الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ اتَّقُوا اللَّهَ فِيمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَقَالَ أَنَسٌ كَانَ عليه الصلاة والسلام عَامَّةُ وَصِيَّتِهِ ذَلِكَ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، وَهُوَ يُغَرْغِرُ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ» ، وَقَالَ فِي الْغَايَةِ الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَفِيهِ نَظَرٌ قَالَ رحمه الله (فَإِنْ أَبَى فَفِي كَسْبِهِ وَإِلَّا أُمِرَ بِبَيْعِهِ) أَيْ إنْ امْتَنَعَ الْمَوْلَى مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ فَنَفَقَتُهُ فِي كَسْبِهِ إنْ كَانَ لَهُ كَسْبٌ لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لَهُمَا بِبَقَاءِ الْمَمْلُوكِ حَيًّا، وَبَقَاءِ مِلْكِهِ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ بِأَنْ كَانَ زَمِنًا أَوْ أَعْمَى أَوْ جَارِيَةً لَا يُؤَجَّرُ مِثْلُهَا أُمِرَ بِبَيْعِهِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَفِي الْبَيْعِ إيفَاءُ حَقِّهِ، وَلَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمَوْلَى لِأَنَّ الثَّمَنَ يَقُومُ مَقَامَهُ
وَالْإِبْطَالُ إلَى خُلْفٍ كَلَا إبْطَالٍ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ حَيْثُ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ إبْطَالٌ لَا إلَى خُلْفٍ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ بَلْ يُقَالُ لَهَا اسْتَدِينِي عَلَيْهِ كَيْ لَا يَبْطُلَ حَقُّهَا بِخِلَافِ الْمَمْلُوكِ حَيْثُ لَا يُؤْمَرُ بِالِاسْتِدَانَةِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ لَهُ دَيْنٌ عَلَى مَوْلَاهُ فَيَكُونُ إبْطَالًا فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ بَلْ يُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا، وَلَا عَلَى بَيْعِهَا، وَلَكِنْ يُعْنَى فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا أَوْ يَبِيعَ لِنَهْيِهِ عليه السلام عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ، وَعَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، وَفِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ لَا يُنْفِقَ عَلَيْهِ، وَلَا يُعْنَى ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُجْبَرُ فِي الْحَيَوَانِ، وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ، وَلَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ رَجُلَيْنِ، وَطَلَبَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَأْمُرَهُ بِالنَّفَقَةِ حَتَّى لَا يَكُونَ مُتَطَوِّعًا بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا فَالْقَاضِي يَقُولُ لِلْآبِي إمَّا أَنْ تَبِيعَ نَصِيبَك مِنْهَا أَوْ تُنْفِقَ عَلَيْهَا هَكَذَا رُوِيَ عَنْ الْخَصَّافِ
وَفِي الْمُحِيطِ يُجْبَرُ صَاحِبُهُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُجْبَرْ لَتَضَرَّرَ شَرِيكُهُ بِهَلَاكِ الدَّابَّةِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ بِخِلَافِ الدَّابَّةِ، وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ إنْ أَبَى مَوْلَاهُمَا مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمَا اكْتَسَبَا، وَأَكَلَا مِنْ كَسْبِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا كَسْبٌ أُجْبِرَ الْمَوْلَى عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا لَا يَقْبَلَانِ النَّقْلَ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ حَيْثُ لَا يُؤْمَرُ فِي حَقِّهِ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ كَالْحُرِّ إذْ هُوَ خَارِجٌ عَنْ مِلْكِ الْمَوْلَى يَدًا، وَهَلْ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْ مَالِ الْمَوْلَى إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ يُنْظَرُ إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا إذَا نَهَاهُ عَنْ الْكَسْبِ، وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(كِتَابُ الْإِعْتَاقِ)
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
وَالْمُرَادُ مِنْ جِنْسِ مَا تَأْكُلُونَ وَتَلْبَسُونَ فَإِذَا أَلْبَسَهُ مِنْ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ، وَهُوَ يَلْبَسُ مِنْهُمَا الْفَائِقَ كَفَى بِخِلَافِ إلْبَاسِهِ نَحْوَ الْجُوَالِقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَمْ يَتَوَارَثْ عَنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُلْبِسُونَهُمْ مِثْلَهُمْ إلَّا عَنْ الْإِفْرَادِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ بِأَنْ كَانَ زَمِنًا) يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا كَانَ صَحِيحًا إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ عَارِفٍ بِصِنَاعَةِ لَا يَكُونُ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ فِي بَعْضِ الْأَعْمَالِ كَحَمْلِ شَيْءٍ وَتَحْوِيلِ شَيْءٍ كَمَعْنَى الْبِنَاءِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ جَارِيَةٌ لَا يُؤَجَّرُ مِثْلُهَا) قَالَ الْكَمَالُ وَكَذَا إذَا كَانَتْ جَارِيَةً لَا يُؤَاجَرُ مِثْلُهَا بِأَنْ كَانَتْ حَسَنَةً يُخْشَى مِنْ ذَلِكَ الْفِتْنَةُ أُجْبِرَ عَلَى الْإِنْفَاقِ أَوْ الْبَيْعِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ) قَالَ الْكَمَالُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ الْقَاضِي عَلَى تَرْكِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْإِجْبَارَ نَوْعُ قَضَاءٍ، وَالْقَضَاءُ يَعْتَمِدُ الْمَقْضِيَّ لَهُ، وَيَعْتَمِدُ أَهْلِيَّةَ الِاسْتِحْقَاقِ فِي الْمَقْضِيِّ لَهُ، وَلَيْسَ فَلَيْسَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ يُكْرَهُ) كَالدُّورِ وَالْعَقَارِ وَالزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ اهـ
(قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُجْبَرُ فِي الْحَيَوَانِ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ رحمهم الله وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ فِيهِ دَعْوَى حِسْبَةً فَيُجْبَرُ الْقَاضِي عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ، وَلَا بِدْعَ فِيهِ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلُ اهـ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ رَجُلَيْنِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَغَابَ أَحَدُهُمَا فَأَنْفَقَ الْآخَرُ بِغَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي، وَبِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ، وَكَذَا النَّخْلُ وَالزَّرْعُ، وَالْمُودَعُ وَالْمُلْتَقِطُ إذَا أَنْفَقَا عَلَى الْوَدِيعَةِ وَاللُّقَطَةِ، وَالدَّارُ الْمُشْتَرَكَةُ إذَا كَانَ أَنْفَقَ أَحَدُهُمَا فِي مَرَمَّتِهَا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ وَبِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ اهـ فَرْعٌ وَتَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى مَنْ لَهُ الْمَنْفَعَةُ مَالِكًا كَانَ أَوْ لَا مِثَالُهُ أَوْصَى بِعَبْدٍ لِرَجُلٍ، وَبِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ فَالنَّفَقَةُ عَلَى مَنْ لَهُ الْخِدْمَةُ، وَلَوْ أَوْصَى بِجَارِيَةٍ لِإِنْسَانٍ، وَبِمَا فِي بَطْنِهَا لِآخَرَ فَالنَّفَقَةُ عَلَى مَنْ لَهُ الْجَارِيَةُ، وَمِثْلُهُ عَلَى مَنْ لَهُ الْجَارِيَةُ، وَمِثْلُهُ أَوْصَى بِدَارٍ لِرَجُلٍ، وَبِسُكْنَاهَا لِآخَرَ فَالنَّفَقَةُ عَلَى السُّكْنَى لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَهُ فَإِنْ انْهَدَمَتْ فَقَالَ صَاحِبُ السُّكْنَى أَنَا أَبْنِيهَا وَأَسْكُنُهَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى حَقِّهِ إلَّا بِهِ فَصَارَ كَصَاحِبِ الْعُلْوِ مَعَ صَاحِبِ السُّفْلِ إذَا انْهَدَمَ السُّفْلُ وَامْتَنَعَ صَاحِبُهُ مِنْ بِنَائِهِ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ أَنْ يَبْنِيَهُ وَيَمْنَعَ صَاحِبَهُ مِنْهُ حَتَّى يُعْطَى مَا غَرِمَ فِيهِ، وَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى بِنَخْلٍ لِوَاحِدٍ وَبِثَمَرِهَا لِآخَرَ فَالنَّفَقَةُ عَلَى صَاحِبِ الثَّمَرَةِ
وَفِي التِّبْنِ وَالْحِنْطَةِ إنْ بَقِيَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ شَيْءٌ فَالنَّفَقَةُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالتَّخْلِيصُ عَلَيْهِمَا، وَأَقُولُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ مَا يَحْصُلُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَإِلَّا يَلْزَمُ ضَرَرُ صَاحِبِ الْقَلِيلِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِمْ فِي السِّمْسِمِ إذَا أَوْصَى بِدُهْنِهِ لِوَاحِدٍ وَبِثَجِيرِهِ لِآخَرَ أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى مَنْ لَهُ الدُّهْنُ لِعَدِّهِ عَدَمًا، وَإِنْ كَانَ قَدْ يُبَاعُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ كَالْحِنْطَةِ وَالتِّبْنِ فِي دِيَارِنَا لِأَنَّ الْكَسْبَ يُبَاعُ لِعَلْفِ الْبَقَرِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَا أَقُولُ فِيمَا عَنْ مُحَمَّدٍ ذَبَحَ شَاةً فَأَوْصَى بِلَحْمِهَا لِوَاحِدٍ وَبِجِلْدِهَا لِآخَرَ فَالتَّخْلِيصُ عَلَيْهِمَا كَالْحِنْطَةِ وَالتِّبْنِ أَنَّهُ يَكُونُ عَلَى قَدْرِ الْحَاصِلِ لَهُمَا، وَقَبْلَ الذَّبْحِ أُجْرَةُ الذَّبْحِ عَلَى صَاحِبِ اللَّحْمِ لَا الْجِلْدُ وَنَفَقَةُ الْمَبِيعِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ قِيلَ عَلَى الْمُشْتَرِي فَتَكُونُ تَابِعَةً لِلْمِلْكِ كَالْمَرْهُونِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَى الْبَائِعِ مَا دَامَ فِي يَدِهِ. اهـ. فَتْحٌ
[كِتَابُ الْإِعْتَاقِ]
قَالَ رحمه الله (هُوَ إثْبَاتُ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ لِلْمَمْلُوكِ) هَذَا فِي الشَّرْعِ لِأَنَّهُ بِهِ يَصِيرُ قَادِرًا عَلَى التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ حَتَّى صَارَ بِهِ أَهْلًا لِلتَّصَرُّفَاتِ وَالشَّهَادَاتِ وَالْوِلَايَاتِ، وَعَلَى التَّصَرُّفِ فِي الْأَغْيَارِ، وَعَلَى دَفْعِ تَصَرُّفِ الْأَغْيَارِ عَنْ نَفْسِهِ بِإِثْبَاتِ قُوَّةٍ حُكْمِيَّةٍ وَإِزَالَةِ ضَعْفٍ حُكْمِيٍّ، وَالْعِتْقُ وَالْعَتَاقُ فِي اللُّغَةِ الْقُوَّةُ مُطْلَقًا، وَعَتَاقُ الطَّيْرِ جَوَارِحُهَا سُمِّيَتْ بِهِ لِاخْتِصَاصِهَا بِمَزِيدِ الْقُوَّةِ، وَعَتَقَ الْفَرْخُ إذَا قَوِيَ، وَطَارَ مِنْ وَكْرِهِ، وَالْحُرِّيَّةُ عِبَارَةٌ عَنْ الْخُلُوصِ لُغَةً يُقَالُ أَرْضٌ حُرَّةٌ لَا خَرَاجَ فِيهَا، وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ خُلُوصٍ حُكْمِيٍّ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ بِانْقِطَاعِ حَقِّ الْأَغْيَارِ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِثْبَاتُ هَذَا الْوَصْفِ الْحُكْمِيِّ يُسَمَّى إعْتَاقًا وَتَحْرِيرًا، وَهُوَ تَصَرُّفٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ قَالَ عليه الصلاة والسلام «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُسْلِمَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ إرْبٍ مِنْهَا إرْبًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ حَتَّى أَنَّهُ لَيُعْتِقُ الْيَدَ بِالْيَدِ، وَالرِّجْلَ بِالرِّجْلِ، وَالْفَرْجَ بِالْفَرْجِ» قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُعْتِقَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ، وَالْمَرْأَةُ الْأَمَةَ لِيَتَحَقَّقَ مُقَابَلَةُ الْأَعْضَاءِ بِالْأَعْضَاءِ قَالَ رحمه الله (وَيَصِحُّ مِنْ حُرٍّ مُكَلَّفٍ لِمَمْلُوكِهِ بِأَنْتَ حُرٌّ أَوْ بِمَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْبَدَنِ، وَعَتِيقٌ وَمُعْتَقٌ وَمُحَرَّرٌ وَحَرَّرْتُك وَأَعْتَقْتُك نَوَاهُ أَوْ لَا) أَيْ يَصِحُّ الْعِتْقُ مِنْ حُرٍّ بَالِغٍ عَاقِلٍ بِقَوْلِهِ لِمَمْلُوكِهِ أَنْتَ حُرٌّ أَوْ بِقَوْلِهِ أَنْتَ عَتِيقٌ أَوْ مُعْتَقٌ أَوْ مُحَرَّرٌ أَوْ حَرَّرْتُك أَوْ أَعْتَقْتُك أَوْ أَتَى بَدَلُ قَوْلِهِ أَنْتَ مَا يُعَبِّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ كَقَوْلِهِ وَجْهُك حُرٌّ أَوْ رَأْسُك أَوْ رَقَبَتُك أَوْ عُنُقُك أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ فَرْجُك نَوَى الْعِتْقَ بِهِ أَوْ لَمْ يَنْوِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ حُرًّا مُكَلَّفًا، وَهُوَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَقَعُ إلَّا فِي الْمِلْكِ، وَالْعَبْدُ لَا مِلْكَ لَهُ وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لَيْسَا مِنْ الْأَهْلِ لِكَوْنِهِ ضَرَرًا أَوْ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُهُ الْوَلِيُّ عَلَيْهِمَا فَصَارَ حَالُهُمَا مُنَافِيًا، وَلِهَذَا لَوْ أَضَافَاهُ إلَى تِلْكَ الْحَالَةِ بِأَنْ قَالَا أَعْتَقْته، وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ، وَجُنُونُهُ مَعْهُودٌ لَمْ يَعْتِقْ
وَكَذَا إذَا قَالَ فِي حَالِ صَبَاهُ أَوْ جُنُونِهِ إذَا بَلَغْت أَوْ أَفَقْت فَهُوَ حُرٌّ لَمْ يَنْعَقِدْ لِأَنَّ قَوْلَهُ غَيْرُ مُلْزِمٍ، وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مَمْلُوكًا لَهُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ» ، وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ مُضَافًا إلَى الْجُمْلَةِ أَوْ إلَى مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ كَقَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ أَوْ رَأْسُك حُرٌّ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ لِأَنَّ التَّحْرِيرَ يَقَعُ فِي جُمْلَةِ الْأَعْضَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِضَافَةِ إلَيْهَا أَوْ إلَى مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْهَا، وَقَالَ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ صَرِيحٌ فِي الْعِتْقِ لِاخْتِصَاصِ اسْتِعْمَالِهَا فِيهِ أَوْ لِغَلَبَتِهِ فَلَا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى النِّيَّةِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَوْ قَالَ أَرَدْت بِهِ الْإِخْبَارَ الْبَاطِلَ أَوْ أَنَّهُ حُرٌّ مِنْ الْعَمَلِ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ بِاعْتِبَارِ الِاسْتِعْمَالِ، وَالْقَاضِي يَحْكُمُ بِالظَّاهِرِ، وَاَللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ
وَلَوْ قَالَ أَرَدْت بِهِ أَنَّهُ كَانَ حُرًّا فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مِنْ السَّبْيِ يُدَيَّنُ، وَإِنْ كَانَ مُوَلَّدًا لَا يُدَيَّنُ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ قَالَ رحمه الله
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْكِتَابَيْنِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الطَّلَاقَ تَخْلِيصُ الشَّخْصِ مِنْ ذُلِّ رِقِّ الْمُتْعَةِ، وَالْإِعْتَاقُ تَخْلِيصُ الشَّخْصِ مِنْ ذُلِّ مِلْكِ الرَّقَبَةِ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ، وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الطَّلَاقِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْعِتْقِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إسْقَاطُ الْحَقِّ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ قُدِّمَ لِمُنَاسِبَةِ النِّكَاحِ، ثُمَّ الْإِسْقَاطَاتُ أَنْوَاعٌ تَخْتَلِفُ أَسْمَاؤُهَا بِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا فَإِسْقَاطُ الْحَقِّ عَنْ الرِّقِّ عِتْقٌ، وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ عَنْ الْبُضْعِ طَلَاقٌ وَإِسْقَاطُ مَا فِي الذِّمَّةِ بَرَاءَةٌ، وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ عَنْ الْقِصَاصِ وَالْجِرَاحَاتِ عَفْوٌ اهـ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ عَتَقَ الْعَبْدُ عَتْقًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَعَتَاقًا وَعَتَاقَةً بِفَتْحِ الْأَوَائِلِ، وَالْعِتْقُ بِالْكَسْرِ اسْمٌ مِنْهُ فَهُوَ عَاتِقٌ، وَيَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ فَيُقَالُ أَعْتَقْته فَهُوَ مُعْتَقٌ عَلَى قِيَاسِ الْبَابِ، وَلَا يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ فَلَا يُقَالُ عَتَقْته، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْبَارِعِ لَا يُقَالُ عَتَقَ الْعَبْدُ، وَهُوَ ثُلَاثِيٌّ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ، وَلَا أَعْتَقَ هُوَ بِالْأَلِفِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ بَلْ الثُّلَاثِيُّ لَازِمٌ، وَالرُّبَاعِيُّ مُتَعَدٍّ
وَلَا يَجُوزُ عَبْدٌ مَعْتُوقٌ لِأَنَّ مَجِيءَ مَفْعُولٍ مِنْ أَفَعَلْته شَاذٌّ مَسْمُوعٌ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ، وَهُوَ عَتِيقٌ فَعِيلَ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، وَجَمْعُهُ عُتَقَاءُ مِثْلُ كُرَمَاءُ، وَرُبَّمَا قِيلَ عَتَاقٌ مِثْلُ كِرَامٍ، وَأَمَةٌ عَتِيقٌ أَيْضًا بِغَيْرِ هَاءٍ، وَبِمَا ثَبَتَتْ فَقِيلَ عَتِيقَةٌ، وَجَمْعُهَا عَتَائِقُ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْعِتْقَ بِالْكَسْرِ لَيْسَ مَصْدَرًا، وَفِي الصِّحَاحِ عَتَقَ الْعَبْدُ يَعْتِقُ بِالْكَسْرِ عَتْقًا، وَعَتَاقًا، وَعَتَاقَةً، وَفِي لِسَانِ الْعَرَبِ عَتَقَ الْعَبْدُ يَعْتِقُ عَتْقًا، وَعِتْقًا، وَعَتَاقًا، وَعَتَاقَةً (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ هُوَ إثْبَاتُ الْقُوَّةِ إلَخْ) قَالَ الرَّازِيّ الْإِعْتَاقُ عِبَارَةٌ عَنْ إزَالَةِ الْمِلْكِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِثْبَاتُ الْقُوَّةِ الْحُكْمِيَّةِ بِهَا يَصِيرُ أَهْلًا لِلشَّهَادَاتِ، وَالْوِلَايَاتِ عِنْدَهُمَا، وَلِهَذَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا اهـ
(قَوْلُهُ مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً إلَخْ) يُقَالُ أَعْتَقَ رَقَبَةً إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا أَوْ أَمَةً، وَخُصَّتْ الرَّقَبَةُ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ لِأَنَّ مِلْكَ الصَّاحِبِ لَهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَبْلِ فِي رَقَبَتِهِ فَإِذَا أَعْتَقَهُ فَقَدْ حَلَّ ذَلِكَ الْحَبْلَ مِنْ رَقَبَتِهِ ذَكَرَهُ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ الْعُنُقُ فَجُعِلَتْ كِنَايَةً عَنْ جَمِيعِ ذَاتِ الْإِنْسَانِ تَسْمِيَةً لِلشَّيْءِ بِبَعْضِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ ذَنْبُهُ فِي رَقَبَتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ فَرْجُك إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ خَصَّ الْأَمَةَ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِعَبْدِهِ فَرْجُك حُرٌّ فِيهِ خِلَافٌ قِيلَ يَعْتِقُ كَالْأَمَةِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْهُ بِخِلَافِ الْأَمَةِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا فَرْجُك عَلَيَّ حَرَامٌ يَنْوِي الْعِتْقَ لَا تَعْتِقُ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْفَرْجِ مَعَ الرِّقِّ يَجْتَمِعَانِ، وَفِي لِسَانُك حُرٌّ يَعْتِقُ لِأَنَّهُ يُقَالُ هُوَ لِسَانُ الْقَوْمِ، وَفِي الدَّمِ رِوَايَتَانِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا فَرْجُك حُرٌّ عَنْ الْجِمَاعِ عَتَقَتْ، وَفِي الدُّبُرِ وَالْإِسْتُ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْبَدَنِ، وَفِي الْعُنُقِ رِوَايَتَانِ، وَالْأَوْلَى ثُبُوتُ الْعِتْقِ فِي ذَكَرُك حُرٌّ لِأَنَّهُ يُقَالُ فِي الْعُرْفِ هُوَ ذَكَرٌ مِنْ الذُّكُورِ، وَفُلَانٌ فَحْلٌ ذَكَرٌ، وَهُوَ ذَكَرُهُمْ اهـ
(قَوْلُهُ وَالْعَبْدُ لَا مِلْكَ لَهُ) عَنْ هَذَا قُلْنَا إنَّ مَالَ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، وَعِنْدَ الظَّاهِرِيَّةِ لِلْعَبْدِ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَمَالِكٌ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ بِأَنْ قَالَا أَعْتَقْته، وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ) أَوْ نَائِمٌ. اهـ. بَدَائِعُ (قَوْلُهُ أَوْ أَنَّهُ حُرٌّ مِنْ الْعَمَلِ) أَيْ لَا أَسْتَعْمِلُهُ فِي عَمَلٍ مَا اهـ. وَقَالَ فِي تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ لَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ، وَسَمَّى عَمَلًا مُعَيَّنًا أَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ مِنْ الْعَمَلِ الْيَوْمَ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَجَزَّأُ فَإِذَا جَعَلَهُ حُرًّا فِي بَعْضِ الْأَعْمَالِ أَوْ جَعَلَهُ حُرًّا عَنْ الْأَعْمَالِ كُلِّهَا فِي
(وَبِلَا مِلْكٍ وَلَا رِقٍّ وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك إنْ نَوَى) أَيْ بِقَوْلِهِ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك، وَلَا رِقَّ لِي عَلَيْك، وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك عَتَقَ إنْ نَوَى لِأَنَّ نَفْيَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يُحْتَمَلُ بِالْبَيْعِ وَالْكِتَابَةِ وَالْعِتْقِ، وَانْتِفَاءُ السَّبِيلِ يَحْتَمِلُ بِالْعِتْقِ وَبِالْإِرْضَاءِ حَتَّى لَا يَكُونُ لَهُ سَبِيلٌ فِي اللَّوْمِ وَالْعُقُوبَةِ فَصَارَ مُجْمَلًا، وَالْمُجْمَلُ لَا يَتَعَيَّنُ بَعْضُ وُجُوهِهِ إلَّا بِالنِّيَّةِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك لِأَنَّ السُّلْطَانَ عِبَارَةٌ عَنْ الْيَدِ وَالْحُجَّةِ، وَنَفْيُهُمَا لَا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْمُكَاتَبِ، وَلَئِنْ احْتَمَلَ زَوَالُ الْيَدِ بِالْعِتْقِ فَهُوَ مُحْتَمَلُ الْمُحْتَمَلِ فَلَا يُعْتَبَرُ بِخِلَافِ نَفْيِ السَّبِيلِ لِأَنَّ مُطْلَقَهُ يَسْتَدْعِي الْعِتْقَ لِأَنَّ لِلْمَوْلَى سَبِيلًا عَلَى مَمْلُوكِهِ، وَإِنْ كَانَ مُكَاتَبًا لِأَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ فِيهِ
وَقَالَ الْكَرْخِيُّ فَنِيَ عُمْرِي، وَلَمْ يَتَّضِحْ لِي الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، وَالْفَرْقُ مَا بَيَّنَّاهُ، وَكَذَلِكَ كِنَايَاتُ الْعِتْقِ مِثْلُ قَوْلِهِ خَرَجْت مِنْ مِلْكِي، وَخَلَّيْت سَبِيلَك، وَلَوْ قَالَ أَطْلَقْتُك، وَنَوَى بِهِ الْعِتْقَ يَعْتِقُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ خَلَّيْت سَبِيلَك بِخِلَافِ قَوْلِهِ طَلَّقْتُك أَوْ أَنْتَ بَائِنٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رحمه الله، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ سَائِرُ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ هُوَ يَقُولُ إنَّ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ اتِّصَالًا مِنْ حَيْثُ إنَّ عَمَلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِإِسْقَاطِ الْمِلْكِ، وَلَنَا أَنَّ الْإِعْتَاقَ إثْبَاتُ الْقُوَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَالطَّلَاقُ رَفْعُ الْقَيْدِ لِأَنَّ الْعَبْدَ كَالْجَمَادِ، وَبِالْعِتْقِ يَحْيَا فَيَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالْمَرْأَةُ قَادِرَةٌ بَعْدَ التَّزَوُّجِ عَلَى حَالِهَا غَيْرَ أَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنْ الْبُرُوزِ لِتَنْتَظِمَ مَصَالِحُ النِّكَاحِ فَإِذَا طَلَّقَهَا لَمْ يَثْبُتْ لَهَا بِهِ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا مِنْ قَبْلُ بَلْ يَرْتَفِعُ عَنْهَا الْمَانِعُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُثْبِتَ لِلْقُوَّةِ أَقْوَى مِنْ إزَالَةِ الْمَانِعِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَعَارَ الْأَضْعَفُ لِلْأَقْوَى بِخِلَافِ الْعَكْسِ
وَكَذَا مِلْكُ الْيَمِينِ أَقْوَى مِنْ مِلْكِ النِّكَاحِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ مِلْكُ الْمُتْعَةِ تَبَعًا فَأَلْفَاظُ الْعِتْقِ تُزِيلُهُمَا، وَأَلْفَاظُ الطَّلَاقِ لَا تُزِيلُ إلَّا مِلْكَ الْمُتْعَةِ فَالْمَوْضُوعُ لِلْأَضْعَفِ لَا يَجُوزُ اسْتِعَارَتُهُ لِلْأَقْوَى بِخِلَافِ الْعَكْسِ، وَهَذَا أَصْلٌ مُسْتَمِرٌّ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْمَجَازِ أَنْ لَا يَكُونَ عَمَلُ اللَّفْظِ فِي مَحَلِّ الْمَجَازِ أَقْوَى مِنْ عَمَلِهِ فِي مَحَلِّ الْحَقِيقَةِ، وَبِخِلَافِ قَوْلِهِ أَطْلَقْتُك لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ التَّسْيِيبِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ خَلَّيْت سَبِيلَك، وَلِهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِالنِّكَاحِ.
قَالَ رحمه الله (وَهَذَا ابْنِي أَوْ أَبِي أَوْ أُمِّي، وَهَذَا مَوْلَايَ أَوْ يَا مَوْلَايَ أَوْ يَا حُرُّ أَوْ يَا عَتِيقُ) أَيْ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ يَقَعُ الْعِتْقُ أَمَّا قَوْلُهُ يَا حُرُّ أَوْ يَا عَتِيقُ فَلِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهِ لِأَنَّهُ وُضِعَ لَهُ، وَقَدْ غَلَبَ الِاسْتِعْمَالُ فِيهِ، وَالنِّدَاءُ لِاسْتِحْضَارِ الْمُنَادَى مَوْصُوفًا بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ فَيَقْتَضِي تَحْقِيقَ الْوَصْفِ فِيهِ إذَا أَمْكَنَ ثُبُوتُهُ مِنْ جِهَتِهِ، وَقَدْ أَمْكَنَ ثُبُوتُهُ مِنْ جِهَتِهِ فَيَثْبُتُ تَصْدِيقًا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهُ يَا بُنَيَّ عَلَى مَا سَيَجِيءُ مِنْ الْفَرْقِ إلَّا إذَا كَانَ اسْمُهُ حُرًّا فَنَادَاهُ يَا حُرُّ لِأَنَّ مُرَادَهُ الْإِعْلَامُ بِاسْمِهِ الْعَلَمِ لَا إثْبَاتُ هَذَا الْوَصْفِ لِأَنَّ الْأَعْلَامَ لَا يُرَاعَى فِيهَا الْمَعَانِي حَتَّى لَوْ نَادَاهُ بِلَفْظٍ آخَرَ بِمَعْنَاهُ كَعَتِيقٍ، وازاد عَتَقَ لِأَنَّ الْأَعْلَامَ لَا تُغَيَّرُ
وَأَمَّا قَوْلُهُ هَذَا مَوْلَايَ أَوْ يَا مَوْلَايَ فُلَانَ اسْمَ الْمَوْلَى، وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ أَشْيَاءَ النَّاصِرَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد: 11] وَابْنَ الْعَمِّ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ زَكَرِيَّا {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ} [مريم: 5] وَالْمُوَالَاةَ فِي الدِّينِ، وَالْمَوْلَى الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ لَكِنَّ الْأَسْفَلَ مُتَعَيِّنٌ لَهُ لِاسْتِحَالَةِ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَنْصِرُ بِمَمْلُوكِهِ عَادَةً، وَلَهُ نَسَبَ مَعْرُوفٌ، وَالْمُوَالَاةُ نَوْعُ مَجَازٍ فَلَا يُزَاحِمُ الْحَقِيقَةَ، وَإِضَافَتُهُ إلَى الْعَبْدِ تُنَافِي كَوْنَهُ الْمَوْلَى الْأَعْلَى فَتَعَيَّنَ الْمَوْلَى الْأَدْنَى ضَرُورَةً تَصْحِيحًا لِكَلَامِهِ فَالْتَحَقَ بِالصَّرِيحِ فَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى النِّيَّةِ، وَاسْتَوَى فِيهِ الْخَبَرُ وَالنِّدَاءُ وَالْإِنْشَاءُ كَالصَّرِيحِ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ هَذِهِ مَوْلَاتِي أَوْ يَا مَوْلَاتِي لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ قَالَ أَرَدْت بِهِ الْمُوَالَاةَ فِي الدِّينِ أَوْ الْكَذِبَ لَا يَصْدُقُ قَضَاءً لِكَوْنِهِ خِلَافَ الظَّاهِرِ
وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله لَا يَعْتِقُ بِقَوْلِهِ يَا مَوْلَايَ إلَّا بِالنِّيَّةِ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْإِكْرَامُ عَادَةً لَا التَّحْقِيقُ كَقَوْلِهِ يَا سَيِّدِي يَا مَالِكِي قُلْنَا الْكَلَامُ مَحْمُولٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ مَا أَمْكَنَ، وَحَقِيقَتُهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَيْهِ وَلَاءٌ، وَقَدْ تَعَيَّنَ الْأَسْفَلُ لِذَلِكَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ يَا مَالِكِي لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ مَا يَقْتَضِي إعْتَاقَهُ إيَّاهُ، وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ هَذِهِ الصِّفَةِ مِنْ جِهَتِهِ، وَقَالَ فِي الْكَافِي يَعْتِقُ إذَا قَالَ يَا سَيِّدِي، وَنَوَى بِهِ الْعِتْقَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ هَذَا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
بَعْضِ الْأَزْمَانِ يَثْبُتُ فِي الْكُلِّ فَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْبَعْضَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِلَا مِلْكٍ إلَخْ) هَذَا شُرُوعٌ فِي الْكِنَايَاتِ لِأَنَّهُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَلْفَاظِ الصَّرِيحِ شَرَعَ فِي الْكِنَايَاتِ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ نَفْيَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَحْتَمِلُ بِالْبَيْعِ وَالْكِتَابَةِ وَالْعِتْقِ) يَعْنِي لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك لِأَنِّي بِعْتُك أَوْ لِأَنِّي كَاتَبْتُك أَوْ لِأَنِّي أَعْتَقْتُك فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ لِيَتَعَيَّنَ الْعِتْقُ اهـ
(قَوْلُهُ فَصَارَ مُجْمَلًا) أَيْ مُحْتَمَلًا، وَالْمُحْتَمَلُ إلَخْ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَلَوْ قَالَ لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك، وَنَوَى الْعِتْقَ لَمْ يَعْتِقْ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَهَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ، وَقَالَ فِي الْهَارُونِيِّ يَعْتِقُ إذَا نَوَى اهـ. وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ اذْهَبْ حَيْثُ شِئْت أَوْ تَوَجَّهْ حَيْثُ شِئْت مِنْ بِلَادِ اللَّهِ لَا يَعْتِقُ، وَإِنْ نَوَى كَذَا فِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يُفِيدُ زَوَالَ الْيَدِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْعِتْقِ كَمَا فِي الْمُكَاتَبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ لِلْمَوْلَى سَبِيلًا عَلَى مَمْلُوكِهِ) وَإِنْ كَانَ مُكَاتَبًا أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْمَوْلَى عَلَى الْمُكَاتَبِ سَبِيلًا مِنْ حَيْثُ الْمُطَالَبَةُ بِأَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَيْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ أَيْ بِهَذِهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ وازاد) مَعْنَاهُ بِالْفَارِسِيِّ يَا حُرُّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْأَسْفَلُ) أَيْ فِي الْعَتَاقَةِ اهـ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فَالْتَحَقَ بِالصَّرِيحِ) هَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ قَالَ هَذَا مَوْلَايَ أَوْ يَا مَوْلَايَ عَتَقَ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ لِكَوْنِهِ صَرِيحًا كَذَا فِي التُّحْفَةِ، وَنُقِلَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى عَنْ الْعُيُونِ قَالَ لَا يَعْتِقُ بِالنِّدَاءِ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ يَا مَوْلَايَ، وَيَا حُرُّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ لَا يَعْتِقُ بِقَوْلِهِ يَا مَوْلَايَ إلَّا بِالنِّيَّةِ) وَبِقَوْلِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ كَقَوْلِهِ يَا سَيِّدِي يَا مَالِكِي) أَفَادَ أَنَّهُمَا مِنْ الْكِنَايَاتِ بِالِاتِّفَاقِ فَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ ذَلِكَ نَاوِيًا لِلْعِتْقِ عَتَقَ، وَهَكَذَا فِي يَا سَيِّدَتِي، وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ يَعْتِقُ فِيهِمَا وَإِنْ لَمْ يَنْوِ، وَقِيلَ إذَا لَمْ يَنْوِ عَتَقَ فِي يَا سَيِّدِي لَا فِي سَيِّدَتِي، وَالْمُخْتَارُ
ابْنِي أَوْ أَبِي أَوْ أُمِّي فُلَانَ وِلَايَةَ الدَّعْوَةِ لَهُ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فَيَثْبُتُ بِهِ نَسَبُهُ إذَا كَانَ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ أَوْ لِمِثْلِهِمَا يُولَدُ ذَلِكَ، وَإِذَا ثَبَتَ عَتَقَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَسْتَنِدُ النَّسَبُ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فِي الْوَلَدِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ عَلِقَ حُرًّا إذَا كَانَ الْعُلُوقُ فِي مِلْكِهِ، وَإِلَّا تَبَيَّنَ أَنَّهُ عَتِيقٌ مِنْ وَقْتِ مِلْكِهِ، وَكَذَا فِي غَيْرِ الِابْنِ
وَإِنْ كَانَ لَا يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ أَوْ مِثْلُهُ لِمِثْلِهَا أَوْ كَانَ الْوَلَدُ ثَابِتَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ لَا يَثْبُتُ مِنْهُ لِلتَّعَذُّرِ، وَيَعْتِقُ لِأَنَّهُ يُجْعَلُ مَجَازًا عَنْ التَّحْرِيرِ لِكَوْنِهِ مِنْ لَوَازِمِهِ فَجَازَتْ الِاسْتِعَارَةُ فِيهِ لِأَنَّ الْبُنُوَّةَ وَالْأُبُوَّةَ سَبَبٌ لِحُرِّيَّةِ الْمَمْلُوكِ، وَعِنْدَهُمَا إذَا كَانَ لَا يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ أَوْ مِثْلُ الْمُدَّعِي لِمِثْلِهِمَا لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ مُحَالٌ فَيُرَدُّ كَمَا لَوْ قَالَ أَعْتَقْتُك قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ، وَقَبْلَ أَنْ تُخْلَقَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ صَحِيحٌ بِمَجَازِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَحِيلًا بِحَقِيقَتِهِ لِكَوْنِهِ إخْبَارًا عَنْ حُرِّيَّتِهِ مِنْ حِينِ مَلَكَهُ فَيُصَارُ إلَيْهِ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا لِاسْتِحَالَةِ أَكْلِهَا، وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَجَازَ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ فِي الْحُكْمِ عِنْدَهُمَا، وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَنْعَقِدَ السَّبَبُ فِي الْأَصْلِ عَلَى الِاحْتِمَالِ ثُمَّ يَمْتَنِعُ وُجُودُهُ لِعَارِضٍ فَيَخْلُفُهُ غَيْرُهُ مَجَازًا كَمَا لَوْ كَانَ فِي مَسْأَلَتِنَا غَيْرُ، مُسْتَحِيلٍ بِأَنْ كَانَ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ، وَهُوَ مَعْرُوفُ النَّسَبِ فَإِنَّهُ لَوْلَا ثُبُوتُهُ مِنْ غَيْرِهِ لَثَبَتَ مِنْهُ فَيَخْلُفُهُ لَوَازِمُهُ، وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ، وَعِنْدَهُ الْمَجَازُ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ فِي التَّكَلُّمِ بِمَعْنَى أَنَّ التَّكَلُّمَ بِكَلَامٍ وَإِرَادَةَ، مَا وُضِعَ لَهُ أَصْلٌ، وَالتَّكَلُّمَ، بِذَلِكَ الْكَلَامِ، وَإِرَادَةَ، غَيْرِهِ مَجَازٌ خَلَفٌ عَنْ الْأَصْلِ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ - وَهُوَ الْمُتَكَلَّمُ بِهِ - صَالِحًا، بِأَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً وَخَبَرًا حَتَّى يَكُونَ عَامِلًا فِي إيجَابِ الْحُكْمِ الَّذِي يَقْبَلُهُ الْمَحَلُّ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ، وَلَا مَعْنًى، لِمَا قَالَا لِأَنَّ الْمَجَازَ مَأْخُوذٌ مِنْ جَاز زَيْدٌ يَجُوزُ إذَا انْتَقَلَ، وَالِانْتِقَالُ مِنْ أَوْصَافِ الْأَلْفَاظِ فَإِنَّ اللَّفْظَ هُوَ الَّذِي يَنْتَقِلُ مِنْ الْمَوْضُوعِ لَهُ إلَى غَيْرِهِ
فَأَمَّا الْمَعَانِي فَلَا يُمْكِنُ نَقْلُهَا حَتَّى يُجْعَلَ مَجَازًا خَلَفًا عَنْ الْحَقِيقَةِ، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ قَوْلُهُ لِعَبْدِهِ: هَذَا حُرٌّ أَوْ حِمَارٌ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ أَوْ هَذَا الْجِدَارُ فَعَبْدُهُ يَعْتِقُ، وَتَلْزَمُهُ الْأَلْفُ لِصِحَّةِ التَّكَلُّمِ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ ثُبُوتُ الْحُرِّيَّةِ وَالدَّيْنِ فِي مُطْلَقِ أَحَدِهِمَا خِلَافًا لَهُمَا لِاسْتِحَالَةِ ثُبُوتِ الْحَقِيقَةِ ثُمَّ قِيلَ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَصْدِيقِ الْعَبْدِ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمَالِكِ عَلَى مَمْلُوكِهِ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقِهِ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُهُ فِيمَا سِوَى دَعْوَةِ الْبُنُوَّةِ لِأَنَّ فِيهِ حَمْلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ فَيَكُونُ فِيهِ إلْزَامُ الْعَبْدِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ فَيُشْتَرَطُ تَصْدِيقُهُ، وَلَوْ قَالَ لِصَغِيرٍ هَذَا جَدِّي أَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ هَذَا ابْنِي قِيلَ عَلَى الْخِلَافِ، وَقِيلَ لَا يَعْتِقُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا مُوجِبَ لَهُ فِي الْمِلْكِ إلَّا بِوَاسِطَةٍ، وَهُوَ الْأَبُ، وَهِيَ غَيْرُ ثَابِتَةٍ بِكَلَامِهِ فَتَعَذَّرَ أَنْ يُجْعَلَ مَجَازًا عَنْ الْمُوجِبِ بِخِلَافِ الْبُنُوَّةِ وَالْأُبُوَّةِ لِأَنَّ لَهُمَا مُوجِبًا فِي الْمِلْكِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ، وَأَمَّا الثَّانِي فَالْمُشَارُ إلَيْهِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِالْمُسَمَّى، وَهُوَ مَعْدُومٌ فَلَا يُعْتَبَرُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي النِّكَاحِ، وَلَوْ قَالَ هَذَا أَخِي لَا يَعْتِقُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِمَا أَنَّهُ لَا مُوجِبَ لَهُ فِي الْمِلْكِ إلَّا بِوَاسِطَةٍ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَعْتِقُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ صِحَّةَ الْمَجَازِ تَعْتَمِدُ صِحَّةَ التَّكَلُّمِ بِهِ عِنْدَهُ قَالَ رحمه الله (لَا بِيَا ابْنِي وَيَا أَخِي وَلَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك، وَأَلْفَاظِ الطَّلَاقِ وَأَنْتَ مِثْلُ الْحُرِّ) أَيْ لَا يَعْتِقُ بِقَوْلِهِ يَا ابْنِي وَيَا أَخِي، وَلَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك إلَى آخِرِهِ
أَمَّا عَدَمُ الْوُقُوعِ بِقَوْلِهِ يَا ابْنِي فَلِأَنَّ، النِّدَاءَ لِإِعْلَامِ الْمُنَادَى، وَاسْتِحْضَارُهُ، مَوْصُوفًا بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ، غَيْرَ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَتِهِ ثَبَتَ تَصْدِيقًا لَهُ كَمَا قُلْنَا فِي قَوْلِهِ يَا حُرُّ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَتِهِ لَا يَثْبُتُ لِتَعَذُّرِ الْبُنُوَّةِ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا بِقَوْلِهِ هَذَا ابْنِي إذْ لَمْ يُخْلَقْ مِنْ مَائِهِ بِخِلَافِ الْحُرِّيَّةِ فِي قَوْلِهِ يَا حُرُّ، وَكَذَا قَوْلُهُ يَا أَخِي لِمَا ذَكَرْنَا، وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ إلَّا بِوَاسِطَةٍ، وَتِلْكَ لَمْ تَثْبُتْ، وَكَذَا لَوْ قَالَ يَا ابْنُ أَوْ يَا بُنَيَّ أَوْ يَا بُنَيَّةُ لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْهُ إلَى نَفْسِهِ، وَلَمْ يَدَّعِ أَنَّهُ ابْنٌ لَهُ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ لَفْظَ الِابْنِ مُكَبَّرًا أَوْ مُصَغَّرًا، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْعِتْقَ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ هُوَ ابْنُ أَبِيهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُنَادًى بِأَنْ قَالَ هَذَا ابْنٌ لَمْ يَعْتِقْ لِمَا ذَكَرْنَا فَمَعَ النِّدَاءِ أَوْلَى، وَأَمَّا قَوْلُهُ لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك فَلِأَنَّ السُّلْطَانَ هُوَ الْحُجَّةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} [النمل: 21] أَيْ بِحُجَّةٍ، وَيُذْكَرُ، وَيُرَادُ بِهِ الْيَدُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ فِيهِمَا إلَّا بِالنِّيَّةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَيَثْبُتُ بِهِ نَسَبُهُ إذَا كَانَ مِثْلُهُ) يَعْنِي إذَا كَانَ مِثْلُهُ فِي السِّنِّ يَجُوزُ شَرْعًا أَنْ يَكُونَ ابْنًا لِمِثْلِ الْمُدَّعِي فِي السِّنِّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ لَا الْمُشَاكَلَةُ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمُدَّعِي أَبْيَضَ نَاصِعًا، وَالْمَقُولُ لَهُ أَسْوَدُ حَالِكٌ أَوْ بِالْقَلْبِ وَسِنُّهُ يَحْتَمِلُ كَوْنَهُ ابْنَهُ ثَبَتَ النَّسَبُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ لِمِثْلِهِمَا) أَيْ الْأَبِ وَالْأُمِّ اهـ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا بِيَا ابْنِي) قَالَ الْكَمَالُ لِأَنَّ النِّدَاءَ لِإِعْلَامِ الْمُنَادَى بِمَطْلُوبِيَّةِ حُضُورِهِ فَإِنْ كَانَ بِوَصْفٍ يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَتِهِ تَضَمَّنَ تَحْقِيقَ ذَلِكَ الْوَصْفِ تَحْقِيقًا لَهُ كَمَا سَلَفَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ كَانَ لِمُجَرَّدِ الْإِعْلَامِ، وَالْبُنُوَّةُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا مِنْ جِهَةِ الْمُعْتِقِ إلَّا تَبَعًا لِثُبُوتِ النَّسَبِ، وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مَعْرُوفَ النَّسَبِ، وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ إذْ يَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ النَّسَبُ تَصْدِيقًا لَهُ فَيَعْتِقُ اهـ قَالَ فِي تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ إذَا قَالَ يَا ابْنِي يَا بِنْتِي يَا أَبِي فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ إلَّا إذَا نَوَى لِأَنَّ النِّدَاءَ لَا يُرَادُ بِهِ مَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ إنَّمَا يُرَادُ بِهِ اسْتِحْضَارُ الْمُنَادَى إلَّا إذَا ذَكَرَ اللَّفْظَ الْمَوْضُوعَ لِلْحُرِّيَّةِ كَقَوْلِهِ يَا حُرُّ يَا مَوْلَايَ يَعْتِقُ لِأَنَّ فِي الْمَوْضُوعِ يُعْتَبَرُ الْمَعْنَى، وَنُقِلَ فِي الْأَجْنَاسِ عَنْ نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ يَا خَالِي يَا عَمِّي أَوْ قَالَ يَا أَبِي يَا جَدِّي أَوْ قَالَ يَا ابْنِي أَوْ قَالَ لِجَارِيَتِهِ يَا عَمَّتِي أَوْ يَا خَالَتِي أَوْ يَا أُخْتِي أَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ يَا أَخِي لَا يَعْتِقُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، وَالْأَصْلُ هُنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّدَاءِ هُوَ اسْتِحْضَارُ الْمُنَادَى لَكِنَّ الِاسْتِحْضَارَ إذَا كَانَ بِلَفْظٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى وَصْفٍ يُتَصَوَّرُ إثْبَاتُ ذَلِكَ الْوَصْفِ مِنْ جِهَةِ الْمُنَادَى كَانَ اسْتِحْضَارًا لَهُ بِتَحَقُّقِ ذَلِكَ الْوَصْفِ كَقَوْلِهِ يَا حُرُّ فَيَعْتِقُ إلَّا إذَا سَمَّاهُ حُرًّا وَنَادَاهُ بِقَوْلِهِ يَا حُرُّ فَلَا يَعْتِقُ، وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ، وَإِذَا كَانَ بِلَفْظٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى وَصْفٍ لَا يُتَصَوَّرُ إثْبَاتُ ذَلِكَ الْوَصْفِ مِنْ جِهَةِ الْمُنَادِي كَانَ النِّدَاءُ لِمُجَرَّدِ الْإِعْلَامِ لَا لِتَحْقِيقِ ذَلِكَ الْوَصْفِ كَقَوْلِهِ يَا ابْنِي لِأَنَّ الْمُخْتَلَقَ مِنْ مَاءِ الْغَيْرِ لَا يَكُونُ ابْنًا لِلْمُنَادِي بِالنِّدَاءِ بِلَفْظِ الِابْنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
وَالِاسْتِيلَاءُ سُمِّيَ السُّلْطَانُ بِهِ لِقِيَامِ يَدِهِ وَاسْتِيلَائِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَا حُجَّةَ لِي عَلَيْك
وَلَوْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَعْتِقْ وَلَوْ نَوَى فَكَذَا هَذَا، وَلِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ عِبَارَةً عَنْ الْيَدِ وَالْحُجَّةِ صَارَ نَفْيُهُ تَعَرُّضًا لِنَفْيِ الْيَدِ وَالْحُجَّةِ لَا الْمِلْكِ، وَالْيَدُ تَنْتَفِي بِالْكِتَابَةِ وَالرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ انْتِفَاءُ الْمِلْكِ، وَلَوْ عَتَقَ بِهِ لَزَالَ الْمِلْكُ وَالْيَدُ بِهِ أَكْثَرَ مِمَّا وُضِعَ لَهُ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك لِأَنَّهُ يُفِيدُ انْتِفَاءَ الْمِلْكِ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِالْعِتْقِ أَوْ بِالتَّمْلِيكِ لِغَيْرِهِ فَأَيُّهُمَا نَوَى صَحَّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ حُمِلَ عَلَى الْأَدْنَى فَلَا يَعْتِقُ، وَبِخِلَافِ قَوْلِهِ لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك لِأَنَّ لِلْمَوْلَى سَبِيلًا عَلَى مَمْلُوكِهِ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ بِالْكِتَابَةِ أَوْ غَيْرِهِ فَنَفْيُهُ مُطْلَقًا يُفِيدُ نَفْيَ الْمِلْكِ، وَذَلِكَ بِالْعِتْقِ أَوْ غَيْرِهِ فَإِذَا نَوَاهُ صَحَّ وَعَتَقَ، وَإِلَّا فَلَا لِمَا ذَكَرْنَا فِي قَوْلِهِ، وَلَا مِلْكَ لِي عَلَيْك
وَأَمَّا أَلْفَاظُ الطَّلَاقِ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَذَكَرْنَا فِيهِ خِلَافَ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك، وَأَمَّا قَوْلُهُ أَنْتَ مِثْلُ الْحُرِّ فَلِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْمُمَاثَلَةَ بَيْنَهُمَا، وَهِيَ قَدْ تَكُونُ عَامَّةً، وَقَدْ تَكُونُ خَاصَّةً فَلَا يَعْتِقُ بِلَا نِيَّةٍ لِلشَّكِّ قَالَ رحمه الله (وَعَتَقَ بِمَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ) أَيْ عَتَقَ بِقَوْلِهِ مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ عَلَى وَجْهِ التَّأْكِيدِ فَكَانَ فِيهِ إثْبَاتُ الْحُرِّيَّةِ بِأَبْلَغِ الْوُجُوهِ، وَلَوْ قَالَ رَأْسُك رَأْسُ حُرٍّ، وَبَدَنُك بَدَنُ حُرٍّ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِحَذْفِ كَافِ التَّشْبِيهِ، وَتَشْبِيهُ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ لَا يَقْتَضِي الْمُمَاثَلَةَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَوْ وَصَفَهُ وَلَمْ يُضِفْ فَقَالَ رَأْسُك رَأْسُ حُرٍّ، وَبَدَنُك بَدَنُ حُرٍّ عَتَقَ لِأَنَّهُ وَصْفٌ وَلَيْسَ بِتَشْبِيهٍ، وَالرَّأْسُ عِبَارَةٌ عَنْ الْجُمْلَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ ذَاتُك ذَاتُ حُرٍّ قَالَ رحمه الله (وَبِمِلْكِ قَرِيبٍ مُحَرَّمٍ، وَلَوْ كَانَ الْمَالِكُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا) يَعْنِي يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِتَمَلُّكِ قَرِيبِهِ إذَا كَانَ مَحْرَمًا لَهُ، وَلَوْ كَانَ الْمَالِكُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله لَا يَعْتِقُ إلَّا الْوِلَادُ لِأَنَّ الْعِتْقَ أَقْوَى الصِّلَاتِ فَيُنَاطُ بِأَقْرَبِ الْقَرَابَاتِ، وَهُوَ الْوِلَادُ لِمَكَانِ الْجُزْئِيَّةِ، وَغَيْرُ الْوِلَادِ مُلْحَقٌ بِالْأَجَانِبِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ كَوَضْعِ الزَّكَاةِ وَالشَّهَادَاتِ وَحِلِّ الْحَلِيلَةِ وَامْتِنَاعِ التَّكَاتُبِ عَلَيْهِ فَكَذَا فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ، وَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُهَا بِالْوِلَادِ قِيَاسًا أَوْ اسْتِدْلَالًا لِنُزُولِهَا عَنْ قَرَابَةِ الْوِلَادِ، وَلَنَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَهُوَ حُرٌّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَغَيْرُهُ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلَهُ، وَعَنْ كَثِيرٍ مِنْ التَّابِعِينَ كَذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْقَرَابَةَ الْمُؤَثِّرَةَ فِي حُرْمَةِ النِّكَاحِ هِيَ الْمُؤَثِّرَةُ فِي حُرْمَةِ الْقَطْعِ، وَهَذَا لِأَنَّ النِّكَاحَ إنَّمَا حَرُمَ بِهَذِهِ الْقَرَابَةِ صِيَانَةً لِلْقَرِيبِ عَنْ ذُلِّ مِلْكِ النِّكَاحِ وَالِاسْتِفْرَاشِ قَهْرًا فَيُؤَدَّى إلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ، وَمِلْكُ الْيَمِينِ فِي ذَلِكَ أَبْلَغُ فَكَانَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ صِيَانَةً، وَلِلصِّيَانَةِ عَنْ الْقَطْعِ حَرُمَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَحَارِمِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ «إنَّكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَطَعْتُمْ أَرْحَامَهُنَّ» أَشَارَ إلَى الْمُنَافَرَةِ الَّتِي تَكُونُ بَيْنَ الضَّرَائِرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} [النساء: 1] أَيْ اتَّقُوا اللَّهَ أَنْ تَعْصَوْهُ وَاتَّقُوا الْأَرْحَامَ أَنْ تَقْطَعُوهَا فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ الْأَرْحَامَ هِيَ الَّتِي تَجِبُ صِيَانَتُهَا وَوَصْلُهَا وَيَحْرُمُ قَطْعُهَا فَكُلُّ مَا كَانَ الذُّلُّ فِيهِ أَقْوَى فَالْقَطِيعَةُ فِيهِ أَشَدُّ فَكَانَتْ الصِّيَانَةُ عَنْهُ أَوْجَبَ
وَالتَّعْلِيلُ بِالْوِلَادِ وَالْحُرِّيَّةِ لَا يُنَافِي التَّعْلِيلَ بِغَيْرِهِ لِجَوَازِ تَرَادُفِ الْعِلَلِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا لَا يَتَكَاتَبُ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ، وَلِهَذَا لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ إذَا اشْتَرَى امْرَأَتَهُ، وَتَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ، وَإِنَّمَا لَهُ التَّكَسُّبُ خَاصَّةً، وَقَرَابَةُ الْوِلَادِ يَجِبُ مُوَاسَاتُهَا بِالتَّكَسُّبِ فَلِهَذَا تَجِبُ نَفَقَةُ الْوِلَادِ عَلَى الْكَسُوبِ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ الْأَقَارِبِ فَكَذَا التَّكَاتُبُ عَلَى أَنَّهُ يَتَكَاتَبُ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ، وَالتَّفَاوُتُ فِي الْأَحْكَامِ الَّتِي ذَكَرَهَا لَا تُوجِبُ تَفَاوُتًا فِي الْكُلِّ أَلَا تَرَى أَنَّ قَرَابَةَ الْوِلَادِ أَيْضًا تَتَفَاوَتُ أَحْكَامُهُمْ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ كَجَرَيَانِ الْقِصَاصِ حَتَّى لَا يُقْتَلُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ، وَيَقْتُلُ الْوَلَدُ بِالْوَالِدِ
وَكَذَا تَجِبُ نَفَقَةُ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا، وَعَلَى الْكَسُوبِ تَجِبُ نَفَقَةُ الْآبَاءِ دُونَ أَوْلَادِهِ الْكِبَارِ ثُمَّ لَا تَأْثِيرَ لِهَذَا الِاخْتِلَافِ فِي عَدَمِ الْعِتْقِ بِالْمِلْكِ فَكَذَا فِيمَا ذُكِرَ، وَلَوْ مَلَكَ الْحَرْبِيُّ قَرِيبَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَعْتِقْ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَكَذَا الْمُسْلِمُ لَوْ مَلَكَ قَرِيبَهُ فِيهَا لَمْ يَعْتِقْ، وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَ الْحَرْبِيُّ أَوْ الْمُسْلِمُ عَبْدًا فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَعْتِقْ عِنْدَهُمَا، وَيَعْتِقُ عِنْدَهُ، هُوَ يَقُولُ إنَّهُ مَلَكَ رَقَبَتَهُ فَيَمْلِكُ إزَالَتَهُ بِالْعِتْقِ، وَهُمَا يَقُولَانِ أَنَّهُ مُعْتَقٌ بِلِسَانِهِ مُسْتَرَقٌّ بِيَدِهِ لِأَنَّهُ تَحْتَ يَدِهِ وَقَهْرِهِ، وَلَوْ طَرَأَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى الْحَرْبِيِّ أَبْطَلَ حُرِّيَّتَهُ فَالْمُقَارِنُ أَوْلَى أَنْ يَمْنَعَ الْحُرِّيَّةَ حَتَّى لَوْ خَلَّى سَبِيلَهُ وَأَزَالَ يَدَهُ عَنْهُ عَتَقَ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَرِقَّ بِيَدِهِ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( قَوْلُهُ وَالْيَدُ بِهِ أَكْثَرُ) لَعَلَّهُ وَأُرِيدَ بِهِ، كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الْغَزِّيِّ رحمه الله (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الْمَالِكُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا) وَالصَّبِيُّ جُعِلَ أَهْلًا لِهَذَا الْعِتْقِ، وَكَذَا الْمَجْنُونُ حَتَّى عَتَقَ الْقَرِيبُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ الْمِلْكِ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ فَشَابَهَ النَّفَقَةَ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ عليه السلام «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ» إلَخْ) فَالرَّحِمُ عِبَارَةٌ عَنْ الْقَرَابَةِ، وَالْمَحْرَمُ عِبَارَةٌ عَنْ حُرْمَةِ النِّكَاحِ. اهـ. رَازِيٌّ.
مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا عَتَقَ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُمَا لَيْسَ بِمَحَلِّ الِاسْتِرْقَاقِ بِالِاسْتِيلَاءِ.
قَالَ رحمه الله (وَبِتَحْرِيرٍ لِوَجْهِ اللَّهِ وَلِلشَّيْطَانِ وَلِلصَّنَمِ وَبِكُرْهٍ وَسُكْرٍ) أَيْ يَعْتِقُ الْعَبْدُ بِإِعْتَاقِهِ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلشَّيْطَانِ أَوْ لِلصَّنَمِ أَوْ بِإِكْرَاهٍ أَوْ بِسُكْرٍ بِأَنْ أَعْتَقَهُ، وَهُوَ سَكْرَانُ أَوْ مُكْرَهًا لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ هُوَ الرُّكْنُ الْمُؤَثِّرُ فِي إزَالَةِ الرِّقِّ، وَصِفَةُ الْقُرْبَةِ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعِتْقَ بِالْمَالِ وَالْكِتَابَةِ مَشْرُوعَانِ، وَإِنْ عَرِيَا عَنْ صِفَةِ الْقُرْبَةِ فَلَا يَنْعَدِمُ بِعَدَمِهَا أَصْلُ الْعِتْقِ، وَلَا يَخْتَلُّ بِهِ إزَالَةُ الرِّقِّ، وَكَذَا عِتْقُ الْمُكْرَهِ وَالسَّكْرَانِ وَاقِعٌ لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْإِسْقَاطَاتِ الرِّضَا، وَبِالْإِكْرَاهِ يَنْعَدِمُ الرِّضَا، وَلَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي إعْدَامِ الْحُكْمِ أَلَا تَرَى إلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام «ثَلَاثٌ جَدُّهُنَّ جَدٌّ، وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ» وَالْهَازِلُ لَا يَرْضَى بِالْحُكْمِ، وَلَا يُرِيدُهُ
وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ مَنْ تَكَلَّمَ بِنِكَاحٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ فَهُوَ جَارٍ عَلَيْهِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا قَالَ رحمه الله (وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى مِلْكٍ أَوْ شَرْطٍ صَحَّ) أَيْ إنْ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى مِلْكٍ بِأَنْ قَالَ إنْ مَلَكْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ بِأَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ جَازَ لِأَنَّهُ مِنْ الْإِسْقَاطَاتِ، وَفِي الْأَوَّلِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ فِيهِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ، وَإِذَا خَرَجَ عَبْدُ الْحَرْبِيِّ إلَيْنَا مُسْلِمًا عَتَقَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «فِي عَبِيدِ الطَّائِفِ حِينَ خَرَجُوا إلَيْهِ مُسْلِمِينَ عُتَقَاءُ اللَّهِ تَعَالَى» ، وَلِأَنَّهُ أَحْرَزَ نَفْسَهُ، وَهُوَ مُسْلِمٌ، وَلَا اسْتِرْقَاقَ عَلَى الْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً، وَذَكَرُوا لِلْعِتْقِ أَسْبَابًا كَثِيرَةً مِنْهَا الْإِعْتَاقُ، وَمِنْهَا دَعْوَى النَّسَبِ، وَمِنْهَا الِاسْتِيلَادُ، وَمِنْهَا مِلْكُ الْقَرِيبِ، وَمِنْهَا زَوَالُ يَدِ الْكَافِرِ عَنْ عَبْدِهِ الْمُسْلِمِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي عَبِيدِ الطَّائِفِ
وَمِنْهَا إذَا أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدِ إنْسَانٍ ثُمَّ مَلَكَهُ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ عَتِيقُ فُلَانٍ عَتَقَ عَلَيْهِ لِإِقْرَارِهِ بِحُرِّيَّتِهِ، وَأَلْفَاظُ الْعِتْقِ تَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ وَمَا يَجْرِي مَجْرَى الصَّرِيحِ، وَالْإِعْتَاقُ عَلَى وُجُوهٍ مُرْسَلٌ، وَمُعَلَّقٌ، وَمُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَتَنَوَّعُ إلَى نَوْعَيْنِ بِبَدَلٍ وَغَيْرِ بَدَلٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ قُرْبَةٌ وَمَعْصِيَةٌ وَمُبَاحٌ كَالْعِتْقِ لِأَجْلِ إنْسَانٍ أَوْ بِلَا نِيَّةٍ.
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ حَرَّرَ حَامِلًا عَتَقَا) أَيْ لَوْ أَعْتَقَ أَمَةً حَامِلًا عَتَقَتْ هِيَ وَحَمْلُهَا لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهَا إذْ هُوَ مُتَّصِلٌ بِهَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا خَرَجَ أَكْثَرُ الْوَلَدِ فَأَعْتَقَ الْأُمَّ لَا يَعْتِقُ الْوَلَدُ لِأَنَّهُ كَالْمُنْفَصِلِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ، وَلَوْ مَاتَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَرِثُ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ قَبْلَ خُرُوجِ الْأَكْثَرِ قَالَ رحمه الله (وَإِنْ حَرَّرَهُ عَتَقَ فَقَطْ) أَيْ إنْ أَعْتَقَ الْحَمْلَ عَتَقَ وَحْدَهُ دُونَ الْأُمِّ لِأَنَّ الْأُمَّ لَمْ يُضَفْ إلَيْهَا الْإِعْتَاقُ، وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهَا تَبَعًا لِلْحَمْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ قَلْبِ الْمَوْضُوعِ فَلَا يَعْتِقُ، وَالْحَمْلُ مَحَلٌّ لِلْعِتْقِ، وَلِهَذَا يَعْتِقُ تَبَعًا لِلْأُمِّ فَلَأَنْ يَعْتِقَ إذَا أَفْرَدَهُ أَوْلَى، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِي الْهِبَةِ وَالْقُدْرَةَ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ شَرْطُ الْجَوَازِ، وَشَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْعِتْقِ، وَلِهَذَا جَازَ عِتْقُ الْآبِقِ دُونَ بَيْعِهِ وَهِبَتِهِ، وَلِأَنَّ إعْتَاقَهُ عَلَى تَقْدِيرِ انْفِصَالِهِ حَيًّا لِأَنَّ الْعِتْقَ يَقْبَلُ الْإِضَافَةَ وَالتَّعْلِيقَ فَكَأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِكَوْنِهِ حَيًّا بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ فَافْتَرَقَا
وَلَوْ أَعْتَقَ الْحَمْلَ عَلَى مَالٍ بِأَنْ شَرَطَهُ عَلَى الْأُمِّ صَحَّ الْعِتْقُ، وَلَا يَجِبُ الْمَالُ عَلَى الْجَنِينِ لِعَدَمِ وِلَايَةِ الْغَيْرِ عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى الْأُمِّ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ بَدَلِ الْعِتْقِ عَلَى غَيْرِ الْمُعْتَقِ لَا يَجُوزُ، وَلِأَنَّهُ لَا يَجِبُ لِلْمَوْلَى عَلَى أَمَتِهِ دَيْنٌ، وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ بَدَلِ الْعِتْقِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ، وَاشْتِرَاطُ الْعِوَض عَلَى مَنْ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ الْعِوَضُ لَا يَجُوزُ كَالثَّمَنِ وَالْأُجْرَةِ بِخِلَافِ بَدَلِ الْخُلْعِ وَالْقِصَاصِ حَيْثُ يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّ الْقَاتِلَ وَالْمَرْأَةَ لَا يَسْتَفِيدَانِ بِالْعَقْدِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُمَا حَقُّ الْغَيْرِ، وَمَعَ هَذَا جَازَ اشْتِرَاطُهُ عَلَيْهِمَا فَكَذَا عَلَى الْأَجْنَبِيِّ لِكَوْنِهِ مِثْلَهُمَا فِي هَذَا الْمَعْنَى أَعْنِي فِي عَدَمِ حُصُولِ الْفَائِدَةِ، وَأَمَّا الْعَبْدُ فَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَفْسَهُ بِالْإِعْتَاقِ، وَيَثْبُتُ لَهُ قُوَّةٌ حُكْمِيَّةٌ لَمْ تَكُنْ لَهُ قَبْلُ فَإِنَّ نَفْسَهُ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِمَوْلَاهُ فَكَانَ الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ فِي مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ، وَسُلِّمَ الْمُعَوَّضُ لِلْعَبْدِ فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْعِوَضِ عَلَى غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ قِيَامُ الْحَمْلِ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ إذَا وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ لِتَيَقُّنِنَا بِوُجُودِهِ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ
وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَيَقَّنْ بِوُجُودِهِ فِي بَطْنِهَا وَقْتَ الْإِعْتَاقِ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُعْتَدَّةً عَنْ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ فَتَلِدُ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ، وَإِنْ كَانَ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِعْتَاقِ فَحِينَئِذٍ يَعْتِقُ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا حِينَ أَعْتَقَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ مِنْ وَقْتِ الْإِعْتَاقِ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ وُجُودُهُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ بِأَنْ أَعْتَقَهُ، وَهُوَ سَكْرَانُ أَوْ مُكْرَهًا) قَوْلُهُ مُكْرَهًا بِالنَّصْبِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ اهـ (قَوْلُهُ، وَمِنْهَا زَوَالُ يَدِ الْكَافِرِ عَنْ عَبْدِهِ الْمُسْلِمِ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَمَّا سَبَبُهُ الْمُثْبِتُ لَهُ فَقَدْ يَكُونُ دَعْوَى النَّسَبِ ثُمَّ قَالَ، وَقَدْ يَكُونُ بِالدُّخُولِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّ الْحَرْبِيَّ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا فَدَخَلَ بِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ عَتَقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا زَوَالُ يَدِهِ عَنْهُ بِأَنْ هَرَبَ مِنْ مَوْلَاهُ الْحَرْبِيِّ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ حَرَّرَ حَامِلًا عَتَقَا).
فَرْعٌ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي الْإِجَارَةِ فِي بَابِ ضَمَانِ الْأَجِيرِ لَوْ أَعْتَقَ جَارِيَةً وَلَهَا وَلَدٌ فَقَالَتْ أَعْتَقْتنِي قَبْلَ وِلَادَتِهِ فَيَكُونُ حُرًّا تَبَعًا لِي، وَقَالَ الْمَوْلَى أَعْتَقْتُك بَعْدَهَا فَلَا يَعْتِقُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ كَانَ الْوَلَدُ فِي يَدِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهُ اهـ