المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في كفارة الظهار] - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي - جـ ٣

[الفخر الزيلعي]

فهرس الكتاب

- ‌(بَابُ الظِّهَارِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَار]

- ‌(بَابُ اللِّعَانِ)

- ‌(بَابُ الْعِنِّينِ وَغَيْرِهِ)

- ‌(بَابُ الْعِدَّةِ)

- ‌(فَصْلٌ).فِي الْإِحْدَادِ

- ‌(بَابُ ثُبُوتِ النَّسَبِ)

- ‌[بَابُ الْحَضَانَةِ]

- ‌(بَابُ النَّفَقَةِ)

- ‌(كِتَابُ الْإِعْتَاقِ)

- ‌(بَابُ الْعَبْدُ يَعْتِقُ بَعْضُهُ)

- ‌(بَابُ الْحَلِفِ بِالدُّخُولِ)

- ‌{بَابُ الْعِتْقِ عَلَى جُعْلٍ}

- ‌{بَابُ التَّدْبِيرِ}

- ‌بَابُ الِاسْتِيلَادِ

- ‌{كِتَابُ الْأَيْمَانِ}

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَالسُّكْنَى وَالْإِتْيَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ)

- ‌{بَابُ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللُّبْسِ وَالْكَلَامِ}

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ)

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّزَوُّجِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا)

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ)

- ‌(كِتَابُ الْحُدُودِ)

- ‌(بَابُ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ)

- ‌(بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَالرُّجُوعِ عَنْهَا)

- ‌(بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ)

- ‌(بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي التَّعْزِيرِ)

- ‌(كِتَابُ السَّرِقَةِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الْحِرْزِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ وَإِثْبَاتِهِ]

- ‌(بَابُ قَطْعِ الطَّرِيقِ)

- ‌(كِتَابُ السِّيَرِ)

- ‌[بَابُ الْغَنَائِمِ وَقِسْمَتِهَا]

- ‌(فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ)

- ‌(بَابُ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ)

- ‌(بَابُ الْمُسْتَأْمَنِ)

- ‌[فَصْلٌ إقَامَة الْمُسْتَأْمَنُ فِي دارنا إقَامَة دائمة]

- ‌(بَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ)

- ‌(بَابُ الْمُرْتَدِّينَ)

- ‌(بَابُ الْبُغَاةِ)

- ‌[كِتَابُ اللَّقِيطِ]

- ‌[كِتَابُ اللُّقَطَةِ]

- ‌(كِتَابُ الْآبِقِ)

- ‌[كِتَاب الْمَفْقُود]

- ‌(كِتَابُ الشِّرْكَةِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الشِّرْكَةِ الْفَاسِدَةِ)

- ‌(كِتَابُ الْوَقْفِ)

- ‌[فَصْلٌ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ حَتَّى يَفْرِزَهُ عَنْ مِلْكِهِ]

الفصل: ‌[فصل في كفارة الظهار]

فَأَجَازَتْهُ بَطَلَ) أَيْ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِغَيْرِ إذْنِهَا فَظَاهَرَ مِنْهَا قَبْلَ الْإِجَازَةِ ثُمَّ أَجَازَتْ النِّكَاحَ بَطَلَ الظِّهَارُ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي التَّشْبِيهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ جَزَاءُ الزُّورِ بِخِلَافِ إعْتَاقِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْفُضُولِيِّ حَيْثُ يَتَوَقَّفُ، وَيَنْفُذُ بِإِجَازَةِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ، وَلِهَذَا جَازَ لَهُ إعْتَاقُهُ بَلْ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَالشَّيْءُ إذَا تَوَقَّفَ يَتَوَقَّفُ بِحُقُوقِهِ، وَالظِّهَارُ مَحْظُورٌ فَلَا يُسْتَحَقُّ بِمِلْكِ النِّكَاحِ بَلْ لَا يَجُوزُ.

قَالَ رحمه الله (أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ظِهَارًا مِنْهُنَّ) أَيْ لَوْ قَالَ لِنِسَائِهِ أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي كَانَ مُظَاهِرًا مِنْ جَمِيعِهِنَّ لِوُجُودِ رُكْنِهِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، وَهُوَ التَّشْبِيهُ فَصَارَ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْإِيلَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ رحمه الله (وَكَفَّرَ لِكُلٍّ) أَيْ كَفَّرَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، وَقَالَ مَالِكٌ يَكْفِيهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ إذَا ظَاهَرَ مِنْهُنَّ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُنَّ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُنَّ ثُمَّ قَرِبَهُنَّ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهَذَا لِأَنَّ الظِّهَارَ مُوجِبٌ لِلْكَفَّارَةِ كَالْإِيلَاءِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ الظِّهَارُ يَمِينٌ لِأَنَّ فِيهِ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ، وَذَلِكَ يَمِينٌ فَلَا تَجِبُ فِيهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ لِانْتِهَاءِ الْحُرْمَةِ وَهِيَ تَثْبُتُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَتَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ بِتَعَدُّدِهَا بِخِلَافِ الْإِيلَاءِ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ فِيهِ لِهَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا تَتَعَدَّدُ إلَّا بِتَعَدُّدِ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ الظِّهَارَ يَمِينٌ فَاسِدٌ لِأَنَّ الظِّهَارَ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ، وَزُورٌ مَحْضٌ، وَالْيَمِينَ تَصَرُّفٌ مَشْرُوعٌ مُبَاحٌ، وَلِهَذَا اخْتَلَفَتْ كَفَّارَتُهُمَا فَكَيْفَ يُجْعَلُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْيَمِينَ إمَّا بِاَللَّهِ، أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ أَوْ بِالتَّعْلِيقِ بِشَرْطٍ وَلَمْ يُوجَدُ وَاحِدٌ مِنْهَا فِي الظِّهَارِ.

(فَصْلٌ فِي الْكَفَّارَةِ).

قَالَ رحمه الله (وَهُوَ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) أَيْ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ، وَالتَّذْكِيرُ بِتَأْوِيلِ التَّكْفِيرِ وَهِيَ قَبْلَ الْوَطْءِ لِمَا تَلَوْنَا، وَمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ مَنْ وَاقَعَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ التَّكْفِيرِ، وَلِأَنَّ التَّكْفِيرَ لِانْتِهَاءِ الْحُرْمَةِ الثَّابِتَةِ بِالظِّهَارِ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْوَطْءِ لِيَحِلَّ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَبَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَالْكَافِرَةِ وَالْمُسْلِمَةِ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله لَا تَجُوزُ الْكَافِرَةُ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى عَدُوَّةٍ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الْمُرْتَدُّ لِأَنَّهُ نَاقِصٌ لِأَنَّهُ عَيْبٌ، وَلِهَذَا يَرُدُّهُ الْمُشْتَرِي إذَا وَجَدَهُ كَافِرًا

وَأَصْلُ الْخِلَافِ أَنَّهُ هَلْ يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ أَوْ لَا فَعِنْدَنَا لَا يُحْمَلُ، وَعِنْدَهُ يُحْمَلُ إذَا اتَّحَدَ الْجِنْسُ، وَهُنَا قَيَّدَهُ بِالنَّصِّ بِالْمُؤْمِنَةِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ فَحَمَلَ عَلَيْهِ غَيْرَهُ مِنْ الْكَفَّارَاتِ، وَلَنَا أَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ إعْتَاقُ رَقَبَةٍ وَهِيَ اسْمٌ لِذَاتٍ مَرْقُوقَةٍ مَمْلُوكَةٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَقَدْ وُجِدَ وَالتَّقْيِيدُ بِالْإِيمَانِ زِيَادَةٌ وَهِيَ نَسْخٌ فَلَا يَجُوزُ بِالْقِيَاسِ، وَلِأَنَّ فِيهِ قِيَاسَ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ عَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْقِيَاسِ أَنْ يَتَعَدَّى الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ الثَّابِتَ بِالنَّصِّ بِعَيْنِهِ إلَى فَرْعٍ هُوَ نَظِيرُهُ، وَلَا نَصَّ فِيهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْقِيَاسَ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ أَوْ شُبْهَتِهِ حَتَّى صَارَ مُؤَخَّرًا عَنْ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ، وَهُنَا نَصٌّ يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهِ، وَهُوَ إطْلَاقُ الْكِتَابِ، وَلِأَنَّ الْفَرْعَ لَيْسَ نَظِيرَ الْأَصْلِ لِأَنَّ قَتْلَ النَّفْسِ أَعْظَمُ، وَلِهَذَا لَمْ يُشَرَّعْ فِيهِ الْإِطْعَامُ، وَلَا يَجُوزُ إلْحَاقُهُ بِغَيْرِهِ فِي حَقِّ جَوَازِ الْإِطْعَامِ تَغْلِيظًا لِلْوَاجِبِ عَلَيْهِ، وَتَعْظِيمًا لِلْجَرِيمَةِ حَتَّى تَتِمَّ صِيَانَةُ النَّفْسِ، فَكَذَا لَا يَجُوزُ إلْحَاقُ غَيْرِهِ بِهِ فِي التَّغْلِيظِ لِأَنَّ قَيْدَ الرَّقَبَةِ بِالْإِيمَانِ أَغْلَظُ فَيُنَاسِبُهُ دُونَ غَيْرِهِ لِأَنَّ جَرِيمَةَ الْقَتْلِ أَعْظَمُ، وَالْمَقْصُودَ مِنْ التَّحْرِيرِ تَمْكِينُهُ مِنْ الطَّاعَةِ، وَارْتِكَابَهُ الْمَعْصِيَةَ مَنْسُوبٌ إلَى سُوءِ اخْتِيَارِهِ فَلَا يَمْنَعُ مِنْ الْعِتْقِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَصْرُوفَ إلَى الْكَفَّارَةِ مَالِيَّتُهُ دُونَ اعْتِقَادِهِ، وَكَوْنَهُ عَدُوَّ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَمْنَعُ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْإِحْسَانِ إلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ} [الممتحنة: 8]

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ظِهَارًا) بِالنِّصْفِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ رحمه الله (قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ) هُوَ ابْنُ قُدَامَةَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ فَلَا يَتَعَدَّدُ إلَّا بِتَعَدُّدِ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى) وَذُكِرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّ هَذِهِ تُخَالِفُ مَذْهَبَنَا لِأَنَّ تَكَرُّرَهُ يَدُلُّ أَنَّهُ سَبَبٌ وَهُمْ مَنَعُوا تَقْدِيمَهُ وَلَوْ كَانَ سَبَبًا لَجَازَ وَهَذَا سَهْوٌ لِأَنَّهُ يَنْقَلِبُ سَبَبًا بِالْحِنْثِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ

[فَصْلٌ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَار]

(فَصْلٌ فِي الْكَفَّارَةِ).

لَمَّا كَانَتْ الْحُرْمَةُ بِالظِّهَارِ حُرْمَةً مُؤَقَّتَةً إلَى وُجُودِ الْمَنْهِيِّ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ شَرَعَ فِي هَذَا الْفَصْلِ لِبَيَانِ ذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ مَشْرُوعَةٌ عَلَى التَّرْتِيبِ دُونَ التَّخْيِيرِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَهَا بِحَرْفِ الْفَاءِ وَهِيَ لِلتَّرْتِيبِ الْإِعْتَاقُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ ثُمَّ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْإِعْتَاقِ ثُمَّ إطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الصَّوْمِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة: 3]{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] وَالْمُرَادُ مِنْ عِتْقِ الرَّقَبَةِ إعْتَاقُ الرَّقَبَةِ لِأَنَّهُ إذَا وَرِثَ أَبًا فَنَوَى بَدْءَ الْكَفَّارَةِ لَمْ يُجْزِهِ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ وَالشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ بِلَا صُنْعٍ مِنْهُ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ بِلَا صُنْعٍ مِنْهُ أَيْضًا وَالْكَفَّارَةُ شَرْطٌ فِيهَا التَّحْرِيرُ وَهُوَ صُنْعٌ مِنْهُ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ مِنْ عِتْقِ الرَّقَبَةِ إلَخْ أَيْ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ عِتْقُ رَقَبَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَا اخْتِلَافَ فِي هَذَا الْمَجْمُوعِ لَا فِي الرَّقَبَةِ الْكَافِرَةِ فَإِنَّهَا تُجْزِي عِنْدَنَا عَنْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْإِفْطَارِ وَالْيَمِينِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّهَا لَا تُجْزِي عِنْدَهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا نَذَرَ أَنْ يَعْتِقَ رَقَبَةً فَأَعْتَقَ رَقَبَةً كَافِرَةً كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدَّيْنِ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ وَقَوْلُ أَحْمَدَ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ اهـ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ فِيهِ قِيَاسَ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ عَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ إلَخْ) وَهُوَ لَا يَجُوزُ لِلُزُومِ اعْتِقَادِ النَّقْصِ فِيمَا تَوَلَّى اللَّهُ تَعَالَى بَيَانَهُ

ص: 6

الْآيَةَ، وَلِهَذَا لَوْ نَذَرَ بِالْعِتْقِ خَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِعِتْقِ الْكَافِرَةِ، وَلَا يُقَالُ هُوَ مَأْمُورٌ بِتَحْرِيرِ رَقَبَةٍ وَهِيَ نَكِرَةٌ فَتَخْتَصُّ بِالْإِثْبَاتِ، وَقَدْ أُرِيدَ بِهَا الْمُؤْمِنَةُ فَلَا تَدْخُلُ الْكَافِرَةُ لِأَنَّهُمَا ضِدَّانِ لِأَنَّا نَقُولُ هَذِهِ مُطْلَقَةٌ فَتَتَنَاوَلُ رَقَبَةً عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ هُوَ الَّذِي يَتَعَرَّضُ لِلذَّاتِ دُونَ الصِّفَاتِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزَ الصَّغِيرَةُ وَالْكَبِيرَةُ، وَإِنْ كَانَا مُتَضَادَّيْنِ، وَكَذَا الْبَيْضَاءُ وَالسَّوْدَاءُ، وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَوْصَافِ الْمُتَضَادَّةِ، وَيَجُوزُ الْمُرْتَدُّ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ قُلْنَا إنَّا نَمْنَعُ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ الْقَتْلَ حَتَّى لَوْ كَانَتْ مُرْتَدَّةً جَازَتْ بِلَا خِلَافٍ، وَالْعَيْبُ إذَا كَانَ لَا يُفَوِّتُ جِنْسَ الْمَنْفَعَةِ لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ، وَلِهَذَا جَازَ الْأَصَمُّ وَالْأَعْوَرُ، وَمَقْطُوعُ إحْدَى الْيَدَيْنِ، وَإِحْدَى الرِّجْلَيْنِ مِنْ خِلَافٍ، وَالْخَصِيُّ وَالْمَجْبُوبُ وَمَقْطُوعُ الْأُذُنَيْنِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَصَمِّ الَّذِي يَسْمَعُ إذَا صِيحَ عَلَيْهِ فَأَمَّا الْأَخْرَسُ فَلَا يَجُوزُ لِفَوَاتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ.

قَالَ رحمه الله (وَلَمْ يَجُزْ الْأَعْمَى، وَمَقْطُوعُ الْيَدَيْنِ وَإِبْهَامَيْهِمَا أَوْ الرِّجْلَيْنِ، وَالْمَجْنُونُ) وَالْأَصْلُ أَنَّ فَوَاتَ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ يَمْنَعُ الْجَوَازَ وَالِاخْتِلَالَ لَا يَمْنَعُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الْإِنْسَانِ مَعْنًى يَكُونُ بِبَقَاءِ مَنَافِعِهِ، وَبِفَوَاتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ يَكُونُ هَالِكًا مَعْنًى، وَفِيمَا ذَكَرَ فَوَاتُ الْبَصَرِ وَالْبَطْشِ وَقُوَّتِهِ وَالْمَشْيِ فَكَانَ هَالِكًا، وَالِانْتِفَاعُ بِالْجَوَارِحِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْعَقْلِ فَكَانَ أَقْوَى مِنْ الْأَوَّلِ، وَاَلَّذِي يُجَنُّ، وَيُفِيقُ يَجُوزُ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْعَقْلِ غَيْرُ فَائِتَةٍ، وَإِنَّمَا هِيَ مُخْتَلَّةٌ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ.

قَالَ رحمه الله (وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ) لِاسْتِحْقَاقِهِمَا الْحُرِّيَّةَ مِنْ وَجْهٍ بِجِهَةٍ أُخْرَى فَكَانَ الرِّقُّ فِيهِمَا نَاقِصًا، وقَوْله تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] يَقْتَضِي الْكَمَالَ، وَيَقْتَضِي إنْشَاءَ الْعِتْقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَإِعْتَاقُهُمَا تَعْجِيلٌ لِمَا صَارَ مُسْتَحِقًّا لَهُمَا فَلَا يَكُونُ إنْشَاءً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَجُوزُ، وَقَالَ فِي الْغَايَةِ يَرُدُّ عَلَى قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فَكَانَ الرِّقُّ فِيهِمَا نَاقِصًا مَا لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ عَتَقَ عَبِيدُهُ وَمُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ، وَلَا يُعْتَقُ مُكَاتَبُوهُ فَدَلَّ عَلَى كَمَالِ الرِّقِّ فِيهِمَا، وَلِهَذَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ الْمُدَبَّرَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَلَوْ كَانَ الرِّقُّ نَاقِصًا فِيهِمَا لِمَا حَلَّ لَهُ وَطْؤُهُمَا كَالْمُكَاتَبَةِ، وَهَذَا غَلَطٌ وَخَطَأٌ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ جَعَلَ الرِّقَّ فِي الْمُكَاتَبِ نَاقِصًا، وَالثَّانِي أَنَّهُ جَعَلَ نُقْصَانَ الرِّقِّ مُحَرِّمًا لِلْوَطْءِ، وَالثَّالِثُ أَنَّهُ جَعَلَ الْمَنَاطَ فِي قَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ الرِّقَّ، وَإِنَّمَا هُوَ الْمِلْكُ، وَالرَّابِعُ أَنَّهُ جَعَلَ رِقَّ الْمُدَبَّرِ، وَأُمِّ الْوَلَدِ كَامِلًا، وَنَحْنُ نَذْكُرُ الْفَرْقَ، وَنُبَيِّنُ الْمَعْنَى، وَالْمَنَاطَ مُخْتَصَرًا فَنَقُولُ الْمُكَاتَبُ رِقُّهُ كَامِلٌ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» ، وَالْمِلْكُ فِيهِ نَاقِصٌ لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِ الْمَوْلَى يَدًا، وَالْمُدَبَّرُ، وَأُمُّ الْوَلَدِ عَكْسُهُ فَإِنَّ رِقَّهُمَا نَاقِصٌ لِاسْتِحْقَاقِهِمَا الْحُرِّيَّةَ مِنْ وَجْهٍ، وَالْمِلْكُ فِيهِمَا كَامِلٌ لِجَوَازِ التَّصَرُّفِ فِيهِمَا، وَلِهَذَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهُمَا، وقَوْله تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] يَقْتَضِي رِقًّا كَامِلًا فَيَدْخُلُ فِيهِ الْمُكَاتَبُ دُونَهُمَا، وَقَوْلُ الرَّجُلِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ يَقْتَضِي مِلْكًا كَامِلًا فَيَدْخُلَانِ فِيهِ دُونَ الْمُكَاتَبِ فَكَانَ الْمَنَاطُ فِي تَحْرِيرِ الرَّقَبَةِ عَنْ الْكَفَّارَةِ الرِّقَّ، وَفِي قَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ الْمِلْكَ، وَلِهَذَا قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي عِتْقِ الْمُكَاتَبِ عَنْ الْكَفَّارَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِقِيَامِ الرِّقِّ فِيهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَقَالَ فِيهِ فِي الْإِيمَانِ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ غَيْرُ ثَابِتٍ يَدًا، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ أَكْسَابَهُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ الْمُكَاتَبَةِ يَعْنِي الْمَوْلَى، وَقَالَ فِي الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْقِنِّ إذْ الْمِلْكُ ثَابِتٌ فِيهِمْ رَقَبَةً وَيَدًا، وَكَذَا ذَكَرَ الْأُصُولِيُّونَ أَيْضًا فَيُعْلَمُ بِهَذَا أَنَّ الْعِتْقَ ضِدُّ الرِّقِّ دُونَ الْمِلْكِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ فِي أَشْيَاءَ لَا تَقْبَلُ الْعِتْقَ وَلَوْ كَانَ ضِدًّا لَهُ لَمَا ثَبَتَ لِأَنَّ شَرْطَ التَّضَادِّ اتِّحَادُ الْمَحَلِّ، وَإِذَا كَانَ الرِّقُّ نَاقِصًا لَا يُجْزِيهِ لِعَدَمِ الْإِعْتَاقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّ رِقَّهُ كَانَ زَائِلًا مِنْ وَجْهٍ.

قَالَ رحمه الله (وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي أَدَّى شَيْئًا) لِأَنَّهُ تَحْرِيرٌ بِعِوَضٍ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّ رِقَّهُ لَمْ يَنْتَقِصْ بِمَا أَدَّى فَكَانَ بَاقِيًا مِنْ وَجْهٍ، وَلِهَذَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَلِأَنَّ الْعِتْقَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ فِيهِمَا قَبْلَهُ فَلَا يَنُوبُ عَنْ الْوَاجِبِ ابْتِدَاءً قَالَ رحمه الله (فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا أَوْ اشْتَرَى قَرِيبَهُ نَاوِيًا بِالشِّرَاءِ الْكَفَّارَةَ أَوْ حَرَّرَ نِصْفَ عَبْدِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ ثُمَّ حَرَّرَ بَاقِيهِ عَنْهَا صَحَّ) أَمَّا الْمُكَاتَبُ الَّذِي لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا فَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الرِّقَّ فِيهِ كَامِلٌ فَكَانَ تَحْرِيرًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْحُرِّيَّةَ بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ فَأَشْبَهَ الْمُدَبَّرَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَوْ نَذَرَ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ بِالِاتِّفَاقِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ هُوَ الَّذِي يَتَعَرَّضُ لِلذَّاتِ إلَخْ) وَهَذَا كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يُنْبِئُ عَلَى الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ بَلْ الرَّقَبَةُ اسْمٌ لِلْمَمْلُوكِ كَذَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ فَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ بِالْإِيمَانِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ وَهُوَ نَسْخٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ كَانَتْ مُرْتَدَّةً جَازَتْ) وَقَالَ فِي الْغَايَةِ الرَّقَبَةُ أَعَمُّ وَهُوَ غَلَطٌ وَإِنَّمَا هُوَ مُطْلَقٌ وَهُوَ يَتَنَاوَلُ ذَاتًا وَاحِدَةً عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ رحمه الله (قَوْلُهُ وَإِحْدَى الرِّجْلَيْنِ مِنْ خِلَافٍ) لِبَقَاءِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْبَطْشِ وَالْمَشْيِ قَائِمَةٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قُطِعَتَا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِفَوَاتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ لِتَعَذُّرِ الْمَشْيِ. قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَلَا يُجْزِئُ الْأَعْمَى وَالْمُقْعَدُ.

(فَرْعٌ) يَجُوزُ عِتْقُ الْآبِقِ عَنْ الْكَفَّارَةِ إذَا عُلِمَ بِحَيَاتِهِ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ مَذْكُورٌ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ اهـ قَالَ فِي الْأَجْنَاسِ يَجُوزُ مَقْطُوعُ الْأَنْفِ وَمَقْطُوعُ الشَّفَتَيْنِ إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْأَكْلِ وَلَا يَجُوزُ سَاقِطُ الْأَسْنَانِ وَيَجُوزُ ذَاهِبُ الْحَاجِبَيْنِ وَشَعْرِ اللِّحْيَةِ وَالرَّأْسِ وَنَقَلَهُ عَنْ نَوَادِرِ ابْنِ شُجَاعٍ وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ يَجُوزُ الْأَعْشَى وَالْعِنِّينُ وَالْخُنْثَى وَالْأَمَةُ الرَّتْقَاءُ وَاَلَّتِي بِهَا قَرْنٌ يَمْنَعُ الْجِمَاعَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ وَهَذَا غَلَطٌ) أَيْ قَوْلُ صَاحِبِ الْغَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ فِي الْمُدَبَّرِ) يَعْنِي فِي الْهِدَايَةِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ

(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَحْرِيرٌ بِعِوَضٍ) وَالْعِوَضُ يُبْطِلُ مَعْنَى الْقُرْبَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا يُقْبَلُ الْفَسْخُ) أَيْ يُقْبَلُ الْفَسْخُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ بَعْضِ الْبَدَلِ كَمَا احْتَمَلَ قَبْلَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ إلَخْ) وَهُوَ الْقِيَاسُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

ص: 7

وَأُمَّ الْوَلَدِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ الْعِتْقَ بِالْكِتَابَةِ فَوْقَ اسْتِحْقَاقِهِ بِالتَّدْبِيرِ، وَالِاسْتِيلَادِ، وَلِهَذَا صَارَ أَحَقَّ بِمَكَاسِبِهِ، وَيَمْنَعُ الْمَوْلَى مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَفِيمَا فِي يَدِهِ، وَيَضْمَنُ لَهُ الْأَرْشَ وَالْعُقْرَ بِالْجِنَايَةِ وَالْوَطْءِ

وَلَنَا أَنَّ الْوَاجِبَ تَحْرِيرُ الرَّقَبَةِ، وَهُوَ تَصْيِيرُ شَخْصٍ مَرْقُوقٍ حُرًّا، وَقَدْ وُجِدَ، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ نُقْصَانٌ فِي رِقِّهِ بِالْكِتَابَةِ لِأَنَّ عِتْقَهُ مُعَلَّقٌ بِشَرْطِ الْأَدَاءِ، وَالْمُعَلَّقُ بِهِ عُدِمَ قَبْلَ وُجُودِهِ، وَلَا يَثْبُتُ بِهَذَا التَّعْلِيقِ اسْتِحْقَاقُ الْحُرِّيَّةِ كَمَا فِي سَائِرِ الشُّرُوطِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ يَمْنَعُ الْفَسْخَ، وَهَذَا لَا يَمْنَعُ، وَهَذَا أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُوجِبُ نُقْصَانَ الرِّقِّ، وَلَا يُوجِبُ لَهُ حَقَّ الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ لَا تَقْبَلُ الْفَسْخَ كَحَقِيقَتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّدْبِيرَ، وَالِاسْتِيلَادَ لَا يَقْبَلُهُ فَيَثْبُتُ بِهَذَا أَنَّ الرِّقَّ قَائِمٌ فِي الْمُكَاتَبِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَالْكِتَابَةَ لَا تُنَافِي الرِّقَّ لِأَنَّهَا فَكُّ الْحَجْرِ بِمَنْزِلَةِ الْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ إلَّا أَنَّهَا بِعِوَضٍ فَتَلْزَمُ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى، وَلَئِنْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ مَانِعَةً مِنْ الْعِتْقِ عَنْ الْكَفَّارَةِ تَنْفَسِخُ بِمُقْتَضَى الْإِعْتَاقِ إذْ هِيَ تَقْبَلُهُ بِرِضَا الْمُكَاتَبِ، وَقَدْ وُجِدَ رِضَاهُ دَلَالَةً لِأَنَّهُ لَمَّا رَضِيَ بِالْعِتْقِ بِعِوَضٍ كَانَ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَوْلَى

وَلَا يُقَالُ لَوْ انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ لَمَا سُلِّمَتْ لَهَا الْأَوْلَادُ، وَالْأَكْسَابُ، وَسَلَامَتُهُمَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ حَصَلَ بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّا نَقُولُ الْفَسْخُ ضَرُورِيٌّ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ جَوَازِ التَّكْفِيرِ، وَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ اسْتِرْدَادِ الْأَوْلَادِ وَالْأَكْسَابِ وَلَوْلَا أَنَّهُ فَسْخٌ لَمَا سَقَطَ عَنْهُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ أَوْ نَقُولُ سَلَامَةُ الْأَكْسَابِ وَالْأَوْلَادِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ عِتْقٌ، وَهُوَ مُكَاتَبٌ لَا لِأَنَّهُ عِتْقٌ بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ كَمَا لَوْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدِهِ ثُمَّ مَاتَ عَتَقَتْ بِجِهَةِ الِاسْتِيلَادِ، وَسَلَّمَ لَهَا الْأَكْسَابَ، وَالْأَوْلَادَ الَّذِينَ وَلَدَتْهُمْ قَبْلَ الِاسْتِيلَادِ ثُمَّ اشْتَرَتْهُمْ بَعْدَ الْكِتَابَةِ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ عِتْقٌ بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ عَنْ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ كُلًّامِنَّا فِي الْإِعْتَاقِ الصَّادِرِ مِنْ الْمَوْلَى لَا فِي الْعِتْقِ الْحَاصِلِ فِي الْمَحَلِّ وَالْكَفَّارَةَ تَتَأَدَّى بِالْإِعْتَاقِ دُونَ الْعِتْقِ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَاحِدٌ فِي حَقِّ الْمَحَلِّ فَلَا يَتَنَوَّعُ

وَالْإِعْتَاقُ تَخْتَلِفُ جِهَاتُهُ فَجُعِلَ فِي حَقِّ الْمَحَلِّ عَيْنَ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِالْكِتَابَةِ، وَفِي حَقِّ الْمَوْلَى إعْتَاقًا بِجِهَةِ الْكَفَّارَةِ لِقَصْدِ ذَلِكَ كَالْمَرْأَةِ إذَا وَهَبَتْ صَدَاقَهَا مِنْ زَوْجِهَا قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ، وَيَجْعَلُ هِبَتَهَا فِي حَقِّ الزَّوْجِ تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِهِ عِنْدَ الطَّلَاقِ، وَفِي حَقِّهَا تَمْلِيكًا مُبْتَدَأً، وَلَا يُقَالُ الْمِلْكُ فِيهِ قَدْ انْتَقَضَ بِالْكِتَابَةِ حَتَّى لَا يَدْخُلَ تَحْتَ الْمَمْلُوكِ الْمُطَلِّقُ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا ذَكَرَ الْمِلْكَ، وَإِنَّمَا شَرَطَ ضَرُورَةَ أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَنْفُذُ إلَّا فِي الْمِلْكِ فَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ الْمِلْكِ، وَهُوَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ كَافٍ لِنُفُوذِ الْعِتْقِ فَلَا حَاجَةَ إلَى مِلْكِ الْيَدِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لِإِزَالَةِ الرِّقِّ، وَكَمَالَهُ بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ دُونَ الْيَدِ فَخُرُوجُهُ عَنْ يَدِهِ لَا يُوجِبُ نَقْصًا فِي الرِّقِّ عَلَى مَا مَرَّ، وَكَذَا وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى الْمَوْلَى بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مَالِهِ لِأَنَّ وُجُوبَهُ لِتَحَقُّقِ مَقْصُودِهِ لَا لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ، وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى قَرِيبُهُ يَنْوِي بِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ فَلِأَنَّ الشِّرَاءَ عِلَّةُ الْعِتْقِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ، وَهُوَ بِصُنْعِهِ فَيَكُونُ عَمَّا نَوَى

وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يُجْزِيهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله الْأَوَّلُ لِأَنَّ عِلَّةَ الْعِتْقِ الْقَرَابَةُ لِأَنَّهَا عِلَّةُ وُجُوبِ الصِّلَاتِ بَيْنَ الْأَقَارِبِ، وَالشِّرَاءَ شَرْطُ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْمِلْكِ، وَالْإِعْتَاقَ سَبَبٌ لِزَوَالِهِ، وَبَيْنَهَا تَنَافٍ فَاسْتَحَالَ إضَافَةُ الْعِتْقِ لِهَذَا الْمَعْنَى، وَلِاسْتِحْقَاقِهِ الْحُرِّيَّةَ بِالْقَرَابَةِ فَصَارَ كَمَا قَالَ لِعَبْدِ الْغَيْرِ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ اشْتَرَاهُ يَنْوِي بِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ حَيْثُ لَا يُجْزِيهِ لِأَنَّ نِيَّتَهُ لَمْ تَقْتَرِنْ بِالْعِلَّةِ وَهِيَ الْيَمِينُ، وَإِنَّمَا اقْتَرَنَتْ بِالشَّرْطِ، وَهُوَ الشِّرَاءُ فَلَا يُعْتَبَرُ، وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ الْأَهْلِيَّةُ عِنْدَ الْيَمِينِ دُونَ الشَّرْطِ، وَكَذَا الضَّمَانُ يَجِبُ عَلَى شُهُودِ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ صَاحِبُ عِلَّةٍ، وَلَا يَجِبُ عَلَى شُهُودِ الشَّرْطِ، وَلِأَنَّ فِيهِ صَرْفَ مَنْفَعَةِ الْكَفَّارَةِ إلَى أَبِيهِ فَلَا يَجُوزُ كَالزَّكَاةِ، وَلِمَا أَنَّ النِّيَّةَ قَارَنَتْ عِلَّةَ الْعِتْقِ فَيَصِحُّ، وَهَذَا لِأَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ عِلَّةٌ لِلْعِتْقِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ هُوَ تَصْيِيرُ الرَّقَبَةِ حُرًّا، وَفِي الشِّرَاءِ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَنْ يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ» أَيْ بِالشِّرَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى غَيْرِهِ فَصَارَ إعْتَاقًا

وَهَذَا كَمَا يُقَالُ سَقَاهُ فَأَرْوَاهُ، وَضَرَبَهُ فَأَوْجَعَهُ أَيْ بِالسَّقْيِ وَالضَّرْبِ، وَلِأَنَّ الشِّرَاءَ يُوجِبُ الْمِلْكَ، وَمِلْكَ الْقَرِيبِ يُوجِبُ الْعِتْقَ فَيُضَافُ الْمِلْكُ مَعَ حُكْمِهِ إلَى الشِّرَاءِ لِأَنَّهُمَا حَدَّثَا بِهِ، وَهَذَا كَمَنْ رَمَى إنْسَانًا عَمْدًا فَأَصَابَهُ فَمَاتَ قُتِلَ بِهِ كَأَنَّهُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ لِأَنَّا نَقُولُ الْفَسْخُ ضَرُورِيٌّ) أَيْ فَسْخُ الْكِتَابَةِ ثَبَتَ ضَرُورَةٌ تَقْتَضِي صِحَّةَ التَّكْفِيرِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْأَوْلَادُ الَّذِينَ وَلَدَتْهُمْ قَبْلَ إلَخْ) وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْوِلَادَةَ بِمَا قَبْلَ الِاسْتِيلَادِ لِأَنَّ مَا وَلَدَتْهُ بَعْدَهُ يَعْتِقُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى كَهِيَ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ فَلَا يَلْزَمُ) لَيْسَتْ الْفَاءُ فِي خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَكَمَالِهِ) أَيْ كَمَالِ الرِّقِّ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى قَرِيبَهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَة وَإِنْ اشْتَرَى أَبَاهُ وَابْنَهُ يَنْوِي بِالشِّرَاءِ لِلْكَفَّارَةِ جَازَ عَنْهَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْقُدُورِيِّ

قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ رضي الله عنه فِي شَرْحِ الْكَافِي أَجْزَأَهُ اسْتِحْسَانًا فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ وَفِي الْقِيَاسِ لَا يُجْزِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلُ وَزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَكَذَا إنْ وَهَبَ لَهُ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ كَذَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ لَوْ رَحِمَ مَحْرَمٍ بِلَا صُنْعٍ مِنْهُ مَا إذَا دَخَلَ فِي مِلْكِهِ بِالْمِيرَاثِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَنْ كَفَّارَتِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ بِصُنْعِهِ إنْ نَوَى عَنْ كَفَّارَتِهِ وَقْتَ وُجُودِ الصُّنْعِ يُجْزِيهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُجْزِيهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ يَعْتِقُ وَلَا يَجُوزُ إذَا نَوَى عَنْ كَفَّارَتِهِ وَقْتَ دُخُولِ الدَّارِ إلَّا إذَا نَوَى عَنْ كَفَّارَتِهِ وَقْتَ الْيَمِينِ فَحِينَئِذٍ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ عِتْقَهُ مُسْتَحَقٌّ بِسَبَبٍ سَابِقٍ وَهُوَ الْقَرَابَةُ فَلَا يُجْزِي عَنْ الْكَفَّارَةِ كَمَا إذَا اشْتَرَى الْمَحْلُوفُ بِعِتْقِهِ نَاوِيًا عَنْ الْكَفَّارَةِ

وَلَنَا أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي الْآيَةِ هُوَ التَّحْرِيرُ وَقَدْ حَصَلَ فَيُجْزِئُ عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ» أَيْ بِالشِّرَاءِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ أَطْعِمْهُ فَأَشْبِعْهُ. اهـ.

ص: 8

حَزَّ رَقَبَتَهُ بِالسَّيْفِ لِأَنَّ فِعْلَهُ، وَهُوَ الرَّمْيُ أَدَّى إلَى النُّفُوذِ وَالْمُضِيِّ فِي الْهَوَاءِ، وَأَوْجَبَ الْمُضِيُّ الْوُقُوعَ عَلَيْهِ، وَأَفْضَى ذَلِكَ إلَى الْحَرَجِ، وَهُوَ سَبَبُ الْمَوْتِ فَيُضَافُ الْكُلُّ إلَيْهِ بِالتَّسَيُّبِ فَيَكُونُ الرَّامِي قَاتِلًا لَهُ بِهَذِهِ الْوَسَائِطِ فَكَذَا الشِّرَاءُ أَوْجَبَ الْمِلْكَ، وَالْمِلْكُ أَوْجَبَ الْعِتْقَ فَكَانَ الْمُشْتَرِي مُعْتِقًا بِوَاسِطَةِ الْمِلْكِ

وَالْمِلْكُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلْعِتْقِ لِأَنَّ الشَّرْطَ مَا لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْإِيجَابِ، وَالْعِتْقَ فِيهِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْمِلْكِ وَالْقَرَابَةِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَثَرٌ فِيهِ فَجُعِلَا عِلَّةً ذَاتَ وَجْهَيْنِ ثُمَّ إنْ وُجِدَا مَعًا أُضِيفَ الْحُكْمُ إلَيْهِمَا، وَإِنْ تَعَاقَبَا كَانَ الْأَخِيرُ هُوَ الْعِلَّةُ أَيُّهُمَا كَانَ، وَلِهَذَا إذَا اشْتَرَى نِصْفَ ابْنِهِ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ ضَمِنَ لِلْآخَرِ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَالضَّمَانُ الَّذِي يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ، وَالْإِعْسَارِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْإِعْتَاقِ وَلَوْ تَأَخَّرَ السَّبَبُ بِأَنْ ادَّعَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَسَبَ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا يَضْمَنُ الْمُدَّعِي نَصِيبَ شَرِيكِهِ، وَهَذَا آيَةُ الْعِلِّيَّةِ بِخِلَافِ آخِرِ الشَّاهِدَيْنِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُوجِبُ شَيْئًا بِدُونِ الْقَضَاءِ، وَالْقَضَاءَ بِهِمَا جَمِيعًا فَلَا يُحَالُ التَّلَفُ إلَى الثَّانِي مِنْهُمَا يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْعِتْقَ صِلَةٌ، وَلِلْمِلْكِ تَأْثِيرٌ فِي إيجَابِ الصِّلَاتِ كَإِيجَابِ الزَّكَاةِ، وَلِلْقَرَابَةِ أَيْضًا تَأْثِيرٌ فِي إيجَابِ الصِّلَاتِ فَصَارَا عِلَّةً وَاحِدَةً فَيُضَافُ إلَيْهِمَا عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا وُجُودًا، وَلَا يُضَافُ إلَى الْأَخِيرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِ الْغَيْرِ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ يَنْوِي بِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الشِّرَاءَ هُنَا شَرْطٌ مَحْضٌ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي إيجَابِ الْحُرِّيَّةِ فَقِرَانُ النِّيَّةِ بِهِ لَا يُفِيدُ حَتَّى لَوْ اقْتَرَنَتْ بِالْيَمِينِ بِأَنْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ عَنْ كَفَّارَةِ ظِهَارِي أَجْزَأَهُ لِاقْتِرَانِ النِّيَّةِ بِالْعِلَّةِ وَهِيَ الْيَمِينُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ ذَلِكَ لِأَمَةٍ قَدْ اسْتَوْلَدَهَا بِالنِّكَاحِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا حَيْثُ لَا تُجْزِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ

وَإِنْ اقْتَرَنَتْ نِيَّتُهُ بِالْعِلَّةِ لِأَنَّ عِتْقَهَا مُسْتَحَقٌّ بِالِاسْتِيلَادِ السَّابِقِ فَأُضِيفَ الْعِتْقُ إلَى الْيَمِينِ مِنْ وَجْهٍ لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَعْتَقَ أُمَّ الْوَلَدِ، وَقَوْلُهُمْ إنَّ الْعِتْقَ مُسْتَحَقٌّ بِالْقَرَابَةِ فَاسِدٌ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ تَمَامِ الْعِلَّةِ، وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِمْ فِيهِ صَرَفَ مَنْفَعَةَ الْكَفَّارَةِ إلَى أَبِيهِ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ صَرْفُهَا إلَى عَبْدِهِ كَانَ أَوْلَى أَنْ يَجُوزَ إلَى قَرِيبِهِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ وَهَبَ لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ، وَهُوَ يَنْوِي عَنْ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ الْمِلْكَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَحْصُلُ بِصُنْعِهِ، وَهُوَ الْقَبُولُ بِخِلَافِ مَا إذَا وَرِثَهُ، وَهُوَ يَنْوِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ حَيْثُ لَا يُجْزِيهِ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ صُنْعِهِ فِي الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ هُوَ التَّحْرِيرُ، وَهُوَ جَعْلُ الرَّقَبَةِ حُرًّا، وَأَمَّا إذَا حَرَّرَ نِصْفَ عَبْدِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ ثُمَّ حَرَّرَ بَاقِيهِ عَنْهَا فَلِأَنَّهُ أَعْتَقَ رَقَبَةً كَامِلَةً بِكَلَامَيْنِ فَحَصَلَ الْمَقْصُودُ بِهِ

وَهَذَا جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ، وَفِي الْقِيَاسِ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّهُ بِعِتْقِ النِّصْفِ تَمَكَّنَ النُّقْصَانُ فِي الْبَاقِي فَصَارَ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ ثُمَّ ضَمِنَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذَا النُّقْصَانَ مِنْ آثَارِ الْعِتْقِ الْأَوَّلِ بِسَبَبِ الْكَفَّارَةِ فِي مِلْكِهِ، وَمِثْلُهُ غَيْرُ مَانِعٍ كَمَنْ أَضْجَعَ شَاةً لِلتَّضْحِيَةِ فَأَصَابَ السِّكِّينُ عَيْنَهَا فَذَهَبَتْ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْقِيَاسُ، وَالِاسْتِحْسَانُ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا، وَلِهَذَا لَوْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ، وَلَمْ يَعْتِقْ الْبَاقِي جَازَ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ يُعْتَقُ كُلَّهُ.

قَالَ رحمه الله (وَإِنْ حَرَّرَ نِصْفَ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ، وَضَمِنَ بَاقِيهِ أَوْ حَرَّرَ نِصْفَ عَبْدِهِ ثُمَّ وَطِئَ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ حَرَّرَ بَاقِيهِ لَا) أَيْ لَا يُجْزِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَأَمَّا فِي الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَقَالَا يُجْزِيهِ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا فَبِعِتْقِ جُزْءٍ مِنْهُ عَتَقَ كُلُّهُ فَصَارَ مُعْتَقًا لِكُلِّ الْعَبْدِ، وَهُوَ مِلْكُهُ إلَّا أَنَّ الْمُعْتَقَ إذَا كَانَ مُوسِرًا ضَمِنَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ فَيَكُونُ عِتْقًا بِغَيْرِ عِوَضٍ فَيُجْزِيهِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا سَعَى الْعَبْدُ فَيَكُونُ عِتْقًا بِعِوَضٍ فَلَا يُجْزِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَلَهُ أَنَّ النُّقْصَانَ تَمَكَّنَ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ لِتَعَذُّرِ اسْتِدَامَةِ الرِّقِّ فِيهِ، وَهَذَا النُّقْصَانُ حَصَلَ فِي مِلْكِ شَرِيكِهِ ثُمَّ انْتَقَلَ إلَيْهِ بِالضَّمَانِ نَاقِصًا فَلَا يُجْزِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ ثُمَّ بَاقِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ ذَلِكَ النُّقْصَانَ كَذَهَابِ الْبَعْضِ بِسَبَبِ الْعِتْقِ فَجُعِلَ مِنْ الْأَدَاءِ، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ هُنَا لِأَنَّهُ لَا أَدَاءَ قَبْلَ الْمِلْكِ فَوَضَحَ الْفَرْقُ، وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْإِعْتَاقِ فَحَصَلَ النُّقْصَانُ فِي مِلْكِهِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ لِأَنَّا نَقُولُ الِاسْتِنَادُ فِي الْمَضْمُونَاتِ يَثْبُتُ فِي حَقِّ الضَّامِنِ وَالْمَضْمُونِ لَا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا فَلَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْإِجْزَاءِ عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَأَمَّا إذَا أَعْتَقَ النِّصْفَ ثُمَّ جَامَعَهَا ثُمَّ أَعْتَقَ النِّصْفَ الْبَاقِيَ فَلِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ الْعِتْقُ قَبْلَ الْمَسِيسِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 9

فَلَمْ يُوجَدْ لِأَنَّ النِّصْفَ وَقَعَ بَعْدَ الْمَسِيسِ، وَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ مَانِعًا لَمَا جَازَ لَهُ أَنْ يَعْتِقَ رَقَبَةً أُخْرَى بَعْدَهُ لِأَنَّا نَقُولُ النَّصُّ يَقْتَضِي تَقْدِيمَ الْعِتْقِ عَلَى الْمَسِيسِ، وَمَنْعَ التَّفْرِقَةِ بِالْجِمَاعِ بَيْنَ النِّصْفَيْنِ فَمَا تَعَذَّرَ مِنْهُمَا سَقَطَ، وَهُوَ التَّقْدِيمُ، وَمَا أَمْكَنَ تَدَارُكُهُ وَجَبَ عَمَلًا بِالنَّصِّ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِعْتَاقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يُجْزِيهِ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا فَإِعْتَاقُ النِّصْفِ إعْتَاقٌ لِلْكُلِّ فَكَانَ إعْتَاقُ الرَّقَبَةِ قَبْلَ الْمَسِيسِ.

قَالَ رحمه الله (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَعْتِقُ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَيْسَ فِيهِمَا رَمَضَانُ، وَأَيَّامٌ مَنْهِيَّةٌ) وَهِيَ يَوْمُ الْفِطْرِ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ لِأَنَّ التَّتَابُعَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، وَشَهْرَ رَمَضَانَ لَمْ يُشَرَّعْ فِيهِ صَوْمٌ آخَرُ غَيْرُهُ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ الصَّحِيحِ، وَالصَّوْمُ فِي الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الْكَامِلُ، وَيَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ بِدُخُولِ هَذِهِ الْأَيَّامِ لِأَنَّهُ يَجِدُ شَهْرَيْنِ مُتَوَالِيَيْنِ خَالِيَيْنِ عَنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ فِي صَوْمِ كَفَّارَةِ الْإِفْطَارِ أَوْ الْقَتْلِ حَيْثُ لَا يَنْقَطِعُ بِهِ التَّرْتِيبُ لِأَنَّهَا لَا تَجِدُ بُدًّا مِنْهُ فِي شَهْرَيْنِ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالنِّفَاسِ وَالْمَرَضِ حَيْثُ يُسْتَقْبَلُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ وُجُودُ شَهْرَيْنِ خَالِيَيْنِ عَنْ النِّفَاسِ وَالْمَرَضِ، وَمُدَّةُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ قَلِيلَةٌ فَيُمْكِنُهَا أَنْ تَصُومَ مُرَتَّبًا مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ، وَعَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ الصَّوْمُ الْمَنْذُورُ بِشَرْطِ التَّتَابُعِ ثُمَّ إنْ صَامَ شَهْرَيْنِ بِالْأَهِلَّةِ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ كَانَا نَاقِصَيْنِ، وَإِلَّا فَلَا يُجْزِيهِ إلَّا الْكَامِلُ.

قَالَ رحمه الله (وَإِنْ وَطِئَ فِيهِمَا لَيْلًا أَوْ يَوْمًا نَاسِيًا أَوْ أَفْطَرَ اسْتَأْنَفَ الصَّوْمَ) لِأَنَّهُ بِالْإِفْطَارِ فَاتَ التَّرْتِيبُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ، وَبِالْوَطْءِ قَبْلَ التَّكْفِيرِ يَفُوتُ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَسْتَأْنِفُ إلَّا بِالْإِفْطَارِ لِأَنَّ الْوَطْءَ الْمَذْكُورَ لَا يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ كَمَا لَوْ جَامَعَ غَيْرَهَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَكَانَ التَّرْتِيبُ بَاقِيًا عَلَى حَالِهِ، وَلِأَنَّ فِي الِاسْتِئْنَافِ تَأْخِيرَ الْكُلِّ عَنْ الْمَسِيسِ، وَفِي الْمُضِيِّ تَأْخِيرَ الْبَعْضِ فَكَانَ أَوْلَى، وَلِهَذَا لَوْ جَامَعَهَا فِي خِلَالِ الْإِطْعَامِ لَا يَسْتَأْنِفُ، وَلَهُمَا أَنَّ النَّصَّ يَقْتَضِي تَقْدِيمَ الصَّوْمِ عَلَى الْوَطْءِ، وَأَنْ يَكُونَ الصَّوْمُ خَالِيًا عَنْ الْوَطْءِ فَإِذَا فَاتَ التَّقْدِيمُ، وَسَقَطَ لِتَعَذُّرِهِ وَجَبَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْآخَرِ، وَهُوَ الْإِخْلَاءُ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ أَحَدِهِمَا لَا يُوجِبُ سُقُوطَهُمَا بِخِلَافِ الْإِطْعَامِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِالتَّقْدِيمِ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ، وَقَوْلُهُ يَوْمًا، وَلَمْ يَقُلْ نَهَارًا لِيَدْخُلَ فِيهِ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ.

قَالَ رحمه الله (وَلَمْ يُجْزِ لِلْعَبْدِ إلَّا الصَّوْمُ، وَإِنْ أَطْعَمَ أَوْ أَعْتَقَ عَنْهُ سَيِّدُهُ) لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ، وَالتَّكْفِيرَ بِالْمَالِ لَا يَكُونُ بِدُونِهِ، وَلَا هُوَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ فَلَا يَصِيرُ مَالِكًا بِتَمْلِيكِهِ، وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ الْعِتْقُ لَهُ فِي ضِمْنِ تَمْلِيكِهِ اقْتِضَاءً لِأَنَّا نَقُولُ الْحُرِّيَّةُ أَصْلُ الْأَهْلِيَّةِ فَلَا يَثْبُتُ اقْتِضَاءً لِأَنَّ مَا يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ يَكُونُ تَبَعًا، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِي الْأَصْلِ، وَصَوْمُهُ مُقَدَّرٌ بِشَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ كَالْحُرِّ، وَعَنْ النَّخَعِيّ شَهْرٌ وَاحِدٌ اعْتِبَارًا بِالْعُقُوبَةِ لِأَنَّهُ شُرِّعَ زَاجِرًا كَالْحُدُودِ، وَنَحْنُ نَقُولُ جَانِبُ الْعَادَةِ أَرْجَحُ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَمْ تُشَرَّعْ فِي حَقِّ الْكَافِرِ، وَيُشْتَرَطُ فِيهَا النِّيَّةُ، وَتَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ، وَلَا تَنْصِيفَ فِي الْعِبَادَةِ، وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ التَّكْفِيرِ بِالصَّوْمِ بِخِلَافِ النَّذْرِ، وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ لِأَنَّ النَّذْرَ بِالْتِزَامِهِ فَكَانَ نَفْلًا فِي حَقِّهِ، وَكَفَّارَةَ الْيَمِينِ لَيْسَ بِمُضْطَرٍّ إلَيْهَا فَلَا يَضُرُّهُ التَّأْخِيرُ.

وَلَوْ صَامَ الْحُرُّ شَهْرَيْنِ فَقَدَرَ عَلَى الْإِعْتَاقِ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِعْتَاقُ، وَكَانَ صَوْمُهُ تَطَوُّعًا، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُتِمَّ صَوْمَ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ، وَإِنْ أَفْطَرَ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ خِلَافًا لِزُفَرَ.

وَلَا يَجُوزُ الصَّوْمُ لِمَنْ لَهُ خَادِمٌ وَاحِدٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِالْمَاءِ الْمُعَدِّ لِعَطَشِهِ حَيْثُ يَجُوزُ التَّمِيمُ، وَلَنَا أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَاءَ مَأْمُورٌ بِإِمْسَاكِهِ، وَاسْتِعْمَالَهُ مَحْظُورٌ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِخِلَافِ الْخَادِمِ.

قَالَ رحمه الله فَإِنْ (لَمْ يَسْتَطِعْ الصَّوْمَ أَطْعَمَ سِتِّينَ فَقِيرًا كَالْفِطْرَةِ أَوْ قِيمَتِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] وَقَوْلُهُ كَالْفِطْرَةِ يَعْنِي فِي قَدْرِ الْوَاجِبِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ لِقَوْلِهِ «عليه الصلاة والسلام لِسَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ الْبَيَاضِيُّ أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا وُسْقًا مِنْ تَمْرٍ بَيْنَ سِتِّينَ مِسْكِينًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ «، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام لِأَوْسٍ فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا وُسْقًا مِنْ تَمْرٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد أَيْضًا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ وُسْقًا مِنْ تَمْرٍ، وَرَوَى الْأَثْرَمُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَيْسَ فِيهِمَا رَمَضَانُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله أَمَّا عَدَمُ إجْزَاءِ صَوْمِ رَمَضَانَ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَلِأَنَّ الصَّوْمَ الْوَاقِعَ فِيهِ وَقَعَ عَنْ فَرْضِ رَمَضَانَ فَلَا يَقَعُ عَنْ فَرْضٍ آخَرَ إلَّا إذَا كَانَ مُسَافِرًا فَصَامَ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ أَجْزَأَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا لِمَا عُرِفَ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ جَازَ صَوْمُ رَمَضَانَ عَنْهُ وَعَنْ صَوْمِ الِاعْتِكَافِ إذَا أَنْذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ فِيهِ فَصَامَهُ مُعْتَكِفًا قُلْتُ الصَّوْمُ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ شَرْطُ الِاعْتِكَافِ فَيُشْتَرَطُ وُجُودُ الشَّرْطِ كَيْفَ كَانَ لَا قَصْدًا بِخِلَافِ الصَّوْمِ فِي الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهُ فَرْضٌ مَقْصُودٌ يُعْتَبَرُ وُجُودُهُ قَصْدًا وَأَمَّا الْأَيَّامُ الْمَذْكُورَةُ فَصَوْمُهَا نَاقِصٌ بِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِهَا وَالْوَاجِبُ بِالْكَفَّارَةِ صَوْمٌ كَامِلٌ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهِ بِالنَّاقِصِ قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا لِعُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ الصِّيَامَ وَكَذَا لَوْ جَاءَ يَوْمُ الْفِطْرِ أَوْ يَوْمُ النَّحْرِ أَوْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ الصَّوْمَ وَلَوْ صَامَ هَذِهِ الْأَيَّامَ وَلَمْ يُفْطِرْ فَكَذَلِكَ أَيْضًا يَسْتَقْبِلُ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَمْ يَجُزْ لِلْعَبْدِ إلَّا الصَّوْمُ إلَخْ) وَكَذَا السَّفِيهُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا إذَا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالصَّوْمِ ذَكَرَهُ ابْنُ فِرِشْتَا فِي كِتَابِ الْحِجْرِ مِنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ النَّذْرِ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ) أَيْ فَإِنَّ لِلْمَوْلَى مَنْعَهُ عَنْهُ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ الصَّوْمُ لِمَنْ لَهُ خَادِمٌ وَاحِدٌ) بِخِلَافِ الْمِسْكِينِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْخَادِمِ) كَذَا ذَكَرَهُ الرَّازِيّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ الْمَسْكَنَ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ لِبَاسِ أَهْلِهِ بِخِلَافِ الْخَادِمِ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَقَالَ عليه الصلاة والسلام لِأَوْسٍ) وَأَوْسٌ هَذَا هُوَ ابْنُ الصَّامِتِ أَخُو عُبَادَةَ اهـ

ص: 10

بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُمَرَ قَالَ أَطْعِمْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ ذَكَرَهُ فِي الْمُعَلَّى وَقِيمَتُهُ تَقُومُ مَقَامَهُ عِنْدَنَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي الزَّكَاةِ، وَلِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ دَفْعُ حَاجَةِ الْيَوْمِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ فَيَكُونُ نَظِيرَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَإِنْ أَعْطَى مَنًّا مِنْ بُرٍّ وَمَنْوَيْنِ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ لِأَنَّ الْمَنَّ رِطْلَانِ فَوُجِدَ نِصْفُ الْوَاجِبِ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ فَتَنْدَفِعُ بِهِ حَاجَةُ الْمِسْكِينِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالْإِطْعَامِ

وَإِنَّمَا جَازَ تَكْمِيلُ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ بِالْآخَرِ لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ، وَهُوَ الْإِطْعَامُ فَصَارَا جِنْسًا وَاحِدًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَجَازَ التَّكْمِيلُ بِالْآخَرِ، وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِالْقِيمَةِ حَتَّى لَوْ أَدَّى أَقَلَّ مِنْ صَاعٍ مِنْ التَّمْرِ يُسَاوِي نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَا تُعْتَبَرُ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَدَّى نِصْفَ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ جَيِّدٍ يُسَاوِي صَاعًا مِنْ الْوَسَطِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَا يَرُدُّ عَلَى هَذَا مَا لَوْ أَطْعَمَ خَمْسَةً، وَكَسَا خَمْسَةً فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ حَيْثُ تَجُوزُ الْكِسْوَةُ عَنْ الْإِطْعَامِ بِالْقِيمَةِ، وَالْكِسْوَةُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا، وَحَيْثُ لَا يَجُوزُ تَكْمِيلُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ إجْزَاءً، وَلَا مَا لَوْ أَعْتَقَ نِصْفَ رَقَبَةٍ، وَصَامَ شَهْرًا حَيْثُ لَا يَجُوزُ تَكْمِيلُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ لِأَنَّ شَرْطَ مَنْعِ اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، وَشَرْطَ جَوَازِ التَّكْمِيلِ اتِّحَادُ الْجِنْسِ فَلَمْ يُوجَدْ لِأَنَّ الْكِسْوَةَ غَيْرُ الْإِطْعَامِ، وَالْإِعْتَاقَ غَيْرُ الصِّيَامِ فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ مَنْعِ جَوَازِ الْقِيمَةِ فِي الْأُولَى، وَلَا عِلَّةُ جَوَازِ التَّكْمِيلِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ، وَلِأَنَّ الصَّوْمَ يَدُلُّ عَنْ الْعِتْقِ فَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا

وَفِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ فَقَضِيَّتُهُ أَنْ يَتَنَاوَلَ أَحَدَهُمَا كُلَّهُ فَإِذَا أَتَى بِبَعْضِ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَأَرَادَ تَكْمِيلَهُ بِبَعْضِ الْآخَرِ لَا يُجْزِيهِ لِعَدَمِ الِامْتِثَالِ لِأَنَّ مَنْ خُيِّرَ بَيْنَ أَشْيَاءَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ بَعْضَ كُلٍّ مِنْهَا، وَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ، وَهُوَ خِلَافُ النَّصِّ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ اشْتِرَاطِ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فِي التَّكْمِيلِ أَنْ يَجُوزَ عِتْقُ نِصْفِ رَقَبَتَيْنِ مُشْتَرَكَتَيْنِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ الرَّقَبَةُ، وَنِصْفُ الرَّقَبَتَيْنِ لَيْسَ بِرَقَبَةٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَكَا فِي أُضْحِيَّةِ شَاتَيْنِ حَيْثُ يَجُوزُ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْأُضْحِيَّةِ، وَلَا يَرُدُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا جَزَاءُ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ فِيهِ بَيْنَ الصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ وَالْهَدْيِ وَهِيَ مُخْتَلِفَةٌ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا لَيْسَ بِتَكْمِيلٍ لِأَنَّ التَّكْمِيلَ يَكُونُ فِي الْمَحْظُورِ بَلْ هُوَ عَمَلٌ بِمُوجِبِ النَّصِّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ كَأَنْ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ ثُمَّ هُوَ مُخَيَّرٌ فِيهَا

وَفِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا إنْ شَاءَ جَعَلَهُ صَوْمًا أَوْ غَيْرَهُ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَحَدُهَا غَيْرَ عَيْنٍ فَلَا يُجْمَعُ وَلَوْ فَرَّقَ عَلَى كُلِّ مِسْكِينٍ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الصَّاعِ مِنْ الْبُرِّ أَوْ أَقَلَّ مِنْ صَاعٍ مِنْ الشَّعِيرِ بِأَنْ أَعْطَى الْقَدْرَ الْوَاجِبَ لِمِسْكِينَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لَا يُجْزِيهِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ عَلَى مِسْكِينَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَدَدَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْكَفَّارَةِ كَمَا نَصَّ عَلَى قَدْرِ الْوَاجِبِ فَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْوَاجِبِ، وَأَمَّا صَدَقَةُ الْفِطْرِ فَالْعَدَدُ فِيهَا مَسْكُوتٌ عَنْهُ فَلَهُ أَنْ يُفَرِّقَ الْقَدْرَ عَلَى أَيِّ عَدَدٍ شَاءَ، وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُعْطِيَ مِسْكِينًا وَاحِدًا لِيَتَحَقَّقَ الْإِغْنَاءُ لِأَنَّ مَا دُونَ نِصْفِ صَاعٍ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِغْنَاءُ.

قَالَ رحمه الله (فَلَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ عَنْ ظِهَارِهِ فَفَعَلَ أَجْزَأَهُ) لِأَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ التَّمْلِيكَ مَعْنًى، وَالْفَقِيرُ قَابِضٌ لَهُ أَوَّلًا ثُمَّ لِنَفْسِهِ فَيَتَحَقَّقُ تَمَلُّكُهُ ثُمَّ تَمْلِيكُهُ كَمَا لَوْ وَهَبَ الدَّيْنَ مَنْ غَيْرُ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَأَمَرَهُ بِقَبْضِهِ يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَابِضًا لِلْآمِرِ ثُمَّ يَجْعَلُهُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لَيْسَ لِلْمَأْمُورِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْآمِرِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْهِبَةَ وَالْقَرْضَ فَلَا يَرْجِعُ بِالشَّكِّ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرْجِعُ، وَيُجْعَلُ قَرْضًا لِأَنَّهُ أَدْنَاهُمَا ضَرَرًا.

قَالَ رحمه الله (وَتَصِحُّ الْإِبَاحَةُ فِي الْكَفَّارَاتِ وَالْفِدْيَةِ دُونَ الصَّدَقَاتِ، وَالْعُشْرِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ فِي الْكَفَّارَاتِ وَالْفِدْيَةِ أَيْضًا إلَّا التَّمْلِيكُ لِأَنَّهُ أَدْفَعُ لِلْحَاجَةِ وَالْإِطْعَامِ يُذْكَرُ لِلتَّمَلُّكِ عُرْفًا يُقَالُ أَطْعَمْتُك هَذَا الطَّعَامَ أَيْ مَلَّكْتُكَهُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ أَوْ هُوَ مُرَادٌ بِالْإِجْمَاعِ فَانْتَفَى الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا لِأَنَّ فِيهِ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ أَوْ الْعُمُومَ فِي الْمُشْتَرَكِ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَلِأَنَّهَا صَدَقَةٌ وَاجِبَةٌ فَيَكُونُ مِنْ شَرْطِهَا التَّمْلِيكُ كَالزَّكَاةِ، وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ وَالْكِسْوَةُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَلَنَا أَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فِي الْكَفَّارَةِ وَالْفِدْيَةِ الْإِطْعَامُ، وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي التَّمْكِينِ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ جَعْلِ الْغَيْرِ طَاعِمًا، وَذَلِكَ بِالْإِبَاحَةِ، وَإِنَّمَا جَازَ التَّمْلِيكُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ، وَالْعَمَلُ بِهَا لَا يَمْنَعُ الْعَمَلَ بِالْحَقِيقَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ ضَرْبَ الْوَالِدَيْنِ، وَشَتْمَهُمَا يَحْرُمُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ فِي قَوْله تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] مَعَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَأَمَّا صَدَقَةُ الْفِطْرِ إلَخْ) ذَكَرَ الشَّارِحُ رحمه الله فِي بَابِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ أَنَّهُ يَجِبُ دَفْعُ صَدَقَةِ فِطْرِ كُلِّ شَخْصٍ إلَى مِسْكِينٍ حَتَّى لَوْ فَرَّقَهُ عَلَى مِسْكِينَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ هُوَ الْإِغْنَاءُ وَلَا يُسْتَغْنَى بِمَا دُونَ ذَلِكَ وَجَوَّزَ الْكَرْخِيُّ تَفْرِيقَ صَدَقَةِ شَخْصٍ وَاحِدٍ عَلَى مَسَاكِينَ لِأَنَّ الْإِغْنَاءَ يَحْصُلُ بِالْمَجْمُوعِ. اهـ. (قَوْلُهُ مَسْكُوتٌ عَنْهُ) وَالْمُعْتَبَرُ فِيهَا الْمِقْدَارُ دُونَ الْعَدَدِ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَلَوْ أَمَرَ) أَيْ الْمُظَاهِرُ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَإِنَّمَا جَازَ التَّمْلِيكُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ إلَخْ) وَوَجْهُهُ أَنَّ التَّمْلِيكَ يَصْلُحُ لِقَضَاءِ الْحَوَائِجِ وَالْأَكْلَ جُزْءٌ مِنْهَا فَإِذَا جَازَ بِجُزْءٍ فَالْكُلُّ أَوْلَى اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ

ص: 11

بَقَاءِ الْأَصْلِ مُرَادًا، وَهُوَ التَّأْفِيفُ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فِيهَا الْإِيتَاءُ، وَالْأَدَاءُ وَالْكِسْوَةُ وَهِيَ تَقْتَضِي التَّمْلِيكَ.

قَالَ رحمه الله (وَالشَّرْطُ غَدَاءَانِ أَوْ عَشَاءَانِ مُشْبِعَانِ أَوْ غَدَاءٌ وَعَشَاءٌ) لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ دَفْعُ حَاجَةِ الْيَوْمِ، وَذَلِكَ بِالْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ عَادَةً، وَيَقُومُ قَدْرُهُمَا مَقَامَهُمَا فَكَانَ الْمُعْتَبَرُ أَكْلَتَيْنِ، وَالسُّحُورُ كَالْغَدَاءِ وَلَوْ غَدَّى سِتِّينَ، وَعَشَّى سِتِّينَ غَيْرَهُمْ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يُعِيدَ عَلَى أَحَدِ السِّتِّينَيْنِ مِنْهُمْ غَدَاءً أَوْ عَشَاءً، وَلَا بُدَّ مِنْ الْإِدَامِ فِي خُبْزِ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ لِيُمَكِّنَهُ الِاسْتِيفَاءَ إلَى الشِّبَعِ بِخِلَافِ خُبْزِ الْبُرِّ فَإِذَا شَبِعُوا أَجْزَأَهُ قَلِيلًا أَكَلُوا أَوْ كَثِيرًا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَلَوْ كَانَ فِيمَنْ أَطْعَمَهُمْ صَبِيٌّ فَطِيمٌ لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْفِي كَامِلًا، وَكَذَا لَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ شَبْعَانَ قَبْلَ الْأَكْلِ.

قَالَ رحمه الله (وَإِنْ أَعْطَى فَقِيرًا شَهْرَيْنِ صَحَّ) أَيْ لَوْ أَطْعَمَ فَقِيرًا وَاحِدًا سِتِّينَ يَوْمًا أَجْزَأَهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله لَا يُجْزِيهِ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ عَلَى السِّتِّينَ وَاجِبٌ بِالنَّضِّ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِالتَّعْلِيلِ، وَلَنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ سَدّ خُلَّةِ الْمُحْتَاجِ، وَالْحَاجَةَ تَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الْأَيَّامِ فَكَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي كَمِسْكِينٍ آخَرَ لِتَجَدُّدِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ قَالَ رحمه الله (وَلَوْ فِي يَوْمٍ لَا إلَّا عَنْ يَوْمِهِ) أَيْ لَوْ أَعْطَى مِسْكِينًا وَاحِدًا كُلَّهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ لَا يُجْزِيهِ إلَّا عَنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ، وَهَذَا فِي الْإِعْطَاءِ بِدُفْعَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ إبَاحَةٍ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ التَّفْرِيقُ بِالنَّصِّ، وَلَمْ يُوجَدْ كَالْحَاجِّ إذَا رَمَى الْجَمْرَةَ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ بِدُفْعَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يُجْزِيهِ إلَّا عَنْ وَاحِدَةٍ، وَأَمَّا إذَا مَلَكَهُ بِدَفَعَاتٍ فَقَدْ قِيلَ يُجْزِيهِ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ أُقِيمَ مَقَامَ حَقِيقَةِ الْإِطْعَامِ، وَالْحَاجَةَ بِطَرِيقِ التَّمْلِيكِ لَيْسَ لَهَا نِهَايَةٌ فَكَانَ الْمَدْفُوعُ هَالِكًا، وَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ مُضِيِّ زَمَانٍ تَتَجَدَّدُ فِيهِ حَاجَةُ الْأَكْلِ مَعَ تَحَقُّقِ الْحَاجَاتِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَسَا رَجُلًا عَشَرَةَ أَيَّامٍ كُلَّ يَوْمٍ ثَوْبًا جَازَ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ مُضِيُّ زَمَانٍ تَتَجَدَّدُ فِيهِ الْحَاجَةُ إلَى الْكِسْوَةِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ بَعْدَمَا أَخَذَ صَارَ كَفَقِيرٍ آخَرَ، وَلِهَذَا جَازَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ عَنْ كَفَّارَةٍ أُخْرَى غَيْرَ جِنْسِ الْأُولَى كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالْقَتْلِ، وَجَازَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَلَكَهُ بِدُفْعَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ دُونَهُ، وَبِخِلَافِ الْإِبَاحَةِ لِأَنَّهُ لَا يَنْدَفِعُ بِهِ إلَّا حَاجَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ حَاجَةُ الْأَكْلِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَقِيلَ لَا يُجْزِيهِ إلَّا عَنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ سَدُّ خُلَّتِهِ، وَقَدْ انْدَفَعَتْ حَاجَتُهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَالصَّرْفُ إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ إطْعَامَ الطَّاعِمِ فَلَا يَجُوزُ كَمَا لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى الْغَنِيِّ بِخِلَافِ كَفَّارَةٍ أُخْرَى لِأَنَّ الْمُسْتَوْفَى كَالْمَعْدُومِ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهَا، وَبِخِلَافِ الثَّوْبِ لِأَنَّ تَجَدُّدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ يَخْتَلِفُ بِأَحْوَالِ النَّاسِ فَلَا يُمْكِنُ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِعَيْنِهَا لِتَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَيْهَا فَأُقِيمَ مُضِيُّ الزَّمَانِ مَقَامَهَا لِأَنَّهَا بِهِ تَتَجَدَّدُ، وَأَدْنَى ذَلِكَ يَوْمٌ لِجِنْسِ الْحَاجَةِ، وَمَا دُونَهُ سَاعَاتٌ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهَا.

قَالَ رحمه الله (وَلَا يَسْتَأْنِفُ بِوَطْئِهَا فِي خِلَالِ الْإِطْعَامِ) لِأَنَّ النَّصَّ فِي الْإِطْعَامِ مُطْلَقٌ غَيْرُ مُقَيِّدٍ بِمَا قَبْلَ الْمَسِيسِ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ، وَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى النَّصِّ الْمُقَيِّدِ فِي الْإِعْتَاقِ، وَالصَّوْمُ بِالْقِيَاسِ، وَلَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ «قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام لِلَّذِي وَاقَعَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ التَّكْفِيرِ اسْتَغْفِرْ اللَّهَ تَعَالَى، وَلَا تَعُدْ حَتَّى تُكَفِّرَ» لِأَنَّ التَّقْيِيدَ نَسْخٌ فَلَا يَجُوزُ بِمِثْلِهِ، وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ الْوَطْءِ قَبْلَهُ لِجَوَازِ أَنْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَهُوَ التَّأْفِيفُ) كَذَا هَذَا فَلَا نَصَّ عَلَى دَفْعِ حَاجَةِ الْأَكْلِ فَالتَّمْلِيكُ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِدَفْعِ الْحَاجَاتِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا الْأَكْلُ أَجْوَزُ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ دَافِعٌ لِحَاجَةِ الْأَكْلِ وَغَيْرِهِ. اهـ. كَمَالٌ

(قَوْلُهُ فَكَانَ الْمُعْتَبَرُ أَكْلَتَيْنِ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله الْمُعْتَبَرُ أَكْلَتَانِ مُشْبِعَتَانِ بِخُبْزٍ غَيْرِ مَأْدُومٍ إنْ كَانَ خُبْزَ بُرٍّ فِي سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْإِفْطَارِ وَالْيَمِينِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَالْفِدْيَةِ سَوَاءٌ كَانَتَا غَدَاءً وَعَشَاءً أَوْ غَدَاءَيْنِ أَوْ عَشَاءَيْنِ بَعْدَ اتِّحَادِ السِّتِّينَ فَلَوْ غَدَّى سِتِّينَ وَعَشَّى آخَرِينَ لَمْ يَجُزْ، وَالْمُعْتَبَرُ الْإِشْبَاعُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لَوْ قَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ عَشَرَةٍ أَرْبَعَةَ أَرْغِفَةٍ أَوْ ثَلَاثَةً فَشَبِعُوا أَجْزَأَهُ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ إلَّا صَاعًا أَوْ نِصْفَ صَاعٍ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ شَبْعَانَ اخْتَلَفُوا قَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ لِأَنَّهُ وَجَدَ إطْعَامَ عَشَرَةٍ وَقَدْ شَبِعُوا وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ إشْبَاعُهُمْ وَهُوَ لَمْ يُشْبِعْهُمْ بَلْ أَشْبَعَ التِّسْعَةَ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ أَكْلَتَانِ مَا نَصَّهُ كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُجْزِيهِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ لَا يُجْزِيهِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى سِتِّينَ مِسْكِينًا وَبِتَكْرِيرِ الْحَاجَةِ فِي مِسْكِينٍ وَاحِدٍ لَا يَصِيرُ هُوَ سِتِّينَ فَكَانَ التَّعْلِيلُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ سَدُّ خُلَّةِ الْمُحْتَاجِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ مُبْطِلًا لِمُقْتَضَى النَّصِّ فَلَا يَجُوزُ وَأَصْحَابُنَا أَشَدُّ مُوَافَقَةً لِهَذَا الْأَصْلِ وَلِهَذَا قَالُوا فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ عَنْ قَرِيبٍ وَهِيَ مَا إذَا مَلَكَ مِسْكِينًا وَاحِدًا وَظِيفَةُ سِتِّينَ بِدَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ وَاجِبٌ بِالنَّصِّ فَيَكُونُ الْمَدْفُوعُ كُلُّهُ عَنْ وَظِيفَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا إذَا رَمَى الْجَمَرَاتِ السَّبْعَ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ يُحْتَسَبُ عَنْ رَمْيَةٍ مَعَ أَنَّ تَفْرِيقَ الدَّفْعِ غَيْرُ مُصَرَّحٍ بِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مَدْلُولٌ الْتِزَامِيٌّ بِعَدَدِ الْمَسَاكِينِ سِتِّينَ فَالنَّصُّ عَلَى الْمُعَدَّدِ أَوْلَى لِأَنَّهُ الْمُسْتَلْزِمُ وَغَايَةُ مَا يُعْطِيهِ كَلَامُهُمْ أَنَّ بِتَكَرُّرِ الْحَاجَةِ يَتَكَرَّرُ الْمِسْكِينُ حُكْمًا فَكَانَ تَعَدُّدًا حُكْمًا وَتَمَامُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى أَنَّ سِتِّينَ مِسْكِينًا مُرَادٌ بِهِ الْأَعَمُّ مِنْ السِّتِّينَ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مَجَازٌ فَلَا مَصِيرَ إلَيْهِ إلَّا بِمُوجِبِهِ فَإِنْ قُلْت الْمَعْنَى الَّذِي بِاعْتِبَارِهِ يَصِيرُ اللَّفْظُ مَجَازًا وَيَنْدَرِجُ فِيهِ التَّعَدُّدُ الْحُكْمِيُّ مَا هُوَ

قُلْت هُوَ الْحَاجَةُ لِكَوْنِ سِتِّينَ مِسْكِينًا مَجَازًا عَنْ سِتِّينَ حَاجَةً وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْ كَوْنِهَا حَاجَاتٍ سِتِّينَ أَوْ حَاجَاتٍ وَاحِدًا إلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ إنَّمَا هُوَ عَدَدٌ مَعْدُودُهُ ذَوَاتُ الْمَسَاكِينِ مَعَ عَقْلِيَّةِ الْمُعَدِّدِ مِمَّا يَقْصِدُ لِمَا فِي تَعْمِيمِ الْجَمِيعِ مِنْ بَرَكَةِ الْجَمَاعَةِ وَشُمُولِ الْمَنْفَعَةِ وَاجْتِمَاعِ الْقُلُوبِ عَلَى الْمَحَبَّةِ وَالدُّعَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَكَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي) الَّذِي بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ فَكَانَ يَوْمُ الثَّانِي كَمِسْكِينٍ آخَرَ. اهـ. (قَوْلُهُ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالْقَتْلِ) وَكَذَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ عَنْ كَفَّارَتَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله وَقَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ

إطْعَامُ عَشْرٍ وَلِكُلٍّ تَمِّمَا

صَاعًا لِحِنْثَيْنِ يَجُوزُ عَنْهُمَا

(قَوْلُهُ وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ الْوَطْءِ قَبْلَهُ) لَا لِذَاتِ الْمَسِيسِ بَلْ إلَخْ. اهـ.

ص: 12