الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَعْصُومَةً بِإِسْلَامِهِ فَيَتْبَعُهَا مَالُهُ فِيهَا وَلَهُ أَنَّهُ مَالٌ مُبَاحٌ فَيُمْلَكُ بِالِاسْتِيلَاءِ وَالنَّفْسُ لَمْ تَصِرْ مَعْصُومَةً بِالْإِسْلَامِ بَلْ هُوَ مُحَرَّمُ التَّعَرُّضِ فِي الْأَصْلِ لِكَوْنِهِ مُكَلَّفًا وَلِهَذَا لَمْ تَصِرْ مُتَقَوِّمَةً بِالْإِسْلَامِ وَإِبَاحَةُ التَّعَرُّضِ كَانَ لِدَفْعِ شَرِّهِ وَقَدْ انْدَفَعَ بِالْإِسْلَامِ وَلِهَذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ بِخِلَافِ الْمَالِ لِأَنَّهُ خُلِقَ عُرْضَةً لِلِامْتِهَانِ فَكَانَ مَحَلًّا لِلتَّمَلُّكِ عَلَى مَا كَانَ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله فِي رِوَايَةٍ وَمَعَ مُحَمَّدٍ فِي أُخْرَى وَلَوْ أَنَّ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا دَخَلَ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَأَصَابَ مَالًا ثُمَّ ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الدَّارِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِهِمْ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا فِي حَقِّ مَالٍ فِي يَدِ حَرْبِيٍّ فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ كَانَتْ ثَابِتَةٌ لِهَذَا الْمَالِ تَبَعًا لِلْمَالِكِ فَلَا تَزُولُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ يَكُونُ فَيْئًا لِمَا ذَكَرْنَا وَقَالُوا رِوَايَةُ أَبِي سُلَيْمَانَ أَصَحُّ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى دَارِهِمْ وَأَمَّا إذَا أَغَارُوا عَلَيْهَا وَلَمْ يَظْهَرُوا فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَصِيرُ جَمِيعُ مَالِهِ فَيْئًا إلَّا نَفْسُهُ وَأَوْلَادُهُ الصِّغَارُ فَمُحَمَّدٌ سَوَّى بَيْنَ الْإِغَارَةِ وَالظُّهُورِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي السَّبَبِيَّةِ لِلْمِلْكِ وَأَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَالْفَرْقُ أَنَّهُ بِالظُّهُورِ صَارَتْ الدَّارُ دَارَ الْإِسْلَامِ فَكَانَتْ يَدُهُ عَلَى مَا فِي يَدِهِ ثَابِتَةٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا بِاعْتِبَارِ مَنَعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَيَدُ الْمُسْلِمِ يَدٌ مُحْتَرَمَةٌ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهَا.
وَأَمَّا بِالْإِغَارَةِ فَلَمْ تَصِرْ دَارَ إسْلَامٍ فَلَمْ تَصِرْ يَدُهُ عَلَى الْمَنْقُولِ ثَابِتَةً حُكْمًا لِأَنَّ يَدَ أَهْلِ الْحَرْبِ ثَابِتَةٌ حَافِظَةٌ دَافِعَةٌ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الدَّارِ بِاعْتِبَارِ الْمَنَعَةِ وَالشَّوْكَةِ وَلِهَذَا تَصِيرُ الْغَنِيمَةُ مِلْكًا لِلْغَانِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَالْعِصْمَةُ إنَّمَا تَثْبُتُ بِاعْتِبَارِ الْيَدِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَلَمْ يُوجَدْ فَبَقِيَتْ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ وَحُكْمُ مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَخَرَجَ إلَيْنَا عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ
(فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ)
يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَقْسِمَ الْغَنِيمَةَ وَيُخْرِجَ خُمُسَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] وَيَقْسِمَ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسَ عَلَى الْغَانِمِينَ لِلنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِيهِ وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ قَالَ رحمه الله (لِلرَّاجِلِ سَهْمٌ وَلِلْفَارِسِ سَهْمَانِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَقَالَا لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَسْهَمَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَلِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْغِنَاءِ وَغِنَاؤُهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْثَالِ الرَّاجِلِ لِأَنَّهُ لِلْكَرِّ وَالْفَرِّ وَالثَّبَاتِ وَالرَّاجِلُ لِلثَّبَاتِ لَا غَيْرُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله قَوْلُ مُجَمِّعِ بْنِ جَارِيَةَ قُسِّمَتْ خَيْبَرَ إلَى أَنْ قَالَ إنَّهُ عليه الصلاة والسلام «أَعْطَى الْفَارِسَ سَهْمَيْنِ وَالرَّاجِلَ سَهْمًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَلِأَنَّ الْكَرَّ وَالْفَرَّ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ إذْ الْفَرُّ لَيْسَ بِمُسْتَحْسِنٍ لِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا اسْتَحْسَنَ لِأَجَلِ الْكَرِّ فَيَكُونُ غِنَاؤُهُ مِثْلَيْ غِنَاءِ الرَّاجِلِ فَيُفَضَّلُ عَلَيْهِ بِسَهْمٍ وَلِأَنَّ مِقْدَارَ الزِّيَادَةِ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ حَقِيقَةً فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَى سَبَبٍ ظَاهِرٍ وَهُوَ الرَّأْسُ وَالْفَرَسُ مَعَ أَنَّا نَمْنَعُ أَنَّ زِيَادَةَ الْغِنَاءِ يَسْتَحِقُّ بِهَا الزِّيَادَةَ بَلْ بِمَا ذَكَرْنَا أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّاكِي بِالسِّلَاحِ أَكْثَرُ غِنَاءٍ مِنْ الْأَعْزَلِ وَمَعَ هَذَا لَا يَسْتَحِقُّ الزِّيَادَةَ وَلِأَنَّ الْفَرَسَ تَبَعٌ فَلَا يَزِيدُ سَهْمُهُ عَلَى الْأَصْلِ وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْفِيلِ كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ «عليه الصلاة والسلام أَعْطَى سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ سَهْمَ الْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ وَهُوَ كَانَ رَاجِلًا أَجِيرًا لِطَلْحَةَ وَالْأَجِيرُ لَا يَسْتَحِقُّ سَهْمًا مِنْ الْغَنِيمَةِ وَإِنَّمَا أَعْطَاهُ رَضْخًا لِجَدِّهِ فِي الْقِتَالِ وَقَالَ «خَيْرُ رِجَالِنَا سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ وَخَيْرُ فُرْسَانِنَا أَبُو قَتَادَةَ» قَالَ رحمه الله (وَلَوْ لَهُ فَرَسَانِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ لَهُ فَرَسَانِ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا سَهْمَيْنِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُسْهَمُ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ إذَا قَادَ فَرَسَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُسْهَمُ لِفَرَسَيْنِ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَعْطَى الزُّبَيْرَ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي الْقِتَالِ إلَى فَرَسَيْنِ وَرُبَّمَا يَعْيَا الْوَاحِدُ فَيَحْتَاجُ إلَى الْآخَرِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
ظُهُورِ الْمُسْلِمِينَ وَبَعْدَ ظُهُورِهِمْ عَلَى الدَّارِ يَدُ الْغَانِمِينَ أَقْوَى مِنْ يَدِهِ. اهـ. رَازِيٌّ
[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ]
(فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ)(قَوْلُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ وَبِهِ قَالَ زُفَرُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ) أَيْ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَاللَّيْثُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ) يَعْنِي سَهْمًا لَهُ وَسَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْغِنَاءِ) قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْغَنَاءُ بِالْفَتْحِ وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالْغَنَاءُ مِثْلُ كَلَامِ الِاكْتِفَاءِ وَقَالَ الْكَاكِيُّ الْغَنَاءُ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ: الْإِجْزَاءُ وَالْكِفَايَةُ وَغِنَاؤُهُ أَيْ غِنَاءُ الْفَرَسِ لِكَرِّ الصَّوْلَةِ وَالْحَمْلَةِ وَالْفَرِّ بِمَعْنَى الْفِرَارِ وَالْفِرَارُ فِي مَوْضِعِ الْفَرِّ مَحْمُودٌ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لِلْكَرِّ وَالْفَرِّ) الْكَرُّ الرُّجُوعُ بَعْدَ الْفِرَارِ وَالْفَرُّ الْفِرَارُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالرَّاجِلُ لِلثَّبَاتِ) أَيْ ثَبَاتِ الدَّفْعِ. اهـ. (قَوْلُهُ ابْنِ جَارِيَةَ) أَيْ الْأَنْصَارِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالرَّاجِلُ سَهْمًا) وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْمَبْسُوطِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَسَمَ لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا يَوْمَ بَدْرٍ» قَالَ الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ فِي كِتَابِهِ لَمْ يَكُنْ فِي أَصْحَابِ بَدْرٍ فَارِسٌ غَيْرُ اثْنَيْنِ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ وَالْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَكُونُ غَنَاؤُهُ) بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ الْكِفَايَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَى سَبَبٍ ظَاهِرٍ) وَهَذَا لِأَنَّ الزِّيَادَةَ إنَّمَا تَظْهَرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ وَفِي تِلْكَ الْحَالَةِ كُلُّ وَاحِدٍ مَشْغُولٌ بِنَفْسِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْفَرَس تَبَعٌ) أَيْ لِلرَّجُلِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَعْطَى سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ) أَيْ فِي غَزْوَةِ ذِي قِرْدٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا أَعْطَاهُ رَضْخًا لِجَدِّهِ) الْجَدُّ فِي الْأَمْرِ الِاجْتِهَادُ. اهـ. مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُسْهَمُ لِفَرَسَيْنِ) لَمْ يَذْكُرْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ وَرَوَى أَصْحَابُ الْإِمْلَاءِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُسْهَمُ لِفَرَسَيْنِ وَلَا يُسْهَمُ لِأَكْثَرَ مِنْهُمَا وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَا يُسْهَمُ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ يُسْهَمُ لِفَرَسَيْنِ هـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَعْطَى الزُّبَيْرَ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ) أَيْ سَهْمًا لَهُ وَسَهْمَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ فَرَسَيْهِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ الزُّبَيْرُ مَا نَصُّهُ يَعْنِي الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ يَوْمَ خَيْبَرَ اهـ
وَلَهُمَا أَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُسْهِمْ يَوْمَ خَيْبَرَ لِصَاحِبِ الْأَفْرَاسِ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ» وَلِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ السَّهْمَ بِالْإِرْهَابِ عِنْدَ مُجَاوَزَةِ الدَّارِ بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولَ إلَيْهِ أَمْرُهُمْ مِنْ الْقِتَالِ مَعَهُمْ فَارِسًا أَوْ رَاجِلًا وَالْقِتَالُ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا عَلَى فَرَسٍ وَاحِدٍ فَيُسْهَمُ لَهُ لَا غَيْرُ وَلِهَذَا لَا يُسْهَمُ لِثَلَاثَةٍ أَوْ أَكْثَرَ بِالِاتِّفَاقِ وَالصَّحِيحُ مِنْ «حِكَايَةِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَعْطَاهُ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ سَهْمًا لَهُ وَسَهْمًا لِأُمِّهِ صَفِيَّةَ وَسَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةً وَلَئِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْفِيلِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ حِكَايَةِ ابْنِ الْأَكْوَعِ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ قَادَ فَرَسَيْنِ قَالَ رحمه الله (وَالْبَرَاذِينُ كَالْعَتَاقِ) لِأَنَّ الْإِرْهَابَ هُوَ السَّبَبُ وَذَلِكَ بِاسْمِ الْخَيْلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ} [الأنفال: 60] وَهُوَ يَتَنَاوَلُهُمَا وَالْهَجِينُ وَالْمُقْرِفُ وَلِأَنَّ الْعَتَاقَ إنْ كَانَ أَقْوَى فِي الْجَرْيِ فَالْبِرْذَوْنُ أَصْبَرُ وَأَلْيَنُ عَطْفًا فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ فَاسْتَوَيَا وَأَهْلُ الشَّامِ لَا يُسْهِمُونَ لِلْبَرَاذِينِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ مَا تَلَوْنَا وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى قَالَ رحمه الله
(لَا الرَّاحِلَةُ وَالْبَغْلُ) أَيْ لَا تَكُونُ الرَّاحِلَةُ وَالْبَغْلُ كَالْعَتَاقِ حَتَّى لَا يُسْهَمَ لَهُمَا لِأَنَّ الْإِرْهَابَ لَا يَقَعُ بِهِمَا إذْ لَا يُقَاتَلُ عَلَيْهِمَا قَالَ رحمه الله
(وَالْعِبْرَةُ لِلْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ) أَيْ يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ فَارِسًا أَوْ رَاجِلًا عِنْدَ مُجَاوَزَةِ الدَّارِ حَتَّى لَوْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَارِسًا فَنَفَقَ فَرَسُهُ وَقَاتَلَ رَاجِلًا اسْتَحَقَّ سَهْمَ الْفَارِسِ وَلَوْ دَخَلَ رَاجِلًا فَاشْتَرَى فَرَسًا اسْتَحَقَّ سَهْمَ الرَّاجِلِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْفَارِسِ لِوُجُودِ الْقِتَالِ مِنْهُ فَارِسًا حَقِيقَةً وَهُوَ أَقْوَى مِنْ التَّقْدِيرِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ فَارِسًا أَوْ رَاجِلًا حَالَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ أَمَّا الْمُجَاوَزَةُ فَوَسِيلَةٌ إلَى السَّبَبِ فَلَا تُعْتَبَرُ كَالْخُرُوجِ مِنْ الْبَيْتِ وَلَنَا أَنَّ الْمُجَاوَزَةَ نَفْسُهَا أَقْوَى الْجِهَادِ لِأَنَّ الْخَوْفَ بِهَا يَلْحَقُهُمْ وَلِهَذَا يَحْتَاجُ عِنْدَ الدُّخُولِ إلَى شَوْكَةٍ وَجَيْشٍ عَظِيمٍ وَالْحَالُ بَعْدَهَا حَالَ الدَّوَامِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِهَا وَلِهَذَا يَكْتُبُ الْإِمَامُ أَسْمَاءَ الْفُرْسَانِ وَالرَّجَّالَةِ عِنْدَهَا لَا غَيْرُ وَيَقُولُ الْعَدُوُّ كَمْ دَخَلُوا وَالْجِهَادُ يَكُونُ بِالْإِرْهَابِ كَمَا يَكُونُ بِالْقَتْلِ وَبِهِ يَسْتَحِقُّ الْفَارِسُ الزِّيَادَةَ لَا بِالْقَتْلِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْإِرْهَابَ وَالْإِرْعَابَ أَشَدُّ عَلَيْهِمْ مِنْ الْقَتْلِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60] وَبِقَوْلِهِ {وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ} [التوبة: 120] وَبِهِ تَنْكَسِرُ هِمَّتُهُمْ وَيَنْكَسِرُونَ فَكَانَتْ هَذِهِ الْحَالَةُ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ عِنْدَهَا وَهُوَ الشَّرْطُ.
أَلَا تَرَى أَنَّ أَحَدًا لَمْ يَشْتَرِطْ بَقَاءَ الْفَرَسِ إلَى تَمَامِ الِاسْتِحْقَاقِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ الْفَرَسُ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْهَزِيمَةِ قَبْلَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ اسْتَحَقَّ سَهْمَ الْفَارِسِ وَلَا مَعْنًى لِمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى حَقِيقَةِ الْقِتَالِ مُتَعَسِّرٌ لِأَنَّهُ حَالُ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ وَالْأَحْكَامُ لَا تَتَعَلَّقُ بِمِثْلِهِ وَلَوْ دَخَلَ فَارِسًا وَقَاتَلَ رَاجِلًا لِضِيقِ الْمَكَانِ اسْتَحَقَّ سَهْمَ الْفَارِسِ وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي السَّفِينَةِ لِتَهْيِئَةِ الْقِتَالِ فَارِسًا وَهُوَ كَالْمُبَاشَرَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الرِّدْءَ وَالْمَدَدَ يَسْتَحِقُّونَ بِهِ وَكَذَا الْجُنْدُ فِيمَا أَصَابَتْ السَّرِيَّةُ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْفَرَسُ صَالِحًا لِلْقِتَالِ بِأَنْ يَكُونَ صَحِيحًا كَبِيرًا حَتَّى لَوْ دَخَلَ بِمُهْرٍ أَوْ مَرِيضٍ لَا يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْفُرْسَانِ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِهِ الْقِتَالَ وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ أَجَّرَهُ أَوْ وَهَبَهُ بَعْدَ الْمُجَاوَزَةِ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله اعْتِبَارًا لِلْمُجَاوَزَةِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الرَّجَّالَة لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ بِالْمُجَاوَزَةِ الْقِتَالُ فَارِسًا وَلَوْ بَاعَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ فَلَهُ سَهْمُ الْفُرْسَانِ وَكَذَا إذَا بَاعَهُ حَالَ الْقِتَالِ عِنْدَ الْبَعْضِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْفُرْسَانِ لِأَنَّ بَيْعَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَرَضَهُ التِّجَارَةَ إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَنْتَظِرُ عِزَّتَهُ وَلَوْ دَخَلَ عَلَى فَرَسٍ مَغْصُوبٍ أَوْ مُسْتَعَارٍ أَوْ مُسْتَأْجَرٍ ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ الْمَالِكُ فَقَاتَلَ رَاجِلًا اسْتَحَقَّ سَهْمَ الْفُرْسَانِ فِي رِوَايَةٍ اعْتِبَارًا لِلْمُجَاوَزَةِ وَفِي رِوَايَةٍ يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الرَّجَّالَة لِأَنَّهُ لَمْ يُصَمِّمْ عَلَى الْقِتَالِ فَارِسًا حَيْثُ دَخَلَ عَلَى هَذَا الْفَرَسِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ صَفِيَّةُ) أَيْ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَئِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْفِيلِ) أَيْ تَحْرِيضًا عَلَى الْقِتَالِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْبَرَاذِينُ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ كَالْعَتَاقِ) الْعَتَاقُ جَمْعُ عَتِيقٍ وَهُوَ الْجَوَادُ وَالْبِرْذَوْنُ الْعَجَمِيُّ الْخَالِصُ وَالْعِرَابُ خِلَافُ الْبَرَاذِينِ وَالْهَجِينُ الَّذِي أَبُوهُ عَرَبِيٌّ وَأُمُّهُ عَجَمِيَّةٌ وَالْمُقْرِفُ الَّذِي أَبُوهُ عَجَمِيٌّ وَأُمُّهُ عَرَبِيَّةٌ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ فَالْبِرْذَوْنُ أَصْبَرُ وَأَلْيَنُ عَطْفًا) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا وَمَعْنَى الْفَتْحِ الْإِمَالَةُ وَالْكَسْرُ الْجَانِبُ. اهـ. كَيْ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا الرَّاحِلَةُ وَالْبَغْلُ) وَإِنَّمَا لَمْ يُسْهَمْ لِبَغْلٍ وَلَا لِرَاحِلَةٍ لِعَدَمِ وُرُودِ النَّصِّ لِأَنَّهُ «كَانَ يَكُونَ فِي غَزَوَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَعَ أَصْحَابِهِ الْجِمَالُ وَالْحَمِيرُ وَالْبِغَالُ وَلَا يُسْهِمُ لِشَيْءٍ مِنْهَا» وَلَوْ أَسْهَمَ لَظَهَرَ نَقْلُهُ لِأَنَّهَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الْأَفْرَاسِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ رحمه الله
(قَوْلُهُ فَنَفَقَ فَرَسُهُ) أَيْ هَلَكَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ فَارِسًا أَوْ رَاجِلًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ فَارِسًا أَوْ رَاجِلًا عِنْدَ شُهُودِ الْوَقْعَةِ وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ تَقَضِّي الْحَرْبِ وَهُوَ تَمَامُ الْقِتَالِ اهـ (قَوْلُهُ وَبِهِ يُسْتَحَقُّ الْفَارِسُ الزِّيَادَةُ) أَيْ وَلِهَذَا يُشَارِكُ الرِّدْءُ الْمُبَاشِرُ فِي الْغَنِيمَةِ لِحُصُولِ الْإِرْهَابِ بِالْكُلِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ اسْتَحَقَّ سَهْمَ الْفَارِسِ) أَيْ بِاتِّفَاقٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا بَاعَهُ حَالَةَ الْقِتَالِ عِنْدَ الْبَعْضِ) أَيْ لِأَنَّ بَيْعَهُ عِنْدَ مُخَاطَرَةِ الرَّوْحِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا بَاعَهُ لِرَأْيٍ رَآهُ فِي الْحَرْبِ لَا لِتَحْصِيلِ الْمَالِ لِأَنَّ الرُّوحَ تَفُوقُ الْمَالَ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَسْقُطُ وَحَمَلَ أَمْرُهُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ التِّجَارَةَ وَانْتَظَرَ الْعِزَّةَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ الْعَاقِلَ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْحَالَةِ لَا يَخْتَارُ الْمَالَ عَلَى رُوحِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ إنَّمَا بَاعَهُ لِرَأْيٍ رَآهُ فِي الْحَرْبِ إمَّا لِأَنَّهُ وَجَدَهُ غَيْرَ مُوَافِقٍ لَهُ فَرُبَّمَا يَقْتُلُهُ لِعَدَمِ أَدَبِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَلِأَنَّ الْعَادَةَ لَيْسَ هُوَ الْبَيْعُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُقُودِ. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَنْتَظِرُ عِزَّتَهُ) أَيْ عِزَّةَ الْفَرَسِ. اهـ.
وَأَنَّ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ تَنْقَضِي قَالَ رحمه الله
(وَلِلْمَمْلُوكِ وَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ وَالذِّمِّيِّ الرَّضْخُ لَا السَّهْمُ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَغْزُو بِالنِّسَاءِ فَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى وَيَحْذِينَ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَأَمَّا بِسَهْمٍ فَلَمْ يَضْرِبْ لَهُنَّ وَقَالَ أَيْضًا لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ سَهْمٌ إلَّا أَنْ يَحْذِيَا مِنْ غَنَائِمِ الْقَوْمِ» رَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَقَالَ أَيْضًا «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعْطِي الْمَرْأَةَ وَالْمَمْلُوكَ مِنْ الْغَنَائِمِ دُونَ نَصِيبِ الْجَيْشِ» وَلِأَنَّ الْجِهَادَ عِبَادَةٌ وَالذِّمِّيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَالْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ عَاجِزَانِ عَنْهُ وَلِهَذَا لَمْ يَلْحَقْهُمَا فَرْضُهُ وَالْعَبْدُ لَا يُمَكِّنُهُ مَوْلَاهُ وَلَهُ مَنْعُهُ فَلَمْ يَسْتَحِقُّوا السَّهْمَ الْكَامِلَ لَكِنْ يُرْضَخُ لَهُمْ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ تَحْرِيضًا لَهُمْ عَلَى الْقِتَالِ وَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَسْهُمَ لِقَوْمٍ مِنْ الْيَهُودِ قَاتَلُوا مَعَهُ وَلِلصِّبْيَانِ» فِيمَا رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ وَلِلنِّسَاءِ فِيمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد مَحْمُولٌ عَلَى الرَّضْخِ وَالْمُكَاتَبُ عَبْدٌ لِقِيَامِ الرِّقِّ فِيهِ وَتَوَهُّمِ عَجْزِهِ فَيَمْنَعُهُ الْمَوْلَى وَإِنَّمَا يُرْضَخُ لَهُمْ إذَا بَاشَرُوا الْقِتَالَ أَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ تُدَاوِي الْجَرْحَى وَتَقُومُ بِمَصَالِح الْمَرْضَى لِعَجْزِهَا عَنْ حَقِيقَةِ الْقِتَالِ فَيَكُونُ جِهَادُهَا عَمَلًا يَلِيقُ بِحَالِهَا أَوْ دَلَّ الذِّمِّيُّ عَلَى الطَّرِيقِ لِأَنَّ فِي الدَّلَالَةِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا يَبْلُغُ بِالرَّضْخِ السَّهْمَ لِأَنَّهُمْ لَا يُسَاوُونَ الْجَيْشَ فِي عَمَلِ الْجِهَادِ إلَّا فِي دَلَالَةِ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ يُزَادُ عَلَى السَّهْمِ إذَا كَانَتْ فِي دَلَالَتِهِ مَنْفَعَةٌ عَظِيمَةٌ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ لَيْسَتْ مِنْ عَمَلِ الْجِهَادِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ التَّسْوِيَةُ فِي الْجِهَادِ إذْ مَا يَأْخُذُهُ فِي الدَّلَالَةِ بِمَنْزِلَةِ الْأُجْرَةِ فَيُعْطَ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَالْأَجِيرُ لَا يُسْهَمُ لَهُ لِأَنَّهُ دَخَلَ لِخِدْمَةِ الْمُسْتَأْجِرِ لَا لِلْقِتَالِ وَإِنْ تَرَكَ الْخِدْمَةَ وَقَاتَلَ يُسْهَمُ لَهُ فَصَارَ كَأَهْلِ سُوقِ الْعَسْكَرِ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ فَلَا شَيْءَ وَلَا يُجْمَعُ لَهُ أَجْرٌ وَنَصِيبٌ فِي الْغَنِيمَةِ قَالَ رحمه الله
(وَالْخُمُسُ لِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَقُدِّمَ ذَوُو الْقُرْبَى الْفُقَرَاءُ مِنْهُمْ عَلَيْهِمْ وَلَا حَقَّ لِأَغْنِيَائِهِمْ) أَيْ يُقَدَّمُ الْفُقَرَاءُ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى عَلَى الطَّوَائِفِ الثَّلَاثِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله لِذَوِي الْقُرْبَى خُمُسُ الْخُمُسِ يَسْتَوِي فِيهِ فَقِيرُهُمْ وَغَنِيُّهُمْ وَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَيَكُونُ ذَلِكَ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَلَا يَكُونُ لِغَيْرِهِمْ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْخُمُسَ يُقْسَمُ أَثْلَاثًا عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ أَخْمَاسًا سَهْمٌ لِذَوِي الْقُرْبَى وَسَهْمٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَخْلُفُهُ فِيهِ الْإِمَامُ وَيَصْرِفُهُ إلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَالْبَاقِي لِلثَّلَاثَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41]«وَقَالَ صلى الله عليه وسلم يَا بَنِي هَاشِمٍ إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ غُسَالَةَ أَيْدِي النَّاسِ فَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ الصَّدَقَةَ وَعَوَّضَكُمْ مِنْهَا بِخُمُسِ الْخُمُسِ مِنْ الْغَنِيمَةِ» وَلَمْ يُفَرِّقْ فِي الْكِتَابِ وَلَا فِي السُّنَّةِ بَيْنَ الْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ «وَأَعْطَى عليه الصلاة والسلام الْعَبَّاسَ وَقَدْ كَانَ غَنِيًّا» وَلَنَا أَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ قَسَّمُوهُ عَلَى ثَلَاثَةٍ عَلَى نَحْو مَا قُلْنَا بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فَكَانَ إجْمَاعًا وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ قِسْمَتَهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ تَكُنْ بِطَرِيقِ الْحَتْمِ وَفِيمَا رُوِيَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَيَحْذِينَ) قَالَ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ كَانَ يَحْذِي النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ مِنْ الْمَغْنَمِ وَحَذِيَّتُهُ لُغَةً اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ الْحَذْيَا الْعَطِيَّةُ وَأَحْذَيْتُهُ أَعْطَيْته (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَحْذِيَا) أَيْ يُعْطِيَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يُرْضَخُ لَهُمْ) أَيْ لِلْمَذْكُورِينَ فِي الْمَتْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ إذَا بَاشَرُوا الْقِتَالَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَكِنْ يُرْضَخُ لَهُمْ وَلَا يُسْهَمُ لَهُمْ انْحِطَاطًا لِرُتْبَةِ التَّبَعِ عَنْ الْمَتْبُوعِ وَهَذَا لِأَنَّ الْعَبْدَ تَبَعٌ لِلْحُرِّ وَالصَّبِيِّ تَبَعٌ لِلْبَالِغِ وَالذِّمِّيُّ تَبَعٌ لِلْمُسْلِمِ وَلِذَا لَا يُمْكِنُ الذِّمِّيُّ مِنْ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُزَادُ عَلَى السَّهْمِ) أَمَّا إذَا قَاتَلَ الذِّمِّيُّ لَا يَبْلُغُ بِرَضْخِهِ سَهْمَ الْمُسْلِمِ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْخُمُسُ لِلْيَتَامَى) أَيْ الْفُقَرَاءِ أَمَّا الْيَتِيمُ الْغَنِيُّ فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِبَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ذَكَرَهُ فِي الدِّرَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقُدِّمَ ذَوُو الْقُرْبَى) الْقُرْبَى الْقَرَابَةُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ تُقَدَّمُ الْفُقَرَاءُ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى عَلَى الطَّوَائِفِ الثَّلَاثِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ بَدْرُ الدِّينِ الْكَرْدَرِيُّ مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ أَيْتَامَ ذَوِي الْقُرْبَى وَمَسَاكِينَ ذَوِي الْقُرْبَى يَدْخُلُونَ فِي سَهْمِ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ يَدْخُلُونَ فِي سَهْمِ ابْنِ السَّبِيلِ لِمَا أَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ فِي هَذِهِ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ الِاحْتِيَاجُ غَيْرَ أَنَّ سَبَبَهُ مُخْتَلِفٌ فِي نَفْسِهِ مِنْ الْيَتِيمِ وَالْمَسْكَنَةِ وَكَوْنُهُ ابْنُ السَّبِيلِ وَفِي التُّحْفَةِ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ مَصَارِفُ الْخُمُسِ عِنْدَنَا لَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْقَاقِ حَتَّى لَوْ صَرَفَ إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَازَ كَمَا فِي الصَّدَقَاتِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْخُمُسَ يُقْسَمُ أَثْلَاثًا) أَيْ سَهْمٌ لِلْيَتَامَى وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ وَسَهْمٌ لِابْنِ السَّبِيلِ يَدْخُلُ فُقَرَاءُ ذَوِي الْقُرْبَى فِيهِمْ وَيُقَدَّمُونَ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَسَهْمٌ لِلنَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام يَخْلُفُهُ فِيهِ الْإِمَامُ) وَفِي الْكَشَّافِ وَعَنْ الْحَسَنِ فِي سَهْمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لِذَوِي الْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ رحمه الله.
(قَوْلُهُ وَيَصْرِفُهُ إلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ نَحْوِ سَدِّ الثُّغُورِ وَعِمَارَةِ الْقَنَاطِرِ وَأَرْزَاقِ الْقُضَاةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ فِي الْكَافِي وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ يُقْسَمُ عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ سَهْمٌ لِلَّهِ يُصْرَفُ إلَى عِمَارَةِ الْكَعْبَةِ إنْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِقُرْبِهَا وَإِلَى عِمَارَةِ الْجَامِعِ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ هِيَ بِالْقُرْبِ مِنْ مَوْضِعِ الْقِسْمَةِ لِأَنَّ هَذِهِ بِقَاعٌ مُضَافَةٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْبَاقِي لِلثَّلَاثَةِ) أَيْ لِأَنَّهُ «عليه الصلاة والسلام قَسَمَهَا عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ» وَلَا نَسْخَ بَعْدَهُ وَلِأَنَّ الرَّسُولَ عليه الصلاة والسلام كَانَ يَسْتَحِقُّهُ بِحَقِّ الْإِمَامَةِ فَاسْتَحَقَّهُ مَنْ يَخْلُفُهُ فِي الْإِمَامَةِ وَذَوُو الْقُرْبَى بِالْقَرَابَةِ لِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا عُلِّقَ بِاسْمٍ مُشْتَقٍّ كَانَ مَأْخَذُ الِاشْتِقَاقِ عِلَّةٌ لِثُبُوتِهِ فَيَسْتَوِي غَنِيُّهُمْ وَفَقِيرُهُمْ كَالْإِرْثِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَلَنَا) أَيْ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْخُمُسَ كَانَ يُقْسَمُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ ثُمَّ قَسَمَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ لَمْ تَكُنْ بِطَرِيقِ الْحَتْمِ) أَيْ بَلْ بِطَرِيقِ الْجَوَازِ إذْ لَا يَظُنُّ بِهِمْ خِلَافُهُ عليه الصلاة والسلام. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَفِيمَا رَوَى) أَيْ الشَّافِعِيُّ اهـ
إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْأَغْنِيَاءَ مِنْهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ لِأَنَّ الْعِوَضَ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ مَنْ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ الْمُعَوَّضِ وَهُمْ الْفُقَرَاءُ وَالنَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام كَانَ يُعْطِيهِمْ لِلنُّصْرَةِ لَا لِلْقَرَابَةِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام عَلَّلَ فَقَالَ «إنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مَعِي هَكَذَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» وَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى قُرْبُ النُّصْرَةِ لَا قُرْبُ الْقَرَابَةِ وَلِهَذَا لَمْ تَحْرُمْ الزَّكَاةُ عَلَى بَعْضِ الْهَاشِمِيِّ لِعَدَمِ النُّصْرَةِ كَأَوْلَادِ أَبِي لَهَبٍ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الزَّكَاةِ يُحَقِّقُهُ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَعْطَى بَنِي الْمُطَّلِبِ وَلَمْ يُعْطِ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَلَا بَنِي نَوْفَلٍ فَجَاءَ عُثْمَانُ وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَهُوَ مِنْ بَنِي نَوْفَلٍ فَقَالَا إنَّا لَا نُنْكِرُ فَضْلَ بَنِي هَاشِمٍ لِمَكَانِك الَّذِي وَضَعَك اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ وَلَكِنْ نَحْنُ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ فِي الْقَرَابَةِ إلَيْك سَوَاءٌ فَمَا بَالُك أَعْطَيْتهمْ وَحَرَمْتنَا فَقَالَ إنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مَعِي هَكَذَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ يُشِيرُ إلَى نُصْرَتِهِمْ لَهُ لِأَنَّهُمْ قَامُوا مَعَهُ حِينَ أَرَادَتْ قُرَيْشُ قَتْله عليه الصلاة والسلام» وَدَخَلَ بَنُو نَوْفَلٍ وَعَبْدُ شَمْسٍ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ وَلَوْ كَانَ لِأَجْلِ الْقَرَابَةِ لَمَا خَصَّهُمْ لِأَنَّ عَبْدَ شَمْسٍ وَنَوْفَلًا أَخَوَا هَاشِمٍ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَالْمُطَّلِبَ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ فَكَانَا أَقْرَبَ إلَيْهِ مِنْهُ وَالْمُرَادُ بِالنُّصْرَةِ كَوْنُهُمْ مَعَهُ يُؤَانِسُونَهُ بِالْكَلَامِ وَالْمُصَاحَبَةِ لَا بِالْمُقَاتَلَةِ وَلِهَذَا كَانَ لِنِسَائِهِمْ فِيهِ نَصِيبٌ ثُمَّ سَقَطَ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ عليه الصلاة والسلام لِعَدَمِ تِلْكَ الْعِلَّةِ وَهِيَ النُّصْرَةُ فَيَسْتَحِقُّونَهُ بِالْفَقْرِ عِنْدَ الْكَرْخِيِّ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الصَّدَقَةِ حَتَّى كَانُوا يَأْخُذُونَهُ فِي زَمَنِهِ عليه الصلاة والسلام وَفِي قَوْله تَعَالَى {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ} [الحشر: 7] إشَارَةٌ إلَيْهِ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ يَسْقُطُ نَصِيبُ الْفُقَرَاءِ أَيْضًا وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ قَالَ رحمه الله (وَذَكَرَهُ تَعَالَى لِلتَّبَرُّكِ) يَعْنِي مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي الْخُمُسِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] لِافْتِتَاحِ الْكَلَامِ تَبَرُّكًا بِاسْمِهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْكُلَّ لَهُ وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى شَيْءٍ قَالَ رحمه الله
(وَسَهْمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَقَطَ بِمَوْتِهِ كَالصَّفِيِّ) لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يَسْتَحِقُّهُ بِالرِّسَالَةِ وَلَا رَسُولَ بَعْدَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ كَيْفَ أَضَافَ إلَيْهِ بِاسْمِ الرَّسُولِ بِقَوْلِهِ وَلِلرَّسُولِ وَكَذَا الصَّفِيُّ وَهُوَ شَيْءٌ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصْطَفِيه لِنَفْسِهِ وَيَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَتْ صَفِيَّةُ مِنْ الصَّفِيِّ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -
(وَإِنْ دَخَلَ جَمْعٌ ذُو مَنَعَةٍ دَارَهُمْ بِلَا إذْنٍ خَمَّسَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( قَوْلُهُ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْأَغْنِيَاءَ مِنْهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ) فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ قَوْله تَعَالَى {وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41] عُمُومُهُ يَقْتَضِي وُجُوبَ السَّهْمِ لِلْفُقَرَاءِ وَالْأَغْنِيَاءِ مِنْهُمْ قِيلَ لَهُ هَذَا عِنْدَنَا لَيْسَ بِعُمُومٍ بَلْ هُوَ مُجْمَلٌ مَوْقُوفُ الْحُكْمِ عَلَى الْبَيَانِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41] لَا يَخْتَصُّ بِقَرَابَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم دُونَ قَرَابَةِ غَيْرِهِ إذْ كَانَ الِاسْمُ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى} [البقرة: 83] لَمْ يَخْتَصَّ بِقِرْبَةِ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دُونَ غَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ وَقَدْ كَانَ يَجُوزُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ قَرَابَةُ الْخَلِيفَةِ أَوْ قَرَابَةُ الْغَانِمِينَ أَوْ أَمِيرُ الْجَيْشِ وَرَوَى قَتَادَةُ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ قَرَابَةُ الْخُلَفَاءِ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى تَنْصِيصِ قَرَابَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم دُونَ غَيْرِهِمْ جَعَلَ اللَّفْظَ مُجْمَلًا مُفْتَقِرًا إلَى الْبَيَانِ وَسَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِعُمُومِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْعِوَضَ) أَيْ وَهُوَ خُمُسُ الْخُمُسِ اهـ (قَوْلُهُ مَنْ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ الْمُعَوَّضُ) أَيْ وَهُوَ الصَّدَقَةُ لَوْلَا الْقَرَابَةُ وَاسْتِحْقَاقُهُمْ لِلصَّدَقَةِ لَوْلَا الْقَرَابَةُ بِاعْتِبَارِ الْفَقْرِ فَكَذَا السَّهْمُ اهـ دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ يُحَقِّقُهُ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَعْطَى بَنِي الْمُطَّلِبِ) أَيْ لَمَّا قَسَّمَ غَنَائِمَ خَيْبَرَ. اهـ. كَاكِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالنُّصْرَةِ إلَخْ) لَمْ يُرِدْ بِالنُّصْرَةِ نُصْرَةَ الْقِتَالِ فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ مَوْجُودًا فِي عُثْمَانَ وَجُبَيْرٍ وَإِنَّمَا أَرَادَ نُصْرَةَ الِاجْتِمَاعِ بِهِ وَالْمُؤَانَسَةُ فِي حَالِ مَا هَجَرَهُ النَّاسُ عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا بَعَثَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَنِي هَاشِمٍ حَسَدَتْهُمْ قُرَيْشٌ فَتَعَاهَدُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ أَنْ لَا يُجَالِسُوا بَنِي هَاشِمٍ وَلَا يُكَلِّمُوهُمْ حَتَّى يَدْفَعُوا إلَيْهِمْ مُحَمَّدًا لِيَقْتُلُوهُ وَتَعَاقَدَ بَنُو هَاشِمٍ عَلَى الْقِيَامِ بِنُصْرَتِهِ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ بَنُو نَوْفَلٍ وَبَنُو عَبْدِ شَمْسٍ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ وَدَخَلَ بَنُو الْمُطَّلِبِ فِي عَهْدِ بَنِي هَاشِمٍ حَتَّى دَخَلُوا مَعَهُمْ الشِّعْبَ فَكَانُوا فِيهِ ثَلَاثَ سِنِينَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَكَلُوا الْعِلْهِزَ مِنْ الْجَهْدِ. اهـ. مُسْتَصْفَى (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ) قَالَ فِي الْكَافِي وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ.
(قَوْلُهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصْطَفِيه لِنَفْسِهِ) أَيْ مِثْلَ دِرْعٍ أَوْ سَيْفٍ أَوْ جَارِيَةٍ. اهـ. هِدَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْ يَخْتَارُهُ قَبْلَ الْخُمُسِ اهـ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ «كَانَ سَيْفُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذُو الْفَقَارِ الَّذِي تَنَفَّلَهُ يَوْمَ بَدْرٍ كَانَ سَيْفَ الْعَاصِ بْنِ مُنْيَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ» فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُحْمَلْ مِنْ الْجَنَّةِ وَذَكَرَ هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِيهِ فِي كِتَابِ السُّيُوفِ «كَانَ سَيْفُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذُو الْفَقَارِ وَكَانَ لِلْعَاصِ بْنِ مُنْيَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ السَّهْمِيِّ فَقَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَوْمَ بَدْرٍ وَجَاءَ بِسَيْفِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَارَ بَعْدُ لِعَلِيٍّ أَعْطَاهُ إيَّاهُ النَّبِيُّ» وَلَهُ يَقُولُ الْقَائِلُ
لَا سَيْفَ إلَّا ذُو الْفَقَا
…
رِ وَلَا فَتَى إلَّا عَلَيْ
إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَلْبِيِّ وَمَا ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيّ فِي فَائِقِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَنَفَّلَهُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ بَنِي الْمُصْطَلِقِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِرِوَايَةِ مَنْ هُوَ أَقْدَمُ وَأَعْلَمُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَانَتْ صَفِيَّةُ مِنْ الصَّفِيِّ) أَيْ مِنْ غَنَائِمِ خَيْبَرَ. اهـ. كَافِي
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ دَخَلَ جَمْعٌ ذُو مَنَعَةٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا دَخَلَ الْوَاحِدُ أَوْ الِاثْنَانِ دَارَ الْحَرْبِ مُغِيرَيْنِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَأَخَذُوا شَيْئًا لَمْ يُخَمَّسْ. اهـ. وَفِي الْمُنْيَةِ وَالثَّلَاثَةُ فِي حُكْمِ الِاثْنَيْنِ وَفِي الْأَرْبَعَةِ يُخَمَّسُ وَيُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَفِي الْمُحِيطِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَدَّرَ الْجَمَاعَةِ الَّتِي لَا مَنَعَةَ لَهَا بِتِسْعَةِ نَفَرٍ وَاَلَّتِي لَهَا مَنَعَةٌ بِعَشَرَةٍ. اهـ. دِرَايَةٌ قَالَ فِي السِّيَرِ الصَّغِيرِ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ يَخْرُجَانِ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ فَيُغِيرَانِ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ فَيُصِيبَانِ الْغَنَائِمَ لَا يُخَمَّسُ مَا أَصَابُوا وَلَوْ بَعَثَ
مَا أَخَذُوا وَإِلَّا لَا) يَعْنِي وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا ذَوِي مَنَعَةٍ لَا يُخَمَّسُ لِأَنَّ الْخُمُسَ وَظِيفَةُ الْغَنِيمَةِ وَهِيَ الْمَأْخُوذَةُ قَهْرًا وَغَلَبَةً وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْمَنَعَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَنَعَةٌ يَكُونُ أَخْذُهُمْ اخْتِلَاسًا وَسَرِقَةً لَا قَهْرًا وَغَلَبَةً فَلَا يُخَمَّسُ وَإِنْ دَخَلُوا بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُخَمَّسُ لِأَنَّهُ لَمَّا أَذِنَ لَهُمْ الْتَزَمَ نُصْرَتَهُمْ بِالْإِمْدَادِ فَصَارَ كَالْمَنَعَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلُوا بِغَيْرِ إذْنِهِ حَيْثُ لَا يُخَمَّسُ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نُصْرَتُهُمْ إذْ لَيْسَ فِيهِ وَهْنٌ لِلْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَهُمْ مَنَعَةٌ حَيْثُ يُخَمَّسُ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ نَصْرُهُمْ كَيْ لَا يَلْزَمَ وَهْنُ الْمُسْلِمِينَ قَالَ رحمه الله (وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُنْفِلَ) بِقَوْلِهِ «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» وَبِقَوْلِهِ «لِلسَّرِيَّةِ جَعَلْت لَكُمْ الرُّبُعَ بَعْدَ الْخُمُسِ» لِأَنَّهُ تَحْرِيضٌ عَلَى الْقِتَالِ وَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال: 65] وَحَرَّضَ عليه السلام بِالتَّنْفِيلِ عَلَى الْقِتَالِ فَقَالَ «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ «وَنَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرُّبُعَ بَعْدَ الْخُمُسِ فِي رَجْعَتِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
«وَكَانَ عليه الصلاة والسلام يَنْفُلُ فِي الْبِدَايَةِ الرُّبُعَ وَفِي الرَّجْعَةِ الثُّلُثَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ فَكَانَ الزِّيَادَةُ فِي الرَّجْعَةِ لِأَجْلِ أَنَّهُمْ يَكِلُّونَ وَقَوْلُهُ بَعْدَ الْخُمُسِ لَيْسَ عَلَى سَبِيل الشَّرْطِ ظَاهِرًا لِأَنَّهُ لَوْ نَفَلَ بِرُبُعِ الْكُلِّ جَازَ وَإِنَّمَا وَقَعَ ذَلِكَ اتِّفَاقًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ نَفَلَ السَّرِيَّةَ بِالْكُلِّ جَازَ فَهَذَا أَوْلَى ثُمَّ قَدْ يَكُونُ التَّنْفِيلُ بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ هُنَا كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ أَوْ يَقُولُ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ وَيَدْخُلُ الْإِمَامُ نَفْسَهُ فِي قَوْلِهِ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْقَضَاءِ وَإِنَّمَا هُوَ بَابُ اسْتِحْقَاقِ الْغَنِيمَةِ وَلِهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْغَنِيمَةَ سَهْمًا أَوْ رَضْخًا فَلَا يُتَّهَمُ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ مَنْ قَتَلْته أَنَا فَلِي سَلَبُهُ حَيْثُ لَا يَسْتَحِقُّ لِأَنَّهُ خَصَّ نَفْسَهُ بِهِ فَصَارَ مُتَّهَمًا وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ مَنْ قَتَلَ مِنْكُمْ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ حَيْثُ لَا يَدْخُلُ لِأَنَّهُ مَيَّزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ ثُمَّ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ بِقَتْلِهِ إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ مُبَاحًا قَتْلُهُ حَتَّى لَا يَسْتَحِقَّ السَّلَبَ بِقَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ لِأَنَّ التَّنْفِيلَ تَحْرِيضٌ عَلَى الْقِتَالِ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي الْمُقَاتِلِ حَتَّى لَوْ قَاتَلَ الصَّبِيُّ فَقَتَلَهُ اسْتَحَقَّ سَلَبَهُ لِأَنَّهُ مُبَاحُ الدَّمِ وَيَسْتَحِقُّ بِقَتْلِ الْمَرِيضِ وَالْأَجِيرِ مِنْهُمْ وَالتَّاجِرِ فِي عَسْكَرِهِمْ وَالذِّمِّيِّ الَّذِي نَقَضَ الْعَهْدَ وَخَرَجَ إلَيْهِمْ لِأَنَّ بِنْيَتَهُمْ صَالِحَةٌ لِلْقِتَالِ أَوْ هُمْ مُقَاتِلُونَ بِرَأْيِهِمْ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُنْفِلَ بِكُلِّ الْمَأْخُوذِ وَذُكِرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ إذَا قَالَ الْإِمَامُ لِلْعَسْكَرِ مَا أَصَبْتُمْ فَهُوَ لَكُمْ بَعْدَ الْخُمُسِ أَوْ لَمْ يَقُلْ بَعْدَ الْخُمُسِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّنْفِيلِ التَّحْرِيضُ عَلَى الْقِتَالِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِتَخْصِيصِ الْبَعْضِ بِشَيْءٍ وَفِيهِ إبْطَالُ تَفْضِيلِ الْفَارِسِ عَلَى الرَّاجِلِ أَوْ إبْطَالُ الْخُمُسِ فَلَا يَجُوزُ قَالَ رحمه الله
(وَيَنْفُلُ بَعْدَ الْإِحْرَازِ مِنْ الْخُمُسِ فَقَطْ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْفُلَ بَعْدَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ إلَّا مِنْ الْخُمُسِ لِأَنَّ حَقَّ الْغَانِمِينَ قَدْ تَأَكَّدَ فِيهِ بِالْإِحْرَازِ فِي الدَّارِ وَلِهَذَا يُورَثُ مِنْهُ لَوْ مَاتَ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُ حَقِّهِمْ وَلَيْسَ لَهُمْ فِي الْخُمُسِ حَقٌّ فَجَازَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْفُلَ مِنْهُ فَإِنْ قِيلَ حَقُّ الْفُقَرَاءِ أَيْضًا تَأَكَّدَ فِي الْخُمُسِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ إبْطَالُهُ كَمَا يَجُوزُ إبْطَالُ حَقِّ الْغَانِمِينَ قُلْنَا إنَّمَا جَازَ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ مَصْرِفٌ بِأَنْ كَانَ فَقِيرًا وَهَذَا لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لِلْخُمُسِ فَقِيرٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ فَإِذَا جَازَ صَرْفُهُ إلَى فَقِيرٍ غَيْرِ مُقَاتِلٍ فَصَرْفُهُ إلَى فَقِيرٍ مُقَاتِلٍ أَوْلَى لِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَصَرْفَ الْمَالِ إلَى الْمُسْتَحِقِّ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ غَنِيًّا فَلَا يَجُوزُ لِمَا فِي هَذَا التَّنْفِيلِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ قَالَ رحمه الله (وَالسَّلَبُ لِلْكُلِّ إنْ لَمْ يَنْفُلْ)
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
الْإِمَامُ رَجُلًا وَاحِدًا طَلِيعَةً مِنْ الْعَسْكَرِ فَأَصَابَ غَنِيمَةً تُخَمَّسُ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَوْ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً أَوْ لَا مَنَعَةَ لَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ دَخَلُوا دَارَ الْحَرْبِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَأَصَابُوا غَنَائِمَ فَأَخْرَجُوهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ لَهُمْ وَلَا خُمْسَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ أَذِنَ لَهُ خُمْسَ مَا أَصَابُوا وَكَانَ مَا بَقِيَ بَيْنَهُمْ عَلَى سِهَامِ الْغَنِيمَةِ إلَى هُنَا لَفْظُهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِذْنَ وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ صَارَ أَخْذُهُمْ كَأَخْذِ اللِّصِّ وَلَا خُمْسَ فِيهِ لِأَنَّ الْخُمُسَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَأْخُوذِ قَهْرًا وَغَلَبَةً وَلَمْ يُوجَدْ ثُمَّ مَا يَأْخُذُهُ كُلُّ وَاحِدٍ لَا يُشْرِكُهُ فِيهِ أَصْحَابُهُ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَالًا عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ كَالصَّيْدِ وَالْحَطَبِ وَإِنْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَخْذِ شَيْءٍ وَاحِدٍ فَهُوَ بَيْنَهُمْ كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ دَخَلُوا) أَيْ مَنْ لَا مَنَعَةَ لَهُمْ اهـ.
(قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلُوا بِغَيْرِ إذْنِهِ حَيْثُ لَا يُخَمَّسُ) وَلَا يُقَالُ قَوْله تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] مُطْلَقٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُخَمِّسَ وُجِدَ الْإِذْنُ أَوْ لَمْ يُوجَدْ لِأَنَّا نَقُولُ الْغَنِيمَةُ عِنْدَ الْعَرَبِ هُوَ الْمَأْخُوذُ قَهْرًا وَغَلَبَةً وَمَا أَخَذَهُ اللِّصُّ سَرِقَةً وَمَا أَخَذَهُ الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ جَهْرًا خِلْسَةً فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْغَنِيمَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُنَفِّلَ إلَخْ) لَمَّا كَانَ التَّنْفِيلُ أَمْرًا يَتَعَلَّقُ بِالْغَنِيمَةِ ذَكَرَهُ بَعْدَ ذِكْرِ الْغَنَائِمِ يُقَالُ نَفَلَ السُّلْطَانُ فُلَانًا إذَا أَعْطَاهُ سَلَبَ قَتِيلٍ قَتَلَهُ وَنَفَلَ نَفْلًا وَنَفَلَهُ تَنْفِيلًا لُغَتَانِ فَصَيْحَتَانِ كَذَا قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ وَالنَّفَلُ بِفَتْحَتَيْنِ الْغَنِيمَةُ وَجَمْعُهَا أَنْفَالٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَقَوْلُهُ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُنْفِلَ أَيْ فِي حَالِ الْقِتَالِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي حَالِ الْقِتَالِ لِأَنَّ التَّنْفِيلَ عِنْدَنَا إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ قَبْلَ الْإِصَابَةِ وَعِنْدَ الْأَوْزَاعِيِّ يَصِحُّ بَعْدَ الْإِصَابَةِ فِي حَقِّ السَّلَبِ لِلْقَاتِلِ كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْأَسْرَارِ اهـ (قَوْلُهُ وَبِقَوْلِهِ لِلسَّرِيَّةِ جَعَلْت لَكُمْ الرُّبُعَ بَعْدَ الْخُمُسِ) أَيْ بَعْدَ رَفْعِ الْخُمُسِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَحَرِّضْ عليه السلام بِالتَّنْفِيلِ عَلَى الْقِتَالِ فَقَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ إلَخْ) وَقَوْلُهُ «صلى الله عليه وسلم مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا» تَسْمِيَةٌ لِلشَّيْءِ بِاسْمِ مَا يَئُولَ إلَيْهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36] وقَوْله تَعَالَى {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30]. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَهَذَا أَوْلَى) أَيْ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ إلَيْهِ وَقَدْ تَكُونُ الْمَصْلَحَةُ فِيهِ لِشَجَاعَةِ أُولَئِكَ وَكِفَايَتِهِمْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْفُلَ بِكُلِّ الْمَأْخُوذِ) أَيْ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ الْبَاقِينَ مِنْ الْغُزَاةِ وَمَعَ هَذَا لَوْ فَعَلَ جَازَ لِمَا رَأَى فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
أَيْ السَّلْبُ لِجَمِيعِ الْجُنْدِ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ إذَا لَمْ يَنْفُلْ بِهِ الْقَاتِلُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ لِلْقَاتِلِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يُسْهَمَ لَهُ وَقَدْ قَتَلَهُ مُقْبِلًا لِمَا رَوَيْنَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ نَصْبُ شَرْعٍ لِأَنَّهُ بَعَثَ لَهُ وَلِأَنَّ الْقَاتِلَ مُقْبِلًا أَكْثَرُ عَنَاءً فَيَخْتَصُّ بِسَلَبِهِ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ.
وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] وَهُوَ غَنِيمَةٌ وَلِهَذَا لَا يَسْتَحِقُّهُ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْغَنِيمَةَ بِغَيْرِ مُبَاشَرَةٍ وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ غَنِيمَةٌ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِقُوَّةِ الْجَيْشِ إذْ لَوْلَا الْجَيْشُ لَمَا حَصَلَ السَّلَبُ وَلَا تُعْتَبَرُ الْمُبَاشَرَةُ أَلَا تَرَى أَنَّ الرِّدْءَ يَسْتَحِقُّ الْغَنِيمَةَ بِغَيْرِ مُبَاشَرَةِ قِتَالٍ فَيَقْسِمُ قِسْمَةَ الْغَنَائِمِ وَمَا رَوَاهُ يُحْتَمَلُ التَّنْفِيلُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ تَوْفِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا تَلَوْنَا وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ «عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ انْتَهَيْت إلَى أَبِي جَهْلٍ يَوْمَ بَدْرٍ وَهُوَ صَرِيعٌ يَذُبُّ النَّاسِ عَنْهُ بِسَيْفٍ لَهُ فَجَعَلْت أَتَنَاوَلُهُ بِسَيْفٍ لِي غَيْرِ طَائِلٍ فَأَصَبْت يَدَهُ فَنَدَرَ سَيْفُهُ فَأَخَذْته فَضَرَبْته حَتَّى قَتَلْته ثُمَّ أَتَيْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْته فَنَفَلَنِي بِسَلَبِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلَوْ كَانَ السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ لَمَا صَحَّ التَّنْفِيلُ بِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ عَادَتَهُمْ كَانَتْ جَارِيَةً بِأَنَّ السَّلَبَ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ وَإِنَّمَا قَالَ «عليه الصلاة والسلام مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ يَوْمَ حُنَيْنٍ لَمَّا أَصَابَهُمْ مَا أَصَابَهُمْ» وَأَرَادَ بِذَلِكَ عليه الصلاة والسلام تَحْرِيضَهُمْ عَلَى الْقِتَالِ حَتَّى رُوِيَ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ لَمَّا سَمِعَ الْمَقَالَةَ طَلَبَ سَلَبَ قَتِيلِهِ وَأَخَذَهُ بَعْدَ مَا كَانَ تَرَكَهُ وَأَخَذَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمئِذٍ سَلَبَ عِشْرِينَ رَجُلًا وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَى مَا قُلْنَا أَنَّ «خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ مَنَعَ رَجُلًا سَلَبَ قَتِيلِهِ وَكَانَ عَلَيْهِمْ أَمِيرًا فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ فَقَالَ لَهُ أَعْطِهِ ثُمَّ قَالَ لَا تُعْطِهِ» وَلَوْ كَانَ نَصْبُ شَرْعٍ لَمَا وَقَعَ ذَلِكَ وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ
وَلَا يُقَالُ لَعَلَّ هَذَا مُتَقَدِّمٌ لِأَنَّ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ ذَكَرَ أَنَّهُ قَالَ لِخَالِدٍ وَهُوَ الرَّاوِي لِهَذَا الْحَدِيثِ أَمَا عَلِمْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ قَالَ بَلَى لَكِنْ اسْتَكْثَرْته وَلَوْ كَانَ نَصْبُ شَرْعٍ لَاسْتَحَقَّهُ وَإِنْ كَثُرَ وَلَمْ يَنْهَهُ عليه الصلاة والسلام عَنْهُ وَإِنَّمَا مَنَعَهُ خَالِدٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفُلْهُمْ بِهِ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ وَزِيَادَةُ الْقِتَالِ لَا تُعْتَبَرُ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَتَلَهُ مُقْبِلًا فَاشْتِرَاطُهُ يَكُونُ زِيَادَةً وَهُوَ نُسِخَ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ثُمَّ إذَا مَاتَ الْمَقْتُولُ عَلَى فَوْرِهِ فَلَا إشْكَالَ فِيهِ أَنَّ سَلَبَهُ يَكُونُ لِلْقَاتِلِ وَإِنْ تَأَخَّرَ مَوْتُهُ فَإِنْ لَمْ تُقَسَّمْ الْغَنِيمَةُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ فَكَذَلِكَ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَلَا يَسْتَحِقُّ مِنْ سَلَبِهِ شَيْئًا لِأَنَّهُ بِالْإِحْرَازِ تَأَكَّدَ مِلْكُ الْغَانِمِينَ فِيهِ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْقَاتِلُ وَالْغَانِمُونَ فِي مَوْتِهِ فَقَالَ مَاتَ قَبْلَهَا وَقَالُوا هُمْ مَاتَ بَعْدَهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ لِأَنَّهُمْ يُنْكِرُونَ وَلَوْ أَثْخَنَهُ وَاحِدٌ وَقَتَلَهُ آخَرُ فَالسَّلَبُ لِمَنْ أَثْخَنَهُ وَلَوْ مَاتَ فَسَلَبَهُ الْمُشْرِكُونَ ثُمَّ وَقَعَ سَلَبُهُ فِي الْغَنِيمَةِ لَا يَأْخُذُهُ الْقَاتِلُ وَلَوْ جَرُّوهُ نَفْسُهُ وَلَمْ يَسْلُبُوا مِنْهُ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَسَلَبُوهُ فَهُوَ لِلْقَاتِلِ وَالْفَرْقُ أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ السَّلَبَ بِالْأَخْذِ فَانْقَطَعَ مِلْكُ الْقَاتِلِ وَإِذَا لَمْ يَسْلُبُوا مِنْهُ لَمْ يَمْلِكُوا مِنْهُ شَيْئًا قَالَ رحمه الله
(وَهُوَ مَرْكَبُهُ وَثِيَابُهُ وَسِلَاحُهُ وَمَا مَعَهُ) يَعْنِي السَّلَبَ هُوَ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ لِلْعُرْفِ وَكَذَا مَا عَلَى مَرْكَبِهِ مِنْ السَّرْجِ وَالْآلَةِ وَكَذَا مَا مَعَهُ عَلَى الدَّابَّةِ مِنْ مَالِهِ فِي حَقِيبَتِهِ أَوْ فِي وَسَطِهِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَلَيْسَ بِسَلَبٍ هَكَذَا ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ قَالَ الْأَمِيرُ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ فَرَسُهُ فَقَتَلَ رَجُلٌ رَاجِلًا وَمَعَ غُلَامِهِ فَرَسٌ قَائِمٌ بِجَنْبِهِ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ يَكُونُ فَرَسُهُ لِلْقَاتِلِ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْإِمَامِ قَتْلُ مَنْ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْقِتَالِ فَارِسًا وَهَذَا مُتَمَكِّنٌ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِجَنْبِهِ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ إلَّا بِالْإِعْرَاضِ عَنْ الْقِتَالِ ثُمَّ حُكْمُ التَّنْفِيلِ قَطَعَ حَقَّ الْبَاقِينَ عَنْهُ فَأَمَّا الْمِلْكُ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ حَتَّى يُحْرَزَ بِدَارِ الْإِسْلَامِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ حَتَّى لَوْ قَالَ الْإِمَامُ مَنْ أَصَابَ جَارِيَةً فَهِيَ لَهُ فَأَصَابَهَا رَجُلٌ وَاسْتَبْرَأَهَا لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَا بَيْعُهَا وَكَذَا لَوْ أَتْلَفَ السَّلَبَ غَيْرُهُ مِنْ الْغُزَاةِ بَعْدَ مَا أَخَذَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ وَفِيهِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ بِنَفْسِ التَّنْفِيلِ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ اخْتَصَّ بِهِ كَالْمُسْلِمِ إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً فِي دَارِ الْحَرْبِ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ فَكَذَا هَذَا بِخِلَافِ الْمُتَلَصِّصِ إذَا أَخَذَ جَارِيَةً فِي دَارِ الْحَرْبِ وَاسْتَبْرَأَهَا حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا لِعَدَمِ الِاخْتِصَاصِ بِهَا حَتَّى لَوْ لَحِقَهُ جَيْشُ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ شَارَكُوهُ فَيَا وَعِنْدَهُمَا لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ إلَّا بِالْقَهْرِ وَلَا يَتِمُّ الْقَهْرُ إلَّا بِالْإِحْرَازِ بِالدَّارِ كَمَا فِي الْغَنِيمَةِ فِي حَقِّ الْجَيْشِ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْإِحْرَازِ قَاهِرٌ يَدًا مَقْهُورٌ دَارًا فَيَكُونُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَقَدْ قَتَلَهُ مُقْبِلًا) حَالٌ مِنْ الْمَفْعُولِ اهـ (قَوْلُهُ وَمَا رَوَاهُ يُحْتَمَلُ التَّنْفِيلُ) أَيْ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ لِنَصْبِ الشَّرْعِ إذَا قَالَهُ بِالْمَدِينَةِ فِي مَسْجِدِهِ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ إلَّا يَوْمَ بَدْرٍ وَحُنَيْنٍ حِينَ انْهَزَمُوا لِلْحَاجَةِ إلَى التَّحْرِيضِ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَا مَعَهُ) أَيْ لَا عَبْدَهُ وَمَا مَعَهُ وَدَابَّتُهُ وَمَا عَلَيْهَا وَمَا فِي بَيْتِهِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ حَقِيبَتُهُ) الْحَقِيبَةُ الْعَجِيزَةُ ثُمَّ سَمَّى مَا يُحْمَلُ مِنْ الْقُمَاشِ عَلَى الْفَرَسِ خَلْفَ الرَّاكِبِ حَقِيبَةً مَجَازًا لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْعَجْزِ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَا بَيْعُهَا) وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا لِعَدَمِ الِاخْتِصَاصِ بِهَا) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ أَجْمَعُوا فِيمَنْ دَخَلَ مُتَلَصِّصًا دَارَ الْحَرْبِ فَأَخَذَ جَارِيَةً وَاسْتَبْرَأَهَا بِحَيْضَةٍ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يُخْرِجَهَا ثُمَّ يَسْتَبْرِئَهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ