الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(كِتَابُ الْحُدُودِ)
الْحَدُّ فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْبَوَّابُ حَدَّادًا لِمَنْعِهِ النَّاسَ عَنْ الدُّخُولِ وَسُمِّيَ اللَّفْظُ الْجَامِعُ الْمَانِعُ حَدًّا لِأَنَّهُ يَجْمَعُ مَعْنَى الشَّيْءِ وَيَمْنَعُ دُخُولَ غَيْرِهِ فِيهِ وَسُمِّيَتْ الْعُقُوبَاتُ الْخَالِصَةُ حُدُودًا لِأَنَّهَا مَوَانِعُ مِنْ ارْتِكَابِ أَسْبَابِهَا مُعَاوَدَةً وَحُدُودُ اللَّهِ مَحَارِمُهُ لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا} [البقرة: 187] وَحُدُودُ اللَّهِ أَيْضًا أَحْكَامُهُ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ عَنْ التَّخَطِّي إلَى مَا وَرَاءَهَا وَمِنْهُ {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا} [البقرة: 229] وَفِي الشَّرْعِ اسْمٌ لِعُقُوبَةٍ مُقَدَّرَةٍ تَجِبُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يُسَمَّى التَّعْزِيرُ حَدًّا لِعَدَمِ التَّقْدِيرِ وَلَا الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ وَحُكْمُهُ الْأَصْلِيُّ الِانْزِجَارُ عَمَّا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْعِبَادُ وَصِيَانَةُ دَارِ الْإِسْلَامِ عَنْ الْفَسَادِ وَلِهَذَا كَانَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ شُرِعَ لِمَصْلَحَةٍ تَعُودُ إلَى كَافَّةِ النَّاسِ وَالطُّهْرَةُ مِنْ الذَّنْبِ لَيْسَتْ بِحُكْمٍ أَصْلِيٍّ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ لِأَنَّهَا تَحْصُلُ بِالتَّوْبَةِ لَا بِإِقَامَةِ الْحَدِّ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى فِي حَقِّ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ {ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33]{إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [المائدة: 34] الْآيَةَ. وَعَدَ الْمَغْفِرَةَ لِلتَّائِبِ وَلِهَذَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الْكَافِرِ وَلَا طُهْرَةَ لَهُ قَالَ رحمه الله (الْحَدُّ عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى) وَهَذَا فِي الشَّرْعِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ قَالَ رحمه الله (وَالزِّنَا وَطْءٌ فِي قُبُلٍ خَالٍ عَنْ مِلْكٍ وَشُبْهَتِهِ)
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
[ كِتَابُ الْحُدُودِ]
ِ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله لَمَّا اشْتَمَلَتْ الْأَيْمَانُ عَلَى بَيَانِ الْكَفَّارَةِ وَهِيَ دَائِرَةٌ بَيْنَ الْعُقُوبَةِ وَالْعِبَادَةِ أَوْلَاهَا الْحُدُودُ الَّتِي هِيَ عُقُوبَاتٌ مَحْضَةٌ انْدِفَاعًا إلَى بَيَانِ الْأَحْكَامِ بِتَدْرِيجٍ وَلَوْلَا مَا يُعَارِضُ هَذِهِ الْمُنَاسَبَةَ مِنْ لُزُومِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْعِبَادَاتِ الْمَحْضَةِ لَكَانَ إيلَاءُ الْحُدُودِ الصَّوْمَ أَوْجَهَ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى بَيَانِ كَفَّارَةِ الْإِفْطَارِ الْمُغَلَّبِ فِيهَا جِهَةُ الْعُقُوبَةِ حَتَّى تَدَاخَلَتْ عَلَى مَا عُرِفَ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ الْمُغَلَّبِ فِيهَا جِهَةُ الْعِبَادَةِ لَكِنْ كَانَ يَكُونُ التَّرْتِيبُ حِينَئِذٍ الصَّلَاةُ ثُمَّ الْأَيْمَانُ ثُمَّ الصَّوْمُ ثُمَّ الْحُدُودُ ثُمَّ الْحَجُّ فَيَقَعُ مِنْ الْفَصْلِ بَيْنَ الْعِبَادَاتِ الَّتِي هِيَ جِنْسٌ وَاحِدٌ بِالْأَجْنَبِيِّ مَا يُبْعِدُ بَيْنَ الْأَخَوَاتِ الْمُتَّحِدَةِ فِي الْجِنْسِ الْقَرِيبِ وَمُوجِبُ اسْتِعْمَالِ الشَّارِعِ لَهَا كَذَلِكَ لَكِنَّهُ قَالَ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» الْحَدِيثَ اهـ
(قَوْلُهُ فَلَا يُسَمَّى التَّعْزِيرُ حَدًّا لِعَدَمِ التَّقْدِيرِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذَا مَا عَلَيْهِ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا وَقَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ وَالْقِصَاصُ يُسَمَّى أَيْضًا حَدًّا فَحُدُودُ الشَّرْعِ مَوَانِعُ قَبْلَ الْوُقُوعِ وَزَوَاجِرُ بَعْدَهُ قَالَ الْكَمَالُ أَيْ الْعِلْمُ بِشَرْعِيَّتِهَا يَمْنَعُ الْإِقْدَامَ عَلَى الْفِعْلِ وَإِيقَاعُهَا بَعْدَهُ يَمْنَعُ مِنْ الْعَوْدِ إلَيْهِ اهـ وَقَالَ الْكَمَالُ فَلَا يُسَمَّى الْقِصَاصُ حَدًّا لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ وَلَا التَّعْزِيرُ لِعَدَمِ التَّقْدِيرِ عَلَى مَا عَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمُقَدَّرَ نَوْعٌ مِنْهُ وَهُوَ التَّعْزِيرُ بِالضَّرْبِ لَكِنَّهُ لَا يَنْحَصِرُ فِي الضَّرْبِ بَلْ يَكُونُ بِغَيْرِهِ مِنْ حَبْسٍ وَعَرْكِ أُذُنٍ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي وَهَذَا الِاصْطِلَاحُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَفِي اصْطِلَاحٍ آخَرَ لَا يُؤْخَذُ الْقَيْدُ الْأَخِيرُ فَيُسَمَّى الْقِصَاصُ حَدًّا فَالْحَدُّ هُوَ الْعُقُوبَةُ الْمُقَدَّرَةُ شَرْعًا غَيْرَ أَنَّ الْحَدَّ عَلَى هَذَا قِسْمَانِ مَا يَصِحُّ فِيهِ الْعَفْوُ وَمَا لَا يَقْبَلُهُ وَعَلَى الْأَوَّلِ الْحَدُّ مُطْلَقًا لَا يَقْبَلُ الْإِسْقَاطَ بَعْدَ ثُبُوتِ سَبَبِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَعَلَيْهِ انْبَنَى عَدَمُ الشَّفَاعَةِ فِيهِ فَإِنَّهَا طَلَبُ تَرْكِ الْوَاجِبِ وَلِذَا «أَنْكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ حِينَ شَفَعَ فِي الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالَ أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ»
وَأَمَّا قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى الْإِمَامِ وَالثُّبُوتِ عِنْدَهُ تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَ الرَّافِعِ لَهُ إلَى الْحَاكِمِ لِيُطْلِقَهُ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَقَالَ إذَا بَلَغَ إلَى الْإِمَامِ فَلَا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ إنْ عَفَا وَهَذَا لِأَنَّ وُجُوبَ الْحَدِّ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ فَالْوُجُوبُ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْفِعْلِ بَلْ عَلَى الْإِمَامِ عِنْدَ الثُّبُوتِ عِنْدَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ) أَيْ بِدَلَالَةِ جَوَازِ الْفِعْلِ وَالِاعْتِيَاضِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالطُّهْرَةُ مِنْ الذَّنْبِ إلَخْ) قَالَ السَّمَرْقَنْدِيُّ شَارِحُ الْكَنْزِ عِنْدَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ اعْلَمْ أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا حُدَّ أَوْ اُقْتُصَّ فِي الدُّنْيَا لَا يُحَدُّ وَلَا يُقْتَصُّ فِي الْآخِرَةِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعُوقِبَ بِهِ فِي الدُّنْيَا لَمْ يُعَاقَبْ بِهِ فِي الْآخِرَةِ» اهـ
وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ الطُّهْرَةُ عَنْ الذَّنْبِ لَا تَحْصُلُ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ بَلْ بِالتَّوْبَةِ وَلِهَذَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى كُرْهٍ مِنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا بِإِقَامَةِ الْحَدِّ) قَالَ عُلَمَاؤُنَا إذَا ارْتَكَبَ الْعَبْدُ ذَنْبًا يُوجِبُ الْحَدَّ فَأُجْرِيَ عَلَيْهِ الْحَدُّ لَا يَحْصُلُ لَهُ التَّطْهِيرُ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ وَنَدَمٍ لِلْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِيهِ وَفِيهِ رَدٌّ لِمَذْهَبِ الْمُرْجِئَةِ فَإِنَّ عِنْدَهُمْ لَا يَضُرُّ ذَنْبٌ مَعَ الْإِيمَانِ كَمَا لَا تَنْفَعُ طَاعَةٌ مَعَ الْكُفْرِ اهـ أَوَّلَ الْكَشْفِ شَرْحُ الْبَزْدَوِيِّ اهـ (قَوْلُهُ {لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا} [المائدة: 33] قَالَ أَبُو اللَّيْثِ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ} [المائدة: 33] يَعْنِي الْقَتْلَ وَالْقَطْعَ لَهُمْ عَذَابٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ كَفَّارَةً لِذُنُوبِهِمْ إنْ لَمْ يَتُوبُوا. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالزِّنَا وَطْءٌ فِي قُبُلٍ خَالٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ الْوَطْءُ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ هُوَ الزِّنَا وَأَنَّهُ فِي عُرْفِ أَهْلِ الشَّرْعِ وَاللِّسَانِ وَطْءُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ فِي الْقُبُلِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ قَالَ الْكَمَالُ وَذَكَرَ أَنَّ الزِّنَا فِي عُرْفِ اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ يَعْنِي لَمْ يُزَدْ عَلَيْهِ فِي الشَّرْعِ قَيْدٌ وَعَرَّفَهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ بِأَنَّهُ وَطْءُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ فِي الْقُبُلِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَشُبْهَةِ الْمِلْكِ وَهَذَا لِأَنَّ فِي اللُّغَةِ مَعْنَى الْمِلْكِ أَمْرٌ ثَابِتٌ قَبْلَ مَجِيءِ هَذَا الشَّرْعِ وَإِنْ كَانَ هُوَ فِي نَفْسِهِ أَمْرًا شَرْعِيًّا لَكِنَّ ثُبُوتَهُ بِالشَّرْعِ الْأَوَّلِ بِالضَّرُورَةِ
وَالنَّاسُ لَمْ يُتْرَكُوا سُدًى فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ فَيَكُونُ مَعْنَى الْمِلْكِ أَمْرًا مَشْرُوعًا مِنْ بَعْثِ آدَمَ أَوْ قَبْلَ بَعْثِهِ بِوَحْيٍ يَخُصُّهُ أَيْ يَخُصُّ الْمِلْكَ فَكَانَ ثُبُوتُهُ شَرْعًا مَعَ اللُّغَةِ مُطْلَقًا فِي الْوُجُودِ الدُّنْيَوِيِّ سَوَاءٌ كَانَتْ اللُّغَةُ عَرَبِيَّةً أَمْ غَيْرَهَا مَخْصُوصَةً بِالدُّنْيَا وَإِنْ كَانَ الْوَضْعُ قَبْلَهَا فَثُبُوتُ الْمُسَمَّى فِي الدُّنْيَا وَالْوَضْعُ لِمَعْنًى مَعْقُولٍ قَبْلَ تَحَقُّقِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ تَعْرِيفٌ فِي اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ فَإِنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَخُصَّ اسْمَ الزِّنَا بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ بَلْ هُوَ أَعَمُّ وَالْمُوجِبُ لِلْحَدِّ مِنْهُ بَعْضُ أَنْوَاعِهِ وَلِهَذَا قَالَ عليه الصلاة والسلام «الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا النَّظَرُ» وَلَوْ وَطِئَ رَجُلٌ جَارِيَةَ ابْنِهِ لَا يُحَدُّ لِلزِّنَا وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ بِالزِّنَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ فِعْلَهُ زِنًا وَإِنْ كَانَ لَا يُحَدُّ فَلَوْلَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْمُوجِبُ
يَعْنِي بِهِ الزِّنَا الْمُوجِبَ لِلْحَدِّ وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْمَوْطُوءَةُ مُشْتَهَاةً وَالْوَاطِئُ مُكَلَّفًا طَائِعًا وَلَوْ قَالَ الزِّنَا وَطْءُ مُكَلَّفٍ فِي قُبُلِ الْمُشْتَهَاةِ عَارٍ عَنْ مِلْكٍ وَشُبْهَتِهِ عَنْ طَوْعٍ كَانَ أَتَمَّ لِيَخْرُجَ بِذَلِكَ وَطْءُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ كَالْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَوَطْءُ غَيْرِ الْمُشْتَهَاةِ كَالصَّغِيرَةِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ حَدًّا تُشْتَهَى وَالْمَيِّتَةِ وَالْبَهَائِمِ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الزِّنَا اسْمٌ لِفِعْلٍ مَحْظُورٍ وَالْحُرْمَةُ عَلَى الْإِطْلَاقِ عِنْدَ التَّعَرِّي عَنْ الْمِلْكِ وَشُبْهَةِ الْمِلْكِ وَلِهَذَا وَجَبَ دَرْؤُهُ بِهَا شَرْعًا وَالْحَدُّ شُرِعَ لِتَقْلِيلِ الْفَسَادِ فِيمَا يَكْثُرُ وُجُودُهُ وَوَطْءُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ نَادِرٌ لِأَنَّ مَنْ لَهُ الطِّبَاعُ السَّلِيمَةُ وَالْعُقُولُ الْمُسْتَقِيمَةُ يَنْفِرُ عَنْهُ وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ بَعْضُ السُّفَهَاءِ لِغَلَبَةِ الشَّبَقِ وَذَلِكَ نَادِرٌ فَلَا يَسْتَدْعِي زَاجِرًا وَهَذَا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْجَزَاءِ أَنْ يَكُونَ فِي الْآخِرَةِ لَا فِي الدُّنْيَا لِأَنَّهَا دَارُ الِابْتِلَاءِ وَالْآخِرَةَ دَارُ الْجَزَاءِ لَكِنَّ السُّفَهَاءَ لَمَّا لَمْ يَنْتَهُوا بِمُجَرَّدِ النَّهْيِ وَالْوَعِيدِ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الشَّارِعِ شُرِعَ فِي الدُّنْيَا بَعْضُ الْعُقُوبَةِ دَفْعًا لِفَسَادِهِمْ عَنْ الْعَالَمِ فِيمَا يَكْثُرُ وُجُودُهُ
قَالَ رحمه الله (وَيَثْبُتُ بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ بِالزِّنَا لَا بِالْوَطْءِ وَالْجِمَاعِ) أَيْ يَثْبُتُ الزِّنَا عِنْدَ الْحَاكِمِ ظَاهِرًا بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ يَشْهَدُونَ عَلَيْهِ بِالزِّنَا أَيْ بِلَفْظِ الزِّنَا لَا بِلَفْظِ الْوَطْءِ وَالْجِمَاعِ لِأَنَّ الْوُصُولَ إلَى الْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ مُتَعَسِّرٌ فَاكْتُفِيَ بِالدَّلِيلِ الظَّاهِرِ وَهُوَ الْبَيِّنَةُ أَوْ الْإِقْرَارُ لِرُجْحَانِ جَنَبَةِ الصِّدْقِ لَا سِيَّمَا الْإِقْرَارُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُقِرِّ وَاشْتِرَاطُ الْأَرْبَعَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] وَقَالَ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4]«وَقَالَ عليه الصلاة والسلام لِلَّذِي قَذَفَ امْرَأَتَهُ ائْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ يَشْهَدُونَ عَلَى صِدْقِ مَقَالَتِك» وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ السَّتْرَ عَلَى عِبَادِهِ وَذَمَّ مَنْ يُحِبُّ إشَاعَةَ الْفَاحِشَةِ وَفِي اشْتِرَاطِ الْأَرْبَعِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
لِلْحَدِّ هُوَ الزِّنَا وَهُوَ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ إلَخْ لَصَحَّ تَعْرِيفُهُ وَلَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ شَيْءٌ لَكِنَّهُ لَمَّا قَالَ ذَلِكَ كَانَ ظَاهِرًا فِي قَصْدِهِ إلَى تَعْرِيفِ الزِّنَا الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ وَحِينَئِذٍ يَرِدُ عَلَى طَرْدِهِ وَطْءُ الصَّبِيَّةِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى وَوَطْءُ الْمَجْنُونِ وَالْمُكْرَهِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ فَإِنَّ الْجِنْسَ وَطْءُ الرَّجُلِ فَالْأَوْلَى فِي تَعْرِيفِهِ أَنَّهُ وَطْءُ مُكَلَّفٍ طَائِعٍ مُشْتَهَاةً حَالًا أَوْ مَاضِيًا فِي الْقُبُلِ بِلَا شُبْهَةٍ لِمِلْكٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَخَرَجَ زِنَا الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْمُكْرَهِ وَبِالصَّبِيَّةِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى الْمَيِّتَةُ وَالْبَهِيمَةُ وَدَخَلَ وَطْءُ الْعَجُوزِ اهـ
قَوْلُهُ وَأَنَّهُ فِي عُرْفِ أَهْلِ الشَّرْعِ وَاللِّسَانِ إلَخْ هَكَذَا عَرَّفَهُ الشَّارِحُ فِي بَابِ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْمَوْطُوءَةُ مُشْتَهَاةً وَالْوَاطِئُ مُكَلَّفًا طَائِعًا) فَإِنْ قُلْت لَوْ كَانَ الطَّوْعُ دَاخِلًا فِي مَاهِيَّةِ الزِّنَا الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ لَمَا وَجَبَ الْحَدُّ عَلَى الْمَرْأَةِ إذَا كَانَ الرَّجُلُ مُكْرَهًا لِأَنَّهَا مَكَّنَتْ مِنْ فِعْلٍ غَيْرِ مُوجِبٍ لِلْحَدِّ فَيَكُونُ كَالْيَمِينِ مِنْ فِعْلِ الصَّبِيِّ أَوْ الْمَجْنُونِ قُلْت الطَّوْعُ إنَّمَا اُعْتُبِرَ فِي الزِّنَا الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ عَلَى فَاعِلِهِ لَا فِي الزِّنَا مُطْلَقًا فَفِعْلُ الْمُكْرَهِ زِنًا وَإِنْ لَمْ يُوجِبْهُ عَلَيْهِ وَفِعْلُهَا لَيْسَ بِزِنًا فَظَهَرَ الْفَرْقُ. اهـ. مُجْتَبَى قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله ابْتَدَأَ بِحَدِّ الزِّنَا لِكَثْرَةِ وُقُوعِ سَبَبِهِ مَعَ قَطْعِيَّتِهِ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ بِخِلَافِ السَّرِقَةِ فَإِنَّهَا لَا تَكْثُرُ كَثْرَتَهُ وَالشُّرْبُ وَإِنْ كَثُرَ فَلَيْسَ حَدُّهُ بِتِلْكَ الْقَطْعِيَّةِ وَالزِّنَا مَقْصُورٌ فِي اللُّغَةِ الْفُصْحَى لُغَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ الَّتِي بِهَا جَاءَ الْقُرْآنُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا} [الإسراء: 32] وَيُمَدُّ فِي لُغَةِ نَجْدٍ
قَالَ الْفَرَزْدَقُ
أَبَا طَاهِرٍ مَنْ يَزْنِ يُعْرَفْ زِنَاؤُهُ
…
وَمَنْ يَشْرَبْ الْخُرْطُومَ يُصْبِحْ مُسَكَّرَا
بِفَتْحِ الْكَافِ وَتَشْدِيدِهَا مِنْ التَّسْكِيرِ وَالْخُرْطُومُ مِنْ أَسْمَاءِ الْخَمْرِ اهـ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَثْبُتُ بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ) أَيْ لَيْسَ فِيهِمْ امْرَأَةٌ عَلَى رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ اهـ فَتْحٌ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالزِّنَا يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ قَالَ الْكَمَالُ وَالْمُرَادُ ثُبُوتُهُ عِنْدَ الْحُكَّامِ أَمَّا ثُبُوتُهُ فِي نَفْسِهِ فَبِإِيجَادِ الْإِنْسَانِ لِلْفِعْلِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ تَعْرِيفَ الزِّنَا فِي بَابِ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَخَصَّ الْبَيِّنَةَ وَالْإِقْرَارَ لِنَفْيِ ثُبُوتِهِ بِعِلْمِ الْإِمَامِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَكَذَا سَائِرُ الْحُدُودِ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَنَقَلَ قَوْلًا عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْحَاصِلَ بِالْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ دُونَ الْحَاصِلِ بِمُشَاهَدَةِ الْإِمَامِ قُلْنَا نَعَمْ لَكِنَّ الشَّرْعَ أَهْدَرَ اعْتِبَارَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور: 13] وَنَقَلَ فِيهِ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ اهـ
(قَوْلُهُ وَقَالَ عليه الصلاة والسلام لِلَّذِي قَذَفَ امْرَأَتَهُ) هُوَ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ (قَوْلُهُ يَشْهَدُونَ عَلَى صِدْقِ مَقَالَتِك) أَيْ وَإِلَّا فَحَدٌّ فِي ظَهْرِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ السَّتْرَ عَلَى عِبَادِهِ) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ وَإِذَا كَانَ السَّتْرُ مَنْدُوبًا إلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ بِهِ خِلَافَ الْأَوْلَى الَّتِي مَرْجِعُهَا إلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ لِأَنَّهَا فِي رُتْبَةِ النَّدْبِ فِي جَانِبِ الْفِعْلِ وَكَرَاهَةُ التَّنْزِيهِ فِي جَانِبِ التَّرْكِ وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ لَمْ يَعْتَدْ الزِّنَا وَلَمْ يَتَهَتَّكْ بِهِ أَمَّا إذَا وَصَلَ الْحَالُ إلَى إشَاعَتِهِ وَالتَّهَتُّكِ بِهِ بَلْ بَعْضُهُمْ رُبَّمَا امْتَحَنَ بِهِ فَيَجِبُ كَوْنُ الشَّهَادَةِ بِهِ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهَا لِأَنَّ مَطْلُوبَ الشَّارِعِ إخْلَاءُ الْأَرْضِ مِنْ الْمَعَاصِي وَالْفَوَاحِشِ بِالْخِطَابَاتِ الْمُفِيدَةِ لِذَلِكَ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِالتَّوْبَةِ مِنْ الْفَاعِلِينَ وَبِالزَّجْرِ لَهُمْ فَإِذَا ظَهَرَ حَالُ الشِّرَّةِ فِي الزِّنَا مَثَلًا وَالشُّرْبِ وَعَدَمِ الْمُبَالَاةِ بِهِ وَإِشَاعَتُهُ
فَإِخْلَاءُ الْأَرْضِ الْمَطْلُوبِ حِينَئِذٍ بِالتَّوْبَةِ احْتِمَالٌ يُقَابِلُهُ ظُهُورُ عَدَمِهَا فَمَنْ اتَّصَفَ بِذَلِكَ فَيَجِبُ تَحْقِيقُ السَّبَبِ الْآخَرِ لِلْإِخْلَاءِ وَهُوَ الْحُدُودُ بِخِلَافِ مَنْ زَنَى مَرَّةً أَوْ مِرَارًا مُتَسَتِّرًا مُتَخَوِّفًا مُتَنَدِّمًا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَحَلُّ اسْتِحْبَابِ سَتْرِ الشَّاهِدِ وَعَلَى هَذَا ذِكْرُهُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي وَأَدَاءِ الشَّهَادَةِ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْغَيْبَةِ فِيهِ يَحْرُمُ مِنْهُ مَا يَحْرُمُ مِنْهَا وَيَحِلُّ مِنْهُ مَا يَحِلُّ مِنْهَا اهـ كَلَامُ الْكَمَالِ مَعَ حَذْفٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَفِي اشْتِرَاطِ الْأَرْبَعِ إلَخْ) لَا يُقَالُ اشْتِرَاطُ الْأَرْبَعِ لَا لِمَعْنَى السَّتْرِ لِأَنَّ الزِّنَا يَحْصُلُ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَشْهَدُ اثْنَانِ لِأَنَّا نَقُولُ شَهَادَةُ الِاثْنَيْنِ كَمَا جَازَتْ عَلَى الرَّجُلِ جَازَتْ عَلَى الْمَرْأَةِ لِوُجُودِ الْعَدَالَةِ فَلَا حَاجَةَ عَلَى هَذَا إلَى اشْتِرَاطِ شَاهِدَيْنِ آخَرَيْنِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمَعْنَى هُوَ السَّتْرُ لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَرْبَعَةُ أَحْرَارٍ عُدُولٍ مُسْلِمِينَ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الرِّجَالِ مَعَ النِّسَاءِ وَلَا كِتَابُ الْقَاضِي
تَحْقِيقُ مَعْنَى السَّتْرِ إذْ وُقُوفُ الْأَرْبَعَةِ عَلَى هَذِهِ الْفَاحِشَةِ نَادِرٌ وَاشْتِرَاطُ لَفْظِ الزِّنَا لِأَنَّهُ هُوَ الدَّالُّ عَلَى فِعْلِ الْحَرَامِ لَا لَفْظُ الْوَطْءِ وَالْجِمَاعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} [الإسراء: 32] الْآيَةَ وَاتِّحَادُ الْمَجْلِسِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الشَّهَادَةِ عِنْدَنَا حَتَّى لَوْ شَهِدُوا مُتَفَرِّقِينَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ عِنْدَنَا وَيُحَدُّونَ حَدَّ الْقَذْفِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تُقْبَلُ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ إذْ لَا تَفْصِيلَ فِي النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِيهِ فَيُعْمَلُ بِإِطْلَاقِهَا وَلَنَا قَوْلُ عُمَرَ رضي الله عنه لَوْ جَاءُوا مِثْلَ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ فُرَادَى لَجَلَدْتُهُمْ وَلِأَنَّ قَوْلَ الْوَاحِدِ قَبْلَ قَوْلِ غَيْرِهِ وَقَعَ قَذْفًا وَكَذَا الثَّانِي وَالثَّالِثُ فَلَا يَنْقَلِبُ شَهَادَةً إلَّا لِلضَّرُورَةِ وَهُوَ مَا إذَا جَاءُوا جُمْلَةً فَشَهِدَ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ لِتَعَذُّرِ أَدَائِهَا جُمْلَةً وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ الزَّوْجَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ فِيهِ تُهْمَةً وَلَنَا أَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِهِ لِأَنَّهُ يُقِرُّ بِزِنَا امْرَأَتِهِ فَكَانَ أَبْعَدَ مِنْ التُّهْمَةِ كَشَهَادَةِ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ
قَالَ رحمه الله (فَيَسْأَلُهُمْ الْإِمَامُ عَنْ مَاهِيَّتِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ وَمَكَانِهِ وَزَمَانِهِ وَالْمُزْنِيَةِ) أَيْ يَسْأَلُهُمْ عَنْ نَفْسِ الزِّنَا وَحَالِهِ وَمَوْضِعِهِ وَوَقْتِهِ وَالْمَرْأَةِ الَّتِي زُنِيَ بِهَا لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام اسْتَفْسَرَ مَاعِزًا إلَى أَنْ ذَكَرَ الْكَافَ وَالنُّونَ وَلِأَنَّ كَلَامَهُمْ مُحْتَمِلٌ وَالِاحْتِيَاطُ فِيهِ وَاجِبٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِفْسَارُ لِيَزُولَ الِاحْتِمَالُ فَيَسْأَلُهُمْ عَنْ مَاهِيَّتِهِ أَيْ ذَاتِهِ وَهُوَ إدْخَالُ الْفَرْجِ فِي الْفَرْجِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ عَنَوْا بِهِ غَيْرَ الْفِعْلِ فِي الْفَرْجِ كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم «الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا النَّظَرُ وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْبَطْشُ وَالرِّجْلَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْمَشْيُ» وَلِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْتَقِدُ كُلَّ وَطْءٍ حَرَامٍ زِنًا يُوجِبُ الْحَدَّ، وَعَنْ كَيْفِيَّتِهِ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهِ حَالَةَ الْإِكْرَاهِ أَوْ تَمَاسِّ الْفَرْجَيْنِ مِنْ غَيْرِ إيلَاجٍ إلَى الْحَشَفَةِ وَعَنْ زَمَانِهِ وَمَكَانِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ الْبَغْيِ أَوْ فِي قِدَمِ الزَّمَانِ أَوْ فِي حَالِ صِبَاهُ أَوْ جُنُونِهِ
وَعَنْ الْمَزْنِيِّ بِهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ أَوْ تَكُونَ لَهُ شُبْهَةٌ لَا يَعْرِفُهَا هُوَ وَلَا الشُّهُودُ كَوَطْءِ جَارِيَةِ الِابْنِ فَيَسْتَقْصِي فِي ذَلِكَ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ وَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ قَالَ عليه الصلاة والسلام «ادْرَءُوا الْحُدُودَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» قَالَ رحمه الله (فَإِنْ بَيَّنُوهُ وَقَالُوا رَأَيْنَاهُ وَطِئَهَا كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ وَعَدَلُوا سِرًّا وَجَهْرًا حُكِمَ بِهِ) لِظُهُورِ الْحَقِّ وَوُجُوبِ الْحُكْمِ بِهِ عَلَى الْقَاضِي وَلَوْ قَالُوا لَا نَزِيدُ عَلَى قَوْلِهِمْ زَنَى لَا يُحَدُّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ لِلشُّبْهَةِ وَكَذَا الشُّهُودُ أَيْضًا لَا يُحَدُّونَ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالزِّنَا وَلَمْ يَقْذِفُوا وَإِنَّمَا يُسْأَلُونَ احْتِيَاطًا حَتَّى لَوْ وَصَفُوهُ بِغَيْرِ وَصْفِهِ يُحَدُّونَ وَلَمْ يُكْتَفَ هُنَا بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ وَيَحْبِسُهُ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ كَيْ لَا يَهْرُبَ
وَلَا وَجْهَ إلَى أَخْذِ الْكَفِيلِ مِنْهُ لِأَنَّ أَخْذَ الْكَفِيلِ نَوْعُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
إلَى الْقَاضِي وَلَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ تَحْقِيقٌ) أَمَّا أَنَّ فِيهِ مَعْنَى السَّتْرِ فَلِأَنَّ الشَّيْءَ كُلَّمَا كَثُرَتْ شُرُوطُهُ قَلَّ وُجُودُهُ فَإِنَّ وُجُودَهُ إذَا تَوَقَّفَ عَلَى أَرْبَعَةٍ لَيْسَ كَوُجُودِهِ إذَا تَوَقَّفَ عَلَى اثْنَيْنِ مِنْهَا فَيَتَحَقَّقُ بِذَلِكَ الِانْدِرَاءُ اهـ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ فِيهِ تُهْمَةً) أَيْ وَنَحْنُ نَقُولُ التُّهْمَةُ مَا تُوجِبُ جَرَّ نَفْعٍ وَالزَّوْجُ مُدْخِلٌ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ عَلَى نَفْسِهِ لُحُوقَ الْعَارِ وَخُلُوَّ الْفِرَاشِ خُصُوصًا إذَا كَانَ لَهُ مِنْهَا أَوْلَادٌ صِغَارٌ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ «وَالرِّجْلَانِ يَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْمَشْيُ») أَيْ «وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ» فَلَعَلَّ الشُّهُودَ تُسَمِّي مُقَدِّمَاتِ الزِّنَا زِنًا وَيَجِبُ الِاحْتِرَازُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ بِالسُّؤَالِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ وَلِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْتَقِدُ كُلَّ وَطْءٍ حَرَامٍ زِنًا إلَخْ) كَوَطْءِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ وَالْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَالْأَمَةِ الَّتِي هِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ حَرَامٌ وَلَيْسَ بِزِنًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ الْبَغْيِ) مِثَالٌ لِلسُّؤَالِ عَنْ الْمَكَانِ اهـ أَيْ وَلِأَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا لَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ يَدٌ عَلَيْهِ عِنْدَ وُجُوبِ الْحَدِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ فِي قِدَمِ الزَّمَانِ أَوْ فِي حَالِ صِبَاهُ أَوْ جُنُونِهِ) مِثَالٌ لِلسُّؤَالِ عَنْ الزِّنَا اهـ يَعْنِي إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ بِزِنًا مُتَقَادِمٍ لَا يُقْبَلُ اهـ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَالْحَاءِ. اهـ. كَمَالٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ مَا نَصُّهُ جَوَابُ كَيْفَ هُوَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَدَلُوا سِرًّا وَجَهْرًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَإِذَا عَدَلُوا حُكِمَ بِشَهَادَتِهِمْ رَجْمًا كَانَ مُوجِبُ الزِّنَا أَوْ جَلْدًا هَذَا إذَا لَمْ يَعْرِفْ الْقَاضِي عَدَالَةَ الشُّهُودِ أَمَّا إذَا عَرَفَهَا يُحَدُّ بِلَا تَعْدِيلٍ وَقَالَ الْكَمَالُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ كَانَ يَعْلَمُ عَدَالَةَ الشُّهُودِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ عَنْ عَدَالَتِهِمْ لِأَنَّ عِلْمَهُ يُغْنِيهِ عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْحَاصِلِ مِنْ تَعْدِيلِ الْمُزَكِّي وَلَوْلَا مَا ثَبَتَ مِنْ إهْدَارِ الشَّرْعِ عِلْمَهُ بِالزِّنَا فِي إقَامَةِ الْحَدِّ بِالسَّمْعِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لَكَانَ يَحُدُّ بِعِلْمِهِ لَكِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ هُنَاكَ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي تَعْدِيلِ الشُّهُودِ إهْدَارُ عِلْمِهِ بِعَدَالَتِهِمْ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَصُورَةُ تَعْدِيلِ السِّرِّ أَنْ يَبْعَثَ الْقَاضِي أَسْمَاءَ الشُّهُودِ إلَى الْمُعَدِّلِ بِكِتَابٍ فِيهِ أَسْمَاؤُهُمْ وَأَنْسَابُهُمْ وَحِلَاهُمْ وَمَحَالُّهُمْ وَسُوقُهُمْ حَتَّى يَعْرِفَ الْمُعَدِّلُ ذَلِكَ فَيَكْتُبُ تَحْتَ اسْمِ مَنْ كَانَ عَدْلًا عَدْلٌ جَائِزُ الشَّهَادَةِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا فَلَا يُكْتَبُ تَحْتَهُ شَيْءٌ أَوْ يَكْتُبُ اللَّهُ أَعْلَمُ وَصُورَةُ تَعْدِيلِ الْعَلَانِيَةِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمُعَدِّلِ وَالشَّاهِدِ فَيَقُولُ الْمُعَدِّلُ هَذَا هُوَ الَّذِي عَدَّلْته وَسَيَجِيءُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ اهـ
قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَبَقِيَ شَرْطٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ مَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ وَنَقَلَ فِي اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِحُرْمَةِ الزِّنَا إجْمَاعَ الْفُقَهَاءِ اهـ وَلَفْظُ الْمُحِيطِ وَأَمَّا شَرْطُهُ فَالْعِلْمُ بِالتَّحْرِيمِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْحُرْمَةِ لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ وَأَصْلُهُ مَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَجُلًا زَنَى بِالْيَمَنِ فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ عُمَرُ رضي الله عنه إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الزِّنَا فَاجْلِدُوهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ فَعَلِّمُوهُ وَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الشَّرْعِيَّاتِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ وَإِنْ كَانَ الشُّيُوعُ وَالِاسْتِفَاضَةُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أُقِيمَ مَقَامَ الْعِلْمِ وَلَكِنْ لَا أَقَلَّ مِنْ إيرَاثِ الشُّبْهَةِ لِعَدَمِ التَّبْلِيغِ وَالْإِسْمَاعِ لِلْحُرْمَةِ اهـ
(قَوْلُهُ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ يُكْتَفَى بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ» إلَّا إذَا طَعَنَ الْخَصْمُ فَحِينَئِذٍ يُسْأَلُ الْقَاضِي عَنْ الشُّهُودِ عِنْدَهُ أَيْضًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
احْتِيَاطٍ فَلَا يَكُونُ مَشْرُوعًا فِيمَا يُبْنَى عَلَى الدَّرْءِ فَإِنْ قِيلَ الِاحْتِيَاطُ فِي الْحَبْسِ أَكْثَرُ فَكَيْفَ يَكُونُ مَشْرُوعًا قُلْنَا حَبْسُهُ لَيْسَ بِطَرِيقِ الِاحْتِيَاطِ بَلْ بِطَرِيقِ التَّعْزِيرِ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَّهَمًا بِارْتِكَابِ الْفَاحِشَةِ فَيَحْبِسُهُ تَعْزِيرًا لَهُ «وَحَبَسَ عليه الصلاة والسلام رَجُلًا بِالتُّهْمَةِ» بِخِلَافِ الدُّيُونِ حَيْثُ لَا يُحْبَسُ فِيهَا قَبْلَ ظُهُورِ الْعَدَالَةِ لِأَنَّ الْحَبْسَ أَقْصَى عُقُوبَةٍ فِيهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُعَاقِبُهُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَقِّ إلَّا بِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَهُ قَبْلَ الثُّبُوتِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ فَإِنَّ فِيهَا عُقُوبَةً أُخْرَى أَغْلَظَ مِنْهُ
قَالَ رحمه الله (وَبِإِقْرَارِهِ أَرْبَعًا فِي مَجَالِسِهِ الْأَرْبَعَةِ كُلَّمَا أَقَرَّ رَدَّهُ) أَيْ يَثْبُتُ الزِّنَا بِإِقْرَارِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ مِنْ مَجَالِسِ الْمُقِرِّ كُلَّمَا أَقَرَّ رَدَّهُ الْقَاضِي وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُكْتَفَى بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مُظْهِرٌ وَتَكْرَارُهُ لَا يَزِيدُ شَيْئًا كَمَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ بِخِلَافِ كَثْرَةِ الْعَدَدِ فِي الشُّهُودِ لِأَنَّهُ يُفِيدُ زِيَادَةَ طُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ وَلَنَا حَدِيثُ «مَاعِزٍ رضي الله عنه أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَخَّرَ إقَامَةَ الْحَدِّ عَلَيْهِ إلَى أَنْ تَمَّ إقْرَارُهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ» فَلَوْ ظَهَرَ دُونَهَا لَمَا أَخَّرَهَا لِثُبُوتِ الْوُجُوبِ وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ فِيهِ اُخْتُصَّتْ بِزِيَادَةِ الْعَدَدِ فَكَذَا الْإِقْرَارُ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الزِّنَا وَتَحْقِيقًا لِلسَّتْرِ وَلَا بُدَّ مِنْ اخْتِلَافِ الْمَجَالِسِ لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ لِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ أَثَرًا فِي جَمْعِ الْمُتَفَرِّقَاتِ فَعِنْدَهُ يَتَحَقَّقُ شُبْهَةُ الِاتِّحَادِ فِيهِ وَهُوَ قَائِمٌ بِالْمُقِرِّ فَيُعْتَبَرُ مَجْلِسُهُ دُونَ مَجْلِسِ الْقَاضِي وَيَرُدُّهُ الْقَاضِي كُلَّمَا أَقَرَّ فَيَذْهَبُ بِهِ حَتَّى يَغِيبَ عَنْ نَظَرِهِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ فِيمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «طَرَدَ مَاعِزًا حَتَّى تَوَارَى بِحِيطَانِ الْمَدِينَةِ» فَإِنْ قِيلَ إنَّمَا رَدَّهُ عليه الصلاة والسلام قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ عَقْلُهُ لِأَنَّهُ جَاءَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ مُتَغَيِّرَ اللَّوْنِ
وَلَمَّا اسْتَبَانَ لَهُ عَقْلُهُ رَجَمَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ لَهُ «أَبِكَ خَبَلٌ أَبِكَ جُنُونٌ فَقَالَ لَا فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا مَا نَعْلَمُ فِيهِ إلَّا خَيْرًا وَبَعَثَ إلَى أَهْلِهِ هَلْ تُنْكِرُونَ مِنْ عَقْلِهِ شَيْئًا فَقَالُوا لَا فَسَأَلَهُ عَنْ إحْصَانِهِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ مُحْصَنٌ فَرَجَمَهُ» قُلْنَا لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ عَقْلِهِ إذْ هِيَ حَالَةُ التَّوْبَةِ وَالْخَوْفِ مِنْ اللَّهِ لَا عَلَى جُنُونِهِ وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «أَبِكَ خَبَلٌ أَبِكَ جُنُونٌ» تَلْقِينٌ مِنْهُ لِمَا يُدْرَأُ بِهِ الْحَدُّ كَمَا قَالَ عليه الصلاة والسلام لَهُ «لَعَلَّك قَبَّلْتهَا لَعَلَّك بَاشَرْتهَا» وَالسُّؤَالُ عَنْهُ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه لَهُ بَعْدَمَا أَقَرَّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إنَّك إنْ اعْتَرَفْت الرَّابِعَةَ رَجَمَك فَاعْتَرَفَ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الْعَدَدَ كَانَ مَعْرُوفًا بَيْنَهُمْ ظَاهِرًا عِنْدَهُمْ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ أَبِي بُرَيْدَةَ كُنَّا نَتَحَدَّثُ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ مَاعِزًا لَوْ قَعَدَ فِي بَيْتِهِ بَعْدَ الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ وَلَمْ يُقِرَّ لَمْ يَرْجُمْهُ وَصَحَّ «أَنَّ الْغَامِدِيَّةَ رَجَمَهَا عليه الصلاة والسلام بَعْدَ مَا أَقَرَّتْ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ» وَلَا يُقَالُ إذَا لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً وَجَبَ أَنْ يَجِبَ الْمَهْرُ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِوَطْءٍ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ فَإِذَا وَجَبَ الْمَهْرُ وَجَبَ أَنْ لَا يَجِبَ الْحَدُّ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ لِأَنَّا نَقُولُ الْأَمْرُ مَوْقُوفٌ فَإِنْ تَمَّتْ الْحُجَّةُ لَمْ يَجِبْ وَإِلَّا وَجَبَ كَمَا قُلْنَا فِي الشَّهَادَةِ إنَّ الْبَعْضَ إذَا شَهِدُوا يَتَوَقَّفُ الْأَمْرُ فَإِنْ تَمَّ النِّصَابُ لَا يَكُونُ قَذْفًا وَإِلَّا فَهُوَ قَذْفٌ فَكُنَّا مُتَوَقِّفِينَ فِي إيجَابِ الْحَدِّ عَلَيْهِمْ أَوْ عَلَى الزَّانِيَيْنِ
وَلَا فَرْقَ فِي الْإِقْرَارِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا وَفِي الْعَبْدِ خِلَافُ زُفَرَ رحمه الله وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا يُعْتَبَرُ اخْتِلَافُ الْمَجَالِسِ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الْعَدَدُ فَقَطْ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّاهُ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَزْجُرَهُ عَنْ الْإِقْرَارِ وَيُظْهِرَ الْكَرَاهِيَةَ مِنْ ذَلِكَ وَيَأْمُرَ بِإِبْعَادِهِ عَنْ مَجْلِسِهِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام فَعَلَ كَذَلِكَ وَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه اُطْرُدُوا الْمُعْتَرِفِينَ يَعْنِي بِالزِّنَا قَالَ رحمه الله (وَسَأَلَهُ كَمَا مَرَّ فَإِنْ بَيَّنَهُ حُدَّ) أَيْ إذَا تَمَّ إقْرَارُهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ سَأَلَهُ كَمَا مَرَّ فِي الشَّهَادَةِ وَهُوَ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ الزِّنَا مَا هُوَ وَكَيْفَ هُوَ وَأَيْنَ هُوَ وَأَيْنَ زَنَى وَبِمَنْ زَنَى وَمَتَى زَنَى لِيَزُولَ الِاحْتِمَالُ عَلَى مَا مَرَّ وَقِيلَ لَا يَسْأَلُهُ عَنْ الزَّمَانِ لِأَنَّ تَقَادُمَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَّهَمًا بِارْتِكَابِ الْفَاحِشَةِ) أَيْ بِشَهَادَةِ هَؤُلَاءِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الزِّنَا الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ بَعْدُ وَحَبْسُ الْمُتَّهَمِينَ تَعْزِيرًا لَهُمْ جَائِزٌ. اهـ. كَمَالٌ رحمه الله
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِإِقْرَارِهِ) أَيْ بِإِقْرَارِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ وَاعْتِبَارُ الْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ لِأَنَّ كَلَامَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ اهـ قَالَ الْكَمَالُ قَدَّمَ الثُّبُوتَ بِالْبَيِّنَةِ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ فِي الْقُرْآنِ وَلِأَنَّ الثَّابِتَ بِهَا أَقْوَى حَتَّى لَا يَنْدَفِعَ الْحَدُّ بِالْفِرَارِ وَلَا بِالتَّقَادُمِ وَلِأَنَّهَا حُجَّةٌ مُتَعَدِّيَةٌ وَالْإِقْرَارُ قَاصِرٌ وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ صَرِيحًا وَلَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ وَلِذَا قُلْنَا لَوْ أَقَرَّ الْأَخْرَسُ بِالزِّنَا بِكِتَابَةٍ أَوْ إشَارَةٍ لَا يُحَدُّ لِلشُّبْهَةِ بِعَدَمِ الصَّرَاحَةِ وَكَذَا الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ لَا تُقْبَلُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَدَّعِيَ شُبْهَةً كَمَا لَوْ شَهِدُوا عَلَى مَجْنُونٍ أَنَّهُ زَنَى فِي حَالِ إفَاقَتِهِ بِخِلَافِ الْأَعْمَى صَحَّ إقْرَارُهُ وَالشَّهَادَةُ عَلَيْهِ وَكَذَا الْخَصِيُّ وَالْعِنِّينُ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ وَظَهَرَ مَجْبُوبًا أَوْ أَقَرَّتْ فَظَهَرَتْ رَتْقَاءُ، قَبْلَ الْحَدِّ وَذَلِكَ لِأَنَّ إخْبَارَهَا بِالرَّتْقِ يُوجِبُ شُبْهَةً فِي شَهَادَةِ الشُّهُودِ وَبِالشُّبْهَةِ يَنْدَرِئُ الْحَدُّ وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِخَرْسَاءَ أَوْ هِيَ أَقَرَّتْ بِأَخْرَسَ لَا حَدَّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا اهـ
(قَوْلُهُ مِنْ مَجَالِسِ الْمُقِرِّ) أَيْ لَا مَجَالِسِ الْقَاضِي. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ) أَيْ فِي بَابِ الْحَجْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا يُعْتَبَرُ اخْتِلَافُ الْمَجَالِسِ) أَيْ فَيُقَامُ الْحَدُّ عِنْدَهُ بِالْإِقْرَارِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَإِنْ كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَبِمَنْ زَنَى) الْعِلْمُ بِالْمَزْنِيِّ بِهَا لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ حَتَّى لَوْ قَالَ زَنَيْت بِامْرَأَةٍ لَا أَعْرِفُهَا صَحَّ إقْرَارُهُ وَيُحَدُّ. اهـ. بَدَائِعُ (قَوْلُهُ وَمَتَى زَنَى) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ الْقُدُورِيُّ السُّؤَالَ عَنْ الزَّمَانِ فِي الْإِقْرَارِ بِأَنْ يَقُولَ مَتَى زَنَيْت لِأَنَّ التَّقَادُمَ مَانِعٌ لِلشَّهَادَةِ لِتُهْمَةِ الْحِقْدِ وَالْمَرْءُ لَا يُتَّهَمُ عَلَى نَفْسِهِ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ وَإِنْ تَقَادَمَ الْعَهْدُ وَبَيَانُ التَّقَادُمِ يُعْلَمُ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَقَالَ الْكَمَالُ وَلَمْ يَذْكُرْ السُّؤَالَ فِيهِ عَنْ الزَّمَانِ فَلَا يَقُولُ مَتَى زَنَيْت وَذَكَرَهُ فِي الشَّهَادَةِ لِأَنَّ تَقَادُمَ الْعَهْدِ يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ دُونَ الْإِقْرَارِ وَهَذَا السُّؤَالُ لِتِلْكَ الْفَائِدَةِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ التَّقَادُمُ مُسْقِطًا، لَمْ يَكُنْ فِي السُّؤَالِ عَنْهُ فَائِدَةٌ
وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالْإِقْرَارِ فِي ذَلِكَ سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَهَذَا بِخِلَافِ سُؤَالِ بِمَنْ زَنَيْت لِأَنَّهُ قَدْ
الْعَهْدِ يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ دُونَ الْإِقْرَارِ
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَسْأَلُهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ زَنَى فِي صِبَاهُ وَهَذَا السُّؤَالُ يَكُونُ بَعْدَمَا نَظَرَ فِي حَالِهِ وَعَرَفَ أَنَّهُ صَحِيحُ الْعَقْلِ كَمَا فَعَلَ عليه الصلاة والسلام وَلَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِهِ فِي ذَلِكَ وَلَا يُكْتَفَى بِالْكِنَايَةِ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «قَالَ لِمَاعِزٍ فَهَلْ تَدْرِي مَا الزِّنَا قَالَ نَعَمْ وَقَالَ لَهُ أَنِكْتَهَا وَلَا تُكَنِّي قَالَ نَعَمْ» فَإِذَا بَيَّنَ ذَلِكَ وَظَهَرَ زِنَاهُ سَأَلَهُ عَنْ الْإِحْصَانِ فَإِنْ قَالَ لَهُ إنَّهُ مُحْصَنٌ سَأَلَهُ عَنْ الْإِحْصَانِ مَا هُوَ فَإِنْ وَصَفَهُ بِشَرَائِطِهِ حَكَمَ بِرَجْمِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي مِمَّنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي إقَامَةِ الْحُدُودِ وَلَوْ كَانَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ حَتَّى لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُنْكِرًا فَقَدْ رَجَعَ وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا لَا تُعْتَبَرُ الشَّهَادَةُ مَعَ الْإِقْرَارِ وَلَوْ أَقَرَّ بِالزِّنَا مَرَّتَيْنِ وَشَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ لَا يُحَدُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله
وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله يُحَدُّ لِأَنَّ هَذَا الْإِقْرَارَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ فَيَكُونُ الِامْتِنَاعُ عَنْ الْبَاقِي دَلِيلَ الرُّجُوعِ أَوْ هُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ فِيهِ فَيُلْتَحَقُ بِالْعَدَمِ شَرْعًا فَبَقِيَتْ الشَّهَادَةُ وَحْدَهَا هِيَ الْحُجَّةُ فَيُقْبَلُ وَلِأَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّ الْإِقْرَارَ مَوْجُودٌ حَقِيقَةً لَكِنَّهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا فَأَوْرَثَتْ الْحَقِيقَةُ شُبْهَةً وَهُوَ يُدْرَأُ بِهَا فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَتْ مُعْتَبَرَةً شَرْعًا
قَالَ رحمه الله (فَإِنْ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ قَبْلَ الْحَدِّ أَوْ فِي وَسْطِهِ خُلِّي سَبِيلُهُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى رَحِمَهُمَا اللَّهُ يُحَدُّ لِوُجُوبِهِ بِإِقْرَارِهِ فَلَا يَبْطُلُ بَعْدَ ذَلِكَ بِإِنْكَارِهِ وَهَذَا لِأَنَّهُ إحْدَى الْحُجَّتَيْنِ فَصَارَ ثُبُوتُهُ بِهِ كَثُبُوتِهِ بِالشَّهَادَةِ كَالْقِصَاصِ وَحَدُّ الْقَذْفِ وَلَنَا أَنَّ الرُّجُوعَ خَبَرٌ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ كَالْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَهُوَ يُدْرَأُ بِهَا وَهَذَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ كَلَامَيْهِ يَحْتَمِلُهَا فَلَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَيُتْرَكُ عَلَى مَا كَانَ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَهُوَ يُكَذِّبُهُ وَالْحَدُّ حَقُّ اللَّهِ فَلَا يُكَذَّبُ لَهُ وَإِلَى صِحَّةِ الرُّجُوعِ أَشَارَ عليه الصلاة والسلام بِقَوْلِهِ «هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ حِينَ أُخْبِرَ بِفِرَارِ مَاعِزٍ»
قَالَ رحمه الله (وَنُدِبَ تَلْقِينُهُ بِلَعَلَّك قَبَّلْت أَوْ لَمَسْت أَوْ وَطِئْت بِشُبْهَةٍ) أَيْ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُلَقِّنَهُ الرُّجُوعَ بِقَوْلِهِ لَعَلَّك قَبَّلْتهَا أَوْ لَمَسْتهَا أَوْ وَطِئْتهَا بِشُبْهَةٍ أَوْ بِنِكَاحٍ أَوْ بِمِلْكِ يَمِينٍ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ لِمَاعِزٍ «لَعَلَّك قَبَّلْت أَوْ غَمَزْت أَوْ نَظَرْت قَالَ لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَنِكْتَهَا وَلَا تُكَنِّي قَالَ نَعَمْ فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِرَجْمِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَقَالَ عليه الصلاة والسلام فِي رِوَايَةٍ «أَنِكْتَهَا كَمَا يَغِيبُ الْمِرْوَدُ فِي الْمُكْحُلَةِ وَالرِّشَاءُ فِي الْبِئْرِ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ فَهَلْ تَدْرِي مَا الزِّنَا قَالَ نَعَمْ أَتَيْت مِنْهَا حَرَامًا مَا يَأْتِي الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ حَلَالًا» الْحَدِيثَ
قَالَ رحمه الله (فَإِنْ كَانَ مُحْصَنًا رَجَمَهُ فِي فَضَاءٍ حَتَّى يَمُوتَ) لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «أَمَرَ بِرَجْمِ الْغَامِدِيَّةِ وَمَاعِزٍ وَكَانَا مُحْصَنَيْنِ وَأُخْرِجَ مَاعِزٌ إلَى الْحَرَّةِ وَقِيلَ إلَى الْبَقِيعِ فَفَرَّ إلَى الْحَرَّةِ فَرُجِمَ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى مَاتَ» وَفِيمَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام رَجَمَ الْمَرْأَةَ الَّتِي زَنَى بِهَا الْعَسِيفُ» وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى مَعَانٍ ثَلَاثٍ كُفْرٍ بَعْدَ إيمَانٍ وَزِنًا بَعْدَ إحْصَانٍ وَقَتْلِ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ» وَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَإِنَّ مِمَّا أُنْزِلَ فِي الْقُرْآنِ الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ وَسَيَأْتِي قَوْمٌ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ وَلَوْلَا أَنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ إنَّ عُمَرَ زَادَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى لَكَتَبْتهَا عَلَى حَاشِيَةِ الْمُصْحَفِ وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ فَوَصَلَ إلَيْنَا إجْمَاعُهُمْ بِالتَّوَاتُرِ وَلَا مَعْنَى لِإِنْكَارِ الْخَوَارِجِ الرَّجْمَ لِأَنَّهُمْ يُنْكِرُونَ الْقَطْعِيَّ فَيَكُونُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
يُبَيِّنُ مَنْ لَا يُحَدُّ بِوَطْئِهَا كَمَا ذَكَرْنَا فِي جَارِيَةِ ابْنِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ فِي جَوَابِهِ لَا أَعْرِفُ الَّتِي زَنَيْت بِهَا فَإِنَّهُ يُحَدُّ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالزِّنَا وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يُسْقِطُ كَوْنَ فِعْلِهِ زِنًا بَلْ تَضَمَّنَ إقْرَارُهُ أَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِي الْمَزْنِيَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَعَرَفَهَا إذْ الْإِنْسَانُ لَا يَجْهَلُ زَوْجَتَهُ وَأَمَتَهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ لَا يَعْرِفُهَا حُدَّ وَكَذَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ وَهِيَ غَائِبَةٌ يُحَدُّ اسْتِحْسَانًا لِحَدِيثِ الْعَسِيفِ حَدَّهُ ثُمَّ أَرْسَلَ إلَى الْمَرْأَةِ فَقَالَ فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا وَلِأَنَّ انْتِظَارَ حُضُورِهِمَا إنَّمَا هُوَ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَذْكُرَ مُسْقِطًا عَنْهُ وَعَنْهَا وَلَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ لِهَذَا الِاحْتِمَالِ كَمَا لَا يُؤَخَّرُ إذَا ثَبَتَ بِالشَّهَادَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَرْجِعَ الشُّهُودُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ وَبِهِ لَا يَنْدَرِئُ الْحَدُّ وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ وَكَذَّبَتْهُ وَقَالَتْ لَا أَعْرِفُهُ لَا يُحَدُّ الرَّجُلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يُحَدُّ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إذَا أَقَرَّتْ أَنَّهَا زَنَتْ بِفُلَانٍ فَأَنْكَرَ فُلَانٌ تُحَدُّ هِيَ عِنْدَهُمَا لَا عِنْدَهُ. اهـ.
(قَوْلُهُ أَوْ فِي وَسَطِهِ) أَيْ قَبْلَ رُجُوعِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) قَالَ الْكَمَالُ وَالْمَسْطُورُ فِي كُتُبِهِمْ أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ قَبْلَ الْحَدِّ أَوْ بَعْدَ مَا أُقِيمَ عَلَيْهِ بَعْضُهُ سَقَطَ وَعَنْ أَحْمَدَ كَقَوْلِنَا وَعَنْ مَالِكٍ فِي قَبُولِ رُجُوعِهِ رِوَايَتَانِ اهـ (قَوْلُهُ هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ) وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ فِرَارَهُ دَلِيلًا عَلَى الرُّجُوعِ وَأَسْقَطَ بِهِ الْحَدَّ فَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ بِدَلِيلِ الرُّجُوعِ سَقَطَ بِصَرِيحِ الرُّجُوعِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ كَانَ مُحْصَنًا إلَخْ) هَذَا مِنْ الْأَحْرُفِ الَّتِي جَاءَ الْفَاعِلُ مِنْهَا عَلَى مُفْعَلٍ بِفَتْحِ الْعَيْنِ يُقَالُ أَحْصَنَ يُحْصِنُ فَهُوَ مُحْصَنٌ فِي أَلْفَاظٍ مَعْلُومَةٍ هِيَ أَسْهَبَ فَهُوَ مُسْهَبٌ إذَا أَطَالَ وَأَمْعَنَ فِي الْمَشْيِ وَمِنْهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي خُطْبَةِ الْكِتَابِ مُعْرِضًا عَنْ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْإِسْهَابِ وَقِيلَ لِابْنِ عُمَرَ اُدْعُ اللَّهَ لَنَا فَقَالَ أَكْرَهُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُسْهَبِينَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَأَلْفَجَ بِالْفَاءِ وَالْجِيمِ افْتَقَرَ فَهُوَ مُلْفَجٌ الْفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ فِيهِ سِيَّانِ وَيُقَالُ بِكَسْرِهَا أَيْضًا إذَا أَفْلَسَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ هَذَا أَحَدُ مَا جَاءَ عَلَى أَفْعَلَ مُفْعَلٍ وَامْرَأَةٌ مُحْصَنَةٌ أَيْ مُتَزَوِّجَةٌ وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ أَفْعَلَ فَهُوَ مُفْعِلٌ إلَّا ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ هَذَا أَحَدُهَا وَيُقَالُ أَسْهَبَ مِنْ لَدْغِ الْحَيَّةِ أَيْ ذَهَبَ عَقْلُهُ فَهُوَ مُسْهَبٌ قَالَ الرَّاجِزُ
فَمَاتَ عَطْشَانَ وَمَاتَ مُسْهَبًا
وَيُقَالُ أَلْفَجَ الرَّجُلُ فَهُوَ مُلْفَجٌ إذَا رَقَّتْ حَالُهُ وَسَأَلَ رَجُلٌ الْحَسَنَ أَيُدَالِكُ الرَّجُلُ أَهْلَهُ قَالَ نَعَمْ إذَا كَانَ مُلْفَجًا الْمُدَالَكَةُ وَالْمُمَاطَلَةُ بِمَعْنًى وَهِيَ الْمُدَافَعَةُ كَذَا فِي الْجَمْهَرَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَارْجُمُوهُمَا) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ فَارْجُمْهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ لَكَتَبْتهَا عَلَى حَاشِيَةِ الْمُصْحَفِ) قِيلَ فِي هَذَا إشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ جَائِزَ الْكِتَابَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ فَهُوَ قُرْآنٌ مَتْلُوٌّ وَلَكِنْ لَوْ كَانَ مَتْلُوًّا لَوَجَبَ عَلَى عُمَرَ الْمُبَادَرَةُ لِكِتَابَتِهَا لِأَنَّ مَقَالَ النَّاسِ لَا يَصْلُحُ مَانِعًا مِنْ فِعْلِ الْوَاجِبِ
مُكَابَرَةً وَعِنَادًا
قَالَ رحمه الله (يَبْدَأُ الشُّهُودُ بِهِ) أَيْ يَبْدَأُ الشُّهُودُ بِالرَّجْمِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تُشْتَرَطُ بُدَاءَتُهُمْ اعْتِبَارًا بِالْجَلْدِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ «عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ حِينَ رَجَمَ شُرَاحَةَ الْهَمْدَانِيَّةَ إنَّ الرَّجْمَ سُنَّةٌ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» وَلَوْ كَانَ شَهِدَ عَلَى هَذِهِ أَحَدٌ لَكَانَ أَوَّلَ مَنْ يَرْمِي الشَّاهِدُ يَشْهَدُ ثُمَّ يُتْبِعُ شَهَادَتَهُ حَجَرَهُ وَلَكِنَّهَا أَقَرَّتْ فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ رَمَاهَا بِحَجَرٍ قَالَ الرَّاوِي ثُمَّ رَمَى النَّاسُ وَأَنَا فِيهِمْ وَلِأَنَّ الشَّاهِدَ رُبَّمَا يَتَجَاسَرُ عَلَى الشَّهَادَةِ ثُمَّ يَسْتَعْظِمُ الْمُبَاشَرَةَ فَيَأْبَى أَوْ يَرْجِعُ فَكَانَ فِي بُدَاءَتِهِ احْتِيَالٌ لِلدَّرْءِ بِخِلَافِ الْجَلْدِ فَإِنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يُحْسِنُهُ فَيُخَافُ أَنْ يَقَعَ مُهْلِكًا أَوْ مُتْلِفًا لِعُضْوٍ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ وَلَا كَذَلِكَ الرَّجْمُ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ فِيهِ مُتَعَيِّنٌ
قَالَ رحمه الله (فَإِنْ أَبُو أُسْقِطَ) أَيْ إنْ أَبَى الشُّهُودُ مِنْ الْبُدَاءَةِ يَسْقُطُ الْحَدُّ لِأَنَّهُ دَلَالَةُ الرُّجُوعِ وَكَذَلِكَ إذَا امْتَنَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَوْ جَنُّوا أَوْ فَسَقُوا أَوْ قَذَفُوا فَحُدُّوا أَوْ أَحَدُهُمْ أَوْ عَمِيَ أَوْ خَرِسَ أَوْ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الطَّارِئَ عَلَى الْحَدِّ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ كَالْمَوْجُودِ فِي الِابْتِدَاءِ وَكَذَا إذَا غَابُوا أَوْ بَعْضُهُمْ أَوْ مَاتُوا أَوْ بَعْضُهُمْ لِمَا ذَكَرْنَا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُمْ إذَا امْتَنَعُوا أَوْ مَاتُوا أَوْ غَابُوا رَجَمَ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ وَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ مَرْضَى لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَرْمُوا أَوْ مَقْطُوعِي الْأَيْدِي رُجِمَ بِحَضْرَتِهِمْ بِخِلَافِ مَا إذَا قُطِعَتْ أَيْدِيهِمْ بَعْدَ الشَّهَادَةِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ قَالَ رحمه الله (ثُمَّ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ أَثَرِ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَيَقْصِدُونَ بِذَلِكَ مَقْتَلَهُ إلَّا مَنْ كَانَ مِنْهُمْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَقْصِدُ مَقْتَلَهُ لِأَنَّ بِغَيْرِهِ كِفَايَةٌ وَرُوِيَ «أَنَّ حَنْظَلَةَ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي قَتْلِ أَبِيهِ وَكَانَ كَافِرًا فَمَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ دَعْهُ يَكْفِيكَ غَيْرُكَ» وَلِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِصِلَةِ الرَّحِمِ فَلَا يَجُوزُ الْقَطْعُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ قَالَ رحمه الله (وَيَبْدَأُ الْإِمَامُ لَوْ مُقِرًّا ثُمَّ النَّاسُ) أَيْ يَبْدَأُ الْإِمَامُ بِالرَّجْمِ إنْ كَانَ الزَّانِي مُقِرًّا لِمَا رَوَيْنَا مِنْ أَثَرِ عَلِيٍّ رضي الله عنه «وَرَمَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْغَامِدِيَّةَ بِحَصَاةٍ مِثْلِ الْحِمَّصَةِ ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ ارْمُوا وَكَانَتْ أَقَرَّتْ بِالزِّنَا» وَيُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام حِينَ «سُئِلَ عَنْ غُسْلِ مَاعِزٍ وَتَكْفِينِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ اصْنَعُوا بِهِ كَمَا تَصْنَعُونَ بِمَوْتَاكُمْ فَلَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ قُسِّمَتْ عَلَى أَهْلِ الْحِجَازِ لَوَسِعَتْهُمْ وَلَقَدْ رَأَيْته يَنْغَمِسُ فِي أَنْهَارِ الْجَنَّةِ» وَلِأَنَّهُ قُتِلَ بِحَقٍّ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْغُسْلُ كَالْقَتْلِ بِقِصَاصٍ بِخِلَافِ الشَّهِيدِ «وَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْغَامِدِيَّةِ بَعْدَمَا رُجِمَتْ وَكَانَتْ أَقَرَّتْ وَقَالَ عليه الصلاة والسلام وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد
قَالَ رحمه الله
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَالَ السُّبْكِيُّ لَعَلَّ اللَّهَ يُيَسِّرُ عَلَيْنَا حَلَّ هَذَا الْإِشْكَالِ فَإِنَّ عُمَرَ رضي الله عنه إنَّمَا نَطَقَ بِالصَّوَابِ وَلَكِنَّا نَتَّهِمُ فَهْمَنَا وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ بِأَنَّ مُرَادَهُ لَكَتَبْتهَا مُنَبِّهًا عَلَى نَسْخِ تِلَاوَتِهَا لِيَكُونَ فِي كِتَابَتِهَا فِي مَحِلِّهَا أَمْنٌ مِنْ نِسْيَانِهَا بِالْكُلِّيَّةِ لَكِنْ قَدْ تُكْتَبُ مِنْ غَيْرِ تَنْبِيهٍ فَيَقُولُ النَّاسُ زَادَ عُمَرُ فَتَرَكْت كِتَابَتَهَا بِالْكُلِّيَّةِ وَذَلِكَ مِنْ دَفْعِ أَعْظَمِ الْمَفْسَدَتَيْنِ بِأَخَفِّهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(قَوْلُهُ لَا يُحْسِنُهُ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ بِلَا ضَمِيرٍ. اهـ. (قَوْلُهُ إنْ أَبَى الشُّهُودُ مِنْ الْبُدَاءَةِ يَسْقُطُ الْحَدُّ) أَيْ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَلَا يَحُدُّونَهُمْ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُمْ لَيْسَ صَرِيحًا فِي رُجُوعِهِمْ وَلَوْ كَانَ ظَاهِرًا فِيهِ فَفِيهِ احْتِمَالُ كَوْنِهِمْ تَضْعُفُ نُفُوسُهُمْ عَنْ الْقَتِيلِ وَإِنْ كَانَ بِحَقٍّ كَمَا تَرَاهُ فِي الشَّاهِدِ مِنْ امْتِنَاعِ بَعْضِ النَّاسِ مِنْ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ الْحَلَالِ الْأَكْلِ وَالْأُضْحِيَّةِ بَلْ وَمِنْ حُضُورِهَا فَكَانَ امْتِنَاعُهُمْ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ شُبْهَةٌ فِي انْدِفَاعِ الْحَدِّ عَنْهُمْ وَقِيلَ يُحَدُّونَ وَالْأَوَّلُ رِوَايَةُ الْمَبْسُوطِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ قَذَفُوا فَحُدُّوا) أَيْ سَوَاءٌ اعْتَرَضَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي بَابِ الْحُدُودِ فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ الْإِمْضَاءُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ الْقَضَاءُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ عَمِيَ أَوْ خَرِسَ) قَالَ الْكَمَالُ وَكَذَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِاعْتِرَاضِ مَا يُخْرِجُ عَنْ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ كَمَا لَوْ ارْتَدَّ أَحَدُهُمْ أَوْ عَمِيَ أَوْ خَرِسَ أَوْ فَسَقَ أَوْ قَذَفَ فَحُدَّ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي الْحُدُودِ وَهَذَا إذَا كَانَ مُحْصَنًا وَفِي غَيْرِ الْمُحْصَنِ قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي الْمَوْتِ وَالْغَيْبَةِ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ
أَمَّا إذَا كَانَ غَيْرَ مُحْصَنٍ فَقَدْ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي الْمَوْتِ وَالْغَيْبَةِ وَيَبْطُلُ فِيمَا سِوَاهُمَا وَكَذَلِكَ مَا سِوَى الْحُدُودِ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ اهـ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا غَابُوا أَوْ بَعْضُهُمْ أَوْ مَاتُوا) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. اهـ. هِدَايَةٌ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ احْتِرَازًا عَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَبْدَأُ الْإِمَامُ لَوْ مُقِرًّا) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَاعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ الْإِمَامُ لَا يَحِلُّ لِلْقَوْمِ رَجْمُهُ وَلَوْ أَمَرَهُمْ لِعِلْمِهِمْ بِفَوَاتِ شَرْطِ الرَّجْمِ وَهُوَ مُنْتَفٍ بِرَجْمِ مَاعِزٍ فَإِنَّ الْقَطْعَ بِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يَحْضُرْهُ بَلْ رَجَمَهُ النَّاسُ عَنْ أَمْرِهِ عليه الصلاة والسلام وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ حَقِيقَةَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ عَلِيٍّ إنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِالِابْتِدَاءِ احْتِيَالًا لِثُبُوتِ دَلَالَةِ الرُّجُوعِ وَعَدَمِهِ وَأَنْ يَبْتَدِئَ هُوَ فِي الْإِقْرَارِ لِيَنْكَشِفَ لِلنَّاسِ أَنَّهُ لَمْ يُقَصِّرْ فِي أَمْرِ الْقَضَاءِ بِأَنْ يَتَسَاهَلَ فِي بَعْضِ شُرُوطِ الْقَضَاءِ بِالْحَدِّ فَإِذَا امْتَنَعَ حِينَئِذٍ ظَهَرَتْ أَمَارَةُ الرُّجُوعِ فَامْتَنَعَ الْحَدُّ لِظُهُورِ شُبْهَةِ تَقْصِيرِهِ فِي الْقَضَاءِ وَهِيَ دَارِئَةٌ فَكَأَنَّ الْبُدَاءَةَ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ إذْ لَمْ يَكُنْ عَنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ لَا أَنَّهُ جُعِلَ شَرْطًا بِذَاتِهِ وَهَذَا فِي حَقِّهِ عليه الصلاة والسلام مُنْتَفٍ فَلَمْ يَكُنْ عَدَمُ رَجْمِهِ دَلِيلًا عَلَى سُقُوطِ الْحَدِّ إذَا لَمْ يَبْدَأْ
وَاعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى مَا ذَكَرَ أَنَّهُ لَوْ بَدَأَ الشُّهُودُ فِيمَا إذَا ثَبَتَ بِالشَّهَادَةِ يَجِبُ أَنْ يُثَنِّيَ الْإِمَامُ فَلَوْ لَمْ يُثَنِّ الْإِمَامُ يَسْقُطُ الْحَدُّ لِاتِّحَادِ الْمَأْخَذِ فِيهَا (قَوْلُهُ الْغَامِدِيَّةُ) مَنْسُوبَةٌ إلَى بَنِي غَامِدٍ قَبِيلَةٍ مِنْ الْعَرَبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الشَّهِيدِ) أَيْ فَإِنَّهُ قُتِلَ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَا يُغَسَّلُ لِيَكُونَ الْأَثَرُ شَاهِدًا لَهُ وَلِإِظْهَارِ زِيَادَةِ تَشْرِيفِهِ بِقِيَامِ أَثَرِ الشَّهَادَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. اهـ. كَمَالٌ
(وَلَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ جَلَدَهُ مِائَةً) أَيْ لَوْ كَانَ الزَّانِي غَيْرَ مُحْصَنٍ جَلَدَهُ مِائَةَ جَلْدَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] وَالْخِطَابُ لِلْأَئِمَّةِ لِأَنَّ اجْتِمَاعَ الْأُمَّةِ مُتَعَذِّرٌ فَتَعَيَّنَ الْإِمَامُ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُمْ وَهِيَ عَامَّةٌ فِي الْمُحْصَنِ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنَّهَا نُسِخَتْ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ بِمَا ذَكَرْنَا فَبَقِيَتْ مَعْمُولًا بِهَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَقُدِّمَتْ الزَّانِيَةُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا هِيَ الْمَادَّةُ فِي هَذِهِ الْجِنَايَةِ إذْ لَوْ لَمْ تُطْمِعْهُ وَلَمْ تُمَكِّنْهُ لَمْ يَطْمَعْ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ أَوْ لِأَنَّ الْفَاحِشَةَ مِنْهُنَّ أَكْثَرُ لِغَلَبَةِ شَهْوَتِهِنَّ وَقِلَّةِ دِينِهِنَّ وَعَدَمِ حِفْظِهِنَّ لِلْمُرُوءَةِ قَالَ رحمه الله (وَنِصْفٌ لِلْعَبْدِ) أَيْ نِصْفُ الْمِائَةِ لِلْعَبْدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] وَالْمُرَادُ بِهِ الْجَلْدُ لِأَنَّ الرَّجْمَ لَا يَتَنَصَّفُ فَتَعَيَّنَ الْجَلْدُ لِذَلِكَ أَوْ لِعَدَمِ الْإِحْصَانِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ فَإِذَا ثَبَتَ التَّنْصِيفُ فِي الْإِمَاءِ لِمَكَانِ الرِّقِّ الْمُنْقِصِ لِلْكَرَامَاتِ وَالْعُقُوبَاتِ ثَبَتَ فِي الْعَبِيدِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ إذْ النَّصُّ الْوَارِدُ فِي أَحَدِ الْمِثْلَيْنِ يَكُونُ وَارِدًا فِي الْمِثْلِ الْآخَرِ أَوْ نَقُولُ دَخَلَ الْعَبِيدُ فِي اللَّفْظِ وَأَنَّثَ لِلتَّغْلِيبِ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام فِي «خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ شَاةٌ» وَلَفْظُ خَمْسٍ بِلَا تَاءٍ يَتَنَاوَلُ الْإِنَاثَ وَدَخَلَ الذُّكُورُ فِيهِ إمَّا بِدَلَالَةِ النَّصِّ أَوْ دَخَلَ فِي اللَّفْظِ وَأَنَّثَ لِلتَّغْلِيبِ وَفِي مِثْلِهِ يُغَلَّبُ الذُّكُورُ عَادَةً كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6]{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا} [المائدة: 6] وَغَيْرُهُ
قَالَ رحمه الله (بِسَوْطٍ لَا ثَمَرَةَ لَهُ مُتَوَسِّطًا) أَيْ يُضْرَبُ بِسَوْطٍ لَا عُقْدَةَ لَهُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ) أَيْ وَهُوَ حُرٌّ اهـ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2] قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَرَفْعُ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2] بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُمَا مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ وَفِيمَا فُرِضَ عَلَيْكُمْ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي أَيْ حُكْمُهُمَا وَهُوَ الْجَلْدُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ فَاجْلِدُوا وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُبَرِّدِ وَالْأَوَّلُ مَذْهَبُ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ وَدُخُولُ الْفَاءِ فِي الْخَبَرِ لِتَضَمُّنِ الْمُبْتَدَأِ مَعْنَى الشَّرْطِ لِأَنَّ الْأَلْفَ وَاللَّامَ بِمَعْنَى الَّذِي أَيْ الَّتِي زَنَتْ وَاَلَّذِي زَنَى فَاجْلِدُوهُمَا كَقَوْلِك مَنْ زَنَى فَاجْلِدُوهُ اهـ
(قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهَا نُسِخَتْ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ) أَيْ قَطْعًا وَيَكْفِينَا فِي تَعْيِينِ النَّاسِخِ الْقَطْعُ بِرَجْمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَيَكُونُ مِنْ نَسْخِ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ الْقَطْعِيَّةِ وَهِيَ أَوْلَى مِنْ ادِّعَاءِ أَنَّ النَّاسِخَ الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ نَكَالًا مِنْ اللَّهِ وَاَللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لِعَدَمِ الْحُكْمِ بِثُبُوتِهَا قُرْآنًا ثُمَّ انْتِسَاخُ تِلَاوَتِهَا وَإِنْ ذَكَرَهَا عُمَرُ رضي الله عنه وَسَكَتَ النَّاسُ فَإِنَّ كَوْنَ الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ حُجَّةً مُخْتَلَفٌ وَبِتَقْدِيرِ حُجِّيَّتِهِ لَا يُقْطَعُ بِأَنَّ جَمِيعَ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ كَانُوا إذْ ذَاكَ حُضُورًا ثُمَّ لَا شَكَّ أَنَّ الطَّرِيقَ فِي ذَلِكَ إلَى عُمَرَ ظَنِّيٌّ وَلِهَذَا قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه فِيمَا ذَكَرْنَاهُ إنَّ الرَّجْمَ سُنَّةٌ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ جَلَدْتهَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَرَجَمْتهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَنْسُبْهُ لِلْقُرْآنِ الْمَنْسُوخِ التِّلَاوَةِ وَعُرِفَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ قَائِلٌ بِعَدَمِ نَسْخِ عُمُومِ الْآيَةِ فَيَكُونُ رَأْيُهُ أَنَّ الرَّجْمَ حُكْمٌ زَائِدٌ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ وَهُوَ قَوْلٌ قِيلَ بِهِ وَيُسْتَدَلُّ لَهُ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَرَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ» وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَرَمْيٌ بِالْحِجَارَةِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ. اهـ. كَمَالٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْ بِآيَةٍ أُخْرَى نُسِخَتْ تِلَاوَتُهَا وَبَقِيَ حُكْمُهَا رَوَاهَا عُمَرُ رضي الله عنه فِي خُطْبَتِهِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَقَالَ إنَّ مِمَّا يُتْلَى فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ نَكَالًا مِنْ اللَّهِ وَاَللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ وَلَا تُهْمَةَ فِي رِوَايَتِهِ إلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا صَرَفَهَا عَنْ قُلُوبِ الْعِبَادِ لِحِكْمَةٍ لَمْ يَكْتُبْهَا عُمَرُ فِي الْمُصْحَفِ وَقَالَ لَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ زَادَ عُمَرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَكَتَبْتهَا. اهـ.
أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقُدِّمَتْ الزَّانِيَةُ بِالذِّكْرِ) أَيْ مَعَ أَنَّ الْعَادَةَ عَكْسُهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ إذْ لَوْ لَمْ تُطْمِعْهُ وَلَمْ تُمَكِّنْهُ لَمْ يَطْمَعْ) بِخِلَافِ آيَةِ السَّرِقَةِ حَيْثُ قُدِّمَ الرَّجُلُ فِيهَا عَلَى الْمَرْأَةِ لِأَنَّ الرَّجُلَ هُوَ الْأَصْلُ فِي بَابِ الْعُدْوَانِ وَإِنْ كَانَ يَقَعُ مِنْ الْمَرْأَةِ أَيْضًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى) أَيْ {فَإِذَا أُحْصِنَّ} [النساء: 25] اهـ
(قَوْلُهُ {فَعَلَيْهِنَّ} [النساء: 25] أَيْ الْإِمَاءِ إذَا أُحْصِنَّ أَيْ تَزَوَّجْنَ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ أَيْ زَنَيْنَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ {مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ} [النساء: 25] أَيْ الْحَرَائِرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ {مِنَ الْعَذَابِ} [البقرة: 96] أَيْ مِنْ الْحَدِّ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الرَّجْمَ لَا يَتَنَصَّفُ) أَيْ فَلَا رَجْمَ عَلَى الرَّقِيقِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَتَعَيَّنَ الْجَلْدُ لِذَلِكَ أَوْ لِعَدَمِ الْإِحْصَانِ إلَخْ) وَحَضْرَةُ الْمَوْلَى لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ إقْرَارِهِ وَشَرْطِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. اهـ. ابْنِ فِرِشْتَا فِي الْحَجْرِ (قَوْلُهُ وَالْعُقُوبَاتُ ثَبَتَ فِي الْعَبِيدِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الدَّلَالَةِ أَوْلَوِيَّةُ الْمَسْكُوتِ بِالْحُكْمِ مِنْ الْمَذْكُورِ بَلْ الْمُسَاوَاةُ تَكْفِي فِيهِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَأَنَّثَ لِلتَّغْلِيبِ) قَالَ الْكَمَالُ وَقَوْلُهُ بَعْضُهُمْ يَدْخُلُونَ بِطَرِيقِ التَّغْلِيبِ عَكْسُ الْقَاعِدَةِ وَهِيَ تَغْلِيبُ الذُّكُورِ وَالنَّصُّ عَلَيْهِنَّ فَقَطْ لِأَنَّ الْكَلَامَ كَانَ فِي تَزْوِيجِ الْإِمَاءِ أَعْنِي قَوْلَهُ {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا} [النساء: 25] إلَى قَوْلِهِ {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] ثُمَّ تَمَّمَ حُكْمَهُنَّ إذَا زَنَيْنَ وَلِأَنَّ الدَّاعِيَةَ فِيهِنَّ أَقْوَى وَهُوَ حِكْمَةُ تَقْدِيمِ الزَّانِيَةِ عَلَى الزَّانِي فِي الْآيَةِ وَهَذَا الشَّرْطُ أَعْنِي الْإِحْصَانَ لَا مَفْهُومَ لَهُ فَإِنَّ عَلَى الْأَرِقَّاءِ نِصْفَ الْمِائَةِ أُحْصِنُوا أَوْ لَمْ يُحْصَنُوا وَأَسْنَدَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ الْأَمَةِ إذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصَنْ قَالَ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَبِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ» وَهُوَ الْحَبْلُ وَالْقَائِلُونَ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ يُجَوِّزُونَ أَنَّ الْإِيرَادَ بِدَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ
وَرَوَى مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مَنْ أُحْصِنَ وَمَنْ لَمْ يُحْصَنْ» وَنُقِلَ عَنْ الْعَبَّاسِ وَطَاوُسٍ أَنْ لَا حَدَّ عَلَيْهِمَا حَتَّى يُحْصَنَا بِزَوْجٍ وَعَلَى هَذَا مُعْتَبَرُ الْمَفْهُومِ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَقُرِئَ {فَإِذَا أُحْصِنَّ} [النساء: 25] بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَتُؤُوِّلَ عَلَى مَعْنَى أَسْلَمْنَ
. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِسَوْطٍ لَا ثَمَرَةَ لَهُ) قَالَ الْكَمَالُ قِيلَ الْمُرَادُ بِثَمَرَةِ السَّوْطِ عَذَبَتُهُ وَذَنَبُهُ مُسْتَعَارٌ مِنْ وَاحِدَةِ ثَمَرَةِ الشَّجَرَةِ وَفِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهِ عُقَدُ أَطْرَافِهِ وَرَجَّحَ الْمُطَرِّزِيُّ إرَادَةَ الْأَوَّلِ لِمَا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ عَلِيًّا حَدَّ الْوَلِيدَ بِسَوْطٍ لَهُ طَرَفَانِ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً فَكَانَتْ الضَّرْبَةُ ضَرْبَتَيْنِ وَفِي
ضَرْبًا مُتَوَسِّطًا وَفِي النِّهَايَةِ هِيَ عَذَبَتُهُ وَذَنَبُهُ وَطَرَفُهُ لِأَنَّ كُلَّ ضَرْبَةٍ بِهَا تَصِيرُ ضَرْبَتَيْنِ وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ كَسَرَ ثَمَرَتَهُ وَلَوْ لَمْ يَكْسِرْ الثَّمَرَةَ يَعُدُّ كُلَّ ضَرْبَةٍ بِضَرْبَتَيْنِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه ضَرَبَ الْوَلِيدَ بِسَوْطٍ لَهُ طَرَفَانِ وَفِي رِوَايَةٍ ذَنَبَانِ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً فَكَانَتْ الضَّرْبَةُ بِضَرْبَتَيْنِ وَالضَّرْبُ الْمُتَوَسِّطُ هُوَ الْمُؤْلِمُ غَيْرُ الْجَارِحِ لِأَنَّ الْجَارِحَ يُفْضِي إلَى التَّلَفِ أَوْ يَبْقَى فِي جَسَدِهِ أَثَرٌ يَشِينُهُ وَلِهَذَا يُكْسَرُ عُقْدَتُهُ وَغَيْرُ الْمُؤْلِمِ لَا يُفِيدُ وَالْوَاجِبُ التَّأْدِيبُ دُونَ الْإِهْلَاكِ قَالَ رحمه الله (وَنَزْعُ ثِيَابِهِ) يَعْنِي غَيْرَ الْإِزَارِ لِأَنَّ فِي نَزْعِهِ كَشْفَ الْعَوْرَةِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ ضَرْبِهِ إيصَالُ الْأَلَمِ إلَيْهِ لَا سِيَّمَا هَذَا الْحَدُّ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الشِّدَّةِ وَالتَّجْرِيدُ فِيهِ أَبْلَغُ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه كَانَ يَأْمُرُ بِالتَّجْرِيدِ فِي الْحُدُودِ قَالَ رحمه الله (وَفُرِّقَ عَلَى بَدَنِهِ) أَيْ فُرِّقَ الضَّرْبُ عَلَى بَدَنِهِ وَأَعْضَائِهِ لِأَنَّ الْجَمْعَ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ قَدْ يُفْضِي إلَى التَّلَفِ وَالْجَلْدُ زَاجِرٌ وَلَيْسَ بِمُتْلِفٍ وَلِأَنَّهُ نَالَ اللَّذَّةَ فِي كُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ فَيُعْطَى حَظَّهُ مِنْ الضَّرْبِ وَلِهَذَا يُرْجَمُ إذَا كَانَ مُحْصَنًا قَالَ رحمه الله (إلَّا رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ وَفَرْجَهُ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام لِلْجَلَّادِ «اتَّقِ الْوَجْهَ وَالْمَذَاكِيرَ» وَلِأَنَّ الضَّرْبَ عَلَى الْفَرْجِ مُتْلِفٌ وَعَلَى الرَّأْسِ سَبَبٌ لِزَوَالِ الْحَوَاسِّ كَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالشَّمِّ وَالْفَهْمِ وَكَذَا عَلَى الْوَجْهِ وَهُوَ مَجْمَعُ الْمَحَاسِنِ أَيْضًا فَلَا يُؤْمَنُ ذَهَابُهَا فَيَكُونُ إهْلَاكًا مِنْ وَجْهٍ فَلَا يُشْرَعُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ آخِرًا يُضْرَبُ الرَّأْسُ سَوْطًا لِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه لِلْجَلَّادِ اضْرِبْ الرَّأْسَ فَإِنَّ فِيهِ شَيْطَانًا قُلْنَا قَالَ ذَلِكَ فِي مُسْتَحِقِّ الْقَتْلِ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ دُعَاةِ أَهْلِ الْحَرْبِ مَحْلُوقًا وَسَطَ رَأْسِهِ فَأَمَرَ بِضَرْبِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَأَخْبَرَ أَنَّ فِيهِ شَيْطَانًا وَقَالَ عُمَرُ لِلْجَلَّادِ إيَّاكَ أَنْ تَضْرِبَ الرَّأْسَ وَالْفَرْجَ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا لَا يُضْرَبُ الصَّدْرُ وَالْبَطْنُ لِأَنَّهُ مَقْتَلٌ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
الْإِيضَاحِ مَا يُوَافِقُهُ قَالَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُضْرَبَ بِسَوْطٍ لَهُ ثَمَرَةٌ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ إذَا ضُرِبَ بِهَا تَصِيرُ كُلُّ ضَرْبَةٍ ضَرْبَتَيْنِ وَفِي الدِّرَايَةِ لَكِنَّ الْمَشْهُورَ فِي الْكُتُبِ لَا ثَمَرَةَ لَهُ لَا عُقْدَةَ لَهُ
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ لِأَنَّ عَلِيًّا لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ كَسَرَ ثَمَرَتَهُ لَا يَحْتَمِلُ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ أَصْلًا بَلْ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ إمَّا الْعُقْدَةُ وَإِمَّا تَلْيِينُ طَرَفِهِ بِالدَّقِّ إذَا كَانَ يَابِسًا وَهُوَ الظَّاهِرُ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ حَنْظَلَةَ السَّدُوسِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ يُؤْمَرُ بِالسَّوْطِ فَتُقْطَعُ ثَمَرَتُهُ ثُمَّ يُدَقُّ بَيْنَ حَجَرَيْنِ حَتَّى يَلِينَ ثُمَّ يُضْرَبُ بِهِ قُلْنَا لَهُ فِي زَمَنِ مَنْ كَانَ هَذَا قَالَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ لَا يُضْرَبُ وَفِي طَرَفِهِ يُبْسٌ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَجْرَحُ أَوْ يُبَرِّحُ فَكَيْفَ إذَا كَانَ فِي طَرَفِهِ عُقْدَةٌ وَيُفِيدُ ذَلِكَ مَا رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ «رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَصَبْت حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ فَدَعَا عليه الصلاة والسلام بِسَوْطٍ فَأُتِيَ بِسَوْطٍ شَدِيدٍ لَهُ ثَمَرَةٌ فَقَالَ سَوْطٌ دُونَ هَذَا فَأُتِيَ بِسَوْطٍ مَكْسُورٍ لَيِّنٍ فَقَالَ سَوْطٌ فَوْقَ هَذَا فَأُتِيَ بِسَوْطٍ بَيْنَ سَوْطَيْنِ فَقَالَ هَذَا وَأَمَرَ بِهِ فَجَلَدُوهُ» رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِرَجُلٍ فَذَكَرَهُ وَذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ
وَالْحَاصِلُ أَنْ يَجْتَنِبَ كُلًّا مِنْ الثَّمَرَةِ بِمَعْنَى الْعُقْدَةِ وَبِمَعْنَى الْفَرْعِ الَّذِي يَصِيرُ ذَنْبَيْنِ تَعْمِيمًا لِلْمُشْتَرَكِ فِي النَّفْيِ لِأَنَّهُ عَيَّنَ الْعَدَدَ مِائَةٌ وَلَوْ تَجَوَّزَ بِالثَّمَرَةِ فِيمَا يُشَاكِلُ الْعُقْدَةَ لِيَعُمَّ الْمَجَازُ مَا هُوَ يَابِسُ الطَّرَفِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا كَانَ أَوْلَى فَإِنَّهُ لَا يُضْرَبُ بِمِثْلِهِ حَتَّى يُدَقَّ رَأْسُهُ فَيَصِيرَ مُتَوَسِّطًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالضَّرْبُ الْمُتَوَسِّطُ هُوَ الْمُؤْلِمُ غَيْرُ الْجَارِحِ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ ضَعِيفَ الْخِلْقَةِ فَخِيفَ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ يُجْلَدُ جَلْدًا خَفِيفًا يَحْتَمِلُهُ. اهـ. وَسَيَأْتِي هَذَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَالْمَرِيضُ يُرْجَمُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَرُوِيَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَمَرَ الْجَلَّادَ أَنْ لَا يُبَيِّنَ إبِطَهُ» . اهـ. (قَوْلُهُ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عَلِيًّا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه كَانَ يَأْمُرُ بِالتَّجْرِيدِ فِي الْحُدُودِ زَادَ عَلَيْهِ شَارِحُ الْكَنْزِ فَقَالَ صَحَّ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَأْمُرُ بِالتَّجْرِيدِ فَأَبْعَدَ عَمَّا قَالَ الْمُخَرِّجُ إنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ عَنْ عَلِيٍّ بَلْ رُوِيَ عَنْهُ خِلَافُهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَرَّقَ الضَّرْبَ عَلَى أَعْضَائِهِ) أَيْ عَلَى الْكَتِفَيْنِ وَالذِّرَاعَيْنِ وَالْعَضُدَيْنِ وَالسَّاقَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ أَعْضَائِهِ مَا نَصُّهُ أَيْ أَعْضَاءِ الْمَحْدُودِ اهـ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إلَّا رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ) قَالَ الْكَمَالُ وَذُكِرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ «قَالَ لِلَّذِي أَمَرَهُ بِضَرْبِ الْحَدِّ اتَّقِ الْوَجْهَ وَالْمَذَاكِيرَ» وَلَمْ يَحْفَظْهُ الْمُخَرِّجُونَ مَرْفُوعًا بَلْ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ أُتِيَ بِرَجُلٍ سَكْرَانَ أَوْ فِي حَدٍّ فَقَالَ اضْرِبْ وَأَعْطِ كُلَّ عُضْوٍ حَقَّهُ وَاتَّقِ الْوَجْهَ وَالْمَذَاكِيرَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفَيْهِمَا وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَثَبَتَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ وَقَدْ أُتِيَ بِرَجُلٍ وَأَعْطِ كُلَّ عُضْوٍ حَقَّهُ قَالَ وَرَوَيْنَا هَذَا الْقَوْلَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَالنَّخَعِيِّ اهـ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ «إذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَّقِ الْوَجْهَ وَالْمَذَاكِيرَ» وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مُرَادًا عَلَى الْإِطْلَاقِ لِأَنَّا نَقْطَعُ أَنَّ فِي حَالِ قِيَامِ الْحَرْبِ مَعَ الْكُفَّارِ لَوْ تَوَجَّهَ لِأَحَدٍ ضَرْبُ وَجْهِ مَنْ يُبَارِزُهُ أَوْ هُوَ فِي مُقَابَلَتِهِ حَالَةَ الْحَمْلَةِ لَا يَكُفُّ عَنْهُ إذْ قَدْ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَقْتُلُهُ فَلَيْسَ الْمُرَادُ إلَّا مَنْ يَقْتُلُهُ صَبْرًا فِي حَدٍّ قَتْلًا أَوْ غَيْرَ قَتْلٍ اهـ
قَالَ الْكَمَالُ أَيْضًا وَالْمَذَاكِيرُ جَمْعُ ذَكَرٍ بِمَعْنَى الْعُضْوِ فَرَّقُوا فِي جَمْعِهِ بَيْنَ الذَّكَرِ بِمَعْنَى الرَّجُلِ حَيْثُ قَالُوا ذُكْرَانٌ وَذُكُورَةٌ وَذِكَارَةٌ وَبِمَعْنَى الْعُضْوِ ثُمَّ جَمْعُهُ عَلَى اعْتِبَارِ تَسْمِيَةِ مَا حَوْلَهُ مِنْ كُلِّ جُزْءٍ ذَكَرًا كَمَا لَوْ قَالُوا شَابَتْ مَفَارِقُهُ وَإِنَّمَا لَهُ مَفْرِقٌ وَاحِدٌ اهـ وَفِي الصِّحَاحِ الذَّكَرُ خِلَافُ الْأُنْثَى وَالْجَمْعُ ذُكُورٌ وَذُكْرَانٌ وَذِكَارَةٌ أَيْضًا مِثْلُ حَجَرٍ وَحِجَارَةٍ وَالذَّكَرُ الْعَوْفُ وَالْجَمْعُ مَذَاكِيرُ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ كَأَنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ الذَّكَرِ الَّذِي هُوَ الْفَحْلُ وَبَيْنَ الذَّكَرِ الَّذِي هُوَ الْعُضْوُ فِي الْجَمْعِ وَقَالَ الْأَخْفَشُ هُوَ مِنْ الْجَمْعِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ وَاحِدٌ مِثْلُ الْعَبَادِيدِ وَالْأَبَابِيلِ اهـ وَفِي الصِّحَاحِ فِي بَابِ الْفَاءِ وَكَانَ بَعْضُ النَّاسِ يَتَأَوَّلُ الْعَوْفَ الْفَرْجَ فَذَكَرْتُهُ لِأَبِي عَمْرٍو فَأَنْكَرَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ مِنْ دُعَاةٍ) الدُّعَاةُ جَمْعُ دَاعٍ كَالْقُضَاةِ جَمْعُ قَاضٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَسَطَ رَأْسِهِ) أَيْ وَضَرْبُ رَأْسِهِ وَاجِبٌ وَإِهْلَاكُهُ مُسْتَحَقٌّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا لَا يُضْرَبُ الصَّدْرُ وَالْبَطْنُ) قَالَ الْكَمَالُ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ الصَّدْرُ مِنْ الْمَحَامِلِ وَالضَّرْبُ بِالسَّوْطِ الْمُتَوَسِّطِ عَدَدًا يَسِيرًا
كَالرَّأْسِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله يُخَصُّ الظَّهْرُ بِالضَّرْبِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «شُهُودَك أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِك» قُلْنَا لَيْسَ فِيهِ نَفْيُ ضَرْبِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْضَاءِ
قَالَ رحمه الله (وَيُضْرَبُ الرَّجُلُ قَائِمًا فِي الْحُدُودِ غَيْرَ مَمْدُودٍ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ رضي الله عنه يُضْرَبُ الرِّجَالُ فِي الْحُدُودِ قِيَامًا وَالنِّسَاءُ قُعُودًا وَلِأَنَّ مَبْنَى الْحُدُودِ عَلَى التَّشْهِيرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] وَالْقِيَامُ أَبْلَغُ فِيهِ وَالْمَمْدُودُ هُوَ الْمُلْقَى فِي الْأَرْضِ كَمَا يُفْعَلُ الْيَوْمَ وَقِيلَ أَنْ يُمَدَّ فَيَرْفَعُ يَدَهُ فَوْقَ رَأْسِهِ وَقِيلَ أَنْ يُمَدَّ السَّوْطُ عَلَى جَسَدِهِ عِنْدَ الضَّرْبِ فَيَجُرُّ عَلَيْهِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يُفْعَلُ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْمُسْتَحَقِّ قَالَ رحمه الله (وَلَا يُنْزَعُ ثِيَابُهَا إلَّا الْفَرْوَ وَالْحَشْوَ) أَيْ الْمَرْأَةِ لَا يُنْزَعُ عَنْهَا ثِيَابُهَا إلَّا الْفَرْوُ وَالْحَشْوُ لِأَنَّ فِي تَجْرِيدِهَا كَشْفَ الْعَوْرَةِ وَالْفَرْوُ وَالْحَشْوُ يَمْنَعَانِ وُصُولَ الْأَلَمِ إلَى الْجَسَدِ وَالسَّتْرُ حَاصِلٌ بِدُونِهِمَا فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِمَا فَيُنْزَعَانِ لِيَصِلَ الْأَلَمُ إلَى الْبَدَنِ قَالَ رحمه الله (وَتُضْرَبُ جَالِسَةً) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَلِأَنَّهَا عَوْرَةٌ فَلَوْ ضُرِبَتْ قَائِمَةً فَلَا يُؤْمَنُ كَشْفُ عَوْرَتِهَا قَالَ رحمه الله (وَيُحْفَرُ لَهَا فِي الرَّجْمِ لَا لَهُ) أَيْ يُحْفَرُ لِلْمَرْأَةِ لَا لِلرَّجُلِ لِقَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ فَوَاَللَّهِ مَا حَفَرْنَا لِمَاعِزٍ وَلَا أَوْثَقْنَاهُ الْحَدِيثَ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ حُفِرَ لِلْغَامِدِيَّةِ إلَى صَدْرِهَا رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَلِأَنَّهَا رُبَّمَا تَضْطَرِبُ إذَا أَصَابَتْهَا الْحِجَارَةُ فَتَبْدُوَ أَعْضَاؤُهَا وَهِيَ كُلُّهَا عَوْرَةٌ فَكَانَ الْحَفْرُ أَسْتَرَ لَهَا بِخِلَافِ الرَّجُلِ وَلَا بَأْسَ بِتَرْكِ الْحَفْرِ لَهَا لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ وَالرَّبْطُ وَالْإِمْسَاكُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فِي الْمَرْجُومِ
قَالَ رحمه الله (وَلَا يَحُدُّ عَبْدَهُ إلَّا بِإِذْنِ إمَامِهِ) أَيْ الْمَوْلَى لَا يَحُدُّهُ إلَّا إذَا فَوَّضَ الْإِمَامُ إلَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه لَهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدَّ الَّذِي هُوَ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى إذَا عَايَنَ السَّبَبَ أَوْ أَقَرَّ عِنْدَهُ إذَا كَانَ الْمَوْلَى مِمَّنْ يَمْلِكُ الْحَدَّ بِتَوْلِيَةِ الْإِمَامِ بِأَنْ كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا حُرًّا وَإِنْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ فَلَهُ فِيهِ قَوْلَانِ وَفِي حَدِّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ لَهُ وَجْهَانِ وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى مُكَاتَبًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ امْرَأَةً فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ عَلَى مَمْلُوكِهِ لَهُ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا ثُمَّ إنْ زَنَتْ الثَّالِثَةَ فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعْرٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً مُطْلَقَةً فَيَمْلِكُ إقَامَةَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ كَالْإِمَامِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَلَيْهِ فَوْقَ وِلَايَةِ الْإِمَامِ حَتَّى مَلَكَ فِيهِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ مَا لَا يَمْلِكُهُ الْإِمَامُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَوْلَى هُوَ الَّذِي يُزَوِّجُ دُونَ الْوَلِيِّ بِالْقَرَابَةِ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْمِلْكِ فَوْقَهَا وَوِلَايَةَ الْقَرَابَةِ فَوْقَ وِلَايَةِ السَّلْطَنَةِ لِأَنَّ السُّلْطَانَ لَا يُزَوِّجُ إلَّا بَعْدَ فَقْدِ الْقَرِيبِ فَلَمَّا جُعِلَتْ وِلَايَةُ الْمِلْكِ فَوْقَ وِلَايَةِ الْقَرَابَةِ دَلَّ أَنَّهَا فَوْقَ وِلَايَةِ السَّلْطَنَةِ ضَرُورَةً وَلِهَذَا يَمْلِكُ تَعْزِيرَهُ كَمَا يَمْلِكُهُ الْإِمَامُ وَالْحَدُّ كَالتَّعْزِيرِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عُقُوبَةٌ شُرِعَتْ لِلزَّجْرِ
وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ الْعَبَادِلَةِ الثَّلَاثَةِ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا «أَرْبَعَةٌ إلَى الْوُلَاةِ الْحُدُودُ وَالصَّدَقَاتُ وَالْجُمُعَاتُ وَالْفَيْءُ» وَعَنْ عَلِيٍّ مِثْلُهُ وَلِأَنَّ الْحَدَّ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ شَرْعِهِ إخْلَاءُ الْعَالَمِ عَنْ الْفَسَادِ وَلِهَذَا لَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِ الْعِبَادِ فَتَكُونُ الْوِلَايَةُ مُسْتَفَادَةً بِالنِّيَابَةِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَالْإِمَامُ هُوَ الْمُتَعَيِّنُ لَهَا فِي اسْتِيفَاءِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَأَمَّا الْمَوْلَى فَوِلَايَتُهُ بِالْمِلْكِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ نَائِبًا لِلَّهِ تَعَالَى أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَصْلُحُ لِذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ مَالِكَةً وَكَذَا الذِّمِّيُّ وَالْمُكَاتَبُ بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ وَهُوَ الْمَالِكُ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
لَا يَقْتُلُ فِي الْبَطْنِ فَكَيْفَ بِالصَّدْرِ نَعَمْ إذَا فَعَلَ بِالْعَصَا كَمَا يُفْعَلُ فِي زَمَانِنَا فِي بُيُوتِ الظَّلَمَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْرِبَ الْبَطْنَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَمَا قِيلَ فِي الْمَنْظُومَةِ وَالْكَافِي إنَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله يَخُصُّ الظَّهْرَ وَاسْتِدْلَالُ الشَّارِحِينَ عَلَيْهِ «بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا فَحَدٌّ فِي ظَهْرِك» غَيْرُ ثَابِتٍ فِي كُتُبِهِمْ بَلْ الَّذِي فِيهَا كَقَوْلِنَا وَإِنَّمَا رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ خَصَّ الظَّهْرَ وَمَا يَلِيهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالظَّهْرِ نَفْسُهُ أَيْ حَدٌّ عَلَيْك بِدَلِيلِ مَا ثَبَتَ عَنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ مِثْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَمَا اسْتَنْبَطْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَّقِ الْوَجْهَ» وَأَنَّهُ فِي نَحْوِ الْحَدِّ فَمَا سِوَاهُ دَاخِلٌ فِي الضَّرْبِ ثُمَّ خُصَّ مِنْهُ الْفَرْجُ بِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ. اهـ.
(قَوْلُهُ عَلَى التَّشْهِيرِ) أَيْ زَجْرًا لِلْعَامَّةِ عَنْ مِثْلِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَيَرْفَعُ) أَيْ الضَّارِبُ اهـ (قَوْلُهُ عِنْدَ الضَّرْبِ) أَيْ بَعْدَ وُقُوعِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالرَّبْطُ وَالْإِمْسَاكُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَإِنْ امْتَنَعَ الرَّجُلُ وَلَمْ يَقِفْ وَلَمْ يَصْبِرْ لَا بَأْسَ بِرَبْطِهِ عَلَى أُسْطُوَانَةٍ أَوْ يُمْسَكُ. اهـ.
1 -
(فَرْعٌ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَلَا يُقَامُ حَدٌّ فِي مَسْجِدٍ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ وَلَا تَعْزِيرٌ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالتَّأْدِيبِ فِي الْمَسْجِدِ خَمْسَةَ أَسْوَاطٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ أَقَامَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى الْحَدَّ فِي الْمَسْجِدِ فَخَطَّأَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ «جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ وَمَجَانِينَكُمْ وَرَفْعَ أَصْوَاتِكُمْ وَشِرَاءَكُمْ وَبَيْعَكُمْ وَإِقَامَةَ حُدُودِكُمْ وَجَمِّرُوهَا فِي جُمَعِكُمْ وَضَعُوا عَلَى أَبْوَابِهَا الْمَطَاهِرَ» وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ خُرُوجُ النَّجَاسَةِ مِنْ الْمَحْدُودِ فَيَجِبُ نَفْيُهُ عَنْ الْمَسْجِدِ. اهـ. قَوْلُهُ وَجَمِّرُوهَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَمِنْهُ نُعَيْمٌ الْمُجْمِرُ الَّذِي كَانَ يَلِي إجْمَارَ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اهـ
وَقَالَ قَاضِي خَانْ قُبَيْلَ فَصْلِ حَدِّ الْقَذْفِ وَلَا قَوَدَ وَلَا تَعْزِيرَ فِي الْمَسْجِدِ وَلَكِنَّ الْقَاضِيَ يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ إذَا أَرَادَ إقَامَةَ الْحَدِّ بَيْنَ يَدَيْهِ اهـ وَذَكَرَ الشَّارِحُ قُبَيْلَ فَصْلِ التَّعْزِيرِ أَنَّ الْحَدَّ لَا يُقَامُ فِي الْمَسْجِدِ اهـ
(قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) أَيْ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدَّ) أَيْ بِلَا إذْنٍ وَعَنْ مَالِكٍ إلَّا فِي الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ الْعَبَادِلَةُ الثَّلَاثَةُ) أَيْ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْحَدَّ حَقُّ اللَّهِ) أَيْ فَلَا يَجُوزُ لِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ فِي حَقِّهِ فَلَا يَجُوزُ لِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ وَكَذَا الذِّمِّيُّ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيُّ مِنْ الْمَوْلَى أَنْ يَكُونَ ذِمِّيًّا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ امْرَأَةً وَهَلْ يَجْرِي ذَلِكَ عَلَى الْعُمُومِ حَتَّى لَوْ كَانَ قَتْلًا بِسَبَبِ الرِّدَّةِ أَوْ قَطْعِ الطَّرِيقِ أَوْ قَطْعًا لِلسَّرِقَةِ فَفِيهِ خِلَافٌ عِنْدَهُمْ قَالَ النَّوَوِيُّ الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ نَعَمْ لِإِطْلَاقِ الْخَبَرِ. اهـ.
التَّأْدِيبُ وَالتَّثْقِيفُ وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا غَيْرَ مُخَاطَبٍ شَرْعًا وَهُوَ كَتَأْدِيبِ الدَّوَابِّ وَتُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ وَيَصِحُّ فِيهِ الْعَفْوُ وَالتَّقَدُّمُ فِي وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ لَا يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِهِ فِي وِلَايَةِ الْحُدُودِ كَالْقَرِيبِ فَإِنَّهُ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ فِيهِ وَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ إقَامَةِ الْحُدُودِ وَلِأَنَّ الْحُدُودَ إنَّمَا تَجِبُ بِاعْتِبَارِ الْآدَمِيَّةِ وَالْمَوْلَى يَمْلِكُ مَالِيَّتَهُ لَا غَيْرُ فَكَانَ أَجْنَبِيًّا عَنْهُ فَصَارَ كَالْحُرِّ فِي حَقِّهِ وَلِهَذَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْحُدُودِ دُونَ الْأَمْوَالِ وَالْمُرَادُ بِمَا رَوَى التَّسْبِيبُ بِالْمُرَافَعَةِ إلَى الْحُكَّامِ لَا الْمُبَاشَرَةُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ وَهَذَا كَمَا يُقَالُ قَتَلَ الْأَمِيرُ فُلَانًا وَنَادَى الْأَمِيرُ فِي النَّاسِ وَالْمُبَاشِرُ لِلْقَتْلِ وَالنِّدَاءِ غَيْرُهُ
وَإِنَّمَا نُسِبَ إلَيْهِ بِالتَّسْبِيبِ بِالْأَمْرِ بِذَلِكَ وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام خَاطَبَ الْمَوَالِيَ كُلَّهُمْ بِذَلِكَ وَكُلُّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ الْمُبَاشَرَةَ بِالْإِجْمَاعِ أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ إذْنًا مِنْهُ عليه الصلاة والسلام لِلْمَوَالِي بِأَنْ يُقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَيْهِمْ وَعِنْدَنَا تَجُوزُ إقَامَتُهُ لِلْمَوْلَى بِإِذْنِ الْإِمَامِ.
قَالَ رحمه الله (وَإِحْصَانُ الرَّجْمِ الْحُرِّيَّةُ وَالتَّكْلِيفُ وَالْإِسْلَامُ وَالْوَطْءُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ وَهُمَا بِصِفَةِ الْإِحْصَانِ) الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَهَذِهِ الشَّرَائِطُ سَبْعَةٌ الْحُرِّيَّةُ وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْإِسْلَامُ وَالتَّزَوُّجُ نِكَاحًا صَحِيحًا وَالدُّخُولُ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَكَوْنُهُمَا مُحْصَنَيْنِ حَالَةَ الدُّخُولِ أَمَّا الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ فَهُمَا شَرْطٌ لِأَهْلِيَّةِ الْعُقُوبَاتِ كُلِّهَا لِأَنَّ الْمَجْنُونَ وَالصَّبِيَّ لَيْسَا بِمُكَلَّفَيْنِ وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَلِأَنَّ الْإِحْصَانَ يَنْطَلِقُ عَلَيْهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] أَيْ الْحَرَائِرِ وَقَالَ تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ} [النساء: 25] أَيْ الْحَرَائِرَ وَلِأَنَّهَا مُمَكَّنَةٌ مِنْ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ الْمُغْنِي عَنْ الزِّنَا، وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ» وَلِأَنَّهُ يُتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ نِكَاحِ الْمُسْلِمَةِ إذْ الْكَافِرَةُ لَا تُحْصِنُهُ وَيُمْكِنُهُ مِنْ اعْتِقَادِ الْحُرْمَةِ أَوْ يُؤَكِّدُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ» قُلْنَا كَانَ ذَلِكَ بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الْجَلْدِ فِي أَوَّلِ مَا دَخَلَ عليه الصلاة والسلام الْمَدِينَةَ وَصَارَ مَنْسُوخًا بِهَا ثُمَّ نُسِخَ الْجَلْدُ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ وَالْكَافِرُ لَيْسَ بِمُحْصَنٍ لِمَا رَوَيْنَا وَأَمَّا التَّزَوُّجُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ فَلِأَنَّ الْإِحْصَانَ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 24] أَيْ الْمَنْكُوحَاتِ وَقَالَ تَعَالَى {فَإِذَا أُحْصِنَّ} [النساء: 25] أَيْ تَزَوَّجْنَ وَلِأَنَّهُ يُمَكِّنُهُ مِنْ الْوَطْءِ الْحَلَالِ وَأَمَّا الدُّخُولُ فَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ» الْحَدِيثَ وَالثِّيَابَةُ لَا تَكُونُ بِغَيْرِ دُخُولٍ وَلِأَنَّهُ بِإِصَابَةِ الْحَلَالِ تَنْكَسِرُ شَهْوَتُهُ وَيَشْبَعُ فَيَسْتَغْنِي بِهِ عَنْ الزِّنَا وَالْمُعْتَبَرُ إيلَاجُ الْحَشَفَةِ بِحَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِنْزَالُ وَأَمَّا إحْصَانُهُمَا حَالَةَ الدُّخُولِ فَلِأَنَّ هَذِهِ النِّعْمَةَ بِهِ تَتَكَامَلُ إذْ الطَّبْعُ يَنْفِرُ عَنْ صُحْبَةِ الْمَجْنُونَةِ وَقَلَّمَا يُرْغَبُ فِي الصَّغِيرَةِ لِقِلَّةِ رَغْبَتِهَا فِيهِ وَفِي الْمَمْلُوكَةِ حَذَرًا عَنْ رِقِّ الْوَلَدِ وَلَا ائْتِلَافَ مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي الدِّينِ وَفِي الْكَافِرَةِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْهُ أَنَّهُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِحْصَانُ الرَّجْمِ إلَخْ) قَيَّدَ بِإِحْصَانِ الرَّجْمِ لِأَنَّ إحْصَانَ الْقَذْفِ غَيْرُ هَذَا كَمَا سَيَأْتِي قَالَهُ الْكَمَالُ ثُمَّ قَالَ وَقَوْلُنَا يَدْخُلُ بِهَا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ يَعْنِي تَكُونُ الصِّحَّةُ قَائِمَةً حَالَةَ الدُّخُولِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ مَنْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِتَزَوُّجِهَا يَكُونُ النِّكَاحُ صَحِيحًا فَلَوْ دَخَلَ بِهَا عَقِبَهُ لَا يَصِيرُ مُحْصَنًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ قَبْلَهُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِضَافَةَ فِي قَوْلِنَا شَرَائِطُ الْإِحْصَانِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ بَيَانِيَّةً أَيْ الشَّرَائِطُ الَّتِي هِيَ الْإِحْصَانُ وَكَذَا شَرْطُ الْإِحْصَانِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِحْصَانَ الَّذِي هُوَ شَرْطُ الرَّجْمِ هِيَ الْأُمُورُ الْمَذْكُورَةُ فَهِيَ أَجْزَاؤُهُ أَوْ هُوَ هَيْئَةٌ يَكُونُ بِاجْتِمَاعِهَا فَهِيَ أَجْزَاءُ عِلَّتِهِ وَكُلُّ جُزْءٍ عِلَّةٌ فَكُلُّ وَاحِدٍ حِينَئِذٍ شَرْطُ وُجُوبِ الرَّجْمِ وَالْمَجْمُوعُ عِلَّةٌ لِوُجُودِ الشَّرْطِ الْمُسَمَّى بِالْإِحْصَانِ وَالشَّرْطُ يَثْبُتُ سَمْعًا أَوْ قِيَاسًا عَلَى مَا اخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ اهـ
(قَوْلُهُ وَهُمَا بِصِفَةِ الْإِحْصَانِ) إلَى هُنَا كَلَامُ الشَّارِحِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ بَعْدَ قَوْلِهِ الْإِحْصَانُ وَالتَّكْلِيفُ غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ ثَابِتًا فِي خَطِّهِ وَالصَّوَابُ إثْبَاتُهُ اهـ (قَوْلُهُ وَهَذِهِ الشَّرَائِطُ) أَيْ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ سَبْعَةٌ الْأَوَّلُ الْحُرِّيَّةُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ أَشَارَ إلَيْهِمَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَالتَّكْلِيفُ الرَّابِعُ الْإِسْلَامُ الْخَامِسُ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ السَّادِسُ الدُّخُولُ فِيهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَالْوَطْءُ السَّابِعُ إحْصَانُهُمَا حَالَةَ الدُّخُولِ اهـ وَاعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّ الزِّنَا سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ جَمِيعًا لَكِنْ لِلرَّجْمِ شَرَائِطُ هِيَ الْمَذْكُورَةُ آنِفًا فَإِذَا وُجِدَتْ هَذِهِ الشَّرَائِطُ يَجِبُ الرَّجْمُ وَإِلَّا فَيَجِبُ الْجَلْدُ
قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الدُّخُولَ آخِرُ شَرَائِطِ الْإِحْصَانِ حَتَّى لَوْ وُجِدَ الدُّخُولُ أَوَّلًا ثُمَّ وُجِدَ سَائِرُ الشَّرَائِطِ لَا يَكُونُ مُحْصَنًا مَا لَمْ يُوجَدْ الدُّخُولُ بَعْدَهَا بَيَانُهُ فِيمَا قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ الْمُسْلِمَ الْبَالِغَ الْعَاقِلَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نَصْرَانِيَّةً فَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ فَقَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ زَنَى الرَّجُلُ لَا رَجْمَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا بَعْدَ إسْلَامِهَا وَلَمْ تَكْمُلْ شَرَائِطُ إحْصَانِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَكُونُ مُحْصَنًا وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَمَةً فَدَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا الْمَوْلَى فَمَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا بَعْدَ الْعِتْقِ لَا يَكْمُلُ الْإِحْصَانُ بِالِاتِّفَاقِ وَكَذَا لَوْ دَخَلَ بِهَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ ثُمَّ أَدْرَكَتْ وَكَذَا لَوْ كَانَ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ وَهُمَا مُحْصَنَانِ فَارْتَدَّا مَعًا بَطَلَ إحْصَانُهُمَا ثُمَّ إذَا أَسْلَمَا لَا يَعُودُ إحْصَانُهُمَا إلَّا بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ إلَى هُنَا لَفْظُ الشَّارِحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(قَوْلُهُ وَيُمْكِنُهُ) أَيْ الْإِسْلَامُ يُمْكِنُ اهـ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَإِنَّهُ شَرْطُ الْإِحْصَانِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا لِمَا قُلْنَا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ أَنَّ الذِّمِّيَّ الثَّيِّبَ الْحُرَّ إذَا زَنَى عِنْدَنَا يُجْلَدُ وَلَا يُرْجَمُ وَعِنْدَهُمَا يُرْجَمُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا التَّزَوُّجُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ) أَيْ ثُمَّ لَا يَكُونُ مُحْصَنًا بِالدُّخُولِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لِأَنَّهُ لَا يُبِيحُ الْوَطْءَ وَكَذَا لَا يَكُونُ مُحْصَنًا أَيْضًا بِالْجِمَاعِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ إذَا قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ نَصَّ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ) أَيْ التَّزَوُّجُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا إحْصَانُهُمَا) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله -
لَا يُشْتَرَطُ الْإِحْصَانُ عِنْدَ الدُّخُولِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّاهُ وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «لَا تُحْصِنُ الْمُسْلِمَ الْيَهُودِيَّةُ وَلَا النَّصْرَانِيَّةُ وَلَا الْحُرَّ الْأَمَةُ وَلَا الْحُرَّةَ الْعَبْدُ» وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ وَكُلُّهَا زَوَاجِرُ عَنْ الزِّنَا وَالْجِنَايَةُ عِنْدَ تُوَفِّرْ النِّعْمَةِ وَوُجُودِ الْمَانِعِ أَغْلَظُ وَأَقْبَحُ فَيُنَاطُ بِهَا نِهَايَةُ الْعُقُوبَةِ وَلِهَذَا هَدَّدَ اللَّهُ تَعَالَى نِسَاءَ النَّبِيِّ بِضِعْفِ مَا هَدَّدَ بِهِ غَيْرَهُنَّ وَعَاتَبَ الْأَنْبِيَاءَ عليهم السلام بِزَلَّاتٍ لَا يُؤَاخَذُ بِهَا غَيْرُهُمْ لِزِيَادَةِ النِّعْمَةِ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ الْعِلْمِ وَالشَّرَفِ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِاعْتِبَارِهِمَا وَنَصْبُ الشَّرْعِ بِالرَّأْيِ مُمْتَنِعٌ وَلَوْ زَالَ الْإِحْصَانُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ بِالْجُنُونِ وَالْعُنَّةِ يَعُودُ مُحْصَنًا إذَا أَفَاقَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَعُودُ حَتَّى يَدْخُلَ بِالْمَرْأَةِ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ
قَالَ رحمه الله (وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ جَلْدٍ وَرَجْمٍ) يَعْنِي فِي الْمُحْصَنِ (وَ) لَا بَيْنَ (جَلْدٍ وَنَفْيٍ) يَعْنِي فِي الْبِكْرِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا عَلَى الْمُحْصَنِ وَعِنْدَ أَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ يُجْلَدُ ثُمَّ يُرْجَمُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «خُذُوا عَنِّي فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالنَّسَائِيُّ وَعَنْهُ عليه الصلاة والسلام جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي رَجُلٍ وَعَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَلِيًّا حِينَ رَجَمَ الْمَرْأَةَ جَلَدَهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ وَرَجَمَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقَالَ جَلَدْتهَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَرَجَمْتهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ وَلَنَا أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا فِي مَاعِزٍ وَلَا فِي الْغَامِدِيَّةِ وَلَا فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي زَنَى بِهَا الْعَسِيفُ بَلْ رَجَمَهُمْ مِنْ غَيْرِ جَلْدٍ وَلَوْ كَانَ الْجَمْعُ حَدًّا لَمَا تَرَكَهُ وَلِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الْجَلْدِ مَعَ الرَّجْمِ لِأَنَّ الْحَدَّ شُرِعَ زَاجِرًا وَزَجْرُهُ بِالْجَلْدِ لَا يَتَأَتَّى مَعَ هَلَاكِهِ وَزَجْرُ غَيْرِهِ يَحْصُلُ بِالرَّجْمِ لِكَوْنِهِ أَبْلَغَ الْعُقُوبَاتِ
فَإِذَا عَرِيَ عَنْ الْفَائِدَةِ فَلَا يُشْرَعُ وَلِهَذَا لَوْ تَكَرَّرَ مِنْ شَخْصٍ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ يُكْتَفَى بِحَدٍّ وَاحِدٍ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي الْبَاقِي لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ زَجْرُهُ وَزَجْرُ غَيْرِهِ يَحْصُلُ بِالْأَوَّلِ وَمَا رَوَوْهُ مَعْنَاهُ الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ أَوْ الرَّجْمُ لِأَنَّ الْوَاوَ تَجِيءُ بِمَعْنَى أَوْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [فاطر: 1] أَيْ أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى أَوْ ثَلَاثَ أَوْ رُبَاعَ فَيَكُونُ مَعْنَى الْحَدِيثِ الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ الرَّجْمُ إنْ كَانَا مُحْصَنَيْنِ أَوْ جَلْدُ مِائَةٍ إنْ لَمْ يَكُونَا مُحْصَنَيْنِ وَهَذَا مَعْنًى مُسْتَقِيمٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ فَإِنَّ كُلَّ ثَيِّبٍ لَا يُرْجَمُ فَيَكُونُ تَنْبِيهًا مِنْهُ عليه الصلاة والسلام عَلَى الْحُكْمَيْنِ فِي الثَّيِّبِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَنْسُوخٌ عَلَى مَا نُبَيِّنُ وَجْهَ نَسْخِهِ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
وَأَمَّا الَّذِي جَمَعَ فِيهِ عليه الصلاة والسلام بَيْنَهُمَا فَإِنَّمَا جَلَدَهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ غَيْرُ مُحْصَنٍ ثُمَّ لَمَّا عَرَفَ أَنَّهُ مُحْصَنٌ رَجَمَهُ فَإِنَّ جَابِرًا قَالَ إنَّ «رَجُلًا زَنَى بِامْرَأَةٍ فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَجَلَدَهُ الْحَدَّ ثُمَّ أُخْبِرَ أَنَّهُ مُحْصَنٌ فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِعْلُ عَلِيٍّ رضي الله عنه مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ وَتَأْخِيرُهُ الرَّجْمَ إلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْحَدِّ بَعْدَ وُجُوبِهِ لَا يَجُوزُ وَعَرَّفَ أَحَدَ الْحَدَّيْنِ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْآخَرَ بِالسُّنَّةِ فَلِهَذَا قَالَ جَلَدْتهَا بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَجَمْتهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا لِأَنَّ الْجَمْعَ مَشْرُوعٌ فِي وَاحِدٍ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ عَدَمُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالنَّفْيِ فِي الْبِكْرِ فَمَذْهَبُنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا حَدًّا لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ»
«وَقَالَ عليه الصلاة والسلام فِي الْعَسِيفِ عَلَيْهِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
وَكَوْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ مُسَاوِيًا لِلْآخَرِ فِي شَرَائِطِ الْإِحْصَانِ وَقْتَ الْإِصَابَةِ فَهُوَ شَرْطٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ أَمَةً أَوْ صَبِيَّةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ كِتَابِيَّةً وَدَخَلَ بِهَا لَا يَصِيرُ الزَّوْجُ مُحْصَنًا بِهَذَا الدُّخُولِ حَتَّى لَوْ زَنَى بَعْدَهُ لَا يُرْجَمُ عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُ وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَتْ الْحُرَّةُ الْبَالِغَةُ الْعَاقِلَةُ الْمُسْلِمَةُ مِنْ عَبْدٍ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ صَبِيٍّ وَدَخَلَ بِهَا لَا تَصِيرُ مُحْصَنَةً فَلَا تُرْجَمُ لَوْ زَنَتْ وَلَوْ تَزَوَّجَ مُسْلِمٌ ذِمِّيَّةً فَأَسْلَمَتْ بَعْدَ مَا دَخَلَ بِهَا ثُمَّ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ أَيْ يَطَأَهَا زَنَى لَا يُرْجَمُ وَكَذَا لَوْ أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ الَّتِي هِيَ زَوْجَةُ الْحُرِّ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ الْمُسْلِمِ بَعْدَ مَا دَخَلَ لَا يُرْجَمُ لَوْ زَنَى مَا لَمْ يَطَأْهَا بَعْدَ الْإِعْتَاقِ وَكَذَا لَوْ بَلَغَتْ بَعْدَ مَا دَخَلَ بِهَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَّةً مُسْلِمَةً وَهُمَا مُحْصَنَانِ فَارْتَدَّا مَعًا بَطَلَ إحْصَانُهُمَا فَإِذَا أَسْلَمَا لَا يَعُودُ إحْصَانُهُمَا حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ اهـ
وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَكَوْنُهُمَا عَلَى صِفَةِ الْإِحْصَانِ عِنْدَ الدُّخُولِ فَعَنْ هَذَا عَرَفْت أَنَّ إحْصَانَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ شَرْطٌ لِإِحْصَانِ صَاحِبِهِ بِخِلَافِ إحْصَانِ أَحَدِ الزَّانِيَيْنِ حَيْثُ لَا يَكُونُ شَرْطًا لِإِحْصَانِ الْآخَرِ حَتَّى يُحَدَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدَّ نَفْسِهِ جَلْدًا كَانَ أَوْ رَجْمًا اهـ (فَرْعٌ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي الْجَامِعِ أَرْبَعَةٌ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَأَنْكَرَ الْإِحْصَانَ وَهُوَ الدُّخُولُ بِحُكْمِ النِّكَاحِ وَلَهُ امْرَأَةٌ قَدْ وَلَدَتْ فِي نِكَاحِهِ يُرْجَمُ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّرْعِ بِثَبَاتِ النَّسَبِ مِنْهُ حُكْمٌ بِالدُّخُولِ وَلِهَذَا لَوْ طَلَّقَهَا كَانَ لَهُ الرَّجْعَةُ اهـ وَقَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ فَإِنْ أَقَرَّا بِالدُّخُولِ ثَبَتَ إحْصَانُهُمَا وَإِنْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ ثَبَتَ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ لِأَنَّ حُكْمَ إقْرَارِهِ يَلْزَمُهُ وَلَوْ وَلَدَتْ مِنْهُ وَهُمَا يُنْكِرَانِ الدُّخُولَ فَهُمَا مُحْصَنَانِ لِأَنَّ الْوَلَدَ شَاهِدٌ عَلَى ذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ يُثْبَتُ الْإِحْصَانُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَثْبُتُ كَمَا لَا يَثْبُتُ الزِّنَا وَلَنَا أَنَّ الْإِحْصَانَ شَرْطٌ وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَى الْعِلَّةِ وَهُوَ الزِّنَا لَا إلَى الشَّرْطِ وَلَوْ رَجَعُوا لَا يَضْمَنُونَ وَقَالَا يَضْمَنُونَ نِصْفَ الدِّيَةِ لِأَنَّ الْحُجَّةَ قَامَتْ بِهِمْ وَبِشُهُودِ الزِّنَا وَيَسْتَفْسِرُ الْقَاضِي شُهُودَ الْإِحْصَانِ مَا هُوَ وَكَيْفَ هُوَ
فَإِنْ ذَكَرَا الشَّرَائِطَ وَقَالَا دَخَلَ بِهَا كَفَى ذَلِكَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ قَالَ الدُّخُولُ قَدْ يَكُونُ لِلزِّنَا وَقَدْ يَكُونُ لِلْوَطْءِ فَلَا يُقْبَلُ لِلِاحْتِمَالِ وَلَهُمَا أَنَّ الدُّخُولَ بِهَا لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي الْوَطْءِ أَمَّا فِي غَيْرِهِ فَيُقَالُ دَخَلَ عَلَيْهَا وَفِي جَامِعِ الرَّازِيّ لَا يُشْتَرَطُ قِيَامُ النِّكَاحِ لِبَقَاءِ الْإِحْصَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْعِلْمِ وَالشَّرَفِ) هَذَا مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ جَلْدٍ وَرَجْمٍ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَذَهَبَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ إلَى أَنَّهُ يُجْمَعُ. اهـ. فَتْحٌ
عَامٍ» وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ كَانُوا يَضْرِبُونَ وَيُغَرِّبُونَ وَلِأَنَّ الزِّنَا يَنْشَأُ مِنْ الْمُصَاحَبَةِ وَالْمُؤَانَسَةِ فَيُفَرَّقُ وَيُغَرَّبُ حَسْمًا لِمَادَّتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ السَّارِقَ لَمَّا كَانَ تَمَكُّنُهُ مِنْ السَّرِقَةِ بِالْمَشْيِ وَالْبَطْشِ صَارَ حَدُّهُ قَطْعَ آلَةِ الْمَشْيِ وَالْبَطْشِ حَسْمًا لِمَادَّتِهِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] جَعَلَ الْجَلْدَ كُلَّ الْمُوجِبِ نَظَرًا إلَى الْجَوَابِ بِالْفَاءِ لِأَنَّ الْفَاءَ لِلْجَزَاءِ وَالْجَزَاءُ مَا يَكُونُ كِفَايَةً لِأَنَّهُ مِنْ جَزَأَ بِالْهَمْزِ أَيْ كَفَى وَإِلَى كَوْنِهِ كُلَّ الْمَذْكُورِ فَيَكُونُ كُلَّ الْمُوجِبِ إذْ الْمَوْضِعُ مَوْضِعُ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ فَلَوْ وَجَبَ التَّغْرِيبُ لَكَانَ الْجَلْدُ بَعْضَ الْمُوجِبِ فَيَكُونُ نَسْخًا وَهُوَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِمِثْلِهِ وَلِأَنَّ فِي التَّغْرِيبِ تَعْرِيضًا لَهَا عَلَى الزِّنَا لِأَنَّهَا إذَا تَبَاعَدَتْ عَنْ الْعَشَائِرِ وَالْأَقَارِبِ ارْتَفَعَ الْحَيَاءُ
وَإِذَا نَزَلَتْ فِي الرِّبَاطَاتِ أَوْ الْخَانَاتِ أَحْوَجَهَا انْقِطَاعُ مَوَادِّ الْمَعَاشِ إلَى اتِّخَاذِ الزِّنَا مَكْسَبَهُ لِارْتِفَاعِ الِاسْتِحْيَاءِ مِنْ الْمَعَارِفِ وَهُوَ أَقْبَحُ وُجُوهِ الزِّنَا لِأَنَّهُ يَقَعُ جَهْرًا لِكَوْنِهِ نَاشِئًا عَنْ وَقَاحَةٍ وَمَعَ الْعَشَائِرِ إنْ وَقَعَ يَقَعُ خُفْيَةً وَمَكْتُومًا لِكَوْنِهِ نَاشِئًا عَنْ اسْتِحْيَاءٍ وَلِهَذَا قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه كَفَى بِالنَّفْيِ فِتْنَةً وَعُمَرُ رضي الله عنه نَفَى شَخْصًا فَارْتَدَّ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَنْفِيَ بَعْدَهُ أَبَدًا وَبِهَذَا يُعْرَفُ أَنَّ نَفْيَهُمْ كَانَ بِطَرِيقِ السِّيَاسَةِ وَالتَّعْزِيرِ لَا بِطَرِيقِ الْحَدِّ لِأَنَّ مِثْلَ عُمَرَ رضي الله عنه لَا يَحْلِفُ أَنْ لَا يُقِيمَ الْحَدَّ وَعِنْدَنَا يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَهُ إنْ رَأَى فِيهِ مَصْلَحَةً وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالزِّنَا أَلَا تَرَى «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام نَفَى الْمُخَنَّثَ» وَعُمَرُ رضي الله عنه نَفَى نَصْرَ بْنَ الْحَجَّاجِ وَكَانَ غُلَامًا صَبِيحًا يُفْتَتَنُ بِهِ النِّسَاءُ وَالْجَمَالُ لَا يُوجِبُ النَّفْيَ وَلَكِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةٍ رَآهَا فَإِنَّ الْغُلَامَ قَالَ لَهُ مَا ذَنْبِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ لَا ذَنْبَ لَك وَإِنَّمَا الذَّنْبُ لِي حَيْثُ لَا أُطَهِّرُ دَارَ الْهِجْرَةِ مِنْك فَنَفَاهُ وَالْتَحَقَ بِالرُّومِ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَنْفِيَ أَحَدًا بَعْدَ هَذَا وَلِأَنَّ نَفْيَ الْمَرْأَةِ لَا يُمْكِنُ شَرْعًا لِأَنَّ سَفَرَهَا بِغَيْرِ مَحْرَمٍ حَرَامٌ وَلَا ذَنْبَ لِلْمَحْرَمِ حَتَّى يُنْفَى مَعَهَا
وَلَا يُمْكِنُ الْقِيَاسُ عَلَى الْمُهَاجِرَةِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهَا لَا تَقْصِدُ سَفَرًا وَإِنَّمَا تَطْلُبُ الْخَلَاصَ حَتَّى لَوْ وَصَلَتْ إلَى جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ وَلَهُمْ مَنَعَةٌ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْ عِنْدِهِمْ وَتُسَافِرَ وَكَذَا فِي الْأَمَةِ حَقُّ الْمَوْلَى فِي الْخِدْمَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الشَّرْعِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَوْلَاهَا وَكَذَا الْعَبْدُ وَمَا رَوَاهُ مَنْسُوخٌ كَشَطْرِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ» فَإِنَّهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ عَلَى الْمُحْصَنِ بِالْإِجْمَاعِ وَبَيَانُ نَسْخِهِ أَنَّ حَدَّ الزِّنَا كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ الْإِيذَاءَ بِاللِّسَانِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَآذُوهُمَا} [النساء: 16] ثُمَّ نُسِخَ بِالْحَبْسِ فِي الْبُيُوتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا} [النساء: 15] ثُمَّ نُسِخَ الْحَبْسُ فِي الْبُيُوتِ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «خُذُوا عَنِّي فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ» فَكَانَ هَذَا قَبْلَ نُزُولِ سُورَةِ النُّورِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام خُذُوا عَنِّي وَلَوْ كَانَ بَعْدَ نُزُولِهَا لَقَالَ خُذُوا عَنْ اللَّهِ ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] فَكَانَ الْجَلْدُ حَدَّ كُلِّ زَانٍ ثُمَّ نُسِخَ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ بِالرَّجْمِ فَبَقِيَ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُحْصَنِ مَعْمُولًا بِهِ فَاسْتَقَرَّ الْحُكْمُ عَلَى الْجَلْدِ فَقَطْ فِي غَيْرِ الْمُحْصَنِ وَعَلَى الرَّجْمِ فَقَطْ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ غَرَّبَ بِمَا يَرَى صَحَّ) أَيْ لَوْ غَرَّبَ الْإِمَامُ الْجَانِيَ بِمَا يَرَى مِنْ التَّغْرِيبِ جَازَ لِمَا ذَكَرْنَا وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمُرَادُ بِالتَّغْرِيبِ الْحَبْسُ قَالَ الشَّاعِرُ
وَمَنْ يَكُ أَمْسَى بِالْمَدِينَةِ رَحْلُهُ
…
فَإِنِّي وَقَيَّارٌ بِهَا لَغَرِيبٌ
أَيْ لَمَحْبُوسٌ وَهُوَ أَحْسَنُ وَأَسْكَنُ لِلْفِتْنَةِ مِنْ نَفْيِهِ إلَى إقْلِيمٍ آخَرَ لِأَنَّهُ بِالنَّفْيِ يَعُودُ مُفْسِدًا كَمَا كَانَ وَلِهَذَا كَانَ الْحَبْسُ حَدًّا فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ دُونَ النَّفْيِ وَحُمِلَ النَّفْيُ الْمَذْكُورُ فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ عَلَيْهِ
قَالَ رحمه الله (وَالْمَرِيضُ يُرْجَمُ وَلَا يُجْلَدُ حَتَّى يَبْرَأَ) أَيْ إذَا زَنَى الْمَرِيضُ وَكَانَ مُحْصَنًا يُرْجَمُ لِأَنَّ الرَّجْمَ مُتْلِفٌ فَلَا يَمْتَنِعُ بِسَبَبِ الْمَرَضِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحْصَنٍ لَا يُجْلَدُ حَتَّى يَبْرَأَ كَيْ لَا يُفْضِيَ إلَى التَّلَفِ وَالْجَلْدُ شُرِعَ زَاجِرًا لَا مُتْلِفًا وَلِهَذَا لَا يُقَامُ الْحَدُّ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ وَلَا فِي شِدَّةِ الْبَرْدِ وَإِنْ كَانَ الزَّانِي ضَعِيفَ الْخِلْقَةِ بِحَيْثُ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ فَخِيفَ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ إذَا ضُرِبَ يُجْلَدُ جَلْدًا خَفِيفًا مِقْدَارَ مَا يَتَحَمَّلُهُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا ضَعِيفًا زَنَى فَذَكَرَ ذَلِكَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مُسْلِمًا فَقَالَ عليه الصلاة والسلام اضْرِبُوهُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فَيَكُونُ كُلُّ الْمُوجِبِ) أَيْ لِأَنَّ الْحَكِيمَ مَهْمَا شَرَعَ فِي بَيَانِ حُكْمِ حَادِثَةٍ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى بَيَانِ بَعْضِ الْحُكْمِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعُمَرُ نَفَى شَخْصًا) أَيْ وَهُوَ نَصْرُ بْنُ حَجَّاجٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَبَيَانُ نَسْخِهِ أَنَّ حَدَّ) لَفْظَةُ حَدٍّ لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَلَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاتِهِ اهـ