المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌(بَابُ الْمُرْتَدِّينَ) قَالَ رحمه الله (يُعْرَضُ الْإِسْلَامُ عَلَى الْمُرْتَدِّ وَتُكْشَفُ - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي - جـ ٣

[الفخر الزيلعي]

فهرس الكتاب

- ‌(بَابُ الظِّهَارِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَار]

- ‌(بَابُ اللِّعَانِ)

- ‌(بَابُ الْعِنِّينِ وَغَيْرِهِ)

- ‌(بَابُ الْعِدَّةِ)

- ‌(فَصْلٌ).فِي الْإِحْدَادِ

- ‌(بَابُ ثُبُوتِ النَّسَبِ)

- ‌[بَابُ الْحَضَانَةِ]

- ‌(بَابُ النَّفَقَةِ)

- ‌(كِتَابُ الْإِعْتَاقِ)

- ‌(بَابُ الْعَبْدُ يَعْتِقُ بَعْضُهُ)

- ‌(بَابُ الْحَلِفِ بِالدُّخُولِ)

- ‌{بَابُ الْعِتْقِ عَلَى جُعْلٍ}

- ‌{بَابُ التَّدْبِيرِ}

- ‌بَابُ الِاسْتِيلَادِ

- ‌{كِتَابُ الْأَيْمَانِ}

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَالسُّكْنَى وَالْإِتْيَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ)

- ‌{بَابُ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللُّبْسِ وَالْكَلَامِ}

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ)

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّزَوُّجِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا)

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ)

- ‌(كِتَابُ الْحُدُودِ)

- ‌(بَابُ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ)

- ‌(بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَالرُّجُوعِ عَنْهَا)

- ‌(بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ)

- ‌(بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي التَّعْزِيرِ)

- ‌(كِتَابُ السَّرِقَةِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الْحِرْزِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ وَإِثْبَاتِهِ]

- ‌(بَابُ قَطْعِ الطَّرِيقِ)

- ‌(كِتَابُ السِّيَرِ)

- ‌[بَابُ الْغَنَائِمِ وَقِسْمَتِهَا]

- ‌(فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ)

- ‌(بَابُ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ)

- ‌(بَابُ الْمُسْتَأْمَنِ)

- ‌[فَصْلٌ إقَامَة الْمُسْتَأْمَنُ فِي دارنا إقَامَة دائمة]

- ‌(بَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ)

- ‌(بَابُ الْمُرْتَدِّينَ)

- ‌(بَابُ الْبُغَاةِ)

- ‌[كِتَابُ اللَّقِيطِ]

- ‌[كِتَابُ اللُّقَطَةِ]

- ‌(كِتَابُ الْآبِقِ)

- ‌[كِتَاب الْمَفْقُود]

- ‌(كِتَابُ الشِّرْكَةِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الشِّرْكَةِ الْفَاسِدَةِ)

- ‌(كِتَابُ الْوَقْفِ)

- ‌[فَصْلٌ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ حَتَّى يَفْرِزَهُ عَنْ مِلْكِهِ]

الفصل: ‌ ‌(بَابُ الْمُرْتَدِّينَ) قَالَ رحمه الله (يُعْرَضُ الْإِسْلَامُ عَلَى الْمُرْتَدِّ وَتُكْشَفُ

(بَابُ الْمُرْتَدِّينَ)

قَالَ رحمه الله (يُعْرَضُ الْإِسْلَامُ عَلَى الْمُرْتَدِّ وَتُكْشَفُ شُبْهَتُهُ وَيُحْبَسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ أَسْلَمَ وَإِلَّا قُتِلَ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَعَرْضُ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ عَلَى مَا قَالُوا وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ لِأَنَّ الدَّعْوَةَ قَدْ بَلَغَتْهُ غَيْرَ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ اعْتَرَاهُ شُبْهَةٌ فَيُعْرَضُ عَلَيْهِ لِتُزَاحَ وَيَعُودَ إلَى الْإِسْلَامِ لِأَنَّ عَوْدَهُ مَرْجُوٌّ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْمُرْتَدُّ يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فَإِنْ أَبَى قُتِلَ وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ الْإِمْهَالُ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله الْإِمْهَالُ وَاجِبٌ لَا يَحِلُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُ قَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لِأَنَّ ارْتِدَادَ الْمُسْلِمِ يَكُونُ عَنْ شُبْهَةٍ ظَاهِرًا فَلَا بُدَّ مِنْ مُدَّةٍ يُمْكِنُهُ التَّأَمُّلُ فِيهَا فَقَدَّرْنَاهُ بِالثَّلَاثِ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ ضُرِبَتْ لِإِبْلَاءِ الْأَعْذَارِ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وقَوْله تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] مُطْلَقًا وَلِأَنَّهُ كَافِرٌ حَرْبِيٌّ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ فَيُقْتَلُ لِلْحَالِ وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ لِإِطْلَاقِ الدَّلَائِلِ فَإِنْ ارْتَدَّ وَتَابَ ثُمَّ ارْتَدَّ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَهَكَذَا دَائِمًا لِأَنَّا نَحْكُمُ بِالظَّاهِرِ وَكَانَ عليه الصلاة والسلام يُقْبَلُ ظَاهِرُ الْإِسْلَامِ مِنْ الْمُنَافِقِينَ «وَقَالَ عليه الصلاة والسلام لِمَنْ قَتَلَ شَخْصًا بَعْدَمَا أَسْلَمَ هَلَّا شَقَقْت قَلْبَهُ» وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ الِارْتِدَادُ يُقْتَلُ مِنْ غَيْرِ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُسْتَخِفٌّ بِالدِّينِ

قَالَ رحمه الله (وَإِسْلَامُهُ أَنْ يَتَبَرَّأَ عَنْ الْأَدْيَانِ سِوَى الْإِسْلَامِ أَوْ عَمَّا انْتَقَلَ إلَيْهِ) أَيْ كَيْفِيَّةُ تَوْبَتِهِ أَنْ يَتَبَرَّأُ عَنْ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا سِوَى دِينِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ تَبَرَّأَ عَمَّا انْتَقَلَ إلَيْهِ صَحَّ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَالْأَوْلَى هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا دِينَ لَهُ

قَالَ رحمه الله (وَكُرِهَ قَتْلُهُ قَبْلَهُ) أَيْ كُرِهَ قَتْلُهُ قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ لِأَنَّ فِي قَتْلِهِ تَفْوِيتَ الْعَرْضِ الْمُسْتَحَبِّ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مَعْنَى الْكَرَاهَةِ هُنَا تَرْكُ الْمُسْتَحَبِّ قَالَ رحمه الله (وَلَمْ يَضْمَنْ قَاتِلُهُ) لِأَنَّ الْكُفْرَ بِوَصْفِ الْحِرَابِ مُبِيحٌ وَالْعَرْضُ بَعْدَ بُلُوغِ الدَّعْوَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ فَلَمْ يَضْمَنْ لِذَلِكَ وَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ»

قَالَ رحمه الله (وَلَا تُقْتَلُ الْمُرْتَدَّةُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

[ بَابُ الْمُرْتَدِّينَ]

بَابُ الْمُرْتَدِّ) لَمَّا فَرَغَ عَنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الْكُفَّارِ مِنْ الْأَصْلِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْكُفَّارِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْعَارِضَ بَعْدَ الْأَصْلِيِّ فِي الْوُجُودِ فَنَاسَبَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ وَضْعًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ) أَيْ وَأَبُو دَاوُد. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الدَّعْوَةَ قَدْ بَلَغَتْهُ) أَيْ وَعَرْضُ الْإِسْلَامِ هُوَ الدَّعْوَةُ إلَيْهِ وَدَعْوَةُ مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ بَلْ مُسْتَحَبَّةٌ. اهـ. كَمَالٌ رحمه الله وَفِي الْكَافِي يُقْتَلُ مِنْ سَاعَتِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُؤَجِّلَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ طَلَبَ أَوْ لَمْ يَطْلُبْ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ لِتُزَاحَ) أَيْ تُزَالَ اهـ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَبَى قُتِلَ) أَيْ مَكَانَهُ فَيُفِيدُ أَنَّ إنْظَارَهُ لَيْسَ وَاجِبًا وَلَا مُسْتَحَبًّا اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ كَافِرٌ حَرْبِيٌّ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِذِمِّيٍّ وَلَا مُسْتَأْمَنٍ إذْ لَا تُقْبَلُ الْجِزْيَةُ مِنْهُ وَمَا طَلَبَ الْأَمَانَ فَكَانَ حَرْبِيًّا لِإِطْلَاقِ النَّصِّ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ فَإِنْ ارْتَدَّ وَتَابَ ثُمَّ ارْتَدَّ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ) أَيْ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5] وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ مَنْ كَرَّرَ رِدَّتَهُ كَالزِّنْدِيقِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَاللَّيْثُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} [النساء: 137]. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ قُلْنَا رَتَّبَ عَدَمَ الْمَغْفِرَةِ عَلَى شَرْطِ قَوْلِهِ {ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا} [آل عمران: 90]. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ قَوْلِ الْعَامَّةِ إنَّ الْآيَةَ فِي حَقِّ مَنْ ازْدَادَ كُفْرًا لَا فِي حَقِّ مَنْ آمَنَ وَأَظْهَرَ التَّوْبَةَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ إطْلَاقُ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} [النساء: 94] وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» . اهـ. (قَوْلُهُ وَهَكَذَا دَائِمًا) أَيْ وَلَا يُقْتَلُ إلَّا إنْ أَبَى أَنْ يُسْلِمَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا إنَّ الْمُرْتَدَّ يُسْتَتَابُ أَبَدًا وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ بَعْدَ الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ لِأَنَّهُ مُسْتَخِفٌّ مُسْتَهْزِئٌ وَلَيْسَ بِثَائِبٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِسْلَامُهُ أَنْ يَتَبَرَّأَ عَنْ الْأَدْيَانِ إلَخْ) وَلَكِنْ بَعْدَ إتْيَانِهِ بِكَلِمَةِ الشَّهَادَةِ ذَكَرَهُ فِي الْإِيضَاحِ وَفِي الْمُنْيَةِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ تُبْت وَرَجَعْت إلَى دِينِ الْإِسْلَامِ وَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ دِينٍ سِوَى دِينِ الْإِسْلَامِ، وَالْإِقْرَارُ بِالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ مُسْتَحَبٌّ. اهـ. دِرَايَةٌ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إسْلَامُ النَّصْرَانِيِّ أَنْ يَقُولَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَيَتَبَرَّأَ مِنْ النَّصْرَانِيَّةِ، وَالْيَهُودِيُّ كَذَلِكَ يَتَبَرَّأُ مِنْ الْيَهُودِيَّةِ وَكَذَا فِي كُلِّ مِلَّةٍ وَأَمَّا بِمُجَرَّدِ الشَّهَادَتَيْنِ فَلَا يَكُونُ مُسْلِمًا لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهُمْ يَدَّعُونَ خُصُوصَ الرِّسَالَةِ إلَى الْعَرَبِ فَيُصَدِّقُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَلَا يَتِمُّ الْإِسْلَامُ إلَّا بِهِ هَذَا فِيمَنْ بَيْنَ أَظْهُرِنَا مِنْهُمْ وَأَمَّا مَنْ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَوْ حَمَلَ عَلَيْهِ مُسْلِمٌ فَقَالَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَهُوَ مُسْلِمٌ أَوْ قَالَ دَخَلْت فِي دِينِ الْإِسْلَامِ أَوْ دِينِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ دَلِيلُ إسْلَامِهِ فَكَيْفَ إذَا أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ضِيقًا. اهـ. فَتْحٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَكُرِهَ قَتْلُهُ قَبْلَهُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فَإِنْ قَتَلَهُ قَاتِلٌ قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ قَالَ الْكَمَالُ أَوْ قَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ كُرِهَ ذَلِكَ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاتِلِ وَالْقَاطِعِ لِأَنَّ الْكُفْرَ مُبِيحٌ وَكُلُّ جِنَايَةٍ عَلَى الْمُرْتَدِّ هَدَرٌ اهـ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ أَيْ الْقَتْلَ وَالْقَطْعَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ أُدِّبَ اهـ قَالَ قَاضِي خَانْ وَرِدَّةُ الرَّجُلِ تُبْطِلُ عِصْمَةَ نَفْسِهِ حَتَّى لَوْ قَتَلَهُ الْقَاتِلُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِ السُّلْطَانِ أَوَأَتْلَفَ عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ مَعْنَى الْكَرَاهَةِ هُنَا تَرْكُ الْمُسْتَحَبِّ) أَيْ فَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَعِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِوُجُوبِ الْفَرْضِ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ. اهـ. كَمَالٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا تُقْتَلُ الْمُرْتَدَّةُ) أَيْ بَلْ تُحْبَسُ أَبَدًا اهـ

ص: 284

بَلْ تُحْبَسُ حَتَّى تُسْلِمَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تُقْتَلُ لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ قَتْلَ الرَّجُلِ لِتَغْلِيظِ جِنَايَتِهِ وَقَدْ شَارَكَتْهُ فِيهَا فَتُشَارِكُهُ فِي جَزَائِهَا كَالْقِصَاصِ وَالرَّجْمِ قُلْنَا الْمُبِيحُ لِلْقَتْلِ كُفْرُ الْمُحَارَبِ بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ «نَهَى عَنْ قَتْلِ الْكَافِرَاتِ» بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْقِصَاصِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهِ مُعَلَّقٌ بِالْجِنَايَةِ دُونَ الْحِرَابِ وَجَزَاءُ الْكُفْرِ لَا يُقَامُ فِي الدُّنْيَا لِأَنَّهَا دَارُ الِابْتِلَاءِ عَلَى مَا عُرِفَ وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الْمُحَارِبُ لَنَا وَإِلَّا لَوَجَبَ قَتْلُ الشَّخْصِ إذَا أَسْلَمَ لِأَنَّهُ بَدَّلَ دِينَهُ وَهُوَ الْكُفْرُ بِالْإِسْلَامِ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَرْوِيه ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وَمَذْهَبُهُ أَنَّ الْمُرْتَدَّةَ لَا تُقْتَلُ وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَوْجَبَ الْقَتْلَ عَلَى الْيَهُودِيِّ إذَا تَنَصَّرَ وَبِالْعَكْسِ مُحْتَجًّا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَلَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ وَانْتِقَالُهُ مِنْ كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ لَا يَزِيدُهُ خُبْثًا وَلِأَنَّ فِيهِ أَمْرًا بِأَنْ يَرْجِعَ إلَى مَا كَانَ فِيهِ مِنْ الْكُفْرِ وَالْأَمْرُ بِالْكُفْرِ كُفْرٌ فَلَا يَجُوزُ وَإِذَا لَمْ تُقْتَلْ الْمُرْتَدَّةُ تُحْبَسُ إلَى أَنْ تُسْلِمَ لِأَنَّهَا ارْتَكَبَتْ جَرِيمَةً عَظِيمَةً فَتُحْبَسُ حَتَّى تَتْرُكَ وَتَخْرُجَ مِنْهَا وَتُضْرَبُ فِي كُلِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُبَالَغَةً فِي الْحَمْلِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَوْ قَتَلَهَا قَاتِلٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِلشُّبْهَةِ وَالْأَمَةُ يُجْبِرُهَا مَوْلَاهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ بِأَنْ يَجْعَلَ مَنْزِلَ الْمَوْلَى سِجْنًا لَهَا وَيُفَوِّضُ التَّأْدِيبَ إلَيْهِ مَعَ تَوْفِيرِ حَقِّهِ فِي الِاسْتِخْدَامِ وَقَالَ فِي الْأَصْلِ دُفِعَتْ إلَيْهِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تُدْفَعُ إلَيْهِ احْتَاجَ أَوْ لَمْ يَحْتَجْ طَلَبَ أَوْ لَمْ يَطْلُبْ لِأَنَّ الْحَبْسَ تَصَرُّفٌ فِيهَا وَذَاكَ إلَى الْمَوْلَى

قَالَ رحمه الله (وَيَزُولُ مِلْكُ الْمُرْتَدِّ عَنْ مَالِهِ زَوَالًا مَوْقُوفًا فَإِنْ أَسْلَمَ عَادَ مِلْكُهُ وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ وَرِثَ كَسْبَ إسْلَامِهِ وَارِثَهُ الْمُسْلِمُ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِ إسْلَامِهِ وَكَسْبُ رِدَّتِهِ فَيْءٌ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِ رِدَّتِهِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَزُولُ مِلْكُهُ لِأَنَّ تَأْثِيرَ الرِّدَّةِ يَظْهَرُ فِي إبَاحَةِ دَمِهِ لَا فِي زَوَالِ مِلْكِهِ كَالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِالرَّجْمِ وَالْقَوَدِ وَلِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ فَيَكُونُ كَامِلَ الْأَهْلِيَّةِ وَذَلِكَ بِبَقَاءِ مِلْكِهِ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْقِيَامُ بِمَا كُلِّفَ بِهِ إلَّا بِبَقَاءِ مِلْكِهِ فَيَبْقَى مِلْكُهُ ضَرُورَةَ التَّمْكِينِ وَلَهُ أَنَّ الْمِلْكَ عِبَارَةٌ عَنْ الْقُدْرَةِ وَالِاسْتِيلَاءِ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الْعِصْمَةِ وَقَدْ زَالَتْ عِصْمَةُ نَفْسِهِ بِالرِّدَّةِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِهَا حَرْبِيًّا حَتَّى يُقْتَلَ وَكَذَا عِصْمَةُ مَالِهِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهَا وَلِأَنَّهُ هَالِكٌ حُكْمًا فَصَارَ كَالْهَالِكِ حَقِيقَةً غَيْرَ أَنَّهُ يُدْعَى إلَى الْإِسْلَامِ بِالْإِجْبَارِ عَلَيْهِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تُقْتَلُ) أَيْ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَاللَّيْثُ وَالزُّهْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَكْحُولٌ وَحَمَّادٌ وَإِسْحَاقُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ «نَهَى عَنْ قَتْلِ الْكَافِرَاتِ») أَيْ فَقَالَ «لَا تَقْتُلُوا امْرَأَةً» وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْمُرْتَدَّةِ وَالْكَافِرَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَلِأَنَّهَا مَتَى لَا تُقْتَلُ بِالْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ فَبِالطَّارِئِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى كَالصَّبِيِّ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ وَقَدْ رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ أَبِي رَزِينٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ لَا تُقْتَلُ النِّسَاءُ إذَا هُنَّ ارْتَدَدْنَ عَنْ الْإِسْلَامِ وَلَكِنْ يُحْبَسْنَ وَيُدْعَيْنَ إلَى الْإِسْلَامِ وَيُجْبَرْنَ عَلَيْهِ وَفِي بَلَاغَاتِ مُحَمَّدٍ قَالَ بَلَغَنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ إذَا ارْتَدَّتْ الْمَرْأَةُ عَنْ الْإِسْلَامِ حُبِسَتْ اهـ.

(قَوْله لِأَنَّهَا ارْتَكَبَتْ جَرِيمَةً عَظِيمَةً فَتُحْبَسُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَمْ يَذْكُرْ الضَّرْبَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَلَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَيُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا تُضْرَبُ فِي كُلِّ أَيَّامٍ وَقَدَّرَهَا بَعْضُهُمْ بِثَلَاثَةٍ وَعَنْ الْحَسَنِ تُضْرَبُ فِي كُلِّ يَوْمٍ تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ سَوْطًا إلَى أَنْ تَمُوتَ أَوْ تُسْلِمَ وَلَمْ يَخُصَّهُ بِحُرَّةٍ وَلَا أَمَةٍ وَهَذَا قَتْلٌ مَعْنًى لِأَنَّ مُوَالَاةَ الضَّرْبِ تُفْضِي إلَيْهِ وَلِذَا قُلْنَا فِيمَنْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ حُدُودٌ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ الثَّانِي مَا لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الْحَدِّ الْأَوَّلِ كَيْ لَا يَصِيرَ قَتْلًا وَهُوَ غَيْرُ الْمُسْتَحَقِّ اهـ وَلَا تُسْتَرَقُّ الْحُرَّةُ الْمُرْتَدَّةُ مَا دَامَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ فَحِينَئِذٍ تُسْتَرَقُّ إذَا سُبِيَتْ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي النَّوَادِرِ تُسْتَرَقُّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَيْضًا قِيلَ وَلَوْ أَفْتَى بِهَذِهِ لَا بَأْسَ بِهِ فِيمَنْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ حَسْمًا لِقَصْدِهَا السَّيِّئِ بِالرِّدَّةِ مِنْ إثْبَاتِ الْفُرْقَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِيَهَا الزَّوْجُ مِنْ الْإِمَامِ لَهُ أَوْ يَهَبَهَا الْإِمَامُ إذَا كَانَ مَصْرِفًا لِأَنَّهَا صَارَتْ بِالرِّدَّةِ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ لَا يَخْتَصُّ بِهَا الزَّوْجُ فَيَمْلِكُهَا وَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بِالرِّدَّةِ وَحِينَئِذٍ يَتَوَلَّى هُوَ حَبْسَهَا وَضَرْبَهَا عَلَى الْإِسْلَامِ فَيَرْتَدُّ ضَرَرُ قَصْدِهَا عَلَيْهَا قِيلَ وَفِي الْبِلَادِ الَّتِي اسْتَوْلَى عَلَيْهَا التَّتَرُ وَأَجْرَوْا أَحْكَامَهُمْ فِيهَا وَقَهَرُوا الْمُسْلِمِينَ كَمَا وَقَعَ فِي خَوَارِزْمَ وَغَيْرِهَا إذَا اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الزَّوْجُ بَعْدَ الرِّدَّةِ مَلَكَهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ دَارَ حَرْبٍ فِي الظَّاهِرِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْ الْإِمَامِ.

وَقَدْ أَفْتَى الدَّبُوسِيُّ وَبَعْضُ أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ بِعَدَمِ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِالرِّدَّةِ رَدًّا عَلَيْهَا وَغَيْرُهُمْ مَشَوْا عَلَى الظَّاهِرِ وَلَكِنْ حَكَمُوا بِجَبْرِهَا عَلَى تَجْدِيدِ النِّكَاحِ مَعَ الزَّوْجِ وَتُضْرَبُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا وَاخْتَارَهُ قَاضِي خَانْ لِلْفَتْوَى. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَتَلَهَا قَاتِلٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ إلَخْ) سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. كَيْ (قَوْلُهُ وَالْأَمَةُ يُجْبِرُهَا مَوْلَاهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ) بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ لَا فَائِدَةَ فِي دَفْعِهِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ وَلَا يَبْقَى لِيُمْكِنَ اسْتِخْدَامُهُ. اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَهُوَ حَقُّ الْمَوْلَى مِنْ الِاسْتِخْدَامِ وَحَقُّ الشَّرْعِ وَهُوَ الْجَبْرُ عَلَى الْإِسْلَامِ. اهـ. كَاكِيٌّ

(قَوْلُهُ وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَلَوْ قَالَ وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَحُكِمَ بِلَحَاقِهِ كَانَ أَوْلَى لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ بِلَحَاقِهِ مِثْلُ مَوْتِهِ وَلِهَذَا صَرَّحَ بِذِكْرِهِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَزُولُ مِلْكُهُ إلَخْ) أَيْ إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ جَعَلَ تَصَرُّفَهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَجَعَلَهُ مُحَمَّدٌ بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ كَالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِالرَّجْمِ وَالْقَوَدِ) أَيْ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ حُكْمُهُ حُكْمَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فَتُعْتَبَرُ تَبَرُّعَاتُهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ مُعَرَّضٌ لِلتَّلَفِ إذَا كَانَ لِكُلِّ أَحَدٍ قَتْلُهُ فَلَا ضَمَانَ فَصَارَ حَالُهُ أَنْحَسَ مِنْ حَالِ الْمَرِيضِ فَاعْتُبِرَ تَصَرُّفُهُ مِنْ الثُّلُثِ وَجَوَابُهُ مِنْ جِهَةِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُرْتَدَّ يَتَمَكَّنُ مِنْ دَفْعِ الْهَلَاكِ عَنْ نَفْسِهِ بِالْإِسْلَامِ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

ص: 285

وَيُرْجَى عَوْدُهُ إلَيْهِ لِوُقُوفِهِ عَلَى مَحَاسِنِهِ فَلَمْ يَتِمَّ سَبَبُ الزَّوَالِ فَتَوَقَّفْنَا فِي أَمْرِهِ فَإِنْ أَسْلَمَ جُعِلَ كَأَنْ لَمْ يَزَلْ مُسْلِمًا فَلَمْ يَعْمَلْ السَّبَبُ عَمَلَهُ فَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ فِي رِدَّتِهِ اسْتَقَرَّ كُفْرُهُ فَعَمِلَ السَّبَبُ عَمَلَهُ وَزَالَ مِلْكُهُ وَانْتَقَلَ مَا اكْتَسَبَهُ فِي إسْلَامِهِ إلَى وَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ وَمَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ فَيْءٌ عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ وَعِنْدَهُمَا كِلَاهُمَا لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ إنْ فَضَلَ مِنْ الدَّيْنِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ كِلَاهُمَا فَيْءٌ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ لَا سِيَّمَا الْمُرْتَدُّ فَإِنَّهُ لَا يَرِثُ أَحَدًا فَوَجَبَ أَنْ لَا يَرِثَهُ أَحَدٌ كَالرَّقِيقِ وَهَذَا لِأَنَّ اتِّحَادَ الْمِلَّةِ سَبَبُ الْإِرْثِ وَاخْتِلَافُهَا سَبَبُ الْحِرْمَانِ وَهَذَا لَا يَرِثُهُ مُوَافِقُهُ فَمُخَالِفُهُ أَوْلَى فَإِذَا انْتَفَتْ الْوِرَاثَةُ وَهِيَ مَالُ حَرْبِيٍّ لَا أَمَانَ لَهُ فَيَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ وَلَنَا أَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا مَالِكًا لِمَالِهِ فَإِذَا تَمَّ هَلَاكُهُ يَخْلُفُهُ وَارِثُهُ فِي مَالِهِ كَمَا لَوْ مَاتَ مُسْلِمًا وَهَذَا لِأَنَّ الرِّدَّةَ هَلَاكٌ إلَّا أَنَّ تَمَامَهُ بِالْمَوْتِ وَالْقَتْلِ فَإِذَا تَمَّ اسْتَنَدَ التَّوْرِيثُ إلَى أَوَّلِ الرِّدَّةِ وَقَدْ كَانَ مُسْلِمًا عِنْدَ ذَلِكَ فَيَخْلُفُهُ وَارِثُهُ الْمُسْلِمُ فِيهِ فَيَكُونُ تَوْرِيثًا مِنْ الْمُسْلِمِ إذْ الْحُكْمُ عِنْدَ تَمَامِ سَبَبِهِ يَثْبُتُ مِنْ أَوَّلِ السَّبَبِ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ إذَا أُجِيزَ ثَبَتَ الْمِلْكُ فِيهِ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ حَتَّى يَسْتَحِقَّ الْمَبِيعَ بِزَوَائِدِهِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ وَلَهُمَا أَنَّ مِلْكَهُ فِي الْكَسْبَيْنِ بَعْدَ الرِّدَّةِ بَاقٍ لِمَا ذَكَرْنَا فَيَنْتَقِلُ إلَى وَرَثَتِهِ بِمَوْتِهِ فَيَسْتَنِدُ إلَى مَا قَبْلَ رِدَّتِهِ فَيَكُونُ تَوْرِيثَ الْمُسْلِمِ مِنْ الْمُسْلِمِ وَيُمْكِنُ اسْتِنَادُ كَسْبِ الرِّدَّةِ إلَى مَا قَبْلَ الرِّدَّةِ نَظَرًا إلَى سَبَبِ الْكَسْبِ وَهُوَ نَفْسُهُ فَجَعَلَ كَأَنَّ الْكَسْبَ مَوْجُودٌ وَلَهُ أَنَّ اسْتِنَادَ التَّوْرِيثِ إلَى أَوَّلِ الرِّدَّةِ فِي كَسْبِ الْإِسْلَامِ مُمْكِنٌ لِوُجُودِهِ عِنْدَهَا وَلَا يُمْكِنُ اسْتِنَادُ التَّوْرِيثِ فِي كَسْبِ الرِّدَّةِ لِعَدَمِهِ عِنْدَهَا وَمِنْ شَرْطِ الِاسْتِنَادِ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا عِنْدَهُ فَلَوْ ثَبَتَ فِيهِ حُكْمُ التَّوْرِيثِ لَثَبَتَ مُقْتَصِرًا عَلَى الْحَالِ وَهُوَ كَافِرٌ عِنْدَ الِاكْتِسَابِ وَالْمُسْلِمُ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ.

ثُمَّ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ يَرِثُ الْمُرْتَدَّ فَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ يَرِثُهُ مَنْ كَانَ وَارِثًا لَهُ وَقْتَ رِدَّتِهِ وَبَقِيَ كَذَلِكَ إلَى وَقْتِ مَوْتِهِ أَوْ قَتْلِهِ أَوْ الْقَضَاءِ بِلَحَاقِهِ حَتَّى لَوْ مَاتَ وَارِثُهُ قَبْلَهُ أَوْ حَدَثَ لَهُ وَارِثٌ آخَرُ بَعْدَ ارْتِدَادِهِ بِعِتْقٍ أَوْ إسْلَامٍ أَوْ عُلُوقٍ حَادِثٍ لَا يَرِثُ لِأَنَّ السَّبَبَ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا فِي حَقِّ مَنْ انْعَقَدَ لَهُ وَيُشْتَرَطُ بَقَاؤُهُ إلَى وَقْتِ تَمَامِ السَّبَبِ لِأَنَّهُ أَوَانُ الِاسْتِحْقَاقِ بِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ حَيْثُ يُشْتَرَطُ فِيهِ بَقَاءُ الْمَبِيعِ وَالْمُتَعَاقِدِينَ وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ وُجُودُهُ وَقْتَ الرِّدَّةِ وَلَا يَبْطُلُ بِمَوْتِهِ أَوْ بِشَيْءٍ آخَرَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُرْتَدِّ لِأَنَّ رِدَّتَهُ فِي حُكْمِ الْمَوْتِ فَلَا تُعْتَبَرُ إلَّا عِنْدَهَا وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثًا عِنْدَ مَوْتِ الْمُرْتَدِّ أَوْ قَتْلِهِ أَوْ الْقَضَاءِ بِلَحَاقِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْحَادِثَ بَعْدَ انْعِقَادِ السَّبَبِ قَبْلَ تَمَامِهِ كَالْمَوْجُودِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ السَّبَبِ أَلَا تَرَى أَنَّ الزِّيَادَةَ الَّتِي تَحْدُثُ مِنْ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ تُجْعَلُ كَالْمَوْجُودِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ حَتَّى إذَا قَبَضَهُ مَعَ الْأَصْلِ صَارَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ وَتَرِثُهُ امْرَأَتُهُ الْمُسْلِمَةُ إذَا مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَوْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِاللَّحَاقِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّهُ صَارَ فَارًّا بِالرِّدَّةِ إذْ الرِّدَّةُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرَضِ لِأَنَّهَا سَبَبُ الْمَوْتِ فَيَتَعَلَّقُ حَقُّهَا بِمَالِهِ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يَرِثَ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه إذَا مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَوْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِاللَّحَاقِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا أَوْ ارْتَدَّ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا إلَّا عِنْدَ الرِّدَّةِ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ قِيَامِ الْعِدَّةِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَالْمُرْتَدَّةُ لَا يَرِثُهَا زَوْجُهَا لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّهُ بِمَالِهَا وَالزَّوْجِيَّةُ قَدْ انْقَطَعَتْ بِالِارْتِدَادِ إلَّا أَنْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فَإِنْ أَسْلَمَ جُعِلَ كَأَنْ لَمْ يَزَلْ مُسْلِمًا) أَيْ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ. اهـ. هِدَايَةٌ قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ فِي إحْبَاط عَمَلِهِ مِنْ الطَّاعَاتِ كُلِّهَا وَفِي وُقُوعِ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ وَفِي فَرْضِيَّةِ تَجْدِيدِ الْإِيمَانِ لَمْ يَكُنْ ارْتِدَادُهُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بَلْ حَبَطَ عَمَلُهُ. اهـ. كَاكِيٌّ وَقَوْلُهُ فِي حَقِّ هَذَا أَيْ وَهُوَ زَوَالُ الْمِلْكِ اهـ.

(قَوْلُهُ فَلَمْ يَعْمَلْ السَّبَبُ) أَيْ السَّبَبُ الْمُزِيلُ لِلْمِلْكِ وَهُوَ الرِّدَّةُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ فِي رِدَّتِهِ) أَيْ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَحُكِمَ بِلَحَاقِهِ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ بِاللَّحَاقِ مِثْلُ مَوْتِهِ كَمَا سَيَأْتِي. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ كِلَاهُمَا فَيْءٌ) أَيْ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَهَذَا لِأَنَّ الرِّدَّةَ هَلَاكٌ) أَيْ مَوْتٌ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً وَلِهَذَا تَعْتَدُّ امْرَأَةُ الْمُرْتَدِّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ لَا بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ لِأَنَّ زَوْجَهَا حَيٌّ حَقِيقَةً اهـ (قَوْلُهُ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لِلْبَائِعِ كَمَا يَأْتِي فِي بَابِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ وَفِي كِتَابَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ الْقَضَاءُ بِلَحَاقِهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَلَا يَرِثُ الْوَارِثُ إذَا ارْتَدَّ بَعْدَ رِدَّةِ أَبِيهِ قَبْلَ مَوْتِهِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ وُجُودُهُ وَقْتَ الرِّدَّةِ) وَهَذَا قَوْلُ زُفَرَ كَذَا فِي الشَّامِلِ قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ مَنْ كَانَ مِنْ الْوَرَثَةِ حُرًّا مُسْلِمًا يَوْمَ ارْتَدَّ فَلَهُ الْمِيرَاثُ وَمَنْ كَانَ مِنْ وَرَثَتِهِ كَافِرًا أَوْ عَبْدًا يَوْمَ ارْتَدَّ فَعَتَقَ بَعْدَ الرِّدَّةِ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ أَوَأَسْلَمَ الْكَافِرُ بَعْدَ الرِّدَّةِ قَبْلَ الْقَتْلِ فَلَا مِيرَاثَ لَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا يَوْمَ ارْتَدَّ وَلَوْ كَانَ وَارِثُ الْمُرْتَدِّ مُسْلِمًا يَوْمَ ارْتَدَّ فَارْتَدَّ الْوَارِثُ بَعْدَ رِدَّةِ أَبِيهِ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ أَوْ يَمُوتَ أَوْ يَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُحْكَمَ بِلَحَاقِهِ فَلَهُ الْمِيرَاثُ لِأَنَّهُ كَانَ وَارِثًا يَوْمَ ارْتَدَّ وَلَا يُعْتَبَرُ بِمَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَاعْتَمَدَ هُوَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْ لِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلًا آخَرَ فِي مُخْتَصَرِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يَبْطُلُ) أَيْ اسْتِحْقَاقُهُ اهـ.

(قَوْلُهُ فَلَا تُعْتَبَرُ إلَّا عِنْدَهَا) أَيْ وَمَنْ مَاتَ مِنْ الْوَرَثَةِ بَعْدَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ قَبْلَ قِسْمَةِ الْمِيرَاثِ لَا يَبْطُلُ اسْتِحْقَاقُهُ وَلَكِنْ يَخْلُفُهُ وَارِثُهُ فِيهِ وَهَذَا مِثْلُهُ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ قَتْلُهُ أَوْ الْقَضَاءُ بِلَحَاقِهِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الرِّدَّةِ أَوْ حَدَثَ بَعْدَهَا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ صَارَ فَارًّا بِالرِّدَّةِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا وَقْتَ الرِّدَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا سَبَبُ الْمَوْتِ) وَهَذَا يُعَضِّدُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فَإِنَّ عِنْدَهُ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ كَمَا يَنْفُذُ مِنْ الْمَرِيضِ أَمَّا إذَا كَانَ وَقْتَ الرِّدَّةِ مَرِيضًا فَلَا إشْكَالَ فِيهِ كَذَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْمُرْتَدَّةُ لَا يَرِثُهَا) أَيْ وَالْمَرْأَةُ الْمُرْتَدَّةُ تَرِثُ مِنْ زَوْجِهَا الْمُرْتَدِّ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَالرَّجُلُ الْمُسْلِمُ يَرِثُ مِنْ امْرَأَتِهِ الْمُرْتَدَّةِ إذَا مَاتَتْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ اسْتِحْسَانًا وَلَا يَرِثُ قِيَاسًا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَلِزَوْجِ الْمُرْتَدَّةِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا

ص: 286

تَكُونَ مَرِيضَةً فَيَرِثُهَا لِأَنَّ حَقَّهُ تَعَلَّقَ بِمَالِهَا فِي مَرَضِهَا فَتَصِيرُ فَارَّةً بِالِارْتِدَادِ كَتَقْبِيلِهَا ابْنَ الزَّوْجِ أَوْ فَسْخِهَا النِّكَاحَ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ وَنَحْوِهِ وَيَرِثُهَا أَقَارِبُهَا جَمِيعَ مَالِهَا حَتَّى الْكَسْبَ فِي رِدَّتِهَا لِأَنَّهُ لَا حِرَابَ مِنْهَا فَلَمْ يُوجَدْ سَبَبُ الْفَيْءِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا بَيَّنَّا

قَالَ رحمه الله (وَإِنْ حَكَمَ بِلَحَاقِهِ عَتَقَ مُدَبَّرُهُ وَأُمُّ وَلَدِهِ وَحَلَّ دِينُهُ) لِأَنَّهُ بِاللَّحَاقِ صَارَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَهُمْ أَمْوَاتٌ فِي حَقِّ أَحْكَامِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لِانْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْإِلْزَامِ كَمَا انْقَطَعَتْ عَنْ الْمَوْتَى فَصَارَ كَالْمَوْتِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَسْتَقِرُّ لَحَاقُهُ إلَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَعُودَ إلَيْنَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا تَخْتَلِفُ الدَّارُ عِنْدَهُ إذْ الدُّنْيَا كُلُّهَا دَارٌ وَاحِدَةٌ وَنَحْنُ قَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى فِيهِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مَوْتٌ ثَبَتَتْ أَحْكَامُ الْمَوْتَى مِنْ عِتْقِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَحُلُولِ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ فَيُقْضَى كُلُّ دَيْنٍ مِنْ الْكَسْبِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ مِنْ الرِّدَّةِ وَالْإِسْلَامِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ بِالسَّبَبَيْنِ مُخْتَلِفٌ وَحُصُولُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْكَسْبَيْنِ بِاعْتِبَارِ سَبَبِهِ الَّذِي وَجَبَ فِيهِ الدَّيْنُ فَيُقْضَى كُلُّ دَيْنٍ مِنْ الْكَسْبِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لِيَكُونَ الْغُرْمُ بِالْغُنْمِ هَذِهِ رِوَايَةُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَنْهُ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِكَسْبِ الْإِسْلَامِ فِي قَضَاءِ الدَّيْنَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَفِ بِذَلِكَ يُقْضَى مِنْ كَسْبِ الرِّدَّةِ لِأَنَّ كَسْبَ الْإِسْلَامِ مِلْكُهُ حَتَّى يَخْلُفُهُ الْوَارِثُ فِيهِ وَمِنْ شَرْطِ هَذِهِ الْخِلَافَةِ الْفَرَاغُ عَنْ حَقِّ الْمَيِّتِ فَيُقَدَّمُ الدَّيْنُ عَلَيْهِ أَمَّا كَسْبُ الرِّدَّةِ فَلَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ لِبُطْلَانِ أَهْلِيَّةِ الْمِلْكِ بِالرِّدَّةِ عِنْدَهُ فَلَا يُقْضَى دَيْنُهُ مِنْهُ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ قَضَاؤُهُ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ فَحِينَئِذٍ يُقْضَى دَيْنُهُ بِهِ كَالذِّمِّيِّ إذَا مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ يَكُونُ مَالُهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُقْضَى مِنْهُ.

كَذَا هَذَا وَعَنْهُ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِكَسْبِ الرِّدَّةِ فَإِنْ لَمْ يَفِ بِذَلِكَ يُقْضَى مِنْ كَسْبِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ كَسْبَ الْإِسْلَامِ حَقُّ الْوَرَثَةِ وَكَسْبَ الرِّدَّةِ خَالِصُ حَقِّهِ فَكَانَ قَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُ أَوْلَى إلَّا إذَا تَعَذَّرَ بِأَنْ لَمْ يَفِ بِهِ فَحِينَئِذٍ يُقْضَى مِنْ كَسْبِ الْإِسْلَامِ تَقْدِيمًا لِحَقِّهِ وَعِنْدَهُمَا تُقْضَى دُيُونُهُ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْكُلَّ مِلْكُهُ حَتَّى يَجْرِيَ الْإِرْثُ فِيهِمَا وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثًا عِنْدَ لَحَاقِهِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ اللَّحَاقَ هُوَ السَّبَبُ وَالْقَضَاءُ لِتَقَرُّرِهِ لِقَطْعِ الِاحْتِمَالِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُعْتَبَرُ وَقْتُ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَوْتًا بِالْقَضَاءِ وَالْمُرْتَدَّةُ إذَا لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ فَهِيَ عَلَى هَذَا لِمَا ذَكَرْنَا وَبَطَلَتْ عَنْهَا الْعِدَّةُ لِأَنَّهَا صَارَتْ كَالْمَوْتَى وَلَا عِدَّةَ عَلَى الْأَمْوَاتِ وَلِزَوْجِهَا أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا وَأَرْبَعًا سِوَاهَا مِنْ سَاعَتِهِ لِانْعِدَامِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا كَالْمَيِّتَةِ وَإِنْ عَادَتْ مُسْلِمَةً أَوْ سُبِيَتْ لَمْ يُنْتَقَضْ نِكَاحُ الْأُخْتِ وَالْأَرْبَعِ لِأَنَّ نِكَاحَهَا لَا يَعُودُ وَلَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ مِنْ سَاعَتِهَا لِعَدَمِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا وَلَوْ وَلَدَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الرِّدَّةِ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ الزَّوْجِ وَإِنْ كَانَ لِأَكْثَرَ لَا يَثْبُتُ وَيُسْتَرَقُّ الْوَلَدُ تَبَعًا لَهَا وَكَذَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ لِمَا قُلْنَا قَالَ رحمه الله (وَتُوقَفُ مُبَايَعَتُهُ وَعِتْقُهُ وَهِبَتُهُ فَإِنْ أُمِّنَ نَفَذَ وَإِنْ هَلَكَ بَطَلَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ صِحَّةَ التَّصَرُّفِ تَعْتَمِدُ الْأَهْلِيَّةَ وَهِيَ تَثْبُتُ بِالْخِطَابِ وَهُوَ بِالْعَقْلِ وَنَفَاذُ التَّصَرُّفِ يَعْتَمِدُ الْمِلْكَ وَهُوَ ثَابِتٌ وَلَوْ زَالَ الْمِلْكُ لَزَالَ إلَى وَرَثَتِهِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَلِهَذَا لَا تَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُمْ فِي مَالِهِ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ بَعْدَ الرِّدَّةِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْ امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ أَوْ أَمَةٍ مُسْلِمَةٍ يَرِثُهُ وَلَوْ مَاتَ وَلَدُهُ قَبْلَ حُكْمِ الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ لَا يَرِثُهُ فَدَلَّ عَلَى قِيَامِ مِلْكِهِ فَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ وَيَنْفُذُ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِيمَا بَيْنَهُمَا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَصِحُّ مِثْلُ مَا يَصِحُّ مِنْ الصَّحِيحِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَوْدُهُ إلَى الْإِسْلَامِ إذْ الشُّبْهَةُ تُزَاحُ فَلَا يُقْتَلُ فَصَارَ كَالْمُرْتَدَّةِ وَلَا يُجْعَلُ كَالْمُشْرِفِ عَلَى الْهَلَاكِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله يَصِحُّ كَمَا يَصِحُّ مِنْ الْمَرِيضِ لِأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَى الْإِسْلَامِ ظَاهِرًا فَيُقْتَلُ لِأَنَّ مِنْ انْتَحَلَ إلَى نِحْلَةٍ قَلَّ مَا يَتْرُكُهُ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مُعْرِضًا عَمَّا نَشَأَ فِيهِ فَيُفْضِي إلَى الْقَتْلِ ظَاهِرًا بِخِلَافِ الْمُرْتَدَّةِ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

إذَا لَحِقَتْ بِالدَّارِ كَأَنَّهَا مَاتَتْ فَإِنْ خَرَجَتْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ ذَلِكَ مُسْلِمَةً لَا يَفْسُدُ نِكَاحُ أُخْتِهَا وَإِذَا ارْتَدَّتْ الْمُعْتَدَّةُ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ وَقَضَى الْقَاضِي بِلَحَاقِهَا بَطَلَتْ عِدَّتُهَا لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ وَانْقِطَاعِ الْعِصْمَةِ كَأَنَّهَا مَاتَتْ فَإِنْ رَجَعَتْ بَعْدَ ذَلِكَ إلَيْنَا مُسْلِمَةً قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْعِدَّةِ أَوْ الْحَيْضِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تَعُودُ مُعْتَدَّةً وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَعُودُ مُعْتَدَّةً كَمَا كَانَتْ. اهـ. قَاضِي خَانْ رحمه الله.

وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ تَحْقِيقُهُ أَنَّ عِصْمَةَ الْمَالِ تَابِعَةٌ لِعِصْمَةِ النَّفْسِ ثُبُوتًا وَسُقُوطًا فَبِارْتِدَادِ الرَّجُلِ تَسْقُطُ عِصْمَةُ النَّفْسِ لِكَوْنِهِ حَرْبًا عَلَيْنَا فَيُقْتَلُ وَتَسْقُطُ عِصْمَةُ الْمَالِ أَيْضًا تَبَعًا لَهَا فَيَكُونُ كَسْبُ الِارْتِدَادِ أَيْضًا فَيْئًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَالِ حَرْبِيٍّ مَقْهُورٍ فِي أَيْدِينَا أَمَّا ارْتِدَادُ الْمَرْأَةِ فَلَا تَسْقُطُ بِهِ عِصْمَةُ النَّفْسِ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ لِعَدَمِ الْحِرَابِ فَلَا تَسْقُطُ عِصْمَةُ الْمَالِ أَيْضًا لِأَنَّ كَسْبَهَا فِي الرِّدَّةِ مِيرَاثٌ بَيْنَ وَرَثَتِهَا الْمُسْلِمِينَ كَكَسْبِهَا فِي الْإِسْلَامِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَا حِرَابَ مِنْهَا) مَعْنَى هَذَا أَنَّ عِصْمَةَ الْمَالِ تَبَعٌ لِعِصْمَةِ النَّفْسِ فَبِالرِّدَّةِ لَا تَزُولُ عِصْمَةُ نَفْسِهَا حَتَّى لَا تُقْتَلَ فَكَذَا لَا تَزُولُ عِصْمَةُ مَالِهَا فَكَانَ الْكَسْبَانِ مِلْكَهَا فَيَكُونُ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهَا بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ كَسْبَهُ فِي الرِّدَّةِ فَيْءٌ لِكَوْنِهِ مُحَارِبًا فِي الْحَالِ أَوْ فِي الْمَآلِ بِاللَّحَاقِ. اهـ. كَاكِيٌّ فَرْعٌ قَالَ قَاضِي خَانْ رحمه الله وَلَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُ بَعْدَ مَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا ثُمَّ أَخَذَهُ الْمُسْلِمُونَ أَسِيرًا وَيَجُوزُ اسْتِرْقَاقُ الْمُرْتَدَّةِ بَعْدَمَا لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتُوقَفُ مُبَايَعَتُهُ وَعِتْقُهُ وَهِبَتُهُ) أَيْ وَكِتَابَتُهُ وَقَبْضُ الدُّيُونِ وَالْإِجَارَةِ وَالْوَصِيَّةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ رحمه الله (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ) أَيْ فَلِهَذَا كَانَتْ عُقُودُ الْمُرْتَدَّةِ كُلُّهَا جَائِزَةً إلَّا مُفَاوَضَتُهَا فَإِنَّهَا مَوْقُوفَةٌ إنْ أَسْلَمَتْ صَحَّتْ وَإِلَّا صَارَتْ عَنَانًا كَمَا قَالَا فِي الْمُرْتَدِّ كَذَا قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ رحمه الله (فَرْعٌ) أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الرِّدَّةَ تُبْطِلُ عِصْمَةَ النِّكَاحِ وَتَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِنَفْسِ الرِّدَّةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي. اهـ. قَاضِي خَانْ رحمه الله -

ص: 287

مَقْهُورٌ فِي أَيْدِينَا حَتَّى يُقْتَلَ وَكَوْنُهُ حَرْبِيًّا مَقْهُورًا سَبَبٌ لِزَوَالِ مِلْكِهِ وَمَالِكِيَّتِهِ وَبُطْلَانِ تَصَرُّفَاتِهِ غَيْرَ أَنَّ الْإِسْلَامَ مَرْجُوٌّ مِنْهُ لِبَقَاءِ الْإِجْبَارِ عَلَى الْإِسْلَامِ فَقُلْنَا بِتَوَقُّفِ تَصَرُّفَاتِهِ لِتَرَدُّدِ حَالِهِ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالْإِسْلَامِ بِخِلَافِ حَرْبِيٍّ دَخَلَ دَارَنَا بِغَيْرِ أَمَانٍ لِأَنَّهُ صَارَ فَيْئًا بِدُخُولِهِ دَارَنَا بِغَيْرِ أَمَانٍ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُهُ مَنْ أَخَذَهُ بَلْ يَرُدُّهُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ كَمَا دَخَلَ دَارَنَا وَقَعَ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ لَهُمْ يَدًا فِي الدَّارِ فَيَرُدُّهُ إلَى مَالِهِمْ أَيْ الْمُسْلِمِينَ وَبِخِلَافِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ بِالْقَوَدِ وَالرَّجْمِ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَمْ يَجِبْ هُنَاكَ لِزَوَالِ سَبَبِ الْعِصْمَةِ.

وَلِهَذَا لَوْ قَتَلَهُ قَاتِلٌ غَيْرُ مَنْ لَهُ الْقَتْلُ يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ وَإِنَّمَا هُوَ جَزَاءٌ عَلَى الْجِنَايَةِ فَلَمْ يُوجِبْ خَلَلًا فِيهِ وَبِخِلَافِ الْمُرْتَدَّةِ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ فَلَمْ يَثْبُتْ لَهَا حُكْمُ أَهْلِ الْحَرْبِ حَتَّى تَلْتَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَتَصِيرُ حَرْبِيَّةً حِينَئِذٍ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ نَافِذٌ بِالِاتِّفَاقِ كَالِاسْتِيلَادِ وَالطَّلَاقِ وَقَبُولِ الْهِبَةِ وَتَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ وَالْحَجْرِ عَلَى عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لِأَنَّهَا تَسْتَدْعِي الْوِلَايَةَ وَلَا تَعْتَمِدُ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ حَتَّى صَحَّتْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ مِنْ الْعَبْدِ مَعَ قُصُورِ وِلَايَتِهِ وَبَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ كَالنِّكَاحِ وَالذَّبِيحَةِ وَالْإِرْثِ لِأَنَّهَا تَعْتَمِدُ الْمِلَّةَ وَلَا مِلَّةَ لَهُ وَمَوْقُوفٌ بِالِاتِّفَاقِ كَالْمُفَاوَضَةِ وَالتَّصَرُّفِ عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَمَالِ وَلَدِهِ لِأَنَّهَا تَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْمُرْتَدِّ مَا لَمْ يُسْلِمْ وَمُخْتَلِفٌ فِي تَوَقُّفِهِ وَهُوَ مَا بَيَّنَّاهُ بِدَلِيلِهِ

قَالَ رحمه الله (وَإِنْ عَادَ مُسْلِمًا بَعْدَ الْحُكْمِ بِلَحَاقِهِ فَمَا وَجَدَهُ فِي يَدِ وَارِثِهِ أَخَذَهُ وَإِلَّا لَا) أَيْ إنْ لَمْ يَجِدْهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ بَعْدَ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ الْوَارِثُ وَإِنَّمَا يَأْخُذُ عَيْنَ مَالِهِ لِأَنَّ الْوَارِثَ كَانَ خَلَفَهُ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ فَإِذَا عَادَ فَظَهَرَتْ حَاجَتُهُ وَبَطَلَ حُكْمُ الْخَلَفِ وَلَوْ عَادَ بَعْدَ الْمَوْتِ الْحَقِيقِيِّ كَانَ حُكْمُهُ كَذَلِكَ ثُمَّ إنَّمَا يَعُودُ إلَى مِلْكِهِ بِقَضَاءٍ أَوْ بِرِضًا مِنْ الْوَارِثِ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ إلَّا بِطَرِيقِهِ وَلِهَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ بَعْدَمَا أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ أَوْ أَتْلَفَهُ وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرِيهِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ قَضَى بِعِتْقِهِنَّ عَنْ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ فَلَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ وَلَوْ جَاءَ مُسْلِمًا قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي بِذَلِكَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُسْلِمًا وَمُدَبِّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ عَلَى مِلْكِهِ وَنَظِيرُهُ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ إذَا أَبَقَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنْ عَادَ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْفَسْخِ لَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ وَتَمَّ الْفَسْخُ وَإِنْ عَادَ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِهِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ عَلَى حَالِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَأْبَقْ

قَالَ رحمه الله (وَلَوْ وَلَدَتْ أَمَةٌ لَهُ نَصْرَانِيَّةٌ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ ارْتَدَّ فَادَّعَاهُ فَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ وَهُوَ ابْنُهُ حُرٌّ وَلَا يَرِثُهُ، وَلَوْ مُسْلِمَةً وَرِثَهُ الِابْنُ إنْ مَاتَ عَلَى الرِّدَّةِ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ) أَمَّا صِحَّةُ الِاسْتِيلَادِ فَلِمَا بَيَّنَّا وَأَمَّا امْتِنَاعُ الْإِرْثِ مَعَ ثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْهُ فَلِأَنَّ الْأُمَّ إذَا كَانَتْ نَصْرَانِيَّةً يَكُونُ الْوَلَدُ مُرْتَدًّا تَبَعًا لِأَبِيهِ لِأَنَّهُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فَيَرُدُّهُ إلَى مَالِهِمْ أَيْ الْمُسْلِمِينَ) كَذَا مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ بِالْقَوَدِ وَالرَّجْمِ إلَخْ) أَخَذَهُ مِنْ النِّهَايَةِ فَرَاجِعْهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَوْ قَتَلَهُ قَاتِلٌ غَيْرُ مَنْ لَهُ الْقَتْلُ يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ) أَيْ يَجِبُ الْقِصَاصُ لِوَلِيِّ الْقَاتِلِ عَلَى قَاتِلِ الْقَاتِلِ إذَا كَانَ قَتَلَهُ عَمْدًا وَلَا يَجِبُ عَلَى قَاتِلِ الْقَاتِلِ شَيْءٌ مِنْ الدِّيَةِ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ الْأَوَّلِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَنَارِ بِقَوْلِهِ وَالْقِصَاصُ لَا يُضْمَنُ بِقَتْلِ الْقَاتِلِ وَانْظُرْ مَا كَتَبْته فِي الْجِنَايَاتِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْ بِغَيْرِ إذْنِهِ. اهـ. نِهَايَةٌ.

ذَكَرَ الشَّارِحُ فِي الْحُدُودِ قُبَيْلَ بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا أَنَّ حُقُوقَ الْعِبَادِ كَالْقِصَاصِ وَالْأَمْوَالِ حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ فِيهَا لِمَنْ لَهُ الْحَقُّ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَضَاءُ بَلْ لَوْ اسْتَوْفَاهُ صَاحِبُهُ جَازَ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِمَامِ لَيُمَكِّنَهُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهِ بِالْمَنَعَةِ وَالْإِمَامُ فِيهِ كَغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ اسْتَوْفَاهُ صَاحِبُهُ مِنْ غَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ جَازَ لَهُ ذَلِكَ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا عَسَى أَنْ يُقَالَ كَيْفَ يُقْتَلُ قَاتِلُ الْقَاتِلِ وَقَدْ قَضَى بِقَتْلِهِ وَوَجْهُ الدَّفْعِ أَنْ يُقَالَ الْقَضَاءُ فِي هَذَا إنَّمَا هُوَ إعَانَةٌ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَلَمْ يُثْبِتْ الْقَضَاءُ لَهُ حَقًّا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا بَلْ حَقُّهُ كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ الْقَضَاءِ وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. (قَوْلُهُ كَالِاسْتِيلَادِ وَالطَّلَاقِ) فَإِنْ قُلْت كَيْفَ نَفَذَ طَلَاقُ الْمُرْتَدِّ وَبِمُجَرَّدِ الرِّدَّةِ تَبِينُ الْمَرْأَةُ قُلْت هَذَا لَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا أَبَانَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي عِدَّتِهَا جَازَ فَكَذَا هَذَا وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا أَنَّ الرَّجُلَ إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا عَلَى طَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَارْتَدَّ الزَّوْجُ أَوْ ارْتَدَّتْ فَطَلَاقُ الْوَكِيلِ يَقَعُ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ وَالْمَسْأَلَةُ مَنْصُوصَةٌ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَسَنُبَيِّنُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آخَرِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ وَيُمْكِنُ أَنْ لَا تَقَعَ الْبَيْنُونَةُ أَيْضًا بِالرِّدَّةِ كَمَا إذَا ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ مَعًا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَ الرِّدَّةِ فَلَا يَرِدُ السُّؤَالُ أَصْلًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْمُرْتَدِّ مَا لَمْ يُسْلِمْ) أَيْ إلَّا أَنَّ عِنْدَهُمَا إنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ صَارَتْ عَنَانًا كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ وَلَا يَرِثُهُ) أَيْ لَوْ مَاتَ الْمُرْتَدُّ أَوْ قُتِلَ لَا يَرِثُهُ هَذَا الْوَلَدُ. اهـ. (قَوْلُهُ أَمَّا صِحَّةُ الِاسْتِيلَادِ فَلِمَا بَيَّنَّا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ دَعْوَاهُ الْوَلَدَ صَحِيحَةٌ عَلَى قَوْلِهِمَا بِلَا إشْكَالٍ لِأَنَّ عُقُودَ الْمُرْتَدِّ عِنْدَهُمَا جَائِزَةٌ فَكَذَلِكَ دَعْوَتُهُ أَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ جَعَلَ عُقُودَهُ مَوْقُوفَةً لَكِنْ جَعَلَ دَعْوَتَهُ صَحِيحَةً لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ لَا يَفْتَقِرُ إلَى حَقِيقَةِ الْمِلْكِ بَلْ يَثْبُتُ بِتَأْوِيلِ الْمِلْكِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ إذَا ادَّعَى النَّسَبَ مِنْ الْجَارِيَةِ الَّتِي مِنْ تِجَارَتِهِ جَازَ وَكَذَلِكَ الْأَبُ إذَا ادَّعَى وَلَدَ جَارِيَةِ ابْنِهِ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَتَأْوِيلُ الْمُرْتَدِّ أَكْثَرُ مِنْ تَأْوِيلِهِمَا فَإِذَا ثَبَتَ النَّسَبُ يَثْبُتُ التَّفْرِيعُ الْمَذْكُورُ فِي إرْثِهِ وَعَدَمِهِ. اهـ. (فَرْعٌ) قَالَ السَّرَخْسِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ أَوْلَادُ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِمْ إذَا مَاتَ آبَاؤُهُمْ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَا يَقْطَعُ الْعِصْمَةَ وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَلَا تَنْقَطِعُ تَبَعِيَّةُ الْأَبَوَيْنِ بِمَوْتِهِمَا لِأَنَّ بَقَاءَ الْأَصْلِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِبَقَاءِ الْحُكْمِ فِي التَّبَعِ وَهَكَذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَقَاضِي خَانْ. اهـ. (قَوْلُهُ إذَا كَانَتْ نَصْرَانِيَّةً) أَيْ أَوْ يَهُودِيَّةً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ تَبَعًا لِأَبِيهِ) أَيْ لَا لِأُمِّهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

ص: 288

أَقْرَبُ إلَى الْإِسْلَامِ مِنْهَا لِكَوْنِهِ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ دُونَهَا وَالْمُرْتَدُّ لَا يَرِثُ أَحَدًا وَهَذَا فَائِدَةُ تَقْيِيدِهِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَبِكَوْنِهَا نَصْرَانِيَّةً لِأَنَّهُ لَوْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ كَانَتْ الْأَمَةُ مُسْلِمَةً يَرِثُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِتَيَقُّنِنَا بِوُجُودِهِ فِي الْبَطْنِ قَبْلَ الرِّدَّةِ فَيَكُونُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِلْأَبِ بِخِلَافِ مَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ بِوُجُودِهِ عِنْدَ الرِّدَّةِ حَتَّى يَكُونَ مُسْلِمًا تَبَعًا لَهُ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ تَبَعًا لِلدَّارِ حَتَّى يَكُونَ مُسْلِمًا لِأَنَّ تَبَعِيَّةَ الدَّارِ لَا تَظْهَرُ مَعَ الْأَبَوَيْنِ بِخِلَافِ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ إذَا ارْتَدَّ أَبَوَاهُ حَيْثُ يُجْعَلُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِلدَّارِ مَا لَمْ يَلْحَقَا بِهِ دَارَ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ قَبْلَ رِدَّتِهِمَا فَيَبْقَى عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ مَا لَمْ يَلْحَقَا بِهِ دَارَ الْحَرْبِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ مُسْلِمَةً فَالْوَلَدُ مُسْلِمٌ تَبَعًا لَهَا إذْ هِيَ خَيْرُهُمَا دِينًا وَالْمُسْلِمُ يَرِثُ الْمُرْتَدَّ وَلَكِنْ لَا يُتَصَوَّرُ هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي رَوَاهَا عَنْهُ مُحَمَّدٌ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثًا فِيهَا وَقْتَ الْمَوْتِ أَوْ الْقَتْلِ أَوْ الْقَضَاءِ بِاللَّحَاقِ وَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَرِثَ لِعَدَمِ كَوْنِهِ وَارِثًا عِنْدَ الرِّدَّةِ

قَالَ رحمه الله (وَإِنْ لَحِقَ الْمُرْتَدُّ بِمَالِهِ فَظَهَرَ عَلَيْهِ فَهُوَ فَيْءٌ) يَعْنِي لَيْسَ لِوَرَثَتِهِ عَلَيْهِ سَبِيلٌ لِأَنَّ مِلْكَهُمْ فِيهِ غَيْرُ ثَابِتٍ حَيْثُ أَلْحَقَهُ مَعَهُ ابْتِدَاءً فَسَقَطَتْ عِصْمَتُهُ بِاللَّحَاقِ وَكَذَا عِصْمَةُ مَالِهِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلنَّفْسِ فَيَكُونُ مَالُهُ فَيْئًا إذَا وَقَعَ فِي الْغَنِيمَةِ لَا سَبِيلَ لِوَرَثَتِهِ فِيهِ وَكَذَا إنْ أَخْرَجَهُ تَاجِرٌ لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ نَفْسِهِ حَيْثُ لَا تَكُونُ فَيْئًا لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُسْتَرَقُّ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ

قَالَ رحمه الله (فَإِنْ رَجَعَ وَذَهَبَ بِمَالِهِ وَظَهَرَ عَلَيْهِ فَلِوَارِثِهِ) يَعْنِي لِوَارِثِهِ أَخْذُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مَلَكَتْهُ الْوَرَثَةُ فَلِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَبَعْدَهَا أَوْ مِنْ التَّاجِرِ بِالْعِوَضِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَمُرَادُهُ إذَا رَجَعَ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِلَحَاقِهِ وَأَمَّا إذَا رَجَعَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهِ وَأَخَذَ مَالَهُ وَلَحِقَ ثَانِيًا فَلَا سَبِيلَ لِوَرَثَتِهِ عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوهُ قَبْلَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِلَحَاقِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا غَيْرَ مَرَّةٍ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ جَوَابُ هَذَا الْكِتَابِ يَعْنِي الْهِدَايَةَ يَرُدُّ عَلَى الْوَرَثَةِ أَيْضًا لِأَنَّهُ مَتَى لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَعُودُ فَكَانَ مَيِّتًا ظَاهِرًا وَهَذَا مُشْكِلٌ لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْوَرَثَةِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْقَضَاءِ فَكَيْفَ يَثْبُتُ هُنَا وَقَالَ فِي الْكَافِي الْقَضَاءُ مُرَجِّحٌ جَانِبَ عَدَمِ الرُّجُوعِ إلَى دَارِنَا فَيَتَقَرَّرُ مَوْتُهُ وَلَمَّا خَرَجَ إلَيْنَا مُعْتَزًّا وَرَجَعَ بِمَالِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ الْعَوْدَ إلَى دَارِنَا فَيَتَقَرَّرُ مَوْتُهُ مِنْ حِينِ اللُّحُوقِ بِدَارِ الْحَرْبِ فَيَكُونُ مَالُهُ لِوَرَثَتِهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ السِّيَرِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ لَا يَرِثُ أَحَدًا) أَيْ لَا مِنْ الْمُرْتَدِّ وَلَا مِنْ الْمُسْلِمِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَكُونُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِلْأَبِ) أَيْ وَالْمُسْلِمُ يَرِثُ الْمُرْتَدَّ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ تَبَعِيَّةَ الدَّارِ لَا تَظْهَرُ مَعَ الْأَبَوَيْنِ) يَعْنِي أَنَّ تَبَعِيَّةَ الدَّارِ لَا تَظْهَرُ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدُ أَبَوَيْهِ أَمَّا إذَا كَانَ فَلَا وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ فِي بَابِ الْجَنَائِزِ. اهـ. (قَوْلُهُ حَيْثُ يُجْعَلُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِلدَّارِ) أَيْ وَلَا يُعْتَبَرُ مُرْتَدًّا تَبَعًا لَهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ فَيَبْقَى عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ) أَيْ يَبْقَى عَلَى إسْلَامِهِ بِتَبَعِيَّةِ الدَّارِ وَقَدْ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَإِنْ قُلْت هَذَا يُنْتَقَضُ بِمَا إذَا ارْتَدَّ الْأَبَوَانِ الْمُسْلِمَانِ وَلَهُمَا وَلَدٌ طِفْلٌ وُلِدَ قَبْلَ رِدَّتِهِمَا فَإِنَّهُ يَبْقَى مُسْلِمًا تَبَعًا لِلدَّارِ وَلَا يُعْتَبَرُ مُرْتَدًّا تَبَعًا لَهُمَا قُلْت لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَبْقَى مُسْلِمًا تَبَعًا لِلدَّارِ بَلْ هُوَ كَانَ مُسْلِمًا تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ فَيَبْقَى عَلَى مَا كَانَ بَعْدَ رِدَّتِهِمَا اهـ وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ) أَيْ أَصْلًا فَجُعِلَ تَبَعًا لِأَبِيهِ الْمُرْتَدِّ لِقُرْبِهِ إلَى الْإِسْلَامِ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَهُوَ فَيْءٌ) أَيْ لِأَنَّهُ مَالُ حَرْبِيٍّ فَيَكُونُ حُكْمُهُ كَسَائِرِ أَمْوَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَلَا حَقَّ لِلْوَرَثَةِ فِيهِ لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ فَإِنْ قُلْت الْمَالُ تَابِعٌ لِلنَّفْسِ وَنَفْسُ الْمُرْتَدِّ لَا يَكُونُ فَيْئًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الَّذِي فِي يَدِهِ كَذَلِكَ قُلْت لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ جَرَيَانِ الْفَيْءِ عَلَى النَّفْسِ عَدَمُ جَرَيَانِ الْفَيْءِ عَلَى الْمَالِ وَلِهَذَا لَا يَجْرِي الْفَيْءُ عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَيَجْرِي الْفَيْءُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ فَكَذَا الْمُرْتَدُّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُسْتَرَقُّ) أَيْ بِخِلَافِ الْمُرْتَدَّةِ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَلَوْ ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ رَجَعَ) أَيْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَذَهَبَ بِمَالِهِ) أَيْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَظَهَرَ عَلَيْهِ فَلِوَارِثِهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا إذَا رَجَعَ بَعْدَ اللَّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ إذَا وَجَدُوهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَإِنْ وَجَدُوهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ لَهُمْ بِالْقِيمَةِ إلَّا إذَا كَانَ مِثْلِيًّا فَإِنَّهُمْ لَا يَأْخُذُونَهُ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي أَخْذِهِ بِالْمِثْلِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَهُمْ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ يَأْخُذُ الْعَدُوُّ مَالَهُ ثُمَّ يَظْهَرُ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ كَذَا قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هَذَا لَا يُشْكِلُ إلَّا إذَا رَجَعَ بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي فَأَمَّا قَبْلَ الْقَضَاءِ فَجَوَابُ هَذَا الْكِتَابِ لَا يَفْصِلُ بَيْنَ الْحَالَيْنِ فِي رَدِّ الْمَالِ عَلَى الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ رَتَّبَ حُكْمَ الرَّدِّ عَلَى مُطْلَقِ اللَّحَاقِ بِدُونِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِاللَّحَاقِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ مَتَى لَحِقَهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَعُودُ فَكَانَ مَيِّتًا حُكْمًا ثُمَّ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ السِّيَرِ وَقَالَ لَا حَقَّ لِلْوَرَثَةِ فِيهِ فَيَكُونُ فَيْئًا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَقَّ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْقَضَاءِ يَعْنِي أَنَّ الْحَقَّ لِلْوَرَثَةِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هَذَا إذَا رَجَعَ بَعْدَ الْقَضَاءِ مِنْ الْقَاضِي بِلُحُوقِهِ وَجَعْلِ مَالِهِ لِوَرَثَتِهِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِلُحُوقِهِ فَقَدْ صَارَ مَالُهُ لِوَرَثَتِهِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِلُحُوقِهِ حَتَّى رَجَعَ وَأَخَذَ فَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْحُكْمِ فِي الَّذِي ذَهَبَ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَأَقُولُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَا وَقَعَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى مَذْهَبِ مُحَمَّدٍ وَمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ السِّيَرِ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ وَذَلِكَ لِأَنَّ مُحَمَّدًا يَجْعَلُ مُجَرَّدَ اللَّحَاقِ كَالْمَوْتِ حَتَّى يُعْتَبَرَ كَوْنُ الْوَارِثِ عِنْدَ اللَّحَاقِ وَلَا يَجْعَلُ أَبُو يُوسُفَ ذَلِكَ كَالْمَوْتِ بَلْ يُجْعَلُ الْقَضَاءُ بِاللَّحَاقِ كَالْمَوْتِ حَتَّى يُعْتَبَرَ كَوْنُ الْوَارِثِ عِنْدَ الْقَضَاءِ لَا عِنْدَ اللَّحَاقِ. اهـ.

ص: 289

يَكُونُ فَيْئًا لَا حَقَّ لِلْوَرَثَةِ فِيهِ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْوَرَثَةِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْقَضَاءِ

قَالَ رحمه الله (وَإِنْ لَحِقَ فَقُضِيَ بِعَبْدِهِ لِابْنِهِ فَكَاتَبَهُ فَجَاءَ مُسْلِمًا فَالْمُكَاتَبَةُ وَالْوَلَاءُ لِمُوَرِّثِهِ) وَهُوَ الْمُرْتَدُّ الَّذِي أَسْلَمَ لِأَنَّ مِلْكَ الْوَارِثِ خَلَفٌ عَنْ مِلْكِ الْمُوَرِّثِ لِاسْتِغْنَائِهِ فَإِذَا جَاءَ مُسْلِمًا تَبَيَّنَ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ فَيُعَادُ إلَيْهِ مِلْكُهُ غَيْرَ أَنَّ الْكِتَابَةَ لَا يُمْكِنُ فَسْخُهَا لِصُدُورِهَا عَنْ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ فَجَعَلْنَاهُ نَائِبًا عَنْهُ وَحُقُوقُ الْعَقْدِ فِيهِ تَرْجِعُ إلَى الْمُوَكِّلِ وَالْوَلَاءُ لِمَنْ يَقَعُ الْعِتْقُ عَنْهُ نَظِيرُهُ الْمُكَاتَبُ إذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ وَعَجَزَ وَفُسِخَتْ الْكِتَابَةُ الْأُولَى تَبْقَى الْكِتَابَةُ الثَّانِيَةُ عَلَى حَالِهَا وَيَكُونُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ وَوَلَاؤُهُ لِمَوْلَاهُ بِخِلَافِ مَا إذَا رَجَعَ بَعْدَ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّ الْمِلْكَ الَّذِي كَانَ لَهُ غَيْرُ قَائِمٍ بَعْدَهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ لِمَا قُلْنَا وَلَا يُقَالُ الْمُكَاتَبُ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ فَكَيْفَ انْتَقَلَ إلَى الْمُرْتَدِّ الَّذِي أَسْلَمَ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا لَيْسَ بِانْتِقَالٍ وَإِنَّمَا هُوَ سُقُوطُ وِلَايَةِ الْخَلَفِ عِنْدَ ظُهُورِ وِلَايَةِ الْأَصْلِ

قَالَ رحمه الله (فَإِنْ قَتَلَ مُرْتَدٌّ رَجُلًا خَطَأً وَلَحِقَ) أَيْ بِدَارِ الْحَرْبِ (أَوْ قُتِلَ فَالدِّيَةُ فِي كَسْبِ الْإِسْلَامِ) خَاصَّةً وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا الدِّيَةُ فِيمَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ وَالرِّدَّةِ جَمِيعًا لِأَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَعْقِلُ الْمُرْتَدَّ لِعَدَمِ النُّصْرَةِ فَيَكُونُ فِي مَالِهِ خَاصَّةً فَمَالُهُ عِنْدَهُمَا الْمُكْتَسَبُ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ وَالرِّدَّةِ جَمِيعًا لِنُفُوذِ تَصَرُّفَاتِهِ فِي الْحَالَيْنِ وَلِهَذَا يَجْرِي الْإِرْثُ فِي الْكُلِّ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ مَالُهُ الْمُكْتَسَبُ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ خَاصَّةً لِنُفُوذِ تَصَرُّفِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ دُونَ الْمُكْتَسَبِ فِي حَالَةِ الرِّدَّةِ لِتَوَقُّفِ تَصَرُّفِهِ فِيهَا وَلِهَذَا كَانَ الْأَوَّلُ مِيرَاثًا عَنْهُ وَالثَّانِي فَيْئًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى الرِّوَايَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِكَسْبِ الرِّدَّةِ أَوْ الْإِسْلَامِ أَوْ كُلَّ دَيْنٍ يُقْضَى مِنْ كَسْبِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ هَذَا إذَا قُتِلَ أَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ وَأَمَّا إذَا أَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ أَوْ لَمْ يَمُتْ يَكُونُ فِي الْكَسْبَيْنِ جَمِيعًا بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الْكُلَّ مَالُهُ وَلِهَذَا يَجْرِي الْإِرْثُ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ

قَالَ رحمه الله (وَلَوْ ارْتَدَّ بَعْدَ الْقَطْعِ عَمْدًا وَمَاتَ مِنْهُ أَوْ لَحِقَ وَجَاءَ مُسْلِمًا فَمَاتَ مِنْهُ ضَمِنَ الْقَاطِعُ نِصْفَ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ لِوَرَثَتِهِ) أَيْ لَوْ قُطِعَتْ يَدُ الْمُسْلِمِ عَمْدًا فَارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ ثُمَّ مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ جَاءَ مُسْلِمًا فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَى الْقَاطِعِ نِصْفُ الدِّيَةِ مِنْ مَالِهِ خَاصَّةً لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا إذَا ارْتَدَّ بَعْدَ مَا قُطِعَتْ يَدُهُ وَمَاتَ مِنْ الْقَطْعِ فَلِأَنَّ السِّرَايَةَ حَلَّتْ مَحَلًّا غَيْرَ مَعْصُومٍ فَأُهْدِرَتْ بِخِلَافِ مَا إذَا قُطِعَتْ يَدُ الْمُرْتَدِّ ثُمَّ أَسْلَمَ وَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا لِأَنَّ مَا أُهْدِرَ لَا يَلْحَقُهُ الِاعْتِبَارُ بِخِلَافِ الْمُعْتَبَرِ فَإِنَّهُ قَدْ يَلْحَقُهُ الْإِهْدَارُ بِالْإِبْرَاءِ فَكَذَا بِالرِّدَّةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا أَتْلَفَ وَهُوَ مَعْصُومٌ وَهُوَ الْيَدُ دُونَ النَّفْسِ وَنَظِيرُهُ الْبَيْعُ أَوْ الْإِعْتَاقُ حَتَّى لَوْ قُطِعَتْ يَدُ عَبْدِهِ ثُمَّ بَاعَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ لَا يَضْمَنُ الْجَانِي إلَّا يَدَهُ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الرَّدِّ عَلَيْهِ بِالْفَسْخِ لِأَنَّهُ صَارَ مُبَرِّئًا لَهُ بِهَذَا التَّصَرُّفِ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ الرِّدَّةِ وَقَضَى الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ فَلِأَنَّهُ صَارَ مَيِّتًا تَقْدِيرًا وَالْمَوْتُ يَقْطَعُ السِّرَايَةَ وَإِسْلَامُهُ حَيَاةٌ حَادِثَةٌ تَقْدِيرًا فَلَا يَعُودُ حُكْمُ الْجِنَايَةِ الْأُولَى وَإِذَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ حَتَّى عَادَ مُسْلِمًا ثُمَّ مَاتَ مِنْ الْقَطْعِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهِ مُرْتَدًّا قَبْلَ أَنْ يَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَفِيهِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ عَلَى

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ لِصُدُورِهَا عَنْ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ) أَيْ حَتَّى جُعِلَ الْمُرْتَدُّ مَيِّتًا حُكْمًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَجَعَلْنَاهُ) أَيْ الِابْنَ. اهـ. (قَوْلُهُ نَائِبًا عَنْهُ) أَيْ عَنْ أَبِيهِ يَعْنِي صَارَ الِابْنُ كَالْوَكِيلِ عَنْ أَبِيهِ الْمُرْتَدِّ فِي التَّصَرُّفِ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَمَّا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ صَارَ كَأَنَّهُ سَلَّطَ ابْنَهُ عَلَى مَالِهِ وَجَعَلَهُ خَلَفًا عَنْهُ فِي التَّصَرُّفِ فَلَمَّا عَادَ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الْأَحْيَاءِ وَبَطَلَ حُكْمُ الْمَوْتِ فَلَمَّا لَمْ يُفْسَخْ كَانَ بَدَلُ الْكِتَابَةِ لِلْمُرْتَدِّ الَّذِي أَسْلَمَ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ فِي الْكِتَابَةِ تَرْجِعُ إلَى الْمُوَكِّلِ لَا إلَى الْوَكِيلِ وَكَذَلِكَ لِلْمُرْتَدِّ الَّذِي أَسْلَمَ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ وَالْعِتْقُ وَقَعَ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَدَّى بَدَلَ الْكِتَابَةِ لِلْوَارِثِ فَإِنَّ الْوَلَاءَ حِينَئِذٍ يَكُونُ لِلْوَارِثِ لِوُقُوعِ الْعِتْقِ عَنْهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ فَالدِّيَةُ فِي كَسْبِ الْإِسْلَامِ خَاصَّةً) وَكَذَلِكَ حُكْمُ مَا اغْتَصَبَهُ مِنْ مَالٍ أَوْ أَفْسَدَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ النُّصْرَةِ) أَيْ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَلْزَمُهُ نُصْرَةُ الْمُرْتَدِّ اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ ارْتَدَّ) أَيْ الْمُسْلِمُ. اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَاتَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْقَطْعِ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ لَحِقَ) أَيْ وَقَضَى بِلَحَاقِهِ كَمَا سَيَجِيءُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لِوَرَثَتِهِ) أَيْ لِوَرَثَةِ الْمَقْطُوعِ يَدُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَعَلَى الْقَاطِعِ نِصْفُ الدِّيَةِ مِنْ مَالِهِ) أَيْ وَلَمْ تَجِبْ دِيَةُ النَّفْسِ وَلَا الْقِصَاصُ فِي قَطْعِ الْيَدِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ) أَمَّا إذَا كَانَ خَطَأً فَقَالَ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي هِيَ عَلَى عَاقِلَتِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَأُهْدِرَتْ) أَيْ فَلَمْ تَجِبْ دِيَةُ النَّفْسِ لِأَنَّ مَوْتَهَا حَصَلَ فِي حَالٍ لَا قِيمَةَ لَهَا وَلَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ فِي الْيَدِ لِأَنَّ اعْتِرَاضَ الرِّدَّةِ صَارَ شُبْهَةً وَهَذَا لِأَنَّ الرِّدَّةَ لَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً عِنْدَ الْقَطْعِ كَانَتْ حَقِيقَةُ الْإِبَاحَةِ قَائِمَةً فِي قَطْعِ الْيَدِ لِوُجُودِ الْمُبِيحِ وَهُوَ الرِّدَّةُ فَإِذَا كَانَتْ فَائِتَةً ثُمَّ اعْتَرَضَتْ كَانَتْ شُبْهَةً فَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْقَطْعُ وَجَبَ دِيَةُ الْيَدِ وَهِيَ نِصْفُ دِيَةِ النَّفْسِ لِأَنَّ قَطْعَ الْيَدِ حَصَلَ فِي حَالِ عِصْمَةِ الْيَدِ وَهِيَ حَالَةُ الْإِسْلَامِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا) أَيْ أَصْلًا لِأَنَّ قَطْعَ الْيَدِ حَصَلَ فِي زَمَانٍ لَا قِيمَةَ لَهَا لِعَدَمِ الْعِصْمَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ مَا أُهْدِرَ لَا يَلْحَقُهُ الِاعْتِبَارُ) أَيْ أَصْلًا فَلِهَذَا لَمْ يُعْتَبَرْ زَمَانُ السِّرَايَةِ اهـ (قَوْلُهُ فَكَذَا بِالرِّدَّةِ) وَالتَّحْقِيقُ هُنَا أَنْ نَقُولَ إنَّ فَوْتَ الْعِصْمَةِ يُوجِبُ الْهَدَرَ لَا مَحَالَةَ وَقِيَامَ الْعِصْمَةِ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ لَا مَحَالَةَ كَمَا إذَا قَطَعَ بِأَمْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ اعْتِرَاضُ الْعِصْمَةِ دَافِعًا لِصِفَةِ الْهَدَرِ.

(قَوْلُهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهِ مُرْتَدًّا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذَا إذَا ارْتَدَّ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ أَمَّا إذَا ارْتَدَّ الْقَاطِعُ فَقُتِلَ وَمَاتَ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ مِنْهُ مُسْلِمًا فَقَالَ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ إنْ كَانَ عَمْدًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْقَاتِلَ مَاتَ وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَةُ النَّفْسِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ انْعَقَدَتْ مُوجِبَةً لِلْقَتْلِ لِأَنَّ الْجَانِيَ كَانَ مُسْلِمًا يَوْمَ الْجِنَايَةِ، لَا جَرَمَ لَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ كَانَتْ فِي مَالِهِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ فَلَوْ كَانَ الْقَاطِعُ هُوَ الَّذِي ارْتَدَّ فَفِي الْمَبْسُوطِ فَإِنْ قُتِلَ أَوْ مَاتَ

ص: 290

مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ حُكْمَ الِالْتِحَاقِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ.

قَالَ رحمه الله (وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْ وَأَسْلَمَ وَمَاتَ ضَمِنَ الدِّيَةَ) أَيْ كَامِلَةً وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ يَضْمَنُ نِصْفَ الدِّيَةِ لِأَنَّ اعْتِرَاضَ الرِّدَّةِ أَهْدَرَ السِّرَايَةَ فَلَا تَنْقَلِبُ بِالْإِسْلَامِ مُعْتَبَرَةً وَهَذَا لِأَنَّ الرِّدَّةَ مَعْنًى لَوْ مَاتَ عَلَيْهَا لَا يَجِبُ بِالسِّرَايَةِ شَيْءٌ فَكَذَا إذَا لَمْ يَمُتْ عَلَيْهَا فَصَارَ كَعَبْدٍ قُطِعَتْ يَدُهُ ثُمَّ بَاعَهُ الْمَوْلَى ثُمَّ اشْتَرَاهُ أَوْ تَقَايَلَا ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْقَاطِعِ إلَّا دِيَةُ الْيَدِ كَمَا لَوْ مَاتَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّهُ بِالرِّدَّةِ أَهْدَرَ دَمَهُ فَصَارَ مُبَرِّئًا لَهُ عَنْ ضَمَانِ النَّفْسِ كَمَا إذَا بَاعَ عَبْدَهُ بَعْدَ الْقَطْعِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَلَهُمَا أَنَّ الْجِنَايَةَ وَرَدَتْ عَلَى مَحَلٍّ مَعْصُومٍ وَتَمَّتْ عَلَى مَحَلٍّ مَعْصُومٍ فَتُوجِبُ كُلَّ الدِّيَةِ كَمَا لَوْ لَمْ تَتَخَلَّلْ الرِّدَّةُ بَيْنَهُمَا وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ لِقِيَامِ الْعِصْمَةِ فِي حَالِ بَقَاءِ الْجِنَايَةِ وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ قِيَامُهَا فِي حَالِ انْعِقَادِ السَّبَبِ وَفِي حَالِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ فَصَارَ كَاشْتِرَاطِ قِيَامِ الْمِلْكِ فِي حَالَةِ الْيَمِينِ وَحَالَةِ وُجُودِ الشَّرْطِ وَكَاشْتِرَاطِ كَمَالِ النِّصَابِ فِي حَالِ انْعِقَادِ السَّبَبِ وَتَمَامِهِ وَالرِّدَّةُ لَيْسَتْ بِإِبْرَاءٍ عَنْ الْجِنَايَةِ وَضْعًا وَلَا شَرْعًا بَلْ هِيَ لِتَبْدِيلِ الدِّينِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُوجَدُ مِنْ غَيْرِ إبْرَاءٍ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ جِنَايَةٌ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ لَوْ مَاتَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ بِاتِّفَاقِ الْحَالِ لِكَوْنِ دَمِهِ هَدَرًا بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْعَبْدَ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْبَيْعَ وُضِعَ لِقَطْعِ مِلْكِهِ وَالضَّمَانُ بَدَلُ مِلْكِهِ فَإِذَا قَطَعَ الْأَصْلَ قَصْدًا فَقَدْ قَطَعَ الْبَدَلَ أَيْضًا فَصَارَ كَالْإِبْرَاءِ

قَالَ رحمه الله (وَلَوْ ارْتَدَّ مُكَاتَبٌ وَلَحِقَ وَأُخِذَ بِمَالِهِ وَقُتِلَ فَمُكَاتَبَتُهُ لِمَوْلَاهُ وَمَا بَقِيَ لِوَرَثَتِهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ مِلْكُ الْمَوْلَى عَنْ رَقَبَتِهِ بِالرِّدَّةِ غَيْرَ أَنَّهُ صَارَ دَمُهُ مُبَاحًا وَبِإِبَاحَةِ دَمِ الْعَبْدِ لَا يَزُولُ مِلْكُ سَيِّدِهِ عَنْهُ كَمَا لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ قَوَدٌ وَالْكِتَابَةُ لَا تَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ وَالِالْتِحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِحَقِيقَةِ الْمَوْتِ فَبِالْحُكْمِيِّ أَوْلَى أَنْ لَا تَبْطُلَ فَبَقِيَ مِلْكُهُ لِمَالِكِهِ وَالتَّصَرُّفُ عَلَى حَالِهِ هَذَا عَلَى قَوْلِهِمَا ظَاهِرٌ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّ الْمُكَاتَبَ إنَّمَا يَمْلِكُ الْمَالَ وَالتَّصَرُّفَ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَلَا يُمْنَعُ ذَلِكَ بِالرِّقِّ فَأَوْلَى أَنْ لَا يُمْنَعَ بِالرِّدَّةِ لِأَنَّ الرِّقَّ أَقْوَى فِي الْمَنْعِ مِنْ الرِّدَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ يَمْلِكُ بَعْضَ التَّصَرُّفَاتِ بِالْإِجْمَاعِ وَبَعْضُهَا فِيهَا الْخِلَافُ فَإِذَا كَانَتْ الْكِتَابَةُ بَاقِيَةً يُوَفَّى الْمَوْلَى كِتَابَتَهُ وَمَا بَقِيَ يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ كَمَا فِي الْمَوْتِ الْحَقِيقِيِّ فَإِنْ قِيلَ إذَا مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ حُكِمَ بِعِتْقِهِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ فَيَتَبَيَّنُ بِذَلِكَ أَنَّ كَسْبَهُ كَسْبُ مُرْتَدٍّ حُرٍّ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فَيْئًا عَلَى مَذْهَبِهِ قُلْنَا حُكْمُنَا بِحُرِّيَّتِهِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ فِي حَقِّ الْحُقُوقِ الْمُسْتَحَقَّةِ بِالْكِتَابَةِ وَهِيَ حُرِّيَّةُ نَفْسِهِ وَأَوْلَادِهِ وَمِلْكُ كَسْبِهِ رَقَبَةً وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ يُعْتَبَرُ عَبْدًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَيْسَتْ مِنْ الْحُقُوقِ الْمُسْتَحَقَّةِ بِالْكِتَابَةِ فَكَذَا لَا يَكُونُ كَسْبُهُ فَيْئًا لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ لَا يَكُونُ فَيْئًا فَلَا يُجْعَلُ حُرًّا فِي حَقِّهِ

قَالَ رحمه الله (وَلَوْ ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ وَلَحِقَا فَوَلَدَتْ وَوُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَالْوَلَدَانِ فَيْءٌ وَيُجْبَرُ الْوَلَدُ عَلَى الْإِسْلَامِ لَا وَلَدُ الْوَلَدِ) أَيْ إذَا ارْتَدَّ الرَّجُلُ وَامْرَأَتُهُ وَلَحِقَا بِدَارِ الْحَرْبِ فَوَلَدَتْ الْمَرْأَةُ هُنَاكَ وَلَدًا وَوُلِدَ لِوَلَدِهِمَا وَلَدٌ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا فَوَلَدُهُمَا وَوَلَدُ وَلَدِهِمَا فَيْءٌ وَيُجْبَرُ وَلَدُهُمَا عَلَى الْإِسْلَامِ لَا وَلَدُ وَلَدِهِمَا لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ وَالْمُرْتَدَّةُ تُسْتَرَقُّ فَكَذَا وَلَدُهَا وَيُجْبَرُ الْوَلَدُ عَلَى الْإِسْلَامِ تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ لِأَنَّ الْأَوْلَادَ يَتْبَعُونَ الْآبَاءَ فِي الدِّينِ لِقَوْلِهِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

الْمَقْطُوعُ يَدُهُ مِنْ الْقَطْعِ مُسْلِمًا فَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَلَا شَيْءَ لَهُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْقِصَاصُ وَقَدْ فَاتَ مَحَلُّهُ يَعْنِي حِينَ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ مَاتَ وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَةِ الْقَاطِعِ دِيَةُ النَّفْسِ لِأَنَّ عِنْدَ إيجَابِهِ كَانَ مُسْلِمًا وَجِنَايَةُ الْمُسْلِمِ خَطَأً عَلَى عَاقِلَتِهِ وَتَبَيَّنَ بِالسِّرَايَةِ أَنَّ جِنَايَتَهُ كَانَتْ قَتْلًا فَكَانَتْ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَلَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ مِنْهُ حَالَ الرِّدَّةِ كَانَتْ الدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ فِي مَالِهِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يَعْقِلُ جِنَايَتَهُ أَحَدٌ اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْ وَأَسْلَمَ) أَيْ بَعْدَ الِارْتِدَادِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمَاتَ) أَيْ مِنْ الْقَطْعِ. اهـ. (قَوْلُهُ ضَمِنَ الدِّيَةَ) أَيْ اسْتِحْسَانًا ذَكَرَ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَكِنْ إنْ كَانَ عَمْدًا يَجِبُ فِي مَالِهِ وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَتِهِ كَذَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ يَضْمَنُ نِصْفَ الدِّيَةِ) أَيْ قِيَاسًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ اعْتِرَاضَ الرِّدَّةِ أَهْدَرَ السِّرَايَةَ) أَيْ لِأَنَّهُ صَارَ بَعْدَ الِارْتِدَادِ بِحَالٍ لَوْ قَتَلَهُ قَاتِلٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَصَارَتْ الرِّدَّةُ مُهْدِرَةً لِمَا تُوَلِّدُ مِنْ الْقَطْعِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَتَمَّتْ عَلَى مَحَلٍّ مَعْصُومٍ) أَيْ لِأَنَّهُ كَانَ فِي الْحَالَيْنِ مُسْلِمًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ ارْتَدَّ مُكَاتَبٌ وَلَحِقَ) أَيْ بِدَارِ الْحَرْبِ وَاكْتَسَبَ مَالًا. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَأُخِذَ بِمَالِهِ) أَيْ أَسِيرًا وَأَبَى أَنْ يُسْلِمَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ هَذَا عَلَى قَوْلِهِمَا ظَاهِرٌ) أَيْ لِأَنَّ كَسْبَ الْمُرْتَدِّ الْحُرِّ عِنْدَهُمَا مِيرَاثٌ فَكَذَا كَسْبُ الْمُكَاتَبِ وَيُشْكِلُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ كَسْبَ الْمُرْتَدِّ الْحُرِّ فَيْءٌ عِنْدَهُ فَكَيْفَ كَانَ كَسْبُ الْمُرْتَدِّ الْمُكَاتَبِ مِيرَاثًا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ وَحَلُّهُ أَنَّ كَسْبَ الْمُرْتَدِّ الْحُرِّ لَمَّا كَانَ مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ حَالُهُ لَمْ تُمْلَكْ أَكْسَابُ الرِّدَّةِ فَكَانَتْ فَيْئًا بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّ تَصَرُّفَاتِهِ نَافِذَةٌ وَلَيْسَتْ بِمَوْقُوفَةٍ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا يُنَافِيهَا الْمَوْتُ الْحَقِيقِيُّ فَكَذَا لَا يُنَافِيهَا الْمَوْتُ الْحُكْمِيُّ وَهُوَ الرِّدَّةُ وَاللَّحَاقُ فَصَحَّتْ أَكْسَابُهُ فَكَانَتْ أَكْسَابُ الرِّدَّةِ كَأَكْسَابِ الْإِسْلَامِ فَصَارَتْ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ لِمَوْتِهِ حُرًّا لِأَنَّهُ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ رحمه الله

(قَوْلُهُ وَيُجْبَرُ الْوَلَدُ عَلَى الْإِسْلَامِ لَا وَلَدُ الْوَلَدِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله هَذَا إذَا وُلِدَ لَهُمَا وَلَدٌ بَعْدَ الْتِحَاقِهِمَا أَمَّا إذَا ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ وَذَهَبَا إلَى دَارِ الْحَرْبِ بِوَلَدٍ لَهُمَا صَغِيرٍ ثُمَّ ظُهِرَ عَلَيْهِمْ فَالْوَلَدُ فَيْءٌ لِأَنَّ الْوَلَدَ الصَّغِيرَ صَارَ مُرْتَدًّا تَبَعًا لِلْأَبَوَيْنِ وَوَلَدُ الْمُرْتَدِّ يَصِيرُ فَيْئًا بِالسَّبْيِ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ ذَهَبَ بِهِ وَحْدَهُ وَالْأُمُّ مُسْلِمَةٌ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَكُنْ الْوَلَدُ فَيْئًا لِأَنَّ الْوَلَدَ بَقِيَ مُسْلِمًا فَلَا يَصِيرُ فَيْئًا فَيُدْفَعُ إلَى الْأُمِّ وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْأُمُّ قَدْ مَاتَتْ مُسْلِمَةً لِأَنَّ إسْلَامَ الْأُمِّ لَا يُرْفَعُ بِالْمَوْتِ بَلْ يَتَقَرَّرُ (قَوْلُهُ وَالْمُرْتَدَّةُ تُسْتَرَقُّ) أَيْ وَالزَّوْجُ

ص: 291

- عليه الصلاة والسلام «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ» الْحَدِيثَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ «وَقِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرَأَيْت مَنْ يَمُوتُ مِنْهُمْ قَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» فَيَكُونُ حُجَّةً لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فِي تَوَقُّفِهِمَا فِي أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ فَإِذَا تَبِعَهُمَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ كَمَا يُجْبَرَانِ عَلَيْهِ وَلَا يُقْتَلُ تَبَعًا لِأَبِيهِ لِأَنَّهُ كَافِرٌ أَصْلِيٌّ وَلَيْسَ بِمُرْتَدٍّ حَقِيقَةً فَيَكُونُ حُكْمُهُ فِي الْقَتْلِ حُكْمَ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ وَوَلَدُ الْوَلَدِ يُسْتَرَقُّ وَلَا يُقْتَلُ لِمَا ذَكَرْنَا وَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يُجْبَرُ رَوَاهَا الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تَبَعًا لِجَدِّهِ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُجْبَرُ لِأَنَّهُ لَوْ أُجْبِرَ إمَّا أَنْ يُجْبَرَ تَبَعًا لِأَبِيهِ وَلَا وَجْهَ لَهُ لِأَنَّ أَبَاهُ كَانَ تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ وَالتَّبَعُ لَا يَكُونُ لَهُ تَبَعٌ أَوْ تَبَعًا لِجَدِّهِ وَلَا وَجْهَ لَهُ لِأَنَّ تَبَعِيَّةَ الْآبَاءِ فِي الدِّينِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَلَا يُلْحَقُ بِهِ الْجَدُّ وَلَوْ أُلْحِقَ لَكَانَ النَّاسُ كُلُّهُمْ مُسْلِمِينَ تَبَعًا لِآدَمَ وَحَوَّاءَ عليهما السلام وَلَمْ يُوجَدْ فِي ذُرِّيَّتِهِمَا كَافِرٌ غَيْرُ الْمُرْتَدِّ وَأَصْلُ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ وَلَدَ الْوَلَدِ يَكُونُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ جَدِّهِ أَمْ لَا فَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ يَكُونُ مُسْلِمًا فَإِذَا تَبِعَهُ فِي الْإِسْلَامِ تَبِعَهُ فِي الْإِجْبَارِ عَلَيْهِ أَيْضًا وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَتْبَعُهُ فِي الْإِسْلَامِ فَكَذَا فِي الْإِجْبَارِ وَالْمَسَائِلُ الَّتِي جُعِلَ الْجَدُّ فِيهَا كَالْأَبِ أَرْبَعَةٌ كُلُّهَا تُخَرَّجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ إحْدَاهَا هَذِهِ وَالثَّانِيَةُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ إذَا كَانَ الْجَدُّ مُوسِرًا فَهَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ صَدَقَةُ فِطْرِ الْحَافِدِ وَالثَّالِثَةُ الْوَصِيَّةُ وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى لِأَقْرِبَائِهِ هَلْ يَدْخُلُ الْجَدُّ فِيهَا أَوْ لَا وَالرَّابِعَةُ جَرُّ الْوَلَاءِ وَهُوَ مَا إذَا أُعْتِقَ الْجَدُّ هَلْ يُجَرُّ وَلَاءُ الْحَافِدِ إلَى مَوْلَاهُ أَمْ لَا فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَكُونُ الْجَدُّ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كَالْأَبِ

قَالَ رحمه الله (وَارْتِدَادُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ صَحِيحٌ كَإِسْلَامِهِ وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ وَلَا يُقْتَلُ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ارْتِدَادُهُ لَيْسَ بِارْتِدَادٍ وَإِسْلَامُهُ إسْلَامٌ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ ارْتِدَادُهُ لَيْسَ بِارْتِدَادٍ وَلَا إسْلَامُهُ بِإِسْلَامٍ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَحْكَامٌ يَشُوبُهُ بِهَا ضَرَرٌ كَحِرْمَانِ الْإِرْثِ وَلُزُومِ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ الْمُشْرِكَةِ أَوْ الْمُسْلِمَةِ وَامْتِنَاعِ وُجُوبِ نَفَقَتِهِ عَلَى أَبَوَيْهِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ أَقَارِبِهِ وَلِأَنَّهُ تَبَعٌ لِأَبَوَيْهِ فَلَا يُجْعَلُ أَصْلًا إذْ التَّبَعِيَّةُ دَلِيلُ الْعَجْزِ وَالْأَصَالَةُ دَلِيلُ الْقُدْرَةِ وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ فَلَا يَجْتَمِعَانِ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الِارْتِدَادَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الضَّارَّةِ فَلَا يُؤَهَّلُ لَهُ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا تَمَحَّضَ ضَرَرًا وَلَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ حَتَّى يُعْرِبَ عَنْهُ لِسَانُهُ فَإِذَا أَعْرَبَ عَنْهُ لِسَانُهُ فَإِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَ عليه الصلاة والسلام إيمَانَ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَقَدْ كَانَ آمَنَ صَبِيًّا وَافْتِخَارُهُ بِذَلِكَ مَعْرُوفٌ وَكَانَ يَقُولُ:

سَبَقْتُكُمْ إلَى الْإِسْلَامِ طُرًّا

غُلَامًا مَا بَلَغْت أَوَانَ حُلْمِي

وَسُقْتُكُمْ إلَى الْإِسْلَامِ قَهْرًا

بِصَارِمِ هِمَّتِي وَسِنَانِ عَزْمِي

وَذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ أَنَّهُ أَسْلَمَ ابْنَ خَمْسِ سِنِينَ وَذَكَرَ الْقُتَبِيُّ أَنَّ عُمْرَهُ كَانَ سَبْعَ سِنِينَ وَعَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُ قَالَ أَسْلَمَ عَلِيٌّ وَعُمْرُهُ ثَمَانُ سِنِينَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَلِأَنَّهُ أَتَى بِحَقِيقَةِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ التَّصْدِيقُ بِالْجَنَانِ وَالْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ وَكَذَا أَتَى بِحَقِيقَةِ الْكُفْرِ وَهُوَ الْجُحُودُ وَالْإِنْكَارُ وَلَا مَرَدَّ لِلْحَقَائِقِ وَهَذَا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ عَنْ طَوْعٍ دَلِيلُ الِاعْتِقَادِ فَلَا سَبِيلَ إلَى رَدِّهِ وَلَا الْحَجْرِ عَنْهُ لِأَنَّ الْحَقَائِقَ لَا يُحْجَرُ عَنْهَا كَمَا لَا يُحْجَرُ فِي حَقِّ سَائِرِ أَفْعَالِهِ حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

يُقْتَلُ أَوْ يَسْتَسْلِمُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا يُقْتَلُ) أَيْ كَوَلَدِ الْمُسْلِمِ إذَا بَلَغَ وَلَمْ يَصِفْ الْإِسْلَامَ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يُقْتَلُ كَذَا هُنَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ أُلْحِقَ لَكَانَ النَّاسُ كُلُّهُمْ مُسْلِمِينَ تَبَعًا لِآدَمَ إلَخْ) وَالْمَعْقُولُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْحُكْمَ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى كُلِّ الْجِنْسِ لَمْ يَكُنْ بَعْضُ الْمَقَادِيرِ أَحَقَّ مِنْ بَعْضٍ فَلَزِمَ الْقَصْرُ عَلَى الْأَدْنَى لِتَيَقُّنِهِ وَهُوَ الْأَبُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ تَابِعًا لِلْجَدِّ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ سَائِرِ أَهْلِ الْحَرْبِ إذَا أُسِرُوا فَيُسْتَرَقُّ أَوْ تُوضَعُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ يَكُونُ مُسْلِمًا) وَجْهُ مَا رَوَى الْحَسَنُ أَنَّ الْجَدَّ لَهُ حُكْمُ الْأَبِ فِي إنْكَاحِ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ وَلِهَذَا لَا يَكُونُ لَهُمَا الْخِيَارُ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَكَذَلِكَ فِي بَيْعِ مَالِ الصَّغِيرِ فَكَذَا فِي تَبَعِيَّةِ الْإِسْلَامِ وَهَذَا لِأَنَّ الْوَلَدَ إنَّمَا تَبِعَ الْأَبَ لِأَنَّهُ يَتَفَرَّعُ مِنْهُ فَيَتْبَعُ الْجَدَّ تَبَعًا لِأَنَّهُ تَفَرُّعٌ، وَجْهُ الظَّاهِرِ مَرَّ آنِفًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْمَسَائِلُ الَّتِي جُعِلَ الْجَدُّ فِيهَا كَالْأَبِ) قَالَ فِي الْكَافِي أَرْبَعُ مَسَائِلُ لَمْ يُجْعَلْ الْجَدُّ فِيهَا كَالْأَبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ جُعِلَ الْجَدُّ فِيهَا كَالْأَبِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَهَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ صَدَقَةُ فِطْرِ الْحَافِدِ) أَيْ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يُؤَدِّي الْجَدُّ الْفُطْرَةَ عَنْ ابْنِ ابْنِهِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ يُؤَدِّيهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِابْنِ الِابْنِ مَالٌ كَالْأَبِ لَكِنْ إذَا كَانَ الْأَبُ فَقِيرًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَارْتِدَادُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ صَحِيحٌ كَإِسْلَامِهِ) أَيْ فَلَا يَرِثُ أَبَوَيْهِ إذَا كَانَا كَافِرَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ارْتِدَادُهُ لَيْسَ بِارْتِدَادٍ) وَفِي الْمُحِيطِ عَنْ ابْنِ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَجَعَ إلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. كَاكِيٌّ وَفِي حَجّ غَرِيبُ الرِّوَايَةِ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ زُفَرَ فِي ابْنِ عَشْرِ سِنِينَ إذَا ارْتَدَّ ثُمَّ رَمَى صَيْدًا أَوْ ذَبَحَ أَنَّهُ يُؤْكَلُ وَلَا تَصِحُّ رِدَّتُهُ اهـ فُصُولٌ اعْلَمْ أَنَّ الصَّبِيَّ الْعَاقِلَ إذَا أَسْلَمَ يَصِحُّ إسْلَامُهُ اسْتِحْسَانًا خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ ذَكَرَ الِاسْتِحْسَانَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْمُرَادُ بِالصِّحَّةِ تَرْتِيبُ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ نَحْوُ الْإِرْثِ مِنْ أَقَارِبِهِ الْمُسْلِمِينَ وَالْحِرْمَانِ مِنْ أَقَارِبِهِ الْمُشْرِكِينَ وَحُرْمَةِ نِكَاحِ الْمُشْرِكَةِ فِي حَقِّهِ وَحِلِّ نِكَاحِ الْمُؤْمِنَةِ وَبُطْلَانِ مَالِيَّةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فِي حَقِّهِ وَعِصْمَةِ دَمِهِ وَمَالِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ رحمه الله (قَوْلُهُ وَلَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام إلَخْ) ثُمَّ لَمَّا صَحَّ ارْتِدَادُ الصَّبِيِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَمْ يَرِثْ أَبَوَيْهِ الْمُسْلِمَيْنِ لِأَنَّهُ مُرْتَدٌّ وَالْمُرْتَدُّ لَا يَرِثُ أَحَدًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ رحمه الله -

ص: 292