الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَدَّهُ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ ضَعِيفٌ مِمَّا نَحْسَبُ وَلَوْ ضَرَبْنَاهُ مِائَةً قَتَلْنَاهُ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام خُذُوا عُثْكَالًا فِيهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ ثُمَّ اضْرِبُوهُ ضَرْبَةً وَاحِدَةً قَالَ فَفَعَلُوا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَفِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد «لَوْ حَمَلْنَاهُ إلَيْك لَتَفَسَّخَتْ عِظَامُهُ وَمَا هُوَ إلَّا جِلْدٌ عَلَى عَظْمٍ»
قَالَ رحمه الله (وَالْحَامِلُ لَا تُحَدُّ حَتَّى تَلِدَ وَتَخْرُجَ مِنْ نِفَاسِهَا لَوْ كَانَ حَدُّهَا الْجَلْدَ) أَيْ لَوْ كَانَتْ الزَّانِيَةُ حَامِلًا لَا تُحَدُّ حَتَّى تَلِدَ لِأَنَّهُ يُخَافُ الْهَلَاكُ عَلَى الْوَلَدِ وَلَهُ حُرْمَةُ الْآدَمِيِّ وَإِنْ كَانَ مِنْ الزِّنَا لِعَدَمِ الْجِنَايَةِ مِنْهُ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ «امْرَأَةً مِنْ غَامِدٍ جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ طَهِّرْنِي فَقَالَ وَيْحَك ارْجِعِي وَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ تَعَالَى وَتُوبِي إلَيْهِ فَقَالَتْ أَرَاك تُرِيدُ أَنْ تَرْدُدَنِي كَمَا رَدَدْت مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ فَقَالَ وَمَا ذَاكَ قَالَتْ إنَّهَا حُبْلَى مِنْ الزِّنَا قَالَ أَنْتِ قَالَتْ نَعَمْ فَقَالَ لَهَا حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنِك قَالَ فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ حَتَّى وَضَعَتْ قَالَ فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ وَضَعَتْ الْغَامِدِيَّةُ فَقَالَ إذًا لَا تَرْجُمْهَا وَتَدَعُ وَلَدَهَا صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مِنْ يَرْضِعُهُ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ إلَيَّ رَضَاعُهُ قَالَ فَرَجَمَهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَتُحْبَسُ حَتَّى تَلِدَ إنْ ثَبَتَ زِنَاهَا بِالشَّهَادَةِ
وَإِنْ كَانَتْ مُقِرَّةً لَا تُحْبَسُ وَلَوْ كَانَ حَدُّهَا الْجَلْدَ لَمْ تُجْلَدْ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ نِفَاسِهَا لِمَا رُوِيَ عَنْ «عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ إنَّ أَمَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَنَتْ فَأَمَرَنِي أَنْ أَجْلِدَهَا فَأَتَيْتُهَا فَإِذَا هِيَ حَدِيثَةُ عَهْدٍ بِنِفَاسٍ فَخَشِيتُ أَنْ أَجْلِدَهَا أَنْ أَقْتُلَهَا فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَحْسَنْت اُتْرُكْهَا حَتَّى تَمَاثَلَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَلِأَنَّ النِّفَاسَ نَوْعُ مَرَضٍ فَيُنْتَظَرُ الْبُرْءُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ بِخِلَافِ الرَّجْمِ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ لِأَجْلِ الْوَلَدِ وَقَدْ انْفَصَلَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ الرَّجْمَ يُؤَخَّرُ إلَى أَنْ يَسْتَغْنِيَ وَلَدُهَا عَنْهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَحَدٌ يَقُومُ بِتَرْبِيَتِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ «جَاءَتْ الْغَامِدِيَّةُ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي قَدْ زَنَيْت فَطَهِّرْنِي وَأَنَّهُ رَدَّهَا فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ تَرْدُدُنِي لَعَلَّك تَرْدُدُنِي كَمَا رَدَدْت مَاعِزًا فَوَاَللَّهِ إنِّي لَحُبْلَى قَالَ: إمَّا لَا فَاذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي فَلَمَّا وَلَدَتْ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي خِرْقَةٍ قَالَتْ هَذَا قَدْ وَلَدْته قَالَ اذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ وَفِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ فَقَالَتْ هَذَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ فَطَمْته وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحَفَرَ لَهَا إلَى صَدْرِهَا وَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا فَتَنَفَّلَ خَالِدٌ بِحَجَرٍ فَرَمَى رَأْسَهَا فَنَضَحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدٍ فَسَبَّهَا فَسَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَبَّهُ إيَّاهَا فَقَالَ مَهْلًا يَا خَالِدُ فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا وَصَلَّى عَلَيْهَا وَدُفِنَتْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد
وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ امْرَأَتَانِ مِنْ غَامِدٍ فَأَخَّرَ رَجْمَ إحْدَاهُمَا إلَى أَنْ يُفْطَمَ وَلَدُهَا دُونَ الْأُخْرَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا مِنْ غَامِدٍ وَالْأُخْرَى مِنْ قَبِيلَةٍ أُخْرَى فَغَلِطَ الرَّاوِي فِي الرِّوَايَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(بَابُ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ)
الْوَطْءُ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ هُوَ الزِّنَا وَهُوَ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ وَطْءُ الرَّجُلِ الْمُكَلَّفِ فِي قُبُلِ الْمُشْتَهَاةِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ عَنْ طَوْعٍ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَإِنَّمَا شُرِطَ ذَلِكَ لِوُجُوبِ الْحَدِّ لِأَنَّ الزِّنَا فِعْلُ حَرَامٍ وَالْحُرْمَةُ عَلَى الْإِطْلَاقِ تَثْبُتُ عِنْدَ التَّعَرِّي عَنْ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ فَإِنَّ الْإِمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها وَذَكَرَ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ مَوْقُوفًا وَأَنَّ الْوَقْفَ أَصَحُّ وَعِنْدَنَا لَا يَضُرُّ ذَلِكَ إذَا صَحَّ الرَّفْعُ لَا سِيَّمَا فِيمَا لَا يُدْرَكُ بِالرَّأْيِ فَإِنَّ الْمَوْقُوفَ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى السَّمَاعِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرْفَعُونَهُ تَارَةً وَيُفْتُونَ بِهِ أُخْرَى وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «ادْفَعُوا الْحُدُودَ مَا وَجَدْتُمْ لَهَا مَدْفَعًا» ثُمَّ الشُّبْهَةُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ شُبْهَةٌ فِي الْفِعْلِ وَشُبْهَةٌ فِي الْمَحِلِّ وَشُبْهَةٌ فِي الْعَقْدِ عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ فَالْأَوَّلُ يُسَمَّى شُبْهَةَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ عُثْكَالًا) الْعِثْكَالُ وَالْعُثْكُولُ عُنْقُودُ النَّخْلِ وَالشِّمْرَاخُ شُعْبَةٌ مِنْهُ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْحَامِلُ لَا تُحَدُّ حَتَّى تَلِدَ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي فَإِنْ ادَّعَتْ أَنَّهَا حُبْلَى أَرَاهَا الْقَاضِي النِّسَاءَ فَإِنْ قُلْنَ هِيَ حُبْلَى حَبَسَهَا إلَى سَنَتَيْنِ ثُمَّ يَرْجُمُهَا وَإِذَا شَهِدُوا عَلَيْهَا بِالزِّنَا فَادَّعَتْ أَنَّهَا عَذْرَاءُ أَوْ رَتْقَاءُ فَنَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ فَقُلْنَ هِيَ كَذَلِكَ دُرِئَ عَنْهَا الْحَدُّ وَلَا حَدَّ عَلَى الشُّهُودِ أَيْضًا وَكَذَلِكَ الْمَجْبُوبُ وَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ وَيُقْبَلُ فِي الرَّتْقَاءِ وَالْعَذْرَاءِ وَالْأَشْيَاءِ الَّتِي يُعْمَلُ فِيهَا بِقَوْلِ النِّسَاءِ قَوْلُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ فِي الْفَتْوَى الْوَلْوَالِجِيُّ وَالْمُثْنَى أَحْوَطُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ فَقَالَ) لَفْظُ فَقَالَ مَشْطُوبٌ عَلَيْهِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ اهـ يُرَاجَعُ الْحَدِيثُ (قَوْلُهُ تَمَاثَلَ) هَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ. اهـ.
[بَابُ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ]
(بَابُ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ)(قَوْلُهُ ثُمَّ الشُّبْهَةُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالشُّبْهَةُ عَلَى نَوْعَيْنِ شُبْهَةُ اشْتِبَاهٍ وَهُوَ أَنْ يُشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْحَالُ بِأَنْ يَظُنَّ أَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ وَهَذِهِ الشُّبْهَةُ تُسَمَّى شُبْهَةً فِي الْفِعْلِ وَالنَّوْعُ الثَّانِي شُبْهَةٌ فِي الْمَحِلِّ وَهِيَ أَنْ تَكُونَ الشُّبْهَةُ نَاشِئَةً فِي الْمَحِلِّ بِأَنْ يَكُونَ فِي الْمَحِلِّ شُبْهَةُ الْمِلْكِ أَعْنِي شُبْهَةَ مِلْكِ الرَّقَبَةِ أَوْ مِلْكِ الْبِضْعِ وَهَذِهِ الشُّبْهَةُ تُسَمَّى شُبْهَةً حُكْمِيَّةً بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَحِلَّ أُعْطِيَ لَهُ حُكْمُ الْمِلْكِ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمِلْكُ ثَابِتًا حَقِيقَةً ثُمَّ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الشُّبْهَتَيْنِ يَسْقُطُ بِهَا الْحَدُّ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ إلَّا أَنَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ تَثْبُتُ فِيهِ شُبْهَةُ الِاشْتِبَاهِ إذَا قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ وَجَبَ الْحَدُّ لِارْتِفَاعِ الشُّبْهَةِ بِارْتِفَاعِ الِاشْتِبَاهِ وَفِي شُبْهَةِ الْمَحِلِّ لَا يَجِبُ الْحَدُّ وَإِنْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ لِقِيَامِ الشُّبْهَةِ بِقِيَامِ الْمَحِلِّ اهـ
وَقَالَ الْكَمَالُ وَأَصْحَابُنَا قَسَّمُوا الشُّبْهَةَ قِسْمَيْنِ شُبْهَةً فِي الْفِعْلِ وَتُسَمَّى شُبْهَةَ اشْتِبَاهٍ وَشُبْهَةَ مُشَابَهَةٍ أَيْ شُبْهَةً
اشْتِبَاهٍ وَهُوَ أَنْ يَظُنَّ غَيْرَ الدَّلِيلِ دَلِيلًا فَيَتَحَقَّقُ فِي حَقِّ مَنْ اُشْتُبِهَ عَلَيْهِ فَقَطْ لِأَنَّ الْمَحِلَّ خَالٍ عَنْ الْمِلْكِ وَالْحَقِّ فَكَانَ زِنًا حَقِيقَةً غَيْرَ أَنَّهُ سَقَطَ الْحَدُّ لِمَعْنًى رَاجِعٍ إلَيْهِ وَهُوَ الظَّنُّ وَلِهَذَا لَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَإِنْ ادَّعَاهُ وَالنَّوْعَانِ الْآخَرَانِ الشُّبْهَةُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمِيَّةٌ فَيَثْبُتُ مُطْلَقًا لِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِيهِ لِدَلِيلٍ قَائِمٍ بِهِ يَقْتَضِي الْحِلَّ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ مِنْ إفَادَتِهِ لِمَانِعٍ عَلَى مَا يَجِيءُ تَفَاصِيلُهُ
قَالَ رحمه الله (لَا حَدَّ بِشُبْهَةِ الْمَحِلِّ وَإِنْ ظُنَّ حُرْمَتُهُ كَوَطْءِ أَمَةِ وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَمُعْتَدَّةِ الْكِنَايَاتِ) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ لِأَجْلِ شُبْهَةٍ وُجِدَتْ فِي الْمَحِلِّ وَإِنْ عَلِمَ حُرْمَتَهُ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ إذَا كَانَتْ فِي الْمَوْطُوءَةِ يَثْبُتُ فِيهَا الْمِلْكُ مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ اسْمُ الزِّنَا فَامْتَنَعَ الْحَدُّ عَلَى التَّقَادِيرِ كُلِّهَا وَهَذَا لِأَنَّ الدَّلِيلَ الْمُثْبِتَ لِلْحِلِّ قَائِمٌ وَإِنْ تَخَلَّفَ عَنْ إثْبَاتِهِ حَقِيقَةً لِمَانِعٍ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً فَلِهَذَا سُمِّيَ هَذَا النَّوْعُ شُبْهَةً فِي الْمَحِلِّ لِأَنَّهَا نَشَأَتْ عَنْ دَلِيلٍ مُوجِبٍ لِلْحِلِّ فِي الْمَحِلِّ بَيَانُهُ أَنَّ قَوْلَهُ عليه الصلاة والسلام «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» يَقْتَضِي الْمِلْكَ لِأَنَّ اللَّامَ فِيهِ لِلْمِلْكِ وَكَذَا أَمَةُ وَلَدِ الْوَلَدِ وَالْمُعْتَدَّةُ الَّتِي طَلَّقَهَا بِالْكِنَايَاتِ فِيهَا اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ فَمَذْهَبُ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهَا رَجْعِيَّةٌ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَإِنْ كَانَ الْمُخْتَارُ قَوْلَ عَلِيٍّ رضي الله عنه
وَلِهَذِهِ الْمَسَائِلِ أَخَوَاتٌ مِنْهَا الْجَارِيَةُ الْمَبِيعَةُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لِأَنَّهَا فِي ضَمَانِهِ وَيَدِهِ وَتَعُودُ إلَى مِلْكِهِ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَكَانَ مُسَلَّطًا عَلَى الْوَطْءِ بِالْمِلْكِ وَالْيَدِ وَقَدْ بَقِيَتْ الْيَدُ فَتَبْقَى الشُّبْهَةُ وَكَذَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الْمِلْكِ فِيهَا وَكَذَا إذَا كَانَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَمِنْهَا جَارِيَةُ مُكَاتَبِهِ أَوْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِمَالِهِ وَرَقَبَتِهِ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي كَسْبِ عَبْدِهِ فَكَانَ شُبْهَةً فِي حَقِّهِ وَمِنْهَا الْجَارِيَةُ الْمَمْهُورَةُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فِي حَقِّ الزَّوْجِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى فِي الْمَبِيعَةِ وَمِنْهَا الْجَارِيَةُ الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِي الْبَعْضِ ثَابِتٌ حَقِيقَةً فَتَكُونُ الشُّبْهَةُ فِيهَا أَظْهَرَ وَمِنْهَا الْمَرْهُونَةُ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الرَّهْنِ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الدَّيْنِ يَقَعُ بِهَا عِنْدَ الْهَلَاكِ وَقَدْ انْعَقَدَ لَهُ سَبَبُ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
فِي حَقِّ مَنْ اُشْتُبِهَ عَلَيْهِ دُونَ مَنْ لَمْ يُشْتَبَهْ عَلَيْهِ وَشُبْهَةً فِي الْمَحِلِّ وَتُسَمَّى شُبْهَةً حُكْمِيَّةً وَشُبْهَةَ مِلْكٍ أَيْ الثَّابِتُ شُبْهَةٌ حَكَمَ الشَّرْعُ بِحِلِّ الْمَحِلِّ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ الشُّبْهَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَثْبُتُ بِالْعَقْدِ وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ مُتَّفَقًا عَلَى تَحْرِيمِهِ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ وَعِنْدَ الْبَاقِينَ لَا تَثْبُتُ هَذِهِ الشُّبْهَةُ إذَا عَلِمَ بِتَحْرِيمِهِ وَيَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ فِي نِكَاحِ الْمَحَارِمِ فَصَارَتْ الشُّبْهَةُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثَةً شُبْهَةً فِي الْفِعْلِ وَشُبْهَةً فِي الْمَحِلِّ وَشُبْهَةً فِي الْعَقْدِ وَكَذَا قَسَّمَهَا فِي الْمُحِيطِ اهـ
(قَوْلُهُ فَيَتَحَقَّقُ فِي حَقِّ مَنْ اُشْتُبِهَ عَلَيْهِ) أَيْ مَنْ اُشْتُبِهَ عَلَيْهِ الْحِلُّ وَالْحُرْمَةُ وَلَا دَلِيلَ فِي السَّمْعِ يُفِيدُ الْحِلَّ بَلْ ظَنَّ غَيْرَ الدَّلِيلِ دَلِيلًا كَمَا يَظُنُّ أَنَّ جَارِيَةَ زَوْجَتِهِ تَحِلُّ لَهُ لِظَنِّهِ أَنَّهُ اسْتِخْدَامٌ وَاسْتِخْدَامُهَا حَلَالٌ لَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الظَّنِّ وَإِلَّا فَلَا شُبْهَةَ أَصْلًا لِفَرْضِ أَنْ لَا دَلِيلَ أَصْلًا لِتَثْبُتَ الشُّبْهَةُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ظَنُّهُ ثَابِتًا لَمْ تَكُنْ شُبْهَةٌ أَصْلًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَيَثْبُتُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ ظَنَّ الْحِلَّ أَوْ عَلِمَ الْحُرْمَةَ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ كَوَطْءِ أَمَةِ وَلَدِهِ) أَيْ وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ كَمَا يَأْتِي فِي حَدِّ الْقَذْفِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَوَلَدِ وَلَدِهِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ وَلَدُهُ حَيًّا اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا أَمَةُ وَلَدِ الْوَلَدِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ إذَا ادَّعَى الْأَبُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِالْقِيمَةِ وَلَا عُقْرَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأَبَ لَمَّا مَلَكَهَا بِجَمِيعِ الْعُقْرِ سَقَطَ لِأَنَّهُ ضَمَانُ الْجُزْءِ وَقَدْ مَرَّ تَحْقِيقُ ذَلِكَ فِي نِكَاحِ الرَّقِيقِ أَمَّا الْجَدُّ إذَا وَطِئَ جَارِيَةَ وَلَدِ وَلَدِهِ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ إذَا كَانَ الْأَبُ حَيًّا كَذَا ذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْجَدَّ يَكُونُ مَحْجُوبًا بِالْأَبِ فَلَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ لِعَدَمِ تَأْوِيلِ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ وَإِنَّمَا لَمْ يُحَدَّ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ الَّتِي يَتَأَوَّلُ بِهَا الْمِلْكُ فِي ثَانِي الْحَالِ ثَابِتَةٌ فِي الْحَالِ أَعْنِي قَرَابَةَ الْوِلَادِ فَتَمَكَّنَتْ الشُّبْهَةُ فَدُرِئَ الْحَدُّ بِهَا وَكَذَا كُلُّ مَوْضِعٍ كَانَ سُقُوطُ الْحَدِّ فِيهِ لِشُبْهَةٍ فِي الْمَحِلِّ وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَ الْحُرْمَةَ أَوْ لَا يَعْلَمَ لِقِيَامِ الشُّبْهَةِ فِي الْحَالَيْنِ كَالْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَسْتَقِرَّ فِيهَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَلِهَذَا إذَا هَلَكَتْ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ اهـ
قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَمَا وَقَعَ فِي نُسَخِ النِّهَايَةِ مِمَّا نَقَلَهُ عَنْ خِزَانَةِ الْفِقْهِ لِأَبِي اللَّيْثِ رحمه الله إذَا زَنَى بِجَارِيَةِ نَافِلَتِهِ وَالْأَبُ فِي الْأَحْيَاءِ وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ لَا يُحَدُّ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ يَجِبُ الْحُكْمُ بِغَلَطِهِ وَأَنَّهُ سَقَطَ عَنْهُ لَفْظَةُ لَا لِأَنَّ جَمِيعَ الشَّارِحِينَ لِهَذَا الْمَكَانِ مُصَرِّحُونَ بِعَدَمِ ثُبُوتِهِ وَنَفْسُ أَبِي اللَّيْثِ صَرَّحَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لِأَنَّهُ مَحْجُوبٌ بِالْأَبِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي وَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ مَنْ وَطِئَ جَارِيَةَ وَلَدِ وَلَدِهِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ فَإِنْ كَانَ الْأَبُ حَيًّا لَمْ تَثْبُتْ دَعْوَةُ الْجَدِّ إذَا كَذَّبَهُ وَكَذَّبَ الْوَلَدَ لِأَنَّ صِحَّةَ الِاسْتِيلَادِ تَنْبَنِي عَلَى وِلَايَةِ نَقْلِ الْجَارِيَةِ وَلَيْسَ لِلْجَدِّ وِلَايَةُ ذَلِكَ فِي حَيَاةِ الْأَبِ وَلَكِنْ إنْ أَقَرَّ بِهِ وَلَدُ الْوَلَدِ عَتَقَ بِإِقْرَارِهِ لِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ الْجَدِّ وَأَنَّهُ عَمُّهُ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالْقَرَابَةِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ قِيمَةِ الْأَمَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَلَّكْهَا وَعَلَيْهِ الْعُقْرُ لِأَنَّ الْوَطْءَ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ وَسَقَطَ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ الْحُكْمِيَّةِ وَهِيَ الْبُنُوَّةُ فَيَجِبُ الْعُقْرُ
وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّا عَلِمْنَا أَنَّ الْعُلُوقَ كَانَ فِي حَيَاةِ الْأَبِ وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلْجَدِّ عِنْدَ ذَلِكَ وِلَايَةُ نَقْلِهَا إلَى نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَتْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي الدَّعْوَةِ صَدَّقَهُ ابْنُ الِابْنِ أَوْ كَذَّبَهُ لِأَنَّ الْعُلُوقَ حَصَلَ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ وَالْجَدُّ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ كَالْأَبِ فِي الْوِلَايَةِ فَلَهُ أَنْ يَنْقُلَهَا إلَى نَفْسِهِ بِدَعْوَةِ الِاسْتِيلَادِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِيهَا اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ) يَعْنِي هَلْ الْكِنَايَاتُ بَوَائِنُ أَوْ رَوَاجِعُ اهـ (قَوْلُهُ مِنْهَا الْجَارِيَةُ الْمَبِيعَةُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ) أَيْ إذَا وَطِئَهَا الْبَائِعُ قَبْلَ تَسْلِيمِهَا إلَى الْمُشْتَرِي. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا كَانَتْ بِشَرْطِ الْخِيَارِ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي. اهـ. فَتْحٌ
(قَوْلُهُ وَمِنْهَا الْجَارِيَةُ الْمَمْهُورَةُ) أَيْ الْمَجْعُولَةُ مَهْرًا إذَا وَطِئَهَا زَوْجُهَا قَبْلَ تَسْلِيمِهَا إلَى الزَّوْجَةِ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا لَمْ يَسْتَقِرَّ لِلزَّوْجَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمِنْهَا الْجَارِيَةُ الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَهُ) أَيْ بَيْنَ الْوَاطِئِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الرَّهْنِ) وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ غَيْرُ مُخْتَارَةٍ كَمَا سَيَجِيءُ قَرِيبًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَدْ انْعَقَدَ لَهُ سَبَبُ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ) أَيْ فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا وَمَالِكًا بِالْهَلَاكِ مِنْ وَقْتِ
فَصَارَتْ كَالْمُشْتَرَاةِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ قَالَ رحمه الله (وَلِشُبْهَةِ الْفِعْلِ إنْ ظَنَّ حِلَّهُ كَمُعْتَدَّةِ الثَّلَاثِ وَأَمَةِ أَبَوَيْهِ وَزَوْجَتِهِ وَسَيِّدِهِ) أَيْ يَسْقُطُ الْحَدُّ لِأَجْلِ الشُّبْهَةِ فِي الْفِعْلِ إنْ ظَنَّ أَنَّ وَطْأَهَا حَلَالٌ لَهُ
وَيُسَمَّى هَذَا النَّوْعُ مِنْ الشُّبْهَةِ شُبْهَةً فِي الْفِعْلِ لِأَنَّ الْمِلْكَ وَالْحَقَّ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي هَؤُلَاءِ اللَّاتِي ذَكَرَهُنَّ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا مَقْطُوعٌ بِهَا فَلَمْ يَبْقَ لَهُ فِيهَا مِلْكٌ وَلَا حَقٌّ غَيْرَ أَنَّهُ بَقِيَ فِيهَا بَعْضُ الْأَحْكَامِ كَالنَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى وَالْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ وَحُرْمَةِ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا وَعَدَمِ قَبُولِ شَهَادَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ فَحَصَلَ الِاشْتِبَاهُ لِذَلِكَ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً إنْ ظَنَّ حِلَّهُ لِأَنَّهُ فِي مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ فَيُعْذَرُ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يُوقِعَ الثَّلَاثَ جُمْلَةً أَوْ مُتَفَرِّقًا وَلَا اعْتِبَارَ بِخِلَافِ مَنْ أَنْكَرَ وُقُوعَ الْجُمْلَةِ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلْقَطْعِيِّ وَكَذَا الْأَمْلَاكُ مُتَبَايِنَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبَوَيْهِ وَكَذَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ فَلَا مِلْكَ لَهُ وَلَا حَقَّ فِي مَالِهِمْ وَكَذَا الْعَبْدُ فِي مَالِ مَوْلَاهُ غَيْرَ أَنَّ الْبُسُوطَةَ تَجْرِي بَيْنَهُمْ فِي الِانْتِفَاعِ بِالْأَمْوَالِ وَالرِّضَا بِذَلِكَ عَادَةً وَهِيَ تُجَوِّزُ الِانْتِفَاعَ بِمَالِهِ شَرْعًا فَإِذَا ظَنَّ الْوَطْءَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ حَلَالًا يُعْذَرُ لِأَنَّ وَطْءَ الْجَوَارِي مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِخْدَامِ فَيُشْتَبَهُ عَلَيْهِ الْحَالُ وَالِاشْتِبَاهُ فِي مَحِلِّهِ مَعْذُورٌ فِيهِ وَلِهَذِهِ الْمَسَائِلِ أَيْضًا أَخَوَاتٌ مِنْهَا الْمُطَلَّقَةُ عَلَى مَالٍ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا ثَابِتَةٌ بِالْإِجْمَاعِ فَصَارَتْ كَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا وَمِنْهَا أُمُّ الْوَلَدِ إذَا أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا لِثُبُوتِ حُرْمَتِهَا بِالْإِجْمَاعِ
وَتَثْبُتُ الشُّبْهَةُ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ لِبَقَاءِ أَثَرِ الْفِرَاشِ وَهِيَ الْعِدَّةُ وَمِنْهَا الْجَارِيَةُ الْمَرْهُونَةُ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْحُدُودِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ مِنْ عَيْنِهَا لَا يُتَصَوَّرُ وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ مِنْ مَعْنَاهَا فَلَمْ يَكُنْ الْوَطْءُ حَاصِلًا فِي مَحَلِّ الِاسْتِيفَاءِ وَهَذَا لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يُفِيدُ مِلْكَ الْعَيْنِ حَقِيقَةً وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ يَكُونُ كَفَنُهُ عَلَى الرَّاهِنِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَالْوَطْءُ يُصَادِفُ الْعَيْنَ وَلَئِنْ أَفَادَ مِلْكَ الْعَيْنِ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُفِيدَ مِلْكَ الْمُتْعَةِ بِحَالٍ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لَهَا بَعْدَ الْهَلَاكِ وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَا يُتَصَوَّرُ مِلْكُ الْمُتْعَةِ فِيهَا فَصَارَتْ كَالْجَارِيَةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ لِلْخِدْمَةِ وَكَجَارِيَةِ الْمَيِّتِ فِي حَقِّ الْغَرِيمِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرَاةِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا يَثْبُتُ حَقِيقَةً فِي حَالِ قِيَامِهَا عِنْدَ نُفُوذِ الْبَيْعِ وَذَلِكَ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى هَذَا وَجَبَ أَنْ يَجِبَ الْحَدُّ عَلَى الْمُرْتَهِنِ مُطْلَقًا اُشْتُبِهَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يُشْتَبَهْ كَمَا فِي الْجَارِيَةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ لِلْخِدْمَةِ وَكَجَارِيَةِ الْمَيِّتِ فِي حَقِّ الْغَرِيمِ قُلْنَا الِاسْتِيفَاءُ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْمَالِ فِي الْجُمْلَةِ وَمِلْكُ الْمَالِ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ فِي الْجُمْلَةِ
فَحَصَلَ الِاشْتِبَاهُ بِخِلَافِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَجَارِيَةِ الْمَيِّتِ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تُفِيدُ الْمُتْعَةَ بِحَالٍ وَالْغَرِيمُ لَا يَمْلِكُ عَيْنَ التَّرِكَةِ وَإِنَّمَا يَسْتَوْفِي حَقَّهُ مِنْ الثَّمَنِ وَلَوْ مَلَكَ الْعَيْنَ أَوْ تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِهَا لَمَا جَازَ بَيْعُهَا إلَّا بِإِذْنِهِ كَالرَّهْنِ ثُمَّ كَمَا يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْهُمَا بِدَعْوَى الْفَحْلِ يَسْقُطُ عَنْهُمَا بِدَعْوَى الْجَارِيَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ لِأَنَّهَا تَبَعٌ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
الرَّهْنِ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَقَدْ دَخَلَ فِي سَبَبِ الْمِلْكِ صُوَرٌ مِثْلُ وَطْءِ جَارِيَةِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ وَمُكَاتَبِهِ وَوَطْءِ الْبَائِعِ الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ بَعْدَ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَاَلَّتِي فِيهَا الْخِيَارُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ جَارِيَتُهُ الَّتِي هِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَجَارِيَتُهُ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ وَالِاسْتِقْرَاءُ يُفِيدُك غَيْرَ ذَلِكَ أَيْضًا كَالزَّوْجَةِ الَّتِي حُرِّمَتْ بِرِدَّتِهَا أَوْ مُطَاوَعَتِهَا لِابْنِهِ أَوْ جِمَاعِهِ أُمَّهَا ثُمَّ جَامَعَهَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا عَلَيْهِ حَرَامٌ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى قَاذِفِهِ لِأَنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ لَمْ يُحَرِّمْ بِهِ فَاسْتُحْسِنَ أَنْ يُدْرَأَ بِذَلِكَ الْحَدُّ فَالِاقْتِصَارُ عَلَى السِّتَّةِ لَا فَائِدَةَ فِيهِ اهـ
وَقَدْ عَدَّهَا الْكَمَالُ رحمه الله سِتَّةً أَيْضًا تَبَعًا لِلشَّارِحِينَ فَقَالَ قَبْلَ مَا نَقَلْته عَنْهُ آنِفًا وَالشُّبْهَةُ فِي الْمَحِلِّ فِي سِتَّةِ مَوَاضِعَ جَارِيَةُ ابْنِهِ وَالْمُطَلَّقَةُ طَلَاقًا بَائِنًا بِالْكِنَايَاتِ وَالْجَارِيَةُ الْمَبِيعَةُ وَالْمَجْعُولَةُ مَهْرًا وَالْمُشْتَرَكَةُ وَالْمَرْهُونَةُ إذَا وَطِئَهَا الْمُرْتَهِنُ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الرَّهْنِ وَعَلِمْت أَنَّهَا لَيْسَتْ بِالْمُخْتَارَةِ فَفِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ وَإِنْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ لِأَنَّ الْمَانِعَ هُوَ الشُّبْهَةُ وَهِيَ هُنَا قَائِمَةٌ فِي نَفْسِ الْحُكْمِ أَيْ الْحُرْمَةُ الْقَائِمَةُ بِهَا فِيهَا شُبْهَةٌ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ نَظَرًا إلَى دَلِيلِ الْحِلِّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» وَنَحْوِهِ فَلَا اعْتِبَارَ بِمَعْرِفَتِهِ بِالْحُرْمَةِ وَعَدَمِهَا اهـ مَعَ حَذْفِ
(قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَلِشُبْهَةِ الْفِعْلِ إنْ ظَنَّ حِلَّهُ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله فَشُبْهَةُ الْفِعْلِ فِي ثَمَانِيَةِ مَوَاضِعَ أَنْ يَطَأَ جَارِيَةَ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ وَكَذَا جَارِيَةُ جَدِّهِ وَجَدَّتِهِ وَإِنْ عَلَيَا أَوْ زَوْجَتِهِ أَوْ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَائِنًا عَلَى مَالٍ وَكَذَا الْمُخْتَلِعَةُ بِخِلَافِ الْبَيْنُونَةِ بِلَا مَالٍ فَإِنَّهَا مِنْ الْحُكْمِيَّةِ أَوْ أُمِّ وَلَدِهِ الَّتِي أَعْتَقَهَا وَهِيَ فِي عِدَّتِهِ وَالْعَبْدُ يَطَأُ جَارِيَةَ مَوْلَاهُ وَالْمُرْتَهِنُ يَطَأُ الْمَرْهُونَةَ اهـ وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْكَنْزِ مِنْ هَذِهِ الثَّمَانِيَةِ خَمْسَةً وَذَكَرَ الشَّارِحُ الثَّلَاثَةَ الْبَاقِيَةَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ فِي مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ فَيُعْذَرُ) بِخِلَافِ مَا لَوْ وَطِئَ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي أَوْ جَارِيَةً أَجْنَبِيَّةً عَلَى مَا يَأْتِي لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَنْ أَنْكَرَ وُقُوعَ الْجُمْلَةِ) أَيْ فَإِنَّ الزَّيْدِيَّةَ يَقُولُونَ إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا جُمْلَةً لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً وَالْإِمَامِيَّةُ يَقُولُونَ إنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ أَصْلًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ وَكَذَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ) قَالَ فِي أَمَالِي الْحَسَنِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا زَنَى بِجَارِيَةِ امْرَأَتِهِ وَقَالَ إنَّهَا لِي حَلَالٌ عَلَيْهِ الْعُقْرُ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ إنْ جَاءَتْ بِهِ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ أَوْ لَمْ تُصَدِّقْهُ وَلَوْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ لَا عُقْرَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ) قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَالْمُسْتَعِيرُ لِلرَّهْنِ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمُرْتَهِنِ فَفِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَا حَدَّ إذَا قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي وَلَوْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا حَرَامٌ وَجَبَ الْحَدُّ وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الظَّنَّ وَالْآخَرُ لَمْ يَدَّعِ لَا حَدَّ عَلَيْهِمَا حَتَّى يُقِرَّا جَمِيعًا لِعِلْمِهِمَا الْحُرْمَةَ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ إذَا ثَبَتَتْ فِي الْفِعْلِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ تَعَدَّتْ إلَى الْآخَرِ ضَرُورَةً. اهـ. (قَوْلُهُ يَسْقُطُ عَنْهُمَا بِدَعْوَى الْجَارِيَةِ الْحِلَّ) أَيْ لَا يُحَدُّ الْوَاطِئُ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الِاشْتِبَاهَ إذَا قَالَتْ الْجَارِيَةُ ظَنَنْت أَنَّ عَبْدَ مَوْلَايَ أَوْ مَوْلَاتِي أَوْ ابْنَ مَوْلَايَ أَوْ مَوْلَاتِي أَوْ زَوْجَ سَيِّدَتِي يَحِلُّ لِي لِأَنَّ دَعْوَى الِاشْتِبَاهِ يَسْقُطُ عَنْهَا الْحَدُّ فَإِذَا سَقَطَ عَنْهَا سَقَطَ عَنْهُ لِأَنَّ الْفِعْلَ وَاحِدٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
فَسُقُوطُهُ عَنْ التَّبَعِ لَا يُوجِبُ السُّقُوطَ عَنْ الْأَصْلِ كَالْبَالِغِ إذَا زَنَى بِصَبِيَّةٍ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ سُقُوطَ الْحَدِّ عَنْ الْجَارِيَةِ بِاعْتِبَارِ الشُّبْهَةِ فَيَتَعَدَّى إلَيْهِ لِأَنَّ الْفِعْلَ وَاحِدٌ بِخِلَافِ الصَّبِيَّةِ لِأَنَّ عَدَمَ الْوُجُوبِ عَلَيْهَا بِاعْتِبَارِ عَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ فَلَا يُمْكِنُ تَعْدِيَتُهُ إلَيْهِ فَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا قَالَ رحمه الله (وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ فِي الْأُولَى فَقَطْ) أَيْ يَثْبُتُ النَّسَبُ إنْ ادَّعَاهُ فِي الشُّبْهَةِ الْأُولَى وَهِيَ الشُّبْهَةُ فِي الْمَحِلِّ وَلَا يَثْبُتُ فِي النَّوْعِ الثَّانِي وَهُوَ الشُّبْهَةُ فِي الْفِعْلِ وَإِنْ ادَّعَاهُ لِأَنَّ النَّسَبَ يَعْتَمِدُ قِيَامَ الْمِلْكِ أَوْ الْحَقِّ فِي الْمَحِلِّ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ الْفِرَاشِ وَالْفِرَاشُ أَوْ شُبْهَتُهُ تُوجَدُ بِأَحَدِهِمَا
وَفِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ وُجِدَ أَحَدُهُمَا فَلَمْ يَتَمَحَّضْ زِنًا وَلَمْ يَتَحَقَّقْ فِي الثَّانِي فَتَمَحَّضَ زِنًا وَإِنَّمَا سَقَطَ الْحَدُّ لِمَعْنًى رَاجِعٍ إلَيْهِ وَهُوَ اشْتِبَاهُ الْأَمْرِ عَلَيْهِ وَالْمَحَلُّ خَالٍ عَنْ الْمِلْكِ وَعَنْ الْحَقِّ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ إذَا لَمْ يَدَّعِ الِاشْتِبَاهَ بِخِلَافِ النَّوْعِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا
قَالَ رحمه الله (وَحُدَّ بِوَطْءِ أَمَةِ أَخِيهِ وَعَمِّهِ وَإِنْ ظَنَّ حِلَّهُ وَامْرَأَةٍ وُجِدَتْ فِي فِرَاشِهِ) يَعْنِي وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ لِأَنَّهُ لَا بُسُوطَةَ فِي مَالِ هَؤُلَاءِ عَادَةً فَلَمْ يَسْتَنِدْ ظَنُّهُ إلَى دَلِيلٍ فَلَمْ يُعْتَبَرْ وَكَذَا فِي سَائِرِ الْمَحَارِمِ سِوَى الْوِلَادِ بِخِلَافِ السَّرِقَةِ مِنْهُمْ حَيْثُ لَا تُقْطَعُ بِهَا يَدُهُ لِأَنَّ حَدَّ السَّرِقَةِ يَجِبُ بِهَتْكِ الْحِرْزِ وَلَمْ يُوجَدْ الْحِرْزُ فِي حَقِّهِ لِأَنَّ الْمَحَارِمَ بَعْضُهُمْ يَدْخُلُ عَلَى بَعْضٍ بِغَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَلَا حِشْمَةَ لِوُجُودِ الْإِذْنِ بِالدُّخُولِ عَادَةً فَيُدْرَأُ بِهِ الْحَدُّ وَأَمَّا هُنَا يَجِبُ الْحَدُّ بِالزِّنَا وَقَدْ وُجِدَ وَيُدْرَأُ بِالْحِلِّ أَوْ بِشُبْهَتِهِ وَلَمْ يُوجَدْ وَيَتَبَيَّنْ لَك هَذَا الْمَعْنَى فِي الضَّيْفِ فَإِنَّهُ إذَا سَرَقَ مِنْ الْمُضِيفِ لَا تُقْطَعُ يَدُهُ وَإِنْ زَنَى بِجَارِيَتِهِ أَوْ فِي بَيْتِهِ بَلْ فِي بَيْتِ نَفْسِهِ يُحَدُّ لِمَا قُلْنَا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَامْرَأَةٍ وُجِدَتْ فِي فِرَاشِهِ أَيْ يُحَدُّ بِوَطْءِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ وُجِدَتْ فِي فِرَاشِهِ وَإِنْ قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا امْرَأَتِي لِأَنَّهُ بَعْدَ طُولِ الصُّحْبَةِ لَا تُشْتَبَهُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَقَدْ يَنَامُ فِي فِرَاشِهَا غَيْرُهَا مِنْ الْمَحَارِمِ وَالْمَعَارِفِ وَالْجِيرَانِ فَلَمْ يَسْتَنِدْ الظَّنُّ إلَى دَلِيلٍ فَلَا يُعْتَبَرُ وَكَذَا إذَا كَانَ أَعْمَى لِأَنَّ امْرَأَتَهُ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ بَعْدَ طُولِ الصُّحْبَةِ يَعْرِفُهَا بِالْجَسِّ وَالنَّفَسِ وَالرَّائِحَةِ وَالصَّوْتِ فَلَا يُعْذَرُ بِتَرْكِ التَّفَحُّصِ عَنْهَا إلَّا إذَا دَعَاهَا فَأَجَابَتْهُ أَجْنَبِيَّةٌ فَقَالَتْ أَنَا امْرَأَتُك فَوَطِئَهَا فَإِنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ ظَنَّهُ اسْتَنَدَ إلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ الْإِخْبَارُ وَكَذَا لَوْ قَالَتْ أَنَا فُلَانَةُ بِاسْمِ امْرَأَتِهِ فَوَاقَعَهَا لَا يُحَدُّ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ لِمَا نَذْكُرُ مِنْ قَرِيبٍ فِي الْمَزْفُوفَةِ وَإِنْ أَجَابَتْهُ وَلَمْ تَقُلْ أَنَا امْرَأَتُك وَلَا أَنَا فُلَانَةُ يُحَدُّ لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ السُّقُوطَ وَلَوْ أَكْرَهَهَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ دُونَهَا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَهْرُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَهُوَ نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ فِي ضَمَانِ الْمَسْرُوقِ مَعَ الْقَطْعِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
- رحمه الله
قَالَ الْكَمَالُ وَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ كَانَ عَلَيْهِ الْعُقْرُ لِزَوْجَتِهِ وَغَيْرِهَا وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا لَوْ جَاءَتْ بِهِ جَارِيَةُ الزَّوْجَةِ وَغَيْرِهَا وَإِنْ صَدَّقَتْهُ الزَّوْجَةُ أَنَّهُ وَلَدُهُ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ الْحِلُّ لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَالْبَالِغِ إذَا زَنَى بِصَبِيَّةٍ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا مَعَ أَنَّ الْفِعْلَ وَاحِدٌ لِأَنَّ عَدَمَ الْوُجُوبِ عَلَيْهَا لَا لِلشُّبْهَةِ بَلْ لِلْحَدِّ. اهـ. (قَوْلُهُ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ) أَيْ لِلْعُقُوبَاتِ لِكَوْنِهَا مَرْفُوعَةَ الْقَلَمِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ عَنْهُ لِعَدَمِ الشُّبْهَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ فِي الْأُولَى فَقَطْ) سَيَأْتِي مَا يُخَالِفُهُ فِيمَنْ زُفَّتْ إلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ وَقِيلَ هِيَ امْرَأَتُهُ وَقِيلَ هِيَ زَوْجَتُك فَإِنَّهُ إذَا وَطِئَهَا لَا يَجِبُ الْحَدُّ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ مَعَ أَنَّهَا شُبْهَةٌ فِي الْفِعْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ إنْ ادَّعَاهُ فِي الشُّبْهَةِ الْأُولَى) أَيْ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ زِنًا لِشُبْهَةٍ فِي الْمَحِلِّ ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ بِالدَّعْوَةِ لِأَنَّ النَّسَبَ مِمَّا يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ وَفِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ وُجِدَ أَحَدُهُمَا) أَيْ وَهُوَ الْحَقُّ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ فَلَمْ يَتَمَحَّضْ) أَيْ لَمْ يَخْلُصْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا سَقَطَ الْحَدُّ لِمَعْنًى رَاجِعٍ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْوَاطِئِ لَا إلَى الْمَحِلِّ فَكَانَ الْمَحِلُّ لَيْسَ فِيهِ شُبْهَةُ حِلٍّ فَلَا يَثْبُتُ نَسَبٌ بِهَذَا الْوَطْءِ وَلِذَا لَا يَثْبُتُ بِهِ عِدَّةٌ لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ مِنْ الزِّنَا. اهـ. كَمَالٌ رحمه الله
(قَوْلُهُ وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ) وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ هُنَا لَا فِي الْمِلْكِ وَلَا فِي الْفِعْلِ لِعَدَمِ الِانْبِسَاطِ فَلَا يُعْتَبَرُ الظَّنُّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ لَكِنَّهُ ظَنَّ أَنَّ وَطْأَهُ هَذَا لَيْسَ زِنًا مُحَرَّمًا فَلَا يُعَارِضُ مَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ قَوْلِهِ شَرْطُ وُجُوبِ الْحَدِّ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ وَإِنَّمَا يَنْفِيهِ مَسْأَلَةُ الْحَرْبِيِّ إذَا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ فَزَنَى وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهُ حَلَالٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَيُحَدُّ وَإِنْ كَانَ فِعْلُهُ أَوَّلَ يَوْمٍ دَخَلَ الدَّارَ لِأَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ وَالْمِلْكُ لَا يَخْتَلِفُ فِي هَذِهِ فَكَيْفَ يُقَالُ إذَا ادَّعَى مُسْلِمٌ أَصْلِيٌّ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ حُرْمَةَ الزِّنَا لَا يُحَدُّ لِانْتِفَاءِ شَرْطِ الْحَدِّ وَلَوْ أَرَادَ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ شَرْطَ الْحَدِّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عِلْمُهُ بِالْحُرْمَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا لَا حَدَّ عَلَيْهِ كَانَ قَلِيلَ الْجَدْوَى أَوْ غَيْرَ صَحِيحٍ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا أَوْجَبَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُحَدَّ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي ثَبَتَ زِنَاهُ عِنْدَهُ عُرِفَ ثُبُوتُ الْوُجُوبِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِكَوْنِهِ وَاجِبًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إلَّا وُجُوبُهُ عَلَى الْإِمَامِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الزَّانِي أَنْ يَحُدَّ نَفْسَهُ وَلَا أَنْ يُقِرَّ بِالزِّنَا بَلْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ التَّوْبَةُ وَالْإِنَابَةُ
ثُمَّ إذَا اتَّصَلَ بِالْإِمَامِ ثُبُوتُهُ وَجَبَ الْحَدُّ عَلَى الْإِمَامِ اهـ (قَوْلُهُ سِوَى الْوِلَادِ) أَيْ كَالْخَالِ وَالْخَالَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا امْرَأَتِي) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِلِاشْتِبَاهِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ أَيْضًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ وَجَدَ امْرَأَةً عَلَى فِرَاشِهِ فَوَطِئَهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ قَالَ الْكَمَالُ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ قَاسُوهَا عَلَى الْمَزْفُوفَةِ بِجَامِعِ ظَنِّ الْحِلِّ وَلَنَا أَنَّ الْمُسْقِطَ شُبْهَةُ الْحِلِّ وَلَا شُبْهَةَ هُنَا أَصْلًا سِوَى أَنْ وَجَدَهَا عَلَى فِرَاشِهِ وَمُجَرَّدُ وُجُودِ امْرَأَةٍ عَلَى فِرَاشِهِ لَا يَكُونُ دَلِيلَ الْحِلِّ لِيَسْتَنِدَ الظَّنُّ إلَيْهِ وَهَذَا لِأَنَّهُ قَدْ يَنَامُ عَلَى الْفِرَاشِ غَيْرُ الزَّوْجَةِ مِنْ حَبَائِبِهَا الزَّائِرَاتِ وَقَرَابَاتِهَا فَلَمْ يَسْتَنِدْ الظَّنُّ إلَى مَا يَصْلُحُ دَلِيلَ حِلٍّ فَكَانَ كَمَا لَوْ ظَنَّ الْمُسْتَأْجَرَةَ لِلْخِدْمَةِ وَالْمُودَعَةَ حَلَالًا فَوَطِئَهَا فَإِنَّهُ يُحَدُّ اهـ
(قَوْلُهُ فُلَانَةَ يُحَدُّ) أَيْ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بِحَيْثُ يَكُونُ الْحَالُ مُتَوَسِّطًا فِي اطْمِئْنَانِ النَّفْسِ إلَى أَنَّهَا هِيَ. اهـ. فَتْحٌ
قَالَ رحمه الله (لَا بِأَجْنَبِيَّةٍ زُفَّتْ وَقِيلَ هِيَ زَوْجَتُك) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِوَطْءِ أَجْنَبِيَّةٍ زُفَّتْ إلَيْهِ وَقِيلَ لَهُ هِيَ زَوْجَتُك فِيمَا إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا بَعْدُ لِأَنَّهُ اعْتَمَدَ دَلِيلًا شَرْعِيًّا فِي مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ وَهُوَ الْإِخْبَارُ فَيُطْلَقُ لَهُ الْعَمَلُ إذْ الْمَرْءُ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ زَوْجَتِهِ وَغَيْرِهَا فِي أَوَّلِ الْوَهْلَةِ وَلَا دَلِيلَ يَقِفُ عَلَيْهِ سِوَى هَذَا وَلِهَذَا قُلْنَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَإِنْ كَانَتْ شُبْهَةَ اشْتِبَاهٍ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ لِأَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ الْإِخْبَارَ بِالْمِلْكِ كَالْمُتَحَقِّقِ دَفْعًا لِضَرَرِ الْغُرُورِ عَنْهُ فِي الْأَمَةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا ثُمَّ اسْتَحَقَّتْ بَعْدَمَا وَطِئَهَا وَاسْتَوْلَدَهَا وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ لِأَنَّهُ وَطْءٌ حَرَامٌ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فَيَسْقُطُ بِهِ إحْصَانُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ لِأَنَّ هَذَا الْوَطْءَ حَلَالٌ لَهُ ظَاهِرًا وَالْحُكْمُ يُبْنَى عَلَى الظَّاهِرِ قُلْنَا لَيْسَ لَهُ فِيهَا مِلْكٌ وَلَا شُبْهَتُهُ فَكَانَ زِنًا حَقِيقَةً فَيَبْطُلُ بِهِ إحْصَانُهُ وَاسْتِنَادُهُ إلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ لَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كَمَنْ وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ إحْصَانُهُ بِذَلِكَ عَلِقَتْ أَوْ لَمْ تَعْلَقْ ادَّعَاهُ أَوْ لَمْ يَدَّعِ قَالَ رحمه الله (وَعَلَيْهِ مَهْرٌ) لِأَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه قَضَى بِذَلِكَ وَلِأَنَّ الْوَطْءَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَخْلُو عَنْ الْحَدِّ أَوْ الْمَهْرِ وَقَدْ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُ فَتَعَيَّنَ الْمَهْرُ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَلِهَذَا قُلْنَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ سَقَطَ فِيهِ الْحَدُّ مِمَّا ذَكَرْنَا يَجِبُ الْمَهْرُ لِمَا ذَكَرْنَا إلَّا فِي وَطْءِ جَارِيَةِ الِابْنِ وَعَلِقَتْ مِنْهُ وَادَّعَى نَسَبَهُ لِمَا ذَكَرْنَا فِي النِّكَاحِ أَوْ فِي وَطْءِ الْبَائِعِ الْمَبِيعَةَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ذَكَرَهَا فِي الزِّيَادَاتِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ بِوَطْءِ جَارِيَةِ السَّيِّدِ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَجِبُ لَهُ دَيْنٌ عَلَى عَبْدِهِ وَلَوْ قِيلَ وَجَبَ ثُمَّ سَقَطَ فَمُسْتَقِيمٌ عَلَى مَا اخْتَلَفُوا فِي تَزْوِيجِ الْمَوْلَى عَبْدَهُ بِجَارِيَتِهِ وَيَكُونُ الْمَهْرُ لِلْمَوْطُوءَةِ بِذَلِكَ قَضَى عَلِيٌّ رضي الله عنه وَكَانَ عُمَرُ رضي الله عنه يَجْعَلُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَأَنَّهُ جَعَلَهُ حَقَّ الشَّرْعِ لِمَا أَنَّ الْحَدَّ حَقٌّ لَهُ وَهَذَا كَالْعِوَضِ عَنْهُ وَالْمُخْتَارُ قَوْلُ عَلِيٍّ رضي الله عنه لِأَنَّ الْوَطْءَ كَالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا وَأَرْشُ الْجِنَايَاتِ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ عِوَضًا عَنْ الْحَدِّ لَوَجَبَ عَلَى الْمَرْأَةِ لِأَنَّ الْحَدَّ سَاقِطٌ عَنْهَا
قَالَ رحمه الله (وَبِمَحْرَمٍ نَكَحَهَا) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِوَطْءِ مَحْرَمٍ تَزَوَّجَهَا وَهَذَا هُوَ الشُّبْهَةُ فِي الْعَقْدِ سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَلَكِنْ إنْ كَانَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا بِأَجْنَبِيَّةٍ) اُنْظُرْ مَا تَقَدَّمَ بِأَسْطُرٍ وَهُوَ قَوْلُهُ إلَّا إذَا ادَّعَاهَا إلَخْ فَإِنَّهُ مِنْ شُبْهَةِ الْفِعْلِ مَعَ أَنَّهُ يَثْبُتُ فِيهِ النَّسَبُ كَمَا فِي الْمَزْفُوفَةِ وَإِنْ كَانَ النَّسَبُ لَا يَثْبُتُ فِي شُبْهَةِ الْفِعْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ زُفَّتْ) وَمَعْنَى قَوْلِهِ زُفَّتْ أَيْ بُعِثَتْ وَهُوَ مِنْ بَابِ فَعَلَ يَفْعُلُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ فِي الْمَاضِي وَضَمِّهَا فِي الْمُضَارِعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ اعْتَمَدَ دَلِيلًا شَرْعِيًّا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا عَدَمُ وُجُوبِ الْحَدِّ فَلِأَنَّ الْمَوْضِعَ مَوْضِعُ الِاشْتِبَاهِ بَيَانُهُ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَغَيْرِهَا فِي أَوَّلِ الْوَهْلَةِ إلَّا بِالْإِخْبَارِ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ مَقْبُولٌ فِي أُمُورِ الدِّينِ وَالْمُعَامَلَاتِ وَلِهَذَا إذَا جَاءَتْ الْجَارِيَةُ وَقَالَتْ بَعَثَنِي مَوْلَايَ إلَيْك هَدِيَّةً يَحِلُّ وَطْؤُهَا اعْتِمَادًا عَلَى قَوْلِهَا فَلَمَّا كَانَ الْمَوْضِعُ مَوْضِعَ اشْتِبَاهٍ تَحَقَّقَتْ الشُّبْهَةُ فَسَقَطَ الْحَدُّ اهـ
(قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ شُبْهَةَ اشْتِبَاهٍ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله ثُمَّ الشُّبْهَةُ الثَّابِتَةُ فِيهَا شُبْهَةُ اشْتِبَاهٍ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْ الْمَشَايِخِ وَدُفِعَ بِأَنَّهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ هَذَا الْوَطْءِ وَلَا يَثْبُتُ مِنْ الْوَطْءِ عَنْ شُبْهَةِ الِاشْتِبَاهِ نَسَبٌ فَالْأَوْجَهُ أَنَّهَا شُبْهَةُ دَلِيلٍ فَإِنَّ قَوْلَ النِّسَاءِ هِيَ زَوْجَتُك دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ مُبِيحٌ لِلْوَطْءِ فَإِنَّ قَوْلَ الْوَاحِدِ مَقْبُولٌ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَلِهَذَا حَلَّ وَطْءُ الْأَمَةِ إذَا جَاءَتْ إلَى رَجُلٍ وَقَالَتْ مَوْلَايَ أَرْسَلَنِي إلَيْك هَدِيَّةً فَإِذَا كَانَ دَلِيلًا غَيْرَ صَحِيحٍ فِي الْوَاقِعِ أَوْجَبَ الشُّبْهَةَ الَّتِي يَثْبُتُ مَعَهَا النَّسَبُ وَعَلَى الْمَزْفُوفَةِ الْعِدَّةُ اهـ قَوْلُهُ عِنْدَ طَائِفَةٍ أَيْ فِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ) أَيْ لَا يُحَدُّ قَاذِفُ الَّذِي زُفَّتْ إلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ فَوَطِئَهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ الْكَمَالُ فَإِنَّ إحْصَانَهُ لَا يَسْقُطُ عِنْدَهُ بِهَذَا الْوَطْءِ لِأَنَّهُ وَطِئَهَا عَلَى أَنَّهُ نِكَاحٌ صَحِيحٌ مُعْتَمِدًا دَلِيلًا وَلِذَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَالْمَهْرُ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَيَكُونُ وَطْئًا حَلَالًا ظَاهِرًا أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا تَبَيَّنَ خِلَافُ الظَّاهِرِ بَقِيَ الظَّاهِرُ مُعْتَبَرًا فِي إيرَاثِ الشُّبْهَةِ وَبِالشُّبْهَةِ سَقَطَ الْحَدُّ لَكِنْ سَقَطَ إحْصَانُهُ لِوُقُوعِ الْفِعْلِ زِنًا وَهَذَا التَّوْجِيهُ يُخَالِفُ مُقْتَضَى كَوْنِهَا شُبْهَةَ مَحَلٍّ لِأَنَّ فِي شُبْهَةِ الْمَحِلِّ لَا يَكُونُ الْفِعْلُ زِنًا وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ شُبْهَةَ اشْتِبَاهٍ أَشْكَلَ عَلَيْهِ ثُبُوتُ النَّسَبِ
وَأَطْلَقُوا أَنَّ فِيهَا لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَإِنْ اُعْتُبِرَ شُبْهَةَ مَحَلٍّ اقْتَضَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَلِمْتهَا حَرَامًا عَلَيَّ لِعِلْمِي بِكَذِبِ النِّسَاءِ لَمْ يُحَدَّ وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ وَالْحَقُّ أَنَّهُ شُبْهَةُ اشْتِبَاهٍ لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَكَوْنُ الْإِخْبَارِ يُطْلِقُ الْجِمَاعَ شَرْعًا لَيْسَ هُوَ الدَّلِيلَ الْمُعْتَبَرَ فِي شُبْهَةِ الْمَحِلِّ لِأَنَّ الدَّلِيلَ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ هُوَ مَا مُقْتَضَاهُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ نَحْوَ «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» وَالْمِلْكُ الْقَائِمُ لَلشَّرِيك لَا مَا يُطْلَقُ شَرْعًا مُجَرَّدُ الْفِعْلِ غَيْرَ أَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ الْحُكْمِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ أَعْنِي عَدَمَ ثُبُوتِ النَّسَبِ لِلْإِجْمَاعِ فِيهِ وَبِهَذِهِ وَالْمُعْتَدَّةُ ظُهُورُ عَدَمِ انْضِبَاطِ مَا مَهَّدُوهُ مِنْ أَحْكَامِ الشُّبْهَتَيْنِ اهـ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ) أَيْ فِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِمَحْرَمٍ نَكَحَهَا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَا يَحِلُّ نِكَاحُهَا قَالَ الْكَمَالُ بِأَنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ بِنَسَبٍ كَأُمِّهِ وَابْنَتِهِ فَوَطِئَهَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَدُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَزُفَرَ وَإِنْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ وَلَكِنْ يَجِبُ الْمَهْرُ وَيُعَاقَبُ عُقُوبَةً هِيَ أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنْ التَّعْزِيرِ سِيَاسَةً لَا حَدًّا مُقَدَّرًا شَرْعًا إذَا كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا عُقُوبَةَ تَعْزِيرٍ وَقَالَا وَالشَّافِعِيُّ أَيْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَكَذَا مَالِكٌ وَأَحْمَدُ يَجِبُ حَدُّهُ إذَا كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ كُلُّ مُحَرَّمَةٍ بِرَضَاعٍ أَوْ صِهْرِيَّةٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَفِي الْكَافِي لِحَافِظِ الدِّينِ مَنْكُوحَةُ الْغَيْرِ وَمُعْتَدَّتُهُ وَمُطَلَّقَتُهُ الثَّلَاثَ بَعْدَ التَّزْوِيجِ كَالْمَحْرَمِ قَالَ وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ مُخْتَلِفًا كَالنِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ وَبِلَا شُهُودٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا لِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ عِنْدَ الْكُلِّ
وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ أَوْ تَزَوَّجَ مَجُوسِيَّةً أَوْ أَمَةً بِلَا إذْنِ سَيِّدِهَا أَوْ تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا أَمَّا عِنْدَهُ فَظَاهِرٌ وَكَذَا عِنْدَهُمَا لِأَنَّ الشُّبْهَةَ إنَّمَا تَنْتَفِي عِنْدَهُمَا إذَا كَانَ مُجْمَعًا عَلَى تَحْرِيمِهِ وَهِيَ حَرَامٌ عَلَى التَّأْبِيدِ وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَرَادَ بِنِكَاحِ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا نِكَاحَ الْمَحَارِمِ وَالْمُطَلَّقَةِ الثَّلَاثَ وَمُعْتَدَّةَ الْغَيْرِ وَمَنْكُوحَةَ الْغَيْرِ وَنِكَاحَ الْخَامِسَةِ وَأُخْتَ الْمَرْأَةِ فِي عِدَّتِهَا
عَالِمًا يُوجَعُ بِالضَّرْبِ تَعْزِيرًا لَهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ رحمهم الله إنْ كَانَ عَالِمًا يُحَدُّ فِي كُلِّ امْرَأَةٍ مُحَرَّمَةٍ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ أَوْ ذَاتِ زَوْجٍ لِأَنَّ حُرْمَتَهُنَّ ثَبَتَتْ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ وَإِضَافَةُ الْعَقْدِ إلَيْهِنَّ كَإِضَافَتِهِ إلَى الذُّكُورِ لِكَوْنِهِ صَادَفَ غَيْرَ الْمَحِلِّ فَيَلْغُو لِأَنَّ مَحَلَّ التَّصَرُّفِ مَا يَكُونُ مَحِلًّا لِحُكْمِهِ وَهُوَ الْحِلُّ هُنَا وَهِيَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ فَيَكُونُ وَطْؤُهَا زِنًا حَقِيقَةً لِعَدَمِ الْمِلْكِ فِيهَا وَالْحَقِّ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] إلَى قَوْلِهِ {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} [النساء: 22] وَالْفَاحِشَةُ هِيَ الزِّنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} [الإسراء: 32] الْآيَةَ.
وَمُجَرَّدُ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى غَيْرِ الْمَحِلِّ لَا عِبْرَةَ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ الْوَارِدَ عَلَى الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا حَتَّى لَا يُفِيدُ شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ الْبَيْعِ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا يُعْذَرُ بِالِاشْتِبَاهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ الْأُنْثَى مِنْ أَوْلَادِ آدَمَ مَحَلٌّ لِهَذَا الْعَقْدِ لِأَنَّ مَحَلَّ الْعَقْدِ مَا يَكُونُ قَابِلًا لِمَقْصُودِهِ الْأَصْلِيِّ وَكُلُّ أُنْثَى مِنْ أَوْلَادِ آدَمَ قَابِلٌ لِحُكْمِ النِّكَاحِ وَهُوَ التَّوَالُدُ وَالتَّنَاسُلُ وَإِذَا كَانَتْ قَابِلَةً لِمَقْصُودِهِ كَانَتْ قَابِلَةً لِحُكْمِهِ إذْ الْحُكْمُ يَثْبُتُ ذَرِيعَةً إلَى الْمَقْصُودِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْعَقِدَ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ إلَّا أَنَّهُ تَقَاعَدَ عَنْ إفَادَةِ الْحِلِّ حَقِيقَةً لِمَكَانِ الْحُرْمَةِ الثَّابِتَةِ فِيهِنَّ بِالنَّصِّ فَيُورِثُ شُبْهَةً إذْ الشُّبْهَةُ مَا يُشْبِهُ الْحَقِيقَةَ لَا الْحَقِيقَةُ بِنَفْسِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْخَمْرَ لَيْسَتْ بِمَالٍ عِنْدَنَا وَلَا هِيَ مَحَلٌّ لِلْعَقْدِ وَمَعَ هَذَا لَوْ اشْتَرَى بِهَا شَيْئًا اُعْتُبِرَتْ مَالًا فِي حَقِّ انْعِقَادِ الْعَقْدِ حَتَّى يَمْلِكَ مَا يُقَابِلُهَا لِكَوْنِهَا مَالًا عِنْدَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْأُنْثَى مِنْ أَوْلَادِ آدَمَ مَحَلٌّ لِلْعَقْدِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَتْ أَوْلَى بِإِيرَاثِ الشُّبْهَةِ وَكَوْنُهَا مُحَرَّمَةً عَلَى التَّأْبِيدِ لَا يُنَافِي الشُّبْهَةَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَطِئَ أَمَتَهُ وَهِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ
وَالنِّكَاحُ فِي إفَادَةِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ أَقْوَى مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ شُرِعَ لَهُ بِخِلَافِ مِلْكِ الْيَمِينِ فَكَانَ أَوْلَى فِي إفَادَةِ الشُّبْهَةِ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ تُشْبِهُ الْحَقِيقَةَ فَمَا كَانَ أَقْوَى فِي إثْبَاتِ الْحَقِيقَةِ كَانَ أَقْوَى فِي إثْبَاتِ الشُّبْهَةِ وَاسْتِدْلَالُهُمْ بِالْفَاحِشَةِ عَلَى أَنَّهُ زِنًا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْفَاحِشَةَ اسْمٌ لِلْمُحَرَّمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأنعام: 151] وَقَالَ تَعَالَى {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ} [النجم: 32] فَلَا يَكُونُ اسْمُ الْفَاحِشَةِ مُخْتَصًّا بِالزِّنَا وَلَوْ كَانَ مُخْتَصًّا بِهِ فَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى مَا قَالُوا لِأَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ لِلْوَطْءِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ النِّكَاحُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ لَا عَلَى الْعَقْدِ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَيْسَ بِزِنًا اتِّفَاقًا وَلَا عَلَى الْوَطْءِ بَعْدَ الْعَقْدِ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ إذْ النِّكَاحُ لَمْ يُذْكَرْ إلَّا مَرَّةً فَيَتَنَاوَلُ أَحَدَهُمَا عَلَى الْبَدَلِ دُونَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا لِاسْتِحَالَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ يُقَرُّونَ عَلَيْهِ وَكَانَ مَشْرُوعًا فِي دِينِ مَنْ قَبْلَنَا وَالذِّمِّيُّ لَا يُقَرُّ عَلَى الزِّنَا وَلَمْ يُشْرَعْ الزِّنَا فِي دِينٍ مِنْ الْأَدْيَانِ قَطُّ فَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ عِنْدَهُ لِمَا ذَكَرْنَا يُبَالِغُ فِي تَعْزِيرِهِ إنْ كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا فِيهِ فَسَادُ الْعَالَمِ وَمِنْ الشُّبْهَةِ فِي الْعَقْدِ وَطْءُ الْمُتَزَوِّجَةِ بِغَيْرِ شُهُودٍ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى أَوْ وَطْءِ أَمَةٍ تَزَوَّجَهَا عَلَى حُرَّةٍ أَوْ تَزَوَّجَ خَمْسًا فِي عُقْدَةٍ فَوَطِئَهُنَّ أَوْ وَطِئَ مَجُوسِيَّةً أَوْ مُشْرِكَةً تَزَوَّجَهَا أَوْ جَمَعَ بَيْنَ أُخْتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ فَوَطِئَهُمَا أَوْ الْأَخِيرَةَ لَوْ كَانَ مُتَعَاقِبًا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لَا يَجِبُ الْحَدُّ عِنْدَهُ كَيْفَمَا كَانَ.
قَالَ رحمه الله (وَبِأَجْنَبِيَّةٍ فِي غَيْرِ الْقُبُلِ وَبِلِوَاطَةٍ) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِوَطْءِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ فِي غَيْرِ قُبُلِهَا وَلَا بِاللِّوَاطَةِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ هُوَ كَالزِّنَا فَيُحَدُّ حَدَّ الزِّنَا فَيُرْجَمُ إنْ كَانَ مُحْصَنًا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
وَالْمَجُوسِيَّةَ وَالْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ وَنِكَاحَ الْعَبْدِ أَوْ الْأَمَةِ بِلَا إذْنِ الْوَلِيِّ وَالنِّكَاحَ بِغَيْرِ شُهُودٍ فَفِي كُلِّ هَذَا لَا يَجِبُ الْحَدُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ إذَا عَلِمَ بِالتَّحْرِيمِ وَإِلَّا فَلَا ثُمَّ قَالَ وَلَكِنَّهُمَا قَالَا فِيمَا لَيْسَ بِحَرَامٍ عَلَى التَّأْبِيدِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ كَالنِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ فَقَدْ تَعَارَضَا حَيْثُ جَعَلَ فِي الْكَافِي الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةَ وَالْأَمَةَ بِلَا إذْنِ السَّيِّدِ وَتَزَوُّجَ الْعَبْدِ بِلَا إذْنِ السَّيِّدِ مَحَلُّ الِاتِّفَاقِ عَلَى سُقُوطِ الْحَدِّ وَجَعَلَهَا هَذَا الشَّارِحُ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ فَعِنْدَهُمَا يُحَدُّ وَأَضَافَ إلَى ذَلِكَ مَا سَمِعْت ثُمَّ لَا يَخْفَى مَا فِي عِبَارَتِهِ مِنْ عَدَمِ التَّحْرِيرِ ثُمَّ قَوْلُ حَافِظِ الدِّينِ فِي الْكَافِي فِي تَعْلِيلِ سُقُوطِ الْحَدِّ فِي تَزَوُّجِ الْمَجُوسِيَّةِ وَمَا مَعَهَا لِأَنَّ الشُّبْهَةَ إنَّمَا تَنْتَفِي عِنْدَهُمَا يَعْنِي حَتَّى يَجِبَ الْحَدُّ إذَا كَانَ مُجْمَعًا عَلَى تَحْرِيمِهِ وَهِيَ حَرَامٌ عَلَى التَّأْبِيدِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُحَدُّ عِنْدَهُمَا فِي تَزَوُّجِ مَنْكُوحَةِ الْغَيْرِ وَمَا مَعَهَا لِأَنَّهَا لَيْسَ مُحَرَّمَةً عَلَى التَّأْبِيدِ فَإِنَّ حُرْمَتَهَا مُقَيَّدَةٌ بِبَقَاءِ نِكَاحِهَا وَعِدَّتِهَا كَمَا أَنَّ حُرْمَةَ الْمَجُوسِيَّةِ مُغَيَّاةٌ بِتَمَجُّسِهَا حَتَّى لَوْ أَسْلَمَتْ حَلَّتْ كَمَا أَنَّ تِلْكَ لَوْ طَلُقَتْ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا حَلَّتْ وَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ عِنْدَهُمَا إلَّا فِي الْمَحَارِمِ فَقَطْ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّي وَاَلَّذِي يُعْتَمَدُ عَلَى نَقْلِهِمْ مِثْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ
كَذَلِكَ ذَكَرُوا فَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُمَا أَنَّهُ يُحَدُّ فِي ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ وَلَا يُحَدُّ فِي غَيْرِ ذَلِكَ قَالَ مِثْلُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَجُوسِيَّةً أَوْ خَامِسَةً أَوْ مُعْتَدَّةً وَعِبَارَةُ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ تُفِيدُ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا فَدَخَلَ بِهَا قَالَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَإِنْ فَعَلَهُ عَلَى عِلْمٍ لَمْ يُحَدَّ أَيْضًا وَيَوْجَعُ عُقُوبَةً فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إذَا عَلِمَ بِذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ فِي ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ إلَى هُنَا لَفْظُهُ فَعُمِّمَ فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي لَا تَحِلُّ لَهُ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ خَصَّصَ مُخَالَفَتَهُمَا بِذَوَاتِ الْمَحَارِمِ مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ فَاللَّفْظُ ظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الرِّوَايَاتِ اهـ
(قَوْله وَاَلَّذِينَ) الْوَاوُ ثَابِتَةٌ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَالتِّلَاوَةُ بِدُونِهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِأَجْنَبِيَّةٍ فِي غَيْرِ قُبُلٍ) أَرَادَ بِهِ التَّفْخِيذَ وَالتَّبْطِينَ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَا يَعُمُّ الدُّبُرَ لِأَنَّ بَيَانَهُ يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ وَبِلِوَاطَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَبِلِوَاطَةٍ) اعْلَمْ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أَتَى الْمَرْأَةَ فِي الْمَوْضِعِ الْمَكْرُوهِ أَيْ فِي الدُّبُرِ أَوْ عَمِلَ مَعَ الْغُلَامِ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِوَطْءِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ فِي غَيْرِ قُبُلِهَا) أَيْ بَلْ يُعَزَّرُ وَقَالَ الْكَمَالُ لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ مُحَرَّمٌ لَيْسَ فِيهِ تَقْدِيرٌ فَفِيهِ التَّعْزِيرُ وَمِثْلُهُ مَا إذَا أَتَتْ امْرَأَةٌ امْرَأَةً أُخْرَى فَإِنَّهُمَا يُعَزَّرَانِ لِذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ هُوَ كَالزِّنَا) قَالَ الْكَمَالُ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ تُفِيدُ اعْتِرَافَهُمَا بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَفْسِ الزِّنَا بَلْ حُكْمُهُ
وَإِلَّا يُجْلَدْ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَلِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الزِّنَا لِأَنَّ فِيهِ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ بِسَفْحِ الْمَاءِ فِي مَحَلٍّ مُشْتَهًى عَلَى سَبِيلِ الْكَمَالِ عَلَى وَجْهٍ تَمَحَّضَ حَرَامًا كَالزِّنَا فِي الْقُبُلِ بَلْ فَوْقَهُ لِأَنَّهُ فِي الزِّنَا يُتَوَهَّمُ مِنْهُ حُدُوثُ وَلَدٍ يَعْبُدُ رَبَّهُ وَلَا يُتَوَهَّمُ فِي عَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ فَكَانَ فَوْقَهُ فِي تَضْيِيعِ الْمَاءِ فَكَانَ أَدْعَى إلَى الزَّاجِرِ وَلَا خَفَاءَ فِي كَوْنِهِ مُشْتَهًى لِأَنَّ الْمَحِلَّ إنَّمَا يُشْتَهَى بِاللِّينِ وَالْحَرَارَةِ
وَالدُّبُرُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَالْقُبُلِ وَلِهَذَا يَرْغَبُ فِيهِ الْعُقَلَاءُ كَمَا يَرْغَبُونَ فِي الْقُبُلِ وَيَكْثُرُ وُقُوعُهُ كَالزِّنَا بَلْ أَكْثَرُ وَأَشَدُّ حُرْمَةً مِنْهُ لِأَنَّهُ فِي الزِّنَا يُمْكِنُ إزَالَةُ الْحُرْمَةِ بِالتَّزَوُّجِ وَالشِّرَاءِ وَلَا يُمْكِنُ فِي عَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ فَكَانَ أَدْعَى إلَى الزَّاجِرِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ إنَّهُمَا يُقْتَلَانِ فَقَطْ سَوَاءٌ كَانَا مُحْصَنَيْنِ أَوْ لَمْ يَكُونَا لِمَا رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْبِكْرِ يُوجَدُ عَلَى اللِّوَاطَةِ يُرْجَمُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَلَنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي مُوجَبِهِ مَعَ عِلْمِهِمْ بِحُكْمِ الزِّنَا فَمِنْ مَذْهَبِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه أَنْ يُحْرَقَا بِالنَّارِ وَمَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنْ يُعْلَى بِهِمَا أَعْلَى مَكَان مِنْ الْقَرْيَةِ ثُمَّ يُلْقَيَا مَنْكُوسَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} [الحجر: 74] وَمَذْهَبُ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنْ يُحْبَسَا فِي أَنْتَنِ الْمَوَاضِعِ حَتَّى يَمُوتَا نَتِنًا وَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ حُكْمُهُ حُكْمُ الزِّنَا مِنْ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ وَعَنْ بَعْضِهِمْ يُهْدَمُ عَلَيْهِمَا جِدَارٌ كُلُّ ذَلِكَ بِالِاجْتِهَادِ وَالْحُدُودُ لَا تَثْبُتُ بِهِ وَلَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَكَذَا عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ لَا يُسَمَّى هَذَا زِنًا وَإِنَّمَا يُسَمُّونَهُ لِوَاطَةً قَالَ الشَّاعِرُ
مِنْ كَفِّ ذَاتِ حِرٍّ فِي زِيِّ ذِي ذَكَرٍ
…
لَهَا مُحِبَّانِ لُوطِيٌّ وَزَنَّاءُ
وَإِفْرَادُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالِاسْمِ يَدُلُّ عَلَى تَغَايُرِهِمَا وَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُهُ بِالزِّنَا بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ لِأَنَّ شَرْطَ الدَّلَالَةِ أَنْ يَكُونَ مِثْلًا لَهُ وَاللُّوَاطَةُ لَيْسَتْ بِمِثْلٍ لِلزِّنَا لِأَنَّ فِي اللِّوَاطَةِ قُصُورًا دُونَ الزِّنَا أَلَا تَرَى أَنَّ الدَّاعِيَ فِي الزِّنَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَيُؤَدِّي إلَى اشْتِبَاهِ النَّسَبِ وَإِفْسَادِ الْفِرَاشِ وَإِهْلَاكِ الْبَشَرِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُفْضِي إلَى وَلَدٍ لَيْسَ لَهُ أَبٌ يَقُومُ بِتَرْبِيَتِهِ وَتَثْقِيفِهِ فَيَكُونُ هَالِكًا وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِمَوْجُودٍ فِي اللِّوَاطَةِ وَهِيَ أَنْدَرُ وُقُوعًا لِكَوْنِ الدَّاعِي فِيهَا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يُشَابِهْهُ إلَّا فِي الْحُرْمَةِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْإِلْحَاقُ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَوْلَ مِثْلُ الْخَمْرِ فِي الْحُرْمَةِ وَلَا يُلْحَقُ بِهَا فِي حَقِّ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى شَارِبِهِ لِقُصُورٍ فِيهِ فَكَذَا هُنَا لِأَجْلِ قُصُورِهِ امْتَنَعَ الْإِلْحَاقُ بِهِ وَسَفْحُ الْمَاءِ لَيْسَ بِمَحْظُورٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْعَزْلُ فِي الْمَمْلُوكَةِ وَكَذَا فِي الْمَنْكُوحَةِ بِرِضَاهَا وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَظَهَرَتْ الْمُحَاجَّةُ فِي الصَّحَابَةِ وَارْتَفَعَ الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ وَلَئِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَنَا حَتَّى لَوْ رَأَى الْإِمَامُ فِي قَتْلِ مَنْ اعْتَادَهُ مَصْلَحَةً جَازَ لَهُ قَتْلُهُ أَوْ يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ ثُمَّ إذَا لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ عِنْدَهُ يَوْجَعُ ضَرْبًا وَزَادَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَقَالَ وَيُودَعُ فِي السِّجْنِ هَذَا إذَا فَعَلَ فِي الْأَجَانِبِ وَأَمَّا إذَا فَعَلَ فِي عَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ أَوْ مَنْكُوحَتِهِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا يُعَزَّرُ لِارْتِكَابِهِ الْمَحْظُورَ
قَالَ رحمه الله (وَبَهِيمَةٍ) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِوَطْءِ بَهِيمَةٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله يَجِبُ لِأَنَّهُ وُجِدَ سَفْحُ الْمَاءِ فِي مَحَلٍّ مُشْتَهًى فَيَسْتَدْعِي زَاجِرًا قُلْنَا إنَّ وَطْءَ الْبَهِيمَةِ لَا يَمِيلُ إلَيْهِ الطَّبْعُ فَلَا يَسْتَدْعِي زَاجِرًا لِوُجُودِ الِانْزِجَارِ بِدُونِ الْحَدِّ وَالْحَامِلُ عَلَيْهِ نِهَايَةُ السَّفَهِ وَغَلَبَةُ الشَّبَقِ كَمَا يَكُونُ بِالْكَفِّ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ سَتْرُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَلَوْ كَانَ مُشْتَهًى لَوَجَبَ سَتْرُهُ كَمَا فِي الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ إلَّا أَنَّهُ يُعَزَّرُ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ لَيْسَ فِيهَا حَدٌّ مُقَدَّرٌ فَيُعَزَّرُ وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أُتِيَ بِرَجُلٍ وَقَعَ فِي بَهِيمَةٍ فَعَزَّرَ الرَّجُلَ وَأَمَرَ بِالْبَهِيمَةِ فَأُحْرِقَتْ كَانَ لِقَطْعِ التَّحَدُّثِ بِهِ لِأَنَّهُ مَا دَامَتْ بَاقِيَةً يَتَحَدَّثُ النَّاسُ بِهِ فَيَلْحَقُهُ الْعَارُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
حُكْمُ الزِّنَا اهـ
قَوْلُهُ قَالَ الْكَمَالُ أَيْ فِي قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَقَالَا هُوَ كَالزِّنَا. اهـ. (قَوْلُهُ يُحَرَّقَانِ) بِإِثْبَاتِ النُّونِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ ثُمَّ يُلْقَيَا مَنْكُوسَيْنِ) أَيْ مَعَ اتِّبَاعِ الْأَحْجَارِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَعَنْ بَعْضِهِمْ يُهْدَمُ عَلَيْهِمَا جِدَارٌ) أَيْ وَلَوْ كَانَ زِنًا فِي اللِّسَانِ أَوْ فِي مَعْنَاهُ لَمْ يَخْتَلِفُوا بَلْ كَانُوا يَتَّفِقُونَ عَلَى إيجَابِ حَدِّ الزِّنَا عَلَيْهِ فَاخْتِلَافُهُمْ فِي مُوجِبِهِ وَهُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مُسَمَّى لَفْظِ الزِّنَا وَلَا مَعْنَاهُ نَعَمْ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا حَيْثُ قَالَ قَائِلُهُمْ
مِنْ كَفِّ ذَاتِ حِرٍّ فِي زِيِّ ذِي ذَكَرٍ
…
لَهَا مُحِبَّانِ لُوطِيٌّ وَزَنَّاءُ
غَلَطٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ بَلْ هُوَ مِنْ شِعْرِ أَبِي نُوَاسٍ مِنْ قَصِيدَتِهِ الَّتِي أَوَّلُهَا
دَعْ عَنْك لَوْمِي فَإِنَّ اللَّوْمَ إغْرَاءُ
…
وَدَاوِنِي بِاَلَّتِي كَانَتْ هِيَ الدَّاءُ
وَهِيَ قَصِيدَةٌ مَعْرُوفَةٌ فِي دِيوَانِهِ وَهُوَ مُوَلَّدُ لَا تَثْبُتُ اللُّغَةُ بِكَلَامِهِ مَعَ أَنَّهُ يَنْبَغِي تَطْهِيرُ كُتُبِ الشَّرِيعَةِ عَنْ أَمْثَالِهِ. اهـ. فَتْحٌ
(قَوْلُهُ مَنْ اعْتَادَهُ) أَيْ فِعْلَ قَوْمِ لُوطٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ جَازَ لَهُ قَتْلُهُ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَوْ اعْتَادَ اللِّوَاطَةَ قَتَلَهُ الْإِمَامُ مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ سِيَاسَةً أَمَّا الْحَدُّ الْمُقَدَّرُ شَرْعًا فَلَيْسَ حُكْمًا لَهُ اهـ (قَوْلُهُ أَوْ مَنْكُوحَتُهُ) أَيْ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْ فَاسِدٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِالْإِجْمَاعِ) نَعَمْ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّعْزِيرِ وَالْقَتْلِ لِمَنْ اعْتَادَهُ إنْ رَأَى الْإِمَامُ ذَلِكَ لَكِنْ لِلشَّافِعِيِّ فِي عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ وَمَنْكُوحَتِهِ قَوْلَانِ وَهَلْ تَكُونُ اللِّوَاطَةُ فِي الْجَنَّةِ أَيْ هَلْ يَجُوزُ كَوْنُهَا فِي الْجَنَّةِ قِيلَ إنْ كَانَ حُرْمَتُهَا عَقْلًا وَسَمْعًا لَا تَكُونُ وَإِنْ سَمْعًا فَقَطْ جَازَ أَنْ تَكُونَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَكُونُ فِيهَا لِأَنَّهُ تَعَالَى اسْتَبْعَدَهُ وَاسْتَقْبَحَهُ فَقَالَ {مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 80] وَسَمَّاهُ خَبِيثَةً فَقَالَ {كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ} [الأنبياء: 74] وَالْجَنَّةُ مُنَزَّهَةٌ عَنْهَا. اهـ.
(قَوْلُهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِوَطْءِ بَهِيمَةٍ) أَيْ وَكَذَا إذَا زَنَى بِمَيْتَةٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ سَتْرُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ) أَيْ سَتْرُ فَرْجِ الْبَهِيمَةِ اهـ
بِذَلِكَ لَا لِأَنَّ الْإِحْرَاقَ وَاجِبٌ ثُمَّ إنْ كَانَتْ الدَّابَّةُ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا تُذْبَحُ وَتُحْرَقُ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا تُذْبَحُ وَتُؤْكَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَقَالَا تُحْرَقُ هَذِهِ أَيْضًا هَذَا إنْ كَانَتْ الْبَهِيمَةُ لِلْفَاعِلِ وَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِهِ يُطَالَبُ صَاحِبُهَا أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ بِقِيمَتِهَا ثُمَّ تُذْبَحُ هَكَذَا ذَكَرُوا وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا سَمَاعًا فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ.
قَالَ رحمه الله (وَبِزِنًا فِي دَارِ حَرْبٍ أَوْ بَغْيٍ) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِالزِّنَا فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي دَارِ الْبَغْيِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مُلْتَزِمٌ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ حَيْثُ كَانَ وَمِنْ حُكْمِهِ وُجُوبُ الْحَدِّ عَلَى الزَّانِي وَلَنَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي دَارِ الْحَرْبِ» وَلِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ لِذَاتِهِ وَإِنَّمَا وَجَبَ لِمَقْصُودِهِ وَهُوَ الِانْزِجَارُ وَالِاسْتِيفَاءُ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الِاسْتِيفَاءُ فَلَا يَجِبُ لِخُلُوِّهِ عَنْ الْفَائِدَةِ وَلَا يَتَحَقَّقُ الِاسْتِيفَاءُ هُنَالِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى يُقِيمَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا لِإِمَامِنَا عَلَيْهِمْ وِلَايَةٌ حَتَّى يُقِيمَهُ هُنَالِكَ فَامْتَنَعَ الْوُجُوبُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَهُوَ الِاسْتِيفَاءُ فَإِذَا لَمْ يَنْعَقِدْ مُوجِبًا مِنْ الِابْتِدَاءِ فَلَا يَنْقَلِبُ مُوجِبًا بِالْخُرُوجِ إلَيْنَا وَلَوْ غَزَا الْخَلِيفَةُ وَدَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ أَوْ أَمِيرُ مِصْرٍ فَلَهُ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ عَلَى مَنْ زَنَى فِي مُعَسْكَرِهِ لِأَنَّ الْعَسْكَرَ تَحْتَ وِلَايَتِهِ فَيُقِيمُ الْحَدَّ عَلَى مَنْ زَنَى مِنْهُمْ كَمَا يُقِيمُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ زَنَى وَاحِدٌ مِنْهُمْ خَارِجَ الْمُعَسْكَرِ لَا يُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ لِمَا ذَكَرْنَا فَصَارَ كَالْمُسْتَأْمِنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ إذَا زَنَى هُنَاكَ وَلَوْ دَخَلَتْ سُرِّيَّةٌ دَارَ الْحَرْبِ فَزَنَى رَجُلٌ مِنْهُمْ لَمْ يُحَدَّ وَكَذَا أَمِيرُ الْعَسْكَرِ لَا يُقِيمُ الْحَدَّ وَالْقِصَاصَ لِأَنَّ أَمِيرَ الْعَسْكَرِ أَوْ السَّرِيَّةِ فُوِّضَ إلَيْهِمَا تَدْبِيرُ الْحَرْبِ لَا إقَامَةَ الْحُدُودِ ثُمَّ إذَا خَرَجَ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِمَا رَوَيْنَا وَذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى فَإِنْ قِيلَ هَذَا مُعَارِضُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاجْلِدُوا} [النور: 2] فَلَا يُقْبَلُ قُلْنَا خُصَّ مِنْهُ مَوَاضِعُ الشُّبْهَةِ مِنْ ذَلِكَ فَبَعْدَ ذَلِكَ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ وَأَهْلُ الْبَغْيِ الْتَحَقُوا بِأَهْلِ الْحَرْبِ لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْإِمَامِ عَلَيْهِمْ
قَالَ رحمه الله (وَبِزِنَا حَرْبِيٍّ بِذِمِّيَّةٍ فِي حَقِّهِ) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِزِنَا رَجُلٍ حَرْبِيٍّ مُسْتَأْمِنٍ بِذِمِّيَّةٍ فِي حَقِّ الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمِنِ وَأَمَّا الذِّمِّيَّةُ فَتُحَدُّ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَكَذَا لَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ تُحَدُّ الْمُسْلِمَةُ دُونَهُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُحَدُّ الْمُسْتَأْمِنُ أَيْضًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُحَدُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَلَوْ كَانَ بِالْعَكْسِ بِأَنْ زَنَى ذِمِّيٌّ أَوْ مُسْلِمٌ بِمُسْتَأْمِنَةٍ يُحَدُّ الذِّمِّيُّ وَالْمُسْلِمُ دُونَ الْمُسْتَأْمِنَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تُحَدُّ الْمُسْتَأْمِنَةُ أَيْضًا وَأَبُو يُوسُفَ كَانَ يَقُولُ مِثْلَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَوَّلًا ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ إلَى مَا ذَكَرْنَا وَالْأَصْلُ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْحُدُودَ كُلَّهَا تُقَامُ عَلَى الْمُسْتَأْمِنِ وَالْمُسْتَأْمَنَةِ فِي دَارِنَا إلَّا حَدَّ الشُّرْبِ كَمَا تُقَامُ عَلَى الذِّمِّيِّ وَالذِّمِّيَّةِ لِأَنَّ الْمُسْتَأْمِنَ يَعْتَقِدُ حُرْمَةَ الزِّنَا لِكَوْنِهِ حَرَامًا فِي كُلِّ الْأَدْيَانِ وَقَدَرَ الْإِمَامُ عَلَى إقَامَتِهِ عَلَيْهِ وَقَدْ الْتَزَمَ أَحْكَامَنَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمُعَامَلَاتِ وَالسِّيَاسَاتِ مُدَّةَ مُقَامِهِ فِي دَارِنَا كَالذِّمِّيِّ الْتَزَمَهَا مُدَّةَ حَيَاتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ وَيُمْنَعُ مِنْ الزِّنَا وَشِرَاءِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ وَالْمُصْحَفِ وَيُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِمَا إنْ اشْتَرَاهُمَا كَمَا يُجْبَرُ الذِّمِّيُّ بِخِلَافِ حَدِّ الشُّرْبِ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ حِلَّهُ فَلَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَيْهِ كَمَا لَا يُقَامُ عَلَى الذِّمِّيِّ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِأَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَعْتَقِدُونَ وَالْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّهُ لَا يُقَامُ عَلَى الْمُسْتَأْمِنِ وَالْمُسْتَأْمَنَةِ شَيْءٌ مِنْ الْحُدُودِ إلَّا حَدَّ الْقَذْفِ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ تُبْنَى عَلَى الْوِلَايَةِ وَالْوِلَايَةُ تُبْنَى عَلَى الِالْتِزَامِ إذْ لَوْ أَلْزَمْنَاهُ حَكَمْنَا بِدُونِ الْتِزَامِهِ أَدَّى إلَى تَنْفِيرِهِ مِنْ دَارِنَا وَقَدْ نُدِبْنَا إلَى مُعَامَلَةٍ تَحْمِلُهُ عَلَى الدُّخُولِ فِي دَارِنَا لِيَرَى مَحَاسِنَ الْإِسْلَامِ فَيُسْلِمَ وَهُوَ بِالْأَمَانِ الْتَزَمَ حُقُوقَ الْعِبَادِ لِأَنَّ دُخُولَهُ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ وَهِيَ تَحْصُلُ بِذَلِكَ فَالْتَزَمَ أَنْ يُنْصِفَهُمْ كَمَا يُنْصَفُ وَأَنْ لَا يُؤْذِيَ أَحَدًا كَمَا لَا يُؤْذَى فَيَلْزَمُهُ بِالْتِزَامِهِ، وَأَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا تَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ تُضْرَبْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ وَلَمْ يُمْنَعْ مِنْ رُجُوعِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَمَنْعُ الْكَافِرِ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَرْبًا عَلَيْنَا وَاجِبٌ عَلَيْنَا حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ عَلَى حَالِهِ وَلِهَذَا لَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِهِ وَلَا الذِّمِّيُّ بِهِ وَلَمْ يَظْهَرُ حُكْمُ الْأَمَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ بِالْأَمَانِ صَارَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ فَتَجْرِي عَلَيْهِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ ثُمَّ إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ الْإِحْرَاقُ جَائِزٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ فَإِنْ كَانَتْ الدَّابَّةُ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا تُذْبَحُ وَتُؤْكَلُ وَلَا تُحْرَقُ بِالنَّارِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تُحْرَقُ بِالنَّارِ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِزِنًا فِي دَارِ حَرْبٍ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي دَارِ الْبَغْيِ ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا فَأَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي بِهِ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ بَغْيٍ) أَيْ وَأَهْلُ الْبَغْيِ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَخْرُجُونَ عَلَى الْإِمَامِ وَلَهُمْ قُوَّةٌ وَشَوْكَةٌ وَمَنَعَةٌ وَيُخَالِفُونَ بَعْضَ أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ بِالتَّأْوِيلِ وَيَظْهَرُونَ عَلَى بَلْدَةٍ مِنْ الْبِلَادِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام لَا تُقَامُ الْحُدُودُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ لَكِنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ وَهُوَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي دَارِ الْحَرْبِ» لَمْ يُعْلَمُ لَهُ وُجُودٌ وَرَوَى مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ عَنْ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ قَالَ «مَنْ زَنَى أَوْ سَرَقَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَأَصَابَ بِهَا حَدًّا ثُمَّ هَرَبَ فَخَرَجَ إلَيْنَا فَإِنَّهُ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ» وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَلَوْ دَخَلَتْ سَرِيَّةٌ) أَيْ وَهُمْ الَّذِينَ يَسْرُونَ بِاللَّيْلِ وَيَخْتَفُونَ بِالنَّهَارِ وَمِنْهُ خَيْرُ «السَّرَايَا أَرْبَعُمِائَةٍ» . اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ فَإِنْ قِيلَ هَذَا) أَيْ عَدَمُ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى مَنْ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ. اهـ. (قَوْلُهُ قُلْنَا خُصَّ مِنْهُ) يَعْنِي الصِّبْيَانَ وَالْمَجَانِينَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ) أَيْ لِأَنَّهُ بَعْدَ لَحَاقِ الْخُصُوصِ لَمْ يَبْقَ حُجَّةً قَطْعًا وَيَقِينًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ وَمُحَمَّدٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إنَّهُ لَا يُقَامُ عَلَى الْمُسْتَأْمِنِ وَالْمُسْتَأْمَنَةِ شَيْءٌ مِنْ الْحُدُودِ) أَيْ كَحَدِّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالشُّرْبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ إلَّا حَدَّ الْقَذْفِ) أَيْ فَإِنَّهُ يَجِبُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجِبُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْحُدُودِ إلَّا حَدَّ الشُّرْبِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ حَدَّ الْخَمْرِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ يَرَاهُ حَلَالًا وَحَدُّ الْقَذْفِ يَجِبُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ وَحَدُّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ يَجِبُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
أَحْكَامُهَا فِي الدُّنْيَا، وَأَمَّا الْقِصَاصُ وَحَدُّ الْقَذْفِ فَمِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَكَذَا الْمَنْعُ مِنْ شِرَاءِ الْمُصْحَفِ وَالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ لِأَنَّ فِي تَرْكِهِ فِي يَدِهِ قَهْرَ الْمُسْلِمِ بِالْإِذْلَالِ وَالِاسْتِخْفَافِ بِالْمُصْحَفِ وَنَحْنُ بِالْأَمَانِ لَمْ نَلْتَزِمْ الِاحْتِمَالَ وَالصَّبْرَ عَلَى ذَلِكَ فَلَا نُمَكِّنُهُ مِنْهُ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ كَذَلِكَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا غَيْرَ أَنَّهُ يَقُولُ فِعْلُ الرَّجُلِ أَصْلٌ وَفِعْلُ الْمَرْأَةِ تَبَعٌ وَالْفِعْلُ قَائِمٌ بِالْفَاعِلِ فَصَارَ مَحَلًّا لَهُ وَالْمُحَالُ كَالشُّرُوطِ فَامْتِنَاعُ الْحَدِّ فِي حَقِّ الْأَصْلِ يُوجِبُ امْتِنَاعَهُ فِي حَقِّ التَّبَعِ وَهَذَا لِأَنَّ الْحَدَّ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهَا بِالتَّمْكِينِ مِنْ فِعْلِ مُوجِبٍ لِلْحَدِّ وَفِعْلُهُ هُنَا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ إنْ كَانَ مُسْتَأْمِنًا فَكَذَا تَمْكِينُهَا مِنْهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ هِيَ الْمُسْتَأْمِنَةَ فَسُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهَا وَهِيَ تَبَعٌ لَا يُوجِبُ سُقُوطَهُ عَنْهُ وَهُوَ أَصْلٌ لِمَا ذَكَرْنَا، نَظِيرُهُ فِعْلُ الصَّغِيرِ أَوْ الْمَجْنُونِ مَعَ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ فَإِنَّ الْبَالِغَ الْعَاقِلَ إذَا زَنَى بِصَغِيرَةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ دُونَهَا وَإِنْ زَنَتْ الْبَالِغَةُ الْعَاقِلَةُ بِصَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ لِمَا ذَكَرْنَا وَأَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله يَقُولُ إنَّ الْمُوجِبَ لِلْحَدِّ عَلَيْهَا هُوَ التَّمْكِينُ مِنْ الْفِعْلِ الْفَاحِشِ وَهُوَ الزِّنَا وَقَدْ وُجِدَ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُسْتَأْمِنِ زِنًا لِأَنَّ الْكَافِرَ مُخَاطَبٌ بِالْحُرُمَاتِ فِي الصَّحِيحِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا عِنْدَنَا بِالْعِبَادَاتِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَلِهَذَا يُحَدُّ الذِّمِّيُّ وَالْمُسْتَأْمِنُ وَيَسْقُطُ بِهِ إحْصَانُهُ وَإِحْصَانُ الْمُسْتَأْمِنِ حَتَّى لَوْ قَذَفَهُمَا قَاذِفٌ بَعْدَ إسْلَامِهِمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِكَوْنِهِ صَادِقًا فِيهِمَا لِتَحَقُّقِ الزِّنَا مِنْهُمَا فِي حَالَةِ الْكُفْرِ وَإِنَّمَا لَمْ يُحَدَّ الْمُسْتَأْمِنُ لِفَقْدِ شَرْطِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا آنِفًا فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ غَابَ الرَّجُلُ بَعْدَ ثُبُوتِ زِنَاهُمَا وَالْمَرْأَةُ حَاضِرَةٌ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمُخَاطَبَيْنِ فَلَمْ يَكُنْ فِعْلُهُمَا زِنًا وَالتَّمْكِينُ مِنْهُ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَيْهَا وَقَوْلُهُ فِعْلُ الْمَرْأَةِ تَبَعٌ قُلْنَا تَبَعٌ فِي حَقِّ نَفْسِ الْفِعْلِ لَا فِي حُكْمِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ مُحْصَنَةً وَالرَّجُلُ غَيْرَ مُحْصَنٍ يُجْلَدُ الرَّجُلُ وَتُرْجَمُ الْمَرْأَةُ وَلَا تَصِيرُ تَبَعًا لَهُ فِيهِ وَلَا يَكُونُ شُبْهَةً فِي حَقِّهَا، وَنَظِيرُ هَذَا الِاخْتِلَافِ لَوْ زَنَتْ مُطَاوِعَةٌ بِمُكْرَهٍ تُحَدُّ الْمَرْأَةُ دُونَهُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تُحَدُّ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ زَنَى مُسْتَأْمِنٌ بِمُسْتَأْمِنَةٍ لَا حَدَّ عَلَيْهِمَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ
قَالَ رحمه الله (وَبِزِنَا صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ بِمُكَلَّفَةٍ بِخِلَافِ عَكْسِهِ) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ إذَا زَنَى الصَّبِيُّ أَوْ الْمَجْنُونُ بِامْرَأَةٍ مُكَلَّفَةٍ وَهِيَ الْبَالِغَةُ الْعَاقِلَةُ بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَهُوَ مَا إذَا زَنَى الْبَالِغُ الْعَاقِلُ بِصَبِيَّةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ حَيْثُ يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الرَّجُلِ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَيْضًا لِأَنَّهَا زَانِيَةٌ لِأَنَّ الزِّنَا هُوَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ بِالْوَطْءِ الْخَالِي عَنْ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ فَكَانَ زِنًا وَالزِّنَا مِنْهَا مُتَصَوَّرٌ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهَا زَانِيَةً بِقَوْلِهِ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] وَلِهَذَا مَنْ قَذَفَهَا بِهِ يُحَدُّ وَلَوْ لَمْ يُتَصَوَّرْ الزِّنَا مِنْهَا لَمَا حُدَّ قَاذِفُهَا كَقَاذِفِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فَإِذَا كَانَ زِنًا فَامْتِنَاعُ وُجُوبِ الْحَدِّ لِمَعْنًى يَخُصُّهُ لَا يُوجِبُ الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّهَا كَمَا فِي الْعَكْسِ وَهُوَ مَا إذَا زَنَى الْبَالِغُ الْعَاقِلُ بِالصَّبِيَّةِ أَوْ الْمَجْنُونَةِ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الْحَدُّ إجْمَاعًا فَكَذَا هَذَا
وَلَنَا أَنَّ فِعْلَ الزِّنَا لَا يَتَحَقَّقُ مِنْ الْأُنْثَى وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ مِنْ الذَّكَرِ وَلِهَذَا هُوَ يُسَمَّى زَانِيًا وَوَاطِئًا وَالْمَرْأَةُ مَوْطُوءَةً وَمَزْنِيًّا بِهَا إلَّا أَنَّهَا سُمِّيَتْ زَانِيَةً مَجَازًا تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ بِهِ بِاسْمِ الْفَاعِلِ كَالرَّاضِيَةِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَفِعْلُهُ هُنَا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ إنَّ مُحَمَّدًا رحمه الله فَرَّقَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ إذَا زَنَى بِحَرْبِيَّةٍ مُسْتَأْمِنَةٍ حَيْثُ يَجِبُ الْحَدُّ عِنْدَهُ عَلَى الْفَاعِلِ وَبَيْنَ الْمُسْلِمَةِ أَوْ الذِّمِّيَّةِ إذَا زَنَتْ بِحَرْبِيٍّ حَيْثُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهِمَا عِنْدَهُ جَمِيعًا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي بَابِ الزِّنَا فِعْلُ الذَّكَرِ وَالْمَرْأَةُ تَابِعَةٌ لِكَوْنِهَا مَحِلًّا فَوَجَبَ مِنْ امْتِنَاعِ الْحَدِّ عَلَى الْأَصْلِ امْتِنَاعُهُ عَلَى التَّبَعِ وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ امْتِنَاعِ الْحَدِّ عَلَى التَّبَعِ امْتِنَاعُهُ عَلَى الْأَصْلِ اهـ
(قَوْلُهُ تُحَدُّ الْمَرْأَةُ دُونَهُ عِنْدَهُمَا) سَيَأْتِي قَرِيبًا نَقْلًا عَنْ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ عَلَى الزِّنَا بِامْرَأَةٍ مُطَاوِعَةٍ فَلَا حَدَّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ اهـ فَعَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى الْمَرْأَةِ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَرْجُوعُ عَنْهُ فَلَا مُعَوِّلَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تُحَدُّ لِمَا ذَكَرْنَا) قَالَ الْكَمَالُ وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ زَنَى مُكْرَهٌ بِمُطَاوِعَةٍ تُحَدُّ الْمُطَاوِعَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تُحَدُّ اهـ فَلَمْ يَذْكُرْ لِأَبِي يُوسُفَ قَوْلًا اهـ وَهَكَذَا الْأَتْقَانِيُّ لَمْ يَذْكُرْ لِأَبِي يُوسُفَ قَوْلًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ زَنَى) أَيْ حَرْبِيٌّ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِزِنَا صَبِيٍّ إلَى قَوْلِهِ عَكْسُهُ) تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ إذَا زَنَى الصَّبِيُّ أَوْ الْمَجْنُونُ بِامْرَأَةٍ مُكَلَّفَةٍ) أَيْ لَا عَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ مَا إذَا زَنَى الْعَاقِلُ الْبَالِغُ بِصَبِيَّةٍ) أَيْ يُجَامَعُ مِثْلُهَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ يُجَامَعُ مِثْلُهَا لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَكُنْ يُجَامَعُ مِثْلُهَا فَوَطِئَهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّهُ كَإِتْيَانِ الْبَهِيمَةِ لِأَنَّ الطِّبَاعَ السَّلِيمَةَ لَا تَرْغَبُ فِي مِثْلِهَا أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالَ صَاحِبُ الْأَجْنَاسِ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ وَلَوْ وَطِئَ الرَّجُلُ جَارِيَةً لَهَا خَمْسُ سِنِينَ وَأَفْضَاهَا وَلَا تَحْتَمِلُ الْوَطْءَ لِصِغَرِهَا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَلَا يُفْطِرُهُ إذَا لَمْ يُنْزِلْ وَهُوَ كَالْإِيلَاجِ فِي الْبَهِيمَةِ وَنَقَلَ أَيْضًا صَاحِبُ الْأَجْنَاسِ عَنْ نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا جَامَعَ ابْنَةَ امْرَأَتِهِ وَهِيَ صَغِيرَةٌ لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا فَأَفْضَاهَا وَأَفْسَدَهَا لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ أُمُّهَا لِأَنَّ هَذِهِ مِمَّنْ لَا يُجَامَعُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ أَكْرَهُ لَهُ الْأُمَّ وَالِابْنَةَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ التَّنَزُّهُ أَحَبُّ إلَيَّ لَكِنْ لَا أُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهَا اهـ
(قَوْلُهُ يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الرَّجُلِ) أَيْ دُونَ الْمَرْأَةِ اهـ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ. اهـ. (قَوْلُهُ كَالرَّاضِيَةِ) فَإِنْ قُلْت يَرِدُ عَلَيْكُمْ مَسَائِلُ وَهِيَ أَنَّ الْمُكْرَهَ إذَا زَنَى بِمُطَاوِعَةٍ يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهَا لَا عَلَيْهِ وَكَذَا الْمُسْتَأْمِنُ إذَا زَنَى بِمُسْلِمَةٍ يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهَا لَا عَلَيْهِ وَكَذَا الْمَرْأَةُ إذَا مَكَّنَتْ نَفْسَهَا مِنْ النَّائِمِ يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهَا فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ امْتِنَاعَ الْحَدِّ عَلَى الذَّكَرِ لَا يُوجِبُ امْتِنَاعَهُ عَلَى الْمَرْأَةِ قُلْت الْمَسَائِلُ مَمْنُوعَةٌ لِأَنَّ الْحَاكِمَ الشَّهِيدَ نَصَّ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ عَلَى الزِّنَا بِامْرَأَةٍ مُطَاوِعَةٍ فَلَا حَدَّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا
لِلْعِيشَةِ وَالدَّافِقِ لِلْمَدْفُوقِ أَوْ لِكَوْنِهَا مُتَسَبِّبَةً بِالتَّمْكِينِ فَيَتَعَلَّقُ الْحَدُّ فِي حَقِّهَا بِالتَّمْكِينِ مِنْ الزِّنَا وَهُوَ فِعْلُ مَنْ هُوَ مُخَاطَبٌ بِالْكَفِّ عَنْهُ وَمُؤَثَّمٌ عَلَى مُبَاشَرَتِهِ وَفِعْلُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَيْسَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَا يَكُونُ فِعْلُهَا مُوجِبًا لِلْحَدِّ إذْ هُوَ لَيْسَ بِزِنًا وَإِنَّمَا يُسَمَّى فِعْلُهَا زِنًا إذَا مَكَّنَتْ مِنْ الزِّنَا تَبَعًا وَفِعْلُهُمَا لَيْسَ بِزِنًا فَلَا يَكُونُ فِعْلُهَا أَيْضًا زِنًا وَهَذَا لِأَنَّهَا مَكَّنَتْ نَفْسَهَا مِنْ فَاعِلٍ لَا يَأْثَمُ وَلَا يُحْرَجُ فَلَا يُوجِبُ عَلَيْهَا الْحَدَّ كَتَمْكِينِهَا مِنْ زَوْجِهَا أَوْ مِنْ النَّائِمِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ لِأَنَّ فِعْلَ الرَّجُلِ هُوَ الْأَصْلُ وَهُوَ زِنًا حَقِيقَةً وَعَدَمُهُ فِي التَّبَعِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْعَدَمِ فِي الْأَصْلِ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى قَاذِفِهَا وَإِنْ لَمْ يُتَصَوَّرْ مِنْهَا زِنًا حَقِيقَةً لِإِلْحَاقِ الْعَارِ بِهَا بِنِسْبَتِهَا إلَى التَّمْكِينِ مِنْ الزِّنَا وَهُوَ وَصْفٌ قَبِيحٌ فِي حَقِّهَا فَلِهَذَا يَجِبُ الْحَدُّ بِهِ عَلَيْهَا لَا لِأَنَّهَا زَنَتْ حَقِيقَةً وَعِبَارَاتُ أَصْحَابِنَا أَنَّ فِعْلَهَا مَعَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَيْسَ بِزِنًا يُشِيرُ إلَى أَنَّ إحْصَانَهَا لَا يَسْقُطُ بِذَلِكَ كَمَا لَا يَسْقُطُ إحْصَانُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ بِهِ حَتَّى يَجِبَ الْحَدُّ عَلَى قَاذِفِهِمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ ثُمَّ وَطْءُ الصَّبِيِّ يُوجِبُ الْمَهْرَ إذَا كَانَتْ الْمَوْطُوءَةُ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً غَيْرَ مُطَاوِعَةٍ أَوْ أَمَةً لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَخْلُو عَنْ الْحَدِّ أَوْ الْمَهْرِ وَقَدْ انْتَفَى الْحَدُّ فَتَعَيَّنَ الْمَهْرُ لِأَنَّ الصَّبِيَّ يُؤَاخَذُ بِفِعْلِهِ وَرِضَا الصَّغِيرَةِ وَالْأَمَةِ لَمْ يَصِحَّ وَكَذَا أَمْرُهُمَا لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَإِنْ كَانَتْ الْمَوْطُوءَةُ كَبِيرَةً مُطَاوِعَةً لَا يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ الْمَهْرُ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَرَجَعَ بِهِ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ فَعَلَ بِأَمْرِهَا وَأَمْرُهَا صَحِيحٌ لِوِلَايَتِهَا عَلَى نَفْسِهَا، وَمَنْ أَمَرَ صَبِيًّا بِشَيْءٍ وَلَحِقَهُ بِذَلِكَ ضَمَانٌ يَرْجِعُ بِهِ الْوَلِيُّ عَلَى الْآمِرِ فَلَا يُفِيدُ.
قَالَ رحمه الله (وَبِالزِّنَا بِمُسْتَأْجَرَةٍ) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِالزِّنَا بِامْرَأَةٍ اسْتَأْجَرَهَا وَمَعْنَاهُ اسْتَأْجَرَهَا لِيَزْنِيَ بِهَا أَمَّا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلْخِدْمَةِ فَزَنَى بِهَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ رحمهم الله يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي الْأَوَّلِ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا مِلْكٌ وَلَا شُبْهَتُهُ فَكَانَ زِنًا مَحْضًا فَيُحَدُّ وَهَذَا لِأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ لَيْسَ بِطَرِيقٍ لِاسْتِبَاحَةِ الْأَبْضَاعِ شَرْعًا فَكَانَ لَغْوًا كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلطَّبْخِ أَوْ لِلْخَبْزِ ثُمَّ زَنَى بِهَا لِأَنَّ مَحَلَّ الْإِجَارَةِ الْمَنَافِعُ لَا الْأَعْيَانُ وَالْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ فِي حُكْمِ الْعَيْنِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَالْعَقْدُ لَا يَنْعَقِدُ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ أَصْلًا وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ بِهَذَا الْوَطْءِ النَّسَبُ وَالْعِدَّةُ وَلَوْ كَانَ سَبَبُهُ الِانْعِقَادَ لَثَبَتَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله مَا رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً طَلَبَتْ مِنْ رَجُلٍ مَالًا فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَهَا حَتَّى تُمَكِّنَهُ مِنْ نَفْسِهَا فَدَرَأَ عُمَرُ رضي الله عنه الْحَدَّ عَنْهُمَا وَقَالَ هَذَا مَهْرُهَا وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الْمَهْرَ أُجْرَةً بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} [النساء: 24] فَصَارَ شُبْهَةً لِأَنَّ الشُّبْهَةَ مَا يُشْبِهُ الْحَقِيقَةَ لَا الْحَقِيقَةُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَمْهَرْتُك كَذَا لِأَزْنِيَ بِك لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ فَكَذَا إذَا قَالَ اسْتَأْجَرْتُك أَوْ خُذِي هَذَا لِأَطَأَك أَوْ مَكِّنِينِي مِنْ نَفْسِك بِكَذَا وَلِأَنَّ الْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ مَنْفَعَةٌ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ فِي حُكْمِ الْعَيْنِ شَرْعًا فَاعْتِبَارُ الْحَقِيقَةِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَحِلًّا لِلْإِجَارَةِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا لِلطَّبْخِ وَالْخَبْزِ لِأَنَّ الْعَقْدَ ثَمَّ لَمْ يُضَفْ إلَى الْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ وَالْعَقْدُ الْمُضَافُ إلَى مَحَلٍّ يُورِثُ الشُّبْهَةَ فِي ذَلِكَ الْمَحِلِّ لَا فِي مَحَلٍّ آخَرَ
قَالَ رحمه الله (وَبِإِكْرَاهٍ) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِالزِّنَا بِإِكْرَاهٍ وَهَذَا إذَا أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله أَوَّلًا يَقُولُ يَجِبُ الْحَدُّ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رحمه الله لِأَنَّ الزِّنَا مِنْ الرَّجُلِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ انْتِشَارِ الْآلَةِ وَذَلِكَ دَلِيلُ الِاخْتِيَارِ وَالطَّوَاعِيَةِ فَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ حَيْثُ لَا تُحَدُّ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا دَلِيلُ الِاخْتِيَارِ وَلِأَنَّهَا مُرَخَّصٌ لَهَا هَذَا الْفِعْلُ إذَا خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا أَوْ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا لِكَوْنِ نَسَبِ الْوَلَدِ لَا يَنْقَطِعُ عَنْهَا وَلِهَذَا يُوجِبُ الْقَاصِرُ مِنْ الْإِكْرَاهِ فِي حَقِّهَا شُبْهَةً وَلَا عُقُوبَةَ فِي الْمُرَخَّصِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُرَخَّصٍ لَهُ فَيُمْكِنُ تَرْتِيبُ الْعُقُوبَةِ عَلَى فِعْلِهِ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ لَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِلزَّجْرِ وَهُوَ مُنْزَجِرٌ وَإِنَّمَا أَقْدَمَ عَلَيْهِ لِيَدْفَعَ الْهَلَاكَ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يُحَدُّ كَالْمَرْأَةِ وَانْتِشَارُ الْآلَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى الِاخْتِيَارِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ طَبْعًا كَمَا يَكُونُ طَوْعًا أَلَا تَرَى أَنَّ النَّائِمَ قَدْ تَنْتَشِرُ آلَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَصْدٌ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ كَذَا قَالَ الْحَاكِمُ أَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فَقَدْ وُجِدَ تَمْكِينُ الْمَرْأَةِ مِنْ الزِّنَا لِأَنَّ الْكَافِرَ مُخَاطَبٌ بِالْمُحَرَّمَاتِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْفَاعِلُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا حَيْثُ لَمْ يُوجَدْ التَّمْكِينُ مِنْ الزِّنَا أَصْلًا لِأَنَّ فِعْلَهُمَا لَا يُوصَفُ بِالزِّنَا لِارْتِفَاعِ الْقَلَمِ لَكِنَّ الْحَدَّ لَمْ يَلْزَمْ الْكَافِرَ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ حُقُوقَ الشَّرْعِ وَأَمَّا تَمْكِينُهَا نَفْسَهَا مِنْ النَّائِمِ فَمَمْنُوعٌ إذْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا
بِهَذَا أَجَابَ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَيْضًا لِأَنَّهُ قَالَ الْأَصْلُ أَنَّ الْحَدَّ مَتَى سَقَطَ عَنْ أَحَدِ الزَّانِيَيْنِ لِشُبْهَةٍ سَقَطَ عَنْ الْآخَرِ لِلشَّرِكَةِ كَمَا إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا النِّكَاحَ وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ وَمَتَى سَقَطَ عَنْ أَحَدِ الزَّانِيَيْنِ لِقُصُورِ الْفِعْلِ فَإِنْ كَانَ الْقُصُورُ مِنْ جِهَتِهَا سَقَطَ عَنْهَا وَلَا يَسْقُطُ عَنْ الرَّجُلِ كَمَا إذَا كَانَتْ صَبِيَّةً يُجَامَعُ مِثْلُهَا أَوْ مُكْرَهَةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ نَائِمَةً لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ عَلَيْهَا وَيَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الرَّجُلِ وَإِنْ كَانَ الْقُصُورُ مِنْ جِهَتِهِ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُمَا جَمِيعًا كَمَا لَوْ كَانَ مُكْرَهًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ صَبِيًّا إلَى هُنَا لَفْظُهُ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُمَكِّنَةَ مِنْ النَّائِمِ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ لِأَنَّ الْقُصُورَ مِنْ جِهَةِ الرَّجُلِ فَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ فِي شَرْحِهِ مِنْ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا وُجِدَ مِنْهَا فِعْلٌ خِلَافُ الرِّوَايَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ فَعَلَ بِأَمْرِهَا) أَيْ لِأَنَّهَا لَمَّا طَاوَعَتْهُ صَارَتْ آمِرَةً لَهُ بِالزِّنَا مَعَهَا. اهـ. فَتْحٌ
(قَوْلُهُ وَأَمْرُهَا صَحِيحٌ لِوِلَايَتِهَا عَلَى نَفْسِهَا) قَالَ الْكَمَالُ وَأَمَّا إيرَادُ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ كُلَّمَا انْتَفَى الْحَدُّ عَنْ الرَّجُلِ انْتَفَى عَنْ الْمَرْأَةِ وَهِيَ مَنْقُوضَةٌ بِزِنَا الْمُكْرَهِ بِالْمُطَاعَةِ وَالْمُسْتَأْمِنِ بِالذِّمِّيَّةِ وَالْمُسْلِمَةِ فَوُرُودُهُ بِنَاءً عَلَى كَوْنِ هَذِهِ قَاعِدَةً وَهُوَ مَمْنُوعٌ بَلْ الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ بِمُقْتَضَى الدَّلِيلِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِيرَادِ ثُمَّ تَكَلَّفَ الدَّفْعَ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ) أَيْ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا) أَيْ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الْقَتْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ طَبْعًا) أَيْ لِقُوَّةِ الْفُحُولِيَّةِ وَقَدْ يَكُونُ لِرِيحٍ تَسْفُلُ إلَى الْحُجْرَةِ اهـ فَتْحٌ
وَاخْتِيَارٌ وَإِنْ أَكْرَهَهُ غَيْرُ السُّلْطَانِ حُدَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَعِنْدَهُمَا لَا يُحَدُّ لِتَحَقُّقِ الْإِكْرَاهِ مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ خَوْفُ التَّلَفِ وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ قَادِرٍ وَقَادِرٍ بَلْ فِي غَيْرِ السُّلْطَانِ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ يَكُونُ عَلَى عَجَلَةٍ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ مِنْ أُولِي الْأَمْرِ فَيَسْتَعْجِلُ قَبْلَ ظُهُورِ الْأَمْرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ الْإِكْرَاهَ مِنْ غَيْرِهِ لَا يَدُومُ إلَّا نَادِرًا لِأَنَّ الْمُبْتَلَى بِهِ يَسْتَغِيثُ بِالسُّلْطَانِ أَوْ بِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ يَدْفَعُهُ عَنْ نَفْسِهِ بِالسِّلَاحِ أَوْ بِالْحِيَلِ وَهَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ لَا اخْتِلَافُ حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ فَكَانَ فِي زَمَنِهِ لِلسُّلْطَانِ قُوَّةٌ وَلَا يَسْتَجْرِئُ أَحَدٌ عَلَى الِاجْتِمَاعِ عَلَى الْفَسَادِ وَفِي زَمَنِهِمَا ظَهَرَتْ قُوَّةُ الْمُفْسِدِينَ فَأَفْتَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى مَا شَاهَدَ فِي زَمَنِهِ وَزَمَانُنَا كَزَمَانِهِمَا أَوْ أَفْسَدُ فَيُفْتَى بِقَوْلِهِمَا وَلِذَا أَطْلَقَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالسُّلْطَانِ.
قَالَ رحمه الله (وَبِإِقْرَارٍ إنْ أَنْكَرَهُ الْآخَرُ) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِإِقْرَارِ أَحَدِ الزَّانِيَيْنِ إذَا أَنْكَرَهُ الْآخَرُ وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَعِنْدَهُمَا إنْ ادَّعَى الْمُنْكِرُ مِنْهُمَا الشُّبْهَةَ بِأَنْ قَالَ تَزَوَّجْتهَا فَهُوَ كَمَا قَالَ وَإِنْ أَنْكَرَ بِأَنْ قَالَ مَا زَنَيْت وَلَمْ يَدَّعِ مَا يُسْقِطُ الْحَدَّ وَجَبَ عَلَى الْمُقِرِّ الْحَدُّ دُونَ الْمُنْكِرِ وَجْهُ الْوِفَاقِيَّةِ أَنَّ دَعْوَى النِّكَاحِ تَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالنِّكَاحُ يَقُومُ بِالطَّرَفَيْنِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً فَيَسْقُطُ الْحَدُّ وَلَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ مَا رُوِيَ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إنَّهُ قَدْ زَنَى بِامْرَأَةٍ سَمَّاهَا فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلَى الْمَرْأَةِ فَدَعَاهَا فَسَأَلَهَا عَمَّا قَالَ فَأَنْكَرَتْ فَحَدَّهُ وَتَرَكَهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَلِأَنَّ إقْرَارَ الْمُقِرِّ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ وَتَكْذِيبُ غَيْرِهِ لَا يُوجِبُ تُهْمَةً فِي إقْرَارِهِ خُصُوصًا فِي الْحُدُودِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ أَنَا وَفُلَانٌ قَتَلْنَا فُلَانًا عَمْدًا وَأَنْكَرَ شَرِيكُهُ فَإِنَّ الْمُقِرَّ يُقْتَصُّ مِنْهُ فَكَذَا هَذَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ الزِّنَا فِعْلٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا قَائِمٌ بِهِمَا فَانْتِفَاؤُهُ عَنْ أَحَدِهِمَا يُورِثُ شُبْهَةً فِي الْآخَرِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا مِنْهُمَا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْقَتْلِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ الْمُقِرُّ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ مِنْ وَاحِدٍ وَنَظِيرُهُ أَنْ يُقِرَّ بِالزِّنَا عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى رَجُلٍ آخَرَ بِأَنْ يَقُولُ زَنَيْت بِهَا أَنَا وَفُلَانٌ وَلِأَنَّ الْمُنْكِرَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا بِإِنْكَارِهِ فَيُورِثُ شُبْهَةً فِي حَقِّ الْآخَرِ كَمَا إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا النِّكَاحَ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِغَائِبَةٍ أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ حَيْثُ يُحَدُّ وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ يُنْكِرَ الْغَائِبُ الزِّنَا أَوْ يَدَّعِيَ النِّكَاحَ لِأَنَّهُ لَوْ حَضَرَ وَأَنْكَرَ الزِّنَا أَوْ ادَّعَى النِّكَاحَ يَكُونُ شُبْهَةً وَاحْتِمَالُ ذَلِكَ يَكُونُ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ فَالشُّبْهَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ دُونَ شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ ثُمَّ إذَا سَقَطَ الْحَدُّ يَجِبُ الْمَهْرُ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الْبِضْعِ شَرْعًا وَلَا يُقَالُ كَيْفَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِإِقْرَارٍ) أَيْ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ اهـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ أَقَرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي مَجَالِسَ مُخْتَلِفَةٍ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ وَقَالَتْ هِيَ تَزَوَّجَنِي أَوْ أَقَرَّتْ بِالزِّنَا وَقَالَ الرَّجُلُ تَزَوَّجْتهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ فِي ذَلِكَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ فِيمَا إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ وَادَّعَتْ الْمَرْأَةُ النِّكَاحَ وَفِيمَا إذَا أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ وَادَّعَى الرَّجُلُ النِّكَاحَ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِالْإِقْرَارِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي مَجَالِسَ مُخْتَلِفَةٍ لِأَنَّهُ إذَا أَقَرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَإِنَّمَا الْإِقْرَارُ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ هُوَ الَّذِي يَتَكَرَّرُ فِي مَجَالِسَ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ مَجَالِسِ الْمُقِرِّ كُلَّمَا أَقَرَّ يَرُدُّهُ الْقَاضِي إلَى أَنْ يَعُودَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ثُمَّ إذَا أَقَرَّ أَحَدُهُمَا هَكَذَا أَوْ سَأَلَ الْقَاضِي عَنْ الزِّنَا مَا هُوَ وَكَيْفَ هُوَ وَمَتَى هُوَ وَأَيْنَ هُوَ وَادَّعَى الْآخَرُ النِّكَاحَ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُمَا وَيَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ الْعُقْرَ وَذَلِكَ لِأَنَّ دَعْوَى النِّكَاحِ تَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَصَارَ احْتِمَالُ الصِّدْقِ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْحَدِّ عَنْ الْمُدَّعِي فَإِذَا سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ سَقَطَ عَنْ الْآخَرِ أَيْضًا لِأَنَّ النِّكَاحَ إذَا وُجِدَ قَامَ بِالطَّرَفَيْنِ فَتَعَدَّتْ الشُّبْهَةُ إلَى جَانِبِ الْآخَرِ ثُمَّ لَمَّا سَقَطَ الْحَدُّ وَجَبَ الْعُقْرُ بِأَنَّهُ لِخَطَرِ الْمَحِلِّ لَكِنَّ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَتْ دَعْوَى النِّكَاحِ قَبْلَ أَنْ يُحَدَّ الْمُقِرُّ فَإِذَا كَانَتْ دَعْوَى النِّكَاحِ بَعْدَ الْحَدِّ فَلَا مَهْرَ لَهَا لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يُنْقَضُ بَعْدَ الْإِقَامَةِ
قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَإِنْ لَمْ تَدَّعِ الْمَرْأَةُ النِّكَاحَ وَأَنْكَرَتْ وَادَّعَتْ عَلَى الرَّجُلِ حَدَّ الْقَذْفِ يُحَدُّ الرَّجُلُ حَدَّ الْقَذْفِ وَلَا يُحَدُّ حَدَّ الزِّنَا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ سُقُوطَ الْحَدِّ وَوُجُوبَ الْمَهْرِ فِيمَا إذَا ادَّعَى غَيْرُ الْمُقِرِّ النِّكَاحَ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ خِلَافٌ أَمَّا إذَا أَقَرَّ أَحَدُهُمَا وَنَفَى الْآخَرُ الزِّنَا وَلَمْ يَدَّعِ النِّكَاحَ فَفِيهِ خِلَافٌ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ وَقَالَتْ كَذَبَ مَا زَنَى بِي وَلَا أَعْرِفُهُ لَمْ يُحَدَّ الرَّجُلُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُحَدُّ وَإِنْ قَالَتْ زَنَى بِي مُسْتَكْرَهَةً حُدَّ الرَّجُلُ دُونَهَا وَإِنْ أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَنَّ هَذَا زَنَى بِهَا وَكَذَّبَهَا الرَّجُلُ لَمْ تُحَدَّ الْمَرْأَةُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تُحَدُّ وَإِنْ قَالَ الرَّجُلُ صَدَقَتْ حُدَّتْ الْمَرْأَةُ وَلَمْ يُحَدَّ الرَّجُلُ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً إلَى هُنَا لَفْظُ الشَّارِحِ اهـ
(قَوْلُهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ إلَخْ) وَعَلَيْهِ مَشَى صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي الْإِكْرَاهِ حَيْثُ قَالَ وَالسُّلْطَانُ وَغَيْرُهُ سِيَّانِ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْقُدْرَةِ عَلَى إيقَاعِ مَا تَوَعَّدَ بِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَهُوَ كَمَا قَالَ) أَيْ لَا يُحَدُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فِي الصُّورَتَيْنِ لِأَنَّ دَعْوَى النِّكَاحِ مُحْتَمِلَةٌ لِلصِّدْقِ وَبِتَقْدِيرِ صِدْقِ مُدَّعِي النِّكَاحِ مِنْهُمَا يَكُونُ النِّكَاحُ ثَابِتًا فَلَا يُحَدُّ وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ فِي صُورَتَيْ دَعْوَاهُ النِّكَاحَ وَدَعْوَاهُ الزِّنَا وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ فِي صُورَةِ دَعْوَاهُ النِّكَاحَ مُعْتَرِفَةً بِأَنَّهُ لَا مَهْرَ لَهَا لِدَعْوَاهَا الزِّنَا لِأَنَّهُ لَمَّا حَكَمَ الشَّرْعُ بِسُقُوطِ الْحَدِّ عَنْهَا مَعَ ثُبُوتِ الْوَطْءِ بِاعْتِرَافِهِمَا بِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي جِهَتِهِ كَانَتْ مُكَذَّبَةً شَرْعًا وَالْوَطْءُ لَا يَخْلُو عَنْ عَقْدٍ أَوْ عُقْرٍ فَلَزِمَ لَهَا الْمَهْرُ وَإِنْ رَدَّتْهُ إلَّا أَنْ تُبَرِّئَهُ مِنْهُ. اهـ. كَمَالٌ رحمه الله (قَوْلُهُ فِي إنْكَارِهِ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ بِإِنْكَارِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِغَائِبَةٍ إلَخْ) وَحَدِيثُ سَهْلٍ ضَعَّفَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ أَوْ تَأْوِيلُهُ أَنَّهَا أَنْكَرَتْ وَطَالَبَتْهُ بِحَدِّ الْقَذْفِ فَحَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَذْفِهِ إيَّاهَا بِالزِّنَا لَا بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا. اهـ. مَبْسُوطٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ إذَا سَقَطَ الْحَدُّ إلَخْ) كَمَا إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا الشُّبْهَةَ لَا فِي مَسْأَلَةِ إنْكَارِ الْوَطْءِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الْمَهْرُ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا رحمه الله (قَوْلُهُ يَجِبُ الْمَهْرُ) أَيْ وَقَدْ سَقَطَ الْحَدُّ بِدَعْوَى الزَّوْجِ النِّكَاحَ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْمَهْرُ وَبَطَلَ زَعْمُهَا لِأَنَّ الْمَهْرَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فِي ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ الْمَهْرِ فِي الْمُفَوِّضَةِ. اهـ. كِفَايَةٌ
يَجِبُ لَهَا الْمَهْرُ وَهِيَ تُنْكِرُهُ إذَا كَانَتْ هِيَ الْمُقِرَّةَ بِالزِّنَا لِأَنَّا نَقُولُ وُجُوبُ الْمَهْرِ مِنْ ضَرُورَاتِ سُقُوطِ الْحَدِّ فَلَا يُعْتَبَرُ رَدُّهَا أَوْ نَقُولُ صَارَتْ مُكَذِّبَةً شَرْعًا بِسُقُوطِ الْحَدِّ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى تَكْذِيبِهَا كَمَا إذَا ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَأَنْكَرَتْ وَأَقَامَ عَلَيْهَا الْبَيِّنَةَ يَجِبُ لَهَا الْمَهْرُ وَإِنْ أَنْكَرَتْ لِمَا ذَكَرْنَا فَكَذَا هُنَا
قَالَ رحمه الله (وَمَنْ زَنَى بِأَمَةٍ فَقَتَلَهَا لَزِمَهُ الْحَدُّ وَالْقِيمَةُ) مُرَادُهُ قَتَلَهَا بِفِعْلِ الزِّنَا لِأَنَّهُ جَنَى جِنَايَتَيْنِ فَيُوَفَّرُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمُهَا الْحَدُّ بِالزِّنَا وَالْقِيمَةُ بِالْقَتْلِ كَمَا إذَا زَنَى بِهَا ثُمَّ حَزَّ رَقَبَتَهَا وَلَا يُقَالُ لَمَّا مَاتَتْ بِفِعْلِ الزِّنَا صَارَ الزِّنَا قَتْلًا فَوَجَبَ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ إلَّا الْقَتْلُ وَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ الزِّنَا كَقَطْعِ الْيَدِ إذَا سَرَى وَمَاتَ صَارَ قَتْلًا وَسَقَطَ اعْتِبَارُ الْقَطْعِ حَتَّى لَا يَجِبُ إلَّا ضَمَانُ النَّفْسِ مِنْ الدِّيَةِ أَوْ الْقِصَاصِ لِأَنَّا نَقُولُ ضَمَانُ الْيَدِ بَدَلُ الْيَدِ وَضَمَانُ النَّفْسِ بَدَلُ النَّفْسِ وَالْيَدُ تَابِعَةٌ لِلنَّفْسِ كَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ فَإِنَّ الْأَعْضَاءَ تَهْلِكُ بِهَلَاكِ النَّفْسِ تَبَعًا وَيَدْخُلُ ضَمَانُهَا فِي ضَمَانِ النَّفْسِ بِخِلَافِ الْحَدِّ وَضَمَانِ النَّفْسِ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ مُخْتَلِفَانِ وَجَبَا بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ: أَحَدُهُمَا بِالزِّنَا وَالْآخَرُ بِإِتْلَافِ النَّفْسِ فَصَارَ كَمَنْ شَرِبَ خَمْرًا لِذِمِّيٍّ فَإِنَّهُ يُحَدُّ وَيَضْمَنُ قِيمَةَ الْخَمْرِ لِلذِّمِّيِّ لِمَا قُلْنَا
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ تَقَرُّرَ ضَمَانِ الْقِيمَةِ عَلَيْهِ بِقَتْلِهِ إيَّاهَا بِفِعْلِ الزِّنَا سَبَبٌ لِمِلْكِهِ إيَّاهَا لِأَنَّ الْمَضْمُونَاتِ تُمْلَكُ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدٌ إلَى وَقْتِ وُجُودِ سَبَبِ الضَّمَانِ فَصَارَ كَمَا إذَا غَصَبَ جَارِيَةً فَزَنَى بِهَا ثُمَّ ضَمِنَ قِيمَتَهَا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْحَدُّ بِهِ فَكَذَا هُنَا وَلِأَنَّ اعْتِرَاضَ الْمِلْكِ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ يَسْقُطُ كَمَا إذَا مَلَكَ الْمَسْرُوقَ قَبْلَ الْقَطْعِ وَلَهُمَا أَنَّهُ ضَمَانُ قَتْلٍ فَلَا يُوجِبُ الْمِلْكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِضَمَانِ مَالٍ وَإِنَّمَا هُوَ ضَمَانُ الدَّمِ وَهُوَ بِمُقَابَلَةِ الْآدَمِيَّةِ وَهِيَ لَا تَقْبَلُ الْمِلْكَ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ مُقَسَّطًا عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ وَتَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ وَلَوْ كَانَ ضَمَانَ مِلْكٍ لَمَا وَجَبَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَلَا الْكَفَّارَةُ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْغَصْبِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ الْمَالِ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ وَحْدَهُ دُونَ عَاقِلَتِهِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ اعْتِرَاضَ الْمِلْكِ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ يُوجِبُ سُقُوطَ الْحَدِّ وَإِنَّمَا سَقَطَ فِي السَّرِقَةِ لِانْتِهَاءِ الْخُصُومَةِ وَهِيَ شَرْطٌ فِيهِ لَا فِي حَدِّ الزِّنَا وَلَوْ اسْتَنَدَ الْمِلْكُ كَمَا قَالَ كَأَنْ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْقَائِمِ وَهُوَ الْعَيْنُ لَا فِي حَقِّ الْمُتَلَاشِي وَهُوَ الْمُسْتَوْفَى مِنْ مَنَافِعِ الْبِضْعِ فَلَا يَظْهَرُ الِاسْتِنَادُ فِي حَقِّهِ حَتَّى يُجْعَلَ كَأَنَّهُ اسْتَوْفَى مِلْكَهُ بَلْ الْمُسْتَوْفَى حَرَامٌ مَحْضٌ فَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِمِلْكِ الْعَيْنِ بَعْدَهُ وَلِأَنَّ وُجُوبَ الْقِيمَةِ يَكُونُ بَعْدَ تَقَرُّرِ الْجِنَايَةِ بِالْمَوْتِ وَهِيَ لَيْسَتْ بِمَحِلٍّ لِلْمِلْكِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَذْهَبَ عَيْنَهَا بِالزِّنَا حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا وَيَسْقُطُ الْحَدُّ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ فِي الْجُثَّةِ الْعَمْيَاءِ بِضَمَانِ الْقِيمَةِ وَهِيَ عَيْنٌ فَأَوْرَثَتْ شُبْهَةً دَارِئَةً لِلْحَدِّ إذْ الْعَيْنُ بَاقِيَةٌ فَأَمْكَنَ إبْقَاءُ الْمَنَافِعِ تَبَعًا لَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا هَلَكَتْ
وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ تَزَوَّجَهَا أَوْ اشْتَرَاهَا بَعْدَمَا زَنَى بِهَا أَوْ زَنَى بِهَا ثُمَّ غَصَبَهَا وَضَمِنَ قِيمَتَهَا وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَإِنْ جَنَتْ الْأَمَةُ فَزَنَى بِهَا وَلِيُّ الْجِنَايَةِ فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ تُوجِبُ الْقِصَاصَ بِأَنْ قَتَلَتْ نَفْسًا عَمْدًا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْعُقْرُ لِأَنَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ يَمْلِكُهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَأَوْرَثَتْ شُبْهَةً وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ لَا تُوجِبُ الْقِصَاصَ فَإِنْ فَدَاهَا الْمَوْلَى يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الزَّانِيَ لَمْ يَمْلِكْ الْجُثَّةَ وَإِنْ دَفَعَهَا بِالْجِنَايَةِ فَعَلَى الْخِلَافِ وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّاهُ وَلَوْ زَنَى بِحُرَّةٍ فَقَتَلَهَا بِهِ يَجِبُ الْحَدُّ مَعَ الدِّيَةِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْحُرَّةَ لَا تُمْلَكُ بِالضَّمَانِ وَلَوْ زَنَى بِكَبِيرَةٍ فَأَفْضَاهَا فَإِنْ كَانَتْ مُطَاوِعَةً لَهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى شُبْهَةٍ فَعَلَيْهِمَا الْحَدُّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْإِفْضَاءِ لِرِضَاهَا بِهِ وَلَا مَهْرَ لَهَا لِوُجُوبِ الْحَدِّ وَإِنْ كَانَ مَعَ دَعْوَى شُبْهَةٍ فَلَا حَدَّ وَلَا شَيْءَ فِي الْإِفْضَاءِ وَيَجِبُ الْعُقْرُ
وَإِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً مِنْ غَيْرِ دَعْوَى شُبْهَةٍ مِنْهُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ دُونَهَا وَلَا مَهْرَ لَهَا ثُمَّ يُنْظَرُ فِي الْإِفْضَاءِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَمْسِكْ بَوْلُهَا فَعَلَيْهِ دِيَةُ الْمَرْأَةِ كَامِلَةً لِأَنَّهُ فَوَّتَ جِنْسَ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْكَمَالِ وَإِنْ كَانَ يَسْتَمْسِكُ بَوْلُهَا حُدَّ وَضَمِنَ ثُلُثَ الدِّيَةِ لِمَا أَنَّ جِنَايَتَهُ جَائِفَةٌ وَإِنْ كَانَ مَعَ دَعْوَى شُبْهَةٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا ثُمَّ إنْ كَانَ الْبَوْلُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ إذَا كَانَتْ هِيَ الْمُقِرَّةَ بِالزِّنَا) أَيْ لِأَنَّهَا تَنْفِي وُجُوبَ الْمَهْرِ بِزَعْمِهَا أَنَّهَا زَانِيَةٌ وَلَا عُقْرَ لَهَا. اهـ. كِفَايَةٌ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ زَنَى بِأَمَةٍ فَقَتَلَهَا) إنَّمَا قَيَّدَ بِالْأَمَةِ لِتَكُونَ صُورَةُ الْخِلَافِ فَإِنَّهُ لَوْ زَنَى بِحُرَّةٍ فَقَتَلَهَا يُحَدُّ اتِّفَاقًا وَيَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ كَمَا سَيَأْتِي. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ جَنَى جِنَايَتَيْنِ) أَيْ وَهُمَا الزِّنَا وَالْقَتْلُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ) ذَكَرَهُ بِلَفْظِ عَنْ لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَيْسَ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ عَنْهُ فَإِنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا خِلَافُهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَعَادَتُهُ إذَا كَانَ خِلَافُهُ ثَابِتًا ذَكَرَهُ وَكَذَا الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْكَافِي خِلَافًا وَإِنَّمَا نَقَلَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ خِلَافَهُ فَقَالَ ذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَحِينَ نَقَلَ قَوْلَهُ خَاصَّةً ذَكَرَهُ فِي الْمَنْظُومَةِ فِي بَابِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ عَلَى خِلَافِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا قَوْلَ لِمُحَمَّدٍ
وَقِيلَ الْأَشْبَهُ كَوْنُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَا قَوْلَ لَهُ بِأَنْ تَوَقَّفَ لَذَكَرَهُ وَإِنَّمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً لِأَنَّ مُحَمَّدًا كَانَ فِي عِدَادِ تَلَامِذَتِهِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ مَا قَالَهُ قَوْلًا يَنْقُلُهُ هُوَ وَعَلَى كَوْنِ الْخِلَافِ هَكَذَا مَشَى الْمُصَنِّفُ حَيْثُ قَالَ وَلَهُمَا أَنَّهُ ضَمَانُ قَتْلٍ اهـ فَتْحٌ قَالَ الْكَمَالُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ زَنَى وَجَنَى فَيُؤَاخَذُ بِمُوجِبِ كُلٍّ مِنْ الْفِعْلَيْنِ وَلَا مُنَافَاةَ فَيُجْمَعُ بَيْنَ الْحَدِّ وَالضَّمَانِ وَكَوْنُ الضَّمَانِ يَمْنَعُ الْحَدَّ لِاسْتِلْزَامِهِ الْمِلْكَ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ دَمٍ وَجَبَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَلَا يَجِبُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَهُوَ لَا يُوجِبُ مِلْكًا لِأَنَّ مَحَلَّ الْمِلْكِ وَالدَّمِ لَيْسَ بِمَالٍ (قَوْلُهُ يَسْقُطُ) أَيْ يَسْقُطُ الْحَدُّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ تَزَوَّجَهَا إلَخْ) وَفِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ غَصَبَهَا ثُمَّ زَنَى بِهَا ثُمَّ ضَمِنَ قِيمَتَهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ
أَمَّا لَوْ زَنَى بِهَا ثُمَّ غَصَبَهَا وَضَمِنَ قِيمَتَهَا لَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ وَفِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ لَوْ زَنَى بِحُرَّةٍ ثُمَّ نَكَحَهَا لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ. اهـ. كَمَالٌ رحمه الله (قَوْلُهُ وَلَوْ زَنَى بِحُرَّةٍ فَقَتَلَهَا بِهِ يَجِبُ الْحَدُّ مَعَ الدِّيَةِ بِالْإِجْمَاعِ) سَيَأْتِي قُبَيْلَ كِتَابِ السَّرِقَةِ أَنَّهُ إذَا جَامَعَ امْرَأَتَهُ فَمَاتَتْ مِنْ الْجِمَاعِ أَوْ أَفْضَاهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَانْظُرْهُ