المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في كيفية القطع وإثباته] - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي - جـ ٣

[الفخر الزيلعي]

فهرس الكتاب

- ‌(بَابُ الظِّهَارِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَار]

- ‌(بَابُ اللِّعَانِ)

- ‌(بَابُ الْعِنِّينِ وَغَيْرِهِ)

- ‌(بَابُ الْعِدَّةِ)

- ‌(فَصْلٌ).فِي الْإِحْدَادِ

- ‌(بَابُ ثُبُوتِ النَّسَبِ)

- ‌[بَابُ الْحَضَانَةِ]

- ‌(بَابُ النَّفَقَةِ)

- ‌(كِتَابُ الْإِعْتَاقِ)

- ‌(بَابُ الْعَبْدُ يَعْتِقُ بَعْضُهُ)

- ‌(بَابُ الْحَلِفِ بِالدُّخُولِ)

- ‌{بَابُ الْعِتْقِ عَلَى جُعْلٍ}

- ‌{بَابُ التَّدْبِيرِ}

- ‌بَابُ الِاسْتِيلَادِ

- ‌{كِتَابُ الْأَيْمَانِ}

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَالسُّكْنَى وَالْإِتْيَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ)

- ‌{بَابُ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللُّبْسِ وَالْكَلَامِ}

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ)

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّزَوُّجِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا)

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ)

- ‌(كِتَابُ الْحُدُودِ)

- ‌(بَابُ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ)

- ‌(بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَالرُّجُوعِ عَنْهَا)

- ‌(بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ)

- ‌(بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي التَّعْزِيرِ)

- ‌(كِتَابُ السَّرِقَةِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الْحِرْزِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ وَإِثْبَاتِهِ]

- ‌(بَابُ قَطْعِ الطَّرِيقِ)

- ‌(كِتَابُ السِّيَرِ)

- ‌[بَابُ الْغَنَائِمِ وَقِسْمَتِهَا]

- ‌(فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ)

- ‌(بَابُ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ)

- ‌(بَابُ الْمُسْتَأْمَنِ)

- ‌[فَصْلٌ إقَامَة الْمُسْتَأْمَنُ فِي دارنا إقَامَة دائمة]

- ‌(بَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ)

- ‌(بَابُ الْمُرْتَدِّينَ)

- ‌(بَابُ الْبُغَاةِ)

- ‌[كِتَابُ اللَّقِيطِ]

- ‌[كِتَابُ اللُّقَطَةِ]

- ‌(كِتَابُ الْآبِقِ)

- ‌[كِتَاب الْمَفْقُود]

- ‌(كِتَابُ الشِّرْكَةِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الشِّرْكَةِ الْفَاسِدَةِ)

- ‌(كِتَابُ الْوَقْفِ)

- ‌[فَصْلٌ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ حَتَّى يَفْرِزَهُ عَنْ مِلْكِهِ]

الفصل: ‌[فصل في كيفية القطع وإثباته]

مَا أَدْخَلَهُ فِي كُمِّهِ أَوْ رَبَطَهُ لَا يَقْصِدُ حِفْظَهُ وَإِنَّمَا يَقْصِدُ قَطْعَ الطَّرِيقِ أَوْ الِاسْتِرَاحَةَ بِالْمَشْيِ وَالْقُعُودِ لِاعْتِمَادِهِ عَلَيْهِ فَلَا يُعْتَبَرُ حَافِظًا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ أَلَا تَرَى قَوْلَهُ عليه الصلاة والسلام «لَا قَطْعَ فِي حَرِيسَةِ الْجَبَلِ» لِأَنَّ مَقْصُودَ الرَّاعِي الرَّعْيُ دُونَ الْحِفْظِ وَهُوَ تَبَعٌ فَلَا يَصْلُحُ لِلْقَطْعِ لِمَا فِيهِ مِنْ شُبْهَةِ الْعَدَمِ

وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ سَرَقَ ثَوْبًا عَلَيْهِ وَهُوَ رِدَاؤُهُ أَوْ قَلَنْسُوَةً أَوْ طَرَفَ مِنْطَقَتِهِ أَوْ سَيْفَهُ أَوْ سَرَقَ مِنْ امْرَأَةٍ حُلِيًّا عَلَيْهَا لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهَا خِلْسَةٌ وَلَيْسَتْ بِخُفْيَةِ سَرِقَةٍ وَلَوْ سَرَقَ مِنْ رَجُلٍ نَائِمٍ قِلَادَةً عَلَيْهِ وَهُوَ لَابِسُهَا أَوْ مُلَاءَةً وَهُوَ لَابِسُهَا أَوْ وَاضِعُهَا قَرِيبًا مِنْهُ بِحَيْثُ يَكُونُ حَافِظًا لَهُ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا خُفْيَةً وَسِرًّا وَلَهُ حَافِظٌ وَهُوَ النَّائِمُ وَأَمَّا إذَا سَرَقَ مِنْ قِطَارٍ بَعِيرًا أَوْ حَمَلًا فَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُجَرَّدِ مَقْصُودٍ فَتُمْكِنُ فِيهِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا سَائِقٌ أَوْ قَائِدٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّ السَّائِقَ أَوْ الرَّاكِبَ يَقْصِدُ قَطْعَ الْمَسَافَةِ وَنَقْلَ الْأَمْتِعَةِ دُونَ الْحِفْظِ حَتَّى لَوْ كَانَ مَعَهَا مَنْ يَحْفَظُهَا يُقْطَعُ.

قَالَ رحمه الله (وَإِنْ شَقَّ الْحَمْلُ فَأَخَذَ مِنْهُ أَوْ سَرَقَ جُوَالِقًا فِيهِ مَتَاعٌ وَرَبُّهُ يَحْفَظُهُ أَوْ نَائِمٌ عَلَيْهِ أَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي صُنْدُوقٍ أَوْ فِي جَيْبِ غَيْرِهِ أَوْ كُمِّهِ فَأَخَذَ الْمَالَ قُطِعَ) لِوُجُودِ السَّرِقَةِ مِنْ الْحِرْزِ وَالنَّوْمِ بِقُرْبٍ مِنْهُ بِحَيْثُ يُعَدُّ حَافِظًا لَهُ كَالنَّوْمِ عَلَيْهِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ وَإِثْبَاتِهِ]

(فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ وَإِثْبَاتِهِ) قَالَ رحمه الله (تُقْطَعُ يَمِينُ السَّارِقِ مِنْ الزَّنْدِ) لِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا وَهِيَ مَشْهُورَةٌ فَجَازَ التَّقْيِيدُ بِهَا وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ تُقْطَعُ الْأَصَابِعُ فَقَطْ لِأَنَّ الْبَطْشَ يَقَعُ بِهَا وَقَالَتْ الْخَوَارِجُ تُقْطَعُ الْيَمِينُ مِنْ الْمَنْكِبِ لِأَنَّ الْيَدَ اسْمٌ لِكُلِّهَا وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «أَمَرَ بِقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ مِنْ الرُّسْغِ» وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ قَطَعَ مِنْ الْأَئِمَّةِ قَطَعَ مِنْ الرُّسْغِ فَصَارَ إجْمَاعًا فِعْلًا فَلَا يَجُوزُ خِلَافُهُ قَالَ رحمه الله (وَتُحْسَمُ) أَيْ تُكْوَى كَيْ يَنْقَطِعَ الدَّمُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «فَاقْطَعُوهُ ثُمَّ احْسِمُوهُ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَلِأَنَّ مَنَافِذَ الدَّمِ تَنْسَدُّ بِالْكَيِّ فَيَنْقَطِعُ بِهِ فَلَوْ لَمْ يُكْوَى

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ لَا قَطْعَ فِي حَرِيسَةِ الْجَبَلِ) وَحَرِيسَةُ الْجَبَلِ هِيَ الشَّاةُ الْمَسْرُوقَةُ مِمَّا يُحْرَسُ فِي الْجَبَلِ وَقِيلَ هُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ لِلسَّارِقِ حَارِسٌ عَلَى سَبِيلِ التَّعْكِيسُ وَفِي التَّكْمِلَةِ حَرَسَنِي شَاةً أَيْ سَرَقَهَا حَرَسِي اهـ مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ أَوْ سَيْفِهِ) أَيْ وَهُوَ مُسْتَيْقِظٌ غَيْرُ غَافِلٍ اهـ.

(فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ وَإِثْبَاتِهِ) ظَاهِرُ تَرْتِيبِهِ عَلَى بَيَانِ نَفْسِ السَّرِقَةِ وَتَفَاصِيلِ الْمَالِ وَالْحِرْزِ لِأَنَّهُ حُكْمُ سَرِقَةِ الْمَالِ الْخَاصِّ مِنْ الْحِرْزِ فَيَتَعَقَّبُهُ فَالْقَطْعُ لِمَا تَلَوْنَا مِنْ قَبْلُ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] وَالْمَعْنَى يَدَيْهِمَا وَحُكْمُ اللُّغَةِ أَنَّ مَا أُضِيفَ مِنْ الْخَلْقِ إلَى اثْنَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٌ أَنْ يُجْمَعَ، مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] وَقَدْ يُثَنَّى وَقَالَ ظَهْرَاهُمَا مِثْلُ ظُهُورِ التُّرْسَيْنِ وَالْأَفْصَحُ الْجَمْعُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ مِنْ الزَّنْدِ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ الزَّنْدُ مَوْصِلُ طَرَفِ الذِّرَاعِ فِي الْكَفِّ وَهُمَا زَنْدَانِ الْكُوعُ وَالْكُرْسُوعُ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْكُوعُ طَرَفُ الزَّنْدِ الَّذِي يَلِي الْإِبْهَامَ وَالْكُرْسُوعُ طَرَفُ الزَّنْدِ الَّذِي يَلِي الْخِنْصَرَ اهـ.

(قَوْلُهُ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ) قَالَ الْكَمَالُ وَأَمَّا كَوْنُهَا الْيَمِينُ فَبِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا وَهِيَ مَشْهُورَةٌ فَكَانَ خَبَرًا مَشْهُورًا فَيُقَيِّدُ إطْلَاقَ النَّصِّ فَهَذَا مِنْ تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ لَا مِنْ بَابِ الْمُجْمَلِ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا إجْمَالَ فِي فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا وَقَدْ «قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْيَمِينَ» وَكَذَا الصَّحَابَةُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ التَّقْيِيدُ مُرَادًا لَمْ يَفْعَلْهُ وَكَانَ يَقْطَعُ الْيَسَارَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَمِينَ أَنْفَعُ مِنْ الْيَسَارِ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ بِهَا مِنْ الْأَعْمَالِ وَحْدَهَا مَا لَا يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ الْيَسَارِ فَلَوْ كَانَ الْإِطْلَاقُ مُرَادًا وَالِامْتِثَالُ يَحْصُلُ بِكُلٍّ لَمْ يَقْطَعْ إلَّا الْيَسَارَ عَلَى عَادَتِهِ مِنْ طَلَبِ الْأَيْسَرِ لَهُمْ اهـ وَقَوْلُهُ فَهَذَا مِنْ تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ إلَخْ فِيهِ رَدٌّ لِمَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ حَيْثُ قَالَ فَإِنْ قُلْت الزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ نُسِخَ عِنْدَنَا فَلِذَا لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَكَيْفَ جَازَتْ بِقِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ قُلْت لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا خَبَرُ الْوَاحِدِ وَقِرَاءَتُهُ كَانَتْ مَشْهُورَةً إلَى زَمَنِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالزِّيَادَةُ بِالْمَشْهُورِ جَائِزَةٌ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهَا خَبَرُ الْوَاحِدِ فَنَقُولُ خَبَرُ الْوَاحِدِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِمُجْمَلِ الْكِتَابِ وَالْكِتَابُ مُجْمَلٌ فِي حَقِّ الْمِقْدَارِ وَفِي حَقِّ الْيَمِينِ أَيْضًا لِاحْتِمَالِ إرَادَةِ الشِّمَالِ فَالْتَحَقَتْ قِرَاءَتُهُ بِالْكِتَابِ بَيَانًا لَهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْيَمِينُ لَا الشِّمَالُ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْبَطْشَ يَقَعُ بِهَا) أَيْ وَالْأَخْذُ أَيْ فَتُقْطَعُ الْأَصَابِعُ لِإِزَالَةِ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَخْذِ وَالْبَطْشِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ «عليه الصلاة والسلام أَمَرَ بِقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ مِنْ الرُّسْغِ») قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَنَا أَنَّ الْيَدَ ذَاتَ مَقَاطِعَ ثَلَاثَةٍ وَهِيَ الرُّسْغُ وَالْمِرْفَقُ وَالْمَنْكِبُ وَكُلٌّ مِنْهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا فَزَالَ الِاحْتِمَالُ بِبَيَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ أَمَرَ بِقَطْعِ الْيَدِ الْيُمْنَى مِنْ الزَّنْدِ وَلِأَنَّ مِفْصَلَ الزَّنْدِ وَهُوَ الرُّسْغُ مُتَيَقِّنٌ بِهِ لِكَوْنِهِ أَقَلَّ فَيُؤْخَذُ بِهِ لِأَنَّ الْعُقُوبَاتِ لَا تَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ وَفِيمَا زَادَ عَلَى الرُّسْغِ شُبْهَةٌ فَلَا تَثْبُتُ وَإِنَّمَا كَانَ مَفْصِلُ الزَّنْدِ مِنْ الْيَمِينِ مُرَادًا إمَّا بِبَيَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ. اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ احْسِمُوهُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ الْحَسْمُ هُوَ الْكَيُّ بَعْدَ الْقَطْعِ بِالزَّيْتِ الْمَغْلِيِّ وَنَحْوِهِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ وَأَمَّا الْحَسْمُ فَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ «عليه الصلاة والسلام أَتَى بِسَارِقٍ سَرَقَ شَمْلَةً فَقَالَ صلى الله عليه وسلم مَا إخَالهُ سَرَقَ فَقَالَ السَّارِقُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ اذْهَبُوا بِهِ فَاقْطَعُوهُ ثُمَّ احْسِمُوهُ ثُمَّ ائْتُونِي بِهِ فَقُطِعَ ثُمَّ حُسِمَ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فَقَالَ تُبْت إلَى اللَّهِ قَالَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْك» وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ وَكَذَا رَوَاهُ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ حُجِّيَّةَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَطَعَ أَيْدِيَهُمْ مِنْ الْمِفْصَلِ ثُمَّ حَسَمَهُمْ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَإِلَى أَيْدِيهِمْ كَأَنَّهَا أُيُورُ الْحُمُرِ، وَالْحَسْمُ الْكَيُّ لِيَنْقَطِعَ الدَّمُ وَفِي الْمُغْرِبِ وَالْمُغْنِي لِابْنِ قُدَامَةَ هُوَ أَنْ يُغْمَسَ فِي الدُّهْنِ الَّذِي أُغْلِيَ وَثَمَنُ الزَّيْتِ وَكُلْفَةُ الْجِسْمِ فِي بَيْتِ الْمَالِ عِنْدَهُمْ لِأَنَّهُ أَمَرَ الْقَاطِعَ بِهِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي وَجْهٍ وَعِنْدَنَا هُوَ عَلَى السَّارِقِ وَقَوْلُ

ص: 224

رُبَّمَا يَسْتَرْسِلُ الدَّمُ فَيُؤَدِّي إلَى التَّلَفِ قَالَ رحمه الله

(وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى إنْ عَادَ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ» وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ قَالَ رحمه الله

(فَإِنْ سَرَقَ ثَالِثًا حُبِسَ حَتَّى يَتُوبَ وَلَمْ يُقْطَعْ كَمَنْ سَرَقَ وَإِبْهَامُهُ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةٌ أَوْ شَلَّاءُ أَوْ إصْبَعَانِ مِنْهَا سِوَاهَا أَوْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةٌ) أَيْ لَا يُقْطَعُ فِي الثَّالِثَةِ كَمَا لَا يُقْطَعُ إذَا كَانَتْ إبْهَامُهُ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةً أَوْ شَلَّاءَ إلَخْ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تُقْطَعُ فِي الثَّالِثَةِ يَدُهُ الْيُسْرَى وَفِي الرَّابِعَةِ رِجْلُهُ الْيُمْنَى لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوهُ فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ» وَيُرْوَى مُفَسَّرًا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ هُوَ وَظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] يَتَنَاوَلُ الْيَدَيْنِ مِنْهُمَا وَلِأَنَّ الثَّالِثَةَ مِثْلُ الْأَوْلَى فِي الْجِنَايَةِ بَلْ أَقْبَحُ لِتَقَدُّمِ الزَّاجِرِ فَكَانَتْ أَدْعَى إلَى شَرْعِ الْحَدِّ وَلَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ حِين حَجَّهُمْ عَلِيٌّ بِقَوْلِهِ إنِّي لَأَسْتَحِي مِنْ اللَّهِ أَنْ لَا أَدَعَ لَهُ يَدًا يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلًا يَمْشِي عَلَيْهَا وَلَمْ يَحْتَجَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِالْمَرْفُوعِ فَدَلَّ عَلَى عَدَمِهِ وَمَا رَوَاهُ لَمْ يَثْبُتْ فَإِنَّ الطَّحَاوِيَّ قَالَ تَتَبَّعْنَا هَذِهِ الْآثَارَ فَلَمْ نَجِدْ لِشَيْءٍ مِنْهَا أَصْلًا وَلِهَذَا لَمْ يُقْتَلْ فِي الْخَامِسَةِ وَإِنْ ذُكِرَ فِيمَا رُوِيَ وَلَئِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ أَوْ عَلَى النَّسْخِ وَالْآيَةُ لَا تَدُلُّ عَلَى مَا ذُكِرَ لِأَنَّ إضَافَةَ جُزْأَيْنِ أَوْ مَا هُمَا كَجُزْأَيْنِ إلَى مُتَضَمِّنِهِمَا يُذْكَرُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَلَا يُرَادُ بِهِ الْجَمْعُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ بَلْ يُرَادُ بِهِ التَّثْنِيَةُ فَلَا يَتَنَاوَلُ إلَّا يَدًا وَاحِدَةً مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَبَطَلَ الِاسْتِدْلَال بِهِ وَلِهَذَا لَا يُقْطَعُ فِي الثَّانِيَةِ يَدُهُ الْيُسْرَى.

وَلَوْ تَنَاوَلَتْهَا الْآيَةُ لَقُطِعَتْ وَلِأَنَّ السَّارِقَ اسْمُ فَاعِلٍ يَدُلُّ عَلَى الْمَصْدَرِ لُغَةً وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ فَيَتَنَاوَلُ الْأَدْنَى إذْ كُلُّ السَّرِقَاتِ غَيْرُ مُرَادٍ لِعَدَمِ تَوَقُّفِ الْقَطْعِ عَلَيْهِ وَبِفِعْلٍ وَاحِدٍ لَمْ تُقْطَعْ إلَّا يَدٌ وَاحِدَةٌ وَقَدْ تَعَيَّنَتْ الْيُمْنَى فَخَرَجَتْ الْيُسْرَى مِنْ أَنْ تَكُونَ مُرَادَةً وَلِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْفِعْلِ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَفِي قَطْعِ الْأَرْبَعِ إتْلَافُهُ أَيْضًا فِي الْمَعْنَى وَالْقَطْعُ لِلزَّجْرِ لَا لِلْإِتْلَافِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام حَسَمَ الْمَقْطُوعَ كَيْ لَا يَهْلَكَ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ لِأَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ الْمُسَاوَاةُ لِكَوْنِهِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

الْمُصَنِّفُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْسَمْ يُؤَدِّي إلَى التَّلَفِ يَقْتَضِي وُجُوبَهُ وَالْمَنْقُولُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَا يَأْثَمُ وَيُسَنُّ تَعْلِيقُ يَدِهِ فِي عُنُقِهِ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أُمِرَ بِهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَعِنْدَنَا ذَلِكَ مُطْلَقٌ لِلْإِمَامِ إنْ رَآهُ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم فِي كُلِّ مَنْ قَطَعَهُ لِيَكُونَ سُنَّةً هـ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى إلَخْ) ثُمَّ يُقْطَعُ مِنْ الْكَعْبِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَفَعَلَ ذَلِكَ عُمَرُ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَالرَّوَافِضُ يَقْطَعُ مِنْ نِصْفِ الْقَدَمِ مِنْ مَقْعَدِ الشِّرَاكِ لِأَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَقْطَعُ كَذَلِكَ وَيَدْعُ لَهُ عَقِبًا يَمْشِي عَلَيْهَا. اهـ. فَتْحٌ

(قَوْلُهُ حَتَّى يَتُوبَ أَوْ يَمُوتَ) قَالَ صَاحِبُ النَّافِعِ حَتَّى يَتُوبَ أَوْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ سِيمَا رَجُلٍ صَالِحٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ أُصْبُعَانِ مِنْهَا سِوَاهَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْأُصْبُعَانِ يَنْزِلَانِ مَنْزِلَةَ الْإِبْهَامِ فِي نُقْصَانِ الْبَطْشِ فَلَوْ قُطِعَتْ الْيَمِينُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَلْزَمُ فَوَاتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ فَلَا تُقْطَعُ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْإِهْلَاكُ مَعْنًى بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ إصْبَعٌ وَاحِدَةٌ مِنْ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةً أَوْ شَلَّاءَ حَيْثُ تُقْطَعُ الْيَمِينُ لِعَدَمِ الْخَلَلِ فِي الْبَطْشِ ظَاهِرًا بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ حَيْثُ اعْتَبَرَ فِيهَا فِي الْمَنْعِ مِنْ الْجَوَازِ فَوْتَ أَكْثَرِ الْأَصَابِعِ سِوَى الْإِبْهَامِ لَا فَوْتَ الْإِصْبَعَيْنِ وَهُنَا اعْتَبَرَ فِي الْمَنْعِ مِنْ قَطْعِ الْيَمِينِ فَوْتَ الْإِصْبَعَيْنِ لِأَنَّ الْمَانِعَ هُوَ الْهَلَاكُ مَعْنًى فِي الْبَابَيْنِ وَتَحَقُّقُهُ بِفَوَاتِ الْأَكْثَرِ إلَّا أَنَّ الْحَدَّ لَمَّا كَانَ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ اُحْتِيطَ فِيهِ فَأُقِيمَ الْأُصْبُعَانِ مَقَامَ الْإِبْهَامِ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي كِتَابِ الْمُجَرَّدِ أَنَّهُ قَالَ إذَا كَانَ ثَلَاثُ أَصَابِعَ سِوَى الْإِبْهَامِ مَقْطُوعَةً لَا تُقْطَعُ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ إصْبَعَانِ إحْدَاهُمَا الْإِبْهَامُ فَاعْتُبِرَ هُنَاكَ أَكْثَرُ الْأَصَابِعِ وَتِلْكَ الرِّوَايَةُ تُوَافِقُ مَا قَالَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا مَقْطُوعَةً مِنْ كُلِّ يَدٍ ثَلَاثُ أَصَابِعَ أَوْ إصْبَعَانِ إحْدَاهُمَا الْإِبْهَامُ لَا يُجْزِئُ عَنْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَأَمَّا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ اُعْتُبِرَ ذَهَابُ الْقُوَّةِ وَلَمْ يُعْتَبَرْ الْأَكْثَرُ وَهَذَا الرِّوَايَةُ أَحْوَطُ اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةً) أَيْ إذَا كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةً لَا تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى اهـ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ هَذَا فِيمَنْ سَرَقَ أَوَّلًا يَعْنِي مَنْ سَرَقَ أَوَّلًا وَكَانَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةً لَا تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ فِيمَنْ سَرَقَ ثَانِيًا يَعْنِي مَنْ سَرَقَ ثَانِيًا وَكَانَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةً لَا تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُسْرَى وَعَلَى الْأَوَّلِ مَشَى الْمُصَنِّفُ الْكَافِي وَشُرَّاحُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُمْ وَعَلَى الثَّانِي مَشَى بَعْضُ الشُّرَّاحِ كَالْبَدْرِ الْعَيْنِيِّ رحمهم الله أَجْمَعِينَ (قَوْلُهُ وَيُرْوَى مُفَسَّرًا) أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ «إذَا سَرَقَ السَّارِقُ فَاقْطَعُوا يَدَهُ فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ» وَفِي سَنَدِهِ الْوَاقِدِيُّ وَهُنَا طُرُقٌ كَثِيرَةٌ لَمْ تَسْلَمْ مِنْ الطَّعْنِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ) أَيْ بِدَلِيلِ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ مِنْ الْأَمْرِ بِالْقَتْلِ فِي الْمَرَّةِ الْخَامِسَةِ فَذَلِكَ مَحْمُولٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى السِّيَاسَةِ أَيْضًا فَكَذَا يُحْمَلُ الْقَطْعُ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَخَرَجَتْ الْيُسْرَى مِنْ أَنْ تَكُونَ مُرَادَةً) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ يُقْتَلُ فِي الْخَامِسَةِ عِنْدَ أَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ قُلْت لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ خَرْقًا لِلْإِجْمَاعِ وَقَالَ الْكَمَالُ وَقَدْ حَكَى عَنْ عَطَاءٍ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعُثْمَانَ وَعُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ يُقْتَلُ فِي الْمَرَّةِ الْخَامِسَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَا رُوِيَ مِنْ ذَلِكَ وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهُ يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ كَقَوْلِنَا فِي الثَّالِثَةِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَفِي قَطْعِ الْأَرْبَعِ إتْلَافُهُ) هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَتَلْته إذَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَعْنَى) أَيْ لِفَوَاتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ) جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ بِأَنْ يُقَالَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ تَفْوِيتَ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ لَهُ أَثَرٌ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْقَطْعِ الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ إنْسَانًا لَوْ قَطَعَ يَسَارَ إنْسَانٍ آخَرَ يُقْطَعُ يَسَارُ الْقَاطِعِ قِصَاصًا مَعَ فَوَاتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ فَقَالَ فِي جَوَابِهِ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقِصَاصَ

ص: 225

حَقُّ الْعَبْدِ فَيُسْتَوْفَى مَا أَمْكَنَ جَبْرًا لِحَقِّهِ وَلِأَنَّهُ يَنْدُرُ وُجُودُهُ فَلَا يَسْتَدْعِي زَاجِرًا إذْ الْحَدُّ فِيمَا يَغْلِبُ لَا فِيمَا يَنْدُرُ وَإِنَّمَا لَا يُقْطَعُ إذَا كَانَتْ إبْهَامُهُ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةً أَوْ شَلَّاءَ إلَخْ لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ وَهُوَ الْبَطْشُ أَوْ الْمَشْيُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ أُصْبُعٌ وَاحِدَةٌ سِوَى الْإِبْهَامِ مَقْطُوعَةً أَوْ شَلَّاءَ لِأَنَّ فَوْتَهَا لَا يُوجِبُ خَلَلًا فِي الْبَطْشِ ظَاهِرًا وَلَوْ كَانَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى شَلَّاءَ أَوْ نَاقِصَةَ الْأَصَابِعِ تُقْطَعُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالنَّصِّ قَطْعُ الْيُمْنَى وَاسْتِيفَاءُ النَّاقِصِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْكَامِلِ جَائِزٌ قَالَ رحمه الله

(وَلَا يَضْمَنُ بِقَطْعِ الْيُسْرَى مَنْ أَمَرَ بِخِلَافِهِ) أَيْ الَّذِي أَمَرَهُ الْحَاكِمُ بِقَطْعِ الْيُمْنَى فَقَطَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى لَا يَضْمَنُ سَوَاءٌ قَطَعَهَا عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَقَالَا يَضْمَنُ فِي الْعَمْدِ وَقَالَ زُفَرُ يَضْمَنُ فِي الْخَطَأِ أَيْضًا وَهُوَ الْقِيَاسُ وَالْمُرَادُ هُوَ الْخَطَأُ فِي الِاجْتِهَادِ أَمَّا الْخَطَأُ فِي مَعْرِفَةِ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ لَا يُجْعَلُ عَفْوًا وَقِيلَ يُجْعَلُ عَفْوًا لِزُفَرَ رحمه الله أَنَّهُ قَطَعَ يَدًا مَعْصُومَةً وَالْخَطَأُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ غَيْرُ مَوْضُوعٍ فَيَضْمَنُهَا قُلْنَا خَطَأُ الْمُجْتَهِدِ مَوْضُوعٌ إجْمَاعًا وَهَذَا مَوْضِعُ الِاجْتِهَادِ إذَا النَّصُّ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْيَدَيْنِ وَلَهُمَا أَنَّهُ أَتْلَفَ يَدًا مَعْصُومَةً ظُلْمًا عَمْدًا فَلَا يُعْفَى وَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا فِيهِ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُعْذَرُ فِيمَا إذَا كَانَ دَلِيلُهُ ظَاهِرًا عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ إلَّا أَنَّهُ امْتَنَعَ لِلشُّبْهَةِ إذْ لَيْسَ فِي الْآيَةِ تَعْيِينُ الْيُمْنَى وَالْمَالُ يَجِبُ مَعَ الشُّبْهَةِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

يَعْتَمِدُ عَلَى الْمُسَاوَاةِ وَقَدْ وُجِدَتْ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ فَبَعْدَ ذَلِكَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى وُقُوعِهِ تَفْوِيتًا لِجِنْسِ الْمَنْفَعَةِ لِأَنَّ الْقِصَاصَ حَقُّ الْعَبْدِ فَيَجِبُ اسْتِيفَاؤُهُ مَا أَمْكَنَ جَبْرًا لِحَقِّ الْعَبْدِ بِخِلَافِ الْحَدِّ فَإِنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى خَالِصًا فَيَسْقُطُ لِشُبْهَةِ الْهَلَاكِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ رحمه الله وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ لَوْ قَطَعَ رَجُلٌ يَدَيْ رَجُلٍ قُطِعَتْ يَدَاهُ أَوْ أَرْبَعَتَهُ قُطِعَتْ أَرْبَعَتُهُ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ فَيَسْتَوْفِيه مَا أَمْكَنَ جَبْرًا لِحَقِّهِ لَا يُقَالُ الْيَدُ الْيُسْرَى مَحَلٌّ لِلْقَطْعِ بِظَاهِرِ الْكِتَابِ، وَلَا إجْمَاعَ عَلَى خِلَافِ الْكِتَابِ لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا وَجَبَ حَمْلُ الْمُطْلَقِ مِنْهُ عَلَى الْمُقَيَّدِ عَمَلًا بِالْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ خَرَجَتْ مِنْ كَوْنِهَا مُرَادَةً وَالْأَمْرُ الْمَقْرُونُ بِالْوَصْفِ وَإِنْ تَكَرَّرَ بِتَكَرُّرِ ذَلِكَ الْوَصْفِ لَكِنْ إنَّمَا يَكُونُ حَيْثُ أَمْكَنَ وَإِذَا انْتَفَى إرَادَةُ الْيُسْرَى بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّقْيِيدِ انْتَفَى مِنْ مَحَلِّيَّتِهَا الْقَطْعُ فَلَا يُتَصَوَّرُ تَكْرَارُهُ فَيَلْزَمُ أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ مَرَّةً وَاحِدَةً فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا وَثَبَتَ قَطْعُ الرِّجْلِ فِي الثَّانِيَةِ بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَانْتَفَى مَا وَرَاءَ ذَلِكَ لِتَمَامِ الدَّلِيلِ عَلَى الْعَدَمِ اهـ فَتْحٌ.

(قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ فِعْلَ السَّرِقَةِ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ يَنْدُرُ. اهـ. (قَوْلُهُ يَنْدُرُ) أَيْ يَنْدُرُ أَنْ يَسْرِقَ الْإِنْسَانُ بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ وَرِجْلِهِ وَالْحَدُّ لَا يُشْرَعُ إلَّا فِيمَا يَغْلِبُ عَلَى مَا مَرَّ غَيْرُهُ مَرَّةً. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا لَا يُقْطَعُ إذَا كَانَتْ إبْهَامُهُ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةً أَوْ شَلَّاءَ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَإِنْ كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةَ الْأَصَابِعِ فَإِنْ كَانَ يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ وَالْمَشْيَ عَلَيْهَا قُطِعَتْ يَدُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ وَالْمَشْيَ عَلَيْهَا لَمْ تُقْطَعْ يَدُهُ وَكُلُّ شَيْءٍ دَرَأْت فِيهِ الْقَطْعَ ضَمَّنْته السَّرِقَةَ إنْ كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً إلَى هُنَا لَفْظُ الْحَاكِمِ اهـ أَتْقَانِيٌّ وَقَالَ فِي الْكَافِي وَإِذَا حُبِسَ السَّارِقُ لِيَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ فَقَطَعَ رَجُلٌ يَدَهُ الْيُمْنَى عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَقَدْ بَطَلَ الْحَدُّ عَنْ السَّارِقِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ قَطَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى وَإِنْ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ فَقَطَعَ رَجُلٌ يَدَهُ الْيُمْنَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْمَرَ بِذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ أَوْ شَلَّاءَ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ كَانَ السَّارِقُ أَشَلَّ الْيَدِ الْيُسْرَى أَوْ أَقْطَعَ أَوْ مَقْطُوعَ الرِّجْلِ الْيُمْنَى لَمْ يُقْطَعْ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَيْ لَا تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى إذَا كَانَتْ الْحَالَةُ كَذَلِكَ وَذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ بَطْشًا فِيمَا إذَا كَانَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى شَلَّاءَ أَيْ مَقْطُوعَةً وَمَشَيَا فِيمَا إذَا كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةً وَتَفْوِيتُهُ إهْلَاكِهِ مَعْنًى فَلَا يُقَامُ الْحَدُّ لِئَلَّا يُفْضِي إلَى الْإِهْلَاكِ وَقَوْلُهُ وَإِذَا كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى شَلَّاءَ أَيْ لَا تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى إذَا كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى شَلَّاءَ لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ اهـ قَالَ فِي شَرْحِ التَّكْمِلَةِ وَإِنْ كَانَتْ يَدَاهُ صَحِيحَتَيْنِ وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى يَابِسَةً قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى وَإِنْ كَانَتْ الرِّجْلُ الْيُمْنَى هِيَ الْيَابِسَةُ لَمْ تُقْطَعْ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى اسْتِيفَاءِ الزَّائِدِ مِنْ الْوَاجِبِ إذْ بِهِ يَتَعَطَّلُ نِصْفُ الْبَدَنِ عَنْ مَنْفَعَةِ الْبَطْشِ وَالْمَشْيِ فَيَصِيرُ فِي مَعْنَى الْهَالِكِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأَوْلَى وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ الرِّجْلُ الْيُسْرَى هِيَ الْيَابِسَةُ قُطِعَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ إمْسَاكُ الْعَصَا بِالْيَدِ الْيُسْرَى فَيَحْصُلُ بِهَا نَوْعُ مَنْفَعَةٍ وَإِنْ كَانَتْ نَاقِصَةً. اهـ.

(قَوْلُهُ فَقَطَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى لَا يَضْمَنُ) أَيْ وَلَكِنْ يُؤَدَّبُ الْجَلَّادُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَا يَضْمَنُ فِي الْعَمْدِ) أَيْ يَضْمَنُ فِي الْعَمْدِ أَرْشَ الْيَسَارِ اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ هُوَ الْخَطَأُ) أَيْ الْمُرَادُ بِالْخَطَأِ الَّذِي فِيهِ الْخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ زُفَرَ الْخَطَأُ فِي الِاجْتِهَادِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَقْطَعَ الْيُسْرَى بَعْدَ قَوْلِ الْحَاكِمِ اقْطَعْ يَمِينَهُ عَنْ اجْتِهَادٍ فِي أَنَّ قَطْعَهَا يُجْزِئُ عَنْ قَطْعِ السَّرِقَةِ نَظَرًا إلَى إطْلَاقِ النَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالْيَسَارُ لَا يُجْعَلُ عَفْوًا) أَيْ فَيَضْمَنُ. اهـ. لِأَنَّ الْجَهْلَ فِي مَوْضِعِ الِاشْتِهَارِ لَيْسَ بِعُذْرِ وَهَذَا مَوْضِعُ اشْتِهَارٍ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يُمَيِّزُ بَيْنَ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ اهـ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يُجْعَلُ عَفْوًا) أَيْ فَلَا ضَمَانَ. اهـ. (قَوْلُهُ إذْ النَّصُّ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْيَدَيْنِ) أَيْ لِأَنَّ ظَاهِرَ النَّصِّ يُوجِبُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ امْتَنَعَ لِلشُّبْهَةِ) أَيْ الثَّابِتَةِ فِي الْآيَةِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ يُقْتَصُّ فِي الْعَمْدِ كَقَوْلِنَا فِيمَا إذَا قَطَعَ رَجُلٌ يَدَهُ بَعْدَ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ فِي انْتِظَارِ التَّعْدِيلِ ثُمَّ عُدِّلَتْ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ وَتُقْطَعُ يَدُ الْقَاطِعِ قِصَاصًا وَيَضْمَنُ الْمَسْرُوقَ لَوْ كَانَ أَتْلَفَهُ لِأَنَّ سُقُوطَ الضَّمَانِ بِاسْتِيفَاءِ الْقَطْعِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يُوجَدْ وَلِذَا لَوْ قَطَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى يُقْتَصُّ لَهُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ قَطْعُ الْيُمْنَى لِمَا عُرِفَ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنْ حَكَمَ عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ فَقَطَعَ رَجُلٌ يَدَهُ الْيُمْنَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْمَرَ بِذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ

ص: 226

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّهُ أَتْلَفَ وَأَخْلَفَ مِنْ جِنْسِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ كَمَنْ شَهِدَ عَلَى غَيْرِهِ بِبَيْعِ مَالِهِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ ثُمَّ رَجَعَ فَإِنْ قِيلَ الْيَمِينُ لَمْ تَحْصُلْ بِقَطْعِ الْيُسْرَى بَلْ كَانَتْ حَاصِلَةً بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهِدِ بِهِ فَكَيْفَ يُقَالُ أَخْلَفَ قُلْنَا الْيَمِينُ كَانَتْ مُسْتَحِقَّةَ الْإِتْلَافِ فَبِقَطْعِ الْيُسْرَى سَلِمَتْ فَصَارَتْ كَالْحَاصِلَةِ لَهُ بِهِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا لَوْ قَطَعَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى حَيْثُ لَا تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى وَمَعَ هَذَا يَجِبُ عَلَى الْقَاطِعِ الضَّمَانُ لِأَنَّا نَقُولُ لَا رِوَايَةَ فِيهِ فَيُمْنَعُ وَلَئِنْ سَلِمَ فَالْمُتْلَفُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْبَاقِي فَلَمْ يَخْلُفْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَعَلَى هَذِهِ النُّكْتَةِ الَّتِي اُعْتُبِرَ فِيهَا الِاخْتِلَافُ لَوْ قَطَعَ الْيَسَارَ غَيْرُ الْحَدَّادِ لَا يَضْمَنُ فِي الصَّحِيحِ إذَا كَانَ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِالْقَطْعِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ أَخْلَفَ ثُمَّ فِي الْعَمْدِ يَجِبُ ضَمَانُ الْمَالِ الْمَسْرُوقِ عَلَى السَّارِقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ حَدًّا وَسُقُوطُ الضَّمَانِ عَنْهُ فِي ضِمْنِ وُقُوعِهِ حَدًّا وَكَذَا عِنْدَهُمَا بَلْ أَوْلَى وَفِي الْخَطَأِ كَذَلِكَ عَلَى الطَّرِيقَةِ الَّتِي اُعْتُبِرَ فِيهَا وَهِيَ أَنَّ الْقَاطِعَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ وَأَخْلَفَ وَلَمْ يَقَعْ حَدًّا وَعَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الْقَاطِعَ اجْتَهَدَ وَأَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ حَيْثُ زَعَمَ أَنَّ الْكِتَابَ مُطْلَقٌ عَنْ قَيْدِ الْيَمِينِ يَكُونُ قَطْعُ الْيَسَارِ وَاقِعًا عَلَى الْحَدِّ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ مَعْذُورٌ فِي الْخَطَأِ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ إذْ الْقَطْعُ وَالضَّمَانُ لَا يَجْتَمِعَانِ وَالْمُرَادُ بِالْخَطَأِ هُوَ الْخَطَأُ فِي الِاجْتِهَادِ وَأَمَّا الْخَطَأُ فِي مَعْرِفَةِ الْيَمِينِ مِنْ الْيَسَارِ لَا يُجْعَلُ عَفْوًا وَقِيلَ يُجْعَلُ عَفْوًا أَيْضًا هَذَا إذَا عَيَّنَ لَهُ الْإِمَامُ أَوْ الْحَاكِمُ الْيُمْنَى بِأَنْ قَالَ لَهُ اقْطَعْ يَمِينَ هَذَا.

وَأَمَّا إذَا أَطْلَقَ بِأَنْ قَالَ لَهُ اقْطَعْ يَدَهُ وَلَمْ يُعَيِّنْ لَا يَضْمَنُ الْقَاطِعُ بِاتِّفَاقٍ لِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ إذْ الْيَدُ تَنْطَلِقُ عَلَيْهِمَا وَكَذَا لَوْ أَخْرَجَ السَّارِقُ يَسَارَهُ فَقَالَ هَذِهِ يَمِينِي لِأَنَّهُ قَطَعَهُ بِأَمْرِهِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ بِأَمْرِ الْإِمَامِ وَأَمَّا إذَا قَطَعَهُ أَحَدٌ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ اتِّفَاقًا وَيَسْقُطُ الْقَطْعُ عَنْ السَّارِقِ لِأَنَّ مَقْطُوعَ الْيَدِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ حَدًّا كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى الْمُثْلَةِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا سُرِقَ لِعَدَمِ الْقَطْعِ حَدًّا قَالَ رحمه الله (وَطَلَبُ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ شَرْطُ الْقَطْعِ) أَيْ طَلَبُهُ الْمَالَ الْمَسْرُوقَ حَتَّى لَا يَقْطَعَ وَهُوَ غَائِبٌ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطٌ لِظُهُورِهَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالْإِقْرَارِ فِي ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِالْمِلْكِ فَيَسْقُطُ الْقَطْعُ فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِ عِنْدَ الْأَدَاءِ وَالْقَطْعِ لِتَنْتَفِيَ تِلْكَ الشُّبْهَةُ وَكَذَا إذَا غَابَ عِنْدَ الْقَطْعِ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ فِي الْحُدُودِ مِنْ الْقُضَاةِ وَفِي الْبَدَائِعِ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ قُطِعَ اسْتِحْسَانًا وَلَا يُنْتَظَرُ حُضُورُ الْغَائِبِ وَتَصْدِيقُهُ وَقِيلَ عِنْدَهُمَا يُنْتَظَرُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُنْتَظَرُ وَذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِحُضُورِ وَكِيلِهِ عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَشَرْطُ الْحَدِّ لَا يَثْبُتُ بِمَا هُوَ قَائِمٌ مَقَامَ الْغَيْرِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا يُشْتَرَطُ حُضُورُهُ فِيهِمَا لِأَنَّ الْحَدَّ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَكَانَ مِنْ بَابِ الْحِسْبَةِ كَالزِّنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا حَاجَةَ إلَى حُضُورِهِ فِي الْإِقْرَارِ دُونَ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تُبْتَنَى عَلَى الدَّعْوَى دُونَ الْإِقْرَارِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا مَا بَيَّنَّاهُ قَالَ رحمه الله

(وَلَوْ مُودِعًا أَوْ غَاصِبًا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَتْلَفَ وَأَخْلَفَ مِنْ جِنْسِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ) أَيْ وَهُوَ الْيُمْنَى فَإِنَّهَا لَا تُقْطَعُ بَعْدَ قَطْعِ الْيُسْرَى اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ مَا نَصُّهُ أَيْ لِأَنَّ الْبَطْشَ بِالْيُمْنَى أَتَمُّ اهـ (قَوْلُهُ فَإِنْ قِيلَ الْيَمِينُ لَمْ تَحْصُلْ بِقَطْعِ الْيُسْرَى) أَيْ فَلَا يَصِحُّ قَوْلُكُمْ أَخَفُّ بَدَلَ مَا أَتْلَفَ. اهـ. (قَوْلُهُ فَالْمُتْلَفُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْبَاقِي) لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْبَطْشِ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ مَنْفَعَةِ الْمَشْيِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ) احْتِرَازٌ عَمَّا ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ حَيْثُ قَالَ هَذَا كُلُّهُ إذَا قَطَعَ الْحَدَّادُ بِأَمْرِ السُّلْطَانِ وَلَوْ قَطَعَ يَسَارَهُ غَيْرُهُ فَفِي الْعَمْدِ الْقِصَاصِ وَفِي الْخَطَّا الدِّيَةُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ إلَخْ) تَكْرَارُ مَحْضٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فَقَالَ هَذِهِ يَمِينِي) فَقَطَعَهَا لَا يَضْمَنُ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِأَنَّهَا يَسَارُهُ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. فَتْحٌ.

(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ قَطَعَهُ بِأَمْرِهِ) أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَالَ لِآخَرَ اقْطَعْ يَدِي فَقَطَعَ يَدَهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا قَطَعَهُ أَحَدٌ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ فَلَمْ يُقْطَعْ حَتَّى قَطَعَ قَاطِعٌ يَمِينَهُ فَهَذَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ أَوْ بَعْدَ الْخُصُومَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَ الْقَضَاءِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ فَعَلَى قَاطِعُهُ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ وَالْأَرْشُ فِي الْخَطَأِ وَتُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُسْرَى فِي السَّرِقَةِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْخُصُومَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ إلَّا أَنَّهُ لَا تُقْطَعَ رِجْلُهُ فِي السَّرِقَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا خُوصِمَ كَانَ الْوَاجِبُ فِي الْيُمْنَى وَقَدْ فَاتَتْ فَيَسْقُطُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَضَاءِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْقَاطِعِ وَكَانَ قَطْعُهُ عَنْ السَّرِقَةِ حَتَّى لَا يَجِبَ الضَّمَانُ عَلَى السَّارِقِ فِيمَا اسْتَهْلَكَ مِنْ مَالِ السَّرِقَةِ أَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالْإِقْرَارِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ لَا فَرْقَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا بَيْنَ أَنْ تَثْبُتَ السَّرِقَةُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ بِأَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ سَرَقَ نِصَابًا مِنْ فُلَانٍ وَهُوَ غَائِبٌ فَلَا يُقْطَعُ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ أَقْطَعُهُ بِالْإِقْرَارِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ حَاضِرًا وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِنَاءً عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا غَابَ عِنْدَ الْقَطْعِ) يَعْنِي لَا يُقْطَعُ السَّارِقُ أَيْضًا إذَا غَابَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ عِنْدَ الْقَطْعِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ كَمَا لَا يُقْطَعُ إذَا كَانَ غَائِبًا عِنْدَ الشَّهَادَةِ أَوْ الْحُكْمِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ فِي الْحُدُودِ مِنْ الْقَضَاءِ) أَيْ وَلِهَذَا تُجْعَلُ الْأَسْبَابُ الْحَادِثَةُ فِي الشُّهُودِ كَالِارْتِدَادِ وَالْفِسْقِ وَالْجُنُونِ وَالْعَمَى وَالْمَوْتِ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ كَالْحَادِثَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَفِي الْبَدَائِعِ إلَخْ) هَذَا خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يُقْطَعُ وَإِنْ كَانَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ غَائِبًا فِي وَقْتِ الشَّهَادَةِ أَوْ الْحُكْمِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تُبْتَنَى عَلَى الدَّعْوَى دُونَ الْإِقْرَارِ) وَلَنَا أَنَّ الْمَقَرَّ بِهِ لِلْمُقِرِّ ظَاهِرًا مَا لَمْ يُوجَدْ التَّصْدِيقُ مِنْ الْمُقِرِّ لَهُ وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ لِغَائِبٍ ثُمَّ لِحَاضِرٍ جَازَ فَإِذَا كَانَ زَوَالُ مِلْكِهِ مَوْقُوفًا إلَى التَّصْدِيقِ كَانَ أَقَلَّ أَحْوَالِهِ

ص: 227

أَوْ صَاحِبَ الرِّبَا) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ وَاحِدًا مِنْ هَؤُلَاءِ يُقْطَعُ بِخُصُومَتِهِ وَكَذَا بِخُصُومَةِ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُضَارِبِ وَالْمُسْتَبْضِعِ وَالْقَابِضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَالْمُرْتَهِنِ وَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَمُتَوَلَّى الْوَقْفِ وَكُلِّ مَنْ لَهُ يَدٌ حَافِظَةٌ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يُقْطَعُ إلَّا بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ وَالْخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ لِهَؤُلَاءِ حَقَّ الْخُصُومَةِ فِي الِاسْتِرْدَادِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ عِنْدَ جُحُودِ مَنْ فِي يَدِهِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْمَالِكُ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهُمْ الْحِفْظُ دُونَ الْخُصُومَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ الْخُصُومَةَ فِي الدَّعْوَى عَلَيْهِمْ مَعَ بَقَاءِ الْيَدِ لِاسْتِمْرَارِهَا فَلَأَنْ لَا يَمْلِكُوهَا مَعَ انْتِفَائِهَا أَوْلَى وَأَحْرَى وَزُفَرُ رحمه الله يَقُولُ لَهُمْ أَنْ يُخَاصِمُوا ضَرُورَةَ اسْتِرْدَادِ الْمَالِ إلَى الْحِفْظِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْقَطْعِ وَهَذَا لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَمْلِكُونَ الْخُصُومَةَ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ وَالنِّيَابَةُ لَا تَجْرِي فِي الْحُدُودِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِهِ إذَا حَضَرَ عَلَى مَا مَرَّ وَلِهَذَا لَا يُقْطَعُ بِإِقْرَارِهِ مَعَ غِيبَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَلِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ الْخُصُومَةَ لِلصِّيَانَةِ.

وَلَوْ أَظْهَرْنَاهُ فِي حَقِّ الْقَطْعِ لَفَاتَتْ الصِّيَانَةُ إذْ بِالْقَطْعِ يَبْقَى الْمَالُ غَيْرُ مَعْصُومٍ وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ بِالْهَلَاكِ وَلَنَا أَنَّ السَّرِقَةَ مُوجِبَةٌ لِلْقَطْعِ فِي نَفْسِهَا وَقَدْ ظَهَرَتْ عِنْدَ الْقَاضِي بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ بِنَاءً عَلَى خُصُومَةٍ مُعْتَبَرَةٍ فَيُسْتَوْفَى الْقَطْعُ وَلِهَؤُلَاءِ يَدٌ صَحِيحَةٌ وَهِيَ مَقْصُودَةٌ كَالْمِلْكِ فَإِذَا أُزِيلَتْ كَانَ لَهُمْ أَنْ يُخَاصِمُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ لِاسْتِرْدَادِهَا أَصَالَةً لَا نِيَابَةً لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أَمِينًا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الْأَمَانَةِ إلَّا بِهِ وَإِنْ كَانَ ضَمِينًا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إسْقَاطِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ إلَّا بِذَلِكَ فَكَانَ مُخَاصِمًا عَنْ نَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ حَقِّهِ وَلِهَذَا يُسْتَغْنَى عَنْ إضَافَةِ الْخُصُومَةِ إلَى غَيْرِهِ بِأَنْ يَقُولَ سَرَقَ مِنِّي بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فِي هَذِهِ الْمَعَانِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ يَدٌ وَلَا يُسْتَغْنَى عَنْ إضَافَتِهِ إلَى مُوَكِّلِهِ وَلَا يُخَاصِمُ بِاعْتِبَارِ حَقِّهِ فَإِذَا كَانَ أَصِيلًا فِي الْخُصُومَةِ وَجَبَ الِاسْتِيفَاءُ عِنْدَ الثُّبُوتِ بِلَا حَضْرَةِ الْمَالِكِ لِأَنَّ الْقَطْعَ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ الْقِصَاصِ.

وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَقَدْ ذُكِرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَا يُنْتَظَرُ فِيهِ حُضُورُهُ اسْتِحْسَانًا فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ وَلَئِنْ سَلَّمَ فَفِيهِ شُبْهَةٌ زَائِدَةٌ وَهِيَ جَوَازُ أَنْ يُرَدَّ إقْرَارَهُ فَتُعْتَبَرُ هَذِهِ الشُّبْهَةُ عِنْدَ عَدَمِ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ بِخِلَافِ خُصُومَةِ هَؤُلَاءِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَسُقُوطُ الْعِصْمَةِ ضَرُورَةُ الِاسْتِيفَاءِ ضِمْنًا لِقَطْعِ الْيَدِ فَلَا يَكُونُ سُقُوطُهُ مُضَافًا إلَى الْمُودِعِ وَلَا يَكُونُ تَضْيِيعًا لَهُ بَلْ يَكُونُ صِيَانَةً بِأَبْلَغِ الْوُجُوهِ لِأَنَّ السُّرَّاقَ إذَا عَلِمُوا أَنَّهُ يُقْطَعُ بِخُصُومَتِهِ يَمْتَنِعُونَ عَنْهُ وَبِعَكْسِهِ يَجْتَرِؤُنَ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةً بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَإِنْ كَانَ هُوَ فِي نَفْسِهِ قَتْلًا وَلَا مُعْتَبَرَ بِالشُّبْهَةِ الْمَوْهُومَةِ بِاعْتِرَاضِ الْمَالِكِ لِبُعْدِهَا كَمَا إذَا حَضَرَ الْمَالِكُ وَغَابَ الْمُؤْتَمَنُ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِنْ كَانَتْ شُبْهَةُ الْإِذْنِ فِي دُخُولِ الْحِرْزِ ثَابِتَةً وَيُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ مِنْ السَّرِقَةِ مِمَّنْ ذَكَرْنَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ حَالَ غِيبَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْرِقْ مِنْهُ فَكَانَ أَجْنَبِيًّا.

وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ خُصُومَتَهُ صَحِيحَةٌ وَاقِعَةٌ عَنْ نَفْسِهِ لِاسْتِرْدَادِ مَالِهِ إلَّا أَنَّ الرَّاهِنَ يُقْطَعُ السَّارِقُ بِخُصُومَتِهِ إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ قَائِمَةً بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِهِ لِأَنَّ الْعَيْنَ إذَا هَلَكَتْ صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ فَلَا مُطَالَبَةَ لِلرَّاهِنِ وَكَذَا قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ لَا حَقَّ لَهُ فِي مُطَالَبَةِ الْعَيْنِ فَلَا يُقْطَعُ بِخُصُومَتِهِ قَالَ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ بِخُصُومَةِ الرَّاهِنِ بَعْدَ الْهَلَاكِ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ وَكَانَ الْفَضْلُ يَبْلُغُ نِصَابًا لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ السَّارِقَ بَعْدَ الْهَلَاكِ كَالْوَدِيعَةِ قَالَ رحمه الله (وَيُقْطَعُ بِطَلَبِ الْمَالِكِ لَوْ سَرَقَ مِنْهُمْ) أَيْ لَوْ سَرَقَ مِنْ الْمُودِعِ وَالْغَاصِبِ وَصَاحِبِ الرِّبَا وَقَدْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

شُبْهَةٍ وَالْحَدُّ يَنْدَرِئُ بِالشُّبْهَةِ فَصَارَ الْإِقْرَارُ كَالشَّهَادَةِ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ الْقَطْعُ إذْ ثَبَتَتْ السَّرِقَةُ بِالشُّهُودِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ لِجَوَازِ التَّكْذِيبِ مِنْهُ فَكَذَا هُنَا وَكَمَا لَوْ قَالَ سَرَقْتهَا وَلَا أَعْرِفُ صَاحِبَهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ صَاحِبُ الرِّبَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَفَسَّرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَالْعَتَّابِيُّ صَاحِبَ الرِّبَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِمَنْ بَاعَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِعِشْرِينَ وَقَبَضَ الْعِشْرِينَ ثُمَّ جَاءَ إنْسَانٌ وَسَرَقَ الْعِشْرِينَ مِنْهُ يُقْطَعُ بِخُصُومَتِهِ عِنْدَنَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْقَابِضُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ) أَيْ وَالْقَابِضُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَا يَمْلِكُونَهَا) النُّونُ ثَابِتَةٌ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ السَّرِقَةَ) أَيْ مِنْ حِرْزٍ مُسْتَتِمٍّ لَا شُبْهَةَ فِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَدْ ظَهَرَتْ عِنْدَ الْقَاضِي بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ) أَيْ وَهِيَ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَسُقُوطُ الْعِصْمَةِ) جَوَابٌ لِقَوْلِ زُفَرَ لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتُ الصِّيَانَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالشُّبْهَةِ) جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ بِأَنْ يُقَالَ شُبْهَةُ الْإِذْنِ مِنْ الْمَالِكِ ثَابِتَةٌ فَلَا يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ هَؤُلَاءِ فَأَجَابَ بِهِ يَعْنِي لَا اعْتِبَارَ بِشُبْهَةٍ مَوْهُومٍ اعْتِبَارُهَا بَلْ الِاعْتِبَارُ لِشُبْهَةِ مُحَقَّقَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ رَبِّ الْوَدِيعَةِ مَعَ غَيْبَةِ الْمُودِعِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَعْنِي رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مَعَ أَنَّ فِيهِ شُبْهَةً مَوْهُومَةً أَيْضًا بِأَنْ يَقُولَ الْمُودِعُ إنْ حَضَرَ كَانَ السَّارِقُ ضَيْفًا عِنْدِي مَأْذُونًا بِالدُّخُولِ فِي الْبَيْتِ وَكَذَا يُقْطَعُ بِالْإِقْرَارِ مَعَ أَنَّ الشُّبْهَةَ مُتَوَهِّمَةٌ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ فَعُلِمَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلشُّبْهَةِ الْقَائِمَةِ الْمَوْجُودَةِ فِي الْحَالِ لَا لِلشُّبْهَةِ الْمُتَوَهِّمَةِ الْمُحْتَمَلَةِ الِاعْتِرَاضَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ رحمه الله (قَوْلُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَة) أَرَادَ بِهِ رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا نُقِلَ فِي الْأَجْنَاسِ عَنْ نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ إنْ غَابَ الْمُسْتَوْدِعُ وَحَضَرَ رَبُّ الْوَدِيعَةِ لَيْسَ لَهُ الْقَطْعُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْمُسْتَوْدِعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي السَّرِقَةِ) فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ مَنْ بَدَّلَ فِي. اهـ. (قَوْلِهِ فَلَا مُطَالَبَةَ لِلرَّاهِنِ) أَيْ بَلْ لِلْمُرْتَهِنِ. اهـ. كَاكِيٌّ بِمَعْنَاهُ. اهـ. (قَوْلُهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ إلَخْ) ذَكَرَهُ بِلَفْظِ يَنْبَغِي الْأَتْقَانِيُّ أَيْضًا فِي شَرْحِهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُقْطَعُ بِطَلَبِ الْمَالِكِ) قَالَ فِي كِفَايَةِ الْبَيْهَقِيّ فَإِنْ حَضَرَ الْمَالِكُ وَغَابَ الْمُودِعُ هَلْ يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ فِيهِ رِوَايَتَانِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

ص: 228

بَيَّنَّاهُ قَالَ رحمه الله

(لَا بِطَلَبِ الْمَالِكِ أَوْ السَّارِقِ لَوْ سَرَقَ مِنْ سَارِقٍ بَعْدَ الْقَطْعِ) مَعْنَاهُ إذَا قُطِعَ سَارِقٌ بِسَرِقَةٍ فَسُرِقَتْ مِنْهُ بَعْدَ الْقَطْعِ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَا لِرَبِّ السَّرِقَةِ أَنْ يَقْطَعَ السَّارِقَ الثَّانِي لِأَنَّ الْمَالَ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ بَعْدَ الْقَطْعِ فِي حَقِّ الْأَوَّلِ فَلَمْ تَنْعَقِدْ مُوجِبَةٌ لِلْقَطْعِ وَهَذَا لِأَنَّ السَّرِقَةَ إنَّمَا تُوجِبُ الْقَطْعَ إذَا كَانَتْ مِنْ يَدِ الْمَالِكِ أَوْ الْأَمِينِ أَوْ الضَّمِينِ وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ هُنَا إذْ السَّارِقُ الْأَوَّلُ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا أَمِينٍ وَلَا ضَمِينٍ فَلَا يُقْطَعُ بِخِلَافِ مَا إذَا سُرِقَ قَبْلَ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ حَيْثُ يَكُونُ لَهُ وَلِرَبِّ السَّرِقَةِ الْقَطْعُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْغَاصِبِ وَنَحْوِهِ وَلَيْسَ لِلْأَوَّلِ وِلَايَةُ الِاسْتِرْدَادِ فِي رِوَايَةٍ لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ إذْ هِيَ تَصِحُّ بِالْمِلْكِ أَوْ الْأَمَانَةِ أَوْ الضَّمَانِ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهَا وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ ذَلِكَ لِيَرُدَّهُ عَلَى الْمَالِكِ إذْ الرَّدُّ عَلَيْهِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَلَا يَتَمَكَّنُ إلَّا بِهِ قَالَ رحمه الله

(وَمَنْ سَرَقَ شَيْئًا وَرَدَّهُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ إلَى مَالِكِهِ أَوْ مَلَكَهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ مَلَكَهُ أَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ مِنْ النِّصَابِ لَمْ يُقْطَعْ) أَمَّا إذَا رَدَّهُ السَّارِقُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ إلَى مَالِكِهِ فَلِأَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطٌ لِظُهُورِ السَّرِقَةِ وَهَذَا لِأَنَّ الْقَطْعَ وَإِنْ كَانَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لَكِنَّ ثُبُوتَهُ فِي ضِمْنِ حَقِّ الْعَبْدِ فِي الْمَسْرُوقِ وَلِهَذَا لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ بِالسَّرِقَةِ وَالْمَشْهُودُ لَهُ يُنْكِرُ السَّرِقَةَ لَا يُقْطَعُ السَّارِقُ وَحَقُّ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ هُنَا لَمْ يَثْبُتْ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ بِالْبَيِّنَةِ بِنَاءً عَلَى خُصُومَةٍ صَحِيحَةٍ وَلَمْ تُوجَدْ فَلَا يَثْبُتُ الْقَطْعُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ يُقْطَعُ اعْتِبَارًا بِمَا إذَا أَرَدَّهَا بَعْدَ الْمُرَافَعَةِ قُلْنَا بَعْدَ التَّرَافُعِ وُجِدَتْ الْخُصُومَةُ وَانْتَهَتْ بِالرَّدِّ وَالشَّيْءُ بِانْتِهَائِهِ لَا يَبْطُلُ بَلْ يَتَقَرَّرُ وَيَتَأَكَّدُ فَتَكُونُ مَوْجُودَةً حُكْمًا وَتَقْرِيرًا وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا رَدَّ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْقَطْعِ.

وَكَذَا إذَا رَدَّهَا بَعْدَ مَا شَهِدَ الشُّهُودُ قَبْلَ الْقَضَاءِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ السَّرِقَةَ قَدْ ظَهَرَتْ عِنْدَ الْقَاضِي بِمَا هُوَ حُجَّةٌ بِنَاءً عَلَى خُصُومَةٍ مُعْتَبَرَةٍ وَلَوْ رَدَّهَا عَلَى وَلَدِهِ أَوْ ذِي رَحِمِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ يُقْطَعُ لِعَدَمِ الْوُصُولِ إلَيْهِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَلِهَذَا يَضْمَنُ الْمُودِعُ وَالْمُسْتَعِيرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِمْ وَإِنْ كَانُوا فِي عِيَالِهِ فَهُوَ كَرَدِّهِ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ فَلَا يُقْطَعُ إنْ كَانَ قَبْلَ الْمُرَافَعَةِ لِوُجُودِ الْوُصُولِ إلَيْهِ قَبْلَ الْخُصُومَةِ وَلِهَذَا لَوْ رَدَّ الْمُودِعُ وَالْمُسْتَعِيرُ عَلَيْهِ لَا يَضْمَنُ وَالْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ إذَا وَكَّلَ مَنْ فِي عِيَالِهِ فَقَبَضَ يَبْرَأُ الْمَدِينُ بِقَبْضِهِ وَكَذَا لَوْ رَدَّ عَلَى امْرَأَتِهِ أَوْ أَجِيرِهِ مُسَانَهَةً أَوْ مُشَاهِرَةً أَوْ عَبْدَهُ وَلَوْ رَدَّهُ إلَى وَالِدِهِ أَوْ جَدِّهِ أَوْ وَالِدَتِهِ أَوْ جَدَّتِهِ وَلَيْسَ فِي عِيَالِهِ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ لِهَؤُلَاءِ شُبْهَةُ الْمِلْكِ فَيَثْبُتُ بِهِ شُبْهَةُ الرَّدِّ وَشُبْهَةُ الرَّدِّ كَالرَّدِّ وَلَوْ دَفَعَ إلَى عِيَالِ هَؤُلَاءِ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ وَلَوْ دَفَعَ إلَى مُكَاتَبِهِ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ عَبْدُهُ وَلَوْ سَرَقَ مِنْ مُكَاتَبٍ وَرَدَّهُ عَلَى مَوْلَاهُ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ مَالَهُ لَهُ رَقَبَةً وَلَوْ سَرَقَ مِنْ الْعِيَالِ وَرَدَّ إلَى مَنْ يَعُولُهُمْ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ يَدَهُ عَلَيْهِمْ فَوْقَ أَيْدِيهمْ فِي مَالِهِ وَأَمَّا إذَا مَلَكَهُ السَّارِقُ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْقَطْعِ فَلِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي الْحُدُودِ وَقَدْ اعْتَرَضَ مَا يُوجِبُ فَقَدْ شَرَطَهُ وَهُوَ انْقِطَاعُ الْخُصُومَةِ فَيَمْتَنِعُ الْإِمْضَاءُ كَمَا يَمْتَنِعُ الْقَضَاءُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ مَعْنَاهُ إذَا قُطِعَ سَارِقٌ بِسَرِقَةٍ) أَرَادَ بِالسَّرِقَةِ الْعَيْنَ الْمَسْرُوقَةَ إطْلَاقًا لِاسْمِ الْمَصْدَرِ عَلَى الْمَفْعُولِ كَمَا فِي نُسَخ الْيَمَنِ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْأَجْنَاسِ عَنْ كِتَابِ سَرِقَةِ الْأَصْلِ إذَا سَرَقَ مِنْ السَّارِقِ رَجُلٌ وَلَمْ تُقْطَعْ يَدُ السَّارِقِ الْأَوَّلِ فَالْقَطْعُ عَلَى السَّارِقِ الثَّانِي وَلَوْ كَانَ قُطِعَ يَدُ السَّارِقِ الْأَوَّلِ لَمْ يَجِبْ الْقَطْعُ عَلَى الثَّانِي ثُمَّ قَالَ ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي نَوَادِرِ هِشَامٍ إنْ قَطَعْت يَدَ السَّارِقِ الْأَوَّلِ لَمْ أَقْطَعْ يَدَ السَّارِقِ الثَّانِي وَإِنْ دَرَأْت الْقَطْعَ عَنْ الْأَوَّلِ لِشُبْهَةٍ قَطَعْت يَدَ الثَّانِي وَفِي الْإِمْلَاءِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُهُ إلَى هُنَا لَفْظُ كِتَابِهِ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ وَالْكَرْخِيُّ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْ السَّارِقِ مُطْلَقًا وَلَمْ يَعْتَبِرْ الْقَطْعَ الْأَوَّلَ وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ فَإِنْ قُطِعَ الْأَوَّلُ لَا يُقْطَعُ الثَّانِي لِارْتِفَاعِ عِصْمَةِ الْمَحَلِّ فَكَانَتْ سَرِقَةُ مَالٍ غَيْرِ مَعْصُومٍ وَإِنْ لَمْ يُقْطَعْ الْأَوَّلُ يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الثَّانِي لِأَنَّ الْأَوَّلَ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلْأَوَّلِ) أَيْ لِلسَّارِقِ الْأَوَّلِ. اهـ. (قَوْلُهُ وِلَايَةٌ) أَيْ بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ الِاسْتِرْدَادِ) أَيْ مِنْ الثَّانِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَجِدْ وَاحِدٌ مِنْهَا) أَيْ فَيَكُونُ الِاسْتِرْدَادُ لِلْمَالِكِ أَمَّا إذَا دُرِئَ الْحَدُّ عَنْهُ ثُمَّ سَرَقَ الثَّانِي فَلَا رِوَايَةَ فِي الِاسْتِرْدَادِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَرِدَّ لِأَنَّ يَدَهُ ضَمَانٌ كَالْغَاصِبِ فَيَسْتَرِدَّ لِيَتَخَلَّصَ عَنْ الضَّمَانِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ إمَّا أَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِيَدِ ضَمَانٍ فَلِانْتِفَاءِ الْعِصْمَةِ بِالْقَطْعِ اهـ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ سَرَقَ شَيْئًا وَرَدَّهُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ سَرَقَ سَرِقَةً فَرَدَّهَا عَلَى الْمَالِكِ قَبْلَ الِارْتِفَاعِ إلَى الْحَاكِمِ لَمْ يُقْطَعْ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْمُعَادَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ عَنْ أَصْحَابِنَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُقْطَعُ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى إذْ رَدَّ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ إلَى الْقَاضِي أَوْ بَعْدَ مَا رَفَعَ لَا يَسْقُطُ الْقَطْعُ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقَطْعَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْخُصُومَةِ قِيَاسًا عَلَى حَدِّ الزِّنَا وَقِيَاسًا عَلَى مَا بَعْدَ الْمُرَافَعَةِ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى يَثْبُتُ فِي ضِمْنِ حَقِّ الْعَبْدِ وَحَقِّ الْعَبْدِ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ الْخُصُومَةِ وَقَدْ ارْتَفَعَتْ الْخُصُومَةُ بِرَدِّ الْمَسْرُوقِ إلَى الْمَالِكِ فَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ حَقُّ الْعَبْدِ لَمْ يَثْبُتْ مَا فِي ضِمْنِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّ بَعْدَ الْمُرَافَعَةِ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا يَفْعَلُهُ الْحَاكِمُ لِأَنَّ الْحَاكِمَ يَقْطَعُ وَيَرُدُّ الْمَالَ إلَى مَالِكِهِ إنْ كَانَ قَائِمًا فَلَا يَكُونُ فَائِدَةً فِي رَدِّ السَّارِقِ فَلَا يَسْقُطُ الْقَطْعُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ مَلَكَهُ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً اهـ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ رَدَّهُ إلَى وَالِدِهِ إلَخْ) أَمَّا الْمُودِعُ يَضْمَنُ بِالرَّدِّ إلَى هَؤُلَاءِ وَالْغَاصِبُ لَا يَبْرَأُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ دَفَعَ إلَى مُكَاتَبِهِ لَا يُقْطَعُ) أَيْ اسْتِحْسَانًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ لِأَنَّ لِلْمَوْلَى حَقًّا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَلِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي الْحُدُودِ) أَيْ فَالْمَلِكُ الْحَادِثُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْمِلْكِ الْحَادِثِ قَبْلَ الْقَضَاءِ لِأَنَّ الْقَاضِي لَمَّا لَمْ يَمْضِ صَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فَلَا يَسْتَوْفِي الْقَطْعَ كَمَا قَبْلَ الْقَضَاءِ وَهَذَا لِأَنَّ الْقَاضِي لَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْقَضَاءِ فِي بَابِ الْحُدُودِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ قَضَيْت بَلْ بِالِاسْتِيفَاءِ جَلْدًا

ص: 229

كَتَغَيُّرِ أَوْصَافِ الشُّهُودِ بِالْعَمَى وَالْخَرَسِ وَالرِّدَّةِ وَالْفِسْقِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِخِلَافِ رَدِّهِ إلَى الْمَالِكِ لِأَنَّهُ يُؤَكِّدُ الْخُصُومَةَ فَيُتِمُّهَا لِحُصُولِ مَقْصُودِهَا فَتَبْقَى تَقْدِيرًا.

وَأَمَّا التَّمْلِيكُ فَيُضَادُّ مَقْصُودَهَا إذْ لَا يُخَاصِمُ أَحَدٌ لِيَمْلِكَ وَإِنَّمَا يُخَاصِمُ لِيَسْتَرِدَّ فَيَقْطَعُهَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُقْطَعُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ لِأَنَّ السَّرِقَةَ وَقَعَتْ مُوجِبَةً لِلْقَطْعِ لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِهَا وَقَدْ ظَهَرَتْ عِنْدَ الْقَاضِي بِدَلِيلِهَا وَلَا أَثَرَ لِلْعَارِضِ فِي إيرَاثِ الْخَلَلِ فِي الظُّهُورِ أَوْ الْوُجُوبِ لِأَنَّ الْهِبَةَ وَنَحْوَهَا مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ تُوجِبُ مِلْكًا حَادِثًا فَلَا يَمْتَنِعُ بِهِ الِاسْتِيفَاءُ كَالرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِ وَنَحْنُ بَيَّنَّا الْوَجْهَ وَالْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فَلَا نُعِيدُهُ فَإِنْ قِيلَ إذَا تَزَوَّجَ بِمَنْ زَنَى بِهَا يُحَدُّ فَلَوْلَا أَنَّ الْعَارِضَ كَالْعَدَمِ لِمَا حُدَّ قُلْنَا بَعْدَ التَّسْلِيمِ الْحَدُّ بِاعْتِبَارِ مَا اسْتَوْفَى مِنْ مَنَافِعِ الْبُضْعِ وَهُوَ مُتَلَاشٍ وَالْقَطْعُ بِاعْتِبَارِ الْعَيْنِ وَهُوَ بَاقٍ

وَأَمَّا إذَا ادَّعَى السَّارِقُ أَنَّ الْعَيْنَ الْمَسْرُوقَةَ مِلْكَهُ فَمَعْنَاهُ بَعْدَ مَا شَهِدَ الشَّاهِدَانِ بِالسَّرِقَةِ عَلَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى مَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ لِأَنَّهُ لَا يَعْجِزُ عَنْهُ سَارِقٌ فَيُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِ الْحَدِّ وَلَنَا أَنَّ الشُّبْهَةَ دَارِئَةٌ وَتَتَحَقَّقُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى لِلِاحْتِمَالِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِمَا قَالَ فَإِنَّ الْمُقِرَّ إذَا رَجَعَ صَحَّ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْجِزُ عَنْهُ سَارِقٌ وَأَمَّا إذَا نَقَصَتْ قِيمَةُ الْعَيْنِ الْمَسْرُوقَةِ عَنْ النِّصَابِ فَالْمُرَادُ بِهِ النُّقْصَانُ مِنْ حَيْثُ السِّعْرِ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الْقَطْعِ لَا مِنْ حَيْثُ نُقْصَانِ الْعَيْنِ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ سُرِقَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَيَوْمَ الْقَطْعِ أَقَلَّ فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله أَنَّهُ يُقْطَعُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ لِأَنَّ النِّصَابَ تَمَّ عِنْدَ الْأَخْذِ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فَنُقْصَانُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ خَلَلًا فِيهِ كَمَا فِي النُّقْصَانِ فِي الْعَيْنِ وَلَنَا أَنَّ النِّصَابَ لَمَّا كَانَ شَرْطًا شَرَطَ قِيَامَهُ عِنْد الْإِمْضَاءِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ بِخِلَافِ نُقْصَانِ الْقِيمَةِ لِنُقْصَانِ الْعَيْنِ لِأَنَّ الْعَيْنَ مَضْمُونَةٌ عَلَى السَّارِقِ فَكَمَّلَ النِّصَابَ عَيْنًا وَدَيْنًا وَنُقْصَانُ السِّعْرِ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ عَلَى السَّارِقِ لِأَنَّهُ يَكُونُ بِفُتُورِ الرَّغَبَاتِ وَمِثْلُهُ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى أَحَدٍ قَالَ رحمه الله

(وَلَوْ أَقَرَّا بِسَرِقَةٍ ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا هُوَ مَالِي لَمْ يُقْطَعَا) أَيْ لَوْ أَقَرَّ رَجُلَانِ بِسَرِقَةٍ ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا الْمَسْرُوقُ مَالِي لَمْ يُقْطَعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا سَوَاءٌ ادَّعَى قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ لِأَنَّ السَّرِقَةَ ثَبَتَتْ عَلَى الشَّرِكَةِ وَبَطَلَ الْحَدُّ عَنْ أَحَدِهِمَا بِرُجُوعِهِ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ السَّرِقَةَ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِهَا فَكَانَ رُجُوعًا فِي حَقِّهِ وَأَوْرَثَ شُبْهَةً فِي حَقِّ الْآخَرِ لِاتِّحَادِ السَّرِقَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ سَرَقْت أَنَا وَفُلَانٌ كَذَا وَفُلَانٌ يُنْكِرُ حَيْثُ يُقْطَعُ الْمُقِرُّ لِعَدَمِ الشَّرِكَةِ بِتَكْذِيبِهِ وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ هُوَ يَقُولُ إنَّهُ أَقَرَّ بِفِعْلٍ مُشْتَرَكٍ فَلَا يَثْبُتُ غَيْرُ مُشْتَرَكٍ وَقَدْ بَطَلَتْ الشَّرِكَةُ فَلَا يَثْبُتُ وَلَهُمَا أَنَّ الشَّرِكَةَ لَمَّا لَمْ تَثْبُتْ بِإِنْكَارِ الْآخَرِ صَارَ فِعْلُهُ كَالْعَدَمِ وَعَدَمُ فِعْلِهِ لَا يُخِلُّ بِالْمَوْجُودِ مِنْهُ كَقَوْلِهِ قَتَلْت أَنَا وَفُلَانٌ فُلَانًا وَقَالَ الْآخَرُ مَا قَتَلْت يُقَادُ الْمُقِرُّ وَحْدَهُ، وَكَقَوْلِهِ زَنَيْت أَنَا وَفُلَانٌ بِفُلَانَةَ وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ حُدَّ الْمُقِرُّ وَحْدَهُ قَالَ رحمه الله (وَلَوْ سَرَقَا وَغَابَ أَحَدُهُمَا وَشَهِدَ عَلَى سَرِقَتِهِمَا قُطِعَ الْآخَرُ) أَيْ الْحَاضِرُ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَوَّلًا يَقُولُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ لِأَنَّ الْغَائِبَ رُبَّمَا يَدَّعِي الشُّبْهَةَ عِنْدَ حُضُورِهِ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ يُقْطَعُ لِأَنَّ سَرِقَةَ الْحَاضِرِ تَثْبُتُ بِالْحُجَّةِ فَلَا يُعْتَبَرُ الْمَوْهُومُ لِأَنَّهُ لَوْ حَضَرَ وَادَّعَى كَانَ شُبْهَةً وَاحْتِمَالُ الدَّعْوَى شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ فَلَا يُعْتَبَرُ قَالَ رحمه الله

(وَلَوْ أَقَرَّ عَبْدٌ بِسَرِقَةٍ قُطِعَ وَتُرَدُّ السَّرِقَةُ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ) وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

أَوْ رَجْمًا أَوْ قَطْعًا فَلَا جَرَمَ كَانَ الْإِمْضَاءُ مِنْ الْقَضَاءِ بِخِلَافِ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَإِنَّ ثَمَّةَ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ قَضَيْت يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْقَضَاءِ وَلِأَنَّ السَّارِقَ لَوْ قُطِعَ بَعْدَ الْمِلْكِ قُطِعَ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ اهـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا قَضَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ بِالْقَطْعِ فِي سَرِقَةٍ فَوُهِبَتْ لَهُ لَمْ يُقْطَعْ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ مَعْنَاهُ إذَا سُلِّمَتْ يَعْنِي إلَى السَّارِقِ وَإِنَّمَا فَسَّرَهُ لِأَنَّ الْهِبَةَ إذَا لَمْ تَتَّصِلْ بِالتَّسْلِيمِ وَالْقَبْضِ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ وَهَذِهِ مِنْ خَوَاصِّ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ سَرَقَ سَرِقَةً فَقَضَى الْقَاضِي بِالْقَطْعِ ثُمَّ وَهَبَ رَبُّ السَّرِقَةِ السَّرِقَةَ إلَى السَّارِقِ قَالَ يَدْرَأُ عَنْهُ الْقَطْعَ قَالَ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا السَّارِقُ إذَا مَلَكَ الْمَسْرُوقَ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَقَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ بِالْهِبَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ لَا يَجُوزُ اسْتِيفَاءُ الْقَطْعِ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ يَجُوزُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ مَلَكَهُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ لَا يَجُوزُ اسْتِيفَاءُ الْقَطْعِ وَلَوْ مَلَكَهُ بَعْدَ الْخُصُومَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ عِنْدَنَا لَا يَجُوزُ وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلَانِ إلَى هُنَا لَفْظُهُ. اهـ.

(قَوْلُهُ فَمَعْنَاهُ إلَخْ) وَإِنَّمَا فَسَّرَ بِهِ لِيُخْرِجَ مَا إذَا أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لَمْ أَسْرِقْ بَلْ هُوَ مِلْكِي فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَكِنْ يَلْزَمُهُ الْمَالُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَإِنَّ الْمُقِرَّ إذَا رَجَعَ صَحَّ) أَيْ إجْمَاعًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْجِزُ عَنْهُ سَارِقٌ) أَيْ عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ مَنْ يَعْلَمُ هَذَا مِنْ السُّرَّاقِ أَقَلُّ مِنْ الْقَلِيلِ كَالْفُقَهَاءِ وَهُمْ لَا يَسْرِقُونَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ كَمَا فِي النُّقْصَانِ فِي الْعَيْنِ) أَيْ فَإِنَّهُ إذَا كَانَتْ ذَاتُ الْعَيْنِ نَاقِصَةً وَقْت الِاسْتِيفَاءِ وَالْبَاقِي مِنْهَا لَا يُسَاوِي عَشَرَةً يُقْطَعُ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَكَمَّلَ النِّصَابَ عَيْنًا وَدَيْنًا) أَيْ وَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ السَّارِقُ اسْتَهْلَكَهُ كُلَّهُ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِهِ لِقِيَامِهِ إذْ ذَاكَ ثُمَّ يَسْقُطُ ضَمَانُهُ. اهـ. كَمَالٌ

(قَوْلُهُ أَيْ الْحَاضِرِ) ثُمَّ إذَا جَاءَ الْغَائِبُ لَمْ يُقْطَعْ بِالشَّهَادَةِ الْأُولَى حَتَّى تُعَادَ تِلْكَ الْبَيِّنَةُ أَوْ غَيْرُهَا فَحِينَئِذٍ يُقْطَعُ لِأَنَّ تِلْكَ الْبَيِّنَةَ فِي حَقِّ الْغَائِبِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ لِأَنَّهَا قَامَتْ بِغَيْرِ خَصْمٍ إذْ الْحَاضِرُ لَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْهُ إمَّا لِأَنَّ النِّيَابَةَ لَا تَجْرِي فِي الْخُصُومَةِ فِي الْحُدُودِ أَوْ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ السَّرِقَةِ عَلَى الْحَاضِرِ ثُبُوتُهَا عَلَى الْغَائِبِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ يُقْطَعُ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَقَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. اهـ. فَتْحٌ وَكَذَا إذَا أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ مَعَ فُلَانٍ الْغَائِبِ لَا يُقْطَعُ فِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَيُقْطَعُ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ بَاقِي الْأَئِمَّةِ. اهـ. فَتْحٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ أَقَرَّ عَبْدٌ بِسَرِقَةٍ قُطِعَ إلَخْ) قَالَ

ص: 230

قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَقَوْلُهُ وَتُرَدُّ السَّرِقَةُ يَعْنِي إذَا كَانَتْ قَائِمَةً وَإِنْ كَانَتْ هَالِكَةً لَا يَضْمَنُ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إنْ كَانَ الْعَبْدُ مَأْذُونًا لَهُ أَوْ مُكَاتَبًا وَكَانَ الْمَال الْمَسْرُوقُ مُسْتَهْلَكًا فَكَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَالْمَالُ قَائِمٌ فِي يَدِهِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُقْطَعُ وَالْمَالُ لِلْمَوْلَى إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمَوْلَى فَيَدْفَعُ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُقْطَعُ وَالْمَالُ لِلْمَوْلَى إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمَوْلَى وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله لَا يُقْطَعُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا وَالْمَالُ لِلْمَوْلَى إلَّا أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي الْمَالِ أَوْ يُصَدِّقُهُ الْمَوْلَى لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْقَطْعِ يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمَوْلَى فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ قُلْنَا صِحَّةُ إقْرَارِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى الْمَالِيَّةِ فِي ضِمْنِهِ فَيَصِحُّ إذْ لَا تُهْمَةَ فِيهِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ يُقْبَلُ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ الْمَأْذُونُ فِي التِّجَارَةِ بِالدَّيْنِ أَوْ أَقَرَّ الْمَدِينُ بِالدَّيْنِ يُقْبَلُ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ.

فَكَذَا هَذَا وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ إقْرَارَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ بَاطِلٌ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْغَصْبِ وَمَا فِي يَدِهِ لِلْمَوْلَى فَلَا يُقْطَعُ بِهِ بِخِلَافِ الْمُسْتَهْلِكِ يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْمَالَ أَصْلٌ فِيهَا وَالْقَطْعُ تَابِعٌ حَتَّى تَسْمَعَ الْخُصُومَةَ فِيهِ بِدُونِ الْقَطْعِ وَيَثْبُتُ الْمَالُ بِدُونِ الْقَطْعِ كَمَا إذَا شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ أَقَرَّ ثُمَّ رَجَعَ دُونَ عَكْسِهِ فَإِذَا بَطَلَ فِي حَقِّ الْأَصْلِ بَطَلَ فِي التَّبَعِ بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ لَهُ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ صَحِيحٌ فَيَصِحُّ فِي حَقِّ الْقَطْعِ تَبَعًا وَبِخِلَافِ إقْرَارِهِ بِالْمُسْتَهْلِكِ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ لِيَرُدَّ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْقَطْعِ فَيَصِحُّ وَعَلَى الْمَوْلَى بِالْمَالِ لِأَنَّ مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ فَلَا يَصِحُّ وَالْقَطْعُ قَدْ يَجِبُ بِدُونِ الْمَالِ كَمَا إذَا قَالَ الثَّوْبُ الَّذِي مَعَ عَمْرٍو سَرَقْته مِنْ زَيْدٍ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَلَا يُصَدِّقُ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ الثَّوْبِ وَكَمَا لَوْ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ مَال مُسْتَهَلّك وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْقَطْعِ قَدْ صَحَّ مِنْهُ لَكَوَّنَهُ آدَمِيًّا وَصِحَّته لِعَدَمِ التُّهْمَة فَيَصِحّ بِالْمَالِ بِنَاءً عَلَيْهِ لِأَنَّ الْإِقْرَار يُلَاقِي حَالَة الْبَقَاء وَالْمَال فِيهَا تَابِع لِلْقَطْعِ حَتَّى تَسْقُط عِصْمَة الْمَال بِاعْتِبَارِ الْقَطْع وَيَسْتَوْفِي الْقَطْع بَعْد هَلَاك الْمَال بِخِلَافِ مَسْأَلَة الْحُرّ لِأَنَّ الْقَطْع يَجِب بِالسَّرِقَةِ مِنْ الْمُوَدِّع وَلَا يُقْطَعُ الْعَبْدُ بِمَالِ مَوْلَاهُ أَبَدًا فَحَاصِل هَذَا الْخِلَاف رَاجَعَ إلَى أَنَّ الْمَال أَصْل أَوْ الْقَطْع أَوْ كِلَاهُمَا فَعِنْد أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله الْقَطْع هُوَ الْأَصْل وَالْمَال تَبِعْ وَعِنْد مُحَمَّدٍ الْمَال هُوَ الْأَصْل هُوَ فَلَا يَثْبُت الْقَطْع بِدُونِهِ وَعِنْد أَبِي يُوسُفَ كِلَاهُمَا أَصْلٌ وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّ الْأَقَاوِيل الثَّلَاثَة مَرْوِيَّة عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَوْله الْأَوَّل أَخَذَ بِهِ مُحَمَّدٌ وَالثَّانِي أَخَذَ بِهِ أَبُو يُوسُفَ وَهِيَ نَظِير أَقْوَاله فِي الْحَمْلَانِ فَعُدْت مِنْ مَنَاقِبه رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ - قَالَ رحمه الله

(وَلَا يَجْتَمِعُ قَطْعٌ وَضَمَانٌ وَتُرَدُّ الْعَيْنُ لَوْ قَائِمًا) مَعْنَاهُ إذَا قُطِعَ السَّارِقُ وَكَانَتْ السَّرِقَةُ قَائِمَةً فِي يَدِهِ تُرَدُّ عَلَى صَاحِبِهَا لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ هَالِكَةً لَا يَضْمَنُ السَّارِقُ وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا فَكَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله يَضْمَنُ وَعَنْ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُفْتِي بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا مَحْظُورًا بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا يُحْكَمُ بِهِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إيجَابِ مَا يُنَافِي الْقَطْعَ وَكَذَلِكَ فِي قَاطِعِ الطَّرِيقِ إذَا أَخَذَ مَالًا أَوْ قَتَلَ نَفْسًا يُفْتِي بِأَدَاءِ الضَّمَانِ وَالدِّيَةِ وَكَذَا الْبَاغِي لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ انْعَقَدَ وَتَعَذَّرَ الْحُكْمُ لِعَارِضٍ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْفَتْوَى وَفِي الْكَافِي هَذَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَطْعِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَطْعِ فَإِنْ قَالَ الْمَالِكُ أَنَا أَضْمَنُهُ لَمْ يُقْطَعْ عِنْدَنَا وَإِنْ قَالَ أَنَا أَخْتَارُ الْقَطْعَ يُقْطَعُ وَلَا يَضْمَنُ.

وَقَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ السَّارِقُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

الْكَمَالُ حَاصِلُ وُجُوهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةٌ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمُقِرَّ بِالسَّرِقَةِ إمَّا مَأْذُونٌ أَوْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يُقِرَّ بِسَرِقَةٍ مُسْتَهْلَكَةٍ أَوْ قَائِمَةٍ فَالْمَأْذُونُ لَهُ إذَا أَقَرَّ بِسَرِقَةِ هَالِكَةٍ يُقْطَعُ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ وَلَا ضَمَانَ مَعَ الْقَطْعِ وَقَالَ زُفَرُ لَا يُقْطَعُ وَلَكِنَّ يَضْمَنُ الْمَالَ وَإِنْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ قَائِمَةٍ قُطِعَ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ وَهَذَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ كَانَ مَأْذُونًا قُطِعَ فِي الْوَجْهَيْنِ وَيَرُدُّ الْمَالَ لِلْمُقَرِّ لَهُ سَوَاءٌ صَدَّقَهُ الْمَوْلَى أَوْ كَذَّبَهُ وَقَالَ زُفَرُ لَا يُقْطَعُ وَلَكِنْ يَرُدُّ الْمَالَ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مَحْجُورًا فَإِنْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ هَالِكَةٍ قُطِعَتْ يَدُهُ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ وَقَالَ زُفَرُ لَا يُقْطَعُ وَإِنْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ قَائِمَةٍ فَقَالَ زُفَرُ لَا يُقْطَعُ فَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ زُفَرَ لَا يُقْطَعُ فِي شَيْءٍ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَقَالَ زُفَرُ لَا يُقْطَعُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مَحْجُورًا وَالْإِقْرَارُ بِهَالِكَةٍ أَوْ قَائِمَةٍ أَوْ مَأْذُونًا وَالْإِقْرَارُ بِهَالِكَةٍ أَوْ قَائِمَةٍ وَاخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا الثَّلَاثَةُ فِي هَذِهِ أَعْنِي فِي إقْرَارِ الْمَحْجُورِ بِقَائِمَةٍ فِي يَدِهِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُقْطَعُ وَتُرَدُّ لِمَنْ أَقَرَّ لَهُ بِسَرِقَتِهَا مِنْهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُقْطَعُ وَالسَّرِقَةُ لِمَوْلَاهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُقْطَعُ وَالسَّرِقَةُ لِمَوْلَاهُ وَيَضْمَنُ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ بَعْدَ الْعَتَاقِ لِلْمُقَرِّ لَهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُقْطَعُ) قَالَ الْكَمَالُ وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ إذَا أَكْذَبَهُ الْمَوْلَى فِي إقْرَارِهِ وَقَالَ الْمَالُ مَالِي أَمَّا إذَا صَدَّقَهُ فَلَا إشْكَالَ فِي الْقَطْعِ وَرَدَّ الْمَالَ لِلْمُقَرِّ لَهُ اتِّفَاقًا هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْعَبْدُ كَبِيرًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ أَصْلًا وَهُوَ ظَاهِرٌ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَأْذُونًا يَرُدُّ الْمَالَ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ إنْ كَانَ قَائِمًا وَإِنْ كَانَ هَالِكًا يَضْمَنُ وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمَوْلَى يَرُدُّ الْمَالَ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ إنْ كَانَ قَائِمًا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ هَالِكًا وَلَا بَعْدَ الْعِتْقِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ لَا يُقْطَعُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مَحْجُورًا أَوْ مَأْذُونًا وَالْمَالُ قَائِمٌ أَوْ هَالِكٌ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُسْتَهْلَكِ) أَيْ حَيْثُ يُقْطَعُ فِيهِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا. اهـ.

(قَوْلُهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ) أَيْ وَيَشْهَدُ لَهُ الْحَدِيثُ الَّذِي يَأْتِي لَا غُرْمَ عَلَى سَارِقٍ بَعْدَ مَا قُطِعَتْ يَمِينُهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْهَلَاكِ وَالِاسْتِهْلَاكِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الْكَافِي هَذَا) أَيْ عَدَمُ وُجُوبِ الضَّمَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَمْ يُقْطَعْ) سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ شَقَّ مَا سُرِقَ إلَخْ أَنَّهُ إنْ اخْتَارَ تَضْمِينَ الْقِيمَةِ وَتَرْكَ الثَّوْبِ عَلَيْهِ لَا يُقْطَعُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْأَخْذِ فَصَارَ كَمَا إذَا مَلَكَهُ بِالْهِبَةِ بَلْ أَوْلَى لِاسْتِنَادِهِ وَاقْتِصَارِ الْهِبَةِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ

ص: 231

صَاحِبَ مَالٍ يَضْمَنُ وَإِلَّا نُظِرَا لِلْجَانِبَيْنِ قُلْنَا الْمَضْمُونُ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا أَوْ فَأُقَاد وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ الْإِعْسَارُ فِي التَّأْخِيرِ لَا غَيْرُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَضْمَنُ سَوَاءٌ هَلَكَ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقَطْعَ وَالضَّمَانَ لَا يَجْتَمِعَانِ عِنْدَنَا كَالْحَدِّ مَعَ الْعُقْرِ وَعِنْدَهُ يَجْتَمِعَانِ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ اخْتَلَفَا مَحَلًّا وَمُسْتَحَقًّا وَسَبَبًا لِأَنَّ مَحَلَّ الْقَطْعِ الْيَدُ وَمُسْتَحِقُّهُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَسَبَبُهُ الْجِنَايَةُ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ تَرْكُ الِانْتِهَاءُ عَمَّا نَهَى عَنْهُ وَمَحَلُّ الضَّمَانِ الذِّمَّةُ وَمُسْتَحِقُّهُ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ وَسَبَبُهُ إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ الْعُدْوَانِ فَوُجُوبُ أَحَدِهِمَا لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْآخَرِ كَالدِّيَةِ مَعَ الْكَفَّارَةِ فِي الْقَتْلِ خَطَأً وَكَالْقِيمَةِ مَعَ الْجَزَاءِ فِي قَتْلِ صَيْدٍ مَمْلُوكٍ فِي الْحَرَامِ وَكَإِيجَابِ الْقِيمَةِ مَعَ الْحَدِّ فِي شُرْبِ خَمْرِ الذِّمِّيِّ.

وَلَنَا مَا رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رضي الله عنه أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ «لَا غُرْمَ عَلَى سَارِقٍ بَعْدَ مَا قُطِعَتْ يَمِينُهُ» وَلِأَنَّ لَوْ ضَمَّنَاهُ يَنْتَفِي وُجُوبُ الْقَطْعِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ ضَمَانَ الْعُدْوَانِ يُوجِبُ مِلْكَ الْمَضْمُونِ مِنْ وَقْتِ الْأَخْذِ ضَرُورَةَ أَنْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهَا وَرَدَتْ عَلَى مِلْكِهِ وَأَنَّ الْقَطْعَ كَانَ بِغَيْرِ حَقٍّ لِأَنَّهُ لَا يُقْطَعُ عَلَى أَخْذِ مَالِ نَفْسِهِ فَكَانَ الْقَوْلُ بِهِ بَاطِلًا وَلِأَنَّ الْقَطْعَ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجِبُ إلَّا بِجِنَايَةٍ وَاقِعَةٍ عَلَى حَقِّهِ خَالِصًا بِلَا شُبْهَةٍ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا لِلَّهِ تَعَالَى لَيْسَ لِلْعَبْدِ فِيهِ حَقٌّ كَالْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ فَلَا يَضْمَنُ وَلَوْ بَقِيَ لَهُ حَقٌّ لَكَانَ مُبَاحًا لِذَاتِهِ حَرَامًا لِغَيْرِهِ وَهُوَ لِحَقِّ مَالِكِهِ فَكَانَ حَرَامًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَيَسْقُطُ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ فَيَصِيرُ حَرَامًا حَقًّا لِلشَّرْعِ فَقَطْ كَالزِّنَا فَلَا يَضْمَنُ إلَّا أَنَّ هَذِهِ الْعِصْمَةَ وَهِيَ كَوْنُهُ مَعْصُومًا لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ شَخْصٍ آخَرَ حَتَّى يَضْمَنَهُ بِالْإِتْلَافِ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ فِي حَقِّهِ وَكَذَا فِي حَقِّ السَّارِقِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الِاسْتِهْلَاكِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ آخَرُ غَيْرُ السَّرِقَةِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ فِي حَقِّهِ.

وَكَذَا الشُّبْهَةُ الدَّارِئَةُ لِلْحَدِّ تُعْتَبَرُ فِيمَا هُوَ السَّبَبُ وَهُوَ السَّرِقَةُ دُونَ غَيْرِهِ فَلَا يَضُرُّنَا جَعْلُهُ مَعْصُومًا لِحَقِّ الْعَبْدِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الِاسْتِهْلَاكِ إذْ لَا يُؤَدِّي إلَى انْتِفَاءِ الْقَطْعِ بِاعْتِبَارِهِ مَالًا فِي حَقِّهِ كَمَا فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ أَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ إتْمَامُ الْمَقْصُودِ فَتُعْتَبَرُ الشُّبْهَةُ فِيهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعْصُومًا لِحَقِّ الْعَبْدِ فِي حَقِّ الِاسْتِهْلَاكِ لَأَدَّى إلَى سُقُوطِ الْقَطْعِ وَكَذَا ظَهَرَ سُقُوطُ الْعِصْمَةِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْقُطْ فِي حَقِّهِ يَلْزَمُ أَنْ يَجِبَ مَالٌ مَعْصُومٌ بِمُقَابَلَةِ مَالٍ غَيْرِ مَعْصُومٍ وَلَا مُتَقَوِّمٍ فَانْتَفَى الضَّمَانُ لِانْتِفَاءِ الْمُمَاثَلَةِ كَمَا لَا يَجِبُ بِاسْتِهْلَاكِ الْمَنَافِعِ لِهَذَا الْمَعْنَى وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ هُنَا سَبَبَيْنِ بَلْ هُوَ سَبَبٌ وَاحِدٌ وَهُوَ سَرِقَةُ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ لِصِيَانَةِ أَمْوَالِ النَّاسِ لَا غَيْرُ فَلَا يَجِبُ حَقَّانِ مُخْتَلِفَانِ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ كَالْقِصَاصِ مَعَ الدِّيَةِ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ لِأَنَّ هُنَاكَ سَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِأَنَّ مَا يَجِبُ مِنْ الْجَزَاءِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِكَوْنِ الْمَحَلِّ مَعْصُومًا مَمْلُوكًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ صَيْدًا غَيْرَ مَمْلُوكٍ أَوْ صَيْدَ نَفْسِهِ أَوْ شَرِبَ خَمْرَ نَفْسِهِ أَوْ قَتَلَ عَبْدَ نَفْسِهِ تَجِبُ هَذِهِ الْأَجْزِيَةُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ الْعَبْدِ فِيهِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَحَلِّ بَدَلًا عَنْهُ فَتَعَدُّدِ الْمُوجِبِ لِتَعَدُّدِ السَّبَبِ فَافْتَرَقَا فَإِنْ قِيلَ مَتَى انْتَقَلَتْ الْعِصْمَةُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى إنْ قُلْتُمْ قَبْلَ السَّرِقَةِ فَفِيهِ سَبْقُ الْحُكْمِ عَلَى السَّبَبِ وَإِنْ قُلْتُمْ بَعْدَ السَّرِقَةِ فَهَذَا غَيْرُ مُفِيدٍ لِأَنَّ السَّبَبَ صَادَفَ مَحَلًّا مُحْتَرَمًا حَقًّا لِلْمَالِكِ وَإِنْ قُلْتُمْ مَعَ السَّرِقَةِ فَهُوَ بَاطِلٌ أَيْضًا لِأَنَّ السَّرِقَةَ وَقْتَ الْوُجُودِ لَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ فَكَيْفَ يُوجَدُ حُكْمُهَا.

قُلْنَا انْتَقَلَتْ الْعِصْمَةُ قُبَيْلَ السَّرِقَةِ مُتَّصِلًا بِالسَّرِقَةِ لِتَنْعَقِدَ السَّرِقَةُ مُوجِبَةً لِلْقَطْعِ وَيَجُوزُ سَبْقُ الْحُكْمِ عَلَى السَّبَبِ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْحُكْمُ شَرْطَ صِحَّةِ ذَلِكَ السَّبَبِ كَمَا فِي قَوْلِهِ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَ أَعْتَقْت يَثْبُتُ الْمِلْكُ مُقْتَضًى لِلْعِتْقِ سَابِقًا عَلَيْهِ ضَرُورَةَ صِحَّةِ الْعِتْقِ عَنْهُ فَكَذَا هَذَا فَإِنْ قِيلَ إذَا انْتَقَلَتْ الْعِصْمَةُ وَلَمْ يَبْقَ حَقُّ الْمَالِكِ فَكَيْفَ يُشْتَرَطُ خُصُومَتُهُ قُلْنَا مَا شَرَطَ الْمَالِكُ لِذَاتِهِ بَلْ لِإِظْهَارِ السَّرِقَةِ وَلِيَتَمَكَّنَ الْإِمَامُ مِنْ الْقَطْعِ حَتَّى لَوْ وُجِدَتْ الْخُصُومَةُ مِنْ غَيْرِ مَالِك اكْتَفَى بِهِ عَلَى مَا مَرَّ قَالَ رحمه الله

(وَلَوْ قُطِعَ لِبَعْضِ السَّرِقَاتِ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا) يَعْنِي لَوْ سَرَقَ سَرِقَاتٍ فَقُطِعَ فِي إحْدَاهَا فَهُوَ لِجَمِيعِهَا وَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَقَالَا يَضْمَنُ كُلَّهَا إلَّا فِي الَّتِي قُطِعَ لَهَا وَلَوْ حَضَرُوا جَمِيعًا وَقُطِعَتْ يَدُهُ بِخُصُومَتِهِمْ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا بِالِاتِّفَاقِ لَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّ الْمُسْقِطَ لِلضَّمَانِ الْقَطْعُ وَهُوَ حَصَلَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

الْكَمَالُ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ رُجُوعَهُ عَنْ دَعْوَى السَّرِقَةِ إلَى دَعْوَى الْمَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ الْإِعْسَارَ فِي التَّأْخِيرِ لَا غَيْرُ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَا خِلَافَ إنْ كَانَ بَاقِيًا أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَى الْمَالِكِ وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ يُؤْخَذُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالْمَوْهُوبِ لَهُ. اهـ.

ص: 232

لِلْحَاضِرِ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِخُصُومَتِهِ وَإِثْبَاتِهِ عِنْدَ الْقَاضِي وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ فَيُقْطَعُ لَهُ خَاصَّةً إذْ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْهُمْ فَبَقِيَتْ أَمْوَالُهُمْ مَعْصُومَةً عَلَى حَالِهَا وَلِهَذَا لَوْ حَضَرُوا وَادَّعَوْا السَّرِقَةَ لَمْ يَأْخُذُوهَا حَتَّى يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى السَّرِقَةِ وَلَوْ كَانَتْ خُصُومَتُهُ لِكُلٍّ لَأَخَذُوهَا كَمَا يَأْخُذُ هُوَ وَلَهُ أَنَّ الْوَاجِبَ بِالْكُلِّ قَطْعٌ وَاحِدٌ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ مَبْنِيَّ الْحُدُودِ عَلَى التَّدَاخُلِ، وَالْخُصُومَةُ شَرْطٌ لِظُهُورِهَا عِنْدَ الْقَاضِي وَعِنْدَ مَنْ لَهُ الْحَقُّ لِيُعْلَمَ لَا لِوُجُوبِ الْقَطْعِ إذْ هُوَ بِالْجِنَايَةِ وَصَاحِبُ الْحَقِّ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْقَضَاءِ بَلْ إلَى الِاسْتِيفَاءِ فَإِذَا اسْتَوْفَى كَانَ لِلْكُلِّ لِعَوْدِ مَنْفَعَتِهِ إلَى الْكُلِّ بِخِلَافِ الْمَالِ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ فَتُشْتَرَطُ الْخُصُومَةُ مِنْهُ وَلِأَنَّ الْقَطْعَ مُتَّحِدٌ فَيَكُونُ الْقَضَاءُ بِهِ لِلْكُلِّ بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ فَإِنْ قِيلَ الْخُصُومَةُ شَرْطٌ لِيَصِيرَ الْخَصْمُ بَاذِلًا لِلْمَالِ وَلِهَذَا لَوْ اخْتَارَ التَّضْمِينَ لَا يُقْطَعُ وَلَا يَصِحُّ الْبَذْلُ مِنْ وَاحِدٍ عَنْ الْكُلِّ قُلْنَا بَذْلُ الْمَالِ بِسُقُوطِ عِصْمَتِهِ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ يَثْبُتُ بِنَاءً عَلَى اسْتِيفَاءِ الْقَطْعِ لَا بِاخْتِيَارِ الْعَبْدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَسْتَوْفِيه الْحَاكِمُ بِخُصُومَةِ مَنْ لَا يَمْلِكُ الْبَذْلَ كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَالْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا سَرَقَ مِنْ وَاحِدٍ نِصَابًا مِرَارًا ثُمَّ قُطِعَ لِأَجْلِ نِصَابٍ وَاحِدٍ قَالَ رحمه الله

(وَلَوْ شَقَّ مَا سَرَقَ فِي الدَّارِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ قُطِعَ) وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَسْرِقَ ثَوْبًا وَشَقَّهُ نِصْفَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ الدَّارِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ وَقِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ بَعْدَ الشَّقِّ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ أَحْدَثَ فِيهِ سَبَبَ الْمِلْكِ وَهُوَ الْخَرْقُ الْفَاحِشُ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْقِيمَةَ فَيَمْلِكُ الْمَضْمُونَ فَصَارَ كَالْمُشْتَرِي إذَا سَرَقَ مَبِيعًا فِيهِ خِيَارُ الْبَائِعِ ثُمَّ فُسِخَ الْبَيْعُ وَلَهُمَا أَنَّ الشَّقَّ لَيْسَ بِسَبَبٍ مَوْضُوعٍ لِلْمِلْكِ شَرْعًا وَإِنَّمَا هُوَ سَبَبٌ لِلضَّمَانِ وَإِنَّمَا يُثْبِتُ الْمِلْكُ ضَرُورَةَ أَدَاءِ الضَّمَانِ كَيْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ وَمِثْلُهُ لَا يُورِثُ الشُّبْهَةَ كَالْأَخْذِ نَفْسِهِ وَكَمَا إذَا سَرَقَ الْبَائِعُ مَعِيبًا بَاعَهُ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ لِأَنَّ الْبَيْعَ مَوْضُوعٌ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا اخْتَارَ تَضْمِينَ النُّقْصَانِ وَأَخَذَ الثَّوْبَ وَإِنْ اخْتَارَ تَضْمِينَ الْقِيمَةِ وَتَرْكَ الثَّوْبِ عَلَيْهِ لَا يُقْطَعُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْأَخْذِ فَصَارَ كَمَا إذَا مَلَكَهُ بِالْهِبَةِ بَلْ أَوْلَى لِاسْتِنَادِهِ وَاقْتِصَارِ الْهِبَةِ وَهَذَا إذَا كَانَ النُّقْصَانُ فَاحِشًا وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا قُطِعَ بِالْإِجْمَاعِ لِانْعِدَامِ سَبَبِ الْمِلْكِ لِعَدَمِ اخْتِيَارِ تَضْمِينِ كُلِّ الْقِيمَةِ وِتْرِك الثَّوْبِ عَلَيْهِ ثُمَّ يَضْمَنُ النُّقْصَانَ مَعَ الْقَطْعِ هُنَا وَكَذَا إذَا كَانَ الْخَرْقُ فَاحِشًا وَاخْتَارَ أَخْذَ الثَّوْبِ وَتَضْمِينَ النُّقْصَانِ وَلَا يَمْتَنِعُ هَذَا التَّضْمِينُ بِالْقَطْعِ لِأَنَّ ضَمَانَ النُّقْصَانِ وَجَبَ بِإِتْلَافِ مَا فَاتَ قَبْلَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ لَأَخَذُوهَا كَمَا يَأْخُذُ هُوَ) أَيْ فَلَوْ وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ لَاجْتَمَعَ قَطْعٌ وَضَمَانٌ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ الْوَاجِبَ إلَخْ) قَالَ فِي الْكَافِي وَلَهُ أَنَّ الْقَطْعَ وَجَبَ عَنْ السَّرِقَاتِ كُلِّهَا فَيَبْطُلُ ضَمَانُ كُلُّهَا كَمَا لَوْ خَاصَمُوا جَمِيعًا وَهَذَا لِأَنَّ الْحَدَّ عِنْدَ تَقَدُّمِ أَسْبَابِهِ يَقَعُ عَنْ الْكُلِّ لِعَدَمِ رُجْحَانِ الْبَعْضِ عَنْ الْبَعْضِ وَكُلُّ السَّرِقَاتِ ثَابِتَةٌ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْقَطْعُ يُسْتَوْفَى حَقًّا لَهُ وَلَا يَجِبُ بِالسَّرِقَاتِ إلَّا قَطْعٌ وَاحِدٌ لِلتَّدَاخُلِ فَيَقَعُ عَنْ الْكُلِّ فِي عِلْمِهِ تَعَالَى إلَّا أَنَّ الْقَاضِي لَا عِلْمَ لَهُ بِسَائِرِ السَّرِقَاتِ فَظَنَّ أَنَّ الْقَطْعَ بِإِزَاءِ الْوَاحِدَةِ فَإِذَا ثَبَتَ الْبَاقِي فِي السَّرِقَاتِ بِالْبَيِّنَاتِ بِأَنَّ لَهُ أَنَّ الْقَطْعَ بِإِزَاءِ الْكُلِّ وَالْخُصُومَةِ شَرْطٌ لِظُهُورِهَا عِنْدَ الْقَاضِي لَا لِوُجُوبِهَا فَإِذَا خَاصَمَ الْوَاحِدُ وَأَثْبَتَ وَضَحَ التَّكْلِيفُ لِلْقَاضِي بِالْقَطْعِ وَالْمُسْتَوْفِي يَصْلُحُ لِلْكُلِّ وَالْكُلُّ وَاجِبٌ فِي الْحَقِيقَةِ فَيَقَعُ عَنْ الْكُلِّ لِعَوْدِ نَفْعِهِ إلَى الْكُلِّ. اهـ.

(قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ) أَيْ وَإِنْ كَانَ لَا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بَعْدَهُ لَمْ يُقْطَعْ اتِّفَاقًا. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا كَانَ الْخَرْقُ فَاحِشًا) قَالَ فِي الْكَافِي فَإِنْ قِيلَ قَدْ أَوْجَبْتُمْ مَعَ الْقَطْعِ ضَمَانَ النُّقْصَانِ وَهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ قُلْنَا إنَّمَا لَا يَجْتَمِعَانِ كَيْ لَا يُؤَدِّي إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْفِعْلِ وَبَدَلِ الْمَحَلِّ فِي جِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُنَا لَا يُؤَدِّي إذْ الْقَطْعُ يَجِبُ بِالسَّرِقَةِ وَضَمَانُ النُّقْصَانِ بِالْخَرْقِ وَالْخَرْقُ لَيْسَ مِنْ السَّرِقَةِ فِي شَيْءٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يَمْتَنِعُ هَذَا التَّضْمِينُ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُ السُّؤَالِ أَنْ يُقَالَ كَيْفَ جَمَعَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ بَيْنَ الْقَطْعِ وَضَمَانِ الشَّقِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ أَصْلِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْقَطْعَ وَالضَّمَانَ لَا يَجْتَمِعَانِ فَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ مَا فَاتَ عَنْ الشَّقِّ صَارَ هَالِكًا قَبْلَ الْإِخْرَاجِ فَالْقَطْعُ لَمْ يَقَعْ لَهُ فَلَا يَنْتَفِي الضَّمَانُ وَلَا يَمْتَنِعُ الْقَطْعُ اهـ قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَاسْتَشْكَلَ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ الِاسْتِهْلَاكُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّهُ فِعْلٌ غَيْرُ السَّرِقَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِهِ الضَّمَانُ لِأَنَّ عِصْمَةَ الْمَسْرُوقِ تَسْقُطُ بِالْقَطْعِ فَكَذَا هُنَا عِصْمَةُ الْمَسْرُوقِ تَسْقُطُ بِالْقَطْعِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ ضَمَانُ النُّقْصَانِ.

وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْفَوَائِدِ الْخَبَّازِيَّةِ وَفِي الصَّحِيحِ لَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ كَيْ لَا يَجْتَمِعَ الْقَطْعُ مَعَ الضَّمَانِ وَلِأَنَّهُ لَوْ ضَمِنَ النُّقْصَانَ يَمْلِكُ مَا ضَمِنَهُ فَيَكُونُ هَذَا كَثَوْبٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا فَلَا يَجِبُ الْقَطْعُ لَكِنَّهُ يَجِبُ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ وَالْحَقُّ مَا ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ الْأُمَّهَاتِ أَنَّهُ يُقْطَعُ وَيَضْمَنُ النُّقْصَانَ وَالنَّقْصُ بِالِاسْتِهْلَاكِ غَيْرُ وَارِدٍ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ هُنَا بَعْدَ السَّرِقَةِ بِأَنْ سَرَقَ وَاسْتَهْلَكَ الْمَسْرُوقَ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مَا إذَا نَقَصَ قَبْلَ تَمَامِ السَّرِقَةِ فَإِنَّ وُجُوبَ قِيمَةِ مَا نَقَصَ ثَابِتٌ قَبْلَ السَّرِقَةِ ثُمَّ إذَا أَخْرَجَهُ مِنْ الْحِرْزِ كَانَ الْمَسْرُوقُ هُوَ النَّاقِصُ فَالْقَطْعُ حِينَئِذٍ بِذَلِكَ الْمَسْرُوقِ النَّاقِصِ وَلَمْ يَضْمَنْهُ إيَّاهُ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّين قَاضِي خَانْ فَإِنْ كَانَ الْخَرْقُ يَسِيرًا يُقْطَعُ وَيَضْمَنُ النُّقْصَانَ أَمَّا الْقَطْعُ فَلِأَنَّهُ أَخْرَجَ نِصَابًا كَامِلًا مِنْ الْحِرْزِ عَلَى وَجْهِ السَّرِقَةِ وَأَمَّا ضَمَانُ النُّقْصَانِ فَلِوُجُودِ سَبَبِهِ وَهُوَ التَّعَيُّبُ الَّذِي وُجِدَ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ الَّذِي بِهِ تَتِمُّ السَّرِقَةُ وَوُجُوبُ ضَمَانِ النُّقْصَانِ لَا يَمْنَعُ الْقَطْعَ لِأَنَّ ضَمَانَ النُّقْصَانِ وَجَبَ بِإِتْلَافِ مَا فَاتَ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ وَالْقَطْعِ بِإِخْرَاجِ الْبَاقِي فَلَا يَمْنَعُ كَمَا لَوْ أَخَذَ ثَوْبَيْنِ وَأَحْرَقَ أَحَدَهُمَا فِي الْبَيْتِ وَأَخْرَجَ الْآخَرَ وَقِيمَتُهُ نِصَابٌ وَأَمَّا قَوْلُ الْبَاحِثِ يَمْلِكُ مَا ضَمِنَهُ فَيَكُونُ كَثَوْبٍ مُشْتَرَكٍ إلَخْ فَغَلَطٌ لِأَنَّ عِنْدَ السَّرِقَةِ وَهُوَ الْإِخْرَاجُ مَا كَانَ لَهُ مِلْكٌ فِي الْمُخْرَجِ فَإِنَّ الْجُزْءَ الَّذِي مَلَكَهُ

ص: 233

الْإِخْرَاجِ وَالْقَطْعُ بِإِخْرَاجِ الْبَاقِي فَلَا يَمْتَنِعُ كَمَا لَوْ أَخَذَ ثَوْبَيْنِ فَأَحْرَقَ أَحَدَهُمَا فِي الْبَيْتِ وَأَخْرَجَ الْآخَرَ وَقِيمَتُهُ نِصَابٌ وَذَكَرَ الْخَبَّازِيُّ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ لِأَنَّهُ ضَمَانُ هَذَا الثَّوْبِ فَيَكُونُ كَأَنَّهُ مَلَكَ مَا ضَمِنَ فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَيَنْتَفِي الْقَطْعُ وَتَكَلَّمُوا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَاحِشِ وَالْيَسِيرِ فَقِيلَ إنْ أَوْجَبَ الْخَرْقُ نُقْصَانَ رُبُعِ الْقِيمَةِ فَصَاعِدًا فَهُوَ فَاحِشٌ وَمَا دُونَهُ يَسِيرٌ وَقِيلَ مَا لَا يَصْلُحُ الْبَاقِي لِثَوْبٍ مَا فَهُوَ فَاحِشٌ وَالْيَسِيرُ مَا يَصْلُحُ وَقِيلَ مَا يَنْقُصُ بِهِ نِصْفُ الْقِيمَةِ فَاحِشٌ وَمَا دُونَهُ يَسِيرٌ وَمَا فَوْقَهُ اسْتِهْلَاكٌ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْفَاحِشَ مَا يَفُوتُ بِهِ بَعْضُ الْعَيْنِ وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ وَالْيَسِيرُ مَا لَا يَفُوتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَنْفَعَةِ بَلْ يَتَعَيَّبُ بِهِ فَقَطْ وَهَذَا الْخِيَارُ يَثْبُتُ مَا لَمْ يَكُنْ إتْلَافًا وَإِذَا كَانَ إتْلَافًا فَلَهُ تَضْمِينُ جَمِيعِ الْقِيمَةِ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ وَيَمْلِكُ السَّارِقُ الثَّوْبَ وَلَا يُقْطَعُ وَحَدُّ الْإِتْلَافِ أَنْ يَنْقُصَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ قَالَ رحمه الله

(وَلَوْ سَرَقَ شَاةً فَذَبَحَهَا وَأَخْرَجَهَا لَا) أَيْ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ السَّرِقَةَ تَمَّتْ عَلَى اللَّحْمِ وَلَا قَطْعَ فِيهِ قَالَ رحمه الله

(وَلَوْ صَنَعَ الْمَسْرُوقَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ قُطِعَ وَرَدَّهَا) أَيْ لَوْ سَرَقَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً قَدْرَ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ فَصَنَعَهُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ قُطِعَ وَرَدَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَقَالَا لَا سَبِيلَ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ عَلَيْهَا وَأَصْلُ هَذَا الْخِلَافِ فِي الْغَصْبِ فِي أَنَّ الْغَاصِبَ هَلْ يَمْلِكُ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ بِهَذِهِ الصَّنْعَةِ أَمْ لَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا مُتَقَوِّمَةً أَمْ لَا فَعِنْدَهُ لَا يَمْلِكُ لِأَنَّهَا لَا تَتَقَوَّمُ وَعِنْدَهُمَا يَمْلِكُ لِتَقَوُّمِهَا ثُمَّ وُجُوبُ الْقَطْعِ عِنْدَهُ لَا يُشْكِلُ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا عَلَى قَوْلِهِ وَقِيلَ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَجِبُ الْقَطْعُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ قَبْلَ الْقَطْعِ وَقِيلَ يَجِبُ لِأَنَّهُ صَارَ بِالصَّنْعَةِ شَيْئًا آخَرَ فَلَمْ يَمْلِكْ عَيْنَهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا اتَّخَذَهُ حُلِيًّا أَوْ آنِيَةً قَالَ رحمه الله

(وَلَوْ صَبَغَهُ أَحْمَرَ فَقُطِعَ لَا يَرُدُّ وَلَا يَضْمَنُ) أَيْ لَوْ سَرَقَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ فَقُطِعَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ وَلَا ضَمَانُهُ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالْكَافِي وَلَفْظُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَإِنْ سَرَقَ ثَوْبًا فَقُطِعَ فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ الثَّوْبُ وَلَا يَضْمَنُ بِتَأْخِيرِ الصَّبْغِ عَنْ الْقَطْعِ وَلَفْظُ مُحَمَّدٍ رحمه الله سَرَقَ الثَّوْبَ فَقَطَعَ يَدَهُ وَقَدْ صَبَغَ الثَّوْبَ أَحْمَرَ إلَخْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَصْبُغَهُ قَبْلَ الْقَطْعِ أَوْ بَعْدَهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُؤْخَذُ مِنْهُ الثَّوْبُ وَيُعْطَى مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ لِأَنَّ عَيْنَ مَالِهِ قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهُوَ أَصْلٌ وَالصَّبْغُ تَبَعٌ فَكَانَ اعْتِبَارُ الْأَصْلِ أَوْلَى كَمَا فِي الْغَاصِبِ وَلَهُمَا أَنَّ صَبْغَ السَّارِقِ فِي الثَّوْبِ قَائِمٌ صُورَةً وَمَعْنًى وَحَقُّ صَاحِبِ الثَّوْبِ قَائِمٌ صُورَةً لَا مَعْنًى حَتَّى إذَا هَلَكَ عِنْدَهُ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ فَكَانَ حَقُّ السَّارِقِ أَحَقَّ بِالتَّرْجِيحِ كَالْمَوْهُوبِ لَهُ إذَا صَبَغَهُ انْقَطَعَ حَقُّ الْمَالِكِ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ الْغَصْبِ لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَرَجَّحْنَا جَانِبَ الْأَصْلِ دُونَ التَّبَعِ فَإِنْ قِيلَ إذَا انْقَطَعَ حَقُّ الْمَالِكِ وَجَبَ أَنْ يَمْلِكَهُ السَّارِقُ مِنْ حِينِ سُرِقَ فَيَمْتَنِعُ الْقَطْعُ قُلْنَا يَجِبُ الْقَطْعُ بِاعْتِبَارِ الثَّوْبِ الْأَبْيَضِ وَهُوَ لَمْ يَمْلِكْهُ أَبْيَضَ بِوَجْهٍ مَا فَصَارَ كَمَا لَوْ سَرَقَ حِنْطَةً

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

بِالضَّمَانِ هُوَ مَا كَانَ قَبْلَ السَّرِقَةِ وَقَدْ هَلَكَ قَبْلَهَا وَحِينَ وَرَدَتْ السَّرِقَةُ وَرَدَتْ عَلَى مَا لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ الْجُزْءُ الْمَمْلُوكُ لَهُ. اهـ.

(قَوْلُهُ لَا يُقْطَعُ) أَيْ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا مَذْبُوحَةً عَشَرَةَ دَرَاهِمَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا قَطْعَ فِيهِ) أَيْ لَكِنَّهُ يَمْلِكُ قِيمَتَهَا لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ. اهـ. فَتْحٌ

(قَوْلُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَبِهِ قَالَتْ الثَّلَاثَةُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقَالَا لَا سَبِيلَ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ عَلَيْهَا) أَيْ وَهَلْ يُقْطَعُ عِنْدَهُمَا يُذْكَرُ قَرِيبًا. اهـ. (قَوْلُهُ فِي أَنَّ الْغَاصِبَ) أَيْ إذَا غَصَبَ نَقْرَةَ فِضَّةٍ فَضَرَبَهَا دَارَهُمْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا يَمْلِكُ لِتَقَوُّمِهَا) وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ هَذِهِ الصَّنْعَةَ مُبَدِّلَةٌ لِلْعَيْنِ كَالصَّنْعَةِ فِي الصُّفْرِ وَالْحَدِيدِ بِأَنْ غَصَبَ حَدِيدًا أَوْ صُفْرًا فَجَعَلَهُ سَيْفًا أَوْ آنِيَةً وَكَذَا الِاسْمُ كَانَ تِبْرًا ذَهَبًا فِضَّةً صَارَ دَرَاهِمَ دَنَانِيرَ وَلَهُ أَنَّ هَذِهِ الصَّنْعَةَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَوْ تَقَوَّمَتْ وَبَدَّلَتْ الِاسْمَ لَمْ تُعْتَبَرْ مَوْجُودَةً شَرْعًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِهَا حُكْمُ الرِّبَا حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُ آنِيَةٍ وَزْنُهَا عَشَرَةٌ فِضَّةٌ بِأَحَدَ عَشَرَ فِضَّةً وَقَلْبُهُ فَكَانَتْ الْعَيْنُ كَمَا كَانَتْ حُكْمًا فَيُقْطَعُ وَتُؤْخَذُ لِلْمَالِكِ عَلَى أَنَّ الِاسْمَ بَاقٍ وَهُوَ اسْمُ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَإِنَّمَا حَدَثَ اسْمٌ آخَرُ مَعَ ذَلِكَ الِاسْمِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ قَبْلَ الْقَطْعِ) أَيْ بِمَا حَدَثَ مِنْ الصَّنْعَةِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْقَطْعِ لَكِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا أَخَذَ وَزْنًا مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَجِبُ) أَيْ وَلَا شَيْءَ عَلَى السَّارِقِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَلَمْ يَمْلِكْ عَيْنَهُ) أَيْ فَقَدْ اسْتَهْلَكَ الْمَسْرُوقَ ثُمَّ قُطِعَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَهُ الْكَمَالُ اهـ قَالَ الشَّهِيدُ فِي جَامِعِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ صَبَغَهُ أَحْمَرَ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ سَرَقَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ يُقْطَعُ بِهِ قَالَ الْكَمَالُ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُؤْخَذُ مِنْهُ الثَّوْبُ) قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ اهـ (قَوْلُهُ قَائِمٌ صُورَةً) أَيْ وَهُوَ ظَاهِرٌ. اهـ. (قَوْله وَمَعْنًى) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ حَتَّى إذَا هَلَكَ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ السَّارِقِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ) حَتَّى لَوْ أَرَادَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ أَنْ يَأْخُذَ الثَّوْبَ يَضْمَنُ لَهُ قِيمَةَ الصَّبْغِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ انْقَطَعَ حَقُّ الْمَالِكِ) أَيْ فِي الرُّجُوعِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَرَجَّحْنَا جَانِبَ الْأَصْلِ دُونَ التَّبَعِ) قَالَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ إشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّ الثَّوْبَ عَلَى تَقْدِيرِ الْقَطْعِ يَصِيرُ مِلْكًا لِلسَّارِقِ مِنْ حِينِ صَبْغِهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْقَطْعَ لَمْ يَكُنْ بِحَقٍّ وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّ الْقَطْعَ مَعَ الضَّمَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ الضَّمَانِ يَثْبُتُ الْمِلْكُ مِنْ وَقْتِ السَّرِقَةِ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ الْقَطْعَ لَمْ يَكُنْ بِحَقٍّ وَجَوَابُهُ أَنَّ ثُبُوتَ الْمِلْكِ هُنَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّرْجِيحِ لِوَصْفِ التَّقَوُّمِ فَإِنَّهُ مَعْنًى بَعْدَ الْقَطْعِ فَلَا يَكُونُ الْمِلْكُ ثَابِتًا قَبْلَ الْقَطْعِ وَمَعَ هَذَا لِلْقِيلِ وَالْقَالِ فِيهِ مَجَالٌ فَإِنَّ السَّارِقَ حِينَ قُطِعَ وَالثَّوْبُ مَصْبُوغٌ أَوْ بَقِيَ الثَّوْبُ عَلَى مِلْكِ الْمَالِكِ وَالصَّبْغُ مِلْكُ السَّارِقِ فَيَكُونُ قَدْ قُطِعَ فِي شَيْءٍ مُشْتَرَكٍ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ لَكِنَّهُ جَعَلَ الثَّوْبَ كَالْمُسْتَهْلَكِ حَتَّى جَازَ الْقَطْعُ

ص: 234