الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَشَايِخُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَبِهِ يُفْتَى وَعَنْ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمُكَابِرِينَ بِاللَّيْلِ إذَا لَمْ يَقْدِرْ أَهْلُ الدَّارِ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْهُمْ فَهُمْ مُحَارِبُونَ وَأَمَّا بِالنَّهَارِ فَهُمْ مُخْتَلِسُونَ حَتَّى يَكُونُوا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِمْ غَيْرُ السُّلْطَانِ وَالْمُكَابِرُونَ فِي الْقُرَى إذَا كَانَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْهُمْ مُحَارِبُونَ وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ جَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله بِمَا شَاهَدَ فِي زَمَانِهِ فَإِنَّ النَّاسَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ كَانُوا يَحْمِلُونَ السِّلَاحَ فِي الْمِصْرِ وَالْقُرَى فَلَا يَتَمَكَّنُ الْقَاصِدُ مِنْ قَطْعِ الطَّرِيقِ إلَّا نَادِرًا فَلَا يَبْنِي الْحُكْمَ عَلَى النَّادِرِ وَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَقَدْ تَرَكُوا هَذِهِ الْعَادَةَ فَيَتَحَقَّقُ قَطْعُ الطَّرِيقِ فِي الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى وَقَوْلُهُ فَأَقَادَ الْوَلِيُّ أَوْ عَفَا يَعْنِي إنْ شَاءَ اقْتَصَّ وَإِنْ شَاءَ عَفَا فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ فِيهَا ظَهَرَ حَقُّ الْعَبْدِ لِأَنَّ سُقُوطَهُ كَانَ فِي ضِمْنِ إقَامَةِ الْحَدِّ وَلَمْ يُوجَدْ فَكَانَ اسْتِيفَاؤُهُ إلَيْهِ إنْ شَاءَ اسْتَوْفَى وَإِنْ شَاءَ عَفَا فِي الْقِصَاصِ وَالْمَالِ قَالَ رحمه الله
(وَمَنْ خَنَقَ فِي الْمِصْرِ غَيْرَ مَرَّةٍ قُتِلَ بِهِ) يَعْنِي سِيَاسَةً لِأَنَّهُ ذُو فِتْنَةٍ سَاعٍ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ فَيَقْتُلُهُ الْإِمَامُ دَفْعًا لِشَرِّهِ وَفِتْنَتِهِ عَنْ الْعِبَادِ وَفِي قَوْلِهِ غَيْرَ مَرَّةٍ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ إلَّا إذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْقَتْلِ بِالْمُثْقِلِ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِنْ السِّيَاسَةِ مَا حُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي بَكْرٍ الْأَعْمَشِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ السَّرِقَةُ إذَا أَنْكَرَ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ بِأَكْبَرِ رَأْيِهِ فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ سَارِقٌ وَإِنَّ الْمَالَ الْمَسْرُوقَ عِنْدَهُ عَاقَبَهُ وَيَجُوزُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ رَآهُ الْإِمَامُ جَالِسًا مَعَ الْفُسَّاقِ فِي مَجْلِسِ الشَّرَابِ وَكَمَا لَوْ رَآهُ يَمْشِي مَعَ السُّرَّاقِ وَبِغَلَبَةِ الظَّنِّ أَجَازُوا قَتْلَ النَّفْسِ كَمَا إذَا دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ شَاهِرًا سَيْفَهُ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَقْتُلُهُ وَحُكِيَ أَنَّ عِصَامَ بْنَ يُوسُفَ دَخَلَ عَلَى أَمِيرِ بَلْخٍ فَأُتِيَ بِسَارِقٍ فَأَنْكَرَ السَّرِقَةَ فَقَالَ الْأَمِيرُ لِعِصَامٍ مَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَقَالَ عَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ وَعَلَى الْمُنْكَرِ الْيَمِينُ فَقَالَ الْأَمِيرُ هَاتُوا بِالسَّوْطِ، فَمَا ضُرِبَ عَشَرَةٌ حَتَّى أَقَرَّ وَأَحْضَرَ السَّرِقَةَ فَقَالَ عِصَامٌ مَا رَأَيْنَا جَوْرًا أَشْبَهَ بِالْعَدْلِ مِنْ هَذَا وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ
(كِتَابُ السِّيَرِ)
السِّيَرُ جَمْعُ سِيرَةٍ وَأَصْلُ السِّيرَةِ حَالَةُ السَّيْرِ إلَّا أَنَّهَا غَلَبَتْ فِي الشَّرْعِ عَلَى أُمُورِ الْمَغَازِي وَمَا يَتَعَلَّقُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ خَنَقَ) رَجُلًا بِالتَّخْفِيفِ إذَا عَصَرَ حَلْقَهُ وَمَصْدَرُهُ الْخَنْقُ بِكَسْرِ النُّونِ وَلَا يُقَالُ بِالتَّسْكِينِ كَذَا عَنْ الْفَارَابِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ خَنَقَهُ يَخْنُقُهُ مِنْ بَابِ قَتَلَ خَنْقًا مِثْلُ كَتِفٍ وَيُسَكَّنُ لِلتَّخْفِيفِ وَمِثْلُهُ الْحَلِفُ وَالْحِلْفُ اهـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ خَنَقَ رَجُلًا حَتَّى قَتَلَهُ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله وَصُورَةُ الْمَسْأَلَة فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ يَخْنُقُ رَجُلًا بِمِخْنَقَةِ خَنَّاقٍ حَتَّى قَتَلَهُ قَالَ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ فَإِنْ وُجِدَ وَقَدْ خَنَقَ غَيْرَ مَرَّةٍ فِي الْمِصْرِ وَغَيْرِ الْمِصْرِ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُ وَأَرَادَ بِهَا أَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَجِبُ مَعَ ذَلِكَ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ مِخْنَقَةُ الْخَنَّاقِ هِيَ الْوَتَرُ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَرْطٍ لَكِنَّهُ بُنِيَ عَلَى الْعَادَةِ وَإِنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ دُونَ الْقِصَاصِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُهُ بِالْمُثْقِلِ وَهَذَا فِي مَعْنَاهُ أَمَّا إذَا اعْتَادَ هَذَا الْفِعْلَ فَحِينَئِذٍ يُقْتَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا سِيَاسَةً. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ قُتِلَ) قَالَ الْكَمَالُ لِأَنَّهُ ظَهَرَ قَصْدُهُ إلَى الْقَتْلِ بِالتَّخْنِيقِ حَيْثُ عُرِفَ إفْضَاؤُهُ إلَى الْقَتْلِ ثُمَّ اسْتَمَرَّ يَعْتَمِدُهُ. اهـ. (قَوْله بِهِ) أَيْ بِسَبَبِ الْخَنْقِ. اهـ. (قَوْله وَهِيَ مَسْأَلَة الْقَتْل بِالْمُثْقَلِ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَظَاهِر أَنَّهَا لَيْسَتْ مَسْأَلَة الْمُثْقَل وَإِنَّمَا الْمَعْنَى أَنَّهَا مِثْلهَا فِي ثُبُوت الشُّبْهَة عِنْده فِي الْعَمْد حَيْثُ كَانَتْ الْآلَة فِيهِ قُصُور يُوجِب التَّرَدُّد فِي أَنَّهُ قَصْد قَتَلَهُ بِهَذَا الْفِعْل أَوْ قَصْد الْمُبَالَغَة فِي إيلَامه وَإِدْخَال الضَّرَر عَلَى نَفْسه فَاتَّفَقَ مَوْته وَعَدَم احْتِمَاله لِذَلِكَ. اهـ. (قَوْله عَلَى مَا يَجِيء) قَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّة وَاحِدَة قَتَلَ بِهِ قِصَاصًا ذَكَره فِي كَرَاهِيَةِ الْيَنَابِيعِ شَرْحِ الْقُدُورِيِّ. اهـ. شَرْحُ كَنْزٍ لِلسَّمَرْقَنْدِيِّ
[كِتَابُ السِّيَرِ]
(كِتَاب السَّيْر) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله تَنَاسُبُ الْحُدُودِ وَالسِّيَرِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلًّا مِنْ الْحَدِّ وَالْجِهَادِ حَسَنٌ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ لَا عَيْنِهِ ثُمَّ الْمَعْنَى الْمُحْسِنُ يَحْصُلُ فِيهِمَا جَمِيعًا بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ بِدُونِ الْإِتْيَانِ بِفِعْلٍ آخَرَ مَقْصُودٌ وَذَلِكَ الْمَعْنَى فِي الْحُدُودِ الزَّجْرُ عَنْ الْمَعَاصِي وَفِي الْجِهَادِ قَهْرُ أَعْدَاءِ اللَّهِ تَعَالَى لَكِنْ قَدَّمْت الْحُدُودَ عَلَى السِّيَرِ لِأَنَّهَا تَقَعُ بَيْنَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ غَالِبًا وَعَلَى الْخُصُوصِ كَمَا فِي حَدِّ الشُّرْبِ بِخِلَافِ الْجِهَادِ فَإِنَّهُ يَقَعُ مَعَ الْكَفَّارَةِ فَتَقْدِيمُ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِأَهْلِ الْإِسْلَامِ كَانَ أَوْلَى وَلِأَنَّ الْجِهَادَ زَجْرٌ عَنْ أَصْلِ الْمَعَاصِي وَهُوَ الْكُفْرُ وَالْحَدُّ زَجْرٌ عَنْ الْفِسْقِ فَتَرَقَّى مِنْ الْأَدْنَى إلَى الْأَعْلَى وَمَعْنَى السِّيَرِ مَذْكُورٌ فِي الْمَتْنِ وَالْمَغَازِي جَمْعُ الْمَغْزَاةِ مِنْ غَزَا يَغْزُو غَزْوًا وَغَزْوَةً وَغُزَاةً وَمَغْزَاةً إذَا قَصَدَ الْعَدُوَّ لِلْقِتَالِ وَالْأَحَادِيثُ فِي فَضْلِ الْجِهَادِ كَثِيرَةٌ مِنْهَا مَا حَدَّثَ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ بِإِسْنَادِهِ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهما قَالَ «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ قَالَ الصَّلَاةُ عَلَى مِيقَاتِهَا قَالَ قُلْت ثُمَّ أَيُّ قَالَ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ قَالَ قُلْت ثُمَّ أَيُّ قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَسَكَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَوْ اسْتَزَدْته لَزَادَنِي» .
وَفِيهِ بِإِسْنَادِهِ إلَى أَبِي سَعِيدٍ قَالَ «قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُؤْمِنٌ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ قَالُوا ثُمَّ مَنْ قَالَ مُؤْمِنٌ فِي شَعْبٍ مِنْ الشِّعَابِ يَتَّقِي اللَّهَ وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ» وَفِيهِ أَيْضًا بِإِسْنَادِهِ إلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» وَفِيهِ أَيْضًا بِإِسْنَادِهِ إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إيمَانًا وَتَصْدِيقًا بِوَعْدِهِ فَإِنَّ شِبَعَهُ وَرَيَّهُ وَرَوْثَهُ وَبَوْلَهُ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» اهـ
بِهَا، كَالْمَنَاسِكِ عَلَى أُمُورِ الْحَجِّ قَالَ رحمه الله (الْجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَةٍ ابْتِدَاءً) يَعْنِي يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَبْدَأَهُمْ بِالْقِتَالِ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلُونَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: 36] {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة: 29] وَقَالَ {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} [التوبة: 41] وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «الْجِهَادُ فَرْضٌ مَاضٍ مُنْذُ بَعَثَنِي اللَّهُ إلَى أَنْ يُقَاتِلَ آخِرُ أُمَّتِي الدَّجَّالَ لَا يُبْطِلُهُ جَوْرُ جَائِرٍ وَلَا عَدْلُ عَادِلٍ» وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» الْحَدِيثَ.
وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ وَكَوْنُهُ فَرْضًا عَلَى الْكِفَايَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ لِعَيْنِهِ إذْ هُوَ قَتْلٌ وَإِفْسَادٌ فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا شُرِعَ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِعْزَازِ دِينِهِ وَدَفْعِ الْفَسَادِ عَنْ الْعِبَادِ فَإِذَا حَصَلَ مِنْ الْبَعْضِ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَدَفْنِ الْمَيِّتِ وَرَدِّ السَّلَامِ وَلِأَنَّ فِي اشْتِغَالِ الْكُلِّ قَطْعُ مَادَّةِ الْجِهَادِ مِنْ الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ فَيَنْقَطِعُ الْجِهَادُ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَوَلَّى الْبَعْضُ الْجِهَادَ وَالْبَعْضُ التِّجَارَةَ وَالْحَرْثَ وَالْحِرَفَ الَّتِي تَقُومُ بِهَا الْمَصَالِحُ وَالتَّقْوِيَةُ فَوَجَبَ عَلَى الْكِفَايَةِ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ قَوْله تَعَالَى {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95] إلَى قَوْلِهِ {وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [النساء: 95] وَعَدَ الْقَاعِدَ الْحُسْنَى وَلَوْ كَانَ فَرْضَ عَيْنٍ لَذُمَّ وَكَانَتْ الصَّحَابَةُ يَغْزُو بَعْضُهُمْ وَيَقْعُدُ الْبَعْضُ وَلَوْ كَانَ فَرْضَ عَيْنٍ لَمَا قَعَدُوا وَهَذَا هُوَ الَّذِي تَقَرَّرَ عَلَيْهِ أَمْرُ الْجِهَادِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ مَأْمُورٌ بِالصَّفْحِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ الْمُشْرِكِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} [الحجر: 85] وَقَالَ تَعَالَى {وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 106] ثُمَّ أُمِرَ بِالدُّعَاءِ إلَى الدِّينِ بِالْمَوْعِظَةِ وَالْمُجَادَلَةِ الْحَسَنَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] ثُمَّ أُمِرَ بِالْقِتَالِ إذَا كَانَتْ الْبِدَايَةُ مِنْهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [الحج: 39] أَيْ أُذِنَ لَهُمْ فِي الدَّفْعِ ثُمَّ أُمِرَ بِالْقِتَالِ ابْتِدَاءً فِي بَعْضِ الْأَزْمَانِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5].
ثُمَّ بِالْبِدَايَةِ بِالْقِتَالِ مُطْلَقًا فِي الْأَزْمَانِ كُلِّهَا وَفِي الْأَمَاكِنِ بِأَسْرِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: 193] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ الْمُطْلَقَةِ وَقَدْ حَاصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الطَّائِفَ لِعَشْرٍ بَقَيْنَ مِنْ الْمُحَرَّمِ وَالْمُحَاصَرَةُ نَوْعٌ مِنْ الْقِتَالِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَحْرِيمَ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ مَنْسُوخٌ قَالَ رحمه الله (إنْ قَامَ بِهِ بَعْضٌ سَقَطَ عَنْ الْكُلِّ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّهُ مَشْرُوعٌ لِغَيْرِهِ فَإِذَا حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِالْبَعْضِ كَفَى قَالَ رحمه الله (وَإِلَّا أَثِمُوا بِتَرْكِهِ) أَيْ إنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ أَحَدٌ أَثِمَ الْكُلُّ بِتَرْكِهِ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْكُلِّ فَيَأْثَمُونَ بِتَرْكِهِ قَالَ رحمه الله
(وَلَا يَجِبُ عَلَى صَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ وَعَبْدٍ وَأَعْمَى وَمُقْعَدٍ وَأَقْطَعَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ} [النور: 61] الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ حِينَ اهْتَمُّوا بِالْخُرُوجِ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ التَّخَلُّفِ وَلِأَنَّهُمْ عَاجِزُونَ وَالتَّكْلِيفُ بِالْقُدْرَةِ وَلِأَنَّ الصَّبِيَّ مَظِنَّةُ الْمَرْحَمَةِ فَلَا يُؤْتَى بِهِ إلَى الْمَهْلَكَةِ وَالْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ مَشْغُولَانِ بِخِدْمَةِ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى وَحَقُّهُمَا مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الشَّرْعِ لِحَاجَتِهِمَا وَغِنَى الشَّرْعِ قَالَ رحمه الله
(وَفَرْضُ عَيْنٍ إنْ هَجَمَ الْعَدُوُّ فَتَخْرُجُ الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ بِلَا إذْنِ زَوْجِهَا وَسَيِّدِهِ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِإِقَامَةِ الْكُلِّ فَيَجِبُ عَلَى الْكُلِّ وَحَقُّ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ النَّفِيرِ لِأَنَّ بِغَيْرِهِمْ كِفَايَةٌ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى إبْطَالِ حَقِّهِمَا وَكَذَا الْوَلَدُ يَخْرُجُ بِغَيْرِ إذْنِ وَالِدَيْهِ وَفِي غَيْرِ النَّفِيرِ الْعَامِّ لَا يَخْرُجُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ الْجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَةٍ ابْتِدَاءً) اعْلَمْ أَنَّ الْكُفَّارَ الَّذِينَ امْتَنَعُوا عَنْ قَبُولِ الْإِسْلَامِ وَعَنْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ يَجِبُ قِتَالُهُمْ وَإِنْ لَمْ يَبْدَءُوا بِالْقِتَالِ وَكَذَا يَجُوزُ قِتَالُهُمْ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ لَا يَجُوزُ قِتَالُهُمْ حَتَّى يَبْدَؤُنَا وَقَالَ عَطَاءٌ لَا يَجُوزُ قِتَالُهُمْ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَلَنَا عُمُومُ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: 36] أَيْ وَقَوْلُهُ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] وقَوْله تَعَالَى {وَقَاتِلُوهُمْ} [البقرة: 193] وقَوْله تَعَالَى {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} [التوبة: 12] اهـ.
(قَوْلُهُ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) التِّلَاوَةُ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ فِي اشْتِغَالِ الْكُلِّ قَطْعُ مَادَّةِ الْجِهَادِ) أَيْ وَلِأَنَّ فِي جَعْلِهِ فَرْضُ عَيْنٍ حَرَجًا عَظِيمًا حَيْثُ تَتَعَطَّلُ أُمُورُ النَّاسِ زِرَاعَةً وَتِجَارَةً إذَا خَرَجُوا جَمِيعًا إلَى الْجِهَادِ وَالْحَرَجُ مُنْتَفٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [الحج: 39] أَيْ وقَوْله تَعَالَى {فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} [البقرة: 191] وَقَوْلُهُ {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: 61] اهـ (قَوْلُهُ {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: 193] أَيْ وقَوْله تَعَالَى {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة: 29] وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ وَصَارَتْ حُرْمَةُ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ مَنْسُوخَةً بِهَذِهِ الْآيَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَفِي الْإِيضَاحِ وَحُرْمَةُ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [النساء: 89]. اهـ. دِرَايَةٌ
(قَوْلُهُ وَمُقْعَدٍ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ صَاحِبُ دِيوَانِ الْأَدَبِ الْمُقْعَدُ الْأَعْرَجُ اهـ وَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ الْمُقْعَدُ الَّذِي لَا حَرَاكَ بِهِ مِنْ دَاءٍ فِي جَسَدِهِ كَأَنَّ الدَّاءَ أَقْعَدَهُ وَعِنْدَ الْأَطِبَّاءِ هُوَ الزَّمِنُ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَفَرْضُ عَيْنٍ إنْ هَجَمَ الْعَدُوُّ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فَإِنْ هَجَمَ الْعَدُوُّ عَلَى بَلَدٍ وَجَبَ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ الدَّفْعُ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ الْهُجُومُ الْإِتْيَانُ بَغْتَةً وَالدُّخُولُ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ مِنْ بَابِ طَلَبَ يُقَالُ هَجَمَ عَلَيْهِ حَمَلَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا الْوَلَدُ يَخْرُجُ بِغَيْرِ إذْنِ وَالِدَيْهِ) قَالَ فِي التَّجْنِيسِ بَعْدَ أَنَّ رَقَّمَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ لَا يَخْرُجُ الرَّجُلُ إلَى الْجِهَادِ إلَّا بِإِذْنِ الْوَالِدَيْنِ فَإِنْ أَذِنَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْآخَرُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْرُجَ وَهُمَا فِي سَعَةٍ مِنْ أَنْ يَمْنَعَاهُ إذَا دَخَلَ عَلَيْهِمَا مَشَقَّةٌ لِأَنَّ مُرَاعَاةَ حَقِّهِمَا فَرْضُ عَيْنٍ، وَالْجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَكَانَ مُرَاعَاةُ فَرْضِ الْعَيْنِ أَوْلَى فَإِنْ كَانَ لَهُ أَبَوَانِ وَلَهُ جَدَّانِ وَجَدَّتَانِ فَإِنْ أَذِنَ أَبُو الْأَبِ وَأُمُّ الْأُمِّ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْآخَرَانِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَخْرُجَ لِأَنَّ أَبَا الْأَبِ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَبِ وَأُمَّ الْأُمِّ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْأُمِّ فَكَانَا بِمَنْزِلَةِ الْأَبَوَيْنِ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ الْأَبَوَانِ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَخْرُجَ فَكَذَا هُنَا هَذَا إذَا كَانَ السَّفَرُ سَفَرَ
إلَّا بِإِذْنِهِمَا وَكَذَا كُلُّ سَفَرٍ فِيهِ خَطَرٌ لِأَنَّ الْإِشْفَاقَ عَلَيْهِ يَضُرُّهُمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ خَطَرٌ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَخْرُجَ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا إذَا لَمْ يُضَيِّعْهُمَا وَالْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ مِثْلُهُمَا عِنْدَ عَدَمِهِمَا وَكَذَا الْمَدِينُ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِ الدَّائِنِ إلَّا فِي النَّفِيرِ الْعَامِّ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا} [التوبة: 41] أَيْ اُخْرُجُوا إلَى الْجِهَادِ شَبَابًا وَشُيُوخًا أَوْ رُكْبَانًا وَمُشَاةً أَوْ فُقَرَاءَ وَأَغْنِيَاءَ وَقَدْ جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ خِفَافًا شَبَابًا أَغْنِيَاءً وَثِقَالًا شُيُوخًا فُقَرَاءَ وَهَذَا أَبْلَغُ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْجِهَادُ وَاجِبٌ إلَّا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ فِي سَعَةٍ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَيْهِمْ فَقَوْلُهُ فِي سَعَةٍ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مُبَاشَرَةَ الْقِتَالِ لَا تَجِبُ فِي كُلِّ وَقْتٍ بَلْ الِاسْتِعْدَادُ لَهُ كَافٍ وَقَوْلُهُ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَيْهِمْ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مُبَاشَرَةَ الْقِتَالِ فَرْضٌ عَلَى الْكُلِّ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِمْ وَهُوَ النَّفِيرُ الْعَامُّ لِأَنَّ الْمَقْصُود حِينَئِذٍ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِإِقَامَةِ الْكُلِّ فَيُفْتَرَضُ عَلَيْهِمْ مُبَاشَرَتُهُ وَذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ إذَا جَاءَ النَّفِيرُ إنَّمَا يَصِيرُ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَى مَنْ يَقْرُبُ مِنْ الْعَدُوِّ وَهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَى الْجِهَادِ فَأَمَّا مَنْ وَرَاءَهُمْ بِبُعْدٍ مِنْ الْعَدُوِّ فَإِنْ كَانَ الَّذِينَ بِقُرْبِ الْعَدُوِّ عَاجِزِينَ عَنْ مُقَاوَمَةِ الْعَدُوِّ أَوْ قَادِرِينَ إلَّا أَنَّهُمْ لَا يُجَاهِدُونَ لِكَسَلٍ بِهِمْ أَوْ تَهَاوُنٍ اُفْتُرِضَ عَلَى مَنْ يَلِيهِمْ فَرْضَ عَيْنٍ ثُمَّ مَنْ يَلِيهِمْ كَذَلِكَ حَتَّى يُفْتَرَضَ عَلَى هَذَا التَّدْرِيجِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ شَرْقًا وَغَرْبًا وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَتَجْهِيزُهَا قَالَ رحمه الله
(وَكُرِهَ الْجُعْلُ إنْ وُجِدَ فَيْءٌ) وَالْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَضْرِبَ الْإِمَامُ الْجُعْلَ عَلَى النَّاسِ لِلَّذِينَ يَخْرُجُونَ إلَى الْجِهَادِ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْأَجْرَ عَلَى الطَّاعَةِ فَحَقِيقَتُهُ حَرَامٌ فَيُكْرَهُ مَا أَشْبَهَهُ وَلِأَنَّ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ مُعَدٌّ لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا مِنْ جُمْلَتِهِ قَالَ رحمه الله (وَإِلَّا لَا) أَيْ إنْ لَمْ يُوجَدْ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَيْءٌ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْجِهَادِ مَاسَةٌ وَفِيهِ تَحَمُّلُ الضَّرَرِ الْأَدْنَى لِدَفْعِ الْأَعْلَى وَقَدْ أَخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم دُرُوعًا مِنْ صَفْوَانَ عِنْدَ الْحَاجَةِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَعُمَرُ رضي الله عنه كَانَ يُغَزِّي الْعَزَبَ عَنْ ذِي الْحَلِيلَةِ وَيُعْطِي الشَّاخِصَ فَرَسَ الْقَاعِدِ وَقِيلَ يُكْرَهُ أَيْضًا لِمَا بَيَّنَّا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ تَعَاوُنٌ عَلَى الْبِرِّ وَجِهَادٌ مِنْ الْبَعْضِ بِالْمَالِ وَمِنْ الْبَعْضِ بِالنَّفْسِ وَأَحْوَالُ النَّاسِ مُخْتَلِفَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْجِهَادِ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدِرُ بِأَحَدِهِمَا وَكُلُّ ذَلِكَ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} [التوبة: 41] وَقَوْلُهُ {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} [التوبة: 111] وَقَالَ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «الْمُؤْمِنُونَ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا» وَأَطْلَقَ الْإِبَاحَةَ فِي الْيَسِيرِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِشَيْءٍ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ يَغْزُو بِأَجْرٍ كَمَثَلِ أُمِّ مُوسَى تُرْضِعُ وَلَدَهَا لِنَفْسِهَا وَتَأْخُذُ عَلَيْهِ الْأَجْرَ وَكَانَتْ تَأْخُذُ مِنْ فِرْعَوْنَ دِينَارَيْنِ كُلَّ يَوْمٍ» قَالَ رحمه الله
(فَإِنْ حَاصَرْنَاهُمْ نَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ «مَا قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
الْجِهَادِ أَمَّا إذَا كَانَ غَيْرُهُ كَالتِّجَارَةِ وَالْحَجِّ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَخْرُجَ بِغَيْرِ إذْنِ وَالِدَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَيْنِ السَّفَرَيْنِ إبْطَالُ حَقِّهِمَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ خَوْفُ هَلَاكِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ السَّفَرُ مِثْلَ السَّفَرِ فِي الْبَحْرِ لَا يَخْرُجُ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا ثُمَّ إنَّمَا يَخْرُجُ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا لِلتِّجَارَةِ إذَا كَانَا مُسْتَغْنِيَيْنِ عَنْ خِدْمَتِهِ أَمَّا إذَا كَانَا مُحْتَاجَيْنِ فَلَا اهـ.
(قَوْلُهُ {انْفِرُوا} [النساء: 71] يُقَالُ نَفَرَ إلَى الْغَزْوِ نَفْرًا وَنَفِيرًا أَيْ خَرَجَ فَإِنْ قُلْت قَوْله تَعَالَى {انْفِرُوا} [النساء: 71] عَامٌّ وَلَيْسَ فِيهِ تَخْصِيصٌ بِالنَّفِيرِ الْعَامِّ فَكَيْفَ خَصَّ بِالتَّنْفِيرِ الْعَامِّ قُلْت لَوْ لَمْ يَتَخَصَّصَ بِالتَّنْفِيرِ الْعَامِّ لَوَقَعَ النَّاسُ فِي حَرَجٍ وَلِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يَخْرُجُ مَعَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَعُلِمَ أَنَّ التَّنْفِيرَ خِفَافًا وَثِقَالًا فِيمَا إذَا كَانَ التَّنْفِيرُ عَامًّا بِأَنْ لَا يَنْدَفِعَ شَرُّ الْأَعْدَاءِ بِالْبَعْضِ فَحِينَئِذٍ يُفْتَرَضُ عَلَى الْكُلِّ لِتَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ قَهْرُ الْكُفَّارِ وَدَفْعُ شَرِّهِمْ يَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} [التوبة: 122] قَالَ الزَّجَّاجُ فِي تَفْسِيرِهِ يُرْوَى أَنَّ «ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ أَعَلَيَّ أَنْ أَنْفِرَ فَقَالَ لَا» (قَوْلُهُ أَوْ فُقَرَاءَ وَأَغْنِيَاءَ) أَيْ أَوْ مَهَازِيلَ وَسِمَانًا أَوْ صِحَاحًا وَمَرْضَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَأَمَّا مَنْ وَرَاءَهُمْ بِبَعْدٍ مِنْ الْعَدُوِّ) أَيْ فَفِي حَقِّهِمْ فَرْضُ كِفَايَةٍ إذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِمْ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ) أَيْ تَجِبُ عَلَى أَهْلِ مَحَلَّتِهِ وَلَا تَجِبُ عَلَى مَنْ بَعُدَ عَنْ الْمَيِّتِ إلَّا إذَا عَلِمَ أَنَّ أَهْلَ الْمَيِّتِ يُضَيِّعُونَهُ أَوْ عَاجِزُونَ عَنْ إقَامَةِ أَسْبَابِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَكُرِهَ الْجُعَلُ) الْجُعْلُ مَا جُعِلَ مِنْ شَيْءٍ لِلْإِنْسَانِ عَلَى شَيْءٍ يَفْعَلُهُ وَالْمُرَادُ هُنَا مَا يَضْرِبُهُ الْإِمَامُ لِلْغُزَاةِ عَلَى النَّاسِ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ التَّقَوِّي لِلْخُرُوجِ إلَى الْحَرْبِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِدَفْعِ الْأَعْلَى) أَيْ الضَّرَرِ الْأَعْلَى شَرُّ الْكَفَرَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ يُغْزِي) يُقَالُ أَغْزَى الْأَمِيرُ الْجَيْشَ إذَا بَعَثَهُ إلَى الْعَدُوِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ الْعَزَبِ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ الْعَزَبِ بِالتَّحْرِيكِ مَنْ لَا زَوْجَ لَهُ وَلَا يُقَالُ أَعْزَبُ وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ النَّوْمِ فِي الْمَسْجِدِ عَنْ نَافِعٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ يَنَامُ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ شَابٌّ أَعْزَبُ وَفِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ الْأَيِّمُ مِنْ النِّسَاءِ مِثْلُ الْأَعْزَبِ مِنْ الرِّجَالِ وَيُقَالُ امْرَأَةٌ عَزَبٌ أَيْضًا أَنْشَدَ الْجَرْمِيِّ
يَا مَنْ يَدُلُّ عَزَبًا عَلَى عَزَبٍ
انْتَهَى وَفِي الْمِصْبَاحِ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ وَلَا يُقَالُ رَجُلٌ أَعْزَبُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَأَجَازَهُ غَيْرُهُ وَقِيَاسُ قَوْلِ الْأَزْهَرِيِّ أَنْ يُقَالَ امْرَأَةٌ عَزْبَاءُ مِثْلُ أَحْمَرَ وَحَمْرَاءُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيُعْطِي الشَّاخِصَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله وَالشَّاخِصُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ شَخَصَ مِنْ مَكَان إذَا سَارَ فِي ارْتِفَاعٍ فَإِذَا سَارَ فِي حُدُورٍ فَهُوَ هَابِطٌ كَذَا قَالَهُ ابْنُ دُرَيْدٍ وَشَخَصَ الرَّجُلُ بِبَصَرِهِ إذَا أَحَدَّ النَّظَرَ رَافِعًا طَرَفَهُ إلَى السَّمَاءِ وَلَا يَكُونُ الشَّاخِصُ إلَّا كَذَلِكَ وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ حَاصَرْنَاهُمْ إلَخْ) لَمَّا فَرَغَ الْمُصَنِّفُ مِنْ بَيَانِ أَنَّ الْجِهَادَ فَرْضُ كِفَايَةٍ أَوْ عَيْنٍ عَلَى تَقْدِيرِ النَّفِيرِ الْعَامِّ وَعَلَى مَنْ يَجِبُ وَعَلَى مَنْ لَا يَجِبُ شَرَعَ فِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْقِتَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ نَدْعُوهُمْ إلَخْ) أَمَّا الْأَمْرُ بِالدُّعَاءِ إلَى الْإِسْلَامِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى
قَوْمًا قَطُّ إلَّا دَعَاهُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَقَالَ عليه الصلاة والسلام لِفَرْوَةِ بْنِ الْمُسَيْكِ «لَا تُقَاتِلُهُمْ حَتَّى تَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ قَالَ رحمه الله (فَإِنْ أَسْلَمُوا وَإِلَّا إلَى الْجِزْيَةِ) أَيْ فَإِنْ أَسْلَمُوا كَفَفْنَا عَنْ قِتَالِهِمْ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَقَدْ قَالَ عليه الصلاة والسلام «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنَى دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُؤْمِنَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا اكْتَفَى فِي الْحَدِيثِ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ الشِّرْكَ فَإِذَا وَحَّدُوا عُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا ذَلِكَ إلَّا مِنْهُ عليه الصلاة والسلام وَقَوْلُهُ وَإِلَّا إلَى الْجِزْيَةِ أَيْ إنْ لَمْ يَقْبَلُوا الْإِسْلَامَ نَدْعُوهُمْ إلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ إذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَمَرَهُ بِهِ فِي حَدِيثٍ فِيهِ طُولٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَلِأَنَّهُ آخِرُ مَا يَنْتَهِي بِهِ الْقِتَالُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] فَوَجَبَتْ الدَّعْوَةُ إلَيْهِ كَمَا تَجِبُ إلَى الْإِسْلَامِ وَهَذَا فِي حَقِّ مَنْ تُقْبَلُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ كَأَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوس وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَجَمِ وَأَمَّا مَنْ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ كَالْمُرْتَدِّينَ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ فَلَا نَدْعُوهُمْ إلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ إذْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ قَالَ تَعَالَى {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} [الفتح: 16] قَالَ رحمه الله (فَإِنْ قَبِلُوا فَلَهُمْ مَا لَنَا وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْنَا) أَيْ إنْ قَبِلُوا أَدَاءَ الْجِزْيَةِ لِقَوْلِ عَلِيٍّ رضي الله عنه إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا وَأَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا وَمُرَادُهُ بِالْبَذْلِ الْقَبُولُ وَكَذَا بِالْإِعْطَاءِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ تَحْصُلُ لَهُمْ قَبْلَ أَدَائِهَا بِمُجَرَّدِ الْقَبُولِ قَالَ رحمه الله
(وَلَا نُقَاتِلُ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ إلَى الْإِسْلَامِ) لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهُمْ بِالدَّعْوَةِ إلَيْهِ يَعْلَمُونَ أَنَّا نُقَاتِلُهُمْ عَلَى الدِّينِ لَا عَلَى شَيْءٍ آخَرَ مِنْ الذَّرَارِيّ وَسَلْبِ الْأَمْوَالِ فَلَعَلَّهُمْ يُجِيبُونَ فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِلَا قِتَالٍ وَمَنْ قَاتَلَهُمْ قَبْلَ الدَّعْوَةِ يَأْثَمُ لِلنَّهْيِ عَنْهُ وَلَا يَغْرَمُ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مَعْصُومِينَ بِالدِّينِ أَوْ الْإِحْرَازِ بِالدِّيَارِ فَصَارَ كَقَتْلِ مَنْ لَا يُقَاتِلُ مِنْهُمْ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَضْمَنُونَ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّا قَالَ رحمه الله (وَنَدْعُو نَدْبًا مَنْ بَلَغَتْهُ) أَيْ نَدْعُو اسْتِحْبَابًا مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ مُبَالَغَةً فِي الْإِنْذَارِ وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ لِمَا رُوِيَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّهُ قَالَ «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَهْطًا مِنْ الْأَنْصَارِ إلَى أَبِي رَافِعٍ فَدَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتِيكٍ بَيْتَهُ لَيْلًا فَقَتَلَهُ وَهُوَ نَائِمٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ قَالُوا تَقْدِيمُ الدَّعْوَةِ إلَى الْإِسْلَامِ عَلَى الْقِتَالِ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ حِينَ لَمْ يَنْتَشِرْ الْإِسْلَامُ وَلَمْ يَسْتَفِضْ وَأَمَّا بَعْدَ مَا انْتَشَرَ وَاسْتَفَاضَ وَعَرَفَ كُلُّ مُشْرِكٍ إلَى مَاذَا يُدْعَى يَحِلُّ لَهُ الْقِتَالُ قَبْلَ الدَّعْوَةِ وَيَقُومُ ظُهُورُ الدَّعْوَةِ وَشُيُوعُهَا مَقَامَ دَعْوَةِ كُلِّ مُشْرِكٍ وَهَذَا صَحِيحٌ ظَاهِرٌ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ أَنَّهُ قَالَ كَتَبْت إلَى نَافِعٍ أَسْأَلُهُ عَنْ الدُّعَاءِ قَبْلَ الْقِتَالِ فَكَتَبَ إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَقَدْ «أَغَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى عَلَى الْمَاءِ فَقَتَلَ مُقَاتِلَهُمْ وَسَبَى ذَرَارِيَّهُمْ وَأَصَابَ يَوْمئِذٍ جَوَيْرِيَةَ ابْنَةَ الْحَارِثِ حَتَّى حَدَّثَنِي بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْجَيْشِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَعَنْ أَنَسٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا غَزَا قَوْمًا لَمْ يَغُرْ حَتَّى يُصْبِحَ فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَغَارَ بَعْدَ مَا يُصْبِحُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالْإِغَارَةُ لَا تَكُونُ بَعْدَ الْإِعْلَامِ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي زَمَنِهِ صلى الله عليه وسلم لِاشْتِهَارِ الْإِسْلَامِ فَمَا ظَنُّك فِي زَمَانِنَا وَقَدْ اشْتَهَرَ وَبَلَغَ الْمَشْرِقَ وَالْمَغْرِبَ فَلَا تَجِبُ الدَّعْوَةُ بَعْدَ عِلْمِهِمْ بِالْعِنَادِ وَلِأَنَّهُمْ لَوْ اشْتَغَلُوا بِالدَّعْوَةِ رُبَّمَا يَتَحَصَّنُونَ فَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِمْ قَالَ رحمه الله
(وَإِلَّا نَسْتَعِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَنُحَارِبُهُمْ بِنَصْبِ الْمَجَانِيقِ وَحَرْقِهِمْ وَغَرْقِهِمْ وَقَطْعِ أَشْجَارِهِمْ وَإِفْسَادِ زُرُوعِهِمْ وَرَمْيِهِمْ وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِبَعْضِنَا وَنَقْصِدُهُمْ) أَيْ إنْ لَمْ يَقْبَلُوا الْجِزْيَةَ نَسْتَعِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ وَنُحَارِبُهُمْ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَبِكُلٍّ مِمَّنْ فِيهِ كَسْرُ شَوْكَتِهِمْ وَإِلْحَاقُ الضَّرَرِ بِهِمْ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ «عليه الصلاة والسلام كَانَ يَقُولُ فِي وَصِيَّةِ أَمِيرِ الْجَيْشِ فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْأَلْهُمْ الْجِزْيَةَ فَإِنْ أَجَابُوك فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ عَلَيْهِمْ وَقَاتِلْهُمْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ النَّاصِرُ لِأَوْلِيَائِهِ وَالْمُدَمِّرُ عَلَى أَعْدَائِهِ فَيُسْتَعَانُ بِهِ فِي كُلِّ الْأُمُورِ وَيُقَاتِلُ بِكُلِّ مَا يُمْكِنُ لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَصَبَ الْمَنْجَنِيقَ عَلَى أَهْلِ الطَّائِفِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
{ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: 15] لَكِنَّ هَذَا فِيمَا إذَا لَمْ تَبْلُغْهُمْ الدَّعْوَةُ فَإِذَا بَلَغَتْهُمْ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَجْدِيدِ الدَّعْوَةِ أَلَا تَرَى إلَى مَا رَوَى صَاحِبُ السُّنَنِ أَنَّ «نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَغَارَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى عَلَى الْمَاءِ فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ وَسَبَى سَبْيَهُمْ وَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ» وَالْأَفْضَلُ تَكْرَارُ الدَّعْوَةِ وَأَمَّا الْأَمْرُ بِالْكَفِّ عَنْهُمْ إنْ أَجَابُوا إلَى الْإِسْلَامِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلا عَلَى الظَّالِمِينَ} [البقرة: 193] وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْجِهَادِ إسْلَامُهُمْ وَقَدْ حَصَلَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ رحمه الله وَسَيَجِيءُ جَمِيعُ هَذِهِ الْحَاشِيَةِ فِي الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ اهـ (قَوْلُهُ إذْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ) أَيْ أَنَّ السَّيْفَ. اهـ. (قَوْلُهُ بِمُجَرَّدِ الْقَبُولِ) أَيْ قَبْلَ وُجُودِ الْإِعْطَاءِ وَالْبَذْلِ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ فَصَارَ كَقَتْلِ مَنْ لَا يُقَاتِلُ مِنْهُمْ) أَيْ كَالنِّسْوَانِ وَالصِّبْيَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُمْ غَارُّونَ) أَيْ غَافِلُونَ وَالْغُرَّةُ الْغَفْلَةُ. اهـ. كَيْ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَغَارَ إلَخْ) أَغَارُ عَلَى الْعَدُوِّ هَجَمَ عَلَيْهِمْ دِيَارَهُمْ وَأَوْقَعَ بِهِمْ. اهـ. مِصْبَاحٌ
(قَوْلُهُ وَإِنْ تَتَرَّسُوا) يُقَالُ تَتَرَّسَ بِالتُّرْسِ إذَا تَوَقَّى بِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
وَأَحْرَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بُوَيْرَةَ وَكَانَ فِيهَا نَخْلٌ» حَتَّى قَالَ الشَّاعِرُ وَهُوَ حَسَّانُ رضي الله عنه
وَهَانَ عَلَى سُرَاةِ، بَنِي لُؤَيٍّ
…
حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ
وَصَحَّ أَنَّهُ «عليه الصلاة والسلام قَطَعَ النَّخْلَ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} [الحشر: 5]» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ كُلُّهُ إلْحَاقُ الْغَيْظِ بِهِمْ وَكَبْتِهِمْ وَكَسْرِ شَوْكَتِهِمْ وَتَفْرِيقِ شَمْلِهِمْ فَيَكُونُ مَشْرُوعًا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ} [التوبة: 120].
وَقَوْلُهُ: وَرَمْيِهِمْ وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِبَعْضِنَا وَنَقْصِدُهُمْ يَعْنِي نُحَارِبُهُمْ بِرَمْيِهِمْ وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِالْمُسْلِمِينَ وَنَقْصِدُهُمْ بِالرَّمْيِ دُونَ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ إذَا عُلِمَ أَنَّ فِيهِمْ مُسْلِمًا وَأَنَّهُ يُتْلَفُ بِذَلِكَ لَا يَحِلُّ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى قَتْلِ الْمُسْلِمِ حَرَامٌ وَتَرْكُ قَتْلِ الْكَافِرِ جَائِزٌ أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ لَا يَقْتُلَ الْأَسَارَى لِمَنْفَعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ مُرَاعَاةَ جَانِبِ الْمُسْلِمِ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ وَنَحْنُ نَقُولُ أُمِرْنَا بِقِتَالِهِمْ فَلَوْ اعْتَبَرْنَا هَذَا الْمَعْنَى أَدَّى إلَى سَدِّ بَابِ الْجِهَادِ لِأَنَّ حُصُونَهُمْ وَمَدَائِنَهُمْ لَا تَخْلُو عَنْ مُسْلِمٍ وَلِأَنَّ فِي الرَّمْيِ دَفْعَ الضَّرَرِ الْعَامِّ بِإِلْحَاقِ ضَرَرٍ خَاصٍّ فَكَانَ أَوْلَى أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَفْعَلَ بِهِمْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَا يَجُوزُ لَنَا قَتْلُهُمْ كَنِسَائِهِمْ وَصِبْيَانِهِمْ وَالرُّهْبَانِ وَالشُّيُوخِ وَنَقْصِدُ بِالرَّمْيِ الْكُفَّارَ لِأَنَّ التَّمْيِيزَ بِالنِّيَّةِ مُمْكِنٌ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فِعْلًا وَالتَّكْلِيفُ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ وَإِنْ أَصَابُوا مِنْهُمْ فَلَا دِيَةَ عَلَيْهِمْ وَلَا كَفَّارَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ قَتَلَ مُسْلِمًا خَطَأً فَيَجِبُ مُوجِبُهُ وَلِأَنَّ الْإِطْلَاقَ لِلضَّرُورَةِ لَا يُنَافِي الضَّمَانَ كَأَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ حَالَةَ الْمَخْمَصَةِ وَلَنَا أَنَّ الْجِهَادَ فَرْضٌ فَلَا تُجَامِعُهُ الْغَرَامَةُ كَتَعْزِيرِ الْإِمَامِ وَحَدِّهِ وَكَالْبَزَّاغِ وَالْفِصَادِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ لِأَنَّ أَكْلَ مَالِ الْغَيْرِ حَالَةَ الْمَخْمَصَةِ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَإِنَّمَا هُوَ رُخْصَةٌ حَتَّى كَانَ تَرْكُهُ أَوْلَى لِكَوْنِهِ أَخْذًا بِالْعَزِيمَةِ وَبِخِلَافِ الْمُرُورِ عَلَى الطَّرِيقِ وَضَرْبِ الزَّوْجَةِ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ لَوْ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ عَلَيْهِ كَانَ مُقَيَّدًا بِشَرْطِ السَّلَامَةِ قَالَ رحمه الله
(وَنُهِينَا عَنْ إخْرَاجِ مُصْحَفٍ وَامْرَأَةٍ فِي سُرِّيَّةٍ يُخَافُ عَلَيْهَا) لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضٍ عَلَى الِاسْتِخْفَافِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ» وَقِيلَ قَارِئُ الْقُرْآنِ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ هَذَا النَّهْيَ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ حِينَ كَانَتْ الْمَصَاحِفُ وَالْقُرَّاءُ قَلِيلِينَ فَيُخَافُ ذَهَابُ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ انْتَسَخَ ذَلِكَ حِينَ كَثُرَتْ الْمَصَاحِفُ وَالْقُرَّاءُ عَنْ ظَهْرِ الْقَلْبِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَحْوَطُ وَكَذَا فِيهِ تَعْرِيضُ الْمَرْأَةِ عَلَى الضَّيَاعِ وَالْفَضَائِحِ فَيُكْرَهُ إخْرَاجُهَا وَإِنْ دَخَلَ إلَيْهِمْ بِأَمَانٍ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَحْمِلَ مَعَهُ الْمُصْحَفَ إذَا كَانُوا قَوْمًا يُوفُونَ بِالْعَهْدِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ الْخِيَانَةِ وَالْجَرْيُ عَلَى الْعَادَةِ وَإِنْ كَانَ الْعَسْكَرُ عَظِيمًا فَلَا بَأْسَ بِإِخْرَاجِ الْعَجَائِزِ لِلْخِدْمَةِ مِنْ الطَّبْخِ وَالْخَبْزِ وَمُعَالَجَةِ الْمَرْضَى وَغَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ السَّلَامَةُ إذَا كَانَتْ الشَّوْكَةُ لَهُمْ وَالْغَالِبُ كَالْمُتَحَقِّقِ وَلَا يُبَاشِرْنَ الْقِتَالَ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ لِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى ضَعْفِهِمْ فَيَجْتَرِئُ عَلَيْهِمْ الْعَدُوُّ وَأَمَّا الشَّوَابُّ مِنْهُنَّ فَقَرَارُهُنَّ فِي الْبَيْتِ أَسْلَمُ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُخْرِجُوا النِّسَاءَ أَصْلًا خَوْفًا مِنْ الْفِتَنِ وَرُبَّمَا حَزَبَهُمْ أَمْرٌ فَاشْتَغَلُوا عَنْهُنَّ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الدَّفْعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بُدٌّ مِنْ الْإِخْرَاجِ لِلْمُبَاضَعَةِ فَالْإِمَاءُ دُونَ الْحَرَائِرِ فَإِنَّ حُكْمَ اخْتِلَاطِ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ فِي حَقِّ الْإِمَاءِ أَخَفُّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ لِلْأَمَةِ أَنْ تُسَافِرَ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ وَقَضَاءُ الشَّهْوَةِ وَالْخِدْمَةُ يَحْصُلُ بِهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى الْحَرَائِرِ قَالَ رحمه الله (وَغَدْرٍ وَغُلُولٍ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام نَهَى عَنْهُمَا وَكِلَاهُمَا هُوَ الْخِيَانَةُ إلَّا أَنَّ الْغُلُولَ فِي الْمَغْنَمِ خَاصَّةٌ، وَالْغَدْرُ أَعَمُّ قَالَ رحمه الله (وَمِثْلُهُ،) لِمَا رُوِيَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ قَالَ «بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَرِيَّةٍ فَقَالَ سِيرُوا بِاسْمِ اللَّهِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ وَلَا تُمَثِّلُوا وَلَا تَعْذِرُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ الْمَنْهِيَّةِ بَعْدَ الظَّفَرِ بِهِمْ وَلَا بَأْسَ بِهَا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي كَبْتِهِمْ وَأَضَرُّ بِهِمْ وَهَذَا حَسَنٌ وَنَظِيرُهُ الْإِحْرَاقُ بِالنَّارِ قَالَ رحمه الله
(وَقَتْلِ امْرَأَةٍ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الشِّعْرِ مُسْتَطِيرُ) الْمُسْتَطِيرُ الْمُنْتَشِرُ اهـ (قَوْلُهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ فِيهِمْ مُسْلِمًا وَأَنَّهُ يَتْلَفُ بِذَلِكَ لَا يَحِلُّ) أَيْ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَصَابُوا مِنْهُمْ فَلَا دِيَةَ عَلَيْهِمْ وَلَا كَفَّارَةَ) فَإِنْ قُلْت يَرُدُّ عَلَيْكُمْ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «لَيْسَ فِي الْإِسْلَامِ دَمٌ مُفْرَجٌ» أَيْ مُهْدَرٌ قُلْت لَا نُسَلِّمُ لِأَنَّهُ عَامٌّ خَصَّ مِنْهُ الْبُغَاةَ وَقُطَّاعَ الطَّرِيقِ فَيَخُصُّ التَّنَازُعَ بِمَا قُلْنَاهُ اهـ أَتْقَانِيُّ رحمه الله وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَلَيْهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ كَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَجِبُ مُوجِبُهُ) وَلَنَا أَنَّهُ عَالِمٌ بِالْمَرْمِيِّ وَلَا خَطَأَ مَعَ الْعِلْمِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَلَا تُجَامِعُهُ الْغَرَامَةُ) أَيْ وَلِأَنَّ فِي إيجَابِ الضَّمَانِ سَدُّ، بَابِ الْجِهَادِ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ النَّاسَ إذَا عَلِمُوا أَنَّ فِيهِ ضَمَانًا يَمْتَنِعُونَ عَنْهُ خَوْفًا مِنْ الضَّمَانِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا هُوَ رُخْصَةٌ) أَيْ بَلْ إذَا صَبَرَ حَتَّى مَاتَ كَانَ مُثَابًا. اهـ. كَيْ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فِي سَرِيَّةٍ) السَّرِيَّةُ عَدَدٌ قَلِيلٌ يَسِيرُونَ بِاللَّيْلِ وَيَكْمُنُونَ بِالنَّهَارِ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. (قَوْلُهُ يَخَافُ عَلَيْهَا) فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَلَيْهِمَا بِضَمِيرِ الْمُثَنَّى وَفِي بَعْضِهَا بِالْإِفْرَادِ عَلَى أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى السَّرِيَّةِ وَعَلَى النُّسْخَةِ الْأُولَى يَرْجِعُ الضَّمِيرُ إلَى الْمُصْحَفِ وَالْمَرْأَةِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَغَدْرٍ وَغُلُولٍ) فِي الْمُحِيطِ هَذَا بَعْدَ الظُّفْرِ، وَإِعْطَاءِ الْأَمَانِ أَمَّا قَبْلَ الْأَمَانِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَكَذَا بِالْمُثْلَةِ قَبْلَ الظُّفْرِ، أَوْ الْأَمَانِ. اهـ. كَيْ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمُثْلَةٍ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ مَثَّلْت، بِالْقَتِيلِ مَثَلًا، مِنْ بَابِ قَتَلَ وَضَرَبَ إذَا جَدَعْته وَظَهَرَ آثَارُ فِعْلِك عَلَيْهِ تَنْكِيلًا، وَالتَّشْدِيدُ مُبَالَغَةً، وَالْمُثْلَةُ وِزَانُ غَرْفَةٍ، اهـ وَفِي الْمُغْرِبِ وَمَثَّلَ بِهِ مُثْلَةً وَذَلِكَ أَنْ يَقْطَعَ بَعْضَ أَعْضَائِهِ أَوْ يُسَوِّدَ وَجْهَهُ. اهـ.
وَغَيْرِ مُكَلَّفٍ وَشَيْخٍ فَانٍ وَأَعْمَى وَمُقْعَدٍ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ «عليه الصلاة والسلام نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَجَمَاعَةٌ أُخَرُ وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «انْطَلَقُوا بِاسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ لَا تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا وَلَا طِفْلًا وَلَا صَغِيرًا وَلَا امْرَأَةً» الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلِأَنَّ الْآدَمِيَّ خُلِقَ مَعْصُومَ الدَّمِ لِيُمْكِنَهُ تَحَمُّلَ أَعْبَاءِ التَّكَالِيفِ وَإِبَاحَةُ الْقَتْلِ عَارِضٌ بِحِرَابِهِ لِدَفْعِ شَرِّهِ وَلَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُمْ الْحِرَابُ فَبَقُوا عَلَى أَصْلِ الْعِصْمَةِ وَعَلَى هَذَا الرُّهْبَانُ الَّذِينَ لَا يُقَاتِلُونَ وَالْمَقْطُوعُ إحْدَى يَدَيْهِ وَإِحْدَى رِجْلَيْهِ أَوْ الْيُمْنَى وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِي الشَّيْخِ وَالْمُقْعَدِ وَالْأَعْمَى لِأَنَّ الْقَتْلَ عِنْدَهُ جَزَاءُ الْكُفْرِ وَقَدْ تَحَقَّقَ. قُلْنَا الدُّنْيَا دَارُ التَّكْلِيفِ وَلَيْسَتْ بِدَارِ الْجَزَاءِ وَإِنَّمَا أَوْجَبَ فِي مُقَارَفَةِ بَعْضِ الْجِنَايَاتِ فِي الدُّنْيَا لِتَنْتَظِمَ مَصَالِحُ الْعِبَادِ لِأَنَّ السُّفَهَاءَ لَا يَنْتَهُونَ بِمُجَرَّدِ الْوَعِيدِ قَالَ رحمه الله (إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمْ ذَا رَأْيٍ فِي الْحَرْبِ أَوْ مَلِكًا) فَحِينَئِذٍ يُقْتَلُ لِأَنَّ فِي قَتْلِهِ كَسْرَ شَوْكَتِهِمْ وَإِزَالَةَ ضَرَرِهِمْ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَتَلَ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ وَكَانَ ابْنُ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَقِيلَ ابْنُ مِائَةٍ وَسِتِّينَ سَنَةً لِأَنَّهُ كَانَ صَاحِبَ رَأْيٍ وَهُوَ أَعْمَى فَإِذَا كَانَ يَجُوزُ قَتْلُ صِبْيَانِ الْمُشْرِكِينَ
لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ
فَقَتْلُ شُيُوخِهِمْ أَوْلَى إذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ بِأَنْ كَانَ مَلِكًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لَا يُقْتَلُ إلَّا إذَا قَاتَلَ فَيُقْتَلُ دَفْعًا وَكَذَا الْمَجْنُونُ لَا يُقْتَلُ إلَّا مَا دَامَ يُقَاتِلُ وَغَيْرُهُمَا لَا بَأْسَ بِقَتْلِهِ بَعْدَ الْأَسْرِ إذَا كَانَ قَدْ قَاتَلَ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ فِي الْجُمْلَةِ لِتَوَجُّهِ الْخِطَابِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الْمَجْنُونُ يُفِيقُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَهُوَ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ كَالصَّحِيحِ فَيُقْتَلُ قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ قَالَ رحمه الله
(وَقَتْلِ أَبٍ مُشْرِكٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] وَلَيْسَتْ الْبُدَاءَةُ بِالْقَتْلِ مِنْ الْمَعْرُوفِ وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ لِإِحْيَائِهِ فَلَا يَكُونُ هُوَ سَبَبًا لَا فنائه قَالَ رحمه الله (وَلْيَأْبَ الِابْنُ لِيَقْتُلَهُ غَيْرُهُ) يَعْنِي إذَا أَدْرَكَهُ فِي الصَّفِّ أَوْ غَيْرِهِ لَا يَقْتُلُهُ بَلْ يَمْتَنِعُ عَنْهُ حَتَّى يَقْتُلَهُ غَيْرُهُ «لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام لِحَنْظَلَةَ حِين اسْتَأْذَنَهُ لِقَتْلِ أَبِيهِ دَعْهُ يَقْتُلُهُ غَيْرُك» وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ ارْتِكَابِهِ الْمَحْظُورَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَنْ يَقْتُلُهُ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ الرُّجُوعِ حَتَّى لَا يَعُودَ حَرْبًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَكِنَّهُ يُلْجِئُهُ إلَى مَكَان يَسْتَمْسِكُ بِهِ حَتَّى يَجِيءَ غَيْرُهُ فَيَقْتُلُهُ وَإِنْ قَصَدَ الْأَبُ قَتْلَهُ وَلَمْ يُمْكِنْهُ دَفْعُهُ إلَّا بِقَتْلِهِ فَلَا بَأْسَ بِقَتْلِهِ لِأَنَّ هَذَا دَفْعٌ عَنْ نَفْسِهِ وَإِيثَارٌ لِحَيَاتِهِ وَهُوَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ أَبَاهُ الْمُسْلِمَ بِالْقَتْلِ إذَا قَصَدَ الْأَبَ قَتْلَهُ فَالْكَافِرُ أَوْلَى وَكَذَا لَهُ أَنْ يُؤْثِرَ حَيَاتَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلِابْنِ مَاءٌ يَكْفِي أَحَدُهُمَا فَلِلِابْنِ أَنْ يَشْرَبَهُ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ يَمُوتُ عَطَشًا وَلِهَذَا يُحْبَسُ الْأَبُ بِنَفَقَةِ وَلَدِهِ دُونَ دَيْنِهِ لِأَنَّهُ بِمَنْعِ النَّفَقَةِ قَصَدَ إتْلَافَهُ فَكَانَ الْحَبْسُ فِيهِ مِنْ بَابِ دَفْعِ الْهَلَاكِ وَمَعَ هَذَا لَوْ قَتَلَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِعَدَمِ الْعَاصِمِ وَقَدْ قَالَ عُمَيْرُ بْنُ مَالِكٍ «قَالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَقِيت أَبِي فِي الْعَدُوِّ فَسَمِعْت مِنْهُ مَقَالَةً لَك فَقَتَلْته فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» وَلَوْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ لَبَيَّنَهُ إذْ هُوَ مَوْضِعُ الْحَاجَةِ وَأَجْدَادُهُ وَجَدَّاتُهُ مِنْ قَبْلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ كَأَبَوَيْهِ حَتَّى لَا يَبْتَدِئَهُمْ بِالْقَتْلِ وَلَا يُكْرَهُ قَتْلُ أَخِيهِ وَخَالِهِ وَعَمِّهِ الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا كَالْأُصُولِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ بِخِلَافِ أَخِيهِ الْبَاغِي حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُ لِأَنَّهُ يَجِبُ إحْيَاؤُهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ لِاتِّحَادِ الدِّينِ فَكَذَا بِتَرْكِ الْقَتْلِ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ قَتْلُ ابْنِهِ الْكَافِرِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إحْيَاؤُهُ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ ابْنِهِ الْمُحَارِبِ قَالَ رحمه الله
(وَيُصَالِحُهُمْ وَلَوْ بِمَالٍ إنْ خُيِّرَا) أَيْ يُصَالِحُ الْإِمَامُ أَهْلَ الْحَرْبِ إنْ كَانَ الصُّلْحُ خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: 61] أَيْ مَالُوا لِلصُّلْحِ. وَصَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ مَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ عَلَى أَنْ يَضَعُوا الْحَرْبَ بَيْنَهُمْ وَكَانَ فِي ذَلِكَ نَظَرٌ لِلْمُسْلِمِينَ لِمُوَاطَأَةٍ كَانَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَهْلِ خَيْبَرَ وَلِأَنَّ الصُّلْحَ جِهَادٌ فِي الْمَعْنَى إذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ الْجِهَادِ دَفْعُ الشَّرِّ وَلَا يَقْتَصِرُ الْحُكْمُ عَلَى الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ بَلْ يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ إذَا تَعَيَّنَ فِيهِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَشَيْخٍ فَانٍ) فِي الذَّخِيرَةِ هَذَا الْجَوَابُ فِي الشَّيْخِ الْكَبِيرِ الْفَانِي الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِتَالِ وَلَا عَلَى الصِّيَاحِ عِنْدَ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ وَلَوْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الصِّيَاحِ بِقَتْلٍ لِأَنَّهُ بِصِيَاحِهِ يُحَرِّضُهُمْ عَلَى الْقِتَالِ وَكَذَا إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْإِحْبَالِ لِأَنَّهُ يَجِيءُ مِنْهُ الْوَلَدُ فَيَكْثُرُ مُحَارِبُ الْمُسْلِمِينَ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ أَعْبَاءٌ) الْعِبْءُ بِالْكَسْرِ الْحِمْلُ وَالْجَمْعُ الْأَعْبَاءُ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ اهـ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الرُّهْبَانُ) وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ لَا يُقْتَلُ الرَّاهِبُ فِي صَوْمَعَتِهِ وَلَا أَهْلُ الْكَنَائِسِ الَّذِينَ لَا يُخَالِطُونَ النَّاسَ وَإِذَا خَالَطُوا يُقْتَلُونَ كَالْقِسِّيسِ وَغَيْرِهِ وَكَذَلِكَ الرَّاهِبُ إنْ دَلَّ عَلَى عَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ يَجُوزُ قَتْلُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ قُتِلَ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ) أَيْ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَكَانُوا اسْتَحْضَرُوهُ لِيُدَبِّرَ لَهُمْ. اهـ. كَيْ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ يَوْمَ أَوْطَاسٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِذَا كَانَ يَجُوزُ قَتْلُ صِبْيَانِ الْمُشْرِكِينَ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ فَإِذَا كَانَ يَجُوزُ قَتْلُ صِبْيَانِ الْمُسْلِمِينَ
لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ
فَقَتْلُ صِبْيَانِهِمْ أَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ بِأَنْ كَانَ مِلْكًا) أَيْ الصَّغِيرُ لَلْكُفَّارِ. اهـ.
(قَوْلُهُ {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] وَفِي السَّيْرِ الْكَبِيرِ الْمُرَادُ الْأَبَوَانِ الْمُشْرِكَانِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي} [لقمان: 15] اهـ كَيْ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِيَأْبَ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ يَمُوتُ عَطَشًا) رَجُلٌ وَابْنُهُ فِي الصَّحْرَاءِ أَوْ فِي مَفَازَةٍ وَمَعَهُمَا مِنْ الْمَاءِ قَدْرَ مَا يَكْفِي لِأَحَدِهِمَا مَنْ أَحَقُّ بِالْمَاءِ فَالِابْنُ أَحَقُّ بِالْمَاءِ لِأَنَّ الْأَبَ لَوْ كَانَ أَحَقُّ لَكَانَ عَلَى الِابْنِ أَنْ يَسْقِيَ أَبَاهُ وَمَتَى سَقَى أَبَاهُ مَاتَ مِنْ الْعَطَشِ فَيَكُونُ هَذَا إعَانَةً عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ وَإِنْ شَرِبَ هُوَ لَمْ يُعِنْ الْأَبَ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ وَصَارَ كَرَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ وَأَخَّرَ قَتْلَ غَيْرِهِ فَقَاتِلُ نَفْسِهِ أَعْظَمُ إثْمًا. اهـ. وَلْوَالِجِيٌّ فِي الْكَرَاهِيَةِ اهـ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُصَالِحُهُمْ إلَخْ) تَرْجَمَ الشَّيْخُ الشِّلْبِيُّ هُنَا بِبَابِ الْمُوَادَعَةِ وَمَنْ يَجُوزُ أَمَانُهُ اهـ وَقَالَ إنَّمَا سُمِّيَتْ الْمُصَالَحَةُ مُوَادَعَةً لِمَا فِيهَا مِنْ تَرْكِ الْقِتَالِ وَالْوَدَعُ التَّرْكُ اهـ مِنْ خَطِّهِ
الْخَيْرِيَّةُ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ خَيْرٌ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ} [محمد: 35] وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ دَفْعُ شَرِّهِمْ كَانَ الصُّلْحُ تَرْكًا لِلْجِهَادِ صُورَةً وَمَعْنًى وَهُوَ فَرْضٌ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَقَوْلُهُ وَلَوْ بِمَالٍ أَيْ بِمَالٍ يَأْخُذُهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ بِغَيْرِ مَالٍ فَبِالْمَالِ أَوْلَى إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ جِهَادٌ فِي الْمَعْنَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إلَيْهِ حَاجَةٌ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ تَرْكُ الْجِهَادِ صُورَةً وَمَعْنًى وَالْمَأْخُوذُ مِنْ الْمَالِ يُصْرَفُ مَصَارِفَ الْجِزْيَةِ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ كَالْجِزْيَةِ إلَّا إذَا نَزَلُوا بِدَارِهِمْ لِلْحَرْبِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ غَنِيمَةً لِكَوْنِهِ مَأْخُوذًا بِالْقَهْرِ وَحُكْمُهُ مَعْرُوفٌ وَلَوْ حَاصَرَ الْعَدُوُّ الْمُسْلِمِينَ وَطَلَبُوا الصُّلْحَ بِمَالٍ يَأْخُذُونَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَا يَفْعَلُ الْإِمَامُ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ إعْطَاءِ الدَّنِيَّةِ وَإِلْحَاقِ الْمَذَلَّةِ بِالْمُسْلِمِينَ وَفِي الْخَبَرِ لَيْسَ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَذِلَّ نَفْسَهُ إلَّا إذَا خَافَ الْهَلَاكَ لِأَنَّ دَفْعَ الْهَلَاكِ بِأَيِّ طَرِيقٍ أَمْكَنَ وَاجِبٌ «وَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْأَحْزَابِ أَنْ يَصْرِفَهُمْ عَنْ الْمُسْلِمِينَ بِثُلُثِ ثِمَارِ الْمَدِينَةِ كُلَّ سَنَةٍ فَقَالَ سَيِّدَا الْأَنْصَارِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ رضي الله عنهما يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ كَانَ هَذَا عَنْ وَحْيٍ فَامْضِ لِمَا أُمِرْت بِهِ وَإِنْ كَانَ رَأْيًا رَأَيْته فَقَدْ كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَكُنْ لَنَا وَلَا لَهُمْ دِينٌ فَكَانُوا لَا يُطْعَمُونَ مِنْ ثِمَارِ الْمَدِينَةِ إلَّا شِرَاءً أَوْ قِرًى فَإِذَا أَعَزَّنَا اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِسْلَامِ وَبَعَثَ فِينَا رَسُولٌ نُعْطِيهِمْ الدَّنِيَّةَ لَا نُعْطِيهِمْ إلَّا السَّيْفَ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام إنِّي رَأَيْت الْعَرَبَ رَمَتْكُمْ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ فَأَحْبَبْت أَنْ أَصْرِفَهُمْ عَنْكُمْ فَإِنْ أَبَيْتُمْ ذَلِكَ فَأَنْتُمْ وَذَاكَ وَسُرَّ عليه السلام بِذَلِكَ فَقَالَ اذْهَبُوا لَا نُعْطِيكُمْ إلَّا السَّيْفَ» وَمَيَلَانُهُ عليه الصلاة والسلام فِي الِابْتِدَاءِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَ خَوْفِ الْهَلَاكِ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعْطِي الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ لِدَفْعِ ضَرَرِهِمْ وَكُلُّ ذَلِكَ جِهَادٌ مَعْنًى قَالَ رحمه الله
(وَنَبَذَ لَوْ خَيْرًا) مَعْنَاهُ لَوْ صَالَحَهُمْ الْإِمَامُ ثُمَّ رَأَى نَقْضَ الصُّلْحِ أَصْلَحُ نَبَذَ إلَيْهِمْ وَقَاتَلَهُمْ لِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ لَمَّا تَبَدَّلَتْ كَانَ النَّقْضُ جِهَادًا صُورَةً وَمَعْنًى وَإِيفَاءُ الْعَهْدِ تَرْكُ الْجِهَادِ صُورَةً وَمَعْنًى وَلَا بُدَّ مِنْ النَّبْذِ إلَيْهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنفال: 58] وَلِأَنَّ الْغَدْرَ بِهِ يَنْتَفِي فَكَانَ وَاجِبًا وَنَبَذَ عليه الصلاة والسلام إلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَيَكُونُ النَّبْذُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ الْإِمَامُ فَإِنْ كَانَ مُنْتَشِرًا يَجِبُ أَنْ يَكُونُ النَّبْذُ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُنْتَشِرٍ بِأَنْ أَمَّنَهُمْ وَاحِدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ سِرًّا يَكْتَفِي بِنَبْذِ ذَلِكَ الْوَاحِدِ وَهُوَ عَلَى قِيَاسِ الْإِذْنِ بِالْحَجْرِ فَإِنَّ الْحَجْرَ يَكُونُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ الْإِذْنُ فِيهِ مِنْ الْجَهْرِ وَالسِّرِّ ثُمَّ بَعْدَ النَّبْذِ لَا يَجُوزُ قِتَالُهُمْ حَتَّى يَمْضِيَ عَلَيْهِمْ زَمَانٌ يَتَمَكَّنُ فِيهِ مَلِكُهُمْ مِنْ إنْفَاذِ الْخَبَرِ إلَى أَطْرَافِ مَمْلَكَتِهِ وَإِنْ كَانُوا خَرَجُوا مِنْ حُصُونِهِمْ وَتَفَرَّقُوا فِي الْبِلَادِ وَفِي عَسَاكِرِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ خَرَّبُوا حُصُونَهُمْ بِسَبَبِ الْأَمَانِ فَحَتَّى يَعُودُوا كُلُّهُمْ إلَى مَأْمَنِهِمْ وَيَعْمُرُوا حُصُونَهُمْ مِثْلَ مَا كَانَتْ تَوَقِّيًا عَنْ الْغَدْرِ هَذَا إذَا صَالَحَهُمْ مُدَّةً فَرَأَى نَقْضَهُ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَأَمَّا إذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ يَبْطُلُ الصُّلْحُ بِمُضِيِّهَا فَلَا يُنْبَذُ إلَيْهِمْ وَلَوْ كَانَتْ الْمُوَادَعَةُ عَلَى جُعْلٍ فَنَقَضَهُ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ رَدَّهُ عَلَيْهِمْ بِحِصَّتِهِ لِأَنَّهُ مُقَابِلٌ بِالْأَمَانِ فِي الْمُدَّةِ فَيَرْجِعُونَ بِمَا لَمْ يُسَلَّمْ لَهُمْ الْأَمَانُ فِيهِ قَالَ رحمه الله (وَنُقَاتِلُ بِلَا نَبْذٍ لَوْ خَانَ مَلِكُهُمْ) لِأَنَّ النَّبْذَ لِنَقْضِ الْعَهْدِ وَقَدْ انْتَقَضَ بِالْخِيَانَةِ مِنْهُمْ فَلَا يُتَصَوَّرُ نَقْضُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَكَذَا إذَا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ لَهُمْ مَنَعَةٌ بِإِذْنِ مَلِكِهِمْ وَقَاتَلُوا الْمُسْلِمِينَ عَلَانِيَةً لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَ دُخُولُهُمْ بِغَيْرِ إذْنِ مَلِكِهِمْ انْتَقَضَ الْعَهْدُ فِي حَقِّهِمْ لَا غَيْرُ حَتَّى يَجُوزَ قَتْلُهُمْ وَاسْتِرْقَاقُهُمْ لِأَنَّهُمْ اسْتَبَدُّوا بِأَنْفُسِهِمْ فَيُنْتَقَضُ الْعَهْدُ فِي حَقِّهِمْ وَلَا يُنْتَقَضُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ لِأَنَّ فِعْلَهُمْ لَا يَلْزَمُ غَيْرَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَنَعَةٌ لَمْ يَكُنْ نَقْضًا لِلْعَهْدِ قَالَ رحمه الله
(وَالْمُرْتَدِّينَ بِلَا مَالٍ) أَيْ نُصَالِحُ الْمُرْتَدِّينَ بِلَا أَخْذِ مَالٍ مِنْهُمْ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ مَرْجُوٌّ مِنْهُمْ فَجَازَ تَأْخِيرُ الْقِتَالِ طَمَعًا فِيهِ إذَا كَانَ فِي التَّأْخِيرِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي أَهْلِ الْحَرْبِ وَإِنَّمَا لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ الْمَالُ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْجِزْيَةَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَرَكَ الْقِتَالَ بِالْمَالِ غَيْرَ أَنَّ الْجِزْيَةَ مُؤَبَّدَةٌ وَهَذَا مُؤَقَّتٌ وَهُمْ لَا تُقْبَلُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ فَكَذَا هَذَا قَالَ رحمه الله (فَإِنْ أَخَذَ لَمْ يَرُدَّ) أَيْ إنْ أَخَذَ الْمَالَ مِنْهُمْ عَلَى الصُّلْحِ لَا يَرُدُّهُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ أَمْوَالَهُمْ غَيْرُ مَعْصُومَةٍ فَجَازَ أَخْذُهَا ابْتِدَاءً بِغَيْرِ رِضَاهُمْ وَعَلَى هَذَا إذَا طَلَبَ أَهْلُ الْبَغْيِ الْمُوَادَعَةَ أُجِيبُوا إلَيْهَا إنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِأَهْلِ الْعَدْلِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَضْعُ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ وَأَمْوَالُهُمْ مَعْصُومَةٌ قَالَ رحمه الله
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ حَتَّى لَا يَجُوزَ. اهـ. (قَوْلُهُ الدَّنِيَّةُ) أَيْ النَّقِيصَةُ. اهـ. اك (قَوْلُهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ) هُوَ سَيِّدُ الْأَوْسِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ) هُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ نَبَذَا إلَيْهِمْ) أَيْ بَعَثَ إلَيْهِمْ مَنْ يُعْلِمُهُمْ بِنَقْضِ الْعَهْدِ. اهـ.
(وَلَمْ نَبِعْ سِلَاحًا مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام نَهَى عَنْ ذَلِكَ وَلِأَنَّ فِيهِ تَقْوِيَةٌ لَهُمْ فَيَحْرُمُ وَكَذَا الْكُرَاعُ وَالْحَدِيدُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْوِيَتِهِمْ عَلَى الْحَرْبِ لِأَنَّ الْحَدِيدَ أَصْلُ السِّلَاحِ وَكَذَا بَعْدَ الصُّلْحِ لِأَنَّهُ عَلَى شَرَفِ النَّقْضِ أَوْ الِانْقِضَاءِ وَكَذَا الرَّقِيقُ لِأَنَّهُمْ يَتَوَالَدُونَ عِنْدَهُمْ فَيَعُودُونَ حَرْبًا عَلَيْنَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا لِمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ مَا يُمْنَعُ الْمُسْلِمُ يُمْنَعُ الْمُسْتَأْمِنُ مِنْهُمْ أَيْضًا أَنْ يَدْخُلَ بِهِ دَارَهُمْ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ خَرَجَ هُوَ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الرُّجُوعِ بِهِ إلَّا إذَا أَسْلَمَ الْعَبْدُ وَإِنْ بَادَلَ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَا بِجِنْسِهِ لَا يُمْنَعُ مِنْ الدُّخُولِ بِهِ إلَّا إذَا كَانَ خَيْرًا مِنْهُ وَإِنْ بَاعَهُ بِدَارِهِمْ ثُمَّ اشْتَرَى غَيْرَهُ يُمْنَعُ مُطْلَقًا وَلَا يُمْنَعُ مِنْ إدْخَالِ الطَّعَامِ وَالْقُمَاشِ وَالْقِيَاسُ أَنْ يُمْنَعَ لِأَنَّ فِيهِ تَقْوِيَتَهُمْ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ بِمَا رُوِيَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَمَرَ ثُمَامَةَ أَنْ يُمِيرَ أَهْلَ مَكَّةَ قَالَ رحمه الله
(وَلَمْ نَقْتُلْ مَنْ أَمَّنَهُ حُرٌّ أَوْ حُرَّةٌ) لِأَنَّ أَمَانَ وَاحِدٍ حُرٍّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَافِرًا وَاحِدًا أَوْ جَمَاعَةً صَحِيحٌ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ الذِّمَّةُ الْعُهْدَةُ وَأَدْنَاهُمْ أَيْ أَقَلُّهُمْ عَدَدًا وَهُوَ الْوَاحِدُ فَإِنَّهُ يَتَوَلَّى الْعَهْدَ الْمُؤَبَّدَ وَالْمُؤَقَّتُ وَقَالَ عليه السلام «إنَّ الْمَرْأَةَ لَتَأْخُذُ لِلْقَوْمِ» أَيْ تُجِيرُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَأَجَازَ عليه الصلاة والسلام أَمَانَ أُمِّ هَانِئٍ رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ وَلِأَنَّ الْوَاحِدَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ أَوْ بِمَالِهِ مِنْ أَهْلِ مَنَعَةِ الْإِسْلَامِ فَيَخَافُونَهُ فَيَنْفُذُ أَمَانُهُ فِي حَقِّهِ لِوِلَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ ضَرُورَةَ عَدَمِ التَّجَزِّي لِكَوْنِ سَبَبِهِ لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ الْإِسْلَامُ فَصَارَ كَوِلَايَةِ التَّزْوِيجِ بَيَانٌ أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ أَنَّ الْعِصْمَةَ مِنْ الْقَتْلِ وَحُرْمَةُ الِاسْتِرْقَاقِ وَالِاسْتِغْنَامِ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَثْبُتَ فِي بَعْضِ شَخْصٍ دُونَ بَعْضِهِ وَمَا لَا يَتَجَزَّأُ لَا يَثْبُتُ إلَّا كَامِلًا فَيَثْبُتُ فِي الْكُلِّ فِي حَقِّ الْكُلِّ لِأَنَّهُ لِمَصْلَحَةِ الْكُلِّ فَيَقُومُ الْوَاحِدُ مَقَامَ الْكُلِّ لِتَعَذُّرِ اجْتِمَاعِ الْكُلِّ وَشَرْطٌ أَنْ يَكُونَ الْعَاقِدُ حُرًّا لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ فَلَا يَخَافُهُ فَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْأَمْنُ مِنْهُ حَتَّى يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ قَالَ رحمه الله
(وَنَبَذَ لَوْ شَرًّا) أَيْ نَبَذَ الْإِمَامُ أَمَانَ الْوَاحِدِ إذَا كَانَ شَرًّا رِعَايَةً لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَاحْتِرَازًا عَنْ الْغَدْرِ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعْرَفُ بِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَيُؤَدِّبُهُ الْإِمَامُ لِانْفِرَادِهِ بِرَأْيِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَفُوتُ بِالتَّأْخِيرِ فَيُعْذَرُ قَالَ رحمه الله (وَبَطَلَ أَمَانُ ذِمِّيٍّ) لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِهِمْ وَكَذَا لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ سَبَبُ الْأَمَانِ أَيْضًا وَهُوَ الْإِيمَانُ إلَّا إذَا أَمَرَهُ أَمِيرُ الْعَسْكَرِ أَنْ يُؤَمِّنَهُمْ فَيَجُوزُ أَمَانُهُ لِزَوَالِ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِرَأْيِ الْمُسْلِمِ قَالَ رحمه الله (وَأَسِيرٍ وَتَاجِرٍ) لِأَنَّهُمَا مَقْهُورَانِ تَحْتَ أَيْدِيهمْ فَلَا يَخَافُونَهُمَا وَالْأَمَانُ يَكُونُ مِنْ الْخَوْفِ وَلِأَنَّهُمَا يُجْبَرَانِ عَلَيْهِ فَيَعْرَى الْأَمَانُ عَنْ الْمَصْلَحَةِ وَلَوْ جَازَ مِثْلُ هَذَا لَتَحَصَّنُوا بِأَمَانِهِ كُلَّمَا اشْتَدَّ عَلَيْهِمْ الْأَمْرُ فَيُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِ الْفَتْحِ وَكَذَا أَمَانُ الْمُسْلِمِ الَّذِي أَسْلَمَ فِي دَارِهِمْ وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا وَكَذَا لَوْ دَخَلَ مُسْلِمٌ فِي عَسْكَرِ أَهْلِ الْحَرْبِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَأَمَّنَهُمْ لَا يَصْلُحُ أَمَانُهُ لِأَنَّهُ مَقْهُورٌ بِمَنَعَتِهِمْ فَلَا يَصِحُّ إلَّا إذَا أَمَّنَهُمْ مَنْ يُقَاوِمُهُمْ بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَّنَ عِشْرِينَ أَوْ نَحْوَهُمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ يَجُوزُ أَمَانُهُ لِأَنَّ الْوَاحِدَ وَإِنْ كَانَ مَقْهُورًا بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِ حَيْثُ لَا يُقَاوِمُهُمْ لَكِنَّهُ قَاهِرٌ مُمْتَنِعٌ بِقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ إذْ هُمْ لَا يَمْتَنِعُونَ عَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ قَاهِرًا لَهُمْ حُكْمًا بِخِلَافِ الْجَيْشِ فَإِنَّهُمْ مُمْتَنِعُونَ فَلَا يَكُونُونَ فِي قَهْرِهِ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ لَوْ دَخَلُوا دَارَنَا بِغَيْرِ أَمَانٍ كَانُوا فَيْئًا وَلَوْ دَخَلَ جُنْدٌ عَظِيمٌ مِنْهُمْ فَقَاتَلَهُمْ قَوْمٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى قَهَرُوهُمْ كَانُوا لَهُمْ خَاصَّةً لِعَدَمِ صَيْرُورَتِهِمْ مَقْهُورِينَ بِحُصُولِهِمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ لَوْ أَخْرَجَهُمْ وَاحِدٌ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ إلَى عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ بِشَوْكَتِهِمْ إذَا كَانُوا جُنْدًا عَظِيمًا وَإِلَّا فَبِالْأَمَانِ فَلَا يَجُوزُ غَدْرُهُمْ
قَالَ رحمه الله (وَعَبْدٍ مَحْجُورٍ عَنْ الْقِتَالِ) أَيْ لَا يَجُوزُ أَمَانُ عَبْدٍ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ عَنْ الْقِتَالِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ يَجُوزُ أَمَانُهُ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ فِيمَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله فِيمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ لِمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ مَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ» أَيْ أَدْنَاهُمْ حَالًا وَهُوَ الْعَبْدُ وَلِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ أَهْلٌ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَمْ نَبِعْ سِلَاحًا مِنْهُمْ) أَيْ وَلَا نَبْعَثُ التُّجَّارَ إلَيْهِمْ. اهـ. اك (قَوْلُهُ وَكَذَا الْكُرَاعُ) يَعْنِي الْخَيْلُ. اهـ. (قَوْلُهُ يَمِيرُ) يُقَالُ مَارَ أَهْلَهُ أَيْ أَتَاهُمْ بِالطَّعَامِ. اهـ. اك.
(قَوْلُهُ أَقَلُّهُمْ عَدَدًا) وَإِنَّمَا فَسَّرَ الْأَدْنَى بِالْأَقَلِّ احْتِرَازًا عَنْ تَفْسِيرِ مُحَمَّدٍ الْآتِي إذْ عِنْدَهُ الْمُرَادُ بِأَدْنَاهُمْ أَدْنَاهُمْ حَالًا وَهُوَ الْعَبْدُ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ الدَّنَاءَةِ وَالْعَبْدُ أَدْنَى الْمُسْلِمِينَ. اهـ
(قَوْلُهُ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَاحِدٌ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَتَقَدَّمَ الْحَدِيثُ بِلَفْظِ وَاحِدَةٍ اهـ