الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصَارَ نَظِيرَ مَا إذَا بَنَى خَانًا أَوْ سِقَايَةً أَوْ جَعَلَ أَرْضَهُ مَقْبَرَةً وَشَرَطَ أَنْ يَنْزِلَهُ أَوْ يَشْرَبَ مِنْهَا أَوْ يُدْفَنَ فِيهَا وَلِأَنَّ مَقْصُودَهُ الْقُرْبَةُ وَفِي الصَّرْفِ إلَى نَفْسِهِ ذَلِكَ قَالَ عليه الصلاة والسلام «نَفَقَةُ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ صَدَقَةٌ» وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ التَّقَرُّبَ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ وَاشْتِرَاطِ الْغَلَّةِ أَوْ بَعْضِهَا لِنَفْسِهِ يَمْنَعُ ذَلِكَ فَكَانَ بَاطِلًا كَالصَّدَقَةِ الْمُنَفَّذَةِ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ لَيْسَ فِي هَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَةٌ ظَاهِرَةٌ إلَّا شَيْءٌ ذَكَرَهُ فِي الْوَقْفِ فَقَالَ إذَا وَقَفَ عَلَى أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ جَازَ فَقَالَ هَذَا الْوَقْفُ عَلَى أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّ مَا يَكُونُ لِأُمِّ الْوَلَدِ حَالَ حَيَاةِ الْمَوْلَى يَكُونُ لِلْمَوْلَى وَقِيلَ إنَّهُ فِي الصَّحِيحِ عَلَى الْخِلَافِ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ.
وَقِيلَ يَجُوزُ لَهُنَّ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُنَّ يُعْتَقْنَ بِمَوْتِهِ فَيَصِرْنَ أَجْنَبِيَّاتٍ فَيَصِيرُ اشْتِرَاطُهُ لَهُنَّ كَاشْتِرَاطِهِ لِلْأَجْنَبِيِّ ثُمَّ فِي حَالِ حَيَاتِهِ يَجُوزُ أَيْضًا تَبَعًا لِمَا بَعْدَ مَمَاتِهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ يَسْتَبْدِلَ بِهِ أَرْضًا أُخْرَى إذَا شَاءَ وَتَكُونُ وَقْفًا مَكَانَهُ أَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ التَّقَرُّبَ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ وَاشْتِرَاطِ مَا ذُكِرَ يُمْنَعُ مِنْهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ لَهُ أَوْ يَتَصَدَّقَ بِهِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ أَصْلًا وَكَذَا إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ وَهُوَ مَجْهُولٌ فِي رِوَايَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ يَجُوزُ الْوَقْفُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ فَصْلُ اشْتِرَاطِ الْوِلَايَةِ لِنَفْسِهِ فَجَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ شَرْطَ الْوَاقِفِ مُعْتَبَرٌ فَيُرَاعَى كَالنُّصُوصِ غَيْرَ أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يُسَلِّمُهُ ثُمَّ تَكُونُ لَهُ الْوِلَايَةُ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ شَرْطٌ عِنْدَهُ وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْهَا لِأَحَدٍ فَالْوِلَايَةُ لَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تَكُونُ لَهُ الْوِلَايَةُ لِأَنَّهُ لَمَّا تَرَكَ الشَّرْطَ فِي ابْتِدَاءِ الْوَقْفِ خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهِ فَصَارَ أَجْنَبِيًّا عَنْهُ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ إنَّمَا يَسْتَفِيدُ الْوِلَايَةَ مِنْ جِهَتِهِ بِشَرْطِهِ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ لَا تَكُونَ لَهُ الْوِلَايَةُ وَغَيْرُهُ يَسْتَفِيدُهَا مِنْهُ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ فَيَكُونُ أَوْلَى بِوِلَايَتِهِ كَمَنْ بَنَى مَسْجِدًا يَكُونُ أَوْلَى بِعِمَارَتِهِ وَنَصَّبَ الْقَيِّمَ فِيهِ وَكَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا كَانَ الْوَلَاءُ لَهُ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ وَذَكَرَ هِلَالٌ فِي وَقْفِهِ فَقَالَ قَالَ أَقْوَامٌ إنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ الْوِلَايَةَ لِنَفْسِهِ كَانَتْ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ لَا تَكُونُ لَهُ وِلَايَةٌ يَعْنِي بَعْضَ الْمَشَايِخِ قَالُوا ذَلِكَ.
قَالَ مَشَايِخُنَا الْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَلَا يُقَالُ كَيْفَ يَكُونُ هَذَا قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَالتَّسْلِيمُ شَرْطٌ عِنْدَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا لَا يُنَافِي التَّسْلِيمَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَيْهِ ثُمَّ يَأْخُذَهُ مِنْهُ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَسْقُطَ التَّسْلِيمُ عِنْدَهُ إذَا شَرَطَ الْوِلَايَةَ لِنَفْسِهِ لِأَنَّ شَرْطَهُ يُرَاعَى
قَالَ رحمه الله (وَيَنْزِعُ لَوْ خَائِنًا كَالْوَصِيِّ وَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَنْزِعَ) مَعْنَاهُ أَنَّ الْوَاقِفَ لَوْ شَرَطَ الْوِلَايَةَ لِنَفْسِهِ وَكَانَ هُوَ غَيْرَ مَأْمُونٍ عَلَى الْوَقْفِ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَنْزِعَهَا مِنْهُ وَلَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ لَيْسَ لِلْقَاضِي وَلَا لِلسُّلْطَانِ نَزْعُهُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الشَّرْعِ فَيَبْطُلُ وَنَظِيرُ هَذَا الْوَصِيُّ إذَا كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ يُنْزَعُ مِنْهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
[فَصْلٌ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ حَتَّى يَفْرِزَهُ عَنْ مِلْكِهِ]
قَالَ رحمه الله (وَمَنْ بَنَى مَسْجِدًا لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ حَتَّى يَفْرِزَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِطَرِيقِهِ وَيَأْذَنَ بِالصَّلَاةِ فِيهِ وَإِذَا صَلَّى فِيهِ وَاحِدٌ زَالَ مِلْكُهُ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَمَّا الْإِفْرَازُ فَلِأَنَّهُ لَا يَخْلُصُ لِلَّهِ إلَّا بِهِ لِأَنَّهُ مَا دَامَ حَقُّ الْعَبْدِ مُتَعَلِّقًا بِهِ لَمْ يَتَحَرَّرْ لِلَّهِ وَأَمَّا الصَّلَاةُ فِيهِ فَلِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ التَّسْلِيمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَإِذَا تَعَذَّرَ يُقَامُ تَحَقُّقُ الْمَقْصُودِ مَقَامَهُ أَوْ يُشْتَرَطُ فِيهِ تَسْلِيمُ نَوْعِهِ وَذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ بِالصَّلَاةِ فِيهِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قَضَاءُ الْقَاضِي وَلَا التَّعْلِيقُ بِالْمَوْتِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ بِخِلَافِ الْوَقْفِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْوَقْفِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْغَلَّةِ وَيَحْبِسَ الْأَصْلَ وَلَفْظُهُ يُنْبِئُ عَنْ ذَلِكَ وَالتَّصَدُّقُ بِالْمَعْدُومِ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي الْوَصِيَّةِ فَيَجِبُ تَعْلِيقُهُ بِالْمَوْتِ لِيَكُونَ وَصِيَّةً بِهِ أَوْ حَكَمَ الْحَاكِمُ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ وَلِذَا سَقَطَ التَّسْلِيمُ إلَى الْقَيِّمِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَا يَجُوزُ فِي الْمُشَاعِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِمَا بَيَّنَّا فَصَارَ الْمَسْجِدُ مُخَالِفًا لِلْوَقْفِ عِنْدَ الْكُلِّ ثُمَّ يَكْتَفِي بِصَلَاةِ الْوَاحِدِ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ فِعْلَ الْجِنْسِ كُلُّهُ مُتَعَذَّرٌ فَيُشْتَرَطُ أَدْنَاهُ وَعَنْهُمَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الصَّلَاةُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْوَقْفَ تَبَرُّعٌ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ لِلْغَلَّةِ أَوْ السُّكْنَى فَاشْتِرَاطُ الْبَعْضِ أَوْ الْكُلِّ لِنَفْسِهِ يُبْطِلُهُ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْ نَفْسِهِ لَا يَتَحَقَّقُ فَصَارَ كَالصَّدَقَةِ الْمُنَفَّذَةِ بِأَنْ تَصَدَّقَ عَلَى فَقِيرٍ بِمَالٍ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُ لِي لَمْ يَجُزْ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ إذْ لَمْ يَكُنْ مُمَلَّكًا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إلَّا مَا وَرَاءَ ذَلِكَ الْقَدْرِ فَكَذَا فِي الصَّدَقَةِ الْمَوْقُوفَةِ وَكَشَرْطِ بَعْضِ بُقْعَةِ الْمَسْجِدِ لِنَفْسِهِ بَيْتًا اهـ.
(قَوْلُهُ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ) وَهُوَ مُخَالِفٌ لِرِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ وَالتَّتِمَّةِ وَالذَّخِيرَةِ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ فَإِنَّ فِي تِلْكَ الرِّوَايَاتِ جَعَلَ جَوَازَ الْوَقْفِ عَلَيْهِنَّ بِالِاتِّفَاقِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا الثَّانِي إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي وَهُوَ شَرْطُ الْوِلَايَةِ لِنَفْسِهِ فَقَدْ نَصَّ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ عَلَى جَوَازِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَهُوَ قَوْلُ هِلَالٍ أَيْضًا وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَنَقَلَ النَّاطِفِيُّ فِي الْأَجْنَاسِ عَنْ وَقْفِ هِلَالٍ إذَا جَعَلَ أَرْضَهُ صَدَقَةً مَوْقُوفَةً لِلَّهِ أَبَدًا وَلَمْ يَشْرِطْ الْوِلَايَةَ لِنَفْسِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ فَالْوِلَايَةُ لِلْوَاقِفِ اشْتَرَطَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ ثُمَّ قَالَ النَّاطِفِيُّ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ لَا وِلَايَةَ لِلْوَاقِفِ إلَّا أَنْ يَشْرِطَهُ لِنَفْسِهِ إلَى هُنَا لَفْظُ كِتَابِ النَّاطِفِيِّ وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ التَّسْلِيمَ إلَى الْقَيِّمِ شَرْطُ صِحَّةِ الْوَقْفِ فَبَعْدَ التَّسْلِيمِ إلَيْهِ لَا يَبْقَى لَهُ وِلَايَةٌ إلَّا بِالشَّرْطِ السَّابِقِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ شَرْطَهُ يُرَاعَى) وَمِنْ ضَرُورَتِهِ سُقُوطُ التَّسْلِيمِ اهـ كَمَالٌ
(فَصْلٌ) لَمَّا اخْتَصَّ الْمَسْجِدُ بِأَحْكَامٍ تُخَالِفُ أَحْكَامُ مُطْلَقِ الْوَقْفِ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُشْتَرَطُ فِي زَوَالِ الْمِلْكِ عَنْ الْمَسْجِدِ حُكْمُ الْحَاكِمِ وَلَا الْإِيصَاءُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ مُشَاعًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَا يُشْتَرَطُ التَّسْلِيمُ إلَى الْمُتَوَلِّي عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَفْرَدَهُ بِفَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ وَأَخَّرَهُ. اهـ.
بِجَمَاعَةٍ جَهْرًا بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ حَتَّى لَوْ كَانَ سِرًّا بِأَنْ كَانَ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ لَا يَصِيرُ مَسْجِدًا وَلَوْ جَعَلَ لَهُ إمَامًا وَمُؤَذِّنًا وَهُوَ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَصَلَّى فِيهِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ صَارَ مَسْجِدًا اتِّفَاقًا لِأَنَّ أَدَاءَ الصَّلَاةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَالْجَمَاعَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُؤَذِّنَ لَوْ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ لَيْسَ لِمَنْ يَجِيءُ بَعْدَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالْجَمَاعَةِ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ تُبْنَى لِإِقَامَةِ الصَّلَوَاتِ فِيهَا بِالْجَمَاعَةِ فَلَا يَصِيرُ مَسْجِدًا قَبْلَ حُصُولِ هَذَا الْمَقْصُودِ وَلَوْ سَلَّمَ الْمَسْجِدَ إلَى مُتَوَلٍّ نَصَّبَهُ لِيَقُومَ بِمَصَالِحِهِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ قَدْ يَكُونُ لَهُ خَادِمٌ يَكْنُسُ وَيُغْلِقُ الْبَابَ وَنَحْوَهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله يَزُولُ مِلْكُهُ بِقَوْلِهِ جَعَلْته مَسْجِدًا لِأَنَّ التَّسْلِيمَ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لِمِلْكِ الْعَبْدِ فَيَصِيرُ خَالِصًا لِلَّهِ بِسُقُوطِ حَقِّ الْعَبْدِ وَصَارَ كَالْإِعْتَاقِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ وَإِذَا صَارَ مَسْجِدًا عَلَى اخْتِلَافِهِمْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ وَحَرُمَ بَيْعُهُ فَلَا يُورَثُ وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ لِأَنَّهُ صَارَ لِلَّهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} [الجن: 18] وَلَا رُجُوعَ فِيمَا صَارَ لِلَّهِ تَعَالَى كَالصَّدَقَةِ
قَالَ رحمه الله (وَمَنْ جَعَلَ مَسْجِدًا تَحْتَهُ سِرْدَابٌ أَوْ فَوْقَهُ بَيْتٌ وَجَعَلَ بَابَهُ إلَى الطَّرِيقِ وَعَزَلَهُ أَوْ اتَّخَذَ وَسَطَ دَارِهِ مَسْجِدًا وَأَذِنَ لِلنَّاسِ بِالدُّخُولِ فَلَهُ بَيْعُهُ وَيُورَثُ عَنْهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَخْلُصْ لِلَّهِ لِبَقَاءِ حَقِّ الْعَبْدِ فِيهِ وَالْمَسْجِدُ لَا يَكُونُ إلَّا خَالِصًا لِلَّهِ لِمَا تَلَوْنَا وَمَعَ بَقَاءِ حَقِّ الْعَبْدِ فِي أَسْفَلِهِ أَوْ فِي أَعْلَاهُ أَوْ فِي جَوَانِبِهِ مُحِيطًا بِهِ لَا يَتَحَقَّقُ الْخُلُوصُ كُلُّهُ أَمَّا إذَا كَانَ السُّفْلُ مَسْجِدًا فَلِأَنَّ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ حَقًّا فِي السُّفْلِ حَتَّى لَا يَكُونَ لِصَاحِبِ السُّفْلِ أَنْ يُحْدِثَ فِيهِ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ رِضَا صَاحِبِ الْعُلُوِّ وَأَمَّا إذَا جَعَلَ الْعُلُوَّ مَسْجِدًا فَلِأَنَّ أَرْضَ الْعُلُوِّ مِلْكٌ لِصَاحِبِ السُّفْلِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ شَيْءٌ مِنْ غَيْرِ رِضَا صَاحِبِ السُّفْلِ كَالْبِنَاءِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَإِنَّ السِّرْدَابَ فِيهِ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ بَلْ هُوَ لِمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ حَتَّى لَوْ كَانَ غَيْرُهُ مِثْلَهُ نَقُولُ بِأَنَّهُ صَارَ مَسْجِدًا وَأَمَّا إذَا اتَّخَذَ وَسَطَ دَارِهِ مَسْجِدًا فَلِأَنَّ مِلْكَهُ مُحِيطٌ بِجَوَانِبِهِ فَكَانَ لَهُ حَقُّ الْمَنْعِ مِنْ الدُّخُولِ وَالْمَسْجِدُ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ لَا يَكُونَ لِأَحَدٍ فِيهِ حَقُّ الْمَنْعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [البقرة: 114] وَلِأَنَّهُ لَمْ يَفْرِزْهُ حِينَ أَبْقَى الطَّرِيقَ لِنَفْسِهِ فَلَمْ يَخْلُصْ لِلَّهِ حَتَّى لَوْ عَزَلَ بَابَهُ إلَى الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ صَارَ مَسْجِدًا وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْأَسْفَلُ مَسْجِدًا وَالْأَعْلَى مِلْكًا لِأَنَّ الْأَسْفَلَ أَصْلٌ وَهُوَ يَتَأَبَّدُ وَلَمْ يَجُزْ عَكْسُهُ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ عَكْسُهُ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مُعَظَّمٌ وَلَا تَعْظِيمَ إذَا كَانَ فَوْقَهُ مُسْتَعْلٍ أَوْ مَسْكَنٌ بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَجَازَ الْوَجْهَيْنِ حِينَ قَدِمَ بَغْدَادَ وَرَأَى ضِيقَ الْأَمَاكِنِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ مِثْلُهُ حِينَ قَدِمَ الرَّيَّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَوْ اتَّخَذَ وَسَطَ دَارِهِ مَسْجِدًا صَارَ مَسْجِدًا وَإِنْ لَمْ يَعْزِلْ بَابَهُ إلَى الطَّرِيقِ لِأَنَّهُ لَمَّا رَضِيَ بِكَوْنِهِ مَسْجِدًا وَلَا مَسْجِدَ إلَّا بِطَرِيقٍ دَخَلَ فِيهِ الطَّرِيقُ ضَرُورَةً كَمَا يَدْخُلُ فِي الْإِجَارَةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِانْتِفَاعُ إلَّا بِالطَّرِيقِ وَالِانْتِفَاعُ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا وَلَوْ اتَّخَذَ أَرْضَهُ مَسْجِدًا لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ وَلَا بَيْعُهُ وَكَذَا لَا يُورَثُ عَنْهُ لِتَحَرُّرِهِ لِلَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ الْوَقْفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ يَرْجِعُ فِيهِ مَا لَمْ يَحْكُمْ بِهِ الْحَاكِمُ وَالْفَرْقُ مَا بَيَّنَّاهُ وَلَوْ خَرِبَ مَا حَوْلَ الْمَسْجِدِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ جَعَلَ مَسْجِدًا تَحْتَهُ سِرْدَابٌ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ جَعَلَ مَسْجِدًا تَحْتَهُ سِرْدَابٌ أَوْ فَوْقَهُ بَيْتٌ وَجَعَلَ بَابَ الْمَسْجِدِ إلَى الطَّرِيقِ وَعَزَلَهُ فَلَهُ بَيْعُهُ وَإِنْ مَاتَ يُورَثُ عَنْهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ مِنْ خَوَاصِّ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمَسْجِدُ لَا يَكُونُ إلَّا خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى إلَخْ) وَلِأَنَّ اتِّخَاذَ الْمَسْجِدِ عُرِفَ بِالشَّرِيعَةِ وَفِي الشَّرِيعَةِ لَمْ يَكُنْ الْمَسْجِدُ إلَّا وَمَا فَوْقَهُ وَتَحْتَهُ لِلَّهِ أَلَا تَرَى إلَى مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي بَنَاهُ بِالْمَدِينَةِ وَإِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي بَنَاهُ إبْرَاهِيمُ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - بِمَكَّةَ وَإِلَى مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ الَّذِي بَنَاهُ دَاوُد النَّبِيُّ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - بِالرُّخَامِ وَالْمَرْمَرِ وَجَعَلَ عَلَيْهِ قُبَّةً مِنْ يَاقُوتٍ أَحْمَرَ وَجَعَلَ فَوْقَ ذَلِكَ جَوْهَرًا يُضِيءُ فَرَاسِخَ تَغْزِلُ بِضَوْئِهَا النِّسَاءُ فِي ظُلْمَةِ اللَّيَالِيِ فَكُلُّ مَسْجِدٍ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بِأَنْ لَا يَكُونَ خَالِصًا لِلَّهِ لَمْ يَجُزْ أَوْرَدَ أَبُو اللَّيْثِ هُنَا سُؤَالًا وَجَوَابًا فَقَالَ فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ تَحْتَهُ مُجْتَمَعُ الْمَاءِ وَالنَّاسُ يَنْتَفِعُونَ بِهِ قِيلَ إذَا كَانَ تَحْتَهُ شَيْءٌ يَنْتَفِعُ بِهِ عَامَّةُ الْمُسْلِمِينَ يَجُوزُ لِأَنَّهُ إذَا انْتَفَعَ بِهِ عَامَّةُ الْمُسْلِمِينَ صَارَ ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى أَيْضًا.
وَأَمَّا الَّذِي اتَّخَذَ بَيْتًا لِنَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى فَإِنْ قِيلَ لَوْ جَعَلَ تَحْتَهُ حَانُوتًا وَجَعَلَهُ وَقْفًا عَلَى الْمَسْجِدِ قِيلَ لَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ لَوْ جَعَلَ فِي الِابْتِدَاءِ هَكَذَا صَارَ مَسْجِدًا وَمَا تَحْتَهُ صَارَ وَقْفًا عَلَيْهِ وَيَجُوزُ الْمَسْجِدُ وَالْوَقْفُ الَّذِي تَحْتَهُ وَلَوْ أَنَّهُ بَنَى الْمَسْجِدَ أَوَّلًا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ تَحْتَهُ حَانُوتًا لِلْمَسْجِدِ فَهُوَ مَرْدُودٌ بَاطِلٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَدَّ إلَى حَالِهِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْفَقِيهِ وَالسِّرْدَابُ بِكَسْرِ السِّينِ كَذَا فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ وَهُوَ بَيْتٌ تَحْتَ الْأَرْضِ لِلتَّبْرِيدِ. اهـ. مُغْرِبٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَجَازَ الْوَجْهَيْنِ) يَعْنِي فِيمَا إذَا كَانَ تَحْتَهُ سِرْدَابٌ وَفَوْقَهُ بَيْتٌ اهـ (قَوْلُهُ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ مِثْلُهُ حِينَ قَدِمَ الرَّيَّ) قَالَ الْكَمَالُ وَهَذَا تَعْلِيلٌ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ تَعْلِيلٌ بِالضَّرُورَةِ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ مِثْلَهُ وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ خَرِبَ مَا حَوْلَ الْمَسْجِدِ إلَخْ) قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ النَّاطِفِيُّ فِي الْأَجْنَاسِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي نَوَادِرِ هِشَامٍ إذَا خَرِبَ الْمَسْجِدُ حَتَّى لَا يُصَلَّى فِيهِ فَاَلَّذِي بَنَاهُ إنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ دَارِهِ وَإِنْ شَاءَ بَاعَهُ وَكَذَلِكَ الْفَرَسُ إذَا جَعَلَهُ حَبِيسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَصَارَ لَا يُسْتَطَاعُ أَنْ يُرْكَبَ فَإِنَّهُ يُبَاعُ وَيَصِيرُ ثَمَنُهَا لِصَاحِبِهَا أَوْ لِوَرَثَتِهِ فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لِلْمَسْجِدِ بَانٍ فَخَرِبَ وَبَنَى أَهْلُ الْمَسْجِدِ مَسْجِدًا آخَرَ ثُمَّ أَجْمَعُوا عَلَى بَيْعِهِ وَاسْتَعَانُوا فِي ثَمَنِ الْمَسْجِدِ الْآخَرِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ ثُمَّ نَقَلَ النَّاطِفِيُّ عَنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ إمْلَاءً
وَاسْتُغْنِيَ عَنْهُ يَبْقَى مَسْجِدًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لِمِلْكِهِ فَلَا يَعُودُ إلَى مِلْكِهِ كَالْإِعْتَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ اسْتَغْنَى عَنْهُ أَهْلُهُ فِي زَمَنِ الْفَتْرَةِ وَلَمْ يَعُدْ إلَى وَرَثَةِ الْبَانِي وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله يَعُودُ إلَى مِلْكِهِ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِأَنَّهُ عَيَّنَهُ لِجِهَةٍ وَقَدْ انْقَطَعَتْ كَالْكَفَنِ إذَا خَرَجَ يَرْجِعُ إلَى مَالِكِهِ وَعَلَى هَذَا حَصِيرُ الْمَسْجِدِ وَحَشِيشُهُ إذَا اُسْتُغْنِيَ عَنْهُمَا يَرْجِعُ إلَى مَالِكِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَنْتَقِلُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الرِّبَاطُ وَالْبِئْرُ إذَا لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِمَا
قَالَ رحمه الله (وَمَنْ بَنِي سِقَايَةً أَوْ خَانًا أَوْ رِبَاطًا أَوْ مَقْبَرَةً لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ حَتَّى يَحْكُمَ بِهِ حَاكِمٌ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَزُولُ مِلْكُهُ بِالْقَوْلِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله إذَا اسْتَقَى النَّاسُ مِنْ السِّقَايَةِ وَسَكَنُوا الْخَانَ وَالرِّبَاطَ وَدَفَنُوا فِي الْمَقْبَرَةِ زَالَ الْمِلْكُ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَنَى عَلَى أَصْلِهِ مِنْ اشْتِرَاطِ حُكْمِ الْحَاكِمِ أَوْ التَّسْلِيمِ أَوْ مُجَرَّدِ الْقَوْلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَلَوْ سَلَّمَ إلَى الْمُتَوَلِّي صَحَّ التَّسْلِيمُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى أَنَّهُ شَرْطٌ وَلَوْ جَعَلَ أَرْضَهُ طَرِيقًا فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ ثُمَّ لَا فَرْقَ فِي الِانْتِفَاعِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ حَتَّى جَازَ لِلْكُلِّ النُّزُولُ فِي الْخَانِ وَالرِّبَاطِ وَالشُّرْبِ مِنْ السِّقَايَةِ وَالدَّفْنِ فِي الْمَقْبَرَةِ بِخِلَافِ الْغَلَّةِ حَيْثُ لَا تَجُوزُ إلَّا لِلْفُقَرَاءِ لِأَنَّ الْغَنِيَّ مُسْتَغْنٍ بِمَالِهِ عَنْ الصَّدَقَةِ وَلَا يَسْتَغْنِي عَمَّا ذَكَرْنَا عَادَةً وَهِيَ الْفَارِقَةُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَصْحِبَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ عَادَةً فَكَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهَا كَالْفَقِيرِ وَلَا حَاجَةَ إلَى الْغَلَّةِ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهَا بِمَالِهِ وَعَلَى هَذَا الْوَقْفِ حَتَّى لَوْ وَقَفَ أَرْضًا لِيَصْرِفَ غَلَّتَهَا إلَى الْحَاجِّ أَوْ إلَى الْغُزَاةِ أَوْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ لَا يُصْرَفُ إلَى الْغَنِيِّ مِنْهُمْ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ فِي بَابِ تَسْلِيمِ الْوَقْفِ وَعَلَى هَذَا لَوْ جَعَلَ دَارِهِ مَسْكَنًا لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ فِي أَيِّ بَلَدٍ كَانَ يَسْتَوِي فِيهِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْفَرْقِ وَرَوَى فِي الْخَبَرِ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْمَدِينَةَ وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ يُسْتَعْذَبُ غَيْرَ بِئْرِ رُومَةَ فَقَالَ مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ فَيَجْعَلُ فِيهَا دَلْوَهُ مَعَ وَلَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِخَيْرٍ لَهُ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ فَاشْتَرَيْتهَا مِنْ صُلْبِ مَالِي» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ فَإِذَا جَازَ لِلْوَاقِفِ أَنْ يَشْرَبَ مِنْهُ فَمَا ظَنُّك بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ جُعِلَ شَيْءٌ مِنْ الطَّرِيقِ مَسْجِدًا صَحَّ كَعَكْسِهِ) مَعْنَاهُ إذَا بَنَى قَوْمٌ مَسْجِدًا وَاحْتَاجُوا إلَى مَكَان لِيَتَّسِعَ فَأَدْخَلُوا شَيْئًا مِنْ الطَّرِيقِ فِي الْمَسْجِدِ وَكَانَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِأَصْحَابِ الطَّرِيقِ جَازَ ذَلِكَ وَكَذَا إذَا ضَاقَ الْمَسْجِدُ عَلَى النَّاسِ وَبِجَنْبِهِ أَرْضٌ لِرَجُلٍ تُؤْخَذُ أَرْضُهُ بِالْقِيمَةِ كُرْهًا لِمَا رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
مَسْجِدٌ بَادَ وَعُطِّلَتْ الصَّلَوَاتُ فِيهِ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ يَهْدِمَهُ وَلَا يَتَّخِذَهُ مَنْزِلًا وَلَا بَيْعَهُ ذَلِكَ قَالَ النَّاطِفِيُّ هَذَا عِنْدِي قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ ثُمَّ قَالَ النَّاطِفِيُّ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ إنْ خَرِبَتْ الْقَرْيَةُ الَّتِي فِيهَا الْمَسْجِدُ وَجُعِلَتْ مَزَارِعَ وَخَرِبَ الْمَسْجِدُ وَلَا يُصَلِّي فِيهِ أَحَدٌ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَأْخُذَهُ صَاحِبُهُ وَيَبِيعَهُ لِمَنْ يَجْعَلُهُ مَزْرَعَةً وَيَأْخُذَ ثَمَنَهُ فَيَأْكُلَهُ أَوْ يَجْعَلَهُ مَزْرَعَتَهُ إلَى هُنَا لَفْظُ رِوَايَةِ الْأَجْنَاسِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ رحمه الله (قَوْلُهُ يَبْقَى مَسْجِدًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَعَنْ أَحْمَدَ يُبَاعُ نَقْضُهُ وَيُصْرَفُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ. اهـ. فَتْحٌ
(قَوْلُهُ مِنْ اشْتِرَاطِ حُكْمِ الْحَاكِمِ أَوْ التَّسْلِيمِ إلَخْ) وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بُدَّ مِنْ التَّسْلِيمِ وَلَكِنْ فِي كُلِّ بَابٍ يُعْتَبَرُ مَا يَلِيقُ بِهِ فَفِي الْخَانِ يَحْصُلُ التَّسْلِيمُ بِالسُّكْنَى وَفِي الرِّبَاطِ بِالنُّزُولِ وَفِي السِّقَايَةِ بِشُرْبِ النَّاسِ وَفِي الْمَقْبَرَةِ بِدَفْنِهِمْ وَيَكْتَفِي إذَا وَجَدَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِنْ وَاحِدٍ لِتَعَذُّرِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ جُعِلَ شَيْءٌ مِنْ الطَّرِيقِ مَسْجِدًا إلَخْ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ رحمه الله فِي فَتَاوَاهُ مَسْجِدٌ أَرَادَ أَهْلُهُ أَنْ يَجْعَلُوا الرَّحْبَةَ مَسْجِدًا أَوْ الْمَسْجِدَ رَحْبَةً أَوْ أَرَادُوا أَنْ يُحْدِثُوا لَهُ بَابًا أَوْ أَرَادُوا أَنْ يُحَوِّلُوا الْبَابَ عَنْ مَوْضِعِهِ فَلَهُمْ ذَلِكَ فَإِنْ اخْتَلَفُوا يُنْظَرُ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ وَأَفْضَلُ فَلَهُمْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا تَعَارُضَ لِانْعِدَامِ التَّسَاوِي اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ وَفِي كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ مِنْ الْخُلَاصَةِ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ هُشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ شَيْءٌ مِنْ الطَّرِيقِ مَسْجِدًا أَوْ يُجْعَلَ شَيْءٌ مِنْ الْمَسْجِدِ طَرِيقًا لِلْعَامَّةِ اهـ يَعْنِي إذَا احْتَاجُوا إلَى ذَلِكَ وَلِأَهْلِ الْمَسْجِدِ أَنْ يَجْعَلُوا الرَّحْبَةَ مَسْجِدًا وَكَذَا عَلَى الْقَلْبِ وَيُحَوِّلُوا الْبَابَ أَوْ يُحْدِثُوا لَهُ بَابًا وَلَوْ اخْتَلَفُوا يُنْظَرُ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ وِلَايَةً لَهُ ذَلِكَ وَلَهُمْ أَنْ يَهْدِمُوهُ لِيُجَدِّدُوهُ وَلَيْسَ لِمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ ذَلِكَ وَكَذَا لَهُمْ أَنْ يَضَعُوا الْحَبَّاب وَيُعَلِّقُوا الْقَنَادِيلَ وَيَفْرِشُوا الْحُصْرَ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ مَالِ أَنْفُسِهِمْ وَأَمَّا مِنْ مَالِ الْوَقْفِ فَلَا يَفْعَلُ غَيْرُ الْمُتَوَلِّي إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي الْكُلُّ مِنْ الْخُلَاصَةِ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ وَعَلَى الْقَلْبِ يَقْتَضِي جَعْلَ الْمَسْجِدِ رَحْبَةً وَفِيهِ نَظَرٌ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي عَلَامَةِ النُّونِ مِنْ كِتَابِ التَّجْنِيسِ قَيِّمُ الْمَسْجِدِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ حَوَانِيتَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِنَائِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ لِأَنَّهُ إذَا جَعَلَ الْمَسْجِدَ مَسْكَنًا تَسْقُطُ حُرْمَةُ الْمَسْجِدِ وَأَمَّا الْفِنَاءُ فَلِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْمَسْجِدِ اهـ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ رحمه الله (فَرْعٌ) طَرِيقٌ لِلْعَامَّةِ وَهِيَ وَاسِعَةٌ فَبَنَى فِيهِ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ مَسْجِدًا لِلْعَامَّةِ وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ بِالطَّرِيقِ قَالُوا لَا بَأْسَ بِهِ وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِأَنَّ الطَّرِيقَ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمَسْجِدَ لَهُمْ أَيْضًا وَإِنْ أَرَادَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ أَنْ يُدْخِلُوا شَيْئًا مِنْ الطَّرِيقِ فِي دُورِهِمْ وَذَاكَ لَا يَضُرُّ بِالطَّرِيقِ لَا يَكُونُ لَهُمْ ذَلِكَ وَلِأَهْلِ الْمَحَلَّةِ تَحْوِيلُ بَابِ الْمَسْجِدِ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعِ قَوْمٍ بَنَوْا مَسْجِدًا وَاحْتَاجُوا إلَى مَكَان لِيَتَّسِعَ الْمَسْجِدُ فَأَخَذُوا مِنْ الطَّرِيقِ فَأَدْخَلُوهُ فِي الْمَسْجِدِ إذَا كَانَ ذَلِكَ يَضُرُّ بِأَصْحَابِ الطَّرِيقِ لَا يَجُوزُ وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَوْ ضَاقَ الْمَسْجِدُ عَلَى النَّاسِ وَبِجَنْبِهِ أَرْضٌ لِرَجُلٍ تُؤْخَذُ أَرْضُهُ بِالْقِيمَةِ كُرْهًا وَلَوْ كَانَ بِجَنْبِ الْمَسْجِدِ أَرْضُ وَقْفٍ عَلَى الْمَسْجِدِ فَأَرَادُوا أَنْ يُزِيدُوا شَيْئًا فِي الْمَسْجِدِ مِنْ الْأَرْضِ جَازَ ذَلِكَ بِأَمْرِ الْقَاضِي اهـ
أَنَّهُمْ لَمَّا ضَاقَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ أَخَذُوا أَرْضِينَ بِكُرْهٍ مِنْ أَصْحَابِهَا بِالْقِيمَةِ وَزَادُوا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَقَوْلُهُ كَعَكْسِهِ أَيْ كَمَا جَازَ عَكْسُهُ وَهُوَ مَا إذَا جُعِلَ فِي الْمَسْجِدِ مَمَرٌّ لِتَعَارُفِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ فِي الْجَوَامِعِ وَجَازَ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَمُرَّ فِيهِ حَتَّى الْكَافِرُ إلَّا الْجُنُبَ وَالْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُدْخِلُوا فِيهِ الدَّوَابَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَهُوَ مَا إذَا جَعَلَ فِي الْمَسْجِدِ مَمَرٌّ) يُوهَمُ التَّخْصِيصَ بِهَذِهِ الصُّورَةِ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ شَامِلَةٌ لَهَا وَلِغَيْرِهَا وَانْظُرْ إلَى الْحَاشِيَةِ الَّتِي كَتَبْتهَا عِنْدَ قَوْلِهِ كَعَكْسِهِ. اهـ.