَةَ وَإِنْ أَخَذْنَاهُ بِالْخَرَاجِ كَانَ فِيهِ اسْتِئْصَالٌ وَمِمَّا حُمِدَ مِنْ سِيَرِ الْأَكَاسِرَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا اصْطَلَمَ الزَّرْعَ آفَةٌ يَرُدُّونَ عَلَى الدَّهَاقِينِ مِنْ خَزَائِنِهِمْ مَا أَنْفَقُوا فِي الْأَرْضِ وَيَقُولُونَ التَّاجِرُ شَرِيكٌ فِي الْخُسْرَانِ كَمَا هُوَ شَرِيكٌ فِي الرِّبْحِ فَإِنْ لَمْ نَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ لَا يُؤْخَذَ مِنْهُ الْخَرَاجُ وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَجْرِ فَإِنَّهُ يَجِبُ بِقَدْرِ مَا كَانَتْ الْأَرْضُ مَشْغُولَةً بِالزَّرْعِ لِأَنَّ الْأَجْرَ عِوَضُ الْمَنْفَعَةِ فَبِقَدْرِ مَا اسْتَوْفَى مِنْ الْمَنْفَعَةِ يَصِيرُ الْأَجْرُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَأَمَّا الْخَرَاجُ فَإِنَّهُ صِلَةٌ وَاجِبَةٌ بِاعْتِبَارِ رِيعِ الْأَرْضِ فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهَا بَعْدَمَا اصْطَلَمَ الزَّرْعَ آفَةٌ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ اسْتِغْلَالِ الْأَرْضِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَطَّلَهَا اهـ.
قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ وَفِي الْمُزَارَعَةِ الصَّغِيرَةِ رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا فَزَرَعَهَا فَأَصَابَتْ الزَّرْعَ آفَةٌ فَهَلَكَ أَوْ غَرِقَتْ الْأَرْضُ وَلَمْ تُنْبِتْ فَعَلَيْهِ الْأَجْرُ وَلَوْ غَرِقَتْ قَبْلَ أَنْ يَزْرَعَهَا فَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا أَجْرَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ بَعْدَ هَلَاكِ الزَّرْعِ إلَّا إذَا تَمَكَّنَ مِنْ إعَادَةِ زَرْعٍ مِثْلِهِ أَوْ دُونَهُ فِي الضَّرَرِ بِالْأَرْضِ وَكَذَا لَوْ مَنَعَهَا غَاصِبٌ لِأَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى يُمْكِنُهُ أَنْ يَزْرَعَ آخَرَ وَإِنْ غَرِقَتْ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَزْرَعَ وَلَوْ قَبَضَ الْأَرْضَ وَلَمْ يَزْرَعْهَا حَتَّى مَضَتْ السَّنَةُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَمَامُ الْأَجْرِ اهـ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا فَزَرَعَهَا فَأَصَابَ الزَّرْعَ آفَةٌ فَهَلَكَ أَوْ غَرِقَ فَلَمْ يَنْبُتُ فَعَلَيْهِ الْأَجْرُ تَامًّا لِأَنَّهُ قَدْ زَرَعَ هَكَذَا فِي وَاقِعَاتِ النَّاطِفِيِّ وَلَوْ غَرِقَتْ قَبْلَ أَنْ يَزْرَعَهَا فَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الِانْتِفَاعِ اهـ ثُمَّ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ بَعْدَ هَذَا مَا نَصُّهُ إذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ سَنَةً ثُمَّ اصْطَلَمَ الزَّرْعَ آفَةٌ قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ فَمَا وَجَبَ مِنْ الْأَجْرِ قَبْلَ الِاصْطِلَامِ لَا يَسْقُطُ وَمَا وَجَبَ بَعْدَ الِاصْطِلَامِ يَسْقُطُ لِأَنَّ الْأَجْرَ إنَّمَا يَجِبُ بِإِزَاءِ الْمَنْفَعَةِ شَيْئًا فَشَيْئًا فَمَا اسْتَوْفَى مِنْ الْمَنْفَعَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَجْرُ وَمَا لَمْ يَسْتَوْفِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِي حَقِّهِ فَيَسْقُطُ الْأَجْرُ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْخَرَاجِ فَإِنَّهُ إذَا زَرَعَ أَرْضًا خَرَاجِيَّةً فَأَصَابَ الزَّرْعَ آفَةٌ فَذَهَبَ لَمْ يُؤْخَذْ الْخَرَاجُ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ النَّمَاءُ حَقِيقَةً وَلَا اعْتِبَارًا لِأَنَّ الْفَوَاتَ مَا كَانَ مِنْ جِهَتِهِ حَتَّى يَصِيرَ سَالِمًا اعْتِبَارًا فَكَانَ سَبَبُ وُجُوبِ الْخَرَاجِ مِلْكَ أَرْضٍ نَامِيَةٍ حَوْلًا كَامِلًا إمَّا حَقِيقَةً أَوْ اعْتِبَارًا فَإِذَا فَاتَ النَّمَاءُ فِي مُدَّةِ الْحَوْلِ ظَهَرَ أَنَّ الْخَرَاجَ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا عَلَى خِلَافِ هَذَا وَالِاعْتِمَادُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ اهـ مَا قَالَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ (قَوْلُهُ وَلَوْ انْتَقَلَ إلَى أَخَسَّ مِمَّا كَانَ يَزْرَعُهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ) أَيْ كَمَنْ لَهُ أَرْضُ الزَّعْفَرَانِ فَتَرَكَهَا وَزَرَعَ الْحُبُوبَ فَعَلَيْهِ خَرَاجُ الزَّعْفَرَانِ وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ كَرْمٌ فَقَلَعَ وَزَرَعَ الْحُبُوبَ فَعَلَيْهِ خَرَاجُ الْكَرْمِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ خَرَاجُ الْأَعْلَى) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ وَلَوْ غَرَسَ حَرْبِيٌّ مِنْ أَرْضِهِ كَرْمًا فَلَمْ يُطْعِمْ سِنِينَ كَانَ عَلَيْهِ كُلَّ سَنَةٍ قَفِيزٌ وَدِرْهَمٌ لِأَنَّ وَظِيفَةَ هَذِهِ الْأَرْضِ قَبْلَ الْغَرْسِ قَفِيزٌ وَدِرْهَمٌ فِي كُلِّ جَرِيبٍ فَتَبْقَى كَذَلِكَ مَا لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ خَرَاجُ الْكَرْمِ وَإِنْ أَدْرَكَتْ خَارِجًا يَبْلُغُ قِيمَتُهُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا فَصَاعِدًا أَخَذَ مِنْهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ لِأَنَّهُ صَارَ كَرْمًا صُورَةً وَمَعْنًى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيُعْتَبَرُ مُؤْنَةً فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّ الْأَرْضَ الْخَرَاجِيَّةَ تَبْقَى عَلَى حَالِهَا خَرَاجِيَّةً بَعْدَ إسْلَامِ صَاحِبِهَا وَلَا تَتَغَيَّرُ إلَى الْعُشْرِ لِأَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه وَضَعَ عَلَى أَهْلِ السَّوَادِ الْخَرَاجَ ثُمَّ أَسْلَمُوا فَبَقِيَ الْخَرَاجُ كَمَا كَانَ. اهـ. (قَوْلُهُ فَيَبْقَى عَلَى الْمُسْلِمِ) أَيْ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِالْتِزَامِ الْمُؤْنَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ الْأَرْضُ الْخَرَاجُ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْعُشْرِ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَخْ) قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي وَلَا يُؤْخَذُ خَرَاجُ الْأَرْضِ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً وَإِنْ أَغَلَّهَا صَاحِبُهَا مَرَّاتٍ وَالْقُدْوَةُ فِي هَذَا الْبَابِ عُمَرُ رضي الله عنه لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ الْخَرَاجَ مُكَرَّرًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي الْخَرَاجِ الْمُوَظَّفِ لِأَنَّ خَرَاجَ الْمُقَاسَمَةِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْعُشْرِ وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي الْخَارِجِ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَلَمَّا كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْعُشْرِ وَالْعُشْرُ يَجِبُ فِي كُلِّ خَارِجٍ فَكَذَلِكَ خَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(فَصْلٌ فِي الْجِزْيَةِ) قَالَ رحمه الله (الْجِزْيَةُ لَوْ وُضِعَتْ بِتَرَاضٍ وَصُلْحٍ لَا يُعْدَلُ عَنْهَا) لِأَنَّهَا تَتَقَرَّرُ بِحَسَبِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقُ كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ «صَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ نَجْرَانَ عَلَى أَلْفَيْ حُلَّةٍ النِّصْفُ فِي صَفَرٍ وَالنِّصْفُ فِي رَجَبٍ يُؤَدُّونَهُمَا وَعَارِيَّةٍ ثَلَاثِينَ دِرْعًا وَثَلَاثِينَ فَرَسًا وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا وَثَلَاثِينَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ السِّلَاحِ يَغْزُونَ بِهَا وَالْمُسْلِمُونَ ضَامِنُونَ لَهَا حَتَّى يَرُدُّوهَا عَلَيْهِمْ» الْحَدِيثَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَكَانُوا نَصَارَى وَهُمْ أَوَّلُ مَنْ أَعْطَى الْجِزْيَةَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ أَنَّ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ مِنْكُمْ دِينَارًا كُلَّ سَنَةٍ أَوْ قِيمَتَهُ مِنْ الْمَعَافِرِ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ
قَالَ رحمه الله (وَإِلَّا يُوضَعْ عَلَى الْفَقِيرِ الْمُعْتَمِلِ فِي كُلِّ سَنَةٍ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا وَعَلَى وَسَطِ الْحَالِ ضِعْفُهُ وَعَلَى الْمُكْثِرِ ضِعْفُهُ) يَعْنِي إذَا لَمْ تُوضَعْ بِالتَّرَاضِي بَلْ وُضِعَتْ بِالْقَهْرِ بِأَنْ غَلَبَ الْإِمَامُ عَلَى الْكُفَّارِ وَأَقَرَّهُمْ عَلَى أَمْلَاكِهِمْ فَيُوضَعُ عَلَى الْفَقِيرِ الْمُعْتَمِلِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ دِرْهَمٌ وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ دِرْهَمَانِ وَعَلَى الْمُكْثِرِ وَهُوَ الْغَنِيُّ الظَّاهِرِ الْغِنَى ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَالصَّحَابَةُ مُتَوَافِرُونَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَصَارَ إجْمَاعًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله يَضَعُ الْإِمَامُ عَلَى كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا لِمَا رَوَيْنَا قُلْنَا كَانَ ذَلِكَ بِالصُّلْحِ وَلَفْظُهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَ إنَّ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ دِينَارًا وَلَمْ يَجِبْ عَلَى الْكُلِّ إلَّا بِالتَّرَاضِي وَالصُّلْحِ وَأَمَّا الْجِزْيَةُ الَّتِي يَضَعُهَا الْإِمَامُ ابْتِدَاءً فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَضَعَ إلَّا عَلَى الرِّجَالِ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ «قَالَ لِمُعَاذٍ خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ وَحَالِمَةٍ دِينَارًا» وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهَا كَانَتْ بِالصُّلْحِ لِأَنَّ الْحَالِمَةَ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا إلَّا بِهِ وَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ نُصْرَةً عَلَى الْمُقَاتِلَةِ فَتَجِبُ عَلَى التَّفَاوُتِ بِمَنْزِلَةِ خَرَاجِ الْأَرْضِ وَهَذَا لِأَنَّ نَصْرَ الدِّينِ وَاجِبٌ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ وَنَفْسُهُ لَا تَصْلُحُ بِخِلَافِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
فَصْلٌ) لَمَّا فَرَغَ عَنْ ذِكْرِ خَرَاجِ الْأَرْضِ شَرَعَ فِي خَرَاجِ الرُّءُوسِ وَهُوَ الْجِزْيَةُ وَقَدَّمَ خَرَاجَ الْأَرْضِ لِقُوَّتِهِ لِأَنَّهُ يَجِبُ فِي أَرْضِ الْكُفَّارِ إذَا فُتِحَتْ أَسْلَمُوا أَوْ لَمْ يُسْلِمُوا وَخَرَاجُ الرَّأْسِ لَا يَجِبُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ أَوْ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ الْعُشْرَ وَالْخَرَاجَ وَالْعُشْرُ مُقَدَّمٌ عَلَى خَرَاجِ الرَّأْسِ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْقُرْبَةِ وَهُوَ أَيْضًا مِمَّا يُبْتَدَأُ بِهِ عَلَى الْمُسْلِمِ فَقَدَّمَ خَرَاجَ الْأَرْضِ أَيْضًا لِأَنَّ سَبَبَهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ نَجْرَانَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَنَجْرَانُ بِلَادٌ أَهْلُهَا نَصَارَى كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَالْمُغْرِبِ اهـ وَفِي الْمِصْبَاحِ وَنَجْرَانُ بَلْدَةُ هَمْدَانَ مِنْ الْيَمَنِ قَالَ الْبَكْرِيُّ سُمِّيَتْ بِاسْمِ بَانِيهَا نَجْرَانَ بْنِ زَيْدِ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ قَحْطَانَ. اهـ. (قَوْلُهُ حُلَّةٌ) وَالْحُلَّةُ إزَارٌ وَرِدَاءٌ كَذَا قَالُوا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ الْمَعَافِرِ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ ثَوْبٌ مَعَافِرِيٌّ مَنْسُوبٌ إلَى مَعَافِرَ بْنِ مُرٍّ وَعَلَيْهِ حَدِيثُ مُعَاذٍ «أَوْ عِدْلَهُ مَعَافِرَ» أَيْ مِثْلَهُ بُرُدًا مِنْ هَذَا الْجِنْسِ وَمَعَافِيرُ بِزِيَادَةِ الْيَاءِ وَمَعَافِرِيٌّ بِالضَّمِّ وَمَعَافِرِيُّ - غَيْرُ مُنَوَّنٍ - كُلُّهُ لَحْنٌ. اهـ.
(قَوْلُهُ إذَا لَمْ تُوضَعْ بِالتَّرَاضِي) قَالَ الْكَمَالُ وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُمَاكِسَهُمْ حَتَّى يَأْخُذَ مِنْ الْمُتَوَسِّطِ دِينَارَيْنِ وَمِنْ الْغَنِيِّ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ اهـ (قَوْلُهُ وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ تَفَاوُتُ مِقْدَارِ الْجِزْيَةِ عَلَى حَسَبِ تَفَاوُتِ الطَّبَقَاتِ مَذْهَبُنَا وَقَالَ مَالِكٌ الْجِزْيَةُ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه كَذَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ دِينَارًا وَاثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا يَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ لَهُ مَا رَوَى صَاحِبُ السُّنَنِ عَنْ مُعَاذٍ رضي الله عنه «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا وَلَّاهُ الْيَمَنَ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ يَعْنِي مُحْتَلِمٍ دِينَارًا أَوْ عِدْلَهُ مِنْ الْمَعَافِرِيِّ» وَلَنَا مَا رَوَى أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِهِمْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَجَّهَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ وَعُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ إلَى السَّوَادِ فَمَسَحَا أَرْضَهَا وَوَضَعَا عَلَيْهَا الْخَرَاجَ وَجَعَلَا النَّاسَ ثَلَاثَ طَبَقَاتٍ عَلَى مَا قُلْنَا فَلَمَّا رَجَعَا إلَى عُمَرَ أَخْبَرَاهُ بِذَلِكَ وَكَانَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ عَمِلَ عُثْمَانَ كَذَلِكَ ثُمَّ عَلِيٌّ كَذَلِكَ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ كَانَ بِالتَّرَاضِي وَالصُّلْحِ وَلَا كَلَامَ لَنَا فِيهِ.
وَكَلَامُنَا إذَا وَظَّفَ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ لِأَنَّا نَقُولُ لَا نُسَلِّمُ لِأَنَّ السَّوَادَ فُتِحَ عَنْوَةً لَا صُلْحًا وَالْمَعْقُولُ أَنَّ الْجِزْيَةَ حَقٌّ يُبْتَدَأُ بِهِ الْكَافِرُ فَوَجَبَ فِيهِ التَّفَاوُتُ كَمَا فِي خَرَاجِ الْأَرْضِ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ الشَّافِعِيِّ فَنَقُولُ ذَلِكَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَيْنَا لِأَنَّ أَهْلَ الْيَمَنِ كَانُوا أَهْلَ فَاقَةٍ فَعَلَى الْمُعْسِرِ عِنْدَنَا اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا وَدِينَارُهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ قُلْت لِمُجَاهِدٍ مَا شَأْنُ أَهْلِ الشَّامِ عَلَيْهِمْ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وَأَهْلُ الْيَمَنِ عَلَيْهِمْ دِينَارٌ قَالَ جُعِلَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ الْيَسَارِ قُلْت هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الصَّحِيحُ فِي مَعْنَى مُعَاذٍ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَيْهِ اهـ (قَوْلُهُ حَالِمٍ) أَيْ بَالِغٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ يَعْنِي مُحْتَلِمٍ. اهـ. (قَوْلُهُ «قَالَ لِمُعَاذٍ خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ وَحَالِمَةٍ دِينَارًا») أَيْ أَوْ عَدْلَهُ مَعَافِرَ اهـ هِدَايَةٌ وَالْعَدْلُ بِالْفَتْحِ الْمِثْلُ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ وَبِالْكَسْرِ الْمِثْلُ مِنْ الْجِنْسِ وَالْمَعَافِرُ ثَوْبٌ مَنْسُوبٌ إلَى مَعَافِرَ بْنِ مُرٍّ ثُمَّ صَارَ اسْمًا لِلثَّوْبِ بِغَيْرِ نِسْبَةٍ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمُغْرِبِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَاكِيُّ وَحَدِيثُ مُعَاذٍ مُنْقَطِعٌ ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ نُصْرَةً) أَيْ خَلَفًا عَنْ النُّصْرَةِ الَّتِي فَاتَتْ بِالْإِصْرَارِ عَلَى الْكُفْرِ لِأَنَّ مَنْ هُوَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَعَلَيْهِ الْقِيَامُ بِنَصْرِهِ اهـ دِرَايَةٌ.
(قَوْلُهُ وَالْمَالِ وَنَفْسُهُ لَا يَصْلُحُ) أَيْ لِمَيْلِهِمْ إلَى أَهْلِ الدَّارِ الْمُعَادِيَةِ فَيُشَوِّشُونَ عَلَيْنَا فِي الْحَرْبِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْمَالُ أَيْ الْجِزْيَةُ خَلَفًا عَنْ النُّصْرَةِ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ وَلِهَذَا صُرِفَتْ إلَى الْمُقَاتِلَةِ دُونَ الْفُقَرَاءِ وَضُرِبَتْ عَلَى الصَّالِحِينَ لِلْقِتَالِ الَّذِينَ يَلْزَمُهُمْ الْقِتَالُ إذَا كَانُوا مُسْلِمِينَ فَتَخْتَلِفُ
الْمَالِ فَيَجِبُ عَلَى التَّفَاوُتِ أَوْ نَقُولُ إنَّهَا بَدَلٌ عَنْ النُّصْرَةِ بِهِمَا وَالنُّصْرَةُ بِهِمَا تَتَفَاوَتُ بِقُوَّةِ النَّفْسِ وَكَثْرَةِ الْوَفْرِ فَالْفَقِيرُ يَنْصُرُ رَاجِلًا وَالْمُتَوَسِّطُ يَنْصُرُ رَاكِبًا وَالْفَائِقُ يَرْكَبُ وَيُرْكِبُ غُلَامَهُ فَكَذَا بَدَلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ الْفَائِقَ فِي الْغِنَى هُوَ صَاحِبُ الْمَالِ الْكَثِيرِ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ إلَى الْعَمَلِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَدِّرَ بِشَيْءٍ فِي الْمَالِ بِتَقْدِيرٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ وَالْأَعْصَارِ فَفِي الْعِرَاقِ مَنْ يَمْلِكُ خَمْسِينَ أَلْفًا لَا يُعَدُّ وَسَطَ الْحَالِ وَفِي دِيَارِنَا مَنْ يَمْلِكُ عَشَرَةَ آلَافٍ يُعَدُّ غَنِيًّا فَيُجْعَلُ ذَلِكَ مَوْكُولًا إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَالْمُتَوَسِّطُ الَّذِي لَهُ مَالٌ لَكِنَّهُ لَا يَسْتَغْنِي بِمَالِهِ عَنْ الْكَسْبِ وَالْفَقِيرُ الْمُعْتَمِلُ هُوَ الَّذِي يَكْسِبُ أَكْثَرَ مِنْ حَاجَتِهِ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْإِيضَاحِ لَوْ مَرِضَ الذِّمِّيُّ السَّنَةَ كُلَّهَا فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَعْمَلَ وَهُوَ مُوسِرٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ خَرَاجُ رَأْسِهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الصَّحِيحِ الْمُعْتَمِلِ وَكَذَا لَوْ مَرِضَ أَكْثَرَهَا إقَامَةً لِلْأَكْثَرِ مَقَامَ الْكُلِّ وَكَذَا لَوْ مَرِضَ نِصْفَ السَّنَةِ تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الْإِسْقَاطِ فِي الْعُقُوبَةِ ذَكَرَهُ فِي الِاخْتِيَارِ
قَالَ رحمه الله (وَتُوضَعُ عَلَى كِتَابِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ وَوَثَنِيٍّ عَجَمِيٍّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29] وَوَضَعَ عليه الصلاة والسلام الْجِزْيَةِ عَلَى الْمَجُوسِ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ الْجِزْيَةَ مِنْ الْمَجُوسِ حَتَّى شَهِدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَجَمَاعَةٌ أُخَرُ وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ ذَكَرَ الْمَجُوسَ فَقَالَ مَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ فِي أَمْرِهِمْ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَشْهَدُ أَنِّي «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رحمه الله وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لِعَامِلِ كِسْرَى «أَمَرَنَا نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم أَنْ نُقَاتِلَكُمْ حَتَّى تَعْبُدُوا اللَّهَ تَعَالَى وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ أَوْ تُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَكَانُوا عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ فَكَذَا وَضْعُ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ اسْتِرْقَاقٌ مَعْنًى إذْ بِهِ يَلْحَقُهُ الصَّغَارُ وَالذُّلُّ وَيُؤَدِّي كَسْبَهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَنَفَقَتُهُ فِي كَسْبِهِ وَأَيُّ رِقٍّ يَكُونُ أَعْظَمَ مِنْ ذَلِكَ
قَالَ رحمه الله (لَا عَرَبِيٍّ وَمُرْتَدٍّ) أَيْ لَا تُوضَعُ الْجِزْيَةُ عَلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ لَا عَلَى الْمُرْتَدِّ لِتَغَلُّظِ كُفْرِهِمَا أَمَّا مُشْرِكُو الْعَرَبِ فَلِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام نَشَأَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَالْقُرْآنُ نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ وَالْمُعْجِزَةُ فِي حَقِّهِمْ أَظْهَرُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَعْرَفَ بِمَعَانِيهِ وَبِوُجُوهِ الْفَصَاحَةِ فَغُلِّظَ عَلَيْهِمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} [الفتح: 16] وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَلِأَنَّهُ كَفَرَ بِرَبِّهِ بَعْدَ مَا رَأَى مَحَاسِنَ الْإِسْلَامِ وَبَعْدَ مَا هُدِيَ إلَيْهِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ زِيَادَةً فِي الْعُقُوبَةِ فِي حَقِّهِمْ وَإِذَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَنِسَاؤُهُمْ وَذَرَارِيُّهُمْ فَيْءٌ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «كَانَ يَسْتَرِقُّ ذَرَارِيَّ مُشْرِكِي الْعَرَبِ» وَأَبُو بَكْرٍ اسْتَرَقَّ نِسَاءَ بَنِي حَنِيفَةَ وَصِبْيَانَهُمْ وَكَانُوا مُرْتَدِّينَ وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ مِنْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
بِاخْتِلَافِ حَالِهِمْ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى اعْتِبَارًا بِأَصْلِ النُّصْرَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَثْرَةُ الْوَفْرِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْوَفْرُ فِي اللُّغَةِ الْمَالُ الْكَثِيرُ وَأَرَادَ هُنَا مُطْلَقَ الْمَالِ فَلَوْ قَالَ بِكَثْرَةِ الْمَالِ كَانَ أَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْفَقِيرُ الْمُعْتَمِلُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْمُعْتَمِلُ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ حِرْفَةً اهـ قَالَ الْكَمَالُ وَالْمُعْتَمِلُ الْمُكْتَسِبُ وَالِاعْتِمَالُ الِاضْطِرَابُ فِي الْعَمَلِ وَهُوَ الِاكْتِسَابُ وَقَيَّدَ بِالِاعْتِمَالِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَرِيضًا فِي نِصْفِ السَّنَةِ فَصَاعِدًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَمَّا لَوْ لَمْ يَعْمَلْ وَهُوَ قَادِرٌ فَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ كَمَنْ عَطَّلَ الْأَرْضَ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتُوضَعُ عَلَى كِتَابِيٍّ) أَمَّا أَهْلُ الْكِتَابِ فَجَائِزٌ ضَرْبُ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانُوا مِنْ الْعَرَبِ أَوْ مِنْ الْعَجَمِ فَلِأَجْلِ هَذَا ذَكَرَ أَهْلَ الْكِتَابِ مُطْلَقًا حَتَّى يَشْمَلَ الْفَرِيقَيْنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَقَالَ مَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ فِي أَمْرِهِمْ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ إلَخْ) قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ حَدَّثَنَا بَعْضُ الشِّيخَةِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ ذُكِرَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَوْمٌ يَعْبُدُونَ النِّيرَانَ لَيْسُوا يَهُودَ وَلَا نَصَارَى وَلَا أَهْلَ كِتَابٍ فَقَالَ عُمَرُ مَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ بِهَؤُلَاءِ فَقَامَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَقَالَ «أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» إلَى هُنَا لَفْظُ أَبِي يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ اهـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ فِي السُّنَنِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَخَذَ النَّاسُ بِقَوْلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ يَعْنِي فِي قَبُولِ الْجِزْيَةِ مِنْ الْمَجُوسِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ) ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله إلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تُوضَعُ عَلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَجَمِ كَمَا لَا تُوضَعُ عَلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ هُوَ يَقُولُ إنَّ الْقِتَالَ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَاتِلُوهُمْ} [البقرة: 193] إلَّا أَنَّا عَرَفْنَا جَوَازَ تَرْكِهِ فِي حَقِّ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ وَفِي حَقِّ الْمَجُوسِ بِالْخَبَرِ فَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُمْ عَلَى الْأَصْلِ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ) أَيْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَجَمِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَكَذَا وَضْعُ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ) أَيْ كَالْكِتَابِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيُؤَدِّي كَسْبَهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَنَفَقَتُهُ) أَيْ وَإِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ أَيْ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوس وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَجَمِ قَبْلَ ذَلِكَ أَيْ قَبْلَ وَضْعِ الْجِزْيَةِ فَهُمْ فَيْءٌ وَلِلْإِمَامِ الْخِيَارُ بَيْنَ الِاسْتِرْقَاقِ وَضَرْبِ الْجِزْيَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا عَرَبِيٍّ وَمُرْتَدٍّ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْعَجَمِ أَوْ الْعَرَبِ وَلَا خِلَافَ فِي الْمُرْتَدِّ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لَا تُوضَعُ الْجِزْيَةُ عَلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ) قَيَّدَ عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ لِمَا أَنَّ الْجِزْيَةَ تُوضَعُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْهُمْ ذَكَرَهُ فِي جَامِعَيْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29] لَمْ يُفَصِّلْ. اهـ. كَيْ (قَوْلُهُ {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} [الفتح: 16] أَيْ إلَى أَنْ يُسْلِمُوا وَالْآيَةُ فِي عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ. اهـ. كَيْ (قَوْلُهُ وَإِذَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَالْمُرْتَدِّينَ. اهـ. كَيْ (قَوْلُهُ وَكَانُوا مُرْتَدِّينَ) أَيْ وَقَسَمَهُمْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ حَتَّى وَقَعَ فِي سَهْمِ عَلِيٍّ الْحَنَفِيَّةُ فَوُلِدَ مِنْهَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ. اهـ. كَاكِيٌّ
رِجَالِهِمْ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ قُتِلَ وَلَمْ يُسْتَرَقَّ لِمَا ذَكَرْنَا وَكُفْرُ الْمُرْتَدِّ أَغْلَظُ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَلِهَذَا تُجْبَرُ نِسَاءُ الْمُرْتَدِّينَ وَذَرَارِيُّهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا تُجْبَرُ نِسَاءُ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ وَذَرَارِيِّهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ
قَالَ رحمه الله (وَصَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ وَعَبْدٍ وَمُكَاتَبٍ وَزَمِنٍ وَأَعْمَى وَفَقِيرٍ غَيْرِ مُعْتَمِلٍ وَرَاهِبٍ لَا يُخَالِطُ) أَيْ لَا تُوضَعُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْجِزْيَةُ لِأَنَّهَا خَلَفٌ عَنْ النُّصْرَةِ وَعُقُوبَةٌ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ النُّصْرَةُ بِالْقِتَالِ وَلَوْ أَدْرَكَ الصَّبِيُّ أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ أَوْ عَتَقَ الْعَبْدُ أَوْ بَرَأَ الْمَرِيضُ قَبْلَ وَضْعِ الْإِمَامِ الْجِزْيَةَ وَضَعَ عَلَيْهِمْ وَبَعْدَ وَضْعِ الْجِزْيَةِ لَا تُوضَعُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَهْلِيَّتُهُمْ وَقْتَ الْوَضْعِ إذْ الْإِمَامُ يَخْرُجُ فِي تَعَرُّفِ حَالِهِمْ فَيَضَعُ عَلَى مَنْ هُوَ أَهْلٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَإِلَّا فَلَا بِخِلَافِ الْفَقِيرِ إذَا أَيْسَرَ بَعْدَ الْوَضْعِ حَيْثُ يُوضَعُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلْجِزْيَةِ وَإِنَّمَا سَقَطَتْ عَنْهُ لِعَجْزِهِ وَقَدْ زَالَ ذَكَرَهُ فِي الِاخْتِيَارِ
قَالَ رحمه الله (وَتَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ وَالْمَوْتِ) أَيْ الْجِزْيَةُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَسْقُطُ بِهِمَا بَعْدَ مُضِيِّ السَّنَةِ لِأَنَّهَا اسْتَقَرَّتْ فِي ذِمَّتِهِ بَدَلًا عَنْ الْعِصْمَةِ أَوْ عَنْ السُّكْنَى وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ الْمُعَوَّضُ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْعِوَضُ كَمَا فِي الْأُجْرَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ حَيْثُ لَا يَسْقُطَانِ بِالْإِسْلَامِ وَلَا بِالْمَوْتِ وَلَنَا أَنَّهَا وَجَبَتْ عُقُوبَةً عَلَى الْكُفْرِ أَوْ بَدَلًا عَنْ النُّصْرَةِ وَلَا تَبْقَى الْعُقُوبَةُ عَلَى الْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَلَا يُقِيمُهَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَدْ قَدَرَ بِالْإِسْلَامِ عَلَى النُّصْرَةِ بِبَدَنِهِ فَلَا يَجِبُ عِوَضُهَا وَبِالْمَوْتِ عَجَزَ عَنْ الْإِسْلَامِ فَلَا يَجِبُ الْخَلَفُ إذْ شَرْطُهُ تَصَوُّرُ الْأَصْلِ وَالْعِصْمَةُ تَثْبُتُ بِكَوْنِهِ آدَمِيًّا عَلَى مَا بَيَّنَّا وَهُوَ يَسْكُنُ مِلْكَ نَفْسِهِ فَلَا مَعْنَى لِإِيجَابِ بَدَلِهِمَا وَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَلِهَذَا تُجْبَرُ نِسَاءُ الْمُرْتَدِّينَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالُوا إنَّ نِسَاءَ الْمُرْتَدِّينَ وَصِبْيَانَهُمْ يُجْبَرُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَتَفْسِيرُهُ الْحَبْسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ إلَى الْإِسْلَامِ وَسَيَجِيءُ فِي بَابِ الْمُرْتَدِّينَ أَمَّا صِبْيَانُهُمْ فَإِنَّمَا يُجْبَرُونَ تَبَعًا لِآبَائِهِمْ حَيْثُ تُجْبَرُ آبَاؤُهُمْ وَأَمَّا نِسَاؤُهُمْ فَإِنَّمَا يُجْبَرْنَ لِسَبْقِ الْإِسْلَامِ مِنْهُنَّ بِخِلَافِ نِسَاءِ مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَصِبْيَانِهِمْ لِأَنَّهُمْ لَا جَبْرَ عَلَى آبَائِهِمْ فَكَذَا عَلَى صِبْيَانِهِمْ وَكَذَا عَلَى نِسَائِهِمْ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ مِنْهُنَّ الْإِسْلَامُ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمُكَاتَبٍ) أَيْ وَمُدَبَّرٍ وَأُمِّ وَلَدٍ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَأَعْمَى وَفَقِيرٍ) أَيْ وَكَذَا الْمَفْلُوجُ وَالشَّيْخُ الْكَبِيرِ لِمَا بَيَّنَّا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجِبُ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ فِي الْجُمْلَةِ إذَا كَانَ لَهُ رَأْيٌ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَرَاهِبٍ لَا يُخَالِطُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا تُوضَعُ عَلَى الرُّهْبَانِ الَّذِينَ لَا يُخَالِطُونَ النَّاسَ كَذَا ذَكَرَهُ هُنَا وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ رحمه الله عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّهُ يُوضَعُ عَلَيْهِمْ إذَا كَانُوا يَقْدِرُونَ عَلَى الْعَمَلِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَوَجْهُ الْوَضْعِ عَلَيْهِمْ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْعَمَلِ هُوَ الَّذِي ضَيَّعَهَا فَصَارَ كَتَعْطِيلِ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ وَوَجْهُ الْوَضْعِ عَنْهُمْ أَنَّهُ لَا قَتْلَ عَلَيْهِمْ إذَا كَانُوا لَا يُخَالِطُونَ النَّاسَ وَالْجِزْيَةُ فِي حَقِّهِمْ لِإِسْقَاطِ الْقَتْلِ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَسْقُطُ بِهِمَا إلَخْ) وَهَكَذَا الْخِلَافُ لَوْ عَمِيَ أَوْ صَارَ مُقْعَدًا أَوْ زَمِنًا أَوْ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ الْعَمَلَ أَوْ صَارَ فَقِيرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَبَقِيَ مِنْ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِ شَيْءٌ يَسْقُطُ عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُمْ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا اسْتَقَرَّتْ فِي ذِمَّتِهِ بَدَلًا عَنْ الْعِصْمَةِ) أَيْ الَّتِي تَثْبُتُ لِلذِّمِّيِّ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ كَمَا هُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ عَنْ السُّكْنَى) أَيْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَمَا هُوَ قَوْلٌ لَهُ آخَرُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ الْمُعَوَّضُ) أَيْ وَهُوَ حَقْنُ دَمِهِ وَسُكْنَاهُ إلَى الْمَوْتِ أَوْ إلَى الْإِسْلَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ) أَيْ فِيمَا لَوْ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا فَصَالَحَ عَلَى مَالٍ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَدَائِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يَسْقُطَانِ بِالْإِسْلَامِ) يَعْنِي إنْ كَانَتْ الْجِزْيَةُ بَدَلًا عَنْ السُّكْنَى تَكُونُ فِي مَعْنَى الْأُجْرَةِ فَلَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ وَالْإِسْلَامُ كَالْأُجْرَةِ وَإِنْ كَانَتْ بَدَلًا عَنْ الْعِصْمَةِ تَكُونُ فِي مَعْنَى بَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ الدَّمِ وَذَلِكَ لَا يَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ وَالْمَوْتِ اهـ.
(قَوْلُهُ أَوْ بَدَلًا عَنْ النُّصْرَةِ) فَإِنْ قُلْت لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْجِزْيَةَ بَدَلٌ عَنْ النُّصْرَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ اسْتَعَانَ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ سَنَةً فَقَاتَلُوا مَعَهُ لَا تَسْقُطُ عَنْهُمْ جِزْيَةُ تِلْكَ السَّنَةِ فَلَوْ كَانَتْ بَدَلًا لَسَقَطَتْ قُلْت إنَّمَا لَمْ تَسْقُطْ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ حِينَئِذٍ تَغَيُّرُ الْمَشْرُوعِ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ ذَلِكَ وَهَذَا لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ طَرِيقَ النُّصْرَةِ فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ الْمَالَ دُونَ النَّفْسِ فَإِنْ قُلْت الْجِزْيَةُ حَقٌّ مَالِيٌّ وَجَبَ عَلَى الْكَافِرِ عَلَى كُفْرِهِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَسْقُطَ بِالْإِسْلَامِ كَخَرَاجِ الْأَرْضِ قُلْت خَرَاجُ الرَّأْسِ فِيهِ صَغَارٌ بِالنَّصِّ وَلِهَذَا لَا يُوضَعُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَصْلًا بِخِلَافِ خَرَاجِ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ صَغَارٌ وَلِهَذَا يُؤْخَذُ فِي أَرْضٍ خَرَاجِيَّةٍ لِلْمُسْلِمِ فَافْتَرَقَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ رحمه الله (قَوْلُهُ وَالْعِصْمَةُ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ الْعِصْمَةِ أَوْ السُّكْنَى بَيَانُهُ أَنَّ الْآدَمِيَّ خُلِقَ مَعْصُومًا مَحْقُونَ الدَّمِ لِكَوْنِهِ مُكَلَّفًا لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى لَهُ الْقِيَامُ بِأُمُورِ التَّكْلِيفِ إلَّا بِكَوْنِهِ مَعْصُومًا وَإِنَّمَا بَطَلَتْ عِصْمَتُهُ بِعَارِضِ الْكُفْرِ ثُمَّ لَمَّا أَسْلَمَ عَادَتْ الْعِصْمَةُ فَصَارَتْ الْعِصْمَةُ بَدَلًا بِقَبُولِ الْجِزْيَةِ وَالذِّمِّيُّ يَمْلِكُ مَوْضِعَ السُّكْنَى بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ فَلَا يَجُوزُ إيجَابُ الْبَدَلِ عَلَيْهِ لِسُكْنَاهُ فِي مَوْضِعٍ مَمْلُوكٍ لَهُ فَلَوْ كَانَتْ الْجِزْيَةُ أُجْرَةً كَانَ وُجُوبُهَا بِالْإِجَارَةِ لَا مَحَالَةَ وَالْإِجَارَةُ يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّأْقِيتُ لِأَنَّ الْإِبْهَامَ يُبْطِلُهَا وَحَيْثُ لَمْ يُشْتَرَطْ التَّأْقِيتُ فِي السُّكْنَى دَلَّ أَنَّ الْجِزْيَةَ مَا كَانَ بِسَبِيلِ الْأُجْرَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
قَالَ الْكَمَالُ وَلَنَا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ قَابُوسِ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَيْسَ عَلَى مُسْلِمٍ جِزْيَةٌ» قَالَ أَبُو دَاوُد سُئِلَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ هَذَا فَقَالَ يَعْنِي إذَا أَسْلَمَ فَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ وَبِاللَّفْظِ الَّذِي فَسَّرَهُ بِهِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَنْ أَسْلَمَ فَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ» وَضَعَّفَ ابْنُ الْقَطَّانِ قَابُوسًا وَلَيْسَ قَابُوسٌ فِي سَنَدِ الطَّبَرَانِيِّ فَهَذَا لِعُمُومِهِ يُوجِبُ سُقُوطَ مَا كَانَ اُسْتُحِقَّ عَلَيْهِ قَبْلَ إسْلَامِهِ بَلْ هُوَ الْمُرَادُ بِخُصُوصِهِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْفَائِدَةِ إذْ عَدَمُ الْجِزْيَةِ ابْتِدَاءً عَلَى الْمُسْلِمِ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ فَالْإِخْبَارُ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْفَائِدَةِ لَيْسَ كَالْإِخْبَارِ بِسُقُوطِهَا فِي حَالِ الْبَقَاءِ وَهَذَا يَخُصُّ السُّقُوطَ بِالْإِسْلَامِ وَالْوَجْهُ يَعُمُّ مَوْتَهُ وَإِسْلَامَهُ وَبِهَذَا الْحَدِيثِ وَنَحْوِهِ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى سُقُوطِ الْجِزْيَةِ
الرِّقُّ حَيْثُ يَبْقَى بَعْدَ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ لَيْسَ بِعُقُوبَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الْأُمُورِ الْحُكْمِيَّةِ حَتَّى يَسْرِيَ إلَى الْوَلَدِ تَبَعًا بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ قَالَ رحمه الله (وَالتَّكْرَارُ) أَيْ تَسْقُطُ بِالتَّكْرَارِ وَمَعْنَاهُ إذَا لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُ الْجِزْيَةُ حَتَّى حَالَ عَلَيْهِ حَوْلَانِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا تَسْقُطُ وَتُؤْخَذُ مِنْهُ جِزْيَةُ سَنَتَيْنِ.
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله لِأَنَّهَا عِوَضٌ وَالْأَعْوَاضُ لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَصَارَ كَخَرَاجِ الْأَرْضِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَ عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهَا مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي شُرِعَتْ هِيَ فِيهِ وَهُوَ الصَّغَارُ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ يُوَقَّرُ وَلَا يُحَقَّرُ وَالْمَشْرُوعُ بِصِفَةٍ لَا يُوجَدُ بِدُونِ تِلْكَ الصِّفَةِ فَسَقَطَتْ لِلتَّعَذُّرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهَا عُقُوبَةٌ وَجَبَتْ عَلَى الْكُفْرِ تُؤْخَذُ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الْإِذْلَالِ وَلِهَذَا لَوْ بَعَثَهَا عَلَى يَدِ غُلَامِهِ أَوْ نَائِبِهِ لَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَاتِ بَلْ يُكَلَّفُ أَنْ يَحْضُرَ بِهَا بِنَفْسِهِ فَيُعْطِي وَاقِفًا وَالْقَابِضُ مِنْهُ قَاعِدٌ وَفِي رِوَايَةٍ يَأْخُذُ بِتَلْبِيبِهِ وَيَهُزُّهُ هَزًّا وَيَقُولُ لَهُ أَعْطِ الْجِزْيَةَ يَا ذِمِّيُّ، وَالْعُقُوبَاتُ الْوَاجِبَةُ لِلَّهِ إذَا تَرَاكَمَتْ تَدَاخَلَتْ إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَالْحُدُودِ أَلَا تَرَى أَنَّ كَفَّارَاتِ الْإِفْطَارِ تَتَدَاخَلُ وَإِنْ كَانَتْ عِبَادَةً لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ فَالْعُقُوبَةُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ أَوْلَى وَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ الْقَتْلِ فِي حَقِّهِمْ وَعَنْ النُّصْرَةِ فِي حَقِّنَا وَكِلَاهُمَا يُوجِبُ السُّقُوطَ لِأَنَّ الْقَتْلَ يَكُونُ فِي حِرَابٍ قَائِمٍ فِي الْحَالِ وَكَذَا النُّصْرَةُ تَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ دُونَ الْمَاضِي لِأَنَّهُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ التَّكْرَارُ وَالْكَثْرَةُ وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ أَوْ قَبْلَ التَّمَامِ لَا تُؤْخَذُ مِنْهُ وَخَرَاجُ الْأَرْضِ قِيلَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَقِيلَ لَا تَدَاخُلَ فِيهِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ يَجِبُ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ قَائِمًا مَقَامَ الْعُشْرِ وَلِهَذَا لَا يَجْتَمِعَانِ وَالْعُشْرُ يَتَكَرَّرُ فَكَذَا هَذَا وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَمَنْ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ خَرَاجُ رَأْسِهِ حَتَّى مَضَتْ السَّنَةُ وَجَاءَتْ سَنَةٌ أُخْرَى لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَقَالَا يُؤْخَذُ مِنْهُ فَحَمَلَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ عَلَى الْمُضِيِّ مَجَازًا وَقَالَ الْوُجُوبُ بِآخِرِ السَّنَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُضِيِّ لِيَتَحَقَّقَ الِاجْتِمَاعُ وَيَتَدَاخَلُ.
وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْوُجُوبَ عِنْدَنَا فِي ابْتِدَاءِ الْحَوْلِ وَأَنَّهُ مُجْرًى عَلَى حَقِيقَتِهِ فَيَتَحَقَّقُ الِاجْتِمَاعُ بِمُجَرَّدِ الْمَجِيءِ وَظَاهِرٌ قَوْله تَعَالَى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْإِعْطَاءَ غَايَةً يَنْتَهِي إلَيْهِ الْقَتْلُ وَيَجِبُ تَرْكُ الْقَتْلِ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ وَلَا يَنْتَظِرُ فِيهِ إلَى حَوَلَانِ الْحَوْلِ فَكَذَا الْإِعْطَاءُ وَهَذَا لِأَنَّهَا وَجَبَتْ لِإِسْقَاطِ الْقَتْلِ فَتَجِبُ لِلْحَالِ كَالْوَاجِبِ بِالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَلِأَنَّ الْمُعَوَّضَ قَدْ سُلَّمَ لَهُمْ لِلْحَالِ فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ الْعِوَضُ كَذَلِكَ وَلَا يُمْكِنُهُمْ الْقِيَاسُ عَلَى خَرَاجِ الْأَرْضِينَ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ الِانْتِفَاعِ بِالْأَرْضِ فَمَا لَمْ تُسَلَّمْ لَهُمْ الْمَنْفَعَةِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْأُجْرَةُ وَلَا تَلْزَمُنَا الزَّكَاةُ لِأَنَّهَا إنَّمَا وَجَبَتْ فِي آخِرِ الْحَوْلِ لِيَتَحَقَّقَ النَّمَاءُ إذْ هِيَ لَا تَجِبُ إلَّا فِي الْمَالِ النَّامِي
قَالَ رحمه الله (وَلَا تُحْدَثُ بِيعَةٌ وَلَا كَنِيسَةٌ فِي دَارِنَا) لِقَوْلِهِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
بِالْإِسْلَامِ فَلَا يَرِدُ طَلَبُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْجِزْيَةِ وَبَيْنَ الِاسْتِرْقَاقِ إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا عُقُوبَةٌ عَلَى الْكُفْرِ ثُمَّ لَا يَرْتَفِعُ الِاسْتِرْقَاقُ بِالْإِسْلَامِ وَكَذَا خَرَاجُ الْأَرْضِ وَتَرْتَفِعُ الْجِزْيَةُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَحَلُّ الْإِجْمَاعِ فَإِنْ عَقَلْت حِكْمَةً فَذَاكَ وَإِلَّا وَجَبَ الِاتِّبَاعُ عَلَى أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ خَرَاجِ الْأَرْضِ وَالْجِزْيَةِ وَاضِحٌ إذْ لَا إذْلَالَ فِي خَرَاجِ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ كَيْ تَبْقَى فِي أَيْدِينَا وَالْمُسْلِمُ مَنْ يَسْعَى فِي بَقَائِهَا لِلْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ فَإِنَّهَا ذُلٌّ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَأَمَّا الِاسْتِرْقَاقُ فَلِأَنَّ إسْلَامَهُ بَعْدَ تَعَلُّقِ مِلْكِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ بِرَقَبَتِهِ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ حَقُّ الْمُسْتَحِقِّ الْمُعَيَّنِ بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا مِلْكُ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ بَلْ اسْتِحْقَاقٌ لِلْعُمُومِ وَالْحَقُّ الْخَاصُّ فَضْلًا عَنْ الْعَامِّ لَيْسَ كَالْمِلْكِ الْخَاصِّ اهـ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّهَا عِوَضٌ وَالْأَعْوَاضُ لَا تَسْقُطُ) قَالَ الْكَمَالُ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ كَوْنَهَا وَجَبَتْ عِوَضًا وَكَوْنَ الْمُتَّصِلِ مِنْهَا أَعْوَاضًا خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ وَأَنَّهُ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَلْيَقُ فَإِنْ أُرِيدَ بِالْأَعْوَاضِ الْأَجْزِيَةُ الْوَاقِعَةُ عُقُوبَةً تَمَّ عَلَيْهَا وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَائِلِ: وَالْعُقُوبَاتُ تَتَدَاخَلُ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَ عَلَى قَوْلِهِمَا) أَيْ أَوْ مَاتَ قَبْلَ اسْتِكْمَالِ السَّنَةِ أَوْ بَعْدَهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ الصَّغَارُ) أَيْ وَالْعُقُوبَاتُ الْوَاجِبَةُ لِلْبَقَاءِ عَلَى الْكُفْرِ وَبِالْمَوْتِ وَصَلَ إلَى الْعِقَابِ الْأَكْبَرِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْأَدْنَى قَالَ تَعَالَى {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [السجدة: 21]. اهـ. أَتْقَانِيٌّ رحمه الله (قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةٍ يَأْخُذُ بِتَلْبِيبِهِ وَيَهُزُّهُ) التَّلْبِيبُ بِالْفَتْحِ مَا عَلَى مَوْضِعِ اللَّبَبِ مِنْ ثِيَابِهِ وَاللَّبَبُ مَوْضِعُ الْقِلَادَةِ مِنْ الصَّدْرِ وَالْهَزُّ التَّحْرِيكُ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ بِطَرِيقِ الِاسْتِخْفَافِ لَهُ حَتَّى يُصْفَعَ أَيْضًا حَالَةَ الْأَخْذِ. اهـ. مِعْرَاجُ الدِّرَايَةِ (قَوْلُهُ وَخَرَاجُ الْأَرْضِ قِيلَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ) أَيْ فَإِذَا مَضَتْ سُنُونَ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ خَرَاجٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ مَا مَضَى اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَالْعُشْرُ) بِالْفَاءِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَفِي الْكَافِي بِالْوَاوِ وَهُوَ أَوْلَى اهـ (قَوْلُهُ وَأَنَّهُ مُجْرًى عَلَى حَقِيقَتِهِ) أَيْ عَلَى حَقِيقَةِ الْمَجِيءِ وَهُوَ الدُّخُولُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَمَا لَمْ تُسَلَّمْ لَهُمْ الْمَنْفَعَةُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْأُجْرَةُ) أَيْ فَلِهَذَا لَمْ تَجِبْ بِأَوَّلِ الْحَوْلِ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا تُحْدَثُ بِيعَةٌ) لَمَّا فَرَغَ عَنْ بَيَانِ مَا يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ الْجِزْيَةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مُتَعَبَّدَاتِهِمْ مَا يَجُوزُ مِنْهَا وَمَا لَا يَجُوزُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا كَنِيسَةٌ) الْكَنِيسَةُ مَعْبَدُ الْيَهُودِ وَالْبِيعَةُ مَعْبَدُ النَّصَارَى قِيلَ فِي وَجْهِ الْمُنَاسَبَةِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْخِصَاءِ وَالْكَنِيسَةِ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْخِصَاءَ نَوْعُ ضَعْفٍ لَيْسَ فِي الْفَحْلِ وَكَذَا بِنَاءُ الْكَنِيسَةِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ يُورِثَ الضَّعْفَ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ فِي الْخِصَاءِ تَغْيِيرٌ عَمَّا عَلَيْهِ أَصْلُ الْخِلْقَةِ وَكَذَا فِي بِنَاءِ الْكَنِيسَةِ تَغْيِيرٌ عَمَّا عَلَيْهِ بِنَاءُ دَارِ الْإِسْلَامِ. اهـ. مِعْرَاجُ الدِّرَايَةِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ الْكَنِيسَةُ لِمُتَعَبَّدِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَكَذَلِكَ الْبِيعَةُ اسْمٌ لِمُتَعَبَّدِهِمْ مُطْلَقًا إلَّا أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ غَلَبَ فِي الْكَنِيسَةِ لِمُتَعَبَّدِ الْيَهُودِ وَفِي الْبِيعَةِ لِمُتَعَبَّدِ النَّصَارَى اهـ
- عليه الصلاة والسلام «لَا خِصَاءَ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا كَنِيسَةَ» أَيْ لَا يُخْصَى إخْصَاءٌ يُقَالُ خَصَاهُ يُخْصِيه خِصَاءً عَلَى فِعَالٍ بِمَعْنَى الْإِخْصَاءِ وَقِيلَ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء: 119] وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ التَّبَتُّلُ وَالْعُزْلَةُ وَالِامْتِنَاعُ عَنْ النِّسَاءِ كَمَا يَفْعَلُهُ رُهْبَانُ النَّصَارَى فَكَأَنَّهُ خِصَاءٌ مَعْنًى وَالْمُرَادُ بِالنَّهْيِ عَنْ الْكَنِيسَةِ إحْدَاثُهَا أَيْ لَا تُحْدَثُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَنِيسَةٌ فِي مَوْضِعٍ لَمْ تَكُنْ فِيهِ وَبَيْتُ النَّارِ كَالْكَنِيسَةِ
قَالَ رحمه الله (وَيُعَادُ الْمُنْهَدِمُ مِنْ الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ الْقَدِيمَةِ) لِأَنَّهُ جَرَى التَّوَارُثُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى يَوْمِنَا هَذَا بِتَرْكِ الْكَنَائِسِ فِي أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَقُومُ الْبِنَاءُ دَائِمًا فَكَانَ دَلِيلًا عَلَى جَوَازِ الْإِعَادَةِ وَلِأَنَّ الْإِمَامَ لَمَّا أَقَرَّهُمْ عَهِدَ إلَيْهِمْ الْإِعَادَةَ لِأَنَّ الْأَبْنِيَةَ لَا تَبْقَى دَائِمًا وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ نَقْلِهَا إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ لِأَنَّهُ إحْدَاثٌ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فِي الْحَقِيقَةِ وَالصَّوْمَعَةُ بِمَنْزِلَةِ الْكَنِيسَةِ لِأَنَّهَا تُبْنَى لِلتَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ كَالْكَنِيسَةِ بِخِلَافِ مَوْضِعِ الصَّلَاةِ فِي الْبَيْتِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلسُّكْنَى وَهَذَا فِي الْأَمْصَارِ دُونَ الْقُرَى لِأَنَّ الْأَمْصَارَ هِيَ الَّتِي تُقَامُ فِيهَا شَعَائِرُ الْإِسْلَامِ فَلَا يُعَارَضُ بِإِظْهَارِ مَا يُخَالِفُهَا وَلِهَذَا يُمْنَعُونَ مِنْ بَيْعِ الْخَمْرِ وَالْخَنَازِيرِ وَضَرْبِ النَّاقُوسِ خَارِجَ الْكَنِيسَةِ فِي الْأَمْصَارِ لِمَا قُلْنَا وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ فِي قَرْيَةٍ لَا تُقَامُ فِيهَا الْجُمَعُ وَالْحُدُودُ وَإِنْ كَانَ فِيهَا عَدَدٌ كَثِيرٌ لِأَنَّ شَعَائِرَ الْإِسْلَامِ فِيهَا غَيْرُ ظَاهِرَةٍ وَقِيلَ يُمْنَعُونَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ تَشِعْ فِيهِ شَعَائِرُهُمْ لِأَنَّ فِي الْقُرَى بَعْضَ الشَّعَائِرِ فَلَا تُعَارَضُ بِإِظْهَارِ مَا يُخَالِفُهَا مِنْ شَعَائِرِ الْكُفْرِ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَانَ فِي قُرَى الْكُوفَةِ لِأَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِهَا أَهْلُ الذِّمَّةِ وَفِي أَرْضِ الْعَرَبِ يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَلَا يُدْخِلُونَ فِيهَا الْخَمْرَ وَالْخَنَازِيرَ وَيُمْنَعُونَ مِنْ اتِّخَاذِهَا الْمُشْرِكُونَ مَسْكَنًا لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ حَتَّى لَا أَدَعَ فِيهَا إلَّا مُسْلِمًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ آخِرُ مَا عَهِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ قَالَ «لَا يُتْرَكُ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ» وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ أَنَّهُ قَالَ آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أَخْرِجُوا يَهُودَ أَهْلِ الْحِجَازِ وَأَهْلِ نَجْرَانَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» رَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَأَجْلَى عُمَرُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
قَالَ رحمه الله (وَيُمَيَّزُ الذِّمِّيُّ عَنَّا فِي الزِّيِّ وَالْمَرْكَبِ وَالسَّرْجِ فَلَا يَرْكَبُ خَيْلًا وَلَا يَعْمَلُ بِالسِّلَاحِ وَيُظْهِرُ الْكُسْتِيجَ وَيَرْكَبُ سَرْجًا كَالْإِكَافِ) إظْهَارًا لِلصَّغَارِ عَلَيْهِمْ وَصِيَانَةً لِضَعَفَةِ الْمُسْلِمِينَ يَقِينًا لِأَنَّ مَنْ هُوَ ضَعِيفُ الْيَقِينِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ لَا خِصَاءَ) الْخِصَاءُ بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ عَلَى فِعَالٍ مَصْدَرُ خَصَاهُ أَيْ نَزَعَ خُصْيَتَيْهِ وَالْإِخْصَاءُ فِي مَعْنَاهُ خَطَأٌ ذَكَرَهُ فِي الْمُغْرِبِ. اهـ. كَاكِيٌّ قَوْلُهُ وَالْمَدُّ عَلَى فِعَالٍ مَصْدَرُ خَصَاهُ أَيْ مِنْ بَابِ رَمَاهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ وَيُعَادُ الْمُنْهَدِمُ مِنْ الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ الْقَدِيمَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله وَالْمُرَادُ مِنْ الْقَدِيمَةِ مَا كَانَتْ قَبْلَ فَتْحِ الْإِمَامِ بَلَدَهُمْ وَمُصَالَحَتَهُمْ عَلَى إقْرَارِهِمْ عَلَى بَلَدِهِمْ وَأَرَاضِيهمْ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَا مَحَالَةَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَقَوْلُهُ الْقَدِيمَةِ أَيْ عَلَى قَدْرِ الْبِنَاءِ الْأَوَّلِ وَيُمْنَعُ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الْبِنَاءِ الْأَوَّلِ. اهـ. قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يُمْنَعُونَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ تَشِعْ) قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ فِي قُرَى الْكُوفَةِ أَنَّ الَّذِي رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ عَدَمِ الْمَنْعِ عَنْ إحْدَاثِ الْبِيعَةِ وَالْكَنِيسَةِ فِي الْقُرَى فِي قُرَى الْكُوفَةِ لَا قُرَى بِلَادِنَا لِأَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِهَا كَانُوا أَهْلَ الذِّمَّةِ فَلَمْ تَكُنْ قُرَاهَا مَوْضِعَ تَنْفِيذِ الْأَحْكَامِ لِغَلَبَتِهِمْ فَلَمْ يَرِدْ الْمَنْعُ مِنْ الْإِحْدَاثِ بِخِلَافِ قُرَى بِلَادِنَا فَإِنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ فِيهَا مَعْدُودُونَ فَمُنِعُوا مِنْ الْإِحْدَاثِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى إذَا أَرَادُوا إحْدَاثَ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ فِي الْأَمْصَارِ يُمْنَعُونَ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا فِي السَّوَادِ ذَكَرَ فِي الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ وَفِي الْإِجَارَاتِ أَنَّهُمْ لَا يُمْنَعُونَ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ مَشَايِخُ بَلْخٍ يُمْنَعُ وَقَالَ الْفَضْلِيُّ وَمَشَايِخُ بُخَارَى لَا يُمْنَعُ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي بَابِ إجَارَةِ الدُّورِ وَالْبُيُوتِ مِنْ شَرْحِ الْإِجَارَاتِ الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ عَنْ ذَلِكَ فِي السَّوَادِ وَذَكَرَ هُوَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ فَقَالَ إنْ كَانَتْ قَرْيَةً غَالِبُ أَهْلِهَا أَهْلُ الذِّمَّةِ لَا يُمْنَعُونَ وَأَمَّا الْقَرْيَةُ الَّتِي سَكَنَهَا الْمُسْلِمُونَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهَا عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا وَهَلْ تُهْدَمُ الْبِيَعُ الْقَدِيمَةُ فِي السَّوَادِ؟ عَلَى الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا لَا، أَمَّا فِي الْأَمْصَارِ ذَكَرَ فِي الْإِجَارَاتِ أَنَّهُ لَا تُهْدَمُ الْبِيَعُ الْقَدِيمَةُ بَلْ تُتْرَكُ وَذَكَرَ فِي الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ أَنَّهَا تُهْدَمُ قَالَ النَّاطِفِيُّ فِي الْوَاقِعَاتِ قَالَ مُحَمَّدٌ لَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ تُتْرَكَ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ كَنِيسَةٌ وَلَا بِيعَةٌ وَلَا بَيْتُ نَارٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي أَرْضِ الْعَرَبِ يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ) أَيْ فِي أَمْصَارِهَا وَقُرَاهَا. اهـ. هِدَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فَلَا تُحْدَثُ فِيهَا كَنِيسَةٌ وَلَا تُقَرُّ لِأَنَّهُمْ لَا يُمْنَعُونَ مِنْ السُّكْنَى فَلَا فَائِدَةَ فِي إقْرَارِهَا إلَّا أَنْ تُتَّخَذَ دَارَ سُكْنَى وَلَا تُبَاعُ بِهَا خَمْرٌ وَلَا فِي قَرْيَةٍ مِنْهَا وَلَا فِي مَاءٍ مِنْ مِيَاهِ الْعَرَبِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَيُمْنَعُونَ مِنْ اتِّخَاذِهَا الْمُشْرِكُونَ مَسْكَنًا) بِخِلَافِ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي لَيْسَتْ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ يُمَكَّنُونَ مِنْ سُكْنَاهَا وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ. اهـ. كَمَالٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ مِنْ اتِّخَاذِهَا مَا نَصُّهُ أَيْ أَرْضِ الْعَرَبِ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ مَسْكَنًا مَا نَصُّهُ أَيْ وَوَطَنًا. اهـ.
(قَوْلُهُ وَيُمَيَّزُ الذِّمِّيُّ عَنَّا فِي الزِّيِّ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالزِّيُّ بِالْكَسْرِ الْهَيْئَةُ وَأَصْلُهُ زِوْيٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَصِيَانَةً لِضَعَفَةِ الْمُسْلِمِينَ يَقِينًا) أَيْ فَرُبَّمَا يَمْرُقُونَ بِجَهْلِهِمْ فَيَقُولُونَ الْكُفَّارُ أَحْسَنُ حَالًا مِنَّا فَإِنَّهُمْ فِي خَفْضِ عَيْشٍ وَنِعْمَةٍ وَنَحْنُ فِي كَدٍّ وَتَعَبٍ. اهـ. فَتْحٌ وَحَاصِلُ هَذَا أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ لَمَّا كَانُوا مُخَالِطِينَ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَلَا بُدَّ مِمَّا يَتَمَيَّزُ بِهِ الْمُسْلِمُ مِنْ الْكَافِرِ كَيْ لَا يُعَامَلَ مُعَامَلَةَ الْمُسْلِمِ مِنْ التَّوْقِيرِ وَالْإِجْلَالِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَإِذْ وَجَبَ التَّمْيِيزُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ صَغَارٌ
إذَا رَآهُمْ يَتَقَلَّبُونَ فِي النِّعَمِ وَالْمُسْلِمِينَ فِي مِحْنَةٍ وَشِدَّةٍ يُخَافُ أَنْ يَمِيلَ إلَى دِينِهِمْ وَإِلَيْهِ وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ} [الزخرف: 33] الْآيَةَ وَحِكَايَةُ قَارُونَ مَعَ الضَّعَفَةِ مِنْ قَوْمِ مُوسَى عليه السلام مَعْرُوفَةٌ ظَاهِرَةٌ وَلِأَنَّ الْمُسْلِمَ يُوَقَّرُ وَالذِّمِّيَّ يُحَقَّرُ وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ الطَّرِيقُ وَلَا يُبْدَأُ بِالسَّلَامِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَامَةٌ يُمَيَّزُ بِهَا لَمَا وَقَعَ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا فَيُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الْمُسْلِمِينَ وَأَوَّلُ مَنْ أَخَذَ أَهْلَ الذِّمَّةِ بِالْعَلَامَةِ عُمَرُ رضي الله عنه لِكَثْرَةِ النَّاسِ فِي أَيَّامِهِ فَرَأَى أَنَّهُ لَمْ تَقَعْ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ إلَّا بِالْعَلَامَةِ وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «أَيْنَمَا دَارَ عُمَرُ فَالْحَقُّ مَعَهُ وَلَمْ يَأْمُرْ عليه الصلاة والسلام يَهُودَ الْمَدِينَةِ وَلَا نَصَارَى نَجْرَانَ وَلَا مَجُوسَ هَجَرَ بِالْعَلَامَةِ» لِأَنَّهُمْ كَانُوا مَعْرُوفِينَ وَحَالُهُمْ لَا يَشْتَبِهُ عَلَى أَحَدٍ فَلَا يَحْتَاجُونَ إلَى الْعَلَامَةِ وَلَا يَرْكَبُونَ الْخَيْلَ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ وَلَا يَلْبَسُونَ طَيَالِسَةً مِثْلَ طَيَالِسَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا أَرْدِيَةً مِثْلَ أَرْدِيَتِهِمْ وَلَا كُلَّ لِبَاسٍ يَخْتَصُّ بِأَهْلِ الْعِلْمِ وَالزُّهْدِ وَالشَّرَفِ وَإِنْ رَكِبُوا الضَّرُورَةَ مِنْ سَفَرٍ وَنَقْلِ مَرِيضٍ نَزَلُوا فِي مَجَامِعِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ لُبْسِ زَنَانِيرِ الْإِبْرَيْسَمِ وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ الْكُسْتِيجِ وَهُوَ الْخَيْطُ الْغَلِيظُ وَيُؤْمَرُ بِتَمْيِيزِ نِسَائِهِمْ عَنْ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي الطَّرِيقِ وَالْحَمَّامِ وَتُجْعَلُ عَلَى دُورِهِمْ عَلَامَةٌ كَيْ لَا يَقِفَ عَلَيْهَا السَّائِلُ فَيَدْعُو لَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ
قَالَ رحمه الله (وَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ بِالْإِبَاءِ عَنْ الْجِزْيَةِ وَالزِّنَا بِمُسْلِمَةٍ وَقَتْلِ مُسْلِمٍ وَسَبِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُنْتَقَضُ أَمَانُهُ بِالسَّبِّ لِأَنَّهُ يَنْقُضُ الْأَيْمَانَ فَكَذَا الْأَمَانُ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ دُونَهُ وَهُوَ خَلَفٌ عَنْهُ وَلَنَا «أَنَّ يَهُودِيًّا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم السَّامُ عَلَيْك فَقَالَ أَصْحَابُهُ عليه الصلاة والسلام نَقْتُلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ فَلَمْ يَنْتَقِضْ عليه السلام عَهْدَهُ وَلَمْ يَقْتُلْهُ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِ وَعَلَى مَالِكٍ فِي وُجُوبِ الْقَتْلِ بِسَبِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلِأَنَّ السَّبَّ كُفْرٌ مِنْهُ فَالْكُفْرُ الْمُقَارِنُ لَا يَمْنَعُ الْعَهْدَ فَكَذَا الطَّارِئُ لَا يَرْفَعُهُ وَهَذَا لِأَنَّ مَا يَنْتَهِي بِهِ الْقِتَالُ الْتِزَامُ الْجِزْيَةِ وَقَبُولُهَا لَا أَدَاؤُهَا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
لَا إعْزَازٌ لِأَنَّ إذْلَالَهُمْ وَاجِبٌ بِغَيْرِ أَذًى مِنْ ضَرْبٍ أَوْ صَفْعٍ بِلَا سَبَبٍ يَكُونُ مِنْهُ بَلْ الْمُرَادُ اتِّصَافُهُ بِهَيْئَةٍ وَضِيعَةٍ وَكَذَا لَوْ أُمِرُوا بِالْكُسْتِيجَاتِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ {سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ} [الزخرف: 33] تَنْبِيهًا عَلَى خِسَّةِ الدُّنْيَا عِنْدَ اللَّهِ عز وجل. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَيُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ وَيَجُوزُ أَنْ يَمُوتَ الذِّمِّيُّ فَجْأَةً فِي الطَّرِيقِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ عَلَامَةٌ يُصْنَعُ بِهِ مَا يُصْنَعُ بِمَوْتَى الْمُسْلِمِينَ وَالِاحْتِرَازُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ وَاجِبٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ لُبْسِ زَنَانِيرِ الْإِبْرَيْسَمِ) قَالَ الْكَمَالُ وَإِذَا مُنِعُوا مِنْ شَدِّ زُنَّارٍ وَهُوَ حَاشِيَةٌ رَقِيقَةٌ مِنْ الْإِبْرَيْسَمِ فَمَنْعُهُمْ مِنْ لِبَاسِ الثِّيَابِ الْفَاخِرَةِ الَّتِي تُعَدُّ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ فَاخِرَةً سَوَاءٌ كَانَتْ حَرِيرًا أَوْ غَيْرَهُ كَالصُّوفِ الْمُرَبَّعِ وَالْجُوخِ الرَّفِيعِ وَالْأَبْرَادِ الرَّفِيعَةِ أَوْلَى وَلَا شَكَّ فِي وُقُوعِ هَذَا فِي هَذِهِ الدِّيَارِ وَلَا شَكَّ فِي مَنْعِ اسْتِكْتَابِهِمْ وَإِدْخَالِهِمْ فِي الْمُبَاشَرَةِ الَّتِي يَكُونُ بِهَا مُعَظَّمًا عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ بَلْ رُبَّمَا يَقِفُ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ خِدْمَةً لَهُ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَتَغَيَّرَ خَاطِرُهُ مِنْهُ فَيَسْعَى بِهِ عِنْدَ مُسْتَكْتِبِهِ سِعَايَةً تُوجِبُ لَهُ مِنْهُ الضَّرَرَ وَكَذَا يُؤْخَذُونَ بِالرُّكُوبِ عَلَى سُرُوجٍ فَوْقَ الْحُمُرِ كَهَيْئَةِ الْإِكَافِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ وَلَا يَرْكَبُونَ الْخَيْلَ بَلْ اخْتَارَ الْمُتَأَخِّرُونَ أَنْ لَا يَرْكَبُوا أَصْلًا إلَّا إذَا أُخْرِجُوا إلَى أَرْضِ قَرْيَةٍ وَنَحْوِهَا أَوْ كَانَ مَرِيضًا أَيْ إلَّا أَنْ تَلْزَمَ الضَّرُورَةُ فَيَرْكَبُ ثُمَّ يَنْزِلُ فِي مَجَامِعِ الْمُسْلِمِينَ إذَا مَرَّ بِهِمْ وَلَا يَحْمِلُونَ السِّلَاحَ وَتُضَيَّقُ عَلَيْهِمْ الطَّرِيقُ وَلَا يُبْدَأُ بِالسَّلَامِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَعَلَيْكُمْ فَقَطْ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ زَنَانِيرَ مَا نَصُّهُ الزُّنَّارُ لِلنَّصَارَى وِزَانُ تُفَّاحٍ وَالْجَمْعُ زَنَانِيرُ. اهـ. مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْخَيْطُ الْغَلِيظُ) أَيْ فِي غِلَظِ الْأُصْبُعِ مِنْ الصُّوفِ يَشُدُّهُ فَوْقَ ثِيَابِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ كَيْ لَا يَقِفَ عَلَيْهَا السَّائِلُ فَيَدْعُوَ لَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ) أَيْ أَوْ يُعَامِلَهُمْ بِالتَّضَرُّعِ كَمَا يَتَضَرَّعُ لِلْمُسْلِمِينَ وَتُجْعَلُ مَكَاعِبُهُمْ خَشِنَةً فَاسِدَةَ اللَّوْنِ. اهـ. فَتْحٌ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ إلَخْ) ذَكَرَ الشَّارِحُ رحمه الله فِي بَابِ الْبُغَاةِ أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ إذَا أَعَانُوا أَهْلَ الْبَغْيِ عَلَى الْقِتَالِ حُكْمُهُمْ حُكْمُ أَهْلِ الْبَغْيِ حَتَّى لَا يَجُوزَ اسْتِرْقَاقُهُمْ وَلَا أَخْذُ أَمْوَالِهِمْ لِأَنَّ عَهْدَهُمْ لَا يُنْتَقَضُ بِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَنْقُضُ الْإِيمَانُ) يَعْنِي عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْلِمًا كَانَ سَبُّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَنْقُضُ إيمَانَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِ وَعَلَى مَالِكٍ فِي وُجُوبِ الْقَتْلِ بِسَبِّ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام) أَيْ إنْ لَمْ يُسْلِمْ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ أَوْ قَتَلَ مُسْلِمًا أَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ أَوْ سَبَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُ قَالَ الْكَمَالُ فَيَصِيرُ مُبَاحَ الدَّمِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَا عَهْدَ لَهُ عِنْدَنَا وَقَيَّدَ بِأَدَائِهَا لِأَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ مِنْ قَبُولِهَا نُقِضَ عَهْدُهُ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ سَبَّهُ عليه الصلاة والسلام أَوْ نِسْبَةُ مَا لَا يَنْبَغِي إلَى اللَّهِ تَعَالَى إنْ كَانَ مِمَّا لَا يَعْتَقِدُونَهُ كَنِسْبَةِ الْوَلَدِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ عَنْ ذَلِكَ إذَا أَظْهَرَهُ يُقْتَلُ بِهِ وَيُنْتَقَضُ عَهْدُهُ وَإِنْ لَمْ يُظْهِرْهُ وَلَكِنْ عُثِرَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَكْتُمُهُ فَلَا وَهَذَا لِأَنَّ دَفْعَ الْقَتْلِ وَالْقِتَالِ عَنْهُمْ بِقَبُولِ الْجِزْيَةِ الَّذِي هُوَ الْمُرَادُ بِالْإِعْطَاءِ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِهِمْ صَاغِرِينَ أَذِلَّاءَ بِالنَّصِّ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُرَادَ اسْتِمْرَارُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ عِنْدَ مُجَرَّدِ الْقَبُولِ وَإِظْهَارِ ذَلِكَ مِنْهُ يُنَافِي قَيْدَ كَوْنِ قَبُولِ الْجِزْيَةِ رَافِعًا لِقَتْلِهِ لِأَنَّهُ الْغَايَةُ فِي التَّمَرُّدِ وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ وَالِاسْتِخْفَافِ بِالْمُسْلِمِينَ وَالْإِسْلَامِ فَلَا يَكُونُ جَارِيًا عَلَى الْعَقْدِ الَّذِي يَدْفَعُ عَنْهُ الْقَتْلَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ صَاغِرًا ذَلِيلًا وَهَذَا الْبَحْثُ مِنَّا يُوجِبُ أَنَّهُ إذَا اسْتَعْلَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهٍ صَارَ مُسْتَمِرًّا عَلَيْهِ حَلَّ لِلْإِمَامِ قَتْلُهُ أَوْ يَرْجِعُ إلَى الذُّلِّ وَالصَّغَارِ اهـ قَالُوا إذَا طَعَنَ الذِّمِّيُّ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ طَعْنًا ظَاهِرًا جَازَ قَتْلَهُ لِأَنَّ الْعَهْدَ مَعْقُودٌ مَعَهُ عَلَى أَنْ لَا يَطْعَنَ فَإِذَا طَعَنَ فَقَدْ نَكَثَ عَهْدَهُ وَخَرَجَ مِنْ الذِّمَّةِ ذَكَرَهُ حَافِظُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ} [التوبة: 12]. اهـ.
وَهُوَ بَاقٍ فَلَا يُنْتَقَضُ
قَالَ رحمه الله (بَلْ بِالِالْتِحَاقِ ثَمَّةَ أَوْ بِالْغَلَبَةِ عَلَى مَوْضِعٍ لِلْحِرَابِ) أَيْ بَلْ يُنْتَقَضُ الْعَهْدُ بِالِالْتِحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ بِالْغَلَبَةِ عَلَى مَوْضِعٍ لِلْحِرَابِ لِأَنَّهُمْ صَارُوا بِذَلِكَ حَرْبًا عَلَيْنَا فَلَا يُفِيدُ بَقَاءُ الْعَهْدِ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ عَقْدِ الذِّمَّةِ دَفْعُ الْفَسَادِ بِتَرْكِ الْقِتَالِ قَالَ رحمه الله (وَصَارُوا كَالْمُرْتَدِّ) أَيْ وَصَارُوا بِالْتِحَاقِهِمْ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ بِالْغَلَبَةِ صَارُوا كَالْمُرْتَدِّ فِي حِلِّ قَتْلِهِمْ وَدَفْعِ مَالِهِمْ لِوَرَثَتِهِمْ لِأَنَّهُمْ الْتَحَقُوا بِالْأَمْوَاتِ بِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ غَيْرَ أَنَّهُمْ يُسْتَرَقُّونَ وَلَا يُجْبَرُونَ عَلَى قَبُولِ الذِّمَّةِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ حَيْثُ لَا يُسْتَرَقُّ وَيُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ لِأَنَّ كُفْرَ الْمُرْتَدِّ أَغْلَظُ فَأَوْجَبَ الزِّيَادَةَ فِي الْعُقُوبَةِ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فَبِاسْتِرْقَاقِ الذِّمِّيِّ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ وَهُوَ دَفْعُ فَسَادِهِ وَحِرَابِهِ بِذَلِكَ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْإِسْلَامُ فَلَا يَحْصُلُ بِاسْتِرْقَاقِهِ فَصَارَ كَمُشْرِكِي الْعَرَبِ وَالْمَالُ الَّذِي لَحِقَ بِهِ دَارَ الْحَرْبِ يَكُونُ فَيْئًا وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَأْخُذُوهُ كَالْمُرْتَدِّ بِخِلَافِ مَا إذَا رَجَعَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ مَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَأَخَذَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ وَلَحِقَ بِهِ دَارَ الْحَرْبِ حَيْثُ يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَأْخُذُوهُ لِأَنَّهُ حِينَ الْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مَلَكُوهُ فَلِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ مَجَّانًا أَوْ بِعِوَضٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَقَوْلُهُ بَلْ بِالِالْتِحَاقِ ثَمَّةَ إلَخْ يُفِيدُ اخْتِصَاصَ مَا يُنْتَقَضُ بِهِ الْعَهْدُ حَتَّى لَوْ قَالَ نَقَضْت بِالْقَوْلِ لَا يُنْتَقَضُ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ
قَالَ رحمه الله (وَيُؤْخَذُ مِنْ تَغْلِبِيٍّ وَتَغْلَبِيَّةٍ) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ (ضِعْفُ زَكَاتِنَا) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يُؤْخَذُ مِنْ نِسَائِهِمْ لِأَنَّهُ جِزْيَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى مَا قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه هَذِهِ جِزْيَةٌ فَسَمُّوهَا مَا شِئْتُمْ وَلِهَذَا تُصْرَفُ مَصَارِفُ الْجِزْيَةِ وَلَا جِزْيَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَمَا لَا جِزْيَةَ عَلَى الصِّبْيَانِ وَلَنَا أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه صَالَحَهُمْ عَلَى ضِعْفِ الزَّكَاةِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَالزَّكَاةُ تَجِبُ عَلَى النِّسَاءِ دُونَ الصِّبْيَانِ فَكَذَا ضِعْفُهَا وَالنِّسَاءُ أَهْلٌ لِوُجُوبِ الْمَالِ بِالصُّلْحِ وَالْمَصْرِفُ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ مَالُ بَيْتِ الْمَالِ وَذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِالْجِزْيَةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ صَرْفِهِ فِيهِ أَنْ يَكُونَ جِزْيَةً وَكَيْفَ يَكُونُ جِزْيَةً وَشَرَائِطُهُ مِنْ وَصْفِ الصَّغَارِ وَعَدَمِ قَبُولِهِ مِنْ النَّائِبِ وَالْإِعْطَاءِ قَائِمًا وَالْقَابِضُ قَاعِدٌ وَأَخْذِ التَّلْبِيبِ وَالْهَزِّ لَا يُرَاعَى فِيهِ
قَالَ رحمه الله (وَمَوْلَاهُ كَمَوْلَى الْقُرَشِيِّ) أَيْ فِي حَقِّ عَدَمِ التَّبَعِيَّةِ لِلْمَوْلَى فَإِنَّهُمَا لَا يَتْبَعَانِ مَوْلَاهُمَا فِي الْجِزْيَةِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ أَوْ بِالْغَلَبَةِ عَلَى مَوْضِعٍ) أَيْ أَوْ قَرْيَةٍ أَوْ حِصْنٍ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَصَارُوا كَالْمُرْتَدِّ) أَيْ فِي الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ بِاللَّحَاقِ لِأَنَّهُ الْتَحَقَ بِالْأَمْوَاتِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ) قَالَ الْكَمَالُ وَإِذَا تَابَ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَتَعُودُ ذِمَّتُهُ وَلَا يَبْطُلُ أَمَانُ ذُرِّيَّتِهِ بِنَقْضِ عَهْدِهِ وَتَبِينُ مِنْهُ زَوْجَتُهُ الذِّمِّيَّةُ الَّتِي خَلَفَهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إجْمَاعًا وَيُقْسَمُ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا إذَا الْتَحَقَتْ هِيَ مَعَهُ بِدَارِهِمْ ثُمَّ عَادَ إلَى دَارِنَا فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا لِعَدَمِ تَبَايُنِ الدَّارَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَأْخُذُوهُ كَالْمُرْتَدِّ) أَيْ إذَا حَمَلَ مَالَهُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ مَجَّانًا) أَيْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ اهـ (قَوْلُهُ أَوْ بِعِوَضٍ) أَيْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُمْ حِينَ أَخْذِهِ. اهـ. فَتْحٌ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُؤْخَذُ مِنْ تَغْلِبِيٍّ وَتَغْلَبِيَّةٍ إلَخْ) وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا ذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ بِإِسْنَادِهِ إلَى دَاوُد بْنِ كَرْدُوسٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ التَّغْلِبِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ بَنِي تَغْلِبَ مَنْ قَدْ عَلِمْت شَوْكَتَهُمْ وَإِنَّهُمْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ فَإِنْ ظَاهَرُوا عَلَيْك الْعَدُوَّ اشْتَدَّتْ مُؤْنَتُهُمْ فَإِنْ رَأَيْت أَنْ تُعْطِيَهُمْ شَيْئًا فَافْعَلْ قَالَ فَصَالَحَ عُمَرُ عَلَى أَنْ لَا يَغْمِسُوا أَحَدًا مِنْ أَوْلَادِهِمْ فِي النَّصْرَانِيَّةِ وَتُضَاعَفُ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ وَعَلَى أَنْ تَسْقُطَ الْجِزْيَةُ عَنْ رُءُوسِهِمْ فَكُلُّ نَصْرَانِيٍّ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ لَهُ غَنَمٌ سَائِمَةٌ فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ فَإِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ سَائِمَةً فَفِيهَا شَاتَانِ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَإِذَا زَادَتْ شَاةٌ فَفِيهَا أَرْبَعٌ مِنْ الْغَنَمِ وَعَلَى هَذَا الْحِسَابِ تُؤْخَذُ صَدَقَاتُهُمْ وَكَذَلِكَ الْبَقَرُ وَالْإِبِلُ إذَا وَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِ شَيْءٌ فِي ذَلِكَ فَعَلَى النَّصْرَانِيِّ التَّغْلِبِيِّ مِثْلُهُ مَرَّتَيْنِ وَنِسَاؤُهُمْ كَرِجَالِهِمْ فِي الصَّدَقَةِ وَأَمَّا الصِّبْيَانُ فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ وَكَذَلِكَ أَرْضُهُمْ الَّتِي كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمْ يَوْمَ صُولِحُوا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ الضِّعْفُ مِمَّا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَأَمَّا الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ فَأَهْلُ الْعِرَاقِ يَرَوْنَ أَنْ يُؤْخَذَ ضِعْفُ الصَّدَقَةِ مِنْ أَرْضِهِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ مَاشِيَتِهِ وَأَهْلُ الْحِجَازِ يَقُولُونَ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ مَاشِيَتِهِ وَسَبِيلُ ذَلِكَ سَبِيلُ الْخَرَاجِ لِأَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ الْجِزْيَةِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ فِي بَقِيَّةِ أَمْوَالِهِمْ وَرَقِيقِهِمْ هَذَا لَفْظُ أَبِي يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
قَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ فِي بَقِيَّةِ أَمْوَالِهِمْ وَرَقِيقِهِمْ يُرِيدُ بِهِ إذَا لَمْ يَمُرُّوا عَلَى عَاشِرٍ أَمَّا إذَا مَرُّوا بِمَالٍ عَلَى الْعَاشِرِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمْ ضِعْفُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فِي بَابِ مَنْ مَرَّ عَلَى الْعَاشِرِ وَلَوْ مَرَّ الصَّبِيُّ أَوْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ بِمَالٍ فَلَيْسَ عَلَى الصَّبِيِّ شَيْءٌ وَعَلَى الْمَرْأَةِ مَا عَلَى الرَّجُلِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي السَّوَائِمِ اهـ وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أُفْرِدُ أَحْكَامُ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ بِفَصْلٍ لِأَنَّ حُكْمَهُمْ مُخَالِفٌ لِسَائِرِ النَّصَارَى وَتَغْلِبُ مِنْ بَنِي غَالِبٍ مِنْ الْعَرَبِ مِنْ رَبِيعَةَ تَنَصَّرُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ ثُمَّ زَمَنُ عُمَرَ دَعَاهُمْ عُمَرُ إلَى الْجِزْيَةِ فَأَبَوْا وَأَنِفُوا وَقَالُوا نَحْنُ عَرَبٌ خُذْ مِنَّا كَمَا يَأْخُذُ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ الصَّدَقَةَ فَقَالَ لَا آخُذُ مِنْ مُشْرِكٍ فَلَحِقَ بَعْضُهُمْ بِالرُّومِ فَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ زُرْعَةَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ الْقَوْمَ لَهُمْ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَهُمْ عَرَبٌ يَأْنَفُونَ مِنْ الْجِزْيَةِ فَلَا تُعِنْ عَلَيْك عَدُوَّك بِهِمْ وَخُذْ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ بِاسْمِ الصَّدَقَةِ فَبَعَثَ عُمَرُ رضي الله عنه فِي طَلَبِهِمْ وَضَعَّفَ عَلَيْهِمْ فَأَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ الْفُقَهَاءُ. اهـ. كَمَالٌ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَوْلَاهُ كَمَوْلَى الْقُرَشِيِّ) يَعْنِي لَا تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ وَالْخَرَاجُ مِنْ الْقُرَشِيِّ وَتُؤْخَذُ مِنْ مَوْلَاهُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا اهـ
وَالْخَرَاجِ حَتَّى يُوضَعَا عَلَيْهِمَا وَإِنْ كَانَ الْقُرَشِيُّ وَالتَّغْلِبِيُّ لَا يُوضَعَانِ عَلَيْهِمَا وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله يُضَاعَفُ عَلَى مَوْلَى التَّغْلِبِيِّ لِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِمَوْلَاهُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «فَإِنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» وَلِهَذَا حُرِّمَتْ الزَّكَاةُ عَلَى مَوْلَى الْهَاشِمِيِّ وَلَنَا أَنَّهُ لَوْ الْتَحَقَ بِالْمَوْلَى هُنَا كَانَ تَخْفِيفًا إذْ التَّضْعِيفُ أَخَفُّ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ وَصْفُ الصَّغَارِ وَالْمَوْلَى لَا يُلْحَقُ بِالْأَصْلِ فِي التَّخْفِيفِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْجِزْيَةَ تُوضَعُ عَلَى مَوْلَى الْمُسْلِمِ إذَا كَانَ كَافِرًا وَلَوْ لَحِقَهُ فِيهِ لَمَا وُضِعَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ لِأَنَّ الْحُرُمَاتِ تَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ فَأُلْحِقَ مَوْلَى الْهَاشِمِيِّ فِي حَقِّهَا بِالْهَاشِمِيِّ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا يُلْحَقَ الْمَوْلَى بِأَصْلِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ مَوْلَى الْمُسْلِمِ وَغَيْرِهِ وَلَكِنْ وَرَدَ الْحَدِيثُ فِي حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّ «أَبَا رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَتَحِلُّ لِي الصَّدَقَةُ قَالَ عليه الصلاة والسلام لَا، أَنْتَ مَوْلَانَا وَمَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» وَمَا وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لَا يُلْحَقُ بِهِ مَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ وَلَيْسَ هَذَا فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّهُ كَانَ لِإِظْهَارِ فَضِيلَةِ قَرَابَتِهِ عليه الصلاة والسلام وَفَضِيلَةِ مَنْ يَنْتَمِي إلَيْهِمْ أَلَا تَرَى أَنَّ مَوْلَى الْغَنِيِّ لَا يُلْحَقُ بِأَصْلِهِ فِي حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ إذْ لَا يُوَازِي الْهَاشِمِيَّ فِي اسْتِحْقَاقِ هَذِهِ الْكَرَامَةِ أَوْ لِأَنَّ الْغَنِيَّ أَهْلٌ لَأَنْ يَأْخُذَ الصَّدَقَةَ وَإِنَّمَا مَنَعَهُ مِنْهُ غِنَاهُ وَلَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الْمَوْلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى فَجَازَ لَهُ الْأَخْذُ
قَالَ رحمه الله (وَالْجِزْيَةُ وَالْخَرَاجُ وَمَالُ التَّغْلِبِيِّ وَهَدِيَّةُ أَهْلِ الْحَرْبِ وَمَا أَخَذْنَا مِنْهُمْ بِلَا قِتَالٍ يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِنَا كَسَدِّ الثُّغُورِ وَبِنَاءِ الْقَنَاطِرِ وَالْجُسُورِ وَكِفَايَةِ الْقُضَاةِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْمُقَاتِلَةِ وَذَرَارِيِّهِمْ) لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَيُصْرَفُ إلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَهَؤُلَاءِ عَمَلَةُ الْمُسْلِمِينَ قَدْ حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ تَقْوِيَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَلَوْ لَمْ يُعْطُوا لَاحْتَاجُوا إلَى الِاكْتِسَابِ وَتَعَطَّلَتْ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ وَنَفَقَةُ الذَّرَارِيِّ عَلَى الْآبَاءِ فَيُعْطُونَ كِفَايَتَهُمْ كَيْ لَا يَشْتَغِلُوا بِهَا عَنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا خُمُسَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يُخَمِّسْ الْجِزْيَةَ وَلِأَنَّهُ مَالٌ أُخِذَ بِقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ بِلَا قِتَالٍ بِخِلَافِ الْغَنِيمَةِ لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ بِالْقَهْرِ وَالْقِتَالِ فَشَرْعُ الْخُمُسِ فِيهَا لَا يَدُلُّ عَلَى شَرْعِهِ فِي الْآخِرِ وَمِنْ جُمْلَةِ هَذَا النَّوْعِ مَا يَأْخُذُهُ الْعَاشِرُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ إذَا مَرُّوا عَلَيْهِ وَمَالُ أَهْلُ نَجْرَانَ وَمَا صُولِحَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَرْبِ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ قَبْلَ نُزُولِ الْعَسْكَرِ بِسَاحَتِهِمْ كُلُّ ذَلِكَ يُصْرَفُ إلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ لِمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا يَجِيءُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ أَنْوَاعٌ أَرْبَعَةٌ أَحَدُهَا هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مَعَ مَصْرِفِهِ وَالثَّانِي الزَّكَاةُ وَالْعُشْرُ وَمَصْرِفُهَا مَا ذَكَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] الْآيَةَ وَهُمْ سَبْعَةُ أَصْنَافٍ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُمْ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَالثَّالِثُ خُمُسُ الْغَنَائِمِ وَالْمَعَادِنِ وَالرِّكَازِ وَمَصْرِفُهُ مَا ذَكَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] الْآيَةَ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُمْ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ السِّيَرِ وَالرَّابِعُ اللُّقَطَاتُ وَالتَّرِكَاتُ الَّتِي لَا وَارِثَ لَهَا وَدِيَاتُ مَقْتُولٍ لَا وَلِيَّ لَهُ وَمَصْرِفُهَا اللَّقِيطُ الْفَقِيرُ وَالْفُقَرَاءُ الَّذِينَ لَا أَوْلِيَاءَ لَهُمْ يُعْطُونَ مِنْهُ نَفَقَتَهُمْ وَأَدْوِيَتَهُمْ وَتُكَفَّنُ بِهِ مَوْتَاهُمْ وَتُعْقَلُ بِهِ جِنَايَتُهُمْ وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ بَيْتًا يَخُصُّهُ وَلَا يَخْلِطُ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ لِأَنَّ لِكُلِّ نَوْعٍ حُكْمًا يَخْتَصُّ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَعْضِهَا شَيْءٌ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَقْرِضَ عَلَيْهِ مِنْ النَّوْعِ الْآخَرِ وَيَصْرِفُهُ إلَى أَهْلِ ذَلِكَ ثُمَّ إذَا حَصَلَ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ شَيْءٌ رَدَّهُ فِي الْمُسْتَقْرَضِ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَصْرُوفُ مِنْ الصَّدَقَاتِ أَوْ مِنْ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ عَلَى أَهْلِ الْخَرَاجِ وَهُمْ فُقَرَاءُ فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّ فِيهِ شَيْئًا لِأَنَّهُمْ مُسْتَحِقُّونَ لِلصَّدَقَاتِ بِالْفَقْرِ وَكَذَا فِي غَيْرِهِ إذَا صَرَفَهُ إلَى الْمُسْتَحِقِّ وَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ تَعَالَى وَيَصْرِفَ إلَى كُلِّ مُسْتَحِقٍّ قَدْرَ حَاجَتِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فَإِنْ قَصَّرَ فِي ذَلِكَ كَانَ اللَّهُ عَلَيْهِ حَسِيبًا
قَالَ رحمه الله (وَمَنْ مَاتَ فِي نِصْفِ السَّنَةِ حُرِمَ عَنْ الْعَطَاءِ) يَعْنِي وَمَنْ مَاتَ مِمَّنْ يَقُومُ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَالْقُضَاةِ وَالْغُزَاةِ وَنَحْوِهِمْ لَا يَسْتَحِقُّ مِنْ الْعَطَاءِ شَيْئًا وَالْعَطَاءُ اسْمٌ لِمَا يُصْرَفُ إلَيْهِمْ لِأَنَّهُ صِلَةٌ فَلَا يُمْلَكُ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْمَرْأَةِ إذَا مَاتَتْ وَلَهَا نَفَقَةٌ مَفْرُوضَةٌ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ وَاسْمُ الْعَطَاءِ يُنْبِئُ عَنْ الصِّلَةِ وَإِنَّمَا قَالَ مَاتَ فِي نِصْفِ السَّنَةِ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ فِي آخِرِ السَّنَةِ يُسْتَحَبُّ صَرْفُهُ إلَى قَرِيبِهِ لِأَنَّهُ قَدْ أَوْفَى عَنَاءَهُ فَيُصْرَفُ إلَيْهِ لِيَكُونَ أَقْرَبَ إلَى الْوَفَاءِ وَلَوْ عَجَّلَ لَهُ كِفَايَةَ سَنَةٍ ثُمَّ عُزِلَ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ قِيلَ يَجِبُ رَدُّ مَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ وَقِيلَ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ يَرْجِعُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَرْجِعُ هُوَ يَعْتَبِرُهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى امْرَأَةٍ لِيَتَزَوَّجَهَا وَهُمَا يَعْتَبِرَانِهِ بِالْهِبَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْجِزْيَةَ تُوضَعُ عَلَى مَوْلَى الْمُسْلِمِ) يَعْنِي لَوْ كَانَ لِمُسْلِمٍ مَوْلًى نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ إنَّهُ وُضِعَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ وَلَمْ يَتَعَدَّ إلَيْهِ التَّخْفِيفُ الثَّابِتُ بِالْإِسْلَامِ فَلَأَنْ لَا يَتَعَدَّى إلَيْهِ التَّخْفِيفُ الثَّابِتُ بِوَصْفِ التَّغْلِبِيَّةِ أَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ) أَيْ عَلَى الْهَاشِمِيِّ لِأَنَّهُ لَيْسَ تَخْفِيفًا بَلْ تَحْرِيمٌ وَالْحُرُمَاتُ تَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لَا يُلْحَقُ بِأَصْلِهِ فِي حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ) أَيْ فِي الْجُمْلَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَامِلًا عَلَيْهَا أُعْطِيَ كِفَايَتَهُ مِنْهَا. اهـ. فَتْحٌ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ مَاتَ فِي نِصْفِ السَّنَةِ حُرِمَ عَنْ الْعَطَاءِ) أَيْ وَأَمَّا الْمُدَرِّسُ وَالْإِمَامُ وَالْمُؤَذِّنُ إذَا مَاتَ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ أَوْ عُزِلَ وَقَدْ بَاشَرَ مُدَّةً فَإِنَّهُ لَا يُحْرَمُ نَصَّ عَلَيْهِ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعْ الْوَسَائِلِ فِي مَسْأَلَةِ غَلَّةِ الْوَقْفِ وَبَسَطَ الْكَلَامَ هُنَاكَ فَلْيُرَاجَعْ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ عَجَّلَ لَهُ كِفَايَةَ سَنَةٍ ثُمَّ عُزِلَ) أَيْ أَوْ مَاتَ. اهـ.