المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الضَّمَانُ بِإِتْلَافِهِ مَالَ الْغَيْرِ شَرْعًا وَفَسَدَ صَوْمُهُ بِأَكْلِهِ وَهُوَ صَائِمٌ - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي - جـ ٣

[الفخر الزيلعي]

فهرس الكتاب

- ‌(بَابُ الظِّهَارِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَار]

- ‌(بَابُ اللِّعَانِ)

- ‌(بَابُ الْعِنِّينِ وَغَيْرِهِ)

- ‌(بَابُ الْعِدَّةِ)

- ‌(فَصْلٌ).فِي الْإِحْدَادِ

- ‌(بَابُ ثُبُوتِ النَّسَبِ)

- ‌[بَابُ الْحَضَانَةِ]

- ‌(بَابُ النَّفَقَةِ)

- ‌(كِتَابُ الْإِعْتَاقِ)

- ‌(بَابُ الْعَبْدُ يَعْتِقُ بَعْضُهُ)

- ‌(بَابُ الْحَلِفِ بِالدُّخُولِ)

- ‌{بَابُ الْعِتْقِ عَلَى جُعْلٍ}

- ‌{بَابُ التَّدْبِيرِ}

- ‌بَابُ الِاسْتِيلَادِ

- ‌{كِتَابُ الْأَيْمَانِ}

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَالسُّكْنَى وَالْإِتْيَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ)

- ‌{بَابُ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللُّبْسِ وَالْكَلَامِ}

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ)

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّزَوُّجِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا)

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ)

- ‌(كِتَابُ الْحُدُودِ)

- ‌(بَابُ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ)

- ‌(بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَالرُّجُوعِ عَنْهَا)

- ‌(بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ)

- ‌(بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي التَّعْزِيرِ)

- ‌(كِتَابُ السَّرِقَةِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الْحِرْزِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ وَإِثْبَاتِهِ]

- ‌(بَابُ قَطْعِ الطَّرِيقِ)

- ‌(كِتَابُ السِّيَرِ)

- ‌[بَابُ الْغَنَائِمِ وَقِسْمَتِهَا]

- ‌(فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ)

- ‌(بَابُ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ)

- ‌(بَابُ الْمُسْتَأْمَنِ)

- ‌[فَصْلٌ إقَامَة الْمُسْتَأْمَنُ فِي دارنا إقَامَة دائمة]

- ‌(بَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ)

- ‌(بَابُ الْمُرْتَدِّينَ)

- ‌(بَابُ الْبُغَاةِ)

- ‌[كِتَابُ اللَّقِيطِ]

- ‌[كِتَابُ اللُّقَطَةِ]

- ‌(كِتَابُ الْآبِقِ)

- ‌[كِتَاب الْمَفْقُود]

- ‌(كِتَابُ الشِّرْكَةِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الشِّرْكَةِ الْفَاسِدَةِ)

- ‌(كِتَابُ الْوَقْفِ)

- ‌[فَصْلٌ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ حَتَّى يَفْرِزَهُ عَنْ مِلْكِهِ]

الفصل: الضَّمَانُ بِإِتْلَافِهِ مَالَ الْغَيْرِ شَرْعًا وَفَسَدَ صَوْمُهُ بِأَكْلِهِ وَهُوَ صَائِمٌ

الضَّمَانُ بِإِتْلَافِهِ مَالَ الْغَيْرِ شَرْعًا وَفَسَدَ صَوْمُهُ بِأَكْلِهِ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَا يُعْذَرُ فِيهِ لِأَجْلِ صِبَاهُ وَالْحَجْرُ عَنْ الْإِسْلَامِ كُفْرٌ وَلَا يَلِيقُ ذَلِكَ بِالشَّارِعِ وَلَا يُمْكِنُ رَدُّهُ بِضَرَرٍ يَلْحَقُهُ فِي الدُّنْيَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ نَجَاةٌ سَرْمَدِيَّةٌ وَسَعَادَةٌ أَبَدِيَّةٌ هِيَ مِنْ أَجَلِّ الْمَنَافِعِ وَهُوَ الْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَى الْإِسْلَامِ ثُمَّ يَبْنِي عَلَيْهِ غَيْرَهُ فَلَا يُبَالِي بِشَوْبِهِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْحُكْمُ الْمَوْضُوعُ لَهُ لَا مَا يَلْزَمُهُ فِي ضِمْنِهِ وَقَوْلُهُ تَبَعٌ لِأَبَوَيْهِ فَلَا يُجْعَلُ أَصْلًا إلَخْ قُلْنَا إنَّمَا جُعِلَ تَبَعًا لِتَوْفِيرِ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ وَفِي اعْتِبَارِ فِعْلِهِ بِنَفْسِهِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ مَعَ إبْقَاءِ التَّبَعِيَّةِ تَحْصِيلُ الْمَنْفَعَةِ بِطَرِيقَيْنِ وَذَلِكَ أَنْفَعُ لَهُ وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مُضَادَّةٌ وَأَمَّا إذَا تَأَيَّدَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فَلَا يَمْتَنِعُ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّبَعَ إذَا نَوَى السَّفَرَ كَالْمَرْأَةِ وَنَحْوِهَا صَارَ مُسَافِرًا بِنِيَّتِهِ وَبِنِيَّةِ أَصْلِهِ لِمَا قُلْنَا فَإِنْ قِيلَ لَوْ صَحَّ إسْلَامُهُ بِنَفْسِهِ لَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ فَرْضًا لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِ الْإِيمَانِ نَفْلًا بِخِلَافِ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ فَإِنَّهَا مُتَنَوِّعَةٌ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ.

فَإِذَا صَارَ فَرْضًا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُخَاطَبًا وَلَا قَائِلَ بِهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ تَصْحِيحُهُ فَرْضًا لَمْ يَصِحَّ بِخِلَافِ مَا إذَا جُعِلَ مُسْلِمًا تَبَعًا لِأَنَّ صِفَةَ الْفَرْضِيَّةِ فِي الْأَصْلِ مُغْنِيَةٌ عَنْ اعْتِبَارِهِ فِي التَّبَعِ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَقْلُهُ مُعْتَبَرًا لَوَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ إذَا لَمْ يَحْسُنْ أَنْ يَصِفَ الْإِسْلَامَ كَالْبَالِغِ قُلْنَا إنَّمَا لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا لِرَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُ فَإِذَا أَدَّاهُ صَحَّ كَالْمُسَافِرِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ يُؤَدِّي الْجُمُعَةَ فَإِنَّهَا تَصِحُّ وَتَقَعُ عَنْ الْفَرْضِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْجُمُعَةُ فَرْضًا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا لَمْ تَبِنْ زَوْجَتُهُ مِنْهُ إذَا لَمْ يُحْسِنْ الْوَصْفَ بَعْدَمَا عَقَلَ لِبَقَاءِ مَعْنَى التَّبَعِيَّةِ وَفِيهِ تَوْفِيرُ الْمَنْفَعَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَقَوْلُهُ لَا يُقْتَلُ يَعْنِي إذَا أَبَى أَنْ يُسْلِمَ بَعْدَمَا ارْتَدَّ لِأَنَّ الْقَتْلَ عُقُوبَةٌ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَالْإِجْبَارُ عَلَى الْإِسْلَامِ نَفْعٌ لَهُ فَيُجْبَرُ هَذَا فِي صَبِيٍّ يَعْقِلُ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْقِلُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِقَادِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ وَكَذَا الْمَجْنُونُ لِمَا ذَكَرْنَا وَكَذَا السَّكْرَانُ فِي الرِّدَّةِ دُونَ الْإِسْلَامِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَيُلْحَقُ السَّاحِرُ بِالْمُرْتَدِّ قَالَ فِي الْمُحِيطِ مَعْزِيًّا إلَى الْفَتَاوَى: السَّاحِرُ هَلْ يُقْتَلُ أَوْ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ يُنْظَرُ إنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ خَالِقٌ لِمَا يَفْعَلُ فَإِنْ تَابَ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَتَبَرَّأَ عَمَّا اعْتَقَدَ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَلَا يُقْتَلُ لِأَنَّهُ كَافِرٌ أَسْلَمَ وَإِنْ لَمْ يَتُبْ يُقْتَلْ لِأَنَّهُ مُرْتَدٌّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمُجَرَّدِ إنَّهُ يُقْتَلُ وَلَا يُسْتَتَابُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنِّي أَتْرُكُ السِّحْرَ وَأَتُوبُ مِنْهُ إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهُ الْآنَ سَاحِرٌ أَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ السَّاحِرَةُ تُقْتَلُ لِأَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه كَتَبَ إلَى نُوَّابِهِ أَنْ اُقْتُلُوا السَّاحِرَ وَالسَّاحِرَةَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالْبُخَارِيُّ

وَعَنْ جُنْدَبٍ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ «حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ قُلْنَا: الْمَوْقُوفُ فِي مِثْلِهِ مَحْمُولٌ عَلَى السَّمَاعِ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَكُ بِالرَّأْيِ وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى أَنَّهَا لَا تُقْتَلُ وَلَكِنْ تُحْبَسُ وَتُضْرَبُ كَالْمُرْتَدَّةِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ ضَرَرَ كُفْرِهَا وَهُوَ السِّحْرُ يَتَعَدَّى فَتَكُونُ سَاعِيَةً فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدَّةِ وَالْحَرْبِيَّةِ وَكَذَلِكَ الزِّنْدِيقُ يُقْتَلُ وَلَا تُقْبَلُ لَهُ تَوْبَةٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ أُتِيَ عَلِيٌّ رضي الله عنه بِزَنَادِقَةٍ فَأَحْرَقَهُمْ فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فَقَالَ لَوْ كُنْت أَنَا لَمْ أَحْرِقْهُمْ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ وَلَقَتَلْتُهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ

(بَابُ الْبُغَاةِ)

قَالَ رحمه الله (خَرَجَ قَوْمٌ مُسْلِمُونَ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ وَغَلَبُوا عَلَى بَلَدٍ دَعَاهُمْ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْعَوْدِ إلَى الْجَمَاعَةِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ فَلَا يُعْذَرُ فِيهِ لِأَجْلِ صِبَاهُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ لَمَّا جُعِلَ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أَبَوَيْهِ حُكْمًا تَبَعًا لَهُمَا فَلَأَنْ يُجْعَلَ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ نَفْسِهِ حَقِيقَةً أَوْلَى وَأَحْرَى وَالْأَحْكَامُ لَيْسَتْ مَقْصُودَةً لِذَاتِهَا بِالْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ فَوْزُ السَّعَادَةِ الْأَبَدِيَّةِ ثُمَّ إذَا تَرَتَّبَتْ الْأَحْكَامُ عَلَيْهَا لَا يُبَالِي بِهَا لِأَنَّهَا حَصَلَتْ ضِمْنًا وَضِمْنِيَّاتُ الشَّيْءِ لَا تُعَلَّلُ اهـ (فَرْعٌ) رَجُلٌ حَجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ ثُمَّ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ أَسْلَمَ كَانَ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ قَالَهُ قَاضِي خَانْ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَسْطُرٍ رَجُلٌ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ صَلَاةٍ أَوْ صِيَامٍ تَرَكَهَا فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ قَضَى مَا تَرَكَ فِي الْإِسْلَامِ لِأَنَّ تَرْكَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ مَعْصِيَةٌ وَالْمَعْصِيَةُ تَبْقَى بَعْدَ الرِّدَّةِ وَمَا أَدَّى مِنْ الصَّلَوَاتِ وَالصِّيَامَاتِ فِي إسْلَامِهِ ثُمَّ ارْتَدَّ تَبْطُلُ طَاعَتُهُ لَكِنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيُلْحَقُ السَّاحِرُ إلَخْ) السِّحْرُ قَوْلٌ يُعَظِّمُ فِيهِ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى تُنْسَبُ إلَيْهِ التَّقْدِيرَاتُ وَالتَّأْثِيرَاتُ اهـ (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ الزِّنْدِيقُ إلَخْ) قَالُوا لَوْ جَاءَ الزِّنْدِيقُ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ فَأَقَرَّ أَنَّهُ زِنْدِيقٌ فَتَابَ عَنْ ذَلِكَ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَإِنْ أُخِذَ ثُمَّ تَابَ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ لِأَنَّهُمْ بَاطِنِيَّةٌ يُظْهِرُونِ شَيْئًا وَيَعْتَقِدُونَ فِي الْبَاطِنِ خِلَافَ ذَلِكَ فَيُقْتَلُونَ وَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ كَذَا فِي سِيَرِ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مَذْكُورٌ فِي بَابِ الْجِزْيَةِ مِنْ الْكِفَايَةِ. اهـ.

[بَابُ الْبُغَاةِ]

(بَابُ الْبُغَاةِ) قَدَّمَ أَحْكَامَ قِتَالِ الْكُفَّارِ ثُمَّ أَعْقَبَهُ بِقِتَالِ الْمُسْلِمِينَ وَالْوَجْهُ ظَاهِرٌ وَالْبُغَاةُ جَمْعُ بَاغٍ وَهَذَا الْوَزْنُ مُطَّرِدٌ فِي كُلِّ اسْمِ فَاعِلٍ مُعْتَلِّ اللَّامِ كَغُزَاةٍ وَرُمَاةٍ وَقُضَاةٍ وَالْبَغْيُ فِي اللُّغَةِ الطَّلَبُ بَغَيْت كَذَا أَيْ طَلَبْته قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ} [الكهف: 64]. ثُمَّ اُشْتُهِرَ فِي الْعُرْفِ فِي طَلَبِ مَا لَا يَحِلُّ مِنْ الْجَوْرِ وَالظُّلْمِ وَالْبَاغِي فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ الْخَارِجُ عَلَى الْإِمَامِ الْحَقِّ. اهـ. كَمَالٌ رحمه الله قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَتَأْخِيرُ هَذَا الْبَابِ لِقِلَّةِ وُجُودِهِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْبُغَاةِ الْخَوَارِجُ وَلِهَذَا وُسِمَ هَذَا الْبَابُ فِي الْمَبْسُوطِ بِبَابِ الْخَوَارِجِ قَالَ فِي فَصْلِ الْأُسْرُوشَنِي لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ أَهْلِ الْبَغْيِ فَأَهْلُ الْبَغْيِ هُمْ الْخَارِجُونَ عَلَى الْإِمَامِ الْحَقِّ بِغَيْرِ حَقٍّ

ص: 293

(وَكَشَفَ شُبْهَتَهُمْ) لِأَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه بَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما إلَى أَهْلِ حَرُورَاءَ فَدَعَاهُمْ إلَى التَّوْبَةِ وَنَاظَرَهُمْ قَبْلَ قِتَالِهِمْ وَلِأَنَّهُ تُرْجَى تَوْبَتُهُمْ وَلَعَلَّ الشَّرَّ يَنْدَفِعُ بِالتَّذْكِرَةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: 55] وَهُوَ أَهْوَنُ فَيَبْدَأُ بِهِ وَهَذِهِ الدَّعْوَةُ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ لِأَنَّهُمْ قَدْ عَلِمُوا لِمَاذَا يُقَاتِلُونَ فَصَارُوا كَالْمُرْتَدِّينَ وَأَهْلِ الْحَرْبِ الَّذِينَ بَلَغَتْهُمْ الدَّعْوَةُ وَلِهَذَا يَجُوزُ قِتَالُهُمْ بِكُلِّ مَا يُقَاتَلُ بِهِ أَهْلُ الْحَرْبِ كَالرَّمْيِ بِالنَّبْلِ وَالْمَنْجَنِيقِ وَإِرْسَالِ الْمَاءِ وَالنَّارِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ قِتَالَهُمْ فَرْضٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] فَصَارَ قِتَالُهُمْ كَقِتَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ

قَالَ رحمه الله (وَبَدَأَ بِقِتَالِهِمْ) يَعْنِي إذَا تَحَيَّزُوا وَتَهَيَّئُوا لِلْقِتَالِ وَاجْتَمَعُوا لَهُ هَكَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ لَا نَبْدَؤُهُمْ بِقِتَالٍ حَتَّى يَبْدَؤُهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُ الْمُسْلِمِ إلَّا دَفْعًا هُمْ مُسْلِمُونَ بِخِلَافِ الْكُفَّارِ فَإِنَّ نَفْسَ الْكُفْرِ مُبِيحٌ عِنْدَهُ وَلَنَا مَا تَلَوْنَا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِالْبِدَايَةِ مِنْهُمْ وَقَوْلُ عَلِيٍّ رضي الله عنه سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «سَيَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ حِدَاثُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ يَقُولُونَ مِنْ قَوْلِ خَيْرِ الْبَرِّيَّةِ لَا يُجَاوِزُ إيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِهِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّحَيُّزِ وَالتَّهَيُّؤِ فَلَوْ انْتَظَرَ حَقِيقَةَ قِتَالِهِمْ لَصَارَ ذَرِيعَةً لِتَقْوِيَتِهِمْ فَلَعَلَّهُ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُمْ فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَى الدَّلِيلَ ضَرُورَةَ دَفْعِ شَرِّهِمْ وَلِأَنَّهُمْ بِالْخُرُوجِ عَلَى الْإِمَامِ صَارُوا عُصَاةً فَجَازَ قِتَالُهُمْ إلَى أَنْ يُقْلِعُوا عَنْ ذَلِكَ بَلْ وَجَبَ لِمَا تَلَوْنَا، وَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه مِنْ قَوْلِهِ فِي الْخَوَارِجِ لَنْ نُقَاتِلَكُمْ حَتَّى تُقَاتِلُونَا مَعْنَاهُ حَتَّى تَعْزِمُوا عَلَى قِتَالِنَا بِدَلِيلِ مَا رَوَيْنَا عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَوْ أَمْكَنَ دَفْعُ شَرِّهِمْ بِالْحَبْسِ بَعْدَ مَا تَأَهَّبُوا فَعَلَ ذَلِكَ وَلَا نُقَاتِلُهُمْ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ دَفْعُ شَرِّهِمْ بِأَهْوَنَ مِنْهُ وَالْجِهَادُ مَعَهُمْ وَاجِبٌ بِقَدْرِ مَا يَنْدَفِعُ بِهِ شَرُّهُمْ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ لُزُومِ الْبَيْتِ مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ الْإِمَامِ وَأَمَّا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

بَيَانُهُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ إذَا اجْتَمَعُوا عَلَى إمَامٍ وَصَارُوا آمَنِينَ بِهِ فَخَرَجَ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ لِظُلْمٍ ظَلَمَهُمْ فَهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَ الظُّلْمَ وَيُنْصِفَهُمْ وَلَا يَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يُعِينُوا الْإِمَامَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً عَلَى الظُّلْمِ وَلَا أَنْ يُعِينُوا تِلْكَ الطَّائِفَةَ عَلَى الْإِمَامِ أَيْضًا لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً لَهُمْ عَلَى خُرُوجِهِمْ عَلَى الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِظُلْمٍ ظَلَمَهُمْ وَلَكِنْ لِدَعْوَى الْحَقِّ وَالْوِلَايَةِ فَقَالُوا الْحَقُّ مَعَنَا فَهُمْ أَهْلُ الْبَغْيِ فَعَلَى كُلِّ مَنْ يَقْوَى عَلَى الْقِتَالِ أَنْ يَنْصُرَ إمَامَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى هَؤُلَاءِ الْخَارِجِينَ لِأَنَّهُمْ مَلْعُونُونَ عَلَى لِسَانِ صَاحِبِ الشَّرْعِ فَإِنَّهُ قَالَ عليه الصلاة والسلام «الْفِتْنَةُ نَائِمَةٌ لَعَنَ اللَّهُ مَنْ أَيْقَظَهَا» فَإِنْ كَانُوا تَكَلَّمُوا بِالْخُرُوجِ لَكِنْ لَمْ يَعْزِمُوا عَلَى الْخُرُوجِ بَعْدُ فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لَهُمْ لِأَنَّ الْعَزْمَ عَلَى الْجِنَايَةِ لَمْ يُوجَدْ بَعْدُ كَذَا ذَكَرَ فِي وَاقِعَاتِ الْإِمَامِ اللَّامِشِيِّ وَذَكَرَ الْقَلَانِسِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ لَوْلَا عَلِيٌّ رضي الله عنه مَا دَرَيْنَا الْقِتَالَ مَعَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَكَانَ عَلِيٌّ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَخَصْمُهُ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَفِي زَمَانِنَا الْحُكْمُ لِلْغَلَبَةِ وَلَا يُدْرَى الْعَادِلَةُ وَالْبَاغِيَةُ كُلُّهُمْ يَطْلُبُونَ الدُّنْيَا إلَى هُنَا لَفْظُ الْفُصُولِ اهـ (قَوْلُهُ حَرُورَاءَ) حَرُورَاءُ بِالْمَدِّ قَرْيَةٌ بِقُرْبِ الْكُوفَةِ يُنْسَبُ إلَيْهَا فِرْقَةٌ مِنْ الْخَوَارِجِ كَانَ أَوَّلُ اجْتِمَاعِهِمْ بِهَا وَتَعَمَّقُوا فِي الدِّينِ حَتَّى خَرَجُوا مِنْهُ قَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ مَعْنَاهُ أَخَارِجَةٌ عَنْ الدِّينِ بِسَبَبِ التَّعَمُّقِ فِي السُّؤَالِ. اهـ. مِصْبَاحٌ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ حَرُورَاءُ اسْمُ قَرْيَةٍ يُمَدُّ وَيُقْصَرُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَهْلُ الْحَرْبِ الَّذِينَ بَلَغَتْهُمْ الدَّعْوَةُ) أَيْ لَا تَجِبُ دَعْوَتُهُمْ ثَانِيًا. اهـ.

(قَوْلُهُ إذَا تَحَيَّزُوا) أَيْ انْضَمُّوا. اهـ. (قَوْلُهُ هَكَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ) خُوَاهَرْ زَادَهْ هُوَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبُخَارِيُّ وَسُمِّيَ خُوَاهَرْ زَادَهْ لِأَنَّهُ كَانَ ابْنَ أُخْتِ الْقَاضِي الْإِمَامِ أَبِي ثَابِتٍ قَاضِي سَمَرْقَنْدَ وَكَانَ خُوَاهَرْ زَادَهْ إمَامًا كَامِلًا فِي الْفِقْهِ بَحْرًا غَزِيرًا صَاحِبَ التَّصَانِيفِ وَمَبْسُوطُهُ أَطْوَلُ الْمَبَاسِيطِ وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِيمَا بَلَغَنَا فِي السَّنَةِ الَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ وَكَانَتْ وَفَاةُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيِّ سَنَةَ إحْدَى وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ وَكَانَتْ وَفَاةُ الْقُدُورِيِّ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ (قَوْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ) قَالَ الْكَمَالُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَبْدَءُوا حَقِيقَةً وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ لِأَنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ لَا يَجُوزُ إلَّا دَفْعًا وَهُمْ أَيْ الْبُغَاةُ مُسْلِمُونَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] ثُمَّ قَالَ {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى} [الحجرات: 9] الْآيَةَ اهـ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ) يَعْنِي الْمَقْصُودَ مِنْ قِتَالِ الْبُغَاةِ دَفْعُ شَرِّهِمْ فَإِذَا وُجِدَ دَلِيلُ الشَّرِّ وَهُوَ اجْتِمَاعُهُمْ وَتَعَسْكُرُهُمْ يَجِبُ دَفْعُهُمْ بِالْقِتَالِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَهُوَ حِلُّ الْقِتَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِهِ) أَيْ دَلِيلِ قِتَالِهِمْ. اهـ. (قَوْلُهُ فَجَازَ قِتَالُهُمْ إلَى أَنْ يُقْلِعُوا) أَيْ يَمْتَنِعُوا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ لُزُومِ الْبَيْتِ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا وَقَعَتْ الْفِتْنَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَيَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَعْتَزِلَ الْفِتْنَةَ وَيَلْزَمَ بَيْتَهُ وَلَا يَخْرُجَ فِي الْفِتْنَةِ قَالُوا إنَّمَا أَرَادَ أَبُو حَنِيفَةَ بِذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إمَامٌ يَدْعُو إلَى الْقِتَالِ وَإِنْ كَانَ إمَامٌ تَلْزَمُهُمْ إعَانَتُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا مَا قَالَ الْكَرْخِيُّ أَيْضًا فِي مُخْتَصَرِهِ بِقَوْلِهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ النَّاسُ مُجْتَمَعِينَ عَلَى إمَامٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالنَّاسُ آمِنُونَ وَالسُّبُلُ آمِنَةٌ فَخَرَجَ نَاسٌ مِمَّنْ يَنْتَحِلُ الْإِسْلَامَ عَلَى إمَامِ أَهْلِ الْجَمَاعَةِ فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُعِينُوا إمَامَ أَهْلِ الْجَمَاعَةِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى ذَلِكَ لَزِمُوا بُيُوتَهُمْ وَلَمْ يَخْرُجُوا مَعَ الَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى إمَامِ أَهْلِ الْجَمَاعَةِ وَلَمْ يُعِينُوهُمْ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا قَوْلُ زُفَرَ وَأَبِي يُوسُفَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

ص: 294

إعَانَةُ الْإِمَامِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ الْقُعُودِ عَنْ الْفِتْنَةِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا عَاجِزِينَ

قَالَ رحمه الله (وَلَوْ لَهُمْ فِئَةٌ أُجْهِزَ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَاتَّبَعَ مُوَلِّيهِمْ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ قِتَالِهِمْ دَفْعُ شَرِّهِمْ وَذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا لِأَنَّهُمْ يَرْجِعُونَ إلَى جَمَاعَتِهِمْ فَيَعُودُونَ حَرْبًا عَلَيْنَا وَلَمْ يَحْصُلْ بِذَلِكَ رُجُوعُهُمْ إلَى الْجَمَاعَةِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] قَالَ رحمه الله (وَإِلَّا لَا) أَيْ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ فِئَةٌ لَا يُجْهِزُ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَلَا يَتَّبِعُ مُوَلِّيهِمْ لِمَا رُوِيَ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّهُ قَالَ صَرَخَ صَارِخٌ لِعَلِيٍّ يَوْمَ الْجَمَلِ لَا يُقْتَلَنَّ مُدْبِرٌ وَلَا يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحٍ وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ رَوَاهُ سَعِيدٌ وَيَوْمَ الْجَمَلِ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ فِئَةٌ وَلِأَنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ لِدَفْعِ شَرِّهِمْ وَقَدْ انْدَفَعَ بِدُونِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُقْتَلُ فِي الْوَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ أَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ إلَّا دَفْعًا وَلَا دَفْعَ فِي قَتْلِهِ بَعْدَ مَا تَرَكَ الْقِتَالَ وَنَحْنُ نَقُولُ الْحُكْمُ يُدَارُ عَلَى الدَّلِيلِ لَا عَلَى حَقِيقَةِ الْقِتَالِ عَلَى مَا بَيَّنَّا

قَالَ رحمه الله (وَلَمْ تُسْبَ ذُرِّيَّتُهُمْ وَحُبِسَ أَمْوَالُهُمْ حَتَّى يَتُوبُوا) لِقَوْلِ عَلِيٍّ رضي الله عنه يَوْمَ الْجَمَلِ لَا يُقْتَلُ أَسِيرٌ وَلَا يُكْشَفُ سِتْرٌ وَلَا يُؤْخَذُ مَالٌ وَهُوَ الْقُدْوَةُ فِي هَذَا الْبَابِ وَقَوْلُهُ لَا يُقْتَلُ أَسِيرٌ يَعْنِي إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُمْ فِئَةٌ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ فِئَةٌ فَالْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَتَلَهُ لِئَلَّا يَنْفَلِتَ وَيَلْحَقَ بِهِمْ وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهُ لِأَنَّ شَرَّهُ يَنْدَفِعُ بِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِقَّهُ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ وَالْإِسْلَامُ يَمْنَعُ الِاسْتِرْقَاقَ ابْتِدَاءً وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ عَلِيٍّ رضي الله عنه لَا يُكْشَفُ سِتْرٌ وَحِينَ طَلَبَ مِنْهُ أَصْحَابُهُ أَنْ يَقْسِمَ النِّسَاءَ بَيْنَهُمْ قَالَ إذَا قُسِمَتْ النِّسَاءُ فَلِمَنْ تَكُونُ عَائِشَةُ فَأَبْهَتَهُمْ بِذَلِكَ وَقَطَعَ شُبْهَتَهُمْ وَلِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ فَتَكُونُ أَمْوَالُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ مَعْصُومَةً بِالْعِصْمَتَيْنِ لِكَوْنِهِمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ

قَالَ رحمه الله (وَإِنْ احْتَاجَ قَاتَلَ بِسِلَاحِهِمْ وَخَيْلِهِمْ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله لَا يُقَاتِلُ بِهِ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ فَلَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِمَالِهِ بِدُونِ رِضَاهُ وَلَنَا أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه قَسَمَ سِلَاحَهُمْ بِالْبَصْرَةِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَكَانَتْ قِسْمَتُهُ لِلْحَاجَةِ لَا لِلتَّمَلُّكِ بِدَلِيلِ مَا رَوَى الزُّهْرِيُّ أَنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعُوا أَنْ لَا يُؤْخَذَ مَالٌ وَلِأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بِمَالِ أَهْلِ الْعَدْلِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَخَذَ الدِّرْعَ مِنْ صَفْوَانَ بِغَيْرِ رِضَاهُ» فَمَا ظَنُّك بِمَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ فِيهِ دَفْعُ شَرِّهِمْ وَإِنْ لَمْ يَحْتَاجُوا إلَيْهِ حَبَسَهُ عَنْهُمْ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِمْ لِأَنَّ فِي رَدِّهِ عَلَيْهِمْ تَقْوِيَةً لَهُمْ وَإِعَانَتَهُمْ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَالْكُرَاعُ يُبَاعُ وَيُحْبَسُ ثَمَنُهُ لِأَنَّ حَبْسَ الثَّمَنِ أَيْسَرُ وَأَحْفَظُ لِلْمَالِيَّةِ فَإِذَا وَضَعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا وَزَالَتْ الْفِتْنَةُ رَدَّهَا عَلَيْهِمْ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَلَوْ كَانَ مَعَهُمْ أَهْلُ الذِّمَّةِ يُعِينُونَهُمْ عَلَى الْقِتَالِ فَحُكْمُهُمْ كَحُكْمِ أَهْلِ الْبَغْيِ حَتَّى لَا يَجُوزَ اسْتِرْقَاقُهُمْ وَلَا أَخْذُ أَمْوَالِهِمْ لِأَنَّ عَهْدَهُمْ لَمْ يُنْتَقَضْ بِهِ

قَالَ رحمه الله (وَإِنْ قَتَلَ بَاغٍ مِثْلَهُ فَظُهِرَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ) أَيْ إنْ قَتَلَ بَاغٍ بَاغِيًا مِثْلَهُ فِي عَسْكَرِهِمْ عَمْدًا ثُمَّ ظُهِرَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ إلَّا بِمَنَعَةٍ وَلَا وِلَايَةَ لِلْإِمَامِ عَلَيْهِمْ حَالَةَ الْقَتْلِ فَلَمْ يُوجِبْ وَلَمْ يَنْقَلِبْ مُوجِبًا بَعْدَهُ كَالْقَتْلِ فِي دَارِ الْحَرْبِ

قَالَ رحمه الله (وَإِنْ غَلَبُوا عَلَى مِصْرٍ فَقَتَلَ مِصْرِيٌّ مِثْلَهُ فَظَهَرَ عَلَى الْمِصْرِ قُتِلَ بِهِ) يَعْنِي إذَا غَلَبَ الْبُغَاةُ عَلَى مِصْرٍ فَقَتَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ رَجُلًا مِنْ الْمِصْرِ عَمْدًا ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى الْمِصْرِ فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ وَتَأْوِيلُهُ إذَا لَمْ يَجْرِ عَلَى أَهْلِ الْمِصْرِ أَحْكَامُ أَهْلِ الْبَغْيِ بَلْ أَزْعَجَهُمْ الْإِمَامُ الْعَدْلُ قَبْلَ ذَلِكَ عَنْ ذَلِكَ الْمِصْرِ لِأَنَّ وِلَايَةَ إمَامِ أَهْلِ الْعَدْلِ لَمْ تَنْقَطِعْ قَبْلَ أَنْ تَجْرِيَ أَحْكَامُهُمْ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ وَبَعْدَ الْإِجْرَاءِ تَنْقَطِعُ فَلَا يَجِبُ

قَالَ رحمه الله (وَإِنْ قَتَلَ عَادِلٌ بَاغِيًا أَوْ قَتَلَهُ بَاغٍ وَقَالَ أَنَا عَلَى حَقٍّ وَرِثَهُ وَإِنْ قَالَ أَنَا عَلَى بَاطِلٍ لَا) أَيْ قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ أَوْ قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَقَالَ الْبَاغِي الْقَاتِلُ قَتَلْتُهُ وَأَنَا عَلَى الْحَقِّ وَرِثَهُ وَإِنْ قَالَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا عَاجِزِينَ) أَيْ إذْ الْعَاجِزُ لَا يَلْزَمُهُ الْحُضُورُ. اهـ.

(قَوْلُهُ أُجْهِزَ) ضَبَطَهُ الزَّيْلَعِيُّ لِلْمَفْعُولِ اهـ (قَوْلُهُ يَوْمَ الْجَمَلِ) وَيَوْمُ الْجَمَلِ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانَ فِيهِ وَقْعَةُ عَائِشَةَ مَعَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَإِنَّمَا سُمِّيَ يَوْمَ الْجَمَلِ لِأَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ يَوْمئِذٍ عَلَى الْجَمَلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَنَحْنُ نَقُولُ الْحُكْمُ يُدَارُ عَلَى الدَّلِيلِ) أَيْ وَهُوَ الِاجْتِمَاعُ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ عَلِيٍّ وَلَا يُكْشَفُ سِتْرٌ) قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ قَوْلُهُ وَلَا يُكْشَفُ سِتْرٌ أَيْ لَا تُسْبَى نِسَاؤُهُمْ اهـ (قَوْلُهُ فَتَكُونُ أَمْوَالُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ مَعْصُومَةً بِالْعِصْمَتَيْنِ) أَيْ الْإِسْلَامِ وَالدَّارِ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَالْكُرَاعُ) قَالَ فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ الْكُرَاعُ الْخَيْلُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ قَتَلَ بَاغٍ مِثْلَهُ فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ) هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَهْلِ الْبَغْيِ إذَا كَانُوا فِي عَسْكَرٍ فَقَتَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ رَجُلًا مِنْهُمْ عَمْدًا ثُمَّ ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ أَيْ لَا يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ دِيَةٌ وَلَا قِصَاصٌ وَهَذَا لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا يُبَاحُ قَتْلُهَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَادِلَ إذَا قَتَلَهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ لِأَنَّ لِأَهْلِ الْعَدْلِ أَنْ يَقْتُلُوهُمْ كَسْرًا لِشَوْكَتِهِمْ فَلَمَّا كَانَ يُبَاحُ قَتْلَهُمْ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ بَلْ أَزْعَجَهُمْ الْإِمَامُ الْعَدْلُ قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ قَبْلَ إجْرَاءِ الْأَحْكَامِ أَيْ أَقْلَعَ أَهْلُ الْبَغْيِ مِنْ الْمِصْرِ قَبْلَ أَنْ تَجْرِيَ أَحْكَامُهُمْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَبَعْدَ الْإِجْرَاءِ تَنْقَطِعُ فَلَا يَجِبُ) أَيْ وَلَكِنْ يَسْتَحِقُّ عَذَابَ الْآخِرَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ قَتَلَ عَادِلٌ بَاغِيًا إلَخْ) وَأَصْلُهُ أَنَّ مَا تَلِفَ بَيْنَ أَهْلِ الْعَدْلِ وَالْبَغْيِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْفِرْقَتَيْنِ لَكِنْ يَأْثَمُ الْبَاغِي وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ يَجِبُ عَلَى الْبَاغِي ضَمَانُ النَّفْسِ وَالْمَالِ وَفِي الْجَدِيدِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ اهـ

ص: 295

قَتَلْتُهُ وَأَنَا عَلَى الْبَاطِلِ لَا يَرِثُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَرِثُ الْبَاغِي فِي الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله لَا يَرِثُ الْعَادِلُ أَيْضًا لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا يَرِثُ الْقَاتِلُ» وَلِهَذَا عِنْدَهُ لَوْ قَتَلَهُ بِحَقٍّ مِنْ قِصَاصٍ أَوْ رَجْمٍ أَوْ حُكِمَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَوْ شُهِدَ عَلَيْهِ لَا يَرِثُ قُلْنَا حِرْمَانُ الْإِرْثِ جَزَاءُ الْجَرِيمَةِ وَلَا جَرِيمَةَ فِي الْقَتْلِ الْوَاجِبِ أَوْ الْجَائِزِ فَلَا يَحْرُمُ وَقَتْلُ الْبَاغِي وَاجِبٌ فَلَا إثْمَ عَلَى الْقَاتِلِ بِقَتْلِهِ وَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ فَكَذَا لَا يَحْرُمُ الْإِرْثُ لِأَنَّ حِرْمَانَهُ مِنْ بَابِ الْعُقُوبَةِ وَكَذَا الْبَاغِي لَا يَحْرُمُ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَا أَتْلَفَ عَنْ تَأْوِيلٍ فَاسِدٍ وَالْفَاسِدُ مِنْهُ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ إذَا انْضَمَّتْ إلَيْهِ مَنَعَةٌ كَتَأْوِيلِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَالْمُرْتَدِّينَ.

أَلَا تَرَى إلَى مَا يُرْوَى عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ هَاجَتْ الْفِتْنَةُ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُتَوَافِرُونَ فَأَجْمَعُوا عَلَى أَنْ لَا يُقَادَ أَحَدٌ وَلَا يُؤْخَذُ بِمَالٍ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ إلَّا مَنْ وَجَدَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَكَذَا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَا أَتْلَفَهُ أَهْلُ الرِّدَّةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ ضَمَانُهُ رَوَاهُ الْبَرْقَانِيُّ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَلِأَنَّ الْأَحْكَامَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الِالْتِزَامِ وَلَا الْتِزَامَ مِنْهُ لِاعْتِقَادِهِ الْإِبَاحَةَ وَلَا الْتِزَامَ مِنْ الْإِمَامِ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ بِمَنَعَتِهِمْ وَلَا يُمْكِنُ الْقِيَاسُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ تَأْوِيلٌ أَوْ مَنَعَةٌ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ بَاقِيَةٌ قَبْلَ الْمَنَعَةِ وَالِالْتِزَامُ مَوْجُودٌ عِنْدَ عَدَمِ التَّأْوِيلِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْمَنَعَةِ وَالتَّأْوِيلِ لِسُقُوطِ الضَّمَانِ حَتَّى لَوْ تَغَلَّبَ لُصُوصٌ غَيْرُ مُتَأَوِّلِينَ عَلَى مَدِينَةٍ فَقَتَلُوا النَّفْسَ وَأَخَذُوا الْمَالَ أُخِذُوا بِجَمِيعِهِ لِعَدَمِ التَّأْوِيلِ وَكَذَا لَوْ تَغَلَّبَ رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ فَأَخَذُوا الْمَالَ وَأَتْلَفُوا النَّفْسَ بِتَأْوِيلٍ أُخِذُوا بِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ لِعَدَمِ الْمَنَعَةِ ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ إنَّ الْعَادِلَ إذَا أَتْلَفَ نَفْسَ الْبَاغِي أَوْ مَالَهُ لَا يَضْمَنُ وَلَا يَأْثَمُ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِقِتَالِهِمْ دَفْعًا لِشَرِّهِمْ وَالْبَاغِي إذَا قَتَلَ الْعَادِلَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ عِنْدَنَا وَيَأْثَمُ لِأَنَّهُ لَا مَنَعَةَ فِي حَقِّ الشَّارِعِ وَكَذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ لَا يَضْمَنُونَ مَا أَصَابُوا مِنْ دِمَائِنَا وَأَمْوَالِنَا إذَا كَانَ لَهُمْ مَنَعَةٌ وَكَذَا أَهْلُ الْعَدْلِ لَا يَضْمَنُونَ مَا أَصَابُوا مِنْ دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ لِأَنَّ مَا أَتْلَفُوا دَفْعًا لِقِتَالِهِمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَالْعَادِلُ إذَا أَتْلَفَ عَادِلًا عَبْدًا أَوْ حُرًّا أَوْ مَالَهُ دَفْعًا لِقِتَالِهِ لَا يَضْمَنُ فَالْبَاغِي أَوْلَى وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا تَابُوا أُفْتِيهِمْ أَنْ يَغْرَمُوا وَلَا أُجْبِرُهُمْ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ أَتْلَفُوا بِغَيْرِ حَقٍّ فَبِسُقُوطِ الْمُطَالَبَةِ لَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي الْمُحِيطِ: الْعَادِلُ إذَا أَتْلَفَ مَالَ الْبَاغِي يُؤْخَذُ بِالضَّمَانِ لِأَنَّ مَالَ الْبَاغِي مَعْصُومٌ فِي حَقِّنَا وَأَمْكَنَ إلْزَامُ الضَّمَانِ فَكَانَ فِي إيجَابِهِ فَائِدَةٌ بِخِلَافِ مَا إذَا أَتْلَفُوا مَالَ الْعَادِلِ فَعَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْبَدَائِعِ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الضَّمَانِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَتْلَفَهُ حَالَةَ الْقِتَالِ بِسَبَبِ الْقِتَالِ إذْ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْتُلَهُمْ إلَّا بِإِتْلَافِ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِمْ كَالْخَيْلِ وَالْقُمَاشِ الَّذِي عَلَيْهِمْ وَعِنْدَ إرْسَالِ الْمَاءِ وَالنَّارِ عَلَيْهِمْ وَأَمَّا إذَا أَتْلَفُوهَا فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا مَعْنَى لِمَنْعِ الضَّمَانِ لِأَنَّ مَالَهُمْ مَعْصُومٌ وَاعْتِقَادَ الْحُرْمَةِ مَوْجُودٌ فَلَا مَانِعَ مِنْ وُجُوبِ الضَّمَانِ وَالْإِثْمِ ثُمَّ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ فِي قَتْلِ الْبَاغِي لِلْعَادِلِ إنَّهُ قَتْلٌ بِغَيْرِ حَقٍّ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ حِرْمَانُ الْإِرْثِ كَقَتْلِ الْخَاطِئِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ يَأْثَمُ وَالْخَاطِئُ لَا يَأْثَمُ بِالْقَتْلِ وَالتَّأْوِيلُ الْفَاسِدُ يُلْحَقُ بِالصَّحِيحِ فِي حَقِّ دَفْعِ الضَّمَانِ وَالْحَاجَةُ هُنَا إلَى اسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ لَا إلَى الدَّفْعِ وَلَهُمَا أَنَّ هَذَا قَتْلٌ حَصَلَ بِتَأْوِيلٍ صَحِيحٍ عِنْدَ الْقَاتِلِ لِانْضِمَامِهِ إلَى الْمَنَعَةِ وَإِنْ كَانَ هَذَا التَّأْوِيلُ فَاسِدًا فِي نَفْسِهِ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ الضَّمَانُ فَكَذَا لَا يُوجِبُ الْحِرْمَانَ وَقَوْلُهُ وَالْحَاجَةُ إلَى اسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ هُنَا لَا إلَى الدَّفْعِ قُلْنَا مَمْنُوعٌ بَلْ الْحَاجَةُ هُنَا إلَى دَفْعِ الْحِرْمَانِ لِأَنَّ الْإِرْثَ يُسْتَحَقُّ بِسَبَبِهِ كَالنَّسَبِ أَوْ السَّبَبِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فَيَرِثُ بِهِ وَيَدْفَعُ الْحِرْمَانَ الَّذِي ثَبَتَ جَزَاءً عَلَى فِعْلِهِ بِتَأْوِيلِهِ الْفَاسِدِ بِشَرْطِهِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُصِرًّا لِيَكُونَ صَحِيحًا عِنْدَهُ بِخِلَافِ الْمُخْطِئِ فَإِنَّ الْخَطَأَ لَا يَدْفَعُ جَزَاءَ فِعْلِهِ فِي الدُّنْيَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ وَالْبَاغِي لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ

قَالَ رحمه الله (وَكُرِهَ بَيْعُ السِّلَاحِ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ) لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ قَلْعُ سِلَاحِهِمْ بِمَا أَمْكَنَ حَتَّى لَا يَسْتَعْمِلُوهُ فِي الْفِتْنَةِ فَالْمَنْعُ أَوْلَى قَالَ رحمه الله (وَإِنْ لَمْ يَدْرِ أَنَّهُ مِنْهُمْ لَا) أَيْ لَمْ يَدْرِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ لَا يُكْرَهُ الْبَيْعُ لَهُ لِأَنَّ الْغَلَبَةَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِأَهْلِ الصَّلَاحِ وَعَلَى الْغَالِبِ تُبْنَى الْأَحْكَامُ دُونَ النَّادِرِ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ بَيْعُ نَفْسِ السِّلَاحِ دُونَ مَا لَا يُقَاتِلُ بِهِ إلَّا بِصَنْعَةٍ كَالْحَدِيدِ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَرِثُ الْبَاغِي فِي الْوَجْهَيْنِ) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَ الْعَادِلُ الْبَاغِيَ حَيْثُ لَا يُحْرَمُ الْإِرْثَ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِحَقٍّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ يَعْنِي الْعَادِلَ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْوَجْهَيْنِ مَا نَصُّهُ أَيْ فِيمَا إذَا قَالَ كُنْت عَلَى حَقٍّ وَفِيمَا إذَا قَالَ كُنْت عَلَى بَاطِلٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّ هَذَا قَتْلٌ حَصَلَ بِتَأْوِيلٍ صَحِيحٍ إلَخْ) وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ إنَّ التَّأْوِيلَ الْفَاسِدَ جُعِلَ كَالصَّحِيحِ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ بِهِ الضَّمَانُ لَا دِيَةٌ وَلَا قِصَاصٌ وَلَا كَفَّارَةٌ فَلَا يَجِبُ الْحِرْمَانُ أَيْضًا وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ وَهُوَ الْقَرَابَةُ مَوْجُودٌ فَاعْتُبِرَ تَأْوِيلُهُ فِي حَقِّ دَفْعِ الضَّمَانِ فَيُعْتَبَرُ فِي دَفْعِ الْحِرْمَانِ عَنْ الْإِرْثِ أَيْضًا لَكِنْ شَرْطُ الْإِرْثِ أَنْ يَكُونَ مُصِرًّا عَلَى دَعْوَاهُ فَإِذَا رَجَعَ فَقَدْ بَطَلَتْ دِيَانَتُهُ فَلَا إرْثَ كَمَا إذَا قَالَ كُنْت عَلَى الْبَاطِلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ رحمه الله (فُرُوعٌ) وَيُكْرَهُ أَنْ يَبْعَثَ بِرُءُوسِ الْبُغَاةِ أَوْ الْحَرْبِيِّ إلَى الْآفَاقِ إلَّا إذَا كَانَ فِي ذَلِكَ وَهْنٌ لَهُمْ فَلَا بَأْسَ بِهِ ثُمَّ قَتْلَى أَهْلِ الْعَدْلِ شُهَدَاءُ يُفْعَلُ بِهِمْ كَمَا يُفْعَلُ بِالشُّهَدَاءِ يُكَفَّنُونَ فِي ثِيَابِهِمْ وَلَا يُغَسَّلُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَقَتْلَى أَهْلِ الْبَغْيِ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ سَوَاءٌ كَانَتْ لَهُمْ فِئَةٌ أَوْ لَا هُوَ الصَّحِيحُ وَلَكِنْ يُغَسَّلُونَ وَيُكَفَّنُونَ اهـ شَرْحُ هِدَايَةٍ لِلْعَيْنِيِّ قَالَ فِي التَّجْنِيسِ بِعَلَامَةِ الْوَاوِ حَمْلُ رُءُوسِ الْكُفَّارِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مَكْرُوهٌ لِمَا رَوَى عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ أَنْكَرَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه ذَلِكَ اهـ

ص: 296