المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب اليمين في الضرب والقتل وغير ذلك) - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي - جـ ٣

[الفخر الزيلعي]

فهرس الكتاب

- ‌(بَابُ الظِّهَارِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَار]

- ‌(بَابُ اللِّعَانِ)

- ‌(بَابُ الْعِنِّينِ وَغَيْرِهِ)

- ‌(بَابُ الْعِدَّةِ)

- ‌(فَصْلٌ).فِي الْإِحْدَادِ

- ‌(بَابُ ثُبُوتِ النَّسَبِ)

- ‌[بَابُ الْحَضَانَةِ]

- ‌(بَابُ النَّفَقَةِ)

- ‌(كِتَابُ الْإِعْتَاقِ)

- ‌(بَابُ الْعَبْدُ يَعْتِقُ بَعْضُهُ)

- ‌(بَابُ الْحَلِفِ بِالدُّخُولِ)

- ‌{بَابُ الْعِتْقِ عَلَى جُعْلٍ}

- ‌{بَابُ التَّدْبِيرِ}

- ‌بَابُ الِاسْتِيلَادِ

- ‌{كِتَابُ الْأَيْمَانِ}

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَالسُّكْنَى وَالْإِتْيَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ)

- ‌{بَابُ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللُّبْسِ وَالْكَلَامِ}

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ)

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّزَوُّجِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا)

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ)

- ‌(كِتَابُ الْحُدُودِ)

- ‌(بَابُ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ)

- ‌(بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَالرُّجُوعِ عَنْهَا)

- ‌(بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ)

- ‌(بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي التَّعْزِيرِ)

- ‌(كِتَابُ السَّرِقَةِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الْحِرْزِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ وَإِثْبَاتِهِ]

- ‌(بَابُ قَطْعِ الطَّرِيقِ)

- ‌(كِتَابُ السِّيَرِ)

- ‌[بَابُ الْغَنَائِمِ وَقِسْمَتِهَا]

- ‌(فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ)

- ‌(بَابُ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ)

- ‌(بَابُ الْمُسْتَأْمَنِ)

- ‌[فَصْلٌ إقَامَة الْمُسْتَأْمَنُ فِي دارنا إقَامَة دائمة]

- ‌(بَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ)

- ‌(بَابُ الْمُرْتَدِّينَ)

- ‌(بَابُ الْبُغَاةِ)

- ‌[كِتَابُ اللَّقِيطِ]

- ‌[كِتَابُ اللُّقَطَةِ]

- ‌(كِتَابُ الْآبِقِ)

- ‌[كِتَاب الْمَفْقُود]

- ‌(كِتَابُ الشِّرْكَةِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الشِّرْكَةِ الْفَاسِدَةِ)

- ‌(كِتَابُ الْوَقْفِ)

- ‌[فَصْلٌ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ حَتَّى يَفْرِزَهُ عَنْ مِلْكِهِ]

الفصل: ‌(باب اليمين في الضرب والقتل وغير ذلك)

وَبَيْنَ الْأَرْضِ ثَوْبُهُ وَهُوَ لَابِسُهُ حَيْثُ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ فَلَا يُعْتَبَرُ حَائِلًا إلَّا إذَا نَزَعَهُ وَفَرَشَهُ عَلَى الْأَرْضِ وَجَلَسَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ كَالْفِرَاشِ وَكَذَا النَّوْمُ عَلَى فِرَاشٍ فَوْقَ فِرَاشٍ أَوْ الْجُلُوسُ عَلَى سَرِيرٍ فَوْقَ سَرِيرٍ لَا يُعَدُّ جَالِسًا وَلَا نَائِمًا عَلَى الْفِرَاشِ الْأَسْفَلِ أَوْ عَلَى السَّرِيرِ الْأَسْفَلِ وَذُكِرَ فِي الْكَافِي مَعْزِيًّا إلَى الْمُخْتَلِفِ أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله يَحْنَثُ فِي الْفِرَاشِ فَوْقَ الْفِرَاشِ لِأَنَّهُ نَائِمٌ عَلَيْهِمَا عُرْفًا يُقَالُ نَائِمٌ عَلَى فِرَاشَيْنِ فَصَارَ كَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا فَسَلَّمَ عَلَى جَمْعٍ هُوَ فِيهِمْ وَقَوْلُهُ لَا يَجْلِسُ عَلَى سَرِيرٍ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ السَّرِيرُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ نَكِرَةً كَمَا ذَكَرَهُ يَحْنَثُ بِالْجُلُوسِ عَلَى السَّرِيرِ الْأَعْلَى لِأَنَّ اللَّفْظَ الْمُنَكَّرَ يَتَنَاوَلُهُ وَإِنَّمَا لَا يَحْنَثُ إذَا كَانَ السَّرِيرُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مُعَيَّنًا بِأَنْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى هَذَا السَّرِيرِ فَجَعَلَ فَوْقَهُ سَرِيرًا آخَرَ فَجَلَسَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ غَيْرُهُ قَالَ رحمه الله (وَلَوْ جُعِلَ عَلَى الْفِرَاشِ قِرَامٌ أَوْ عَلَى السَّرِيرِ بِسَاطٌ أَوْ حَصِيرٌ حَنِثَ) لِأَنَّهُ يُعَدُّ جَالِسًا وَنَائِمًا عَلَى الْفِرَاشِ وَالسَّرِيرِ عَادَةً وَعَلَى هَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى هَذَا السَّطْحِ أَوْ الدُّكَّانِ أَوْ لَا يَجْلِسُ فَبَسَطَ عَلَيْهِ فِرَاشًا أَوْ حَصِيرًا فَنَامَ عَلَيْهِ أَوْ جَلَسَ حَنِثَ لِأَنَّهُ يُعَدُّ نَائِمًا وَجَالِسًا عَلَيْهِمَا وَالنَّوْمُ وَالْجُلُوسُ عَلَيْهِمَا هَكَذَا يَكُونُ عَادَةً أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ هَذَا الْفَرَسَ فَوَضَعَ عَلَيْهِ سَرْجًا فَرَكِبَهُ حَنِثَ بِخِلَافِ الْفِرَاشِ عَلَى الْفِرَاشِ أَوْ السَّرِيرِ عَلَى السَّرِيرِ لِأَنَّ الْأَعْلَى مِثْلُ الْأَسْفَلِ فَلَا يَكُونُ تَبَعًا لَهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى الْأَرْضِ حَيْثُ لَا يَحْنَثُ بِالْجُلُوسِ عَلَى الْفِرَاشِ وَالْفَارِقُ الْعُرْفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(بَابُ الْيَمِينِ فِي الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ)

وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَا شَرِكَ الْمَيِّتُ فِيهِ الْحَيَّ يَقَعُ الْيَمِينُ فِيهِ عَلَى حَالَةِ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ وَمَا اُخْتُصَّ بِحَالَةِ الْحَيَاةِ تَقَيَّدَ بِهَا قَالَ رحمه الله (إنْ ضَرَبْتُك وَكَسَوْتُك وَكَلَّمْتُك وَدَخَلْت عَلَيْك فَعَبْدِي حُرٌّ تَقَيَّدَ بِالْحَيَاةِ) أَيْ لَوْ قَالَ إنْ ضَرَبْتُك أَوْ كَسَوْتُك أَوْ دَخَلْت عَلَيْك فَعَبْدِي حُرٌّ تَقَيَّدَ بِحَيَاةِ الْمُخَاطَبِ حَتَّى لَوْ فَعَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُخَاطَبِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تَتَحَقَّقُ فِي الْمَيِّتِ وَهَذَا لِأَنَّ الضَّرْبَ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُؤْلِمٍ يَتَّصِلُ بِالْبَدَنِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ لَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَذَّبُ فِي الْقَبْرِ تُوضَعُ فِيهِ الْحَيَاةُ فِي الصَّحِيحِ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ تِلْكَ الْحَيَاةِ وَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا أَنَّ أَيُّوبَ عليه الصلاة والسلام أُمِرَ أَنْ يَضْرِبَ امْرَأَتَهُ بِالضِّغْثِ وَهُوَ غَيْرُ مُؤْلِمٍ لِأَنَّهُ حُزْمَةٌ صَغِيرَةٌ مِنْ حَشِيشٍ أَوْ رَيْحَانٍ لِأَنَّهُ جَازَ أَنْ يَكُونَ مُخْتَصًّا بِهِ إكْرَامًا لَهُ وَتَخْفِيفًا عَلَيْهَا وَقِيلَ الضِّغْثُ قَبْضَةٌ مِنْ أَغْصَانِ الشَّجَرِ فَعَلَى هَذَا لَا إشْكَالَ فِيهِ وَالْكِسْوَةُ يُرَادُ بِهَا التَّمْلِيكُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَمِنْهُ الْكِسْوَةُ فِي الْكَفَّارَةِ وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمَيِّتِ

وَلِهَذَا لَوْ تَبَرَّعَ بِكَفَنِهِ أَحَدٌ ثُمَّ أَخْرَجَهُ السَّيْلُ أَوْ السِّبَاعُ يَكُونُ لِلْمُتَبَرِّعِ لَا لِوَرَثَتِهِ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ اللُّبْسِ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ السَّتْرِ وَهُوَ يَتَحَقَّقُ فِي الْمَيِّتِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُهُ فَأُلْبِسَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ يَحْنَثُ لِمَا قُلْنَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِالْكِسْوَةِ السَّتْرَ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَحْنَثُ وَالْكَلَامُ يُرَادُ بِهِ الْإِفْهَامُ وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمَيِّتِ وَلَا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ يُقَالُ نَائِمٌ عَلَى فِرَاشَيْنِ) أَيْ وَلَا يُقَالُ جَلَسَ عَلَى سَرِيرَيْنِ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا فَوْقَ الْآخَرِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَسَلَّمَ عَلَى جَمْعٍ هُوَ فِيهِمْ) أَيْ بِقَوْلِهِ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ لَا يَجْلِسُ عَلَى سَرِيرٍ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ) قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ قَالَ الْكَمَالُ أَيْ فِرَاشٍ مُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ قَالَ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ عَلَى هَذَا الْفِرَاشِ وَبِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَإِنْ جَعَلَ فَوْقَهُ فِرَاشًا آخَرَ فَنَامَ عَلَيْهِ لَا يَحْنَثُ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ مُنَكَّرًا لَحَنِثَ لِأَنَّهُ نَامَ عَلَى فِرَاشٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى هَذَا السَّطْحِ أَوْ الدُّكَّانِ إلَخْ) وَلَوْ بَنَى دُكَّانًا فَوْقَ الدُّكَّانِ أَوْ سَطْحًا فَوْقَ السَّطْحِ انْقَطَعَتْ النِّسْبَةُ عَنْ الْأَسْفَلِ فَلَا يَحْنَثُ بِالْجُلُوسِ عَلَى الْأَعْلَى وَلِذَا كُرِهَتْ الصَّلَاةُ عَلَى سَطْحِ الْكَنِيفِ وَالْإِصْطَبْلِ وَلَوْ بَنَى عَلَى ذَلِكَ سَطْحًا آخَرَ فَصَلَّى عَلَيْهِ لَا يُكْرَهُ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ حَلَفَ لَا يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ فَمَشَى عَلَيْهَا بِنَعْلٍ أَوْ خُفٍّ حَنِثَ وَإِنْ حَلَفَ عَلَى بِسَاطٍ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ مَشَى عَلَى أَحْجَارٍ حَنِثَ لِأَنَّهَا مِنْ الْأَرْضِ. اهـ. كَمَالٌ

[بَابُ الْيَمِينِ فِي الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ]

(بَابُ الْيَمِينِ فِي الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ)(قَوْلُهُ وَهَذَا لِأَنَّ الضَّرْبَ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُؤْلِمٍ يَتَّصِلُ بِالْبَدَنِ) أَيْ أَوْ اسْتِعْمَالُ آلَةِ التَّأْدِيبِ فِي مَحَلٍّ قَابِلٍ لِلتَّأْدِيبِ وَالْإِيلَامِ وَالْأَدَبُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ لَا يُحِسُّ وَلِذَا كَانَ الْحَقُّ أَنَّ الْمَيِّتَ الْمُعَذَّبَ فِي قَبْرِهِ تُوضَعُ فِيهِ الْحَيَاةُ بِقَدْرِ مَا يُحِسُّ بِالْأَلَمِ وَالْبِنْيَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ حَتَّى لَوْ كَانَ مُتَفَرِّقَ الْأَجْزَاءِ بِحَيْثُ لَا تَتَمَيَّزُ الْأَجْزَاءُ بَلْ هِيَ مُخْتَلِطَةٌ بِالتُّرَابِ فَعُذِّبَ جُعِلَتْ الْحَيَاةُ فِي تِلْكَ الْأَجْزَاءِ الَّتِي لَا يَأْخُذُهَا الْبَصَرُ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ لَقَدِيرٌ وَالْخِلَافُ فِيهِ إنْ كَانَ بِنَاءً عَلَى إنْكَارِ عَذَابِ الْقَبْرِ وَإِلَّا فَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْ عَاقِلٍ الْقَوْلُ بِالْعَذَابِ مَعَ عَدَمِ الْإِحْسَاسِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الْكَرَّامِيَّةِ وَالصَّالِحِيَّةِ اهـ أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ تِلْكَ الْحَيَاةِ) فَقِيلَ تُوضَعُ فِيهِ الْحَيَاةُ بِقَدْرِ مَا يَتَأَلَّمُ لَا الْحَيَاةُ الْمُطْلَقَةُ وَقِيلَ تُوضَعُ فِيهِ الْحَيَاةُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. اهـ. (قَوْلُهُ بِالضِّغْثِ) وَالضِّغْثُ فِي اللُّغَةِ مَا جَمَعْته بِكَفِّك مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ فَانْتَزَعْته قَالَ الشَّاعِرُ

وَجَمَعْت ضِغْثًا مِنْ خَلَا مُتَطَيِّبٍ

كَذَا قَالَ صَاحِبُ الْجَمْهَرَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْكِسْوَةُ يُرَادُ بِهَا التَّمْلِيكُ) أَيْ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ) أَيْ يُقَالُ كَسَا الْأَمِيرُ فُلَانًا أَيْ مَلَّكَهُ. اهـ. كَافِي

(قَوْلُهُ وَمِنْهُ الْكِسْوَةُ فِي الْكَفَّارَةِ) أَيْ فَلَوْ أَنَّهُ كَسَا عَشْرَةَ أَمْوَاتٍ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِهِ لَمْ تُجْزِهِ لِعَدَمِ التَّمْلِيكِ يُؤَيِّدُهُ أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ قَالَ كَسَوْتُك هَذَا الثَّوْبَ يَصِيرُ هِبَةً قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ لَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِالْفَارِسِيَّةِ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ بِالْفَارِسِيَّةِ يُرَادُ بِهِ اللُّبْسُ وَلَا يُرَادُ بِهِ التَّمْلِيكُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يُلْبِسُهُ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يُلْبِسُ فُلَانًا ثَوْبًا فَأَلْبَسَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ يَحْنَثُ اهـ (قَوْلُهُ لِمَا قُلْنَا) يَعْنِي بِخِلَافِ الْكِسْوَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمَيِّتِ) أَيْ فَلَوْ كَلَّمَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا يَحْنَثُ اهـ

ص: 156

يُقَالُ «إنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ لِقَتْلَى بَدْرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا» فَلَوْلَا أَنَّهُ فِيهِ مُتَحَقِّقٌ لَمَا قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ لِأَنَّا نَقُولُ رَدَّتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَتْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل: 80] وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر: 22] فَلَمْ يَثْبُتْ وَلَئِنْ ثَبَتَ فَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِوَعْظِ الْأَحْيَاءِ وَنَظِيرُهُ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه كَانَ إذَا أَتَى الْمَقَابِرَ قَالَ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ دِيَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ أَمَّا نِسَاؤُكُمْ فَقَدْ نُكِحَتْ وَأَمْوَالُكُمْ فَقَدْ قُسِمَتْ وَدِيَارُكُمْ فَقَدْ سُكِنَتْ فَهَذَا خَبَرُكُمْ عِنْدَنَا فَمَا خَبَرُنَا عِنْدَكُمْ وَكَانَ يَقُولُ سَلْ الْأَرْضَ مَنْ شَقَّ أَنْهَارَك وَغَرَسَ أَشْجَارَك وَجَنَى ثِمَارَك فَإِنْ لَمْ تُجِبْك جَوَابًا أَجَابَتْك اعْتِبَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْوَعْظِ لِلْأَحْيَاءِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْخِطَابِ لِلْمَوْتَى وَالْجَمَادَاتِ وَالْغَرَضُ مِنْ الدُّخُولِ إكْرَامُهُ بِتَعْظِيمِهِ أَوْ إهَانَتُهُ بِتَحْقِيرِهِ أَوْ زِيَارَتُهُ وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ بِالدُّخُولِ بِأَنْ دَخَلَ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ لِحَاجَةٍ أُخْرَى أَوْ دَخَلَ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَجْلِسُ فِيهِ لِلزِّيَارَةِ كَالْمَسْجِدِ وَالظُّلَّةِ وَالدِّهْلِيزِ لَا يَكُونُ دُخُولًا عَلَيْهِ إلَّا إذَا اعْتَادَ الْجُلُوسَ فِيهِ لِلزِّيَارَةِ وَلَا يَتَحَقَّقُ الْكُلُّ بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ لَا يُزَارُ هُوَ وَإِنَّمَا يُزَارُ قَبْرُهُ قَالَ عليه الصلاة والسلام «كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزَرُوهَا»

قَالَ رحمه الله (بِخِلَافِ الْغُسْلِ وَالْحَمْلِ وَالْمَسِّ) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يُغَسِّلُ فُلَانًا أَوْ لَا يَحْمِلُهُ أَوْ لَا يَمَسُّهُ حَيْثُ يَحْنَثُ إذَا فَعَلَ بِهِ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَتَحَقَّقُ فِي الْمَيِّتِ كَمَا تَتَحَقَّقُ فِي الْحَيِّ وَهَذَا لِأَنَّ الْغُسْلَ هُوَ الْإِسَالَةُ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّطْهِيرُ وَالْمَيِّتُ يَطْهُرُ بِالْغُسْلِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا حَمَلَهُ رَجُلٌ وَصَلَّى لَا يَجُوزُ قَبْلَ الْغُسْلِ وَبَعْدَهُ يَجُوزُ وَكَذَا لَوْ صَلَّى عَلَيْهِ قَبْلَ الْغُسْلِ لَا يَجُوزُ فَلَا يُنَافِيهِ الْمَوْتُ وَكَيْفَ يُنَافِيهِ وَغُسْلُهُ وَاجِبٌ عَلَى الْأَحْيَاءِ وَالْحَمْلُ يَتَحَقَّقُ بَعْدَ الْمَوْتِ قَالَ عليه الصلاة والسلام «مَنْ حَمَلَ مَيِّتًا فَلْيَتَوَضَّأْ» وَالْمَسُّ لِلتَّعْظِيمِ أَوْ الشَّفَقَةِ فَيَتَحَقَّقُ بَعْدَ الْمَوْتِ

قَالَ رحمه الله (لَا يَضْرِبُ امْرَأَتَهُ فَمَدَّ شَعْرَهَا أَوْ خَنَقَهَا أَوْ عَضَّهَا حَنِثَ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُهَا فَفَعَلَ بِهَا هَذِهِ الْأَشْيَاءَ يَحْنَثُ لِأَنَّ الضَّرْبَ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُؤْلِمٍ وَقَدْ تَحَقَّقَ وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْمُلَاعَبَةِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ يُسَمَّى مُمَازَحَةً لَا ضَرْبًا عَادَةً وَقِيلَ إذَا كَانَتْ يَمِينُهُ بِالْفَارِسِيَّةِ لَا يَحْنَثُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ

قَالَ رحمه الله (إنْ لَمْ أَقْتُلْ فُلَانًا فَكَذَا وَهُوَ مَيِّتٌ إنْ عَلِمَ بِهِ حَنِثَ) أَيْ إذَا قَالَ شَخْصٌ إنْ لَمْ أَقْتُلْ فُلَانًا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَفُلَانٌ مَيِّتٌ فَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ عَالِمًا بِمَوْتِهِ حِينَ حَلَفَ حَنِثَ لِلْحَالِ لِأَنَّ يَمِينَهُ تَنْعَقِدُ لِتَصَوُّرِ الْبِرِّ فِيهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى إعَادَةِ الْحَيَاةِ فِيهِ إذْ الرُّوحُ لَا تَمُوتُ فَيُمْكِنُ قَتْلُهُ ثُمَّ يَحْنَثُ لِلْحَالِ لِلْعَجْزِ عَادَةً كَمَسْأَلَةِ صُعُودِ السَّمَاءِ قَالَ رحمه الله (وَإِلَّا لَا) أَيْ إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِهِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ لِأَنَّا نَقُولُ) أَيْ هُوَ غَيْرُ ثَابِتٍ فَإِنَّهُ لَمَّا بَلَغَ هَذَا الْحَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ كَذَبْتُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل: 80]{وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر: 22]. اهـ. كَافِي

(قَوْلُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِوَعْظِ الْأَحْيَاءِ) أَيْ لَا لِإِفْهَامِ الْمَوْتَى. اهـ. (قَوْلُهُ فَمَا خَبَرُنَا عِنْدَكُمْ) أَيْ وَبِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِأُولَئِكَ تَضْعِيفًا لِلْحَسْرَةِ عَلَيْهِمْ لَكِنْ بَقِيَ أَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ «إنَّ الْمَيِّتَ لَيَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ إذَا انْصَرَفُوا» وَلْيُنْظَرْ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ زِيَارَتُهُ) أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُقَالُ دَخَلَ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ دَخَلَ عَلَى حَائِطٍ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ الدُّخُولُ عَلَى شَيْءٍ دُخُولًا عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْيَمِينِ لَمْ يَحْنَثْ فِي يَمِينِهِ لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ إذَا دَخَلَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهَذَا لِأَنَّ زِيَارَةَ عَيْنِ الْمَيِّتِ لَا تَكُونُ لِأَنَّ الْمَزُورَ قَبْرُهُ لَا عَيْنُهُ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَلَا فَزُورُوهَا» قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ الْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ يَلَذُّ وَيُؤْلِمُ وَيَغُمُّ وَيَسُرُّ يَقَعُ عَلَى الْحَيَاةِ دُونَ الْمَمَاتِ كَالضَّرْبِ وَالشَّتْمِ وَالْجِمَاعِ وَالْكِسْوَةِ وَالدُّخُولِ عَلَيْهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ وَمِثْلُهُ التَّقْبِيلُ إذَا حَلَفَ لَا يُقَبِّلُهَا فَقَبَّلَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَحْنَثُ «وَتَقْبِيلُهُ عليه الصلاة والسلام عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ بَعْدَ مَا أُدْرِجَ فِي الْكَفَنِ» مَحْمُولٌ عَلَى ضَرْبٍ مِنْ الشَّفَقَةِ وَالتَّعْظِيمِ وَقِيلَ إنْ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى تَقْبِيلِ مُلْتَحٍ يَحْنَثُ أَوْ عَلَى امْرَأَةٍ لَا يَحْنَثُ وَهُوَ عَلَى الْوَجْهِ اهـ

قَوْلُهُ «كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا» أَيْ وَلَمْ يَقُلْ عَنْ زِيَارَةِ الْمَوْتَى. اهـ. فَتْحٌ

(قَوْلُهُ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّطْهِيرُ) قَالَ الْكَمَالُ أَوْ إزَالَةُ الْوَسَخِ وَالْكُلُّ يَتَحَقَّقُ فِي حَالَةِ الْمَوْتِ كَالْحَيَاةِ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا يَضْرِبُ امْرَأَتَهُ فَمَدَّ شَعْرَهَا أَوْ خَنَقَهَا أَوْ عَضَّهَا حَنِثَ) قَالَ الْكَمَالُ وَكَذَا لَوْ وَجَأَهَا أَوْ قَرَصَهَا وَعَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُتَعَارَفُ ضَرْبًا وَأُجِيبَ بِمَا عُلِّلَ بِهِ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ أَنَّ الضَّرْبَ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُؤْلِمٍ يَتَّصِلُ بِهِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ كَذَلِكَ وَفِي الْمُنْتَقَى حَلَفَ لَا يَضْرِبُ فُلَانًا فَنَفَضَ ثَوْبَهُ فَأَصَابَ وَجْهَهُ أَوْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ فَأَدْمَاهُ أَوْ نُشَّابَةٍ فَأَصَابَتْهُ لَا يَحْنَثُ وَاسْتَشْكَلَ يَمِينُ الضَّرْبِ بِأَنَّهَا إمَّا إنْ تَعَلَّقَتْ بِصُورَةِ الضَّرْبِ عُرْفًا فَهُوَ إيقَاعُ آلَةِ التَّأْدِيبِ فِي مَحَلٍّ قَابِلٍ لَهُ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَحْنَثَ بِالْخَنْقِ وَمَدِّ الشَّعْرِ وَالْعَضِّ لِأَنَّهُ لَا يُتَعَارَفُ ضَرْبًا أَوْ بِمَعْنَاهُ وَهُوَ الْإِيلَامُ فَيَجِبُ أَنْ يَحْنَثَ بِالرَّمْيِ بِالْحَجَرِ أَوْ بِهِمَا فَيَحْنَثُ بِالضَّرْبِ مَعَ الْإِيلَامِ مُمَازَحَةً لَكِنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَهُوَ إشْكَالٌ وَارِدٌ وَمَا أُجِيبَ بِهِ مِنْ أَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ حُصُولُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَهُوَ الضَّرْبُ لَفْظًا وَعُرْفًا مِثَالُهُ حَلَفَ لَا يَبِيعُ كَذَا بِعَشْرَةٍ فَبَاعَهُ بِتِسْعَةٍ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ إنْ وُجِدَ شَرْطُ الْحِنْثِ عُرْفًا لَكِنْ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْحِنْثِ لَفْظًا لِأَنَّ مَقْصُودَهُ أَنْ لَا يَبِيعَ بِعَشْرَةٍ أَوْ بِأَقَلَّ بَلْ بِأَكْثَرَ

وَلَوْ بَاعَهُ بِأَكْثَرَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ وَإِنْ وُجِدَ شَرْطُ الْحِنْثِ لَفْظًا لِأَنَّهُ لَمَّا بَاعَهُ بِأَحَدَ عَشَرَ فَقَدْ بَاعَهُ بِعَشْرَةٍ أَيْضًا لَكِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ عُرْفًا فَلَا يَحْنَثُ غَيْرُ دَافِعٍ بِقَلِيلٍ تَأَمَّلْ ثُمَّ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ هَذَا يَعْنِي الْحِنْثَ إذَا كَانَ فِي الْغَضَبِ أَمَّا إذَا فَعَلَ فِي الْمُمَازَحَةِ فَلَا يَحْنَثُ وَلَوْ أَدْمَاهَا لَكِنْ لَا عَلَى قَصْدِ الْإِدْمَاءِ بَلْ وَقَعَ خَطَأً فِي الْمُمَازَحَةِ بِالْيَدِ وَعَنْ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ أَنَّهُ قَالَ هَذَا إذَا كَانَتْ بِالْعَرَبِيَّةِ أَمَّا إذَا كَانَتْ بِالْفَارِسِيَّةِ لَا يَحْنَثُ بِمَدِّ الشَّعْرِ وَالْخَنْقِ وَالْعَضِّ وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظْمُ فِي الْعَرَبِيَّةِ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الْمَذْهَبِ. اهـ.

(قَوْلُهُ لِأَنَّ يَمِينَهُ تَنْعَقِدُ) أَيْ عَلَى حَيَاةٍ يُحْدِثُهَا اللَّهُ وَهُوَ مُمْكِنٌ بِالنَّظَرِ إلَى قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَكِنَّهُ يَحْنَثُ فِي الْحَالِ وَتَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِعَجْزِهِ عَادَةً عَنْ قَتْلِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إذْ الرُّوحُ لَا تَمُوتُ)

ص: 157

وَقْتَ الْحَلِفِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى حَيَاةٍ كَانَتْ فِيهِ وَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ فَيَصِيرُ نَظِيرَ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَاءٌ وَهَذَا قَوْلُهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحْنَثُ لِأَنَّ التَّصَوُّرَ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَهُ لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ كَمَا بَيَّنَّا فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ إلَّا أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ عَلَى الصَّحِيحِ خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى شُرْبِ مَاءٍ مَفْقُودٍ فِي الْكُوزِ وَاَللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ أَحْدَثَ فِيهِ مَاءً فَلَيْسَ هُوَ ذَلِكَ الْمَاءَ الَّذِي كَانَ فِيهِ وَقْتَ الْحَلِفِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْقَتْلِ إذَا كَانَ يَعْلَمُ بِمَوْتِ فُلَانٍ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى فِعْلِ الْقَتْلِ فِي فُلَانٍ فَإِذَا أَحْيَاهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ فُلَانٌ فَكَانَ مَا عَقَدَ عَلَيْهِ مُتَوَهَّمًا وَنَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ أَنْ يَقُولَ وَاَللَّهِ لَأَقْتُلَنَّ هَذَا الْمَيِّتَ فَإِنَّ يَمِينَهُ لَا يَنْعَقِدُ لِمَا أَنَّهُ عَقَدَهَا عَلَى تَفْوِيتِ حَيَاةٍ لَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ زَمَانَ الْحَلِفِ فَلَوْ أَحْدَثَ اللَّهُ فِيهِ حَيَاةً لَا تَكُونُ هِيَ حَيَاةً حَلَفَ عَلَى تَفْوِيتِهَا لِأَنَّ هَذِهِ مَوْجُودَةٌ وَتِلْكَ مَعْدُومَةٌ

قَالَ رحمه الله (وَمَا دُونَ الشَّهْرِ قَرِيبٌ وَهُوَ وَمَا فَوْقَهُ بَعِيدٌ) لِأَنَّ مَا دُونَ الشَّهْرِ يُعَدُّ قَرِيبًا عَادَةً وَالشَّهْرُ وَمَا فَوْقَهُ يُعَدُّ بَعِيدًا عَادَةً حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ إلَى قَرِيبٍ فَهُوَ مَا دُونَ الشَّهْرِ وَإِنْ قَالَ إلَى بَعِيدٍ فَهُوَ الشَّهْرُ فَمَا فَوْقَهُ قَالَ رحمه الله (لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ الْيَوْمَ فَقَضَاهُ زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً أَوْ مُسْتَحَقَّةً بَرَّ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَ فُلَانٍ الْيَوْمَ فَقَضَاهُ فَوَجَدَهَا زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً أَوْ مُسْتَحَقَّةً بَرَّ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّ الزُّيُوفَ دَرَاهِمُ حَقِيقَةً غَيْرَ أَنَّ فِيهَا عَيْبًا وَالْعَيْبُ لَا يُعْدِمُ الْجِنْسِيَّةَ وَلِهَذَا لَوْ تَجَوَّزَ بِهَا صَارَ مُسْتَوْفِيًا وَكَذَا لَوْ تَجَوَّزَ بِهِ فِي رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَبَدَلِ الصَّرْفِ يَجُوزُ وَلَوْلَا أَنَّهُ حَقُّهُ لَمَا جَازَ لِأَنَّهُ يَصِيرُ اسْتِبْدَالًا بِهِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ فِيهِمَا فَإِذَا كَانَ الْمَقْبُوضُ مِنْ حَقِّهِ بَرَّ فِي يَمِينِهِ وَلَا يُنْتَقَضُ الْبِرُّ الْمُتَحَقِّقُ بِانْتِقَاضِ قَضَاءِ الدَّيْنِ لِأَنَّ شَرْطَ الْبِرِّ لَا يَحْتَمِلُ الِانْتِقَاضَ وَقَبْضُ الْمُسْتَحِقِّ صَحِيحٌ حَتَّى لَوْ أَجَازَهُ الْمُسْتَحِقُّ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ جَازَ فَقَدْ وُجِدَ فِيهِ شَرْطُ الْبِرِّ فَيَبَرُّ فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَضَاءِ وَالْبِرِّ حَيْثُ قُلْتُمْ يُنْتَقَضُ قَضَاءُ الدَّيْنِ بِالرَّدِّ أَوْ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَلَا يُنْتَقَضُ الْبِرُّ قُلْنَا لَوْ لَمْ يُنْتَقَضُ الْقَبْضُ لَتَضَرَّرَ صَاحِبُ الدَّيْنِ بِبُطْلَانِ حَقِّهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِيفَاءُ الْجَوْدَةِ وَحْدَهَا وَلَا اسْتِيفَاءُ الْجَيِّدِ مَعَ بَقَاءِ الِاسْتِيفَاءِ الْأَوَّلِ فَتَعَيَّنَ النَّقْضُ ضَرُورَةً لِيَتَمَكَّنَ مِنْ أَخْذِ حَقِّهِ وَلَا حَاجَةَ إلَى نَقْضِهِ فِي حَقِّ الْبِرِّ قَالَ رحمه الله (وَلَوْ رَصَاصًا أَوْ سَتُّوقَةً لَا) أَيْ لَوْ وَجَدَهُ رَصَاصًا أَوْ سَتُّوقَةً لَا يَبَرُّ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ وَلِهَذَا لَوْ تَجَوَّزَ بِهِمَا لَمْ يَجُزْ إلَّا بِرِضَا الْآخَرِ بِطَرِيقِ الِاسْتِبْدَالِ وَلَوْ تَجَوَّزَ بِهِمَا فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ لَا يَجُوزُ لِحُرْمَةِ الِاسْتِبْدَالِ وَهَذَا لِأَنَّ السَّتُّوقَةَ هِيَ الَّتِي غَلَبَ عَلَيْهَا النُّحَاسُ فَصَارَ حُكْمُهَا حُكْمَ النُّحَاسِ وَالزُّيُوفُ هُوَ الرَّدِيءُ مِنْ الدَّرَاهِمِ يَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ وَالنَّبَهْرَجَةُ أَرْدَأُ مِنْهُ يَرُدُّهُ التُّجَّارُ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهُ فِضَّةً وَالْأَقَلُّ سَتُّوقَةً لَا يَحْنَثُ وَبِالْعَكْسِ يَحْنَثُ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْغَالِبِ

قَالَ رحمه الله (وَالْبَيْعُ بِهِ قَضَاءٌ) أَيْ الْبَيْعُ بِالدَّيْنِ قَضَاءٌ لِلدَّيْنِ حَتَّى يَبَرُّ فِي يَمِينِهِ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ طَرِيقُهُ الْمُقَاصَّةُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

لَكِنَّهُ زَالَ عَنْ قَلْبِ فُلَانٍ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ فَيَصِيرُ نَظِيرَ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَاءٌ) أَيْ فَعِنْدَهُ تَنْعَقِدُ وَيَحْنَثُ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَا كَفَّارَةَ لِأَنَّهُ لَا حِنْثَ إذْ لَا انْعِقَادَ. اهـ. فَتْحٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ الْيَوْمَ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَمَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ إلَى قَرِيبٍ أَوْ عَاجِلًا فَهُوَ مَا دُونَ الشَّهْرِ فَإِنْ أَخَّرَهُ إلَى الشَّهْرِ حَنِثَ وَإِنْ قَالَ إلَى بَعِيدٍ أَوْ آجِلًا فَهُوَ عَلَى الْأَكْثَرِ مِنْ شَهْرٍ وَعَلَى الشَّهْرِ أَيْضًا وَلَكِنَّهُ قَصَدَ الطِّبَاقَ بَيْنَ قَوْلِهِ مَا دُونَ الشَّهْرِ وَمَا فَوْقَهُ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا مَاتَ لِشَهْرٍ فَصَاعِدًا مِنْ حِينِ حَلَفَ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ بِلَا غَايَةٍ مَحْدُودَةٍ إلَّا الْمَوْتَ فَإِنْ مَاتَ لِأَقَلَّ مِنْهُ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ عَلَى مُقْتَضَى مَا ذَكَرُوا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ لَيْسَ فِي يَمِينِ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ تَقْدِيرٌ لِأَنَّهُ إضَافِيٌّ فَكُلُّ مُدَّةٍ قَرِيبَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا بَعْدَهَا وَبَعِيدَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا دُونَهَا وَمُدَّةُ الدُّنْيَا كُلُّهَا قَرِيبَةٌ بِاعْتِبَارٍ وَبَعِيدَةٌ بِاعْتِبَارٍ آخَرَ وَإِنَّمَا يُحْكَمُ بِحِنْثِهِ إذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَهُ وَقُلْنَا هُنَا وَجْهَانِ مِنْ الِاعْتِبَارِ اعْتِبَارُ الْإِضَافَةِ وَلَا ضَبْطَ فِيهَا كَمَا ذَكَرْت وَاعْتِبَارُ الْعُرْفِ وَعَلَيْهِ مَبْنَى الْأَيْمَانِ وَالْعُرْفُ يَعُدُّ الشَّهْرَ بَعِيدًا فَإِنَّهُ يُقَالُ مَا رَأَيْتُك مُنْذُ شَهْرٍ عِنْدَ اسْتِبْعَادِ مُدَّةِ الْغَيْبَةِ فِيهِ فَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَعَدَمِ النِّيَّةِ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فَأَمَّا إنْ نَوَى بِقَوْلِهِ إلَى قَرِيبٍ وَإِلَى بَعِيدٍ مُدَّةً مُعَيَّنَةً فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى حَتَّى لَوْ نَوَى بِقَوْلِهِ إلَى قَرِيبٍ أَوْ عَاجِلًا سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ صَحَّتْ نِيَّتُهُ

وَكَذَا إذَا قَالَ إلَى آخِرِ الدُّنْيَا لِأَنَّهَا قَرِيبَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخِرَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ بَرَّ فِي يَمِينِهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ سَوَاءٌ حَلَفَ عَلَى الْقَبْضِ أَوْ عَلَى الدَّفْعِ. اهـ. (قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّ فِيهَا) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ أَنَّ فِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَوْ تَجَوَّزَ بِهَا) أَيْ تَسَامَحَ اهـ (قَوْلُهُ فَتَعَيَّنَ النَّقْضُ ضَرُورَةً إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَكَذَلِكَ قَبْضُ الدَّرَاهِمِ الْمُسْتَحَقَّةِ صَحِيحٌ وَلِهَذَا لَوْ أَجَازَ الْمَالِكُ جَازَ وَلَوْ ضَمِنَ لَهُ الدَّفْعَ جَازَ فَبَعْدَ ذَلِكَ إذَا أَرَادَ الزَّيْفَ أَوْ النَّبَهْرَجَةَ أَوْ اسْتَرَدَّ الْمُسْتَحِقُّ انْتَقَضَ الْقَبْضُ فِي حَقِّ كُلِّ حُكْمٍ يَقْبَلُ الِانْتِقَاضَ وَالْبِرُّ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَاضَ أَلَا تَرَى أَنَّ مَوْلَى الْمُكَاتَبِ إذَا رَدَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ بِسَبَبِ أَنَّهُ زَيْفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ أَوْ اسْتَرَدَّ الْبَدَلَ بِالِاسْتِحْقَاقِ لَا يُنْقَضُ الْعِتْقُ فَكَذَا هُنَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ الْمَقْضِيَّةُ رَصَاصًا أَوْ سَتُّوقَةً حَيْثُ يَحْنَثُ إذَا خَرَجَ الْيَوْمُ وَلَمْ يَسْتَبْدِلْ الْجِيَادَ فِي الْيَوْمِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَمْ يَقَعْ بِهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَخْذُهَا فِي ثَمَنِ الصَّرْفِ وَلِهَذَا لَوْ وَجَدَ مَوْلَى الْمُكَاتَبِ بَدَلَ الْكِتَابَةِ رَصَاصًا أَوْ سَتُّوقَةً لَا يَعْتِقُ الْمُكَاتَبُ اهـ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ سَتُّوقَةً) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالسَّتُّوقَةُ فَارِسِيَّةٌ مُعَرَّبَةٌ وَمَعْنَاهَا ثَلَاثُ طَاقَاتٍ لِأَنَّهَا صُفْرٌ مُمَوَّهٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِالْفِضَّةِ قَالَ الْكَمَالُ وَالسَّتُّوقَةُ الْمَغْشُوشَةُ غِشًّا زَائِدًا وَهِيَ تَعْرِيبُ سي توقة أَيْ ثَلَاثُ طَبَقَاتٍ طَبَقَتَا الْوَجْهَيْنِ فِضَّةٌ وَمَا بَيْنَهُمَا نُحَاسٌ وَنَحْوُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالنَّبَهْرَجَةُ) قَالَ الْكَمَالُ وَغِشُّهَا أَكْثَرُ مِنْ الزُّيُوفِ يَرُدُّهُ مِنْ التُّجَّارِ الْمُسْتَقْصِي وَيَقْبَلُهُ السَّهْلُ مِنْهُمْ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْبَيْعُ بِهِ قَضَاءٌ) أَيْ بَاعَ الْحَالِفُ الْمَدْيُونُ رَبَّ الدَّيْنِ بِالدَّرَاهِمِ الَّتِي لِرَبِّ الدَّيْنِ عَلَى الْحَالِفِ عَبْدًا وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ

ص: 158

وَقَدْ تَحَقَّقَتْ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ وَهَذَا لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا إذْ نَفْسُ الدَّيْنِ لَا يُمْكِنُ قَبْضُهُ لِأَنَّهُ وَصْفٌ فِي الذِّمَّةِ وَالْمَقْبُوضُ عَيْنٌ فَكَانَ غَيْرُهُ مَضْمُونًا عَلَى الْقَابِضِ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ بِقَبْضِهِمَا فَكَانَ آخِرُهُمَا قَضَاءً لِلْأَوَّلِ حَتَّى يَحْنَثُ الْآخَرُ فِي يَمِينِهِ لَا يَقْضِي دَيْنَهُ دُونَ الْأَوَّلِ وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ تَحَقَّقَ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ هُنَا فَتَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِهِ فَيَبَرُّ فِي يَمِينِهِ وَاشْتِرَاطُ قَبْضِ الْمَبِيعِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَعَ اتِّفَاقًا لَا أَنَّهُ شَرْطٌ لِلْبِرِّ وَلَا يُقَالُ شَرْطُ الْقَبْضِ لِيَتَقَرَّرَ الثَّمَنُ لِأَنَّهُ بِعَرْضِيَّةِ السُّقُوطِ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّا نَقُولُ الْبِرُّ الْمُتَحَقِّقُ لَا يَرْتَفِعُ بِبُطْلَانِ الثَّمَنِ وَانْتِقَاضِ الْمُقَاصَّةِ وَعَوْدِ الدَّيْنِ عَلَى مَا كَانَ لِمَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا يُشْتَرَطُ قَبْضُ الْمَبِيعِ لِوُقُوعِ الْمُقَاصَّةِ لِأَنَّهُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِالْقَبْضِ فَإِذَا قَبَضَهُ وَكَانَ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ وَقَعَتْ الْمُقَاصَّةُ وَبَرَّ فِي يَمِينِهِ وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ الطَّالِبُ أَمَةَ الْمَطْلُوبِ عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ لِلْمَطْلُوبِ دَيْنٌ بِالْجِنَايَةِ أَوْ بِالِاسْتِهْلَاكِ لَا يَحْنَثُ وَلَوْ كَانَ الْحَالِفُ هُوَ الطَّالِبُ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا

قَالَ رحمه الله (لَا الْهِبَةُ) أَيْ هِبَةُ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَا تَكُونُ قَضَاءً لِلدَّيْنِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ فِعْلُ الْمَطْلُوبِ وَالْهِبَةَ إسْقَاطُ الدَّيْنِ مِنْ الطَّالِبِ فَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُقَاصَّةُ فَنُبْطِلُ الْيَمِينَ إذَا كَانَتْ مُؤَقَّتَةً فَأَبْرَأَهُ قَبْلَ الْوَقْتِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ فَصَارَ نَظِيرَ مَنْ حَلَفَ لَيَشْرَبَنَّ الْمَاءَ الَّذِي فِي هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ وَفِيهِ مَاءٌ فَأُرِيقَ قَبْلَ اللَّيْلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ بِشُعَبِهَا وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَصَوُّرَ الْبِرِّ وَقْتَ وُجُوبِهِ شَرْطٌ عِنْدَهُمَا لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ وَعِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَيُخَرَّجُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَسَائِلُ مِنْهَا مَا إذَا حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ غَدًا فَقَضَاهُ الْيَوْمَ أَوْ حَلَفَ لَيَقْتُلَنَّ فُلَانًا غَدًا فَمَاتَ الْيَوْمَ أَوْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ غَدًا فَأَكَلَهُ الْيَوْمَ وَمِنْهَا مَا إذَا قَالَ إنْ رَأَيْت فُلَانًا وَلَمْ أُعْلِمْك بِهِ فَعَبْدُهُ حُرٌّ فَرَآهُ مَعَهُ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا لَمْ يَعْتِقْ الْعَبْدُ عِنْدَهُمَا وَلَمْ يَحْنَثْ فِي الْكُلِّ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَعْتِقُ وَيَحْنَثُ فِي الْجَمِيعِ وَمِنْ جُمْلَةِ فُرُوعِهَا مَا إذَا قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ تَهَبِينِي الْيَوْمَ صَدَاقَك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَقَالَ أَبُوهَا إنْ وَهَبْت لَهُ صَدَاقَك فَأُمُّك طَالِقٌ فَالْحِيلَةُ فِي هَذَا حَتَّى لَا يَحْنَثَا أَنْ تُصَالِحَ أَبَاهَا بِثَوْبٍ فَإِذَا مَضَى الْيَوْمُ لَمْ يَحْنَثْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَمَّا الْأَبُ فَلِأَنَّهَا مَا وَهَبَتْ الصَّدَاقَ لِلزَّوْجِ

وَأَمَّا الزَّوْجُ فَلِأَنَّهَا عَجَزَتْ عَنْ الْهِبَةِ فِي آخِرِ النَّهَارِ لِأَنَّ الصَّدَاقَ سَقَطَ عَنْ الزَّوْجِ بِالصُّلْحِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ فِي آخِرِ بَابِ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ قَالَ رحمه الله (لَا يَقْبِضُ دَيْنَهُ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ فَقَبَضَ بَعْضَهُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَقْبِضَ كُلَّهُ مُتَفَرِّقًا) لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ قَبْضُ الْكُلِّ بِوَصْفِ التَّفَرُّقِ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْقَبْضَ إلَى دَيْنٍ مُعَرَّفٍ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ فَيَتَنَاوَلُ كُلَّهُ فَمَا دَامَ عِنْدَ الْمَدِينِ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِهِ بَاقِيًا لَمْ يَحْنَثْ لِعَدَمِ قَبْضِ الْكُلِّ وَهُوَ الشَّرْطُ وَلَوْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِالْيَوْمِ بِأَنْ قَالَ لَا يَقْبِضُ دَيْنَهُ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ الْيَوْمَ فَقَبَضَ الْبَعْضَ فِي الْيَوْمِ مُتَفَرِّقًا أَوْ لَمْ يَقْبِضْ مِنْهُ شَيْئًا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ أَخْذُ الْكُلِّ فِي الْيَوْمِ مُتَفَرِّقًا وَلَمْ يُوجَدْ وَلَوْ قَالَ إنْ قَبَضْت مِنْ دَيْنِي دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ حَنِثَ وَكَذَا إذَا قَالَ إنْ أَخَذْت مِنْهُ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ أَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ هُنَا قَبْضُ الْبَعْضِ مِنْ الدَّيْنِ مُتَفَرِّقًا وَفِي الْأَوَّلِ قَبْضُ الْكُلِّ بِصِفَةِ التَّفَرُّقِ وَلَوْ قَبَضَ الْكُلَّ جُمْلَةً ثُمَّ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

فِي الرَّجُلِ يَقُولُ إنْ لَمْ أَقْضِ دَرَاهِمَك الَّتِي لَك عَلَيَّ فَعَبْدِي حُرٌّ فَيَبِيعُهُ بِهَا عَبْدًا ثُمَّ يَقْضِيهِ قَالَ قَدْ قَضَاهُ وَقَدْ بَرَّ وَإِنْ وَهَبَهَا لَهُ لَمْ يَبَرَّ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ بِالْمُقَاصَّةِ وَقَدْ حَصَلَتْ الْمُقَاصَّةُ فَيَحْصُلُ الْقَضَاءُ فَيَبَرُّ فِي يَمِينِهِ بَيَانُهُ أَنَّ حَقَّ رَبِّ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ لَا فِي الْعَيْنِ وَالْقَضَاءُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي نَفْسِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ وَصْفٌ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ وَلَكِنْ مَا يَقْبِضُهُ رَبُّ الدَّيْنِ مِنْ الْعَيْنِ يَصِيرُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ التَّمَلُّكِ لِنَفْسِهِ فَكَانَ دَيْنًا عَلَيْهِ لِلْمَدْيُونِ وَلِرَبِّ الدَّيْنِ عَلَى الْمَدْيُونِ مِثْلُهُ فَالْتَقَى الدَّيْنَانِ قِصَاصًا وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا لَا بِأَعْيَانِهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ فَكَانَ آخِرُهُمَا قَضَاءً لِلْأَوَّلِ) وَكَذَا ذَكَرَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ اشْتَرَى بِنَصِيبِهِ شَيْئًا وَانْظُرْ مَا سَيَأْتِي آخِرَ هَذَا الْبَابِ قُبَيْلَ كِتَابِ الْحُدُودِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ تَحَقَّقَ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ) أَيْ قَبَضَ الدَّائِنُ الْعَبْدَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَاشْتِرَاطُ قَبْضِ الْمَبِيعِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ) أَيْ لِيَتَأَكَّدَ الْبَيْعُ بِالْقَبْضِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ إذَا هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ لَكِنْ لَا يَرْتَفِعُ الْبِرُّ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَاضَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ وَبَرَّ فِي يَمِينِهِ) أَيْ وَإِلَّا حَنِثَ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ أَنْ تُصَالِحَ) بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ رحمه الله اهـ وَصَوَابُ الْعِبَارَةِ عَلَى هَذَا أَنْ يَقُولَ الشَّارِحُ تُصَالِحَ زَوْجَهَا فَإِنَّ الضَّمِيرَ فِي تُصَالِحَ عَائِدٌ لِلزَّوْجَةِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَبَاهَا) هَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ وَهَكَذَا هُوَ فِي النِّهَايَةِ وَقَدْ عَزَا الْمَسْأَلَةَ فِيهَا لِلْإِمَامِ التُّمُرْتَاشِيِّ وَهَذِهِ عِبَارَتُهُ وَفِي مَوْضِعٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ تَهَبِي لِي صَدَاقَك الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَقَالَ أَبُوهَا إنْ وَهَبْت لَهُ فَأُمُّك طَالِقٌ الْحِيلَةُ فِي أَنْ لَا يَحْنَثَا تُصَالِحُ أَبَاهَا عَنْ مَهْرِهَا بِثَوْبٍ مَلْفُوفٍ فَإِذَا مَضَى الْيَوْمُ لَا يَحْنَثُ الْأَبُ لِأَنَّهَا لَمْ تَهَبْ وَلَمْ يَحْنَثْ الزَّوْجُ لِأَنَّهَا عَجَزَتْ عَنْ الْهِبَةِ عِنْدَ الْغُرُوبِ لِأَنَّ الصَّدَاقَ سَقَطَ عَنْ الزَّوْجِ بِالصُّلْحِ وَهِيَ فَرْعُ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ اهـ

(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْقَبْضَ إلَى دَيْنٍ مُعَرَّفٍ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْبِضُ دَيْنِي دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ وَالدَّيْنُ اسْمٌ لِلْكُلِّ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْبِضُ كُلَّ دَيْنِي بِصِفَةِ التَّفَرُّقِ فَلَا يَحْنَثُ بِمُجَرَّدِ قَبْضِ ذَلِكَ الْبَعْضِ بَلْ يَتَوَقَّفُ حِنْثُهُ عَلَى قَبْضِ الْبَعْضِ الْآخَرَ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِتَمَامِ الْقَبْضِ مُتَفَرِّقًا غَيْرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ التَّفَرُّقُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لِتَعَذُّرِ الْوَزْنِ لَا يَحْنَثُ إذَا كَانَ لَمْ يَتَشَاغَلْ بَيْنَ الْوَزْنَتَيْنِ إلَّا بِعَمَلِ الْوَزْنِ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ جَامِعُ الْمُتَفَرِّقَاتِ فَكَانَ الْوَزَنَاتُ كَوَزْنَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا تَشَاغَلَ بِعَمَلٍ آخَرَ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ مَجْلِسُ الْقَبْضِ عَلَى مَا عُرِفَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله قَالَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَقَالَ عَبْدِي حُرٌّ إنْ أَخَذْتهَا مِنْك الْيَوْمَ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ فَأَخَذَ مِنْهَا خَمْسَةً وَلَمْ يَأْخُذْ مَا بَقِيَ حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ أَخْذُ كُلِّ الْمِائَةِ عَلَى التَّفْرِيقِ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ أَخَذْت

ص: 159

وَجَدَ بَعْضَهَا سَتُّوقَةً فَرَدَّ لَمْ يَحْنَثْ بِالرَّدِّ مَا لَمْ يَسْتَبْدِلْ لِأَنَّ السَّتُّوقَةَ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهَا فَلَمْ يُوجَدْ قَبْضُ الْكُلِّ حَتَّى يَقْبِضَ الْبَدَلَ فَإِذَا قَبَضَهُ وُجِدَ قَبْضُ الْكُلِّ مُتَفَرِّقًا بِخِلَافِ مَا إذَا وَجَدَ بَعْضَهَا زُيُوفًا حَيْثُ لَا يَحْنَثُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ بَرَّ حِينَ وُجِدَ قَبْضُ الْكُلِّ وَبِالرَّدِّ لَمْ يُنْتَقَضْ الْقَبْضُ فِي حَقِّهِ عَلَى مَا مَرَّ قَالَ رحمه الله (لَا بِتَفْرِيقٍ ضَرُورِيٍّ) أَيْ لَا يَحْنَثُ إذَا قَبَضَهُ مُتَفَرِّقًا بِتَفْرِيقٍ ضَرُورِيٍّ وَهُوَ أَنْ يَقْبِضَهُ فِي وَزْنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَلَمْ يَتَشَاغَلْ بَيْنَ الْوَزَنَاتِ بِعَمَلٍ غَيْرِ الْوَزْنِ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ قَبْضُ الْكُلِّ دُفْعَةً وَاحِدَةً فَيَصِيرُ هَذَا الْقَدْرُ مُسْتَثْنًى مِنْهَا وَلِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ التَّفْرِيقِ لَا يُسَمَّى تَفْرِيقًا عَادَةً وَالْعَادَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ رحمه الله وَهُوَ نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ أَوْ لَا يَرْكَبُ هَذِهِ الدَّابَّةَ فَنَزَعَهُ لِلْحَالِ أَوْ نَزَلَ عَنْهَا لِلْحَالِ وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ فِيهِ مِنْ قَبْلُ

قَالَ رحمه الله (إنْ كَانَ لِي إلَّا مِائَةً أَوْ غَيْرَ أَوْ سِوَى فَكَذَا لَمْ يَحْنَثْ بِمُلْكِهَا أَوْ بَعْضِهَا) أَيْ لَوْ قَالَ إنْ كَانَ لِي إلَّا مِائَةَ دِرْهَمٍ أَوْ غَيْرَ مِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ سِوَى مِائَةِ دِرْهَمٍ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ امْرَأَتُهُ إذَا كَانَ مَا لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ أَوْ دُونَهَا لِأَنَّ غَرَضَهُ نَفْيُ مَا زَادَ عَلَى الْمِائَةِ فَكَانَ شَرْطُ حِنْثِهِ مِلْكُ الزِّيَادَةِ عَلَى الْمِائَةِ وَلِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَثْنَى الْمِائَةَ صَارَ الْمُسْتَثْنَى بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ خَارِجًا عَنْ الْيَمِينِ وَقَالَ فِي الْجَامِعِ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ كُنْت أَمْلِكُ إلَّا خَمْسِينَ دِرْهَمًا فَلَمْ يَمْلِكْ إلَّا عَشْرَةً لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهَا بَعْضُ الْمُسْتَثْنَى وَلَوْ مَلَكَ زِيَادَةً عَلَى خَمْسِينَ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَالِ الزَّكَاةِ حَنِثَ وَإِلَّا فَلَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَالٌ لَا يَحْنَثُ بِمِلْكِ مَا لَيْسَ لِلتِّجَارَةِ وَلَوْ قَالَ مَالِي صَدَقَةٌ يَنْصَرِفُ إلَى مَالِ الزَّكَاةِ قَالَ رحمه الله (لَا يَفْعَلُ كَذَا تَرَكَهُ أَبَدًا) لِأَنَّهُ نَفَى الْفِعْلَ مُطْلَقًا فَيَتَنَاوَلُ فَرْدًا شَائِعًا فِي جِنْسِهِ فَيَعُمُّ الْجِنْسَ كُلَّهُ ضَرُورَةَ شُيُوعِهِ وَإِلَّا لَمَا كَانَ شَائِعًا فِي الْجِنْسِ بَلْ فِي الْبَعْضِ الْمُنْتَفِي

قَالَ رحمه الله (لَيَفْعَلَنَّهُ بَرَّ بِمَرَّةٍ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا بَرَّ فِي يَمِينِهِ بِفِعْلِهِ مَرَّةً لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ فِعْلًا وَاحِدًا وَهُوَ نَكِرَةٌ فِي مَوْضِعِ الْإِثْبَاتِ فَيُخَصُّ وَيَحْنَثُ إذَا لَمْ يَفْعَلْهُ فِي عُمُرِهِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ أَوْ بِفَوْتِ مَحَلِّ الْفِعْلِ هَذَا إذَا كَانَتْ مُطْلَقَةً غَيْرَ مُؤَقَّتَةٍ وَإِنْ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً بِوَقْتٍ وَلَمْ يَفْعَلْ فِيهِ يَحْنَثُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ إنْ كَانَ الْإِمْكَانُ بَاقِيًا فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَلَا يَحْنَثُ إنْ لَمْ يَبْقَ بِأَنْ وَقَعَ الْإِيَاسُ بِمَوْتِهِ أَوْ بِفَوْتِ الْمَحِلِّ لِأَنَّهُ فِي الْمُؤَقَّتَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْفِعْلُ إلَّا فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَإِذَا مَاتَ الْفَاعِلُ أَوْ فَاتَ الْمَحِلُّ اسْتَحَالَ الْبِرُّ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَتَبْطُلُ الْيَمِينُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ وَيَتَأَتَّى فِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ فِي فَوْتِ الْمَحِلِّ

قَالَ رحمه الله (وَلَوْ حَلَّفَهُ وَالٍ لَيُعْلِمَنَّهُ بِكُلِّ دَاعِرٍ دَخَلَ الْبَلَدَ تَقَيَّدَ بِقِيَامِ وِلَايَتِهِ)

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

كُلَّ الْمِائَةِ مُتَفَرِّقَةً فَلَوْ قَالَ هَكَذَا لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يُوجَدْ قَبْضُ الْكُلِّ بِصِفَةِ التَّفْرِيقِ فَأَمَّا إذَا أَخَذَ الْكُلَّ مُجْتَمِعًا أَوْ قَبَضَ الْبَعْضَ مُتَفَرِّقًا لَمْ يَحْنَثْ لِانْعِدَامِ شَرْطِ الْحِنْثِ اهـ

(قَوْلُهُ مُتَفَرِّقًا) أَيْ لِأَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَقَدْ وُجِدَ شَرْطُ الْحِنْثِ فَيَحْنَثُ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَبَضَ الْكُلَّ جُمْلَةً) أَيْ وَقَدْ كَانَ حَلَفَ لَا يَقْبِضُ دَيْنَهُ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمَتْنِ (قَوْلُهُ لَا يَحْنَثُ إذَا قَبَضَهُ مُتَفَرِّقًا بِتَفْرِيقٍ ضَرُورِيٍّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ كَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَذَلِكَ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ قَبْضُ الْكُلِّ مُتَفَرِّقًا وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا وَزَنَ خَمْسِينَ فَدَفَعَهَا إلَيْهِ ثُمَّ وَزَنَ خَمْسِينَ أُخْرَى فَدَفَعَهَا إلَيْهِ حَصَلَ قَبْضُ الْكُلِّ بِصِفَةِ التَّفْرِيقِ لَا مَحَالَةَ وَلَكِنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي الِاسْتِحْسَانِ لِأَنَّ النَّاسَ يَعُدُّونَ هَذَا قَبْضُ الْجُمْلَةِ دَفْعَةً وَاحِدَةً فَيَقُولُونَ قَبَضَ فُلَانٌ حَقَّهُ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَالْمَعْنَى الْجَامِعُ الْمُوجِبُ لِلِاتِّحَادِ وَهُوَ الْمَجْلِسُ مَوْجُودٌ اهـ

(قَوْلُهُ أَوْ نَزَلَ عَنْهَا لِلْحَالِ) وَأَوْضَحَ مُحَمَّدٌ رحمه الله الْمَسْأَلَةَ بِالْعَدَدِيَّاتِ فَقَالَ أَلَا تَرَى أَنَّ الدَّيْنَ لَوْ كَانَ شَيْئًا عَدَدِيًّا فَجَعَلَ يَعُدُّ عَشْرَةً عَشْرَةً أَوْ مِائَةً مِائَةً وَيَدْفَعُهَا إلَيْهِ لَا يَحْنَثُ وَيُعْتَبَرُ قَابِضًا جُمْلَةً وَالْمَعْنَى كَوْنُ الِامْتِنَاعِ عَنْهُ غَيْرَ مُمْكِنٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ لِأَنَّ غَرَضَهُ) أَيْ مِنْهُ عُرْفًا. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ لَا يَحْنَثُ بِمَالٍ لَيْسَ لِلتِّجَارَةِ) قَالَ الْكَمَالُ وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ لَوْ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَلَهُ عُرُوضٌ وَضِيَاعٌ وَدُورٌ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ لَمْ يَحْنَثْ وَالْمَسْأَلَةُ تَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا يَفْعَلُ كَذَا تَرَكَهُ أَبَدًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَمَعْنَى قَوْلِهِ لَا يَفْعَلُ كَذَا تَرَكَهُ أَبَدًا أَيْ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ مُطْلَقَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ مُؤَقَّتَةً بِزَمَانٍ كَالْيَوْمِ وَالشَّهْرِ تَتَوَقَّتُ يَمِينُهُ بِذَلِكَ الزَّمَانِ فَبَعْدَ ذَلِكَ تَنْحَلُّ وَلَا يَلْزَمُهُ تَرْكُ الْفِعْلِ بَعْدَ ذَلِكَ الزَّمَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ بَلْ فِي الْبَعْضِ الْمُنْتَفِي) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلِأَنَّ النَّكِرَةَ إذَا وَقَعَتْ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ تَعُمُّ ضَرُورَةً وَهُنَا قَدْ وَقَعَتْ فَتَعُمُّ لِأَنَّ كُلَّ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَى مَصْدَرٍ نَكِرَةٍ أَمَّا دَلَالَتُهُ عَلَى الْمَصْدَرِ فَظَاهِرَةٌ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الْحَدَثِ وَأَمَّا دَلَالَتُهُ عَلَى النَّكِرَةِ فَلِكَوْنِهَا هِيَ الْأَصْلَ وَإِنَّمَا الْمَعْرِفَةُ بِعَارِضٍ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَيَأْتِي فِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ فِي فَوْتِ الْمَحِلِّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله وَأَمَّا التَّوْقِيتُ فِي الْإِثْبَاتِ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَآكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ الْيَوْمَ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ مَا دَامَ الْحَالِفُ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ قَائِمَيْنِ وَالْيَوْمُ بَاقٍ أَمَّا إذَا مَضَى الْيَوْمُ يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَا قَائِمَيْنِ لِفَوَاتِ الْبِرِّ لِفَوَاتِ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ

وَأَمَّا إذَا هَلَكَ الْحَالِفُ قَبْلَ مُضِيِّ الْيَوْمِ لَا يَحْنَثُ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ هَلَكَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَهُوَ الرَّغِيفُ قَبْلَ مُضِيِّ الْيَوْمِ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي الْحَالِ فَإِذَا مَضَى الْيَوْمُ اخْتَلَفُوا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَحْنَثُ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ تَصَوُّرَ الْبِرِّ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا اهـ وَقَالَ الْكَمَالُ فَلَوْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً مِثْلَ لَآكُلَنَّهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ سَقَطَتْ بِفَوَاتِ مَحَلِّ الْفِعْلِ قَبْلَ مُضِيِّ الْوَقْتِ عِنْدَهُمَا عَلَى مَا سَلَفَ فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فَلَوْ مَاتَ الْحَالِفُ قَبْلَ مُضِيِّهِ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ وَلَوْ جُنَّ الْحَالِفُ فِي يَوْمِهِ حَنِثَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِأَحْمَدَ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ دَاعِرٌ) بِالدَّالِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ الْخَبِيثُ الْمُفْسِدُ مِنْ النَّاسِ وَجَمْعُهُ دُعَّارٌ مِنْ الدَّعْرِ وَهُوَ الْفَسَادُ يُقَالُ دَعِرَ الْعُودُ يَدْعَرُ دَعْرًا بِكَسْرِ الْعَيْنِ فِي الْمَاضِي وَفَتْحِهَا فِي الْمُضَارِعِ إذَا فَسَدَ كَذَا فِي الْجَمْهَرَةِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ تَقَيَّدَ بِقِيَامِ وِلَايَتِهِ) وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُطْلَقَ لَا يَتَقَيَّدُ إلَّا بِدَلِيلٍ وَهُنَا تَقَيَّدَ بِحَالِ الْوِلَايَةِ بِدَلِيلِ غَرَضِ الْوَالِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

ص: 160

لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ دَفْعُ شَرِّهِ وَشَرِّ غَيْرِهِ بِالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ أَوْ الْقَتْلِ فَلَا يُفِيدُ فَائِدَتَهُ بَعْدَ زَوَالِ سَلْطَنَتِهِ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ وَالزَّوَالُ بِالْمَوْتِ وَكَذَا بِالْعَزْلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّفْعُ إلَيْهِ بَعْدَ الْعَزْلِ لِأَنَّهُ يُفِيدُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُوَلَّى بَعْدَهُ فَيُؤْذِيَهُ أَوْ يَسْعَى فِي أَذِيَّتِهِ عِنْدَ أُولِي الْأَمْرِ وَقَوْلُهُ لَيُعْلِمَنَّهُ بِكُلِّ دَاعِرٍ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُعْلِمَهُ بِكُلِّ دَاعِرٍ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّمَا مُرَادُهُ كُلُّ دَاعِرٍ يَعْرِفُهُ أَوْ فِي بَلَدِهِ أَوْ دَخَلَ الْبَلَدَ ثُمَّ إنَّ الْحَالِفَ لَوْ عَلِمَ الدَّاعِرَ وَلَمْ يُعْلِمْهُ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا إذَا مَاتَ هُوَ أَوْ الْمُسْتَحْلِفُ أَوْ عُزِلَ لِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي الْيَمِينِ الْمُطْلَقَةِ بِمُجَرَّدِ التَّرْكِ بَلْ بِالْيَأْسِ عَنْ الْفِعْلِ وَذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا إلَّا إذَا كَانَتْ مُؤَقَّتَةً فَيَحْنَثُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ مَعَ الْإِمْكَانِ وَإِلَّا فَلَا لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى وَعَلَى هَذَا لَوْ حَلَّفَ رَبُّ الدَّيْنِ غَرِيمَهُ أَوْ الْكَفِيلَ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْبَلَدِ إلَّا بِإِذْنِهِ يَتَقَيَّدُ بِالْخُرُوجِ حَالَ قِيَامِ الدَّيْنِ وَالْكَفَالَةِ لِأَنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا يَصِحُّ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ الْمَنْعِ وَوِلَايَةُ الْمَنْعِ حَالَ قِيَامِهِ وَعَلَى هَذَا لَوْ حَلَفَ لَا تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ تَقَيَّدَ بِحَالِ قِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ خَرَجَتْ امْرَأَتُهُ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَعَبْدُهُ حُرٌّ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْإِذْنِ أَوْ حَلَفَ لَا يُقَبِّلُهَا فَخَرَجَتْ بَعْدَمَا أَبَانَهَا أَوْ قَبَّلَهَا بَعْدَمَا أَبَانَهَا حَيْثُ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ دَلَالَةُ التَّقْيِيدِ بِحَالِ قِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ.

قَالَ رحمه الله (يَبَرُّ بِالْهِبَةِ بِلَا قَبُولٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ) أَيْ لَوْ حَلَفَ أَنْ يَهَبَ عَبْدَهُ مَثَلًا يَبَرُّ بِقَوْلِهِ لِرَجُلٍ وَهَبْتُهُ لَك وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَنْ يَبِيعَ فَبَاعَ وَلَمْ يَقْبَلْ الْمُشْتَرِي لَا يُعْتَدُّ بِهِ وَلَا يَبَرُّ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ فَيَتِمُّ بِالْوَاهِبِ وَالْقَبُولُ شَرْطُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَشَرْطُ الْحِنْثِ الْهِبَةُ لَا حُكْمُهَا وَلِهَذَا يُقَالُ وَهَبَ وَلَمْ يَقْبَلْ وَلِأَنَّ غَرَضَهُ حَمْلُ نَفْسِهِ عَلَى إظْهَارِ السَّمَاحَةِ وَالْجُودِ وَهِيَ تَمْلِيكٌ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَكُلُّ ذَلِكَ يَحْصُلُ بِنَفْسِ الْهِبَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَلَا يَتِمُّ إلَّا بِهِمَا وَقَالَ زُفَرُ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَقْبَلْ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ مَا لَمْ يَقْبَلْ وَتُقْبَضْ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَمْلِيكٌ وَالتَّمْلِيكُ لَا يَتِمُّ بِلَا تَمَلُّكٍ وَهُوَ الْقَبُولُ وَلِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَكَمَالُهَا بِالْقَبُولِ أَوْ بِالْقَبُولِ وَالْقَبْضِ وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَا وَاخْتَلَفُوا فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ بِهَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَثْبُتُ قَبْلَ الْقَبُولِ إلَّا أَنَّهُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ دَفْعًا لِضَرَرِ الْمِنَّةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَثْبُتُ لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ لَمَا أَمْكَنَهُ دَفْعُهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ بِأَنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ عَبْدًا ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ كَمَا مَلَكَهُ وَلِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ حَتَّى يَدْخُلَ فِي مِلْكِهِ وَنَظِيرُ الْهِبَةِ الصَّدَقَةُ وَالْعَارِيَّةُ وَالْوَصِيَّةُ وَالْإِقْرَارُ وَفِي الْقَرْضِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَنَظِيرُ الْبَيْعِ الْإِجَارَةُ وَالصَّرْفُ وَالسَّلَمُ وَالرَّهْنُ وَالنِّكَاحُ وَالْخُلْعُ وَيَحْنَثُ بِالْفَاسِدِ مِنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ

قَالَ رحمه الله (لَا يَشَمُّ رَيْحَانًا لَا يَحْنَثُ بِشَمِّ وَرْدٍ وَيَاسَمِينٍ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَشَمُّ رَيْحَانًا فَشَمَّ وَرْدًا أَوْ يَاسَمِينًا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ دَفْعُ شَرِّهِ) أَيْ دَفْعُ شَرِّ الدَّاعِرِ الَّذِي رَفَعَ خَبَرَهُ إلَى الْوَالِي اهـ (قَوْلُهُ وَشَرِّ غَيْرِهِ) أَيْ لِأَنَّهُ إذَا زُجِرَ وَأُدِّبَ يَنْزَجِرُ غَيْرُهُ. اهـ. كَمَالٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] اهـ

(قَوْلُهُ وَكَذَا بِالْعَزْلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) أَيْ وَإِذَا سَقَطَتْ الْيَمِينُ لَا تَعُودُ وَلَوْ عَادَ إلَى الْوِلَايَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُوَلَّى بَعْدَهُ فَيُؤْذِيَهُ) أَيْ لِتَقَدُّمِ مَعْرِفَتِهِ بِحَالِهِ وَهَذَا بَعِيدٌ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ فَيَحْنَثُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ مَعَ الْإِمْكَانِ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَلَوْ حُكِمَ بِانْعِقَادِ هَذِهِ لِلْفَوْرِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا نَظَرًا إلَى الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْمُبَادَرَةُ لِزَجْرِهِ وَدَفْعِ شَرِّهِ فَالدَّاعِي يُوجِبُ التَّقْيِيدَ بِالْفَوْرِ فَوْرَ عِلْمِهِ بِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ تَقَيَّدَ بِحَالِ قِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ) أَيْ وَإِذَا زَالَ الدَّيْنُ وَالزَّوْجِيَّةُ سَقَطَا ثُمَّ لَا تَعُودُ الْيَمِينُ بِعَوْدِهِمَا. اهـ. فَتْحٌ

(قَوْلُهُ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْإِذْنِ) أَيْ فَلَا مُوجِبَ لِتَقْيِيدِهِ بِزَمَانِ الْوِلَايَةِ فِي الْإِذْنِ وَكَذَا الْحَالُ فِي حَلِفِهِ عَلَى الْعَبْدِ مُطْلَقًا وَمُقَيَّدًا وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا بِغَيْرِ إذْنِك طَالِقٌ فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَ مِنْ غَيْرِ إذْنِهَا طَلُقَتْ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَيَّدْ يَمِينُهُ بِبَقَاءِ النِّكَاحِ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَتَقَيَّدُ بِهِ لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَسْتَفِيدُ وِلَايَةَ الْإِذْنِ وَالْمَنْعُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ. اهـ.

كَمَالٌ رحمه الله (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا يَشَمُّ رَيْحَانًا) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَيَشَمُّ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالشَّيْنِ مُضَارِعُ شَمِمْت الطَّيِّبَ بِكَسْرِ الْمِيمِ فِي الْمَاضِي هَذِهِ هِيَ اللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ الْفَصِيحَةُ وَأَمَّا شَمَمْته أَشُمُّهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ فِي الْمَاضِي وَضَمِّهَا فِي الْمُضَارِعِ فَقَدْ أَنْكَرَهَا بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَقَالَ هُوَ خَطَأٌ وَصُحِّحَ عَدَمُهُ فَقَدْ نَقَلَهَا الْفَرَّاءُ وَغَيْرُهُ وَإِنْ كَانَتْ لَيْسَتْ فَصَيْحَةً ثُمَّ يَمِينُ الشَّمِّ تَنْعَقِدُ عَلَى الشَّمِّ الْمَقْصُودِ فَلَوْ حَلَفَ لَا يَشَمُّ طِيبًا فَوَجَدَ رِيحَهُ لَمْ يَحْنَثْ وَلَوْ وَصَلَتْ الرَّائِحَةُ إلَى دِمَاغِهِ اهـ (قَوْلُهُ لَا يَحْنَثُ بِشَمِّ وَرْدٍ وَيَاسَمِينٍ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشَمُّ رَيْحَانًا فَشَمَّ آسًا أَوْ مَا أَشْبَهَهُ مِنْ الرَّيَاحِينِ حَنِثَ وَإِنْ شَمَّ الْيَاسَمِينَ أَوْ الْوَرْدَ لَمْ يَحْنَثْ وَهَذَا لِأَنَّ الرَّيْحَانَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ مَا لِسَاقِهِ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ كَمَا لِوَرَقِهِ كَالْآسِ وَالْوَرْدَ مَا لِوَرَقِهِ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ فَحَسْبُ كَالْيَاسَمِينِ كَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْمُغْرِبِ

قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ كُلُّ مَا كَانَ أَخْضَرَ فَهُوَ رَيْحَانٌ مِثْلُ الْآسِ وَالشَّاه سفرم وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَلَيْسَ بِرَيْحَانٍ وَعَلَّلَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الرَّيْحَانَ اسْمٌ لِمَا لَا يَقُومُ عَلَى سَاقٍ مِنْ الْبُقُولِ مِمَّا لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ وَهُوَ مَوْضُوعُ ذَلِكَ لُغَةً وَقَلَّدَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ قَالَا وَالْيَاسَمِينُ وَالْوَرْدُ لَهُمَا سَاقٌ وَلَنَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي قَوَانِينِ اللُّغَةِ الرَّيْحَانُ بِهَذَا التَّفْسِيرِ أَصْلًا وَلَئِنْ صَحَّ مَا قَالُوا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ بِالْآسِ لِأَنَّ لَهُ سَاقًا وَلَيْسَ مِنْ الْبُقُولِ أَيْضًا وَقَدْ نَصَّ الْحَاكِمُ عَلَى أَنَّهُ يَحْنَثُ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ الرَّيْحَانُ نَبْتٌ مَعْرُوفٌ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ} [الرحمن: 12] فَالْعَصْفُ سَاقُ الزَّرْعِ وَالرَّيْحَانُ وَرَقُهُ كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ كُلُّ مَا طَابَ رِيحُهُ مِنْ النَّبَاتِ فَهُوَ رَيْحَانٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَيَاسَمِينٌ مَا نَصُّهُ سِينُهُ مَكْسُورَةٌ اهـ تَحْرِيرٌ

ص: 161

لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الرَّيْحَانَ اسْمٌ لِنَبَاتٍ لَا سَاقَ لَهُ وَلَهُ رَائِحَةٌ مُسْتَلَذَّةٌ عُرْفًا وَلَهُمَا سَاقٌ وَلَيْسَ لَهُمَا رَائِحَةٌ مُسْتَلَذَّةٌ وَإِنَّمَا الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ لِزَهْرِهِمَا لَا لَهُمَا فَأَشْبَهَا التُّفَّاحَ وَالسَّفَرْجَلَ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ} [الرحمن: 12] بَعْدَمَا ذَكَرَ الشَّجَرَ بِقَوْلِهِ {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} [الرحمن: 6] وَالشَّجَرُ اسْمٌ لِمَا يَقُومُ عَلَى سَاقٍ مِنْ النَّبَاتِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُهُ وَقَالَ فِي الْكَافِي الرَّيْحَانُ اسْمٌ لِمَا لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ وَلَا سَاقَ لَهُ لُغَةً وَعُرْفًا وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِشَمِّ الْآسِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الرَّيَاحِينِ قَالَ رحمه الله (الْبَنَفْسَجُ وَالْوَرْدُ عَلَى الْوَرَقِ) أَيْ اسْمُ الْبَنَفْسَجِ وَالْوَرْدِ يَقَعُ عَلَى الْوَرَقِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بَنَفْسَجًا أَوْ وَرْدًا فَاشْتَرَى وَرَقَهُمَا يَحْنَثُ وَلَوْ اشْتَرَى دُهْنَهُمَا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُمَا يَقَعَانِ عَلَى الْوَرَقِ دُونَ الدُّهْنِ فِي عُرْفِنَا هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَفِي الْمَبْسُوطِ لَوْ اشْتَرَى وَرَقَ الْبَنَفْسَجِ لَا يَحْنَثُ وَلَوْ اشْتَرَى دُهْنَهُ يَحْنَثُ لِأَنَّ اسْمَ الْبَنَفْسَجِ إذَا أُطْلِقَ يُرَادُ بِهِ الدُّهْنُ وَيُسَمَّى بَائِعُهُ بَائِعَ الْبَنَفْسَجِ فَيَصِيرُ هُوَ بِشِرَائِهِ مُشْتَرِيًا لِلْبَنَفْسَجِ أَيْضًا وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى الْوَرَقَ يَحْنَثُ أَيْضًا وَهَذَا شَيْءٌ يَنْبَنِي عَلَى الْعُرْفِ وَفِي عُرْفِ أَهْلِ الْكُوفَةِ بَائِعُ الْوَرَقِ لَا يُسَمَّى بَائِعَ الْبَنَفْسَجِ وَإِنَّمَا يُسَمَّى بِهِ بَائِعُ الدُّهْنِ فَبَنَى الْجَوَابَ فِي الْكِتَابِ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ شَاهَدَ الْكَرْخِيُّ عُرْفَ أَهْلِ بَغْدَادَ أَنَّهُمْ يُسَمُّونَ بَائِعَ الْوَرَقِ بَائِعَ الْبَنَفْسَجِ أَيْضًا فَقَالَ يَحْنَثُ بِهِ وَقَالَ وَهَكَذَا فِي دِيَارِنَا أَعْنِي فِي الْمَبْسُوطِ وَلَا يُقَالُ فِي أَحَدِهِمَا حَقِيقَةً وَفِي الْآخَرِ مَجَازًا بَلْ فِيهِمَا حَقِيقَةً أَوْ يَحْنَثُ فِيهِمَا بِاعْتِبَارِ عُمُومِ الْمَجَازِ وَالْيَاسَمِينُ قِيَاسُ الْوَرْدِ لَا يَتَنَاوَلُ الدُّهْنَ لِأَنَّ دُهْنُهُ يُسَمَّى زَنْبَقًا لَا يَاسَمِينًا وَكَذَا الْحِنَّاءُ يَتَنَاوَلُ الْوَرَقَ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَقَالَ فِي الْكَافِي الْحِنَّاءُ فِي عُرْفِنَا تَقَعُ عَلَى الْمَدْقُوقِ

قَالَ رحمه الله (حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ فَزَوَّجَهُ فُضُولِيٌّ وَأَجَازَ بِالْقَوْلِ حَنِثَ) لِأَنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ كَالْوَكَالَةِ لَهُ السَّابِقَةِ كَأَنَّهُ وَكَّلَهُ فِي الِابْتِدَاءِ وَلِهَذَا يَثْبُتُ لِلْفُضُولِيِّ حُكْمُ الْوَكِيلِ وَلِلْمُجِيزِ حُكْمُ الْمُوَكِّلِ قَالَ رحمه الله (وَبِالْفِعْلِ لَا) أَيْ لَوْ أَجَازَ بِالْفِعْلِ لَا يَحْنَثُ وَقِيلَ يَحْنَثُ لِمَا أَنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ كَالْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِهِمَا لِأَنَّ الْإِجَازَةَ لَيْسَتْ بِإِنْشَاءِ الْعَقْدِ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا يَنْفُذُ بِالرِّضَا بِحُكْمِ الْعَقْدِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي بَعْضُ الْمَشَايِخِ وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ هُوَ التَّزَوُّجُ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْعَقْدِ وَالْعَقْدُ يَخْتَصُّ بِالْقَوْلِ وَلَا يَكُونُ بِالْفِعْلِ وَإِنَّمَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ بِبَعْضِ الْأَفْعَالِ كَالْوَطْءِ وَإِيفَاءِ الْمَهْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الرِّضَا بِالْعَقْدِ لَا لِأَنَّهُ عَقْدٌ وَلِأَنَّ الْقَوْلَ يُجَانِسُ الْعَقْدَ فَأَمْكَنَ إلْحَاقُهُ بِهِ بِخِلَافِ الْفِعْلِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا زَوَّجَهُ ثُمَّ حَلَفَ حَيْثُ لَا يَحْنَثُ بِالْإِجَازَةِ لِأَنَّهَا تَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ وَفِيهِ لَا يَحْنَثُ بِمُبَاشَرَتِهِ فَبِالْإِجَازَةِ أَوْلَى وَلَوْ حَلَفَ لَا يُزَوِّجُ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ يَحْنَثُ بِالتَّوْكِيلِ وَالْإِجَازَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ مُضَافٌ إلَيْهِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى إذْنِهِ لِمِلْكِهِ وَوِلَايَتِهِ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي ابْنِهِ وَبِنْتِهِ الصَّغِيرَيْنِ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِمَا وَلَوْ كَانَا كَبِيرَيْنِ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْمُبَاشَرَةِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِمَا بَلْ هُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ عَنْهُمَا فَيَتَعَلَّقُ بِحَقِيقَةِ الْفِعْلِ وَهُوَ مُبَاشَرَتُهُ الْعَقْدَ وَلَوْ كَانَ الْحَالِفُ هُوَ الْعَبْدَ أَوْ الِابْنَ فَزَوَّجَهُ مَوْلَاهُ وَهُوَ كَارِهٌ أَوْ أَبُوهُ وَهُوَ مَجْنُونٌ حَيْثُ لَا يَحْنَثَانِ بِهِ بِخِلَافِ الْمُكْرَهِ لِوُجُودِ الْفِعْلِ مِنْهُ حَقِيقَةً دُونَهُمَا

قَالَ رحمه الله (وَدَارُهُ بِالْمِلْكِ وَالْإِجَارَةِ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ يَحْنَثُ بِدُخُولِ مَا يَسْكُنُهُ بِالْمِلْكِ وَالْإِجَارَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْمِلْكِ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ وَهِيَ الْمِلْكُ مُرَادَةٌ فَلَا يَبْقَى الْمَجَازُ مُرَادًا لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمَا مُرَادَيْنِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَلَنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَسْكَنُ عُرْفًا فَدَخَلَ مَا يَسْكُنُهُ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ بِإِجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ أَوْ مِلْكٍ بِاعْتِبَارِ عُمُومِ الْمَجَازِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْحَقِيقَةِ فَرْدًا مِنْ أَفْرَادِ الْمَجَازِ لَا بِاعْتِبَارِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ

قَالَ رحمه الله (حَلَفَ بِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ وَلَهُ دَيْنٌ عَلَى مُفْلِسٍ أَوْ مَلِيءٍ لَا يَحْنَثُ) لِأَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ بِمَالٍ وَإِنَّمَا هُوَ وَصْفٌ فِي الذِّمَّةِ لَا يُتَصَوَّرُ قَبْضُهُ حَقِيقَةً وَلِهَذَا قِيلَ الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْمَقْبُوضَ مَضْمُونٌ عَلَى الْقَابِضِ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ عَلَى وَجْهِ التَّمَلُّكِ وَلِرَبِّ الدَّيْنِ عَلَى الْمَدِينِ مِثْلُهُ فَالْتَقَى الدَّيْنَانِ قِصَاصًا فَصَارَ غَيْرُهُ حَقِيقَةً وَشَرْعًا أَمَّا الْحَقِيقَةُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الشَّرْعُ فَلِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى إسْقَاطِ اعْتِبَارِهِ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَإِنَّمَا الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ لِزَهْرِهِمَا) قَالَ الْكَمَالُ وَاَلَّذِي يَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي دِيَارِنَا إهْدَارُ ذَلِكَ كُلِّهِ لِأَنَّ الرَّيْحَانَ مُتَعَارَفٌ لِنَوْعٍ وَهُوَ رَيْحَانُ الْحَمَاحِمِ وَأَمَّا كَوْنُ الرَّيْحَانِ الترنجي مِنْهُ فَيُمْكِنُ أَنْ لَا يَكُونَ لِأَنَّهُمْ يُلْزِمُونَهُ التَّقْيِيدَ فَيَقُولُونَ رَيْحَانٌ ترنجي وَعِنْدَ مَا يُطْلِقُونَ اسْمَ رَيْحَانٍ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إلَّا الْحَمَاحِمُ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِعَيْنِ ذَلِكَ النَّوْعِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ الْبَنَفْسَجُ) بِفَتْحِ الْبَاءِ اهـ مِعْرَاجٌ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بَنَفْسَجًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهُوَ عَلَى دُهْنِهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الْمُعَادَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَعَانِي كَلَامِ النَّاسِ وَفِي عُرْفِهِمْ إذَا ذَكَرُوا الْبَنَفْسَجَ يُرَادُ بِهِ دُهْنُهُ لَا وَرَقُهُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِرَاقِ

فَأَمَّا فِي بِلَادِنَا فَلَا يَقَعُ عَلَى الدُّهْنِ إلَّا أَنْ يُنْوَى. اهـ. كَمَالٌ رحمه الله وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا فَيَجِبُ أَنْ لَا تَنْعَقِدَ إلَّا عَلَى نَفْسِ النَّبَاتِ فَلَا يَحْنَثُ بِالدُّهْنِ أَصْلًا كَمَا فِي الْوَرْدِ وَالْحِنَّاءِ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى شِرَائِهِمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْوَرَقِ لِأَنَّهُمَا اسْمٌ لِلْوَرَقِ وَالْعُرْفُ مُقَرِّرٌ لَهُ بِخِلَافِهِ فِي الْبَنَفْسَجِ

. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي ابْنِهِ وَبِنْتِهِ الصَّغِيرَيْنِ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِمَا) لَكِنْ إذَا عَقَدَ النِّكَاحَ فُضُولِيٌّ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ وَقَبِلَ الزَّوْجُ وَأَجَازَ الْأَبُ النِّكَاحَ الْمَذْكُورَ بِالْفِعْلِ بِأَنْ قَبَضَ مَهْرَ ابْنَتِهِ وَهُوَ سَاكِتٌ نَفَذَ النِّكَاحُ وَلَا حِنْثَ عَلَى الْأَبِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ مَجْنُونٌ) أَيْ وَكَانَ وَقْتَ حَلِفِهِ عَاقِلًا. اهـ.

(قَوْلُهُ وَلِهَذَا قِيلَ الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا) اُنْظُرْ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ وَالْبَيْعُ بِهِ قَضَاءٌ فَإِنَّهُ نَافِعٌ هُنَا اهـ ذَكَرَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ الصُّلْحِ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ اشْتَرَى بِنِصْفِهِ شَيْئًا أَنَّ آخِرَ الدَّيْنَيْنِ قَضَاءٌ لِأَوَّلِهِمَا اهـ

ص: 162