الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَطَحَنَهَا فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِالْحِنْطَةِ وَإِنْ مَلَكَ الدَّقِيقَ لِمَا قُلْنَا يُحَقِّقُهُ أَنَّ ثُبُوتَ الْمِلْكِ لِلسَّارِقِ فِيهِ لِرُجْحَانِ الصَّبْغِ بِكَوْنِهِ مُتَقَوِّمًا دُونَ الثَّوْبِ وَعَدَمُ حُدُثِ الثَّوْبِ بَعْدَ الْقَطْعِ فَلَا يَكُونُ الْمِلْكُ بَاقِيًا قَبْلَهُ قَالَ رحمه الله (وَلَوْ أَسْوَدَ يَرُدُّ) أَيْ لَوْ صَبَغَ الثَّوْبَ أَسْوَدَ يَرُدُّ الثَّوْبَ عَلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا سَبِيلَ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ عَلَى الثَّوْبِ لِأَنَّ السَّوَادَ نُقْصَانٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَلَيْسَ بِزِيَادَةٍ وَبِنُقْصَانِ الْمَسْرُوقِ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ فَيَرُدُّ عَلَى الْمَالِكِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ السَّوَادُ زِيَادَةٌ لَكِنْ بِالزِّيَادَةِ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ بَلْ يَرُدُّ وَيَأْخُذُ مَا زَادَ الصَّبْغُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَنْقَطِعُ وَلَا يَأْخُذُ الزِّيَادَةَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْحُمْرَةِ وَكَذَا إذَا قَطَّعَ الثَّوْبَ وَخَاطَهُ لَا يُسْتَرَدُّ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ
(بَابُ قَطْعِ الطَّرِيقِ)
شَرَائِطُ قَطْعِ الطَّرِيقِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ثَلَاثَةٌ يَعْنِي مَا يَخْتَصُّ بِهِ دُونَ السَّرِقَةِ الصُّغْرَى ثَلَاثَةٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْمٍ لَهُمْ قُوَّةٌ وَشَوْكَةٌ تَنْقَطِعُ بِهِمْ الطَّرِيقُ، وَأَنْ لَا يَكُونَ فِي مِصْرٍ وَلَا فِيمَا بَيْنَ الْقُرَى وَلَا بَيْنَ مِصْرَيْنِ، وَأَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمِصْرِ مَسِيرَةُ سَفَرٍ لِأَنَّ قَطْعَ الطَّرِيقِ إنَّمَا يَكُونُ بِانْقِطَاعِ الْمَارَّةِ وَلَا يَنْقَطِعُونَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ عَنْ الطَّرِيقِ لِأَنَّهُمْ يَلْحَقُهُمْ الْغَوْثُ مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ وَالْمُسْلِمِينَ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ فَلَا يُتْرَكُ الْمُرُورُ وَالِاسْتِطْرَاقُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا فِي الْمِصْرِ لَيْلًا أَوْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِصْرِ أَقَلُّ مِنْ مَسِيرَةِ سَفَرٍ تَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى
لِمَصْلَحَةِ النَّاسِ
وَهِيَ دَفْعُ شَرِّ الْمُتَغَلِّبَةِ الْمُتَلَصِّصَةِ قَالَ رحمه الله (أَخَذَ قَاصِدُ قَطْعِ الطَّرِيقِ قَبْلَهُ حُبِسَ حَتَّى يَتُوبَ وَإِنْ أَخَذَ مَالًا مَعْصُومًا قَطَعَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ وَإِنْ قَتَلَ قُتِلَ حَدًّا وَإِنْ عَفَا الْوَلِيُّ وَإِنْ قَتَلَ وَأَخَذَ قُطِعَ وَقُتِلَ وَصُلِبَ أَوْ قُتِلَ أَوْ صُلِبَ) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33].
وَالْمُرَادُ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ التَّوْزِيعُ عَلَى الْأَحْوَالِ لِأَنَّ الْجِنَايَاتِ مُتَفَاوِتَةٌ وَالْحِكْمَةُ أَنْ يَتَفَاوَتَ جَزَاؤُهَا وَهُوَ الْأَلْيَقُ بِحِكْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا ذَكَرَ أَنْوَاعَ الْجَزَاءِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنْوَاعَ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ فَكَانَ بَيَانُ جَزَائِهَا أَهَمُّ وَهَذَا لِأَنَّ أَنْوَاعَ الْأَجْزِيَةِ ذُكِرَتْ عَلَى سَبِيلِ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنَايَةِ وَهِيَ الْمُحَارَبَةُ وَهِيَ مَعْلُومَةٌ بِأَنْوَاعِهَا فَاكْتَفَى بِإِطْلَاقِهَا وَبَيَّنَ أَنْوَاعَ الْجَزَاءِ فَوَجَبَ التَّقْسِيمُ عَلَى حَسَبِ أَحْوَالِ الْجِنَايَةِ إذْ لَيْسَ مِنْ الْحِكْمَةِ أَنْ يُسَوِّيَ فِي الْعُقُوبَةِ مَعَ التَّفَاوُتِ فِي الْجِنَايَةِ كَيْفَ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ جِبْرِيلَ عليه الصلاة والسلام نَزَلَ بِهَذَا التَّقْسِيمِ فِي أَصْحَابِ أَبِي بُرْدَةَ وَقَالَ مَالِكٌ رحمه الله الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ أَيَّ شَيْءٍ شَاءَ مِنْ هَذِهِ الْأَجْزِيَةِ فَعَلَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْجِنَايَةِ لِأَنَّ كَلِمَةَ أَوْ تَقْتَضِي ذَلِكَ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَجَوَابُهُ أَنَّهَا مُقَابَلَةٌ بِالْجِنَايَاتِ فَاقْتَضَتْ الِانْقِسَامَ فَتَقْدِيرُهُ أَنْ يُحَدُّونَ إنْ قَتَلُوا أَوْ يُحَدُّونَ إنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ أَوْ تُقَطَّعَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
[ بَابُ قَطْعِ الطَّرِيقِ]
ِ) أَخَّرَهُ عَنْ السَّرِقَةِ وَأَحْكَامِهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ سَرِقَةً مُطْلَقًا وَلِذَا لَا يَتَبَادَرُ هُوَ أَوْ مَا يَدْخُلُ هُوَ فِيهِ مِنْ إطْلَاقِ لَفْظِ السَّرِقَةِ بَلْ إنَّمَا يَتَبَادَرُ الْأَخْذُ خُفْيَةً عَنْ النَّاسِ وَلَكِنْ أَطْلَقَ عَلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ اسْمَ السَّرِقَةِ مَجَازًا لِضَرْبٍ مِنْ الْإِخْفَاءِ وَهُوَ الْإِخْفَاءُ عَنْ الْإِمَامِ وَمَنْ نَصَبَهُ الْإِمَامُ لِحِفْظِ الطَّرِيقِ مِنْ الْكَشَّافِ وَأَرْبَابِ الْإِدْرَاكِ فَكَانَ سَرِقَةً مَجَازًا وَلِذَا لَا تُطْلَقُ السَّرِقَةُ عَلَيْهِ إلَّا مُقَيَّدَةً فَيُقَالُ السَّرِقَةُ الْكُبْرَى وَلَوْ قِيلَ السَّرِقَةُ فَقَطْ لَمْ يُفْهَمْ أَصْلًا وَلُزُومُ التَّقْيِيدِ مِنْ عَلَامَاتِ الْمَجَازِ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّ قَطْعَ الطَّرِيقِ يُسَمَّى سَرِقَةً كُبْرَى أَمَّا كَوْنُهُ سَرِقَةً فَبِاعْتِبَارِ أَنَّ قَاطِعَ الطَّرِيقِ يَأْخُذُ الْمَالَ خُفْيَةً عَنْ عَيْنِ الْإِمَامِ الَّذِي عَلَيْهِ حِفْظُ الطَّرِيقِ وَالْمَارَّةِ لِشَوْكَتِهِ وَمَنَعَتِهِ وَأَمَّا كَوْنُهُ كُبْرَى فَلِأَنَّ ضَرَرَهُ يَعُمُّ عَامَّةَ الْمُسْلِمِينَ حَيْثُ يَقْطَعُ عَلَيْهِمْ الطَّرِيقَ بِزَوَالِ الْأَمْنِ بِخِلَافِ السَّرِقَةِ الصُّغْرَى فَإِنَّ ضَرَرَهَا خَاصٌّ بِالْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَلِأَنَّ مُوجِبَ قَطْعِ الطَّرِيقِ أَغْلَظُ مِنْ حَيْثُ قَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مِنْ خِلَافٍ وَمِنْ حَيْثُ الْقَتْلِ وَالصَّلْبِ وَلَيْسَ فِي السَّرِقَةِ الصُّغْرَى مِثْلُ ذَلِكَ ثُمَّ تُقَدَّمُ السَّرِقَةُ الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى لِأَنَّ الصُّغْرَى أَكْثَرُ وُقُوعًا وَلِأَنَّ التَّرَقِّي مِنْ الْقَلِيلِ إلَى الْكَثِيرِ أَوْ لِأَنَّ قَطْعَ الطَّرِيقِ فِيمَنْ يُبَاشِرُ عَارِضًا بِالسَّفَرِ وَذَكَرَ الْعَارِضَ بَعْدَ ذِكْرِ الْأَصْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ حُبِسَ حَتَّى يَتُوبَ) أَيْ بَعْدَ مَا يُعَزَّرُ. اهـ. كَافِي.
(قَوْلُهُ وَإِنْ قَتَلَ وَأَخَذَ قُطِعَ) قَالَ فِي الْكَافِي وَإِنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ إنْ شَاءَ الْإِمَامُ قَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ قَتَلَهُمْ وَصَلَبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ وَإِنْ شَاءَ صَلَبَهُمْ اهـ قَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ صَلَبَهُمْ أَيْ أَحْيَاءً ثُمَّ قَتَلَهُمْ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ أَوْ قَتَلَ أَوْ صَلَبَ) اعْلَمْ أَنَّ الْقُطَّاعَ إذَا قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ فَالْإِمَامُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ ذَكَرَهَا فِي الْمَتْنِ وَزَادَ الشَّارِحُ رحمه الله عَلَيْهَا ثَلَاثَةَ أُمُورٍ سَتَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الشَّارِحِ رحمه الله وَالْحَالَةُ الرَّابِعَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ} [المائدة: 33] أَيْ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ وَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يُحَارِبُ اللَّهَ وَلِأَنَّ الْمُسَافِرَ فِي الْبَرَارِي فِي أَمَانِ اللَّهِ وَحِفْظِهِ مُتَوَكِّلًا عَلَيْهِ فَالْمُعْتَرِضُ لَهُ كَأَنَّهُ مُحَارِبٌ لِلَّهِ تَعَالَى اهـ دِرَايَةٌ قَالَ الْكَمَالُ أَيْ يُحَارِبُونَ عِبَادَ اللَّهِ وَهُوَ أَحْسَنُ مِمَّنْ يُقَدِّرُ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ يَثْبُتُ بِالْقَطْعِ عَلَى الْكَافِرِ وَالذِّمِّيِّ اهـ (قَوْلُهُ التَّوْزِيعُ) أَيْ تَوْزِيعُ الْأَجْزِيَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى أَنْوَاعِ قَطْعِ الطَّرِيقِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ عَلَى الْأَحْوَالِ) كَأَنَّهُ قَالَ أَنْ يُقَتَّلُوا إنْ قَتَلُوا إلَخْ لَا التَّخْيِيرُ كَمَا قَالَ مَالِكٌ مُتَشَبِّثًا بِظَاهِرِ أَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ أَخَذَ الْمَالَ قُطِعَ وَمَنْ قَتَلَ قُتِلَ وَمَنْ أَخَذَ الْمَالَ وَقَتَلَ صُلِبَ» . اهـ. كَافِي.
(قَوْلُهُ وَهِيَ مَعْلُومَةٌ بِأَنْوَاعِهَا) أَيْ عَادَةً بِتَخْوِيفٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ أَوْ قَتْلٍ وَأَخْذِ مَالٍ. اهـ. كَافِي
أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ إنْ أَخَذُوا الْمَالَ أَوْ يُنْفَوْا إنْ أَخَافُوا بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَإِنَّهَا مُقَابَلَةٌ بِجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الْحِنْثُ فَكَانَتْ لِلتَّخْيِيرِ وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَى مَا قُلْنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ إذَا قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ قُتِلُوا وَصُلِبُوا وَإِذَا قَتَلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا الْمَالَ قُتِلُوا وَلَمْ يُصْلَبُوا وَإِذَا أَخَذُوا الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلُوا قُطِّعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ وَإِذَا أَخَافُوا السَّبِيلَ وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا نُفُوا مِنْ الْأَرْضِ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَحَكَاهُ فِي الْمُنْتَقَى.
ثُمَّ هَذِهِ الْأَحْوَالُ أَرْبَعَةٌ الْأُولَى أَنْ يُؤْخَذَ قَبْلَ أَنْ يَقْتُلَ نَفْسًا وَلَا يَأْخُذَ مَالًا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أُخِذَ قَاصِدُ قَطْعِ الطَّرِيقِ قَبْلَهُ وَهَذِهِ الْهَاءُ تَرْجِعُ إلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يَتُوبَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْمُرَادُ مِنْ النَّفْيِ الطَّلَبُ لِيَهْرُبُوا مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ وَهَذَا لَيْسَ بِسَدِيدٍ لِأَنَّ دَفْعَ أَذَاهُ لَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُفْسِدُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَإِنْ أُخْرِجَ بِالتَّتَبُّعِ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ فَفِيهِ تَعْرِيضُهُ عَلَى الرِّدَّةِ وَلَمْ يَعْهَدْنَا الشَّارِعُ ذَلِكَ فَتَعَيَّنَ الْحَبْسُ لِأَنَّا عَهِدْنَاهُ عُقُوبَةً فِي الشَّرْعِ وَفِيهِ نَفْيُهُ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ وَهُوَ أَبْلَغُ وُجُوهِ النَّفْيِ قَالَ الْقَائِلُ
خَرَجْنَا مِنْ الدُّنْيَا وَنَحْنُ مِنْ أَهْلِهَا
…
فَلَسْنَا مِنْ الْأَمْوَاتِ فِيهَا وَلَا الْأَحْيَاءِ
إذَا جَاءَنَا السَّجَّانُ يَوْمَ الْحَاجَةِ
…
عَجِبْنَا وَقُلْنَا جَاءَ هَذَا مِنْ الدُّنْيَا
فَكَانَ أَدْفَعَ لِشَرِّهِ وَأَشَدَّ عُقُوبَةً عَلَى ارْتِكَابِهِ الْمُنْكَرَ وَهُوَ الْإِخَافَةُ
وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يُؤْخَذَ بَعْدَ مَا أَخَذَ الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلْ النَّفْسَ وَأَصَابَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصَابًا فَإِنَّهُ تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى إذَا كَانَ الْمَالُ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لَا مُسْتَأْمِنٍ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ أَخَذَ مَالًا مَعْصُومًا قَطَعَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ لِمَا تَلُونَا وَلِأَنَّ جَانِيَتَهُ أَفْحَشُ مِنْ السَّرِقَةِ الصُّغْرَى فَكَانَتْ عُقُوبَتُهُ أَغْلَظَ بِقَطْعِ الثِّنْتَيْنِ وَكَانَ مِنْ خِلَافٍ لِئَلَّا يَفُوتَ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةً أَوْ شَلَّاءَ أَوْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى كَذَلِكَ لَا يُقْطَعُ لِمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ قِيلَ لَمَّا تَضَاعَفَ قَطْعُهُ يَنْبَغِي أَنْ يَتَضَاعَفَ نِصَابُهُ فَيَكُونُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا قُلْنَا تُغَلَّظُ الْعُقُوبَةُ هُنَا بِتَغَلُّظِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ ثُمَّ هَذِهِ الْأَحْوَالُ أَرْبَعَةٌ) أَيْ وَإِلَّا جِزْيَةٌ كَذَلِكَ. اهـ. كَافِي قَالَ الْكَمَالُ فَأَحْوَالُهُمْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْجَزَاءِ الشَّرْعِيِّ أَرْبَعَةٌ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ خَمْسَةٌ اهـ وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ وَالْأَحْوَالُ خَمْسٌ: تَخْوِيفٌ لَا غَيْرُ وَهُنَا عُزِّرُوا أَدْنَى التَّعْزِيرِ وَحُبِسُوا حَتَّى يَتُوبُوا، وَالثَّانِيَةُ أَخْذُ الْمَالِ فَهُنَا إذَا تَابُوا قَبْلَ الْأَخْذِ سَقَطَ الْحَدُّ وَضَمِنُوا الْمَالَ قَائِمًا وَهَالِكًا وَلَوْ أُخِذُوا قَبْلَ التَّوْبَةِ قُطِعَتْ أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ وَرَدُّوا الْمَالَ الْقَائِمَ وَلَمْ يَضْمَنُوا الْهَالِكَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَالثَّالِثَةُ جَرَحُوا لَا غَيْرُ وَفِيهِ الْقِصَاصُ فِيمَا يَجْرِي فِيهِ الْقِصَاصُ وَالْأَرْشُ فِيمَا لَا يَجْرِي وَالِاسْتِيفَاءُ إلَى صَاحِبِ الْحَقِّ، وَالرَّابِعَةُ أَخَذُوا الْمَالَ وَجَرَحُوا تُقْطَعُ مِنْ خِلَافٍ وَبَطَلَ حُكْمُ الْجِرَاحَاتِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ حُكْمَ مَا دُونَ النَّفْسِ حُكْمُ الْمَالِ فَسَقَطَ الضَّمَانُ، وَالْخَامِسَةُ أُخِذُوا وَقَتَلُوا أَوْ قَتَلَ أَحَدُهُمْ رَجُلًا بِسِلَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ فَالْإِمَامُ هُنَا مُخَيَّرٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَتْنِ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ الْأُولَى أَنْ يُؤْخَذَ قَبْلَ أَنْ يَقْتُلَ نَفْسًا وَلَا يَأْخُذَ مَالًا) بَلْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ سِوَى مُجَرَّدِ إخَافَةِ الطَّرِيقِ إلَى أَنْ أُخِذُوا فَحُكْمُهُمْ أَنْ يُعَزَّرُوا وَيُحْبَسُوا إلَى أَنْ تَظْهَرَ تَوْبَتُهُمْ فِي الْحَبْسِ أَوْ يَمُوتُوا. اهـ. كَمَالٌ.
(قَوْلُهُ وَهَذِهِ الْهَاءُ تَرْجِعُ إلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ) أَيْ الْهَاءُ عَائِدَةٌ إلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ أَيْ أُخِذَ قَبْلَ أَخْذِ الْمَالِ وَقَتْلِ النَّفْسِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يَتُوبَ) أَيْ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالنَّفْيِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ فِي الْكَافِي إذَا خَرَجَ جَمَاعَةٌ مُمْتَنِعُونَ أَوْ وَاحِدٌ يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ فَقَصَدُوا قَطْعَ الطَّرِيقِ فَأُخِذُوا قَبْلَ أَنْ يَأْخُذُوا مَالًا وَيَقْتُلُوا نَفْسًا حَبَسَهُمْ الْإِمَامُ حَتَّى يَتُوبُوا بَعْدَ مَا يُعَزَّرُونَ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْيِ الْمَنْصُوصِ الْحَبْسُ فِي حَقِّ مَنْ خَوَّفَ النَّاسَ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا وَلَمْ يَقْتُلْ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ نَفْيُهُ عَنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ وَذَا لَا يَتَحَقَّقُ مَا دَامَ حَيًّا أَوْ عَنْ بَلَدِهِ إلَى بَلَدٍ أُخْرَى وَبِهِ لَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ وَهُوَ دَفْعُ أَذَاهُ عَنْ النَّاسِ أَوْ عَنْ دَارِ الْإِسْلَامِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَفِيهِ تَعْرِيضُهُ عَلَى الرِّدَّةِ فَدَلَّ أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُهُ عَنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ بِدَفْعِ شَرِّهِ عَنْ أَهْلِهَا إلَّا مَوْضِعَ حَبْسِهِ إذَا الْمَحْبُوسُ يُسَمَّى خَارِجًا مِنْ الدُّنْيَا اهـ وَإِنَّمَا يُعَزَّرُونَ لِارْتِكَابِهِمْ مُنْكَرًا لِتَخْوِيفِ وَشَرْطٌ أَنْ تَكُونَ الْجَمَاعَةُ ذَاتَ مَنَعَةٍ لِأَنَّ قُطَّاعَ الطَّرِيقِ مُحَارَبُونَ بِالنَّصِّ وَالْمُحَارَبَةُ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ مِمَّنْ لَهُ مَنَعَةٌ وَشَوْكَةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ قَالَ الْقَائِلُ) أَيْ وَهُوَ صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَسْنَا مِنْ الْأَحْيَاءِ فِيهَا وَلَا الْمَوْتَى) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ فَلَسْنَا مِنْ الْأَحْيَاءِ وَلَا الْمَوْتَى وَكَذَا فِي الْكَافِي وَفِي بَعْضِ نُسَخِ هَذَا الشَّرْحِ فَلَسْنَا مِنْ الْأَمْوَاتِ فِيهَا وَلَا الْأَحْيَاءِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِخَطِّ الْمُصَنِّفِ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَأَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصَابًا) أَيْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ مَا قِيمَتُهُ الْعَشَرَةُ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عِشْرُونَ لِأَنَّهُ يُقْطَعُ مِنْ قَاطِعِ الطَّرِيقِ طَرَفَانِ فَيُشْتَرَطُ نِصَابَانِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ رحمه الله (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى) أَيْ لِئَلَّا يَفُوتَ جِنْسَ الْمَنْفَعَةِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ لَا مُسْتَأْمِنٍ) أَيْ فَلَوْ قَطَعُوا الطَّرِيقَ عَلَى مُسْتَأْمِنٍ لَا يَلْزَمُهُمْ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا إلَّا التَّعْزِيرُ وَالْحَبْسُ بِاعْتِبَارِ إخَافَةِ الطَّرِيقِ وَإِخْفَارِ ذِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ مَالَهُ غَيْرُ مَعْصُومٍ عَلَى التَّأْبِيدِ. اهـ. كَمَالٌ رحمه الله (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ كَانَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةً إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله وَإِنَّمَا قُطِعَ الطَّرَفَانِ لِوُقُوعِ أَثَرِ الْجِنَايَةِ عَامًا وَتَغَلُّظِهَا وَأَعْطَى مَالَ الذِّمِّيِّ حُكْمَ مَالِ الْمُسْلِمِ لِتَأَبُّدِ الْعِصْمَةِ فِيهِمَا. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يُقْطَعُ لِمَا ذَكَرْنَا) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةً قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى وَلَوْ كَانَتْ يَدَاهُ صَحِيحَتَيْنِ وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةً قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى فَقَطْ وَلَا خِلَافَ فِيهِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ يَنْبَغِي أَنْ يَتَضَاعَفَ نِصَابُهُ فَيَكُونُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا) أَيْ لِأَنَّهُ كَالسَّرِقَتَيْنِ. اهـ. كَافِي
الْجِنَايَةِ بِمُحَارَبَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَا بِكَثْرَةِ الْمَأْخُوذِ
وَالْحَالَةُ الثَّالِثَةُ أَنْ يُؤْخَذَ وَقَدْ قَتَلَ النَّفْسَ وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَقْتُلُهُ حَدًّا حَتَّى لَوْ عَفَا الْأَوْلِيَاءُ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَى عَفْوِهِمْ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْكُلِّ وَالْآلَةِ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لِوُجُوبِهِ فِي مُقَابَلَةِ الْجِنَايَةِ عَلَى حَقِّهِ بِمُحَارَبَتِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ قَتَلَ قُتِلَ حَدًّا وَإِنْ عَفَا الْوَلِيُّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْوَاجِبُ قِصَاصٌ لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِإِزَاءِ قَتْلٍ قُلْنَا الْقَطْعُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَكَذَا الْقَتْلُ لِأَنَّهُ قَسِيمَةٌ وَتَسْمِيَتُهُ جَزَاءً يُشْعِرُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَا يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى
وَالْحَالَةُ الرَّابِعَةُ أَنْ يُؤْخَذَ وَقَدْ قَتَلَ النَّفْسَ وَأَخَذَ الْمَالَ فَإِنَّ الْإِمَامَ فِيهِ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ قَطَعَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ وَقَتَلَهُ، وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُ وَصَلَبَهُ، وَإِنْ شَاءَ قَطَعَهُ وَصَلَبَهُ، وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُ، وَإِنْ شَاءَ صَلَبَهُ، وَإِنْ شَاءَ قَطَعَهُ مِنْ خِلَافٍ وَقَتَلَهُ وَصَلَبَهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَقُتِلَ وَصُلِبَ إلَخْ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله يُقْتَلُ أَوْ يُصْلَبُ وَلَا يُقْطَعُ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَهُ فِي الْمَشْهُورِ لِأَنَّ الْقَطْعَ حَدٌّ عَلَى حِدَةٍ وَالْقَتْلُ كَذَلِكَ بِالنَّصِّ فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ قَطْعُ الطَّرِيقِ إذْ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدَّيْنِ بِجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةُ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَيَدْخُلُ مَا دُونَ النَّفْسِ فِي النَّفْسِ كَمَا لَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ حَدُّ الشُّرْبِ وَالسَّرِقَةِ وَالرَّجْمِ فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِالرَّجْمِ وَيَدْخُلُ فِيهِ مَا عَدَاهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَرَضِيَ عَنْهُ أَنَّهُ وَحَّدَ الْمُوجِبَ لَهُمَا وَهُوَ الْقَتْلُ وَأَخْذُ الْمَالِ فَيَسْتَوْفِيَانِ وَهُمَا حَدٌّ وَاحِدٌ لِاتِّحَادِ سَبَبِهِمَا وَهُوَ قَطْعُ الطَّرِيقِ لَكِنَّ مَا يَقَعُ بِهِ الْقَطْعُ مُتَفَاوِتٌ.
فَإِذَا تَنَاهَى تَفْوِيتُ الْأَمْنِ بِأَخْذِ الْمَالِ وَقَتْلِ النَّفْسِ تَنَاهَتْ عُقُوبَتُهُ وَصَارَ هَذَا كَقَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ فَإِنَّهُمَا حَدَّانِ فِي السَّرِقَةِ الصُّغْرَى وَحْدٌ وَاحِدٌ فِي الْكُبْرَى وَلَا تَدَاخُلَ فِي حَدٍّ وَاحِدٍ كَجَلَدَاتِ الْحَدِّ فِي الزِّنَا وَغَيْرِهِ وَإِنَّمَا التَّدَاخُلُ فِي الْحُدُودِ وَلَا يَلْزَمُ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُ أَوْ يَصْلُبَهُ وَيَدَعُ الْقَطْعَ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِلتَّدَاخُلِ بَلْ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ رِعَايَةُ التَّرْتِيبِ فِي أَجْزَاءِ حَدٍّ وَاحِدٍ فَلَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْقَتْلِ فَإِذَا قَتَلَهُ لَا يُفِيدُ الْقَطْعُ بَعْدَهُ كَالزَّانِي إذَا جُلِدَ خَمْسِينَ جَلْدَةً فَمَاتَ يُتْرَكُ الْبَاقِي لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي إقَامَتِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ ثُمَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ هُوَ مُخَيَّرٌ فِي الصَّلْبِ إنْ شَاءَ فَعَلَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَتْرُكُهُ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّشْهِيرُ لِيَرْتَدِعَ بِهِ غَيْرُهُ فَلَا يُتْرَكُ مَا أَمْكَنَ قُلْنَا مَعْنَى الزَّجْرِ يَتِمُّ بِالْقَتْلِ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام صَلَبَ أَحَدًا قَالَ رحمه الله (وَيُصْلَبُ حَيًّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَكُرِهَ بَطْنُهُ بِرُمْحٍ حَتَّى يَمُوتَ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الرَّدْعُ وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ صَلْبِهِ بَعْدَ الْقَتْلِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْكَرْخِيِّ وَعَنْ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ يُصْلَبُ بَعْدَ الْقَتْلِ وَلَا يُصْلَبُ حَيًّا تَوَقِّيًا عَنْ الْمُثْلَةِ لِأَنَّهُ «عليه الصلاة والسلام نَهَى عَنْ الْمُثْلَةِ وَلَوْ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ» وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَهُوَ أَرْدَعُ وَلِهَذَا لَا يُقْتَلُ جَزًّا بِالسَّيْفِ مَعَ الْأَمْرِ بِأَنْ يُحْسِنَ وَكِرْهُ وَنَظِيرُهُ الرَّجْمُ فِي الزِّنَا لِمَا قُلْنَا ثُمَّ إذَا تَمَّ لَهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ وَقْتِ مَوْتِهِ يُخَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ لِيَدْفِنُوهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُتْرَكُ عَلَى خَشَبَةٍ حَتَّى يَتَقَطَّعَ وَيَسْقُطَ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي وَكُرْهُ قُلْنَا أَنَّهُ يَتَغَيَّرُ بَعْدَ الثَّلَاثِ فَيَتَأَذَّى النَّاسُ بِهِ وَالْإِرْدَاعُ قَدْ حَصَلَ بِذَلِكَ الْقَدْرِ وَغَايَتُهُ غَيْرُ مَطْلُوبَةٍ.
قَالَ رحمه الله (وَلَمْ يَضْمَنْ مَا أَخَذَ) يَعْنِي بَعْدَ مَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِمَا ذَكَرْنَا الصُّغْرَى وَكَذَا لَا يَضْمَنُ مَا قَتَلَ وَمَا جَرَحَ لِذَلِكَ الْمَعْنَى قَالَ رحمه الله (وَغَيْرُ الْمُبَاشِرِ كَالْمُبَاشِرِ) يَعْنِي فِي الْأَخْذِ وَالْقَتْلِ حَتَّى تَجْرِي أَحْكَامُهُ عَلَى الْكُلِّ بِمُبَاشَرَةِ بَعْضِهِمْ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُحَدُّ إلَّا الْمُبَاشِرُ كَحَدِّ الزِّنَا وَلَنَا أَنَّهُ حُكْمٌ يَتَعَلَّقُ بِالْمُحَارَبَةِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَالْحَالَةُ الثَّالِثَةُ أَنْ يُؤْخَذَ وَقَدْ قَتَلَ النَّفْسَ) أَيْ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَقْتُلُهُ حَدًّا) قَالَ الْكَمَالُ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَإِنْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ يُقْتَلُ قِصَاصًا وَهَذَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرْنَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ إذَا أَمْكَنَهُ أَخْذُ الْمَالِ فَلَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا وَمَالَ إلَى الْقَتْلِ فَإِنَّا سَنَذْكُرُ فِي نَظِيرِهِ أَنَّهُ يُقْتَلُ قِصَاصًا خِلَافًا لِعِيسَى بْنِ أَبَانَ وَفِيهَا أَيْضًا إنْ خَرَجَ عَلَى الْقَافِلَةِ فِي الطَّرِيقِ وَأَخَافَ النَّاسَ وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلْ يُعَزَّرُ وَيُخْلَى سَبِيلُهُ وَهُوَ خِلَافُ الْمَعْرُوفِ مِنْ أَنَّهُ يُحْبَسُ امْتِثَالًا لِلنَّفْيِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ عَفَا الْأَوْلِيَاءُ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى عَفْوِهِمْ) أَيْ لِأَنَّ الْحَدَّ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُسْمَعُ فِيهِ عَفْوُ غَيْرِهِ فَمَتَى عَفَا عَنْهُمْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ قُلْنَا الْقَطْعُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى) أَيْ فَلَا يَدْخُلُهُ عَفْوٌ وَعَلَيْهِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ ذَكَرَهُ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي وَفِي شَرْحِ الْوَجِيزِ قَتْلٌ بِمُقَابَلَةِ قَتْلٍ وَفِيهِ مَعْنَى الْحَدِّ فَلَا يَصِحُّ عَفْوُهُ وَلَكِنْ ذُكِرَ فِي الْكَافِي وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْوَاجِبُ قِصَاصٌ لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِإِزَاءِ قَتْلٍ وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْعَفْوِ فَإِنَّ أَصْحَابَهُ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالُوا فِيهِ مَعْنَى الْحَدِّ وَالْقِصَاصِ وَخَرَجُوا عَلَى مَسَائِلَ وَلَكِنْ مَا قَالَ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِجَوَازِ الْعَفْوِ. اهـ. كَاكِيٌّ
(قَوْلُهُ وَالْحَالَةُ الرَّابِعَةُ) قَالَ الْكَمَالُ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا هُوَ أَعَمُّ فَالْأَحْوَالُ الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورَةُ وَالْخَامِسَةُ أَنْ يُؤْخَذُوا بَعْدَ مَا أَحْدَثُوا تَوْبَةً وَتَأْتِي أَيْضًا فِي الْكِتَابِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُقْتَلُ) وَجَعَلَ فِي الْأَسْرَارِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَصَحَّ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَأَخَذَ الْمَالَ) أَيْ فَأَخْذُ الْمَالِ مُوجِبٌ لِلْقَطْعِ وَالْقَتْلُ مُوجِبٌ لِلْقَتْلِ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُبْعَجُ) أَيْ يُشَقُّ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الرَّدْعُ) الرَّدْعُ الْمَنْعُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَا يُقْتَلُ جَزًّا) بِالْجِيمِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِيَدْفِنُوهُ) وَعَلِمْت فِي بَابِ الشَّهِيدِ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى قَاطِعِ الطَّرِيقِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ حَتَّى تَجْرِي أَحْكَامُهُ عَلَى الْكُلِّ بِمُبَاشَرَةِ بَعْضِهِمْ) أَيْ وَهَذَا لِأَنَّ قَتَلَهُمْ وَجَبَ حَدًّا عَلَيْهِمْ لَا قِصَاصًا فَلَمْ تُعْتَبَرْ الْمُسَاوَاةُ فَصَارَ مَنْ قَتَلَ وَمَنْ لَمْ يُقْتَلْ سَوَاءٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُحَدُّ إلَّا الْمُبَاشِرُ) أَيْ لِأَنَّهُ جَزَاءُ الْفِعْلِ فَلَا يَجِبُ إلَّا عَلَى الْمُبَاشِرِ. اهـ. كَافِي قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ بَاشَرَ الْقَتْلَ أَحَدُهُمْ قَالَ الْكَمَالُ أَيْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَالْبَاقُونَ وُقُوفٌ لَمْ يَقْتُلُوا وَلَمْ يُعِينُوا أَجْرَى الْحَدَّ عَلَى جَمِيعِهِمْ فَيُقْتَلُوا وَلَوْ كَانُوا مِائَةً بِقَتْلِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَاحِدًا
فَيَسْتَوِي فِيهِ الرِّدْءُ وَالْمُبَاشِرُ كَاسْتِحْقَاقِ السَّهْمِ فِي الْغَنِيمَةِ وَهَذَا لِأَنَّ الرِّدْءَ مُحَارَبٌ مُفْسِدٌ وَوُقُوفُهُ لِيَتَمَكَّنَ الْمُبَاشِرُ مِنْ الْأَخْذِ وَلِيَقْتُلَ هُوَ إنْ أَمْكَنَهُ وَيَدْفَعَ عَنْ الْمُبَاشِرِ الْعَوَائِقَ وَيَنْضَمَّ الْمُبَاشِرُ إلَيْهِ إنْ تَعَذَّرَ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَادُ بَيْنَهُمْ وَلَوْ اشْتَغَلَ الْكُلُّ بِالْمُبَاشَرَةِ لَمَا تَهَيَّأَ لَهُمْ غَرَضُهُمْ فَيَكُونُ الْكُلُّ مُحَارِبِينَ مُفْسِدِينَ فَيَدْخُلُونَ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا} [المائدة: 33] وَأَيُّ مُحَارَبَةٍ وَأَيُّ فَسَادٍ يَكُونُ أَشَدَّ مِنْهُ وَلِهَذَا جَازَ قَتْلُ رِدْءِ أَهْلِ الْبَغْي وَلَوْلَا أَنَّهُ مُحَارَبٌ لِمَا جَازَ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مُحَارَبٌ أَجْرَى عَلَيْهِ أَحْكَامَهُ بِخِلَافِ الزِّنَا لِأَنَّ غَيْرَ الْمُبَاشِرِ لَيْسَ لَهُ فِيهِ صُنْعٌ لِتَمَكُّنِهِ وَحْدَهُ قَالَ رحمه الله (وَالْعَصَا وَالْحَجَرُ كَالسَّيْفِ) يَعْنِي الْقَتْلُ بِالْعَصَا أَوْ بِالْحَجَرِ كَالْقَتْلِ بِالسَّيْفِ لِأَنَّ قَطْعَ الطَّرِيقِ يَحْصُلُ بِالْقَتْلِ بِأَيِّ آلَةٍ كَانَتْ بَلْ بِأَخْذِ الْمَالِ بِغَيْرِ قَتْلٍ أَوْ بِمُجَرَّدِ الْإِخَافَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا حُكْمَهُ وَهُوَ الْمَنَاطُ هُنَا بِخِلَافِ الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ الْقَتْلَ وَالْقَصْدُ مُبْطَنٌ لَا يُعْرَفُ فَيُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِاسْتِعْمَالِ آلَةِ الْقَتْلِ وَشَرَطَ ذَلِكَ لِيَنْتَفِيَ احْتِمَالَ قَصْدِ التَّأْدِيبِ أَوْ إتْلَافَ الْعُضْوِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ قَالَ رحمه الله
(وَإِنْ أَخَذَ مَالًا وَجَرَحَ قُطِعَ وَبَطَلَ الْجُرْحُ) لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ الْحَدُّ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَاسْتَوْفَى بِقَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ سَقَطَتْ عِصْمَةُ النَّفْسِ حَقًّا لِلْعَبْدِ كَمَا تَسْقُطُ عِصْمَةُ الْمَالِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي السَّرِقَةِ الصُّغْرَى فَإِنْ قِيلَ الْجُرْحُ فِعْلٌ آخَرُ غَيْرُ الْأَخْذِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ حَقُّ الْعَبْدِ فِيهِ لِأَنَّ اعْتِبَارَهُ لَا يُؤَدِّي إلَى سُقُوطِ الْحَدِّ فِي الْأَخْذِ لِأَنَّهُمَا فِعْلَانِ مُتَغَايِرَانِ فَبِجَعْلِ أَحَدِهِمَا سَبَبًا لِحَقِّ الْعَبْدِ لَا يَمْتَنِعُ الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ الْأَخْذِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ وَاحِدٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا قُلْنَا بَلْ الْفِعْلُ وَاحِدٌ وَهُوَ قَطْعُ الطَّرِيقِ وَإِذَا وَجَبَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ امْتَنَعَ حَقُّ الْعَبْدِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ قَالَ رحمه الله
(وَإِنْ جَرَحَ فَقَطْ أَوْ قَتَلَ فَتَابَ أَوْ كَانَ بَعْضُ الْقُطَّاعِ غَيْرَ مُكَلَّفٍ أَوْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِ أَوْ قَطَعَ بَعْضُ الْقَافِلَةِ عَلَى الْبَعْضِ أَوْ قَطَعَ الطَّرِيقَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا بِمِصْرٍ أَوْ بَيْنَ مِصْرَيْنِ لَمْ يُحَدَّ فَأَقَادَ الْوَلِيُّ أَوْ عَفَا) أَمَّا إذَا جَرَحَ فَقَطْ أَيْ لَمْ يَقْتُلْ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا فَلِأَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ لَيْسَ فِيهَا حَدٌّ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّ الْعَبْدِ إذْ السُّقُوطُ فِي ضِمْنِ اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ وَلَمْ يُوجَدْ فَيَكُونُ حَقُّهُ بَاقِيًا فَيُقْتَصُّ فِيمَا فِيهِ الْقِصَاصُ وَيُؤْخَذُ الْأَرْشُ فِي غَيْرِهِ وَذَلِكَ إلَى الْأَوْلِيَاءِ وَعَلَى هَذَا إذَا جَرَحَ وَأَخَذَ مِنْ الْمَالِ دُونَ النِّصَابِ أَوْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا يُقْطَعُ فِيهَا كَالْأَشْيَاءِ التَّافِهَةِ وَاَلَّتِي يَتَسَارَعُ إلَيْهَا الْفَسَادُ وَلَوْ كَانَ مَعَ هَذَا الْأَخْذِ قَتْلٌ لَا يَجِبُ الْحَدُّ أَيْضًا وَهُوَ طَعْنُ عِيسَى فَإِنَّهُ قَالَ الْقَتْلُ وَحْدَهُ يُوجِبُ الْحَدَّ فَكَيْفَ يَمْتَنِعُ مَعَ الزِّيَادَةِ فَجَوَابُهُ أَنَّ قَصْدَهُمْ الْمَالَ غَالِبًا فَيُنْظَرُ إلَيْهِ لَا غَيْرُ بِخِلَافِ مَا إذَا اقْتَصَرُوا عَلَى الْقَتْلِ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ قَصْدَهُمْ الْقَتْلُ دُونَ الْمَالِ فَيُحَدُّونَ فَعُدَّتْ هَذِهِ مِنْ الْغَرَائِبِ ثُمَّ إذَا لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ يَكُونُ الْأَمْرُ فِي الْقِصَاصِ وَالْأَرْشِ إلَى الْأَوْلِيَاءِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْحَدِّ.
وَأَمَّا إذَا قَتَلَ أَوْ أَخَذَ مَالًا فَتَابَ يَعْنِي قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ فَلِأَنَّ هَذَا الْحَدَّ لَا يُقَامُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِلِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ أَوْ لِأَنَّ التَّوْبَةَ تَتَوَقَّفُ عَلَى رَدِّ الْمَالِ وَبَعْدَ الرَّدِّ لَا يُقْطَعُ لِمَا ذَكَرْنَا فِي السَّرِقَةِ الصُّغْرَى فَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ صَارَ الْأَمْرُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ فِي الْقِصَاصِ وَالْأَرْشِ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْصَرِفَ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْآيَةِ إلَى الَّذِي يَلِيه وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة: 114] كَمَا فِي آيَةِ الْقَذْفِ فَلَا يَقْتَضِي سُقُوطَ الْحَدِّ بِالتَّوْبَةِ قُلْنَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْجُمَلُ الَّتِي قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ كُلُّهَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ إذْ الْكُلّ جَزَاءُ الْمُحَارِبَةِ فَيَنْصَرِفُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الْكُلِّ فَيَرْتَفِعُ الْكُلُّ بِالتَّوْبَةِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
لِأَنَّ الْقَتْلَ جَزَاءُ الْمُحَارَبَةِ الَّتِي فِيهَا قَتْلٌ بِالنَّصِّ مَعَ التَّوْزِيعِ وَالْمُحَارَبَةُ تَتَحَقَّقُ بِأَنْ يَكُونَ الْبَعْضُ رِدْءًا لِلْبَعْضِ حَتَّى إذَا انْهَزَمُوا انْحَازُوا إلَيْهِمْ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَيَسْتَوِي فِيهِ الرِّدْءُ) الرِّدْءُ وِزَانُ حِمْلٍ الْمُعِينُ وَأَرْدَأْتُهُ بِالْأَلِفِ أَعَنْتُهُ. اهـ. مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ كَالْقَتْلِ بِالسَّيْفِ) أَيْ فِي قَتْلِ الْكُلِّ وَإِنْ لَمْ يُوجِبْ أَبُو حَنِيفَةَ الْقِصَاصَ بِالْمُثْقِلِ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِطَرِيقِ الْقِصَاصِ فَإِنَّ حَدَّ قَطْعِ الطَّرِيقِ مَعَ الْقَتْلِ لَيْسَ بِطَرِيقِ الْقِصَاصِ فَلَا يُسْتَدْعَى الْمُمَاثَلَةَ وَلِهَذَا يُقْتَلُ غَيْرُ الْمُبَاشِرِ. اهـ. فَتْحٌ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ أَخَذَ مَالًا وَجَرَحَ) أَيْ جُرْحًا وَاحِدًا أَوْ جِرَاحَاتٍ. اهـ.
(قَوْلُهُ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّ الْعَبْدِ) أَيْ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَيُؤْخَذُ الْأَرْشُ فِي غَيْرِهِ) أَيْ كَمَا إذَا قَطَعُوا اللِّسَانَ أَوْ الذَّكَرَ لَا قِصَاصَ فِيهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَيُؤْخَذُ الْأَرْشُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا قَطَعَ مِنْ الْأَصْلِ وَفِي الْحَشَفَةِ قِصَاصٌ اتِّفَاقًا لِأَنَّ مَوْضِعَ الْقَطْعِ مَعْلُومٌ إلَّا إذَا قَطَعَ بَعْضَ الْحَشَفَةِ لَا قِصَاصَ وَكَذَا إذَا ضَرَبُوا الْعَيْنَ فَقَلَعُوهَا لَا قِصَاصَ فِيهِ وَيُؤْخَذُ الْأَرْشُ إلَّا إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ قَائِمَةً فَذَهَبَ ضَوْءُهَا فَفِيهِ الْقِصَاصُ لِإِمْكَانِ الْمُمَاثَلَةِ وَكَذَا لَا قِصَاصَ فِي عَظْمٍ إلَّا فِي السِّنِّ إلَّا إذَا اسْوَدَّتْ أَوْ احْمَرَّتْ أَوْ اخْضَرَّتْ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ الْأَرْشُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ رحمه الله (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ مَعَ هَذَا الْأَخْذِ) أَيْ أَخْذِ مَا دُونَ النِّصَابِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ أَخَذَ مَالًا فَتَابَ) أَيْ وَرَدَّ الْمَالَ أَيْضًا وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ يَعْنِي قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ أَخَذَ بَعْدَ مَا تَابَ وَقَدْ قَتَلَ عَمْدًا فَإِنْ شَاءَ الْأَوْلِيَاءُ قَتَلُوهُ وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا عَنْهُ وَلَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَإِنْ وَقَدْ تَابَ بَطَلَ الْحَدُّ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ أَخَذَ بَعْدَ مَا تَابَ لِأَنَّهُ إذَا تَابَ بَعْدَ مَا أَخَذَ لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] فَلَمَّا بَطَلَ الْحَدُّ بِالتَّوْبَةِ ظَهَرَ حَقُّ الْعَبْدِ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ فَإِنْ شَاءَ قَتَلَ وَإِنْ شَاءَ صَالَحَ وَإِنْ شَاءَ عَفَا وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمَالَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ لِلِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] وَلَا خِلَافَ فِيهِ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ رَدُّ الْمَالِ مِنْ تَمَامِ تَوْبَتِهِمْ لِيَنْقَطِعَ بِهِ خُصُومَةُ صَاحِبِ الْمَالِ وَقَدْ انْقَطَعَتْ خُصُومَتُهُ بِرَدِّ الْمَالِ إلَيْهِ قَبْلَ ظُهُورِ الْجَرِيمَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ فَيَسْقُطُ الْحَدُّ. اهـ. دِرَايَةٌ
بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي آيَةِ الْقَذْفِ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الَّتِي تَلِيه خِلَافُ جِنْسِ الْجُمَلِ الْمُتَقَدِّمَةِ إذْ هِيَ لَا تَصْلُحُ جَزَاءً لِلْقَذْفِ وَإِنَّمَا هِيَ إخْبَارٌ عَنْ حَالِهِ بِأَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِالْفِسْقِ فَكَانَتْ فَاصِلَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهَا مِنْ الْجُمَلِ فَيَعُودُ إلَيْهَا فَقَطْ وَأَمَّا إذَا كَانَ بَعْضُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ غَيْرَ مُكَلَّفٍ بِأَنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا فَلِأَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ وَاحِدَةً قَامَتْ بِالْكُلِّ فَإِذَا لَمْ يَقَعْ فِعْلُ بَعْضِهِمْ مُوجِبًا كَانَ فِعْلُ الْبَاقِينَ بَعْضَ الْعِلَّةِ وَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ كَالْعَامِدِ وَالْمُخْطِئِ إذَا اشْتَرَكَا فِي الْقَتْلِ حَيْثُ لَا يَجِبُ الْقَوَدُ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَوْ بَاشَرَ الْعُقَلَاءُ يُحَدُّ الْبَاقُونَ لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ أَصْلٌ وَالرِّدْءَ تَبَعٌ وَلَا خَلَلَ فِي مُبَاشَرَةِ الْأَصْلِ وَلَا اعْتِبَارَ بِالْخَلَلِ فِي التَّبَعِ وَفِي عَكْسِهِ يَنْعَكِسُ الْمَعْنَى وَالْحُكْمُ وَعَلَى هَذَا السَّرِقَةُ الصُّغْرَى وَقَوْلُهُ أَوْ بَعْضُ الْقُطَّاعِ غَيْرُ مُكَلَّفٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا قَطَعَتْ الطَّرِيقَ تَجْرِي عَلَيْهَا الْأَحْكَامُ لِأَنَّهَا مُكَلَّفَةٌ وَقِيلَ لَا تَكُونُ قَاطِعَةَ طَرِيقٍ لِأَنَّ بِنْيَتَهَا لَا تَصْلُحُ لِلْحِرَابِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تُقْطَعُ وَلَا تُصْلَبُ وَالْأَخْرَسُ فِي هَذَا كَالصَّبِيِّ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَأَمَّا إذَا كَانَ بَعْضُ الْقُطَّاعِ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ فَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ مُتَّحِدَةٌ فَالِامْتِنَاعُ فِي حَقِّ الْبَعْضِ يُوجِبُ الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّ الْبَاقِينَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِيهِمْ مُسْتَأْمِنٌ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّهِ لِخَلَلٍ فِي الْعِصْمَةِ وَذَلِكَ خَاصٌّ بِهِ فَيَخُصُّ الِامْتِنَاعَ حَتَّى إذَا وَقَعَ الْقَتْلُ وَالْأَخْذُ عَلَى الْمُسْتَأْمِنِ خَاصَّةً لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْحَدُّ وَإِنْ وَقَعَ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ عَلَيْهِمَا يَجِبُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ رحمه الله يَقُولُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمَالُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ وَفِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ أَحَدِهِمْ حَتَّى لَا يَجِبَ الْحَدُّ بِاعْتِبَارِ نَصِيبِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَيَصِيرُ شُبْهَةً فِي نَصِيبِ الْبَاقِينَ فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ شَيْءٌ وَاحِدٌ فَإِذَا امْتَنَعَ فِي حَقِّ أَحَدِهِمْ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ امْتَنَعَ فِي حَقِّ الْبَاقِينَ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَالُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ فَإِنْ لَمْ يَأْخُذُوا الْمَالَ إلَّا مِنْ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فَكَذَلِكَ وَإِنْ أَخَذُوا مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ يُحَدُّونَ بِاعْتِبَارِ الْمَالِ الْمَأْخُوذِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُجْرَى عَلَى إطْلَاقِهِ لِمَا ذَكَرْنَا.
وَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ كَانَ الْقِصَاصُ وَالتَّضْمِينُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ لِأَنَّهُ حَقُّهُمْ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُسْقِطُهُ وَأَمَّا إذَا قَطَعَ بَعْضُ الْقَافِلَةِ عَلَى الْبَعْضِ فَلِأَنَّ الْحِرْزَ وَاحِدٌ فَصَارَتْ الْقَافِلَةُ كَبَيْتٍ وَاحِدٍ وَأَمَّا إذَا قَطَعَ الطَّرِيقَ بِمِصْرٍ أَوْ بَيْنَ مِصْرَيْنِ فَلِأَنَّ قَطْعَ الطَّرِيقِ بِقَطْعِ الْمَارَّةِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَمَاكِنِ لِأَنَّ الْغَوْثَ يَلْحَقُهُمْ سَاعَةً فَسَاعَةً فَلَا يُمْكِنُهُمْ الْمُكْثُ فِيهِ وَلِأَنَّ السَّبَبَ مُحَارَبَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَهِيَ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ فِي الْمَفَازَةِ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ فِيهَا فَيَسِيرُ فِي حِفْظِ اللَّهِ تَعَالَى مُعْتَمَدًا عَلَيْهِ فَمَنْ تَعَرَّضَ لَهُ يَكُونُ مُحَارِبًا لِلَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا فِي الْمِصْرِ وَفِي الْقَرِيبِ مِنْهُ فَيَلْحَقُهُ الْغَوْثُ مِنْ السُّلْطَانِ وَالْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ اعْتِمَادُهُ عَلَيْهِمْ فَيَتَمَكَّنُ النُّقْصَانُ فِي فِعْلِ مَنْ يَتَعَرَّضُ لَهُ مِنْ حَيْثُ مُحَارَبَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يُحَدُّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَكُونُ قَاطِعَ الطَّرِيقِ فِي الْمِصْرِ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِوُجُودِ حَقِيقَةِ الْقَطْعِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمْ إنْ قَصَدُوا فِي الْمِصْرِ بِالسِّلَاحِ تُجْرَى عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ لِأَنَّ السِّلَاحَ لَا يَلْبَثُ فَلَا يَلْحَقُهُمْ الْغَوْثُ وَإِنْ قَصَدُوا بِالْحَجَرِ أَوْ الْخَشَبِ فَإِنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ.
فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ لِأَنَّ الْغَوْثَ لَا يَلْحَقُهُمْ وَإِنْ كَانَ بِقُرْبٍ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ فِي الْمِصْرِ فَإِنْ كَانَ بِاللَّيْلِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا لِأَنَّ الْغَوْثَ لَا يَلْحَقُهُمْ وَإِنْ كَانَ بِالنَّهَارِ لَا تُجْرَى عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَاسْتَحْسَنَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الَّتِي تَلِيه) أَيْ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4]. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا السَّرِقَةُ الصُّغْرَى) وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الرِّدْءَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُبَاشِرِ فِي حَدِّ قَطْعِ الطَّرِيقِ وَلِهَذَا يَلْزَمُهُمَا جَمِيعًا إذَا كَانَا مُكَلَّفِينَ فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ حُضُورُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ كَمُبَاشَرَتِهِ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا إذَا بَاشَرَا فَكَذَا إذَا حَضَرَا فَإِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمَا سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي سَبَبِ الْحَدِّ كَمَا إذَا اشْتَرَكَ الْخَاطِئُ وَالْعَامِدُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ بَعْضُ الْقُطَّاعِ غَيْرُ مُكَلَّفٍ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ رحمه الله فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ عَبْدٌ أَوْ امْرَأَةٌ فَالْحُكْمُ فِيهِمْ كَالْحُكْمِ فِي الْأَحْرَارِ وَالرِّجَالِ أَمَّا الْعَبْدُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33] وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَكَذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ إنَّ حَدَّ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ لَا يَجِبُ عَلَى النِّسَاءِ لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمُحَارَبَةُ وَالْمَرْأَةُ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ لَيْسَتْ بِمُحَارِبَةٍ اهـ.
(قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِيهِمْ مُسْتَأْمِنٌ) جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ بِأَنْ يُقَالَ الْقَطْعُ عَلَى الْمُسْتَأْمِنِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ كَالْقَطْعِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ ثُمَّ وُجُودُ هَذَا فِي الْقَافِلَةِ يُسْقِطُ الْحَدَّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ وُجُودُ الْمُسْتَأْمِنِ فِيهِمْ أَيْضًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فَإِنَّهُمْ يُحَدُّونَ لِأَنَّهُمْ قَطَعُوا الطَّرِيقَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْتَأْمَنِينَ وَقَطْعُ الطَّرِيقِ عَلَى الْمُسْتَأْمِنِ إنْ لَمْ يُوجِبْ الْحَدَّ فَقَطْعُ الطَّرِيقِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ يُوجِبُهُ وَغَيْرُ الْمُوجِبِ لَا يَصْلُحُ مُعَارِضًا لِلْمُوجِبِ وَهَذَا لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّ الْمُسْتَأْمِنِ لِخَلَلٍ فِي الْعِصْمَةِ وَهُوَ بَقَاءُ شُبْهَةِ الْإِبَاحَةِ فِي مَالِهِ عَلَى تَقْدِيرِ رُجُوعِهِ إلَى دَارِهِ وَهُوَ أَيْ الْخَلَلُ يَخُصُّهُ أَيْ الْمُسْتَأْمِنُ وَهَا هُنَا الْخَلَلُ فِي الْحِرْزِ إذْ الْقَافِلَةُ حِرْزٌ وَاحِدٌ وَهُوَ بِسَبِيلٍ مِنْ الدُّخُولِ عَلَى هَذِهِ الْقَافِلَةِ بِلَا اسْتِئْذَانٍ لِمَكَانِ قَرِيبه الَّذِي يُفْتَرَضُ وَصْلُهُ فَمَتَى لَمْ يَبْقَ حِرْزًا فِي حَقِّهِ لَمْ يَبْقَ حِرْزًا فِي حَقِّ الْكُلِّ كَدَارٍ يَسْكُنُهَا أَخُوهُ وَأَجْنَبِيٌّ فَسَرَقَ مِنْهَا مَالَ الْأَجْنَبِيِّ لَا يُقْطَعُ وَبِمِثْلِهِ لَوْ سَرَقَ مَالَ مُسْلِمٍ وَمُسْتَأْمِنٍ مِنْ بَيْتٍ يَسْكُنَانِ فِيهِ يُقْطَعُ. اهـ. كَاكِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فِيهِمْ مَا نَصُّهُ أَيْ فِي الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ وَهُوَ الْقَافِلَةُ اهـ.
(قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ) لَفْظَةُ أَنَّهُ لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ مُجْرَى عَلَى إطْلَاقِهِ) أَيْ وَإِنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ عَلَى كُلِّ حَالٍ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ فَلِأَنَّ الْحِرْزَ وَاحِدٌ) أَيْ وَالْقَاطِعُ مِنْ أَهْلِهَا فَلَا يُعْتَبَرُ قَاطِعًا كَمَا لَوْ سَرَقَ مِنْ دَارٍ يَسْكُنُ السَّارِقُ فِيهَا فَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ وَجَبَ الْقِصَاصُ إنْ قَتَلَ عَمْدًا وَرَدَّ الْمَالَ إنْ أَخَذَ وَهُوَ قَائِمٌ وَالضَّمَانُ إنْ هَلَكَ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمْ إنْ قَصَدُوا فِي الْمِصْرِ) أَيْ نَهَارًا. اهـ. فَتْحٌ