المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب حد القذف) - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي - جـ ٣

[الفخر الزيلعي]

فهرس الكتاب

- ‌(بَابُ الظِّهَارِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَار]

- ‌(بَابُ اللِّعَانِ)

- ‌(بَابُ الْعِنِّينِ وَغَيْرِهِ)

- ‌(بَابُ الْعِدَّةِ)

- ‌(فَصْلٌ).فِي الْإِحْدَادِ

- ‌(بَابُ ثُبُوتِ النَّسَبِ)

- ‌[بَابُ الْحَضَانَةِ]

- ‌(بَابُ النَّفَقَةِ)

- ‌(كِتَابُ الْإِعْتَاقِ)

- ‌(بَابُ الْعَبْدُ يَعْتِقُ بَعْضُهُ)

- ‌(بَابُ الْحَلِفِ بِالدُّخُولِ)

- ‌{بَابُ الْعِتْقِ عَلَى جُعْلٍ}

- ‌{بَابُ التَّدْبِيرِ}

- ‌بَابُ الِاسْتِيلَادِ

- ‌{كِتَابُ الْأَيْمَانِ}

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَالسُّكْنَى وَالْإِتْيَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ)

- ‌{بَابُ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللُّبْسِ وَالْكَلَامِ}

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ)

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّزَوُّجِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا)

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ)

- ‌(كِتَابُ الْحُدُودِ)

- ‌(بَابُ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ)

- ‌(بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَالرُّجُوعِ عَنْهَا)

- ‌(بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ)

- ‌(بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي التَّعْزِيرِ)

- ‌(كِتَابُ السَّرِقَةِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الْحِرْزِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ وَإِثْبَاتِهِ]

- ‌(بَابُ قَطْعِ الطَّرِيقِ)

- ‌(كِتَابُ السِّيَرِ)

- ‌[بَابُ الْغَنَائِمِ وَقِسْمَتِهَا]

- ‌(فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ)

- ‌(بَابُ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ)

- ‌(بَابُ الْمُسْتَأْمَنِ)

- ‌[فَصْلٌ إقَامَة الْمُسْتَأْمَنُ فِي دارنا إقَامَة دائمة]

- ‌(بَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ)

- ‌(بَابُ الْمُرْتَدِّينَ)

- ‌(بَابُ الْبُغَاةِ)

- ‌[كِتَابُ اللَّقِيطِ]

- ‌[كِتَابُ اللُّقَطَةِ]

- ‌(كِتَابُ الْآبِقِ)

- ‌[كِتَاب الْمَفْقُود]

- ‌(كِتَابُ الشِّرْكَةِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الشِّرْكَةِ الْفَاسِدَةِ)

- ‌(كِتَابُ الْوَقْفِ)

- ‌[فَصْلٌ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ حَتَّى يَفْرِزَهُ عَنْ مِلْكِهِ]

الفصل: ‌(باب حد القذف)

وَعَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله أَنَّهُ لَا يُجَرَّدُ إظْهَارًا لِلتَّخْفِيفِ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ بِخِلَافِ حَدِّ الزِّنَا قُلْنَا أَظْهَرْنَا التَّخْفِيفَ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ حَيْثُ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ أَقَلَّ الْحُدُودِ عَدَدًا وَأَخَفَّ مِنْ حَدِّ الزِّنَا وَصْفًا فَلَا يُخَفَّفُ ثَالِثًا بِتَرْكِ التَّجْرِيدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

(بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ)

وَهُوَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الرَّمْيِ مُطْلَقًا وَمِنْهُ الْقَذَّافَةُ وَالْقَذِيفَةُ لِلْمِقْلَاعِ وَالتَّقَاذُفُ التَّرَامِي وَفِي الشَّرْعِ رَمْيٌ مَخْصُوصٌ وَهُوَ الرَّمْيُ بِالزِّنَا صَرِيحًا وَهُوَ الْقَذْفُ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ وَشَرْطُهُ إحْصَانُ الْمَقْذُوفِ وَعَجْزُ الْقَاذِفِ عَنْ إثْبَاتِهِ بِالْبَيِّنَةِ وَلَوْ قَالَ لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ فِي الْمِصْرِ أَمْهَلَهُ الْقَاضِي إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُؤَخِّرُهُ إلَى الْمَجْلِسِ الثَّانِي وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَحَقَّقَ وَبِالتَّأْخِيرِ يَتَضَرَّرُ الْمَقْذُوفُ بِالْعَارِ وَفِي الْمَجْلِسِ لَا يُعَدُّ تَأْخِيرًا كَتَأْخِيرِهِ إلَى أَنْ يَحْضُرَ الْجَلَّادُ وَلَوْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِزِنًا مُتَقَادِمٍ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ يُحَدَّ لِأَنَّ الزِّنَا لَمْ يَثْبُتْ بِهِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الشَّهَادَةَ وُجِدَتْ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا رُدَّتْ لِلتُّهْمَةِ فَتُعْتَبَرُ لِلدَّرْءِ عَنْ الزَّانِي لَا لِلْوُجُوبِ عَلَى الْقَاذِفِ كَشَهَادَةِ الْفُسَّاقِ.

قَالَ رحمه الله (هُوَ كَحَدِّ الشُّرْبِ كَمِيَّةً وَثُبُوتًا) أَيْ حَدُّ الْقَذْفِ كَحَدِّ الشُّرْبِ عَدَدًا وَهُوَ ثَمَانُونَ جَلْدَةً وَكَذَا ثُبُوتًا حَتَّى يَثْبُتَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ وَلَا تُقْبَلُ فِيهِمَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَلِأَنَّ شَهَادَتَهُنَّ لَا تُقْبَلُ فِي الْحُدُودِ عَلَى مَا مَرَّ فِي حَدِّ الزِّنَا.

قَالَ رحمه الله (فَلَوْ قَذَفَ مُحْصَنًا أَوْ مُحْصَنَةً بِزِنًا حُدَّ بِطَلَبِهِ مُفَرَّقًا) أَيْ بِطَلَبِ الْمَقْذُوفِ مُفَرَّقًا عَلَى أَعْضَاءِ الْقَاذِفِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ) أَيْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

[بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ]

(بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ) قَدْ ذَكَرَ وَجْهَ الْمُنَاسَبَةِ فِي أَوَّلِ بَابِ حَدِّ الشُّرْبِ قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 23] وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قِيلَ وَمَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الشِّرْكُ بِاَللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْهُ عليه الصلاة والسلام «مَنْ أَقَامَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَاجْتَنَبَ السَّبْعَ الْكَبَائِرَ نُودِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِيَدْخُلَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَ وَذُكِرَ مِنْهَا قَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ» وَتَعَلَّقَ الْحَدُّ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ مُسْتَنِدِينَ إلَى قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] وَالْمُرَادُ بِالرَّمْيِ بِالزِّنَا حَتَّى لَوْ رَمَاهُ بِسَائِرِ الْمَعَاصِي غَيْرِهِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بَلْ التَّعْزِيرُ وَفِي النَّصِّ إشَارَةٌ إلَيْهِ أَيْ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ الزِّنَا وَهُوَ اشْتِرَاطُ أَرْبَعَةٍ مِنْ الشُّهُودِ يَشْهَدُونَ عَلَيْهَا بِمَا رَمَاهَا بِهِ لِيَظْهَرَ بِهِ صِدْقُهُ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ وَلَا شَيْءَ يَتَوَقَّفُ ثُبُوتُهُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ إلَّا الزِّنَا ثُمَّ ثَبَتَ وُجُوبُ جَلْدِ الْقَاذِفِ لِلْمُحْصَنِ بِدَلَالَةِ هَذَا النَّصِّ لِلْقَطْعِ بِإِلْغَاءِ الْفَارِقِ وَهُوَ صِفَةُ الْأُنُوثَةِ وَاسْتِقْلَالُ دَفْعِ عَارِ مَا نُسِبَ إلَيْهِ بِالتَّأْثِيرِ بِحَيْثُ لَا يَتَوَقَّفُ فَهْمُهُ عَلَى ثُبُوتِ أَهْلِيَّةِ الِاجْتِهَادِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَهُوَ ثَمَانُونَ جَلْدَةً) يَعْنِي فِي الْحُرِّ لِأَنَّ الْقَاذِفَ إذَا كَانَ عَبْدًا فَحَدُّهُ أَرْبَعُونَ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] وَلِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ عَلَى مَا مَرَّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَلَوْ قَذَفَ مُحْصَنًا أَوْ مُحْصَنَةً بِزِنًا) قَالَ الْهِدَايَةُ بِصَرِيحِ الزِّنَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بِأَنْ قَالَ لِمُحْصَنٍ يَا زَانِي أَوْ لِمُحْصَنَةٍ أَوْ قَالَ يَا وَلَدَ الزِّنَا أَوْ يَا ابْنَ الزِّنَا أَوْ لَسْتَ لِأَبِيك وَأُمُّهُ حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ اهـ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ مَنْ قَذَفَ أَحَدًا بِفِعْلٍ يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَى الْمَقْذُوفِ لَوْ ظَهَرَ ذَلِكَ مِنْهُ فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ بِقَوْلِ الْقَاذِفِ فَيَجِبُ الْحَدُّ ثَمَانُونَ جَلْدَةً إذَا كَانَ حُرًّا وَأَرْبَعُونَ إذَا كَانَ عَبْدًا سَوَاءٌ كَانَ الْقَاذِفُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْفِعْلُ مُوجِبًا لِلْحَدِّ عَلَى الْمَقْذُوفِ لَوْ ظَهَرَ ذَلِكَ فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْقَاذِفِ وَيَجِبُ التَّعْزِيرُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ وَقَوْلُهُ بِصَرِيحِ الزِّنَا يُحْتَرَزُ عَنْ الْقَذْفِ بِالْكِنَايَةِ كَقَائِلٍ صَدَقْتَ لِمَنْ قَالَ يَا زَانِي بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ هُوَ كَمَا قُلْتَ فَإِنَّهُ يُحَدُّ وَلَوْ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّك زَانٍ فَقَالَ الْآخَرُ وَأَنَا أَشْهَدُ لَا حَدَّ عَلَى الثَّانِي لِأَنَّ كَلَامَهُ مُحْتَمَلٌ وَلَوْ قَالَ أَنَا أَشْهَدُ بِمِثْلِ مَا شَهِدْت بِهِ حُدَّ وَيُحَدُّ بِقَوْلِهِ زَنَى فَرْجُكِ وَبِقَوْلِهِ زَنَيْتِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَمَا قَطَعَ كَلَامَهُ وَأَنْتِ مُكْرَهَةٌ بِخِلَافِهِ مَوْصُولًا وَكَذَا إذَا قَالَ لَيْسَتْ أُمِّي بِزَانِيَةٍ أَوْ أَبِي فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَسُفْيَانُ وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحِ وَقَالَ مَالِكٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ يُحَدُّ بِالتَّعْرِيضِ لِمَا رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ عُمَرُ يَضْرِبُ الْحَدَّ فِي التَّعْرِيضِ وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ جَلَدَ رَجُلًا بِالتَّعْرِيضِ وَلِأَنَّهُ إذَا عُرِفَ الْمُرَادُ بِدَلِيلِهِ مِنْ الْقَرِينَةِ صَارَ كَالصَّرِيحِ قُلْنَا لَمْ يَعْتَبِرْ الشَّارِعُ مِثْلَهُ فَإِنَّا رَأَيْنَاهُ حَرَّمَ صَرِيحَ خِطْبَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا فِي الْعِدَّةِ وَأَبَاحَ التَّعْرِيضَ فَقَالَ {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} [البقرة: 235] وَقَالَ {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البقرة: 235] فَإِذَا ثَبَتَ فِي الشَّرْعِ نَفْيُ اتِّحَادِ حُكْمِهِمَا فِي غَيْرِ الْحَدِّ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْتَبَرَ مِثْلُهُ عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ الْحَدَّ الْمُحْتَاطَ فِي دَرْئِهِ وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «لَمْ يُلْزِمْ. الْحَدَّ لِلَّذِي قَالَ إنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ» يُعَرِّضُ بِنَفْيِهِ فَغَيْرُ لَازِمٍ لِأَنَّ إلْزَامَ حَدِّ الْقَذْفِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الدَّعْوَى وَالْمَرْأَةُ لَمْ تَدَّعِ وَأُورِدَ أَنَّ الْحَدِيثَ يَثْبُتُ بِنَفْيِ النَّسَبِ وَلَيْسَ صَرِيحًا فِي الْقَذْفِ وَوُرُودُهُ بِاعْتِبَارِ الْمَفْهُومِ وَلَيْسَ حُجَّةً فِي الرِّوَايَاتِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزِّنَا بِالِاقْتِضَاءِ وَالثَّابِتُ مُقْتَضًى كَالثَّابِتِ بِالْعِبَارَةِ وَالْحَقُّ أَنْ لَا دَلَالَةَ اقْتِضَاءٍ فِي ذَلِكَ لِمَا سَيَظْهَرُ بَلْ حَدُّهُ بِالْأَثَرِ وَالْإِجْمَاعِ فَهُوَ وَارِدٌ لَا يَنْدَفِعُ وَلَا فَرْقَ فِي ثُبُوتِ

ص: 199

{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] إلَى قَوْلِهِ {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] وَالْمُرَادُ الرَّمْيُ بِالزِّنَا بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَفِي الْآيَةِ إشَارَةٌ إلَيْهِ حَيْثُ شَرَطَ أَرْبَعَةَ شُهَدَاءَ وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِ الزِّنَا وَالنَّصُّ وَإِنْ وَرَدَ فِي الْمُحْصَنَاتِ لَكِنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ فِي الْمُحْصَنِينَ أَيْضًا لِأَنَّ الْمَعْنَى وَهُوَ دَفْعُ الْعَارِ يَشْمَلُهُمَا فَكَانَ مُتَنَاوِلًا لَهُمْ دَلَالَةً وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها «لَمَّا أُنْزِلَتْ الْآيَةُ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ فَذَكَرَ ذَلِكَ وَتَلَا الْآيَةَ فَلَمَّا نَزَلَ أَمَرَ بِرَجُلَيْنِ وَامْرَأَةٍ فَضُرِبُوا حَدَّهُمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَكَانُوا قَاذِفِينَ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ الْقَاذِفُ بِالزِّنَا بِأَنْ قَالَ جَامَعْتُ فُلَانَةَ حَرَامًا، أَوْ فَجَرْتُ بِهَا وَنَحْوُهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّ الْجِمَاعَ الْحَرَامَ قَدْ يَكُونُ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ وَلَا يُقَالُ يَجِبُ الْحَدُّ بِقَوْلِهِ لِغَيْرِهِ لَسْتَ لِأَبِيك وَهُوَ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الزِّنَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِهِ بِالْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ وَلِأَنَّا نَقُولُ فِيهِ نِسْبَةُ أُمِّهِ إلَى الزِّنَا بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ

وَالْمُقْتَضَى إذَا ثَبَتَ يَثْبُتُ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ فَيَجِبُ الْحَدُّ إذْ الثَّابِتُ اقْتِضَاءً كَالثَّابِتِ بِالْعِبَارَةِ وَشُرِطَ طَلَبُهُ وَلِأَنَّ فِيهِ حَقَّهُ وَيُنْتَفَعُ بِهِ عَلَى الْخُصُوصِ مِنْ حَيْثُ دَفْعُ الْعَارِ عَنْ نَفْسٍ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا يُفَرَّقُ عَلَى بَدَنِهِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي حَدِّ الشُّرْبِ وَلَا بُدَّ مِنْ تَصَوُّرِ الزِّنَا مِنْ الْمَقْذُوفِ حَتَّى لَوْ قَذَفَ رَتْقَاءَ أَوْ مَجْبُوبًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلِأَنَّهُمَا لَا يَلْحَقُهُمَا الْعَارُ بِذَلِكَ لِظُهُورِ كَذِبِهِ بِيَقِينٍ وَكَذَا قَذْفُ الْأَخْرَسِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَلِأَنَّ طَلَبَهُ يَكُونُ بِالْإِشَارَةِ وَلَعَلَّهُ لَوْ كَانَ يَنْطِقُ لَصَدَّقَهُ.

قَالَ رحمه الله (وَلَا يُنْزَعُ عَنْهُ غَيْرُ الْفَرْوِ وَالْحَشْوِ) لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ وُصُولَ الْأَلَمِ فَيُنْزَعَانِ وَلَا يُنْزَعُ غَيْرُهُمَا إظْهَارًا لِلتَّخْفِيفِ لِأَنَّ سَبَبَهُ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ بِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْقَاذِفُ صَادِقًا فِيهِ فَلَا يُقَامُ عَلَى الشِّدَّةِ لِأَنَّهُ ظَهَرَ التَّشْدِيدُ عَلَيْهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ رَدُّ شَهَادَتِهِ فَيُخَفَّفُ عَنْهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ كَيْ لَا يَلْزَمَ الْإِجْحَافُ بِهِ بِخِلَافِ حَدِّ الزِّنَا وَالشُّرْبِ لِأَنَّ سَبَبَهُمَا مُتَيَقَّنٌ بِهِ وَلَيْسَ فِيهِمَا شَيْءٌ آخَرُ غَيْرُ الْجَلْدِ فَيُشَدَّدُ عَلَيْهِمَا بِالتَّجْرِيدِ وَبِزِيَادَةِ وَصْفِ الشِّدَّةِ فِي الضَّرْبِ.

قَالَ رحمه الله (وَإِحْصَانُهُ بِكَوْنِهِ مُكَلَّفًا حُرًّا مُسْلِمًا عَفِيفًا عَنْ زِنًا) وَأَرَادَ بِالْمُكَلَّفِ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا لِأَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُمَا الزِّنَا إذْ الزِّنَا فِعْلٌ مُحَرَّمٌ وَذَلِكَ بِالتَّكْلِيفِ وَلِأَنَّهُمَا لِعَدَمِ عَقْلِهِمَا أَوْ لِقُصُورِهِ لَا يَقِفَانِ عَلَى عَوَاقِبِ الْأُمُورِ فَلَا يَلْحَقُهُمَا الشَّيْنُ بِهِ وَالْعَقْلُ زَاجِرٌ عَنْ ارْتِكَابِ مَا لَهُ عَاقِبَةٌ ذَمِيمَةٌ وَكَمَالُهُ بِالْبُلُوغِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ وَلَفْظُ الْإِحْصَانِ يَنْتَظِمُ الْحُرِّيَّةَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] أَيْ الْحَرَائِرِ وَقَالَ تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] أَيْ الْحَرَائِرَ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ بِمُحْصَنٍ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ» وَيَنْتَظِمُ الْعِفَّةَ أَيْضًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] أَيْ الْعَفَائِفُ

وَقِيلَ الْحَرَائِرُ وَلِأَنَّ الْمَقْذُوفَ إذَا لَمْ يَكُنْ عَفِيفًا يَكُونُ الْقَاذِفُ صَادِقًا فِيهِ وَالصِّدْقُ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ فَعِنْدَ اجْتِمَاعِ جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا يَجِبُ الْحَدُّ فَيَكُونُ الْكُلُّ وَهِيَ خَمْسُ شَرَائِطَ دَاخِلًا تَحْتَ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] فَإِذَا فُقِدَ وَاحِدٌ مِنْهَا لَا يَكُونُ مُحْصَنًا.

قَالَ رحمه الله (فَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ لَسْتَ لِأَبِيك أَوْ لَسْتَ بِابْنِ فُلَانٍ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

الْقَذْفِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ بِصَرِيحِ الزِّنَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِالْعَرَبِيِّ أَوْ النَّبَطِيِّ أَوْ الْفَارِسِيِّ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يُحَدُّ لَوْ قَالَ لَهَا زَنَيْتِ بِحِمَارٍ أَوْ بَعِيرٍ أَوْ ثَوْرٍ لِأَنَّ الزِّنَا إدْخَالُ رَجُلٍ ذَكَرَهُ إلَخْ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَهَا زَنَيْتِ بِنَاقَةٍ أَوْ ثَوْرٍ أَوْ أَتَانٍ أَوْ دَرَاهِمَ حَيْثُ يُحَدُّ لِأَنَّ مَعْنَاهُ زَنَيْتِ وَأَخَذْت الْبَدَلَ إذْ لَا تَصْلُحُ الْمَذْكُورَاتُ لِلْإِدْخَالِ فِي فَرْجِهَا وَلَوْ قِيلَ هَذَا الرَّجُلُ لَمْ يُحَدَّ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْعُرْفُ فِي جَانِبِهِ أُخِذَ الْمَالُ وَلَوْ قَالَ زَنَيْتِ وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَوْ جَامَعَك فُلَانٌ جِمَاعًا حَرَامًا لَا يُحَدُّ لِعَدَمِ الْإِثْمِ وَلِعَدَمِ الصَّرَاحَةِ وَالْجِمَاعُ الْحَرَامُ يَكُونُ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ وَكَذَا لَا يُحَدُّ بِقَوْلِهِ يَا حَرَامٌ زَادُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ حَرَامٍ زِنًا وَلَا بِقَوْلِهِ أَشْهَدَنِي رَجُلٌ أَنَّك زَانٍ لِأَنَّهُ حَاكٍ لِقَذْفِ غَيْرِهِ وَلَا بِقَوْلِهِ أَنْتَ أَزَنَى مِنْ فُلَانٍ أَوْ أَزَنَى مِنْ فُلَانٍ أَوْ أَزَنَى الزِّنَا لِأَنَّ أَفْعَلَ فِي مِثْلِهِ يُسْتَعْمَلُ لِلتَّرْجِيحِ فِي الْعِلْمِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ وَسَيَأْتِي خِلَافُهُ فِي فُرُوعٍ نَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى اهـ كَلَامُ الْكَمَالِ (قَوْلُهُ فَلَمَّا نَزَلَ أَمَرَ بِرَجُلَيْنِ وَامْرَأَةٍ فَضُرِبُوا حَدَّهُمْ) وَالرَّجُلَانِ هَذَانِ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَمِسْطَحُ بْنُ أَثَاثَةَ وَالْمَرْأَةُ حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ. اهـ. زَرْكَشِيٌّ (قَوْلُهُ دَفْعِ الْعَارِ عَنْ نَفْسِهِ) فَإِذَا لَمْ يُطَالِبْ الْمَقْذُوفُ فَقَدْ تَرَكَ حَقَّهُ فَلَا يُسْتَوْفَى الْحَدُّ حِينَئِذٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يُنْزَعُ غَيْرُ الْفَرْوِ وَالْحَشْوِ) أَيْ الثَّوْبِ الْمَحْشُوِّ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ وُصُولَ الْأَلَمِ) قَالَ الْكَمَالُ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ ذُو بِطَانَةٍ غَيْرُ مَحْشُوٍّ لَا يُنْزَعُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ فَوْقَ قَمِيصٍ يُنْزَعُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعَ الْقَمِيصِ كَالْمَحْشُوِّ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ وَيَمْنَعُ إيصَالَ الْأَلَمِ الَّذِي يَصْلُحُ زَاجِرًا. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ سَبَبَهُ) أَيْ سَبَبَ حَدِّ الْقَذْفِ وَهُوَ كَذِبُهُ فِي النِّسْبَةِ إلَى الزِّنَا اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِحْصَانُهُ) أَيْ الْمَقْذُوفِ اهـ (قَوْلُهُ أَيْ الْعَفَائِفُ) قَالَ الْكَمَالُ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فِي الْعِفَّةِ قَالَ لَمْ يَكُنْ وَطِئَ امْرَأَةً بِالزِّنَا وَلَا بِشُبْهَةٍ وَلَا بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ فِي عُمْرِهِ فَإِنْ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً يُرِيدُ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ وَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ وَكَذَا لَوْ وَطِئَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ أَوْ وَطِئَ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ وَلَوْ وَطِئَهَا فِي الْمِلْكِ إلَّا أَنَّهُ مُحَرَّمٌ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَتْ الْحُرْمَةُ مُؤَقَّتَةً لَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ كَمَا إذَا وَطِئَ امْرَأَةً فِي الْحَيْضِ أَوْ أَمَتَهُ الْمَجُوسِيَّةَ لَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ وَإِنْ كَانَتْ مُؤَبَّدَةً سَقَطَ إحْصَانُهُ كَمَا إذَا وَطِئَ أَمَتَهُ وَهِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَلَوْ مَسَّ امْرَأَةً بِشَهْوَةٍ أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَ بِنْتَهَا فَدَخَلَ بِهَا أَوْ أُمِّهَا لَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَسْقُطُ وَلَوْ وَطِئَ امْرَأَةً بِالنِّكَاحِ ثُمَّ تَزَوَّجَ بِنْتَهَا وَدَخَلَ بِهَا سَقَطَ إحْصَانُهُ اهـ لَفْظُهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَسْقُطْ إحْصَانُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي بِنْتِ الْمَمْسُوسَةِ بِشَهْوَةٍ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْفُقَهَاءِ يُصَحِّحُونَ نِكَاحَهَا. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِذَا فُقِدَ وَاحِدٌ مِنْهَا لَا يَكُونُ مُحْصَنًا) أَيْ فَلَا يَجِبُ عَلَى قَاذِفِهِ الْحَدُّ اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَسْتَ لِأَبِيك أَوْ) لَيْسَ هَذَا

ص: 200

فِي غَضَبٍ حُدَّ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ أُمُّهُ مُحْصَنَةً لِأَنَّهُ قَذْفٌ لِأُمِّهِ حَقِيقَةً لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ أَبِيهِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهِ كَانَ مِنْ الزِّنَا ضَرُورَةً إذْ لَا نِكَاحَ لِغَيْرِ أَبِيهِ وَلَا يُعْتَبَرُ احْتِمَالُ كَوْنِهِ مِنْ غَيْرِهِ بِالنِّكَاحِ أَوْ بِالْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ احْتِمَالٌ بَعِيدٌ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ وَلَوْ اُعْتُبِرَ مِثْلُهُ لَمَا وَجَبَ الْحَدُّ أَبَدًا وَفِيهِ أَثَرُ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ لَا حَدَّ إلَّا فِي قَذْفِ مُحْصَنَةٍ أَوْ نَفْيِ رَجُلٍ مِنْ أَبِيهِ وَشُرِطَ أَنْ يَكُونَ فِي غَضَبٍ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْغَضَبِ قَدْ يُرَادُ بِهِ الْمُعَاتَبَةُ أَيْ أَنْتَ لَا تُشْبِهُ أَبَاك فِي الْمُرُوءَةِ وَالسَّخَاءِ فَلَا يُحَدُّ مَعَ الِاحْتِمَالِ وَفِي حَالَةِ الْغَضَبِ يُرَادُ بِهِ الْحَقِيقَةُ فَيُحَدُّ

وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ إنَّك ابْنُ فُلَانٍ لِغَيْرِ أَبِيهِ يُحَدُّ إذَا كَانَ فِي حَالَةِ الْمُشَاتَمَةِ لِأَنَّ غَرَضَهُ نَفْيُ نَسَبِهِ وَنِسْبَةُ أُمِّهِ إلَى الزِّنَا وَإِنْ كَانَ فِي حَالَةِ الرِّضَا لَا يُحَدُّ لِأَنَّ غَرَضَهُ أَنَّ أَخْلَاقَهُ تُشْبِهُ أَخْلَاقَ ذَلِكَ الشَّخْصِ فَكَأَنَّهُ ابْنُهُ فَلَا يَكُونُ قَاذِفًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ قَذْفًا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاحْتِمَالِ وَلَكِنْ أَوْجَبْنَاهُ اسْتِحْسَانًا فِي حَالَةِ الْغَضَبِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَثَرِ بِخِلَافِ مَا إذَا نَفَى الْوِلَادَةَ عَنْ أَبَوَيْهِ بِأَنْ قَالَ لَسْتَ بِابْنِ فُلَانٍ وَلَا فُلَانَةَ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ قَذْفُ أُمِّهِ لَا لَفْظًا وَلَا اقْتِضَاءً لِأَنَّ نَفْيَ الْوِلَادَةِ نَفْيٌ لِلْوَطْءِ وَفِيهِ نَفْيُ الزِّنَا لَا إثْبَاتُهُ.

قَالَ رحمه الله (وَفِي غَيْرِهِ لَا كَنَفَيْهِ عَنْ جَدِّهِ وَقَوْلِهِ لِعَرَبِيٍّ يَا نَبَطِيُّ وَيَا ابْنَ مَاءِ السَّمَاءِ وَنِسْبَتِهِ إلَى عَمِّهِ وَخَالِهِ وَرَابِّهِ) أَيْ فِي غَيْرِ الْغَضَبِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ كَمَا لَا يَجِبُ بِنَفْيِهِ عَنْ جَدِّهِ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ وَالْمُرَادُ بِرَابِّهِ مَنْ رَبَّاهُ وَهُوَ زَوْجُ أُمِّهِ فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ كُلُّهَا لَا تَكُونُ قَذْفًا لَمَّا نُبَيِّنُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى الِانْفِرَادِ أَمَّا إذَا قَالَ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْغَضَبِ لَسْتَ لِأَبِيك وَنَحْوَهُ فَلِمَا ذَكَرْنَا وَأَمَّا إذَا نَفَاهُ عَنْ جَدِّهِ فَلِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي كَلَامِهِ فَإِنَّهُ ابْنُ أَبِيهِ لَا ابْنُ جَدِّهِ وَأَمَّا إذَا قَالَ لِعَرَبِيٍّ يَا نَبَطِيُّ فَلِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ فِي الْأَخْلَاقِ وَعَدَمِ الْفَصَاحَةِ فَلَا يَكُونُ قَذْفًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ لِلْمِصْرِيِّ أَنْتَ رُسْتَاقِيٌّ وَأَنْتَ قَرَوِيٌّ وَيُرَادُ بِهِ مَا ذَكَرْنَا لَا الْقَذْفُ

وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى هُوَ قَذْفٌ فَيُحَدُّ بِهِ لِأَنَّهُ نَسَبَهُ إلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّاهُ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ يَا نَبَطِيُّ فَقَالَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ، لَوْ نَسَبَهُ إلَى قَبِيلَةٍ أُخْرَى غَيْرَ قَبِيلَتِهِ الَّتِي يُنْسَبُ إلَيْهَا هُوَ أَوْ نَفَاهُ عَنْ قَبِيلَتِهِ وَأَمَّا إذَا قَالَ لِرَجُلٍ يَا ابْنَ مَاءِ السَّمَاءِ فَلِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ فِي الْجُودِ وَالسَّمَاحَةِ وَالصَّفَاءِ وَكَانَ عَامِرُ بْنُ حَارِثَةَ يُلَقَّبُ بِمَاءِ السَّمَاءِ لِكَرَمِهِ وَقَالُوا بِأَنَّهُ كَانَ يُقِيمُ مَالَهُ فِي الْقَحْطِ مَقَامَ الْقَطْرِ وَسُمِّيَتْ أُمُّ الْمُنْذِرِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بِمَاءِ السَّمَاءِ لِحُسْنِهَا وَجَمَالِهَا وَقِيلَ لِأَوْلَادِهَا بَنُو مَاءِ السَّمَاءِ وَهُمْ مُلُوكُ الْعِرَاقِ وَأَمَّا إذَا نَسَبَهُ إلَى عَمِّهِ أَوْ خَالِهِ أَوْ مُرَبِّيهِ فَلِأَنَّهُ يُنْسَبُ إلَيْهِمْ عَادَةً مَجَازًا وَكَذَا إذَا نَسَبَهُ إلَى جَدِّهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ إسْرَائِيلَ وَبَنِيهِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ {قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [البقرة: 133] وَإِبْرَاهِيمُ كَانَ جَدَّهُ وَإِسْحَاقُ أَبَاهُ وَإِسْمَاعِيلُ عَمَّهُ وَقَالَ تَعَالَى {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} [يوسف: 100] يَعْنِي أَبَاهُ وَخَالَتَهُ وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «الْخَالُ أَبٌ» وَقَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ نُوحٍ عليه السلام {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} [هود: 45] قِيلَ إنَّهُ كَانَ ابْنَ امْرَأَتِهِ وَنِسْبَتُهُ إلَى الْمُرَبِّي فِي الْكِتَابِ دُونَ زَوْجِ الْأُمِّ تُشِيرُ إلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ فِيهِ لِلتَّرْبِيَةِ لَا غَيْرُ حَتَّى لَوْ نَسَبَهُ إلَى مَنْ رَبَّاهُ وَهُوَ لَيْسَ بِزَوْجٍ لِأُمِّهِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ اهـ ثُمَّ إنَّمَا قُيِّدَ بِقَوْلِهِ لَسْتَ لِأَبِيك لِأَنَّهُ إذَا قَالَ لَسْتَ لِأُمِّك لَا يُحَدُّ وَبِهِ صَرَّحَ فِي التُّحْفَةِ وَذَاكَ لِأَنَّهُ صَدَقَ لِأَنَّ النِّسْبَةَ إلَى الْآبَاءِ لَا إلَى الْأُمَّهَاتِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي غَضَبٍ) ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ قَيْدٌ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ خِلَافَ الْأُولَى وَفِي الدِّرَايَةِ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْغَضَبُ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَجِيءُ اهـ قَالَ فِي النُّقَايَةِ مَنْ قَذَفَ مُحْصَنًا أَيْ حُرًّا مُسْلِمًا عَفِيفًا عَنْ الزِّنَا بِصَرِيحِهِ أَوْ بِلَسْتَ لِأَبِيك أَوْ بِلَسْتَ بِابْنِ فُلَانٍ بِغَضَبٍ وَهُوَ أَبُوهُ حُدَّ ثَمَانِينَ سَوْطًا قَالَ الشُّمُنِّيُّ وَقَوْلُهُ فِي غَضَبٍ قَيْدٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ بِالْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَإِنْ قُلْت يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ الْحَدُّ عَلَى الْقَاذِفِ بِقَوْلِهِ لَسْتَ لِأَبِيك لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُشْبِهُهُ لِجَوَازِ أَنْ يُرَادَ بِهِ لَسْتَ لِأَبِيك لِأَنَّ أُمَّك وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ وَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ قَذَفَ مَنْ وَطِئَ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ إحْصَانُ الْوَاطِئِ بِذَلِكَ قُلْت إنَّمَا وَجَبَ الْحَدُّ لِأَنَّ الْأُمَّةَ اجْتَمَعَتْ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَذْفِ وَوُجُوبِ الْحَدِّ بِهِ لِأَنَّ الشَّتْمَ إنَّمَا يَكُونُ فِي عَادَاتِ النَّاسِ بِنَفْيِ النَّسَبِ بِالزِّنَا لَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ وَنَحْوِهِ فَيَثْبُتُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ لَسْتَ لِأَبِيك أُمُّك زَانِيَةٌ فَيُحَدُّ الْقَاذِفُ إذَا كَانَتْ هِيَ مُحْصَنَةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا نَفَى الْوِلَادَةَ عَنْ أَبَوَيْهِ) قَالَ الْكَمَالُ وَأَمَّا إذَا قَالَ يَا وَلَدَ الزِّنَا أَوْ يَا ابْنَ الزِّنَا فَلَا يَأْتِي فِيهِ تَفْصِيلٌ بَلْ يُحَدُّ أَلْبَتَّةَ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ يَا ابْنَ الْقَحْبَةِ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا حَلِيلَةَ فُلَانٍ لَا يُحَدُّ وَلَا يُعَزَّرُ اهـ.

(قَوْلُهُ يَا نَبَطِيُّ) قَالَ فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ النَّبَطُ قَوْمٌ يَنْزِلُونَ سَوَادَ الْعِرَاقِ قَالَ الْفَرَزْدَقُ فِي هَجْوِ طَيِّئٍ

هُمْ نَبَطٌ مِنْ أَهْلِ حَوْرَانَ نِصْفُهُمْ

وَمِنْ أَهْلِ عَيْنِ التَّمْرِ كَانَتْ سُطُورُهَا

وَفَسَّرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ النَّبَطِيَّ بِرَجُلٍ مِنْ غَيْرِ الْعَرَبِ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ اهـ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَالِقِيُّ فِي تَفْسِيرِ الْمَقَالَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ كِتَابِ دِيسْقُورِيدُوس وَبِلَادِ الْجَرَامِقَةِ هِيَ بِلَادُ النَّبَطِ وَهِيَ فِي بِلَادِ الرَّها وَالْمُوصِلِ وَالْجَزِيرَةِ فِيمَا وَصَفَهُ بَعْضُ الْمُؤَرِّخِينَ إلَى هُنَا لَفْظُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا نَسَبَهُ إلَى جَدِّهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ) قَالَ الْكَمَالُ لِأَنَّهُ قَدْ يُنْسَبُ إلَى الْجَدِّ مَجَازًا مُتَعَارَفًا وَفِي بَعْضِ أَصْحَابِنَا ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ وَأَمِيرُ حَاجٍّ جَدُّهُ. اهـ. (قَوْلُهُ إسْرَائِيلُ) أَيْ يَعْقُوبُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ تَعَالَى {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ} [يوسف: 100] إلَخْ) قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ وَالْبَيْضَاوِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى {لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ} [الأحزاب: 55] إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الْعَمَّ وَالْخَالَ لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ قِيلَ إنَّهُ كَانَ ابْنَ امْرَأَتِهِ) يُؤَيِّدُهُ قِرَاءَةُ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ

ص: 201

وَجَبَ أَنْ لَا يُحَدَّ.

قَالَ رحمه الله (وَلَوْ قَالَ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ وَأُمُّهُ مَيِّتَةٌ فَطَلَبَ الْوَالِدُ أَوْ الْوَلَدُ أَوْ وَلَدُهُ) أَيْ وَلَدُ الْوَلَدِ (حُدَّ) لِأَنَّهُ قَذَفَ مُحْصَنَةً بَعْدَ مَوْتِهَا وَلِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ مُطَالَبَةٌ لِوُقُوعِ الْقَدْحِ فِي نَسَبِهِمْ بِقَذْفِهَا فَيُحَدُّ بِطَلَبِهِمْ دَفْعًا لِلْعَارِ عَنْهُمْ وَلَا يُطَالِبُ بِحَدِّ الْقَذْفِ لِلْمَيِّتِ إلَّا مَنْ يَقَعُ الْقَدْحُ فِي نَسَبِهِ وَهُمْ الْأُصُولُ وَالْفُرُوعُ لِأَنَّهُمْ يَلْحَقُهُمْ الْعَارُ بِذَلِكَ وَإِنْ عَلَوْا أَوْ سَفَلُوا لِمَكَانِ الْجُزْئِيَّةِ فَكَانَ الْقَذْفُ مُتَنَاوِلًا لَهُمْ مَعْنًى لِأَنَّ الْعَارَ نَوْعُ ضَرَرٍ وَالضَّرَرُ الرَّاجِعُ إلَى الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ كَالرَّاجِعِ إلَى نَفْسِهِ وَكَذَا النَّفْعُ الرَّاجِعُ إلَيْهِمْ كَالنَّفْعِ الرَّاجِعِ إلَى نَفْسِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ لَهُمْ وَدَفْعَ الزَّكَاةِ إلَيْهِمْ وَمَنْعَ الْوَكِيلِ مِنْ الْبَيْعِ لَهُمْ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا تَثْبُتُ الْمُطَالَبَةُ لِوَلَدِ الْبِنْتِ لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَى أَبِيهِ لَا إلَى أُمِّهِ فَلَا يَلْحَقُهُ الشَّيْنُ بِزِنَا أَبِي أُمِّهِ وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الشَّيْنَ يَلْحَقُهُ إذْ النَّسَبُ ثَابِتٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَلِهَذَا لَوْ قُذِفَتْ أُمُّهُ كَانَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَهُ لَمَا خَاصَمَ فَكَذَا لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ بِقَذْفِ أَبِيهَا إذْ الْمَعْنَى يَشْمَلُهُمَا وَلَوْ كَانَ أَصْلُ الْمُحْصَنِ أَوْ فَرْعُهُ كَافِرًا أَوْ عَبْدًا فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِالْحَدِّ خِلَافًا لِزُفَرَ هُوَ يَقُولُ الْقَذْفُ يَتَنَاوَلُهُ مَعْنًى لِرُجُوعِ الْعَارِ إلَيْهِ فَلَا يُطَالِبُ بِالْحَدِّ كَمَا إذَا تَنَاوَلَهُ صُورَةً وَمَعْنًى بِأَنْ قَذَفَ نَفْسَهُ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَخَفُّ وَلَنَا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ إذْ الْكُفْرُ أَوْ الرِّقُّ لَا يُنَافِيهِ

وَقَدْ عَيَّرَهُ بِنِسْبَةِ مُحْصَنٍ إلَى الزِّنَا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالْحَدِّ بِخِلَافِ مَا إذَا قَذَفَ نَفْسَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُحْصَنٍ فَلَا يَلْحَقُهُ الْعَارُ عَلَى الْكَمَالِ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ عِنْدَ شَرَفِ الْمَنْسُوبِ إلَى الزِّنَا وَيَثْبُتُ لِوَلَدِ الْوَلَدِ مَعَ قِيَامِ الْوَلَدِ خِلَافًا لِزُفَرَ رحمه الله هُوَ يَقُولُ إنَّ الشَّيْنَ يَلْحَقُهُ فَوْقَ مَا يَلْحَقُ وَلَدَ الْوَلَدِ فَصَارَ هُوَ مَعَهُ كَالْمَقْذُوفِ مَعَ وَلَدِهِ فَاعْتُبِرَ هَذَا بِالْكَفَاءَةِ فَإِنَّهُ لَا حَقَّ فِي الْخُصُومَةِ لِلْأَبْعَدِ مَعَ الْأَقْرَبِ وَلَنَا أَنَّ حَقَّ الْخُصُومَةِ بِاعْتِبَارِ لُحُوقِ الْعَارِ وَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ بِخِلَافِ الْكَفَاءَةِ فَإِنَّ الْحَقَّ فِيهِ بِاعْتِبَارِ الْوِلَايَةِ عَلَى مَا قَالَهُ عليه الصلاة والسلام «الْإِنْكَاحُ إلَى الْعَصَبَاتِ» وَلِهَذَا لَا يُعْتَبَرُ الْإِرْثُ فِي الْقَذْفِ وَهُنَاكَ يُعْتَبَرُ بِخِلَافِ الْمَقْذُوفِ حَيْثُ لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ مَعَهُ حَقٌّ لِأَنَّ حَقَّ الْخُصُومَةِ لَهُ بِاعْتِبَارِ نَيْلِ الْقَاذِفِ مِنْ عَرْضِهِ وَلَا يُزَاحِمُهُ أَحَدٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَلَا يَثْبُتُ لِغَيْرِهِ فِيهِ حَقٌّ مَعَ وُجُودِهِ خِلَافًا لِابْنِ أَبِي لَيْلَى فِيمَا إذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ غَائِبًا هُوَ يَعْتَبِرُهُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

{ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} [هود: 42]. اهـ. كَشَّافٌ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ قَالَ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ وَأُمُّهُ مَيِّتَةٌ) أَيْ مُحْصَنَةٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِكَوْنِ الْأُمِّ مُحْصَنَةً لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ عَلَى قَاذِفِ غَيْرِ الْمُحْصَنِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ الْإِحْصَانَ فِي الْآيَةِ ثُمَّ الْإِحْصَانُ يَثْبُتُ بِإِقْرَارِ الْقَاذِفِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ وَالْبَيِّنَةُ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِنَّهُ يَشْتَرِطُ رَجُلَيْنِ وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ قُبَيْلَ بَابِ الْحَدِّ فَإِنْ أَنْكَرَ الْقَاذِفُ وَعَجَزَ الْمَقْذُوفُ عَنْ الْبَيِّنَةِ لَا يَسْتَحْلِفُ الْقَاذِفَ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ فَلَا يَثْبُتُ إحْصَانُهَا بِالظَّاهِرِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِوُقُوعِ الْقَدْحِ) أَيْ الطَّعْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَيُحَدُّ بِطَلَبِهِمْ إلَخْ) هَلْ لِلْأُصُولِ أَوْ الْفُرُوعِ مُطَالَبَةُ قَاذِفِ الْمَيِّتِ بِغَيْرِ الزِّنَا بِأَنْ قَالَ كَانَ سَارِقًا أَوْ فَاسِقًا أَوْ نَحْوَهُ هَلْ لَهُمْ الْمُطَالَبَةُ بِالتَّعْزِيرِ ذَكَرَهَا فِي آخِرِ الْقُنْيَةِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي لَمْ يُوجَدْ فِيهَا نَصٌّ وَلَا جَوَابٌ شَافٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُمْ الْأُصُولُ وَالْفُرُوعُ) فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يَقْذِفُ الرَّجُلَ وَهُوَ مَيِّتٌ قَالَ لَا يَأْخُذُ بِالْحَدِّ إلَّا الْوَالِدُ وَالْوَلَدُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَعْنِي الْوَالِدَ وَالْجَدَّ وَإِنْ عَلَا وَالْوَلَدَ وَوَلَدَ الْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْجَدَّ يُسَمَّى أَبًا وَوَلَدَ الْوَلَدِ يُسَمَّى ابْنًا وَلَيْسَ لِلْأَخِ وَالْأُخْتِ وَالْعَمِّ أَنْ يَأْخُذُوا بِالْحَدِّ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَثْبُتُ الْمُطَالَبَةُ لِكُلِّ وَارِثٍ لِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ لِلْمَيِّتِ عِنْدَهُ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ وَعِنْدَنَا تَثْبُتُ الْمُطَالَبَةُ لِمَنْ يَقَعُ الْقَدْحُ فِي نَسَبِهِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ كَأَنَّهُ هُوَ الْمَقْذُوفُ لَا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ لِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ لِدَفْعِ الْعَارِ وَالْعَارُ إنَّمَا يَتَّصِلُ بِالْحَيِّ بِقَذْفِ الْمَيِّتِ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا جُزْئِيَّةٌ كَالْوَالِدِ وَالْوَلَدِ وَإِلَّا فَلَا وَلِهَذَا صَارَ الْوَالِدُ وَالْوَلَدُ بِمَنْزِلَةِ شَيْءٍ وَاحِدٍ حَيْثُ لَا يَجُوزُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ بِخِلَافِ شَهَادَةِ الْأَخِ لِلْأُخْتِ وَبِالْعَكْسِ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ وَلِهَذَا اقْتَصَرَتْ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ بِالزِّنَا عَلَى قَرَابَةِ الْوِلَادِ دُونَ سَائِرِ الْأَقَارِبِ فَلَمَّا كَانَ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ لِقَرَابَةِ الْوِلَادِ كَانَ الْوَارِثُ وَغَيْرُ الْوَارِثِ سَوَاءً وَكَذَا الْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ سَوَاءً أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ قَذَفَ مَيِّتًا وَجَبَ الْحَدُّ عَلَى الْقَاذِفِ وَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ أَنْ يُخَاصِمُوا سَوَاءٌ كَانَ الْوَلَدُ أَوْ الْوَالِدُ وَارِثًا أَوْ لَمْ يَكُنْ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَإِنْ عَفَا بَعْضُهُمْ فَلِلْبَاقِينَ أَنْ يُخَاصِمُوا لِأَنَّ النَّقِيصَةَ تَلْحَقُ بِهِمْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ) يَعْنِي وَمِنْهَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مَا اشْتَرَاهُ مِنْهُمْ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ، كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ اهـ (قَوْلُهُ فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ مَيِّتًا بِأَنْ وَقَعَ بَعْدَ مَوْتِ الْمَقْذُوفِ لِأَنَّهُ لَا يُورَثُ وَلَا يُطَالِبُ بِهِ الِابْنُ فِي حَالِ حَيَاةِ الْمَقْذُوفِ اهـ (قَوْلُهُ بِأَنْ قَذَفَ نَفْسَهُ) أَيْ بِأَنْ قَذَفَ إنْسَانٌ نَفْسَ الِابْنِ الْكَافِرِ أَوْ الِابْنِ الْعَبْدِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ لِعَدَمِ الْإِحْصَانِ لِكُفْرِهِ أَوْ رِقِّهِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْكَفَاءَةِ) قَالَ الْكَمَالُ وَأَمَّا حَقُّ خُصُومَةِ الْكَفَاءَةِ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْأَقْرَبِ بِالْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «الْإِنْكَاحُ إلَى الْعَصَبَاتِ» فَعُلِمَ تَرَتُّبُهُمْ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الِاسْمَ يُشْعِرُ بِهِ حَيْثُ عُلِمَ أَنَّ حُكْمَهُ ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يَثْبُتُ لِغَيْرِهِ فِيهِ حَقٌّ مَعَ وُجُودِهِ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله لَكِنَّ لُحُوقَهُ لَهُمَا بِوَاسِطَةِ لُحُوقِهِ لِلْمَقْذُوفِ بِالذَّاتِ فَهُوَ الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ فَهُوَ الْأَصْلُ فِي الْخُصُومَةِ لِأَنَّ الْعَارَ يَلْحَقُهُ مَقْصُودًا فَلَا يُطَالِبُ الْغَيْرُ بِمُوجِبِهِ إلَّا عِنْدَ الْيَأْسِ عَنْ مُطَالَبَتِهِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ مَيِّتًا فَكَذَا لَوْ كَانَ الْمَقْذُوفُ غَائِبًا لَمْ يَكُنْ لِوَلَدِهِ وَلَا لِوَالِدِهِ الْمُطَالَبَةُ خِلَافًا لِابْنِ أَبِي لَيْلَى وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصَدِّقَهُ الْغَائِبُ وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ حَقَّ الْمُطَالَبَةِ يَثْبُتُ لِلْأَبِ وَإِنْ عَلَا ذَكَرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ رَجُلٌ قَذَفَ مَيِّتًا فَلِوَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ أَنْ يَأْخُذَ الْقَاذِفَ وَيَحُدَّهُ وَوَلَدُ الِابْنِ

ص: 202

بِمَوْتِهِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا وَاعْتِبَارُهُ بِمَوْتِهِ بَاطِلٌ لِأَنَّ بِالْمَوْتِ بَطَلَتْ أَهْلِيَّتُهُ وَلَمْ تُرْجَ خُصُومَتُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ حَيًّا وَلَا يَثْبُتُ هَذَا الْحَقُّ إلَّا لِلْوَارِثِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله حَتَّى لَا يَكُونَ لِابْنِهِ الْكَافِرِ وَالْعَبْدِ وَأَوْلَادِ بِنْتِهِ الْمُطَالَبَةُ بِهِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ عِنْدَهُ فَيُورَثُ

وَعِنْدَنَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَثُبُوتُ الْخُصُومَةِ لِلْعَبْدِ بِاعْتِبَارِ مَا يَلْحَقُهُ مِنْ الشَّيْنِ كَحَدِّ السَّرِقَةِ فَإِنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَلِصَاحِبِ الْمَالِ الْخُصُومَةُ بِاعْتِبَارِ الْمَالِ.

قَالَ رحمه الله (وَلَا يَطْلُبُ وَلَدٌ وَعَبْدٌ أَبَاهُ وَسَيِّدَهُ بِقَذْفِ أُمِّهِ) لِأَنَّهُمَا لَا يُعَاقَبَانِ بِسَبَبِهِمَا حَتَّى سَقَطَ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِمَا لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ وَلَا السَّيِّدُ بِعَبْدِهِ» فَالْحَدُّ أَوْلَى لِعَدَمِ التَّيَقُّنِ بِسَبَبِهِ وَكَوْنِهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ صَادِقٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزِّنَا وَلِأَنَّ مَا يَجِبُ لِلْعَبْدِ يَكُونُ حَقًّا لِلْمَوْلَى فَلَوْ وَجَبَ لَوَجَبَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ مُحَالٌ وَلَوْ كَانَ لَهَا ابْنٌ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ أَبٌ وَنَحْوُهُ وَلَيْسَ بِمَمْلُوكٍ فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالْحَدِّ لِوُجُودِ السَّبَبِ وَعَدَمِ الْمَانِعِ لِأَنَّ سُقُوطَ حَقِّ بَعْضِهِمْ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ حَقِّ الْبَاقِينَ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْقِصَاصَ حَقُّ الْعَبِيدِ يَسْتَحِقُّونَهُ بِالْمِيرَاثِ وَلِهَذَا يَثْبُتُ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ بِقَدْرِ إرْثِهِمْ فَإِذَا سَقَطَ حَقُّ بَعْضِهِمْ وَهُوَ لَا يَقْبَلُ التَّجْزِيءِ سَقَطَ حَقُّ الْبَاقِينَ ضَرُورَةً وَأَمَّا حَدُّ الْقَذْفِ فَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا لِلْعَبْدِ حَقُّ الْخُصُومَةِ إذَا لَحِقَهُ بِهِ شَيْنٌ فَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى الْكَمَالِ فَبِسُقُوطِ حَقِّ بَعْضِهِمْ فِي الْخُصُومَةِ لَا يَسْقُطُ حَقُّ الْبَاقِينَ وَلِهَذَا كَانَ لِلْأَبْعَدِ مِنْهُمْ حَقٌّ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ.

قَالَ رحمه الله (وَيَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَقْذُوفِ لَا بِالرُّجُوعِ وَالْعَفْوِ) يَعْنِي حَدُّ الْقَذْفِ يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَقْذُوفِ وَلَا يَبْطُلُ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ وَلَا بِالْعَفْوِ وَكَذَا بِمَوْتِهِ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِّ يَبْطُلُ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقَّ الْعَبْدِ فَبِالنَّظَرِ إلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَلَا يَبْطُلُ بِالْعَفْوِ وَبِالنَّظَرِ إلَى حَقِّ الْعَبْدِ لَا يَبْطُلُ بِالرُّجُوعِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْحُدُودِ وَإِنَّمَا قُلْنَا بِأَنَّ فِيهِ الْحَقَّيْنِ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ شُرِعَ لِصِيَانَةِ عَرْضِ الْعَبْدِ وَلِدَفْعِ الْعَارِ عَنْ الْمَقْذُوفِ وَهُوَ الَّذِي يُنْتَفَعُ بِهِ عَلَى الْخُصُوصِ صَارَ حَقًّا لِلْعَبْدِ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ شُرِعَ زَاجِرًا وَإخْلَاءً لِلْعَالَمِ عَنْ الْفَسَادِ صَارَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَلِهَذَا سُمِّيَ حَدًّا فَلَمَّا تَعَارَضَتْ فِيهِ الْأَدِلَّةُ تَعَارَضَتْ فِيهِ الْأَحْكَامُ أَيْضًا فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُبَاحُ الْقَذْفُ بِإِبَاحَتِهِ وَيَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ دُونَ الْمَقْذُوفِ وَلَا يَنْقَلِبُ مَالًا عِنْدَ سُقُوطِهِ وَيَتَنَصَّفُ بِالرِّقِّ وَلَا يَحْلِفُ الْقَاذِفُ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ كَفِيلٌ إلَى أَنْ يَثْبُتَ وَلَا يُورَثُ وَلَا يَصِحُّ فِيهِ الْعَفْوُ

وَلَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ وَيَجْرِي فِيهِ التَّدَاخُلُ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ إحْصَانُهُ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ تُشْتَرَطُ فِيهِ الدَّعْوَى وَلَا يَبْطُلُ بِالتَّقَادُمِ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ، وَيُقِيمُهُ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ، وَيُقَدَّمُ اسْتِيفَاؤُهُ عَلَى سَائِرِ الْحُدُودِ وَلَا يَبْطُلُ بِالرَّجْمِ، وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِيهِ عَنْ الْإِقْرَارِ فَإِذَا تَعَارَضَ فِيهِ الْحَقَّانِ كَانَ الْمُغَلَّبُ فِيهِ حَقَّ اللَّهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

وَوَلَدُ الْبِنْتِ سَوَاءٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَا يَأْخُذُهُ بِذَلِكَ أَخٌ وَلَا عَمٌّ وَلَا جَدٌّ أَبُو الْأَبِ وَلَا أُمُّ الْأُمِّ وَلَا عَمَّةٌ وَلَا مَوْلَاةٌ اهـ قَالَ الْكَمَالُ فَإِنْ قُلْت قَدْ ظَهَرَ الِاتِّفَاقُ عَلَى وِلَايَةِ مُطَالَبَةِ وَلَدِ الْوَلَدِ بِقَذْفِ جَدِّهِ وَجَدَّتِهِ إنَّمَا خَالَفَ فِي ذَلِكَ زُفَرُ عِنْدَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ فَمَا وَجْهُ مَا فِي قَاضِي خَانْ إذَا قَالَ جَدُّك زَانٍ لَا حَدَّ عَلَيْهِ قُلْنَا ذَاكَ لِلْإِبْهَامِ لِأَنَّ فِي أَجْدَادِهِ مَنْ هُوَ كَافِرٌ فَلَا يَكُونُ قَاذِفًا مَا لَمْ يُعَيِّنْ مُسْلِمًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتَ ابْنُ الزَّانِيَةِ لِأَنَّهُ قَاذِفٌ لِجَدِّهِ الْأَدْنَى فَإِنْ كَانَ أَوْ كَانَتْ مُحْصَنَةً حُدَّ، اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَطْلُبُ وَلَدٌ وَعَبْدٌ أَبَاهُ وَسَيِّدَهُ بِقَذْفِ أُمِّهِ) أَيْ الَّتِي قَذَفَهَا فِي حَالِ مَوْتِهَا. اهـ. فَتْحٌ قَالَ الْكَمَالُ بِأَنْ قَالَ رَجُلٌ لِعَبْدِهِ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ وَأُمُّهُ مَيِّتَةٌ حُرَّةٌ أَوْ قَالَ لِابْنِهِ أَوْ لِابْنِ ابْنِهِ وَإِنْ سَفَلَ بَعْدَ وَفَاةِ أُمِّهِ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ» إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَعَلَى هَذَا قَالُوا لَيْسَ لِلْوَلَدِ الْمُطَالَبَةُ بِالْحَدِّ إذَا كَانَ الْقَاذِفُ أَبَاهُ أَوْ جَدَّهُ وَإِنْ عَلَا أَوْ أُمَّهُ أَوْ جَدَّتَهُ وَإِنْ عَلَتْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ لَهَا) أَيْ لِزَوْجَتِهِ الْمَيِّتَةِ الَّتِي قَالَ لِوَلَدِهَا بَعْدَ مَوْتِهَا يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ وَلَدٌ آخَرُ مِنْ غَيْرِهِ كَانَ لَهُ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ اهـ.

(قَوْلُهُ حَدُّ الْقَذْفِ يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَقْذُوفِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَبْطُلُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَا يَبْطُلُ بِالرُّجُوعِ إلَخْ) أَيْ لَوْ عَفَا الْمَقْذُوفُ لَا يُحَدُّ الْقَاذِفُ لَا لِصِحَّةِ عَفْوِهِ بَلْ لِتَرْكِ طَلَبِهِ حَتَّى لَوْ عَادَ وَطَلَبَ يُحَدُّ. اهـ. ابْنُ فِرِشْتَا (قَوْلُهُ وَكَذَا بِمَوْتِهِ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِّ يَبْطُلُ) أَيْ الْبَاقِي عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُورَثُ عِنْدَهُ فَيَرِثُ الْوَارِثُ الْبَاقِيَ فَيُقَامُ عَلَيْهِ وَعِنْدَنَا لَا يُورَثُ وَلَا خِلَافَ أَنَّ فِيهِ حَقَّ الشَّرْعِ وَحَقَّ الْعَبْدِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ الَّذِي يُنْتَفَعُ بِهِ عَلَى الْخُصُوصِ) أَيْ كَالْقِصَاصِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَيَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ دُونَ الْمَقْذُوفِ) أَيْ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَيَتَنَصَّفُ بِالرِّقِّ) أَيْ كَالْعُقُوبَاتِ الْوَاجِبَةِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ الْعَبْدِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ التَّالِفِ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُتْلِفِ. اهـ. كَمَالٌ رحمه الله (قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ فِيهِ الْعَفْوُ) أَيْ فَإِنَّهُ بَعْدَمَا يَثْبُتُ عِنْدَ الْحَاكِمِ الْقَذْفُ وَالْإِحْصَانُ لَوْ عَفَا الْمَقْذُوفُ عَنْ الْقَاذِفِ لَا يَصِحُّ مِنْهُ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ لَا يَصِحُّ عَفْوُ الْمَقْذُوفِ إلَّا أَنْ يَقُولَ لَمْ يَقْذِفْنِي أَوْ كَذَبَ شُهُودِي لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنَّ خُصُومَتَهُ شَرْطٌ ثُمَّ قَالَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ يَصِحُّ الْعَفْوُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَيُقِيمُهُ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ) أَيْ إذَا عَلِمَهُ فِي أَيَّامِ قَضَائِهِ وَلِذَا لَوْ قَذَفَ بِحَضْرَةِ الْقَاضِي حَدَّهُ، وَإِنْ عَلِمَهُ الْقَاضِي قَبْلَ أَنْ يُسْتَقْضَى ثُمَّ وَلِيَ الْقَاضِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقِيمَهُ حَتَّى يُشْهَدَ بِهِ عِنْدَهُ،. اهـ. كَمَالٌ رحمه الله وَإِذَا سَمِعَ إنْسَانًا يَقْذِفُ إنْسَانًا وَطُولِبَ بِذَلِكَ عِنْدَهُ لَا يَحْتَاج الْمَقْذُوفُ إلَى بَيِّنَةٍ بَلْ يَكْفِي عِلْمُ الْقَاضِي وَهُوَ سَمَاعُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِيهِ عَنْ الْإِقْرَارِ) اعْلَمْ أَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ الْإِقْرَارِ فِي الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ لِلَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ الزِّنَا وَالشُّرْبِ وَالسَّرِقَةِ يَصِحُّ لِعَدَمِ الْكَذِبِ أَمَّا فِي حَدِّ الْقَذْفِ وَفِيهِ الْحَقَّانِ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ لِوُجُودِ الْمُكَذِّبِ وَهُوَ الْعَبْدُ وَلِأَنَّهُ حِينَ أَقَرَّ أَلْحَقَ

ص: 203

حَقَّ الْعَبْدِ لِحَاجَتِهِ وَغِنَى الشَّرْعِ إذْ هُوَ الْأَصْلُ فِيمَا اجْتَمَعَ فِيهِ الْحَقَّانِ، وَنَحْنُ رَجَّحْنَا جَانِبَ الْمَقْصُودِ وَالِاسْم فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ إخْلَاءُ الْعَالَمِ عَنْ الْفَسَادِ فَكَانَ فِيهِ أَمْرٌ كُلِّيٌّ يَرْجِعُ إلَى حَقِّ الْعَامَّةِ فَكَانَ الْغَالِبُ فِيهِ حَقَّ الشَّرْعِ وَتَسْمِيَتُهُ بِالْحَدِّ يُنْبِئُ عَنْ ذَلِكَ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِحْصَانُ وَلَا يَحْلِفُ فِيهِ الْقَاذِفُ وَلَا يَنْقَلِبُ مَالًا عِنْدَ السُّقُوطِ وَلَا يُسْتَبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ وَمَا لِلْعَبْدِ مِنْ الْحَقِّ يَكُونُ دَاخِلًا فِيهِ إذْ الْمَقْصُودُ وَاحِدٌ فَأَمْكَنَ مُرَاعَاتُهُ لِأَنَّ مَا لِلْعَبْدِ يَتَوَلَّاهُ مَوْلَاهُ وَلَا كَذَلِكَ الْعَكْسُ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْعَبْدِ فِي اسْتِيفَاءِ حَقِّ الشَّرْعِ وَإِنَّمَا يُقَدَّمُ حَقُّ الْعَبْدِ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ الْحَقَّانِ وَلَمْ يُمْكِنْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَهُنَا أَمْكَنَ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّ عَفْوَهُ يَصِحُّ لِانْتِهَاءِ الْخُصُومَةِ بِهِ كَمَوْتِهِ قُلْنَا هُوَ حَقُّ اللَّهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَلَا يَصِحُّ عَفْوُهُ فَيُطَالِبُ بَعْدَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ بِخِلَافِ مَوْتِهِ حَيْثُ لَا يُطَالِبُ بِهِ أَحَدٌ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ بِقَذْفِهِ أَلْحَقَ الْعَارَ بِالْمَقْذُوفِ قَصْدًا وَبِغَيْرِهِ مِنْ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ تَبَعًا فَإِذَا بَطَلَ حَقُّهُ الْقَصْدِيُّ بِالْمَوْتِ بَطَلَ الضِّمْنِيُّ ضَرُورَةً وَقَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْيُسْرِ الصَّحِيحُ أَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْتَفِعُ بِهِ عَلَى الْخُصُوصِ

وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ حَقُّ الْعَبْدِ كَالْقِصَاصِ وَأَجَابَ عَنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى بِجَوَابٍ عَلَى وَفْقِ مَذْهَبِنَا فَقَالَ فِي تَفْوِيضِ الْإِقَامَةِ إلَى الْإِمَامِ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يَهْتَدِي إلَى الْإِقَامَةِ وَإِنَّمَا لَا يُورَثُ لِكَوْنِهِ مُجَرَّدَ حَقٍّ كَحَقِّ الشُّفْعَةِ وَشَرْطِ الْخِيَارِ وَكَذَا لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ لِهَذَا الْمَعْنَى بِخِلَافِ الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مِلْكِ الْعَيْنِ وَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ عَفْوُهُ لِأَنَّهُ مَوْلًى عَلَيْهِ فِي حَقِّ الْإِقَامَةِ وَلِأَنَّهُ مُتَعَنِّتٌ فِي الْعَفْوِ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ رِضًا بِالْعَارِ وَالرِّضَا بِالْعَارِ عَارٌ وَالْأَظْهَرُ الْأَوَّلُ.

قَالَ رحمه الله (وَلَوْ قَالَ زَنَأْت فِي الْجَبَلِ وَعَنَى الصُّعُودَ حُدَّ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَهْمُوزَ مِنْهُ لِلصُّعُودِ حَقِيقَةً قَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْعَرَبِ

وَارْقَأْ إلَى الْخَيْرَاتِ زَنْئًا فِي الْجَبَلِ

أَيْ صُعُودًا وَذِكْرُ الْجَبَلِ يُقَرِّرُهُ مُرَادًا وَحَرْفُ " فِي " لَا يُنَافِي الصُّعُودَ كَمَا فِي الْبَيْتِ وَكَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام: 125] فَأَقَلُّ أَحْوَالِهِ أَنْ يُورِثَ الشُّبْهَةَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ ظَاهِرَ هَذَا اللَّفْظِ لِلْفَاحِشَةِ لَا لِلصُّعُودِ وَإِنْ كَانَ يُسْتَعْمَلُ فِيهِمَا فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ زَنَأْتُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَبَلَ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَهْمُوزَ مِنْهُ لَا يُنَافِي الْفَاحِشَةَ لِأَنَّ مِنْ الْعَرَبِ مَنْ يَهْمِزُ الْمُلَيَّنَ يُقَالُ دَأْبَةٌ وَشَأْبَةٌ وَبَيْأَضٌ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَهْمِزُ مِنْ غَيْرِ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ كَمَا يُلَيِّنُونَ الْمَهْمُوزَ كَرَاسٍ وَآدَمَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَهْمُوزِ وَالْمُلَيَّنِ وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَعْنِ بِهِ الصُّعُودَ يَجِبُ الْحَدُّ إجْمَاعًا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ قَذْفًا أَوْ كَانَ مُحْتَمِلًا لَمَا وَجَبَ.

وَذِكْرُ الْجَبَلِ إنَّمَا يُعَيِّنُ الصُّعُودَ إذَا كَانَ مَقْرُونًا بِكَلِمَةِ عَلَى إذْ هُوَ الْمُسْتَعْمَلُ فِيهِ وَلِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ وَالسِّبَابِ وَدَلَالَةُ الْحَالِ تُرَجِّحُ جَانِبَ الْفَاحِشَةِ وَاسْتِعْمَالُ كَلِمَةِ فِي بِمَعْنَى كَلِمَةِ عَلَى مَجَازٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] فَلَا تُزَاحِمُ الْحَقِيقَةَ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فَلَا يُصَارُ إلَى الْمَجَازِ مَعَ إمْكَانِهَا وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ قَالَ زَنَيْتُ ثُمَّ قَالَ عَنَيْت بِهِ الزِّنَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَلَوْ قَالَ زَنَأْت عَلَى الْجَبَلِ قِيلَ يُحَدُّ وَقِيلَ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَى تُسْتَعْمَلُ فِي الصُّعُودِ وَفِي الْكَوْنِ فَوْقَهُ يُقَالُ زَيْدٌ عَلَى

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

الشَّيْنُ بِغَيْرِهِ ثُمَّ إذَا رَجَعَ يَكُونُ ذَلِكَ إبْطَالًا وَإِسْقَاطًا لِحَقِّ الْغَيْرِ فَلَا يُقْبَلُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْيُسْرِ) يَعْنِي الْبَزْدَوِيَّ فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ فِي مَبْسُوطِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ الصَّحِيحُ أَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ) قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ أَطْلَقَ مُحَمَّدٌ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ وَأَطْلَقَ فِي بَعْضِهَا أَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ وَالْعِبَارَتَانِ صَحِيحَتَانِ أَمَّا قَوْلُهُ إنَّهُ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ فَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ الْمُطَالَبَةَ بِهِ مِنْ حَقِّهِ لِمَا لَحِقَهُ مِنْ الشَّيْنِ بِقَذْفِهِ وَتَنَاوُلِهِ مِنْ عِرْضِهِ وَلَوْ لَمْ يُطَالِبْ لَمْ يُحَدَّ وَقَوْلُهُ أَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى أَرَادَ بِهِ نَفْسَ الْحَدِّ لَا الْمُطَالَبَةِ إذْ لَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ لِوَاحِدٍ وَالْمُطَالَبَةُ بِهِ لِآخَرَ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ يُطَالِبُ وَمِلْكُ الثَّمَنِ لِلْآمِرِ وَكَذَلِكَ الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ وَكِيلًا فَإِنَّ قَبْضَ الْعَبْدِ إلَيْهِ وَالْمِلْكَ لِلْآمِرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إلَى الْإِمَامِ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ الْإِمَامَةُ أَيْ لِمَنْ وَلِيَ الْإِمَامَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالرِّضَا بِالْعَارِ عَارٌ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ اهـ أَيْ كَوْنُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مُغَلَّبًا أَظْهَرُ مِنْ كَوْنِ حَقِّ الْعَبْدِ مُغَلَّبًا وَعَلَى الْأَوَّلِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَهْمُوزَ مِنْهُ لِلصُّعُودِ حَقِيقَةً) أَيْ وَقَدْ أَرَادَ حَقِيقَةَ كَلَامِهِ فَيُصَدَّقُ وَلَا يُحَدُّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ قَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْعَرَبِ وَارْقَأْ إلَى آخِرِ الشَّعْرِ) وَأُوِّلَ الشِّعْرُ

أَشْبِهْ أَبَا أُمِّك أَوْ أَشْبِهْ جَمَلَ

وَلَا تَكُونَنَّ كَهِلَّوْفٍ

وَكُلْ يُصْبِحُ فِي مَضْجَعِهِ قَدْ انْجَدَلَ

وَارْقَأْ إلَى الْخَيْرَاتِ إلَخْ

الْجَمَلُ بِالْجِيمِ اسْمُ رَجُلٍ أَبِيٍّ حَيٍّ مِنْ الْعَرَبِ وَهُوَ جَمَلُ بْنُ سَعْدٍ وَالْهِلَّوْفُ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الشَّيْخُ الْهَرِمُ وَالْكُلُّ الْعِيَالُ وَالِانْجِدَالُ السُّقُوطُ. اهـ. كَاكِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ قَالَتْ امْرَأَةٌ إلَخْ مَا نَصُّهُ أَيْ وَهِيَ تُرَقِّصُ ابْنَهَا وَقَوْلُهُ وَارْقَأْ هَكَذَا ضَبَطَهُ الشَّارِحُ بِالْقَلَمِ وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ فِي الْمَهْمُوزِ رَقَأْتُ الدَّرَجَةَ لُغَةً مِنْ رُقِّيت وَأَنْشَدَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ فِي مَادَّةِ هَلَفَ وَأَرَقَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُعْتَلٌّ لَا مَهْمُوزٌ اهـ وَقَوْلُهُ أَوْ أَشْبِهْ جَمَلَ أَنْشَدَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ فِي مَادَّةِ هَلَفَ أَوْ أَشْبِهْ عَمَلَ ثُمَّ قَالَ وَعَمَلُ اسْمِ رَجُلٍ وَهُوَ خَالُهُ تَقُولُ لَا تُجَاوِزْنَا فِي الشَّبَهِ. اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ عَنَيْت بِهِ الزِّنَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ) أَيْ وَلَوْ قَالَ زَنَأْتُ بِدُونِ الصِّلَةِ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَكُونُ قَذْفًا بِدُونِ النِّيَّةِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي وَجْهٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ هُوَ قَذْفٌ صَرِيحٌ لِأَنَّ الْعَامَّةَ لَا يَعْرِفُونَ بِهِ إلَّا الْقَذْفَ. اهـ. كَاكِيٌّ.

ص: 204

الْفَرَسِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ فَيُعْتَبَرُ الظَّاهِرُ أَوْ الْمُحْتَمَلُ فِي الْحُدُودِ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ.

قَالَ رحمه الله (وَلَوْ قَالَ يَا زَانِي وَعَكَسَ حُدَّا) يَعْنِي لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا زَانِي وَعَكَسَ الْآخَرُ بِأَنْ قَالَ لَا بَلْ أَنْتَ يُحَدَّانِ جَمِيعًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَذَفَ صَاحِبَهُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ وَكَذَا الثَّانِي لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا بَلْ أَنْتَ الزَّانِي لِأَنَّ كَلِمَةَ بَلْ لِلْإِضْرَابِ عَنْ جَعْلِ الْحُكْمِ لِلْأَوَّلِ وَإِثْبَاتِهِ لِلثَّانِي وَزِيدَتْ لَا مَعَهَا لِتَأْكِيدِ مَعْنَى الْإِضْرَابِ فَيَصِيرُ قَاذِفًا.

قَالَ رحمه الله (وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا زَانِيَةُ وَعَكَسَتْ حُدَّتْ وَلَا لِعَانَ) يَعْنِي عَكَسَتْ الْمَرْأَةُ بِأَنْ قَالَتْ لَا بَلْ أَنْتَ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَاذِفًا لِصَاحِبِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَقَذْفُهُ يُوجِبُ اللِّعَانَ وَقَذْفُهَا يُوجِبُ الْحَدَّ فَيُبْدَأُ بِالْحَدِّ لِأَنَّ فِي بِدَايَتِهِ فَائِدَةً وَهُوَ إبْطَالُ اللِّعَانِ لِأَنَّ الْمَحْدُودَ فِي الْقَذْفِ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلِّعَانِ وَلَا إبْطَالَ فِي عَكْسِهِ أَصْلًا لِأَنَّ الْمُلَاعِنَةَ تُحَدُّ حَدَّ الْقَذْفِ لِأَنَّ إحْصَانَهُ لَا يَبْطُلُ بِاللِّعَانِ وَالْمَحْدُودُ لَا يُلَاعِنُ لِسُقُوطِ الشَّهَادَةِ بِهِ فَيَحْتَالُ لِدَفْعِ اللِّعَانِ إذْ هُوَ فِي مَعْنَى الْحَدِّ وَلَا يُقَالُ قَدْ وُجِدَ مَا يُوجِبُ تَقْدِيمَ الْحَدِّ وَهُوَ قَذْفُهُ لَهَا سَابِقًا عَلَى قَذْفِهَا لَهُ لِأَنَّا نَقُولُ لَا عِبْرَةَ بِذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَيْنِ إذَا تَقَاذَفَا يُحَدَّانِ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ يَبْدَأُ بِهِ مَنْ بَدَأَ بِالْقَذْفِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فَهَذَا نَظِيرُهُ وَنَظِيرُ الْأَوَّلِ مَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا زَانِيَةُ بِنْتَ الزَّانِيَةِ حَيْثُ صَارَ قَاذِفًا لَهَا وَلِأُمِّهَا فَقَذْفُهَا يُوجِبُ اللِّعَانَ وَقَذْفُ أُمِّهَا يُوجِبُ الْحَدَّ فَيُبْدَأُ بِالْحَدِّ لِيَنْتَفِيَ اللِّعَانَ عَلَى مَا بَيَّنَّا

قَالَ رحمه الله (وَلَوْ قَالَتْ زَنَيْتُ بِك بَطَلَا) أَيْ قَالَتْ ذَلِكَ جَوَابًا لِقَوْلِهِ يَا زَانِيَةُ وَإِنَّمَا بَطَلَ الْحَدُّ وَاللِّعَانُ بِهِ لِأَنَّهُ قَذَفَهَا بِقَوْلِهِ يَا زَانِيَةُ وَهِيَ صَدَّقَتْهُ مِنْ وَجْهٍ بِقَوْلِهَا زَنَيْتُ بِك لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا أَرَادَتْ بِهِ قَبْلَ النِّكَاحِ فَيَكُونُ ذَلِكَ تَصْدِيقًا لَهُ مِنْهَا بِأَنَّهَا زَنَتْ فَيَسْقُطُ اللِّعَانُ لِتَصْدِيقِهَا إيَّاهُ وَيَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ لِأَنَّهَا قَذَفَتْهُ وَلَمْ يُصَدِّقْهَا هُوَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا أَرَادَتْ بِهِ حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ أَيْ زِنَايَ هُوَ الَّذِي كَانَ مَعَك بَعْدَ النِّكَاحِ لِأَنِّي مَا مَكَّنْتُ أَحَدًا غَيْرَك وَلَا حَصَلَ مِنَى فِعْلُ الزِّنَا وَهُوَ الْمُرَادُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ لِأَنَّهُ أَغْضَبَهَا وَآذَاهَا فَتُغْضِبُهُ وَتُؤْذِيهِ مُتَمَسِّكَةً بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ} [النور: 3] وَسَمَّتْهُ زِنًا لِلْمُقَابَلَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ زِنًا حَقِيقَةً كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] فَعَلَى هَذَا لَا تَكُونُ مُصَدِّقَةً وَلَا قَاذِفَةً لَهُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ وَيَجِبُ اللِّعَانُ بِقَذْفِهِ فَإِذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَجِبُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ لَا يَجِبُ مِنْهُمَا بِالشَّكِّ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَتْ لَهُ ابْتِدَاءً زَنَيْتُ بِك ثُمَّ قَذَفَهَا هُوَ لَا يَجِبُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْحَدُّ وَلَا اللِّعَانُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاحْتِمَالِ وَكَذَا لَوْ قَالَتْ زَنَيْتُ مَعَك بَدَلَ قَوْلِهَا زَنَيْت بِك لِلِاحْتِمَالِ الَّذِي ذَكَرْنَا وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا مَعْنًى آخَرُ وَهُوَ أَنِّي زَنَيْتُ بِحُضُورِك وَأَنْتَ تَشْهَدُ فَلَا يَكُونُ قَذْفًا لَهُ وَلَوْ قَالَتْ لَهُ زَنَيْت بِك قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك تُحَدُّ الْمَرْأَةُ دُونَ الرَّجُلِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَذَفَ صَاحِبَهُ غَيْرَ أَنَّهَا صَدَّقَتْهُ فَبَطَلَ مُوجِبُ قَذْفِهِ وَلَمْ يُصَدِّقْهَا هُوَ فَوَجَبَ مُوجِبُ قَذْفِهَا وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ مَعَ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ حُدَّتْ الْمَرْأَةُ دُونَ الرَّجُلِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَصْدِيقِهَا وَعَدَمِ الِاحْتِمَالِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مَعَ الزَّوْجَةِ.

قَالَ رحمه الله (وَإِنْ أَقَرَّ بِوَلَدٍ ثُمَّ نَفَاهُ لَاعَنَ) لِأَنَّ نَفْيَ وَلَدِ امْرَأَتِهِ يُوجِبُ اللِّعَانَ لِمَا ذَكَرْنَا فِي بَابِ اللِّعَانِ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُبْطِلُ ذَلِكَ مِنْ تَصْدِيقٍ أَوْ تَفْرِيقٍ قَالَ رحمه الله (وَإِنْ عَكَسَ حُدَّ) أَيْ قَالَ عَكْسَ الْأَوَّلِ بِأَنْ نَفَاهُ أَوَّلًا ثُمَّ أَقَرَّ بِأَنَّهُ وَلَدُهُ وَإِنَّمَا يُحَدُّ وَلَا يُلَاعِنُ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بَعْدَ مَا نَفَاهُ سَقَطَ اللِّعَانُ وَوَجَبَ الْحَدُّ لِإِكْذَابِهِ نَفْسَهُ وَهَذَا لِأَنَّ اللِّعَانَ حَدٌّ ضَرُورِيٌّ صِيرَ إلَيْهِ لِلتَّكَاذُبِ فَإِذَا بَطَلَ التَّكَاذُبُ بِالْإِكْذَابِ صِيرَ إلَى الْأَصْلِ وَهُوَ الْحَدُّ.

قَالَ رحمه الله (وَالْوَلَدُ لَهُ فِيهِمَا) أَيْ يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِإِقْرَارِهِ بِهِ سَابِقًا أَوْ لَاحِقًا وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ اللِّعَانِ نَفْيُ نَسَبِهِ نَظِيرُهُ مَا مَرَّ فِي اللِّعَانِ فِيمَا إذَا وَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ فَأَقَرَّ بِأَحَدِهِمَا وَنَفَى الْآخَرَ. قَالَ رحمه الله (وَلَوْ قَالَ لَيْسَ بِابْنِي وَلَا بِابْنِك بَطَلَا) أَيْ بَطَلَ الْحَدُّ وَاللِّعَانُ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ الْوِلَادَةَ أَصْلًا فَيَكُونُ إنْكَارًا لِلزِّنَا بَلْ هُوَ إنْكَارٌ لِلْوَطْءِ فَلَا يَجِبُ بِمِثْلِهِ حَدٌّ وَلَا لِعَانٌ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيٍّ لَسْتَ بِابْنِ فُلَانٍ وَلَا فُلَانَةَ وَهُمَا أَبَوَاهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ.

قَالَ رحمه الله (وَمَنْ قَذَفَ امْرَأَةً لَمْ يُدْرَ أَبُو وَلَدِهَا أَوْ لَاعَنَتْ بِوَلَدٍ أَوْ رَجُلًا وَطِئَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ أَوْ أَمَةً مُشْتَرَكَةً أَوْ مُسْلِمًا زَنَى فِي كُفْرِهِ أَوْ مُكَاتَبًا مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ لَا يُحَدُّ) لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ أَوْ لِفَقْدِ شَرْطِهِ مِنْ إحْصَانِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ تَقْدِيمَ الْحَدِّ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَلَعَلَّ صَوَابَهُ اللِّعَانُ اهـ. (قَوْلُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ} [الشورى: 40] التِّلَاوَةُ بِالْوَاوِ. اهـ.

(قَوْلُهُ أَوْ تَفْرِيقٍ) أَيْ بِبَيْنُونَةٍ لِأَنَّهُ إذَا أَبَانَهَا لَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا لِكَوْنِهَا أَجْنَبِيَّةً اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ صِيرَ إلَيْهِ لِلتَّكَاذُبِ) أَيْ وَالْحَدُّ الْأَصْلِيُّ حَدُّ الْقَذْفِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ اللِّعَانِ إلَخْ) جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ إنَّ سَبَبَ اللِّعَانِ كَانَ نَفْيَ الْوَلَدِ فَلَمَّا لَمْ يَنْتَفِ الْوَلَدُ كَيْفَ يَجِبُ اللِّعَانُ فَقَالَ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ اللِّعَانِ قَطْعُ النَّسَبِ لِأَنَّهُ يَنْفَكُّ عَنْهُ وُجُودًا وَعَدَمًا فَاللِّعَانُ شُرِعَ بِلَا وَلَدٍ أَلَا تَرَى إذَا تَطَاوَلَتْ الْمُدَّةُ مِنْ حِينَ الْوِلَادَةِ ثُمَّ نَفَى يُلَاعَن بَيْنَهُمَا وَلَا يَنْقَطِعُ نَسَبُ الْوَلَدِ وَلَوْ نَفَى نَسَبَ وَلَدِ امْرَأَتِهِ الْأَمَةِ يَنْتَفِي النَّسَبُ وَلَا يَجْرِي اللِّعَانُ إلَيْهِ أَشَارَ الْبَزْدَوِيُّ. اهـ. دِرَايَةٌ.

ص: 205

الْمَقْذُوفِ أَمَّا إذَا قَذَفَ امْرَأَةً مَعَهَا وَلَدٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ أَبٌ أَوْ امْرَأَةً لَاعَنَتْ بِوَلَدٍ فَلِوُجُودِ أَمَارَةِ الزِّنَا لِأَنَّ الْوَلَدَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ أَبٌ يُعْرَفُ مِنْ الزِّنَا ظَاهِرًا فَقَدْ تَمَكَّنَ فِي إحْصَانِهَا شُبْهَةُ الْعَدَمِ لِفَوَاتِ الْعِفَّةِ ظَاهِرًا وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا لِأَنَّ هَذِهِ الشُّبْهَةَ لَا تَزُولُ بِمَوْتِ الْوَلَدِ بَلْ تَتَقَرَّرُ وَلَا تَخْرُجُ هِيَ مِنْ أَنْ تَكُونَ وَالِدَةً بِمَوْتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَاعَنَتْ بِغَيْرِ وَلَدٍ حَيْثُ يُحَدُّ قَاذِفُهَا لِعَدَمِ أَمَارَةِ الزِّنَا لِأَنَّ اللِّعَانَ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي جَانِبِ الزَّوْجِ فَكَانَ مُؤَكِّدًا لِلْعِفَّةِ وَلَا يُقَالُ اللِّعَانُ فِي جَانِبِهَا قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الزِّنَا فَكَانَتْ مَحْدُودَةً فَوَجَبَ أَنْ لَا يُحَدَّ قَاذِفُهَا لِأَنَّا نَقُولُ لِعَانُهَا قَائِمٌ مَقَامَ الْحَدِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزَّوْجِ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ لِعَانَ الزَّوْجِ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ شَهَادَتَهُ تُقْبَلُ إذْ لَوْ كَانَ مَحْدُودًا فِي حَقِّ الْكُلِّ لَمَا قُبِلَتْ لِأَنَّ لِعَانَهُ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فَيَكُونُ مُؤَكِّدًا لِإِحْصَانِهَا وَلَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ اللِّعَانِ يُحَدُّ قَاذِفُهَا لِزَوَالِ التُّهْمَةِ بِثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ

وَأَمَّا إذَا قَذَفَ رَجُلًا وَطِئَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ أَوْ أَمَةً مُشْتَرَكَةً فَلِفَوَاتِ الْعِفَّةِ فَيَكُونُ الْقَاذِفُ صَادِقًا فِيهِ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ وَطِئَ وَطْئًا حَرَامًا لِعَيْنِهِ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ لِأَنَّ الزِّنَا هُوَ الْوَطْءُ الْمُحَرَّمُ لِعَيْنِهِ وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا لِغَيْرِهِ حُدَّ قَاذِفُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا فَالْوَطْءُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَالْأَجْنَبِيَّةِ أَوْ مِنْ وَجْهٍ كَالْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ أَوْ فِي الْمِلْكِ وَالْحُرْمَةُ مُؤَبَّدَةٌ كَأَمَتِهِ الَّتِي حَرُمَتْ عَلَيْهِ بِالرَّضَاعِ أَوْ بِالْمُصَاهَرَةِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ ثُبُوتُهَا بِالْإِجْمَاعِ أَوْ بِخَبَرٍ مَشْهُورٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله يَسْقُطُ الْإِحْصَان حَتَّى لَا يُحَدَّ قَاذِفُهُ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ الْمُؤَبَّدَ يُنَافِي مِلْكَ الْمُتْعَةِ وَإِنْ لَمْ يُنَافِ مِلْكَ الرَّقَبَةِ فَصَارَ الْوَطْءُ وَاقِعًا فِي غَيْرِ الْمِلْكِ مِنْ وَجْهٍ فَيَصِيرُ زِنًا وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْإِحْصَانُ بِهِ لِأَنَّ الْوَطْءَ مُحَرَّمٌ مَعَ قِيَامِ الْمِلْكِ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْحُرْمَةُ مُؤَقَّتَةً وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِثُبُوتِ التَّضَادِّ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْحِلُّ فَكَيْفَ يَكُونُ فِيهِ شُبْهَةُ الْحِلِّ وَلَا كَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْحُرْمَةُ مُؤَقَّتَةً لِأَنَّ الْحِلَّ فِيهِ يَقْبَلُ الْحَقِيقَةَ فَيَكُونُ شُبْهَةً

وَلَا يُقَالُ إنَّكُمْ قُلْتُمْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِوَطْئِهَا وَعَلَى اعْتِبَارِ مَا قُلْتُمْ هُنَا يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا لِوُجُودِ الزِّنَا وَانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ لِأَنَّا نَقُولُ وُجُودُ الْمِلْكِ مِنْ وَجْهٍ أَثَّرَ فِي سُقُوطِ حَدِّ الزِّنَا كَمَا أَثَّرَ عَدَمُهُ مِنْ وَجْهٍ فِي سُقُوطِ الْإِحْصَانِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَى قَاذِفِهِ حَدٌّ فَاسْتَوَى الْحُكْمَانِ فِي انْتِفَاءِ الْحَدِّ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَمَّا كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَبِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِوَطْئِهَا وَبِاعْتِبَارِ عَدَمِ الْمِلْكِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى قَاذِفِهِ، وَمِنْ الْحُرْمَةِ لِعَيْنِهِ جَارِيَةُ ابْنِهِ وَالْمَنْكُوحَةُ نِكَاحًا فَاسِدًا وَالْأَمَةُ الْمُسْتَحَقَّةُ وَالْمُكْرَهُ عَلَى الزِّنَا وَمِنْهَا إذَا زَنَى بِامْرَأَةٍ ثُمَّ اشْتَرَى أُمَّهَا أَوْ بِنْتَهَا أَوْ تَزَوَّجَهَا فَوَطِئَهَا أَوْ زَنَى أَبُوهُ بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا الِابْنُ أَوْ اشْتَرَاهَا فَوَطِئَهَا لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ بِالْوَطْءِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: 22] فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْخِلَافُ وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ مَحَارِمَهُ وَدَخَلَ عَلَيْهَا أَوْ جَمَعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ الْمَحَارِمِ أَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ فَوَطِئَهَا كُلُّ ذَلِكَ يُسْقِطُ الْإِحْصَانَ لِثُبُوتِ حُرْمَتِهِنَّ بِالْإِجْمَاعِ أَوْ بِالنَّصِّ وَإِذَا كَانَتْ الْحُرْمَةُ غَيْرَ مُؤَبَّدَةٍ كَأَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ لَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ بِوَطْئِهَا

وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى أَمَةً شِرَاءً فَاسِدًا أَوْ كَانَتْ فِي مِلْكِهِ أَمَتَانِ أُخْتَانِ فَوَطِئَهُمَا أَوْ إحْدَاهُمَا أَوْ وَطِئَ مُكَاتَبَةً أَوْ الْحَائِضَ أَوْ امْرَأَتَهُ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا أَوْ الْمُحَرَّمَةَ كُلُّ ذَلِكَ لَا يَسْقُطُ بِهِ الْإِحْصَانُ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُتْعَةِ ثَابِتٌ فِيهِنَّ وَالْحُرْمَةُ عَارِضٌ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ وَلَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ أَوْ لَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَ أُمَّهَا أَوْ بِنْتَهَا أَوْ اشْتَرَاهَا فَوَطِئَهَا لَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَعِنْدَهُمَا يَسْقُطُ لِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بِهِ عَلَى التَّأْبِيدِ فَصَارَ كَمَا لَوْ ثَبَتَتْ الْمُصَاهَرَةُ بِالْوَطْءِ وَلَهُ أَنَّ هَذِهِ الْحُرْمَةَ تَثْبُتُ بِدَلِيلٍ مُحْتَمَلٍ وَهُوَ خَبَرُ الْوَاحِدِ أَوْ نَوْعُ اجْتِهَادٍ مِنْ حَيْثُ إقَامَةُ السَّبَبِ مَقَامَ الْمُسَبَّبِ احْتِيَاطًا فَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْإِحْصَانُ الثَّابِتُ بِيَقِينٍ بِخِلَافِ مَا إذَا ثَبَتَتْ الْمُصَاهَرَةُ بِالْوَطْءِ عَلَى مَا بَيَّنَّا

وَأَمَّا إذَا قَذَفَ مُسْلِمًا زَنَى فِي حَالِ كُفْرِهِ فَلِأَنَّهُ صَادِقٌ فِيهِ وَهَذَا لِأَنَّ الزِّنَا يَتَحَقَّقُ مِنْ الْكَافِرِ حَرْبِيًّا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَيَسْقُطُ بِهِ إحْصَانُهُ وَأَمَّا إذَا قَذَفَ مُكَاتَبًا مَاتَ وَتَرَكَ وَفَاءً فَلِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ فِي حُرِّيَّتِهِ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ اخْتَلَفُوا فِي مَوْتِهِ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَالْإِحْصَانُ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فَلَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ.

قَالَ رحمه الله (وَحَدُّ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْحُرْمَةُ مُؤَقَّتَةً) أَيْ كَأَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا) أَيْ قَرِيبًا اهـ

ص: 206