المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌{باب اليمين في الأكل والشرب واللبس والكلام} - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي - جـ ٣

[الفخر الزيلعي]

فهرس الكتاب

- ‌(بَابُ الظِّهَارِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَار]

- ‌(بَابُ اللِّعَانِ)

- ‌(بَابُ الْعِنِّينِ وَغَيْرِهِ)

- ‌(بَابُ الْعِدَّةِ)

- ‌(فَصْلٌ).فِي الْإِحْدَادِ

- ‌(بَابُ ثُبُوتِ النَّسَبِ)

- ‌[بَابُ الْحَضَانَةِ]

- ‌(بَابُ النَّفَقَةِ)

- ‌(كِتَابُ الْإِعْتَاقِ)

- ‌(بَابُ الْعَبْدُ يَعْتِقُ بَعْضُهُ)

- ‌(بَابُ الْحَلِفِ بِالدُّخُولِ)

- ‌{بَابُ الْعِتْقِ عَلَى جُعْلٍ}

- ‌{بَابُ التَّدْبِيرِ}

- ‌بَابُ الِاسْتِيلَادِ

- ‌{كِتَابُ الْأَيْمَانِ}

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَالسُّكْنَى وَالْإِتْيَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ)

- ‌{بَابُ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللُّبْسِ وَالْكَلَامِ}

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ)

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّزَوُّجِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا)

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ)

- ‌(كِتَابُ الْحُدُودِ)

- ‌(بَابُ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ)

- ‌(بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَالرُّجُوعِ عَنْهَا)

- ‌(بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ)

- ‌(بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي التَّعْزِيرِ)

- ‌(كِتَابُ السَّرِقَةِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الْحِرْزِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ وَإِثْبَاتِهِ]

- ‌(بَابُ قَطْعِ الطَّرِيقِ)

- ‌(كِتَابُ السِّيَرِ)

- ‌[بَابُ الْغَنَائِمِ وَقِسْمَتِهَا]

- ‌(فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ)

- ‌(بَابُ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ)

- ‌(بَابُ الْمُسْتَأْمَنِ)

- ‌[فَصْلٌ إقَامَة الْمُسْتَأْمَنُ فِي دارنا إقَامَة دائمة]

- ‌(بَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ)

- ‌(بَابُ الْمُرْتَدِّينَ)

- ‌(بَابُ الْبُغَاةِ)

- ‌[كِتَابُ اللَّقِيطِ]

- ‌[كِتَابُ اللُّقَطَةِ]

- ‌(كِتَابُ الْآبِقِ)

- ‌[كِتَاب الْمَفْقُود]

- ‌(كِتَابُ الشِّرْكَةِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الشِّرْكَةِ الْفَاسِدَةِ)

- ‌(كِتَابُ الْوَقْفِ)

- ‌[فَصْلٌ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ حَتَّى يَفْرِزَهُ عَنْ مِلْكِهِ]

الفصل: ‌{باب اليمين في الأكل والشرب واللبس والكلام}

إنْ تَغَدَّيْت فَعَبْدِي حُرٌّ يَحْنَثُ بِالْغَدَاءِ الْمَدْعُوِّ إلَيْهِ حَتَّى لَوْ رَجَعَ إلَى بَيْتِهِ فَتَغَدَّى لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ مُرَادَ الْمُتَكَلِّمِ الزَّجْرُ عَنْ تِلْكَ الْحَالَةِ فَيَتَقَيَّدُ بِهَا لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَتَقَيَّدُ بِالْحَالِ حَتَّى لَوْ قَالَ إنْ تَغَدَّيْت الْيَوْمَ أَوْ مَعَك فَعَبْدِي حُرٌّ فَتَغَدَّى فِي بَيْتِهِ أَوْ مَعَهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ زَادَ عَلَى حَرْفِ الْجَوَابِ فَيَكُونُ مُبْتَدِئًا وَلَا يُقَالُ إنَّ مُوسَى عليه السلام زَادَ فِي الْجَوَابِ حِينَ سُئِلَ عَنْ الْعَصَا وَلَمْ يَكُنْ مُبْتَدِئًا لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا سُئِلَ بِمَا وَهِيَ تَقَعُ عَنْ ذَاتِ مَا لَا يَعْقِلُ وَالصِّفَاتِ فَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فَأَجَابَ بِهِمَا حَتَّى يَكُونَ مُجِيبًا عَنْ أَيِّهِمَا كَانَ وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ تُسَمَّى يَمِينَ فَوْرٍ مَأْخُوذٌ مِنْ فَوْرِ الْقِدْرِ إذَا غَلَتْ يُقَالُ فَارَتْ الْقِدْرُ تَفُورُ فَوْرًا وَاسْتُعِيرَ لِلسُّرْعَةِ ثُمَّ سُمِّيَتْ بِهِ الْحَالُ الَّتِي لَا رَيْث فِيهَا وَلَا لَبْثَ فَقِيلَ جَاءَ فُلَانٌ وَخَرَجَ مِنْ فَوْرِهِ أَيْ مِنْ سَاعَتِهِ وَقِيلَ سُمِّيَتْ هَذِهِ الْأَيْمَانُ بِهِ بِاعْتِبَارِ فَوَرَانِ الْغَضَبِ وَتَفَرَّدَ أَبُو حَنِيفَةَ بِإِظْهَارِهِ وَلَمْ يَسْبِقْهُ أَحَدٌ فِيهِ وَكَانُوا يَقُولُونَ مِنْ قَبْلُ الْيَمِينُ نَوْعَانِ مُطْلَقَةٌ كَلَا يَفْعَلُ كَذَا وَمُؤَقَّتَةٌ كَلَا يَفْعَلُ كَذَا الْيَوْمَ فَصَارَتْ قِسْمًا ثَالِثًا هِيَ مُؤَقَّتَةٌ مَعْنًى مُطْلَقَةً لَفْظًا وَإِنَّمَا أَخْذُهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَابْنِهِ حِين دُعِيَا إلَى نُصْرَةِ رَجُلٍ فَحَلَفَا أَنْ لَا يَنْصُرَاهُ ثُمَّ نَصَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يَحْنَثَا

قَالَ رحمه الله (وَمَرْكَبُ عَبْدِهِ مَرْكَبُهُ إنْ يَنْوِ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ) أَيْ مَرْكَبُ الْعَبْدِ مَرْكَبٌ لِلْمَوْلَى وَيَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ وَيَدْخُلُ فِيهِ إنْ نَوَاهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ حَتَّى إذَا قَالَ إنْ رَكِبْت دَابَّةَ فُلَانٍ فَعَبْدُهُ حُرٌّ وَلَمْ يَنْوِ دَابَّةَ الْعَبْدِ فَرَكِبَهَا لَمْ يُعْتَقْ وَإِنْ نَوَاهَا فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَكَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا فَإِنْ نَوَى حَنِثَ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى مَا فِي يَدِ عَبْدِهِ حَتَّى لَا يُعْتَقَ بِعِتْقِهِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَمِينِ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ وَفِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ يَمْلِكُ مَا فِي يَدِهِ لَكِنَّهُ يُضَافُ إلَى الْعَبْدِ عُرْفًا وَشَرْعًا قَالَ عليه الصلاة والسلام «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ» الْحَدِيثَ فَتَخْتَلُّ الْإِضَافَةُ إلَى الْمَوْلَى فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله يَحْنَثُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا إذَا نَوَى لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْمَوْلَى لَكِنَّ الْإِضَافَةَ إلَيْهِ قَدْ اخْتَلَّتْ لِمَا ذَكَرْنَا فَلَا تَدْخُلُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله يَحْنَثُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَمَا فِي يَدِهِ مِلْكُ الْمَوْلَى حَقِيقَةً عِنْدَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

{بَابُ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللُّبْسِ وَالْكَلَامِ}

الْأَكْلُ إيصَالُ مَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْمَضْغُ وَالْهَشْمُ إلَى الْجَوْفِ مَمْضُوغًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَمْضُوغٍ وَالشُّرْبُ إيصَالُ مَا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْهَشْمُ إلَى الْجَوْفِ وَالذَّوْقُ إيصَالُ الشَّيْءِ إلَى فِيهِ لِاسْتِبَانَةِ طَعْمِهِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا اللَّبَنَ أَوْ هَذَا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

مَا ذَكَرْنَا وَالْكَلَامُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْحَالِفِ نِيَّةٌ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ رَجَعَ إلَى بَيْتِهِ فَتَغَدَّى لَمْ يَحْنَثْ) أَوْ تَغَدَّى مَعَهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ اهـ (قَوْلُهُ الَّتِي لَا رَيْثَ فِيهَا) قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ رَاثَ عَلَيَّ خَبَرُك يَرِيثُ رَيْثًا أَيْ أَبْطَأَ وَفِي الْمَثَلِ رُبَّ عَجَلَةٍ تَهَبُ رَيْثًا وَيُرْوَى وَهَبْت رَيْثًا وَالْمَعْنَى وَاحِدُ مِنْ الْهِبَةِ وَمَا أَرَاثَكَ عَلَيْنَا أَيْ مَا أَبْطَأَ بِك عَنَّا وَرَجُلٌ رَيِّثٌ بِالتَّشْدِيدِ أَيْ بَطِيءٌ اهـ

(قَوْلُهُ وَلَا لَبْثَ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَاللُّبْثِ وَاللَّبَاثُ الْمُكْثُ اهـ (قَوْلُهُ فَقِيلَ جَاءَ فُلَانٌ وَخَرَجَ مِنْ فَوْرِهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَيَمِينُ الْفَوْرِ أَيْ الْحَالِ وَهِيَ كُلُّ يَمِينٍ خَرَجَتْ جَوَابًا بِالْكَلَامِ أَوْ بِنَاءً عَلَى أَمْرٍ فَتَتَقَيَّدُ بِذَلِكَ لِدَلَالَةِ الْحَالِ وَلَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ اسْتِحْسَانًا خِلَافًا لِزَفَرِ وَخِلَافُ زُفَرَ مَذْكُورٌ فِي التُّحْفَةِ أَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْغَدَاءِ فَإِنَّمَا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ كَلَامَهُ خَرَجَ جَوَابًا وَالْجَوَابُ يَتَضَمَّنُ إعَادَةَ مَا فِي السُّؤَالِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ تَغَدَّيْت الْغَدَاءَ الَّذِي دَعَوْتنِي إلَيْهِ فَانْصَرَفَ يَمِينُهُ إلَى ذَلِكَ الْغَدَاءِ بِدَلَالَةِ الْحَالِ وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْخُرُوجِ وَالضَّرْبِ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ قَصْدَ الزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ الَّذِي تَهَيَّأَتْ هِيَ لَهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ خَرَجْت هَذِهِ الْخَرْجَةَ فَتَقَيَّدَتْ الْيَمِينُ بِتِلْكَ الْخَرْجَةِ وَكَذَا قَصَدَ الرَّجُلُ أَنْ يَمْنَعَ مَوْلَى الْعَبْدِ عَنْ الضَّرْبِ الَّذِي تَهَيَّأَ لَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ ضَرَبْت هَذِهِ الضَّرْبَةَ الَّتِي تَهَيَّأْت لَهَا فَتَقَيَّدَتْ الْيَمِينُ بِتِلْكَ الضَّرْبَةِ بِدَلَالَةِ الْحَالِ عُرْفًا وَمَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَرْكَبُ عَبْدِهِ مَرْكَبُهُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذِهِ فِي مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْمُعَادَةِ وَلَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ فُلَانٍ فَرَكِبَ دَابَّةً لِعَبْدِهِ قَالَ لَا يَحْنَثُ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَحْنَثُ فِي الْوَجْهَيْنِ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ وَلَمْ يُشْبِعْ مُحَمَّدٌ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَلَمْ يَشْرَحْهَا ثُمَّ قَالَ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرَقٌ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ نَوَاهُ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِفُلَانٍ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَنْوِيَهُ فَإِنْ نَوَاهُ حَنِثَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَنْوِيَ فَإِذَا نَوَاهُ حَنِثَ بِكُلِّ حَالٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَحْنَثُ بِكُلِّ حَالٍ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ هَذَا لَفْظُهُ اهـ

(قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ) أَيْ فَهُوَ لِلْبَائِعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَمَا فِي يَدِهِ مِلْكُ الْمَوْلَى حَقِيقَةً عِنْدَهُ) أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: 75] وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

[بَابُ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللُّبْسِ وَالْكَلَامِ]

قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْإِنْسَانَ يَحْتَاجُ أَوَّلًا إلَى مَوْضِعٍ يَسْكُنُ وَيَسْتَقِرُّ ثُمَّ تَتَوَارَدُ سَائِرُ الْحَوَائِجِ وَأَوَّلُ ذَلِكَ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ فَشَرَعَ فِي بَيَانِهِمَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ الْكَمَالُ أَعْقَبَهُ الْخُرُوجُ لِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الْمَنْزِلِ يُرَادُ لِتَحْصِيلِ مَا بِهِ بَقَاءُ الْبِنْيَةِ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ إلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} [الملك: 15] عَلَى مَا يُقَالُ اهـ

(قَوْلُهُ أَوْ غَيْرُ مَمْضُوغٍ) حَتَّى لَوْ بَلَعَ مَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْمَضْغُ مِنْ غَيْرِ مَضْغٍ يُسَمَّى آكِلًا. اهـ. أَكْمَلُ (قَوْلُهُ وَالشُّرْبُ إيصَالُ مَا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْهَشْمُ إلَى الْجَوْفِ) كَالْمَاءِ وَاللَّبَنِ وَالنَّبِيذِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا اللَّبَنَ أَوْ هَذَا

ص: 124

السَّوِيقَ فَشَرِبَهُ لَا يَحْنَثُ وَكَذَا بِالْعَكْسِ بِأَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ هَذَا اللَّبَنَ فَثَرَدَ فِيهِ فَأَكَلَهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِشُرْبٍ وَلَا الْأَوَّلُ بِأَكْلٍ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ عِنَبًا أَوْ رُمَّانًا فَمَصَّهُ فَابْتَلَعَ مَاءَهُ وَرَمَى ثَفْلَهُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْمَصَّ نَوْعٌ ثَالِثٌ لَيْسَ بِأَكْلٍ وَلَا شُرْبٍ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ عِبَارَةٌ عَنْ عَمَلِ الشِّفَاهِ وَالْحَلْقِ وَالذَّوْقُ عِبَارَةٌ عَنْ عَمَلِ الشِّفَاهِ دُونَ الْحَلْقِ وَالِابْتِلَاعُ عِبَارَةٌ عَنْ عَمَلِ الْحَلْقِ دُونَ الشِّفَاهِ وَالْمَصُّ عِبَارَةٌ عَنْ عَمَلِ اللَّهَاةِ خَاصَّةً قَالَ رحمه الله (لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ حَنِثَ بِثَمَرِهَا) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ حَنِثَ بِأَكْلِ ثَمَرِهَا لِأَنَّهُ أَضَافَ الْيَمِينَ إلَى مَا لَا يُؤْكَلُ فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهُ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لَهُ فَجَازَتْ الِاسْتِعَارَةُ فَيَحْنَثُ بِجَمِيعِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ جِمَارٍ أَوْ بُسْرٍ أَوْ رُطَبٍ أَوْ ثَمَرٍ أَوْ طَلْعٍ أَوْ دِبْسٍ يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرِهَا وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ مِنْ هَذَا الْكَرْمِ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهُ لِأَنَّ نَفْسَهُ لَا يُؤْكَلُ وَشَرْطُهُ أَنْ لَا يَتَغَيَّرَ بِصَنْعَةٍ حَادِثَةٍ حَتَّى لَا يَحْنَثَ بِالنَّبِيذِ وَالنَّاطِفِ وَالدِّبْسِ الْمَطْبُوخِ وَالْخَلِّ لِأَنَّ هَذَا مُضَافٌ إلَى فِعْلٍ حَادِثٍ فَلَمْ يَبْقَ مُضَافًا إلَى

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

السَّوِيقَ فَشَرِبَهُ لَا يَحْنَثُ) وَلَوْ ثَرَدَ فِيهِ فَأَوْصَلَهُ إلَى جَوْفِهِ حَنِثَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا بِالْعَكْسِ بِأَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَإِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَيْئًا مِمَّا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْمَضْغُ فَخَلَطَهُ بِغَيْرِهِ مِمَّا يُؤْكَلُ فَأَكَلَهُ مَعَهُ حَنِثَ. اهـ. (قَوْلُهُ فَثَرَدَ) مِنْ بَابِ قَتَلَ وَهُوَ أَنْ تَفُتَّهُ ثُمَّ تَبُلَّهُ بِمَرَقٍ. اهـ. مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ وَالْمَصُّ عِبَارَةٌ عَنْ عَمَلِ اللَّهَاةِ خَاصَّةً) اللَّهَاةُ بِالْفَتْحِ وَاحِدَةُ اللَّهَوَاتِ وَهِيَ اللَّحْمَاتُ فِي سَقْفِ أَقْصَى الْفَمِ وَأَمَّا اللُّهَا بِالضَّمِّ فَهِيَ الْعَطَايَا وَاحِدُهَا لُهْيَةٌ وَلُهْوَةٌ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ اللُّهَا تَفْتَحُ اللَّهَا أَيْ الْعَطَايَا تَفْتَحُ الْأَفْوَاهَ بِالشُّكْرِ اهـ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ حَنِثَ بِثَمَرِهَا) قَالَ الْكَمَالُ بِالْمُثَلَّثَةِ أَيْ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا لِأَنَّهُ أَضَافَ الْيَمِينَ إلَى مَا لَا يُؤْكَلُ وَمِثْلُهُ لَا يُحْلَفُ عَلَى عَدَمِ أَكْلِهِ لِأَنَّهُ مُمْتَنِعُ الْأَكْلِ قَبْلَ الْيَمِينِ فَيَلْغُو الْحَلِفُ فَوَجَبَ لِتَصْحِيحِ كَلَامِ الْعَاقِلِ صَرْفُهَا إلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا تَجَوُّزًا بِاسْمِ السَّبَبِ وَهُوَ النَّخْلَةُ فِي الْمُسَبَّبِ وَهُوَ الْخَارِجُ لِأَنَّهُ سَبَبٌ فِيهِ لَكِنْ بِلَا تَغَيُّرٍ بِصُنْعٍ جَدِيدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ طَلْعٌ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الطَّلْعُ بِالْفَتْحِ مَا يَطْلُعُ مِنْ النَّخْلَةِ ثُمَّ يَصِيرُ ثَمَرًا إنْ كَانَ أُنْثَى وَإِنْ كَانَتْ النَّخْلَةُ ذَكَرًا لَمْ يَصِرْ ثَمَرًا بَلْ يُؤْكَلُ طَرِيًّا وَيُتْرَكُ عَلَى النَّخْلَةِ أَيَّامًا مَعْلُومَةً حَتَّى يَصِيرَ فِيهِ شَيْءٌ أَبْيَضُ مِثْلُ الدَّقِيقِ وَلَهُ رَائِحَةٌ ذَكِيَّةٌ فَيُلَقِّحُ بِهِ الْأُنْثَى اهـ

وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ أَيْضًا الطَّلْحُ الْمَوْزُ الْوَاحِدَةُ طَلْحَةٌ مِثْلُ تَمْرٍ وَتَمْرَةٍ وَالطَّلْحُ مِنْ شَجَرِ الْعِضَاهِ الْوَاحِدَةُ طَلْحَةٌ أَيْضًا وَبِهِ سُمِّيَ الرَّجُلُ. اهـ. وَالْعِضَاهُ وِزَانُ كِتَابٍ كُلُّ شَجَرِ الشَّوْكِ كَالطَّلْحِ وَالْعَوْسَجِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ دِبْسٍ يَخْرُجُ مِنْ تَمْرِهَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أَكَلَ عَيْنَ النَّخْلَةِ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ نَوَاهَا كَذَا فِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ وَإِنَّمَا وَقَعَتْ الْيَمِينُ عَلَى ثَمَرِ النَّخْلَةِ دُونَ عَيْنِهَا لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ مَهْجُورَةٌ بِدَلَالَةِ مَحَلِّ الْكَلَامِ فَأُرِيدَ الْمَجَازُ اهـ وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ خَشَبِ النَّخْلَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى أَكْلِ الدَّقِيقِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ مِنْ هَذَا الْكَرَمُ) قَالَ الْكَمَالُ فَهُوَ عَلَى عِنَبِهِ وَحِصْرِمِهِ وَزَبِيبِهِ وَعَصِيرِهِ وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ دِبْسُهُ وَالْمُرَادُ عَصِيرُهُ فَإِنَّهُ مَاءُ الْعِنَبِ وَهُوَ مَا يَخْرُجُ بِلَا صُنْعٍ عِنْدَ انْتِهَاءِ نُضْجِ الْعِنَبِ وَلِأَنَّهُ كَانَ مُكَمَّنًا بَيْنَ الْقِشْرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْعِنَبِ لَا يَحْنَثُ بِزَبِيبِهِ وَعَصِيرِهِ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ لَيْسَتْ مَهْجُورَةً فَيَتَعَلَّقُ الْحَلِفُ بِمُسَمَّى الْعِنَبِ اهـ يَعْنِي فَيَكُونُ شَرْطُ حِنْثِهِ أَكْلَ مَا يُسَمَّى عِنَبًا وَالْعِنَبُ اسْمٌ لِلْقِشْرِ وَاللَّحْمِ وَالْمَاءِ جَمِيعًا وَهُوَ مَأْكُولٌ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ وَالزَّبِيبُ وَالْعَصِيرُ بَعْضُ أَجْزَائِهِ فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ فَأَكَلَ بَعْضَهُ اهـ

(قَوْلُهُ حَتَّى لَا يَحْنَثَ بِالنَّبِيذِ وَالنَّاطِفِ وَالدِّبْسِ الْمَطْبُوخِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْكَرْمِ فَهُوَ عَلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهُ وَهُوَ حِصْرِمُهُ وَعِنَبُهُ وَزَبِيبُهُ وَدِبْسُهُ أَيْ عَصِيرُهُ وَلَوْ أَكَلَ مِنْ خَلٍّ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ قَالَ الْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ النَّخْلِ وَالْكَرَمِ كَذَلِكَ وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهُ يَحْنَثُ قَالَ فِي الْمُجْمَلِ الدِّبْسُ عُصَارَةُ الرُّطَبِ اهـ قَالَ وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْعِنَبِ أَوْ مِنْ هَذَا الرُّطَبِ أَوْ مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ أَوْ مِنْ هَذِهِ الْبَقَرَةِ فَأَكَلَ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَزَبِيبِهِ أَوْ مِنْ تَمْرِ الرُّطَبِ وَدِبْسهِ أَوْ مِنْ لَبَنِ الشَّاةِ وَالْبَقَرَةِ أَوْ سَمْنِهَا لَمْ يَحْنَثْ وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ فَأَكَلَ مِنْ شِيرَازِ أَوْ زُبْدِهِ لِأَنَّ مَا عُقِدَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ عَيْنُهُ تُؤْكَلُ فَلَمْ يَنْصَرِفْ إلَى مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ تَحْقِيقُهُ أَنَّ الْعِنَبَ أَوْ الرُّطَبَ اسْمٌ لِلْعَيْنِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى مَا فِي الْعَيْنِ مِنْ الْمَاءِ وَاللَّحْمِ وَالْقِشْرِ فَبِالْجَفَافِ زَالَ الْمَاءُ فَيَكُونُ آكِلًا بَعْضَ الشَّيْءِ فَلَا يَحْنَثُ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ فَأَكَلَ بَعْضَهُ لَا يَحْنَثُ وَكَلِمَةُ مِنْ وَإِنْ كَانَتْ تَقْتَضِي التَّبْعِيضَ إلَّا أَنَّهَا تَقْتَضِي أَكْلَ بَعْضِ الْعِنَبِ الْمُشَارِ إلَيْهِ الَّذِي يُسَمَّى عِنَبًا لَا أَكْلَ الْأَجْزَاءِ الَّتِي لَا تُسَمَّى عِنَبًا وَكَذَا فِي الرُّطَبِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بَعْدَ مَا صَارَ تَمْرًا وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الشَّابَّ حَيْثُ يَحْنَثُ إذَا كَلَّمَهُ بَعْدَ أَنْ شَاخَ لِأَنَّ الْفَائِتَ هُوَ الْوَصْفُ لَا الشَّخْصُ فَبَقِيَ كُلُّ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ

وَفَرْقٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَمْتَنِعُ عَنْ أَكْلِ الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ لِرُطُوبَةٍ فِيهِمَا تَضُرُّ بِآكِلِهِمَا فَيُقْصَدَانِ بِالْمَنْعِ فَتَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِهِمَا بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَالشَّابِّ فَإِنَّهُمَا لَا يُقْصَدَانِ بِالْمَنْعِ لِأَنَّ هِجْرَانَهُمَا مَهْجُورٌ شَرْعًا فَكَانَ الذَّاتُ هُوَ الْمَقْصُودَ بِالْحَلِفِ دُونَ الصِّفَةِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ فِي الزِّيَادَاتِ فَإِنَّهُ إذَا أَوْصَى بِهَذَا الرُّطَبِ فَصَارَ تَمْرًا ثُمَّ مَاتَ لَمْ تَبْطُلْ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّ بَعْضَ الْمُوصَى بِهِ فَاتَ وَفَوَاتُ بَعْضِ الْمُوصَى بِهِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْوَصِيَّةِ فِي الْبَقِيَّةِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ تَنَاوَلَ بَعْضَ الْمَحْلُوفِ فَلَا يَحْنَثُ وَلَا يُشْكَلُ عَلَى هَذَا مَسْأَلَةُ الزِّيَادَاتِ أَيْضًا فَإِنَّهُ إذَا أَوْصَى بِعِنَبٍ ثُمَّ صَارَ زَبِيبًا ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الرُّطَبَ وَالتَّمْرَ صِنْفٌ وَاحِدٌ لِقِلَّةِ التَّفَوُّتِ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ الْعِنَبِ وَالزَّبِيبِ لِأَنَّهُ تَبْدِيلٌ وَهَلَاكٌ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ غَصَبَ عِنَبًا فَجَعَلَهُ زَبِيبًا انْقَطَعَ حَقُّ الْمَالِكِ لِوُجُودِ التَّبَدُّلِ مُضَافًا إلَى صُنْعِ الْغَاصِبِ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الرُّطَبِ أَوْ مِنْ هَذَا الْعِنَبِ فَأَكَلَهُ بَعْدَ أَنْ صَارَ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ وَفِي قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى يَحْنَثُ لِأَنَّهُ أَشَارَ إلَيْهِ فَلَا عِبْرَةَ لِتَغَيُّرِهِ

وَوَجْهُ قَوْلِنَا مَرَّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

ص: 125

الشَّجَرِ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ كَيْفَ عَطَفَ الْمَصْنُوعَ عَلَى الثَّمَرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} [يس: 35] وَالْعَطْفُ لِلْمُغَايِرَةِ وَيَحْنَثُ بِالْعَصِيرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِصَنْعَةٍ جَدِيدَةٍ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ حَيْثُ يَحْنَثُ بِاللَّحْمِ خَاصَّةً وَلَا يَحْنَثُ بِاللَّبَنِ وَالزُّبْدِ لِأَنَّهَا مَأْكُولَةٌ فَيَنْعَقِدُ الْيَمِينُ عَلَيْهَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلشَّجَرَةِ تَمْرٌ يَنْصَرِفُ الْيَمِينُ إلَى ثَمَنِهَا

قَالَ رحمه الله (وَلَوْ عَيَّنَ الْبُسْرَ وَالرُّطَبَ وَاللَّبَنَ لَا يَحْنَثُ بِرُطَبِهِ وَتَمْرِهِ وَشِيرَازِهِ بِخِلَافِ هَذَا الصَّبِيِّ وَهَذَا الشَّابِّ وَهَذَا الْحَمْلِ) أَيْ وَلَوْ عَيَّنَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فِي يَمِينِهِ بِأَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الْبُسْرَ أَوْ هَذَا الرُّطَبَ أَوْ هَذَا اللَّبَنَ فَصَارَ الْبُسْرُ رُطَبًا وَالرُّطَبُ تَمْرًا وَاللَّبَنُ شِيرَازًا فَأَكَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ صِفَةَ الْبُسُورَةِ وَالرُّطُوبَةِ دَاعِيَةٌ إلَى الْيَمِينِ وَكَذَا كَوْنُهُ لَبَنًا فَيَتَقَيَّدُ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ هَذَا الْحَمْلِ أَوْ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الشَّابَّ أَوْ هَذَا الصَّبِيَّ فَأَكَلَهُ بَعْدَ مَا صَارَ كَبْشًا أَوْ كَلَّمَهُمَا بَعْدَ مَا شَاخَا حَيْثُ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَمْلِ صِفَةٌ دَاعِيَةٌ إلَى الْيَمِينِ وَالْأَصْلُ أَنَّ الصِّفَةَ لَغْوٌ فِي الْحَاضِرِ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلَةً عَلَى الْيَمِينِ فَتُعْتَبَرُ وَصِفَةُ الصَّبِيِّ وَالشَّابِّ وَإِنْ كَانَتْ دَاعِيَةً إلَى الْيَمِينِ لَكِنَّ هِجْرَانَهُ لِأَجْلِ صِبَاهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا لِأَنَّا أُمِرْنَا بِتَحَمُّلِ أَخْلَاقِ الْفِتْيَانِ وَمَرْحَمَةِ الصِّبْيَانِ فَكَانَ مَهْجُورًا شَرْعًا وَالْمَهْجُورُ شَرْعًا كَالْمَهْجُورِ عَادَةً فَلَمْ يُعْتَبَرْ الدَّاعِي وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَسْتَقِيمُ هَذَا الْكَلَامُ وَالْيَمِينُ يَجُوزُ عَقْدُهَا عَلَى فِعْلِ الْحَرَامِ قُلْنَا نَعَمْ يَجُوزُ قَصْدًا لَكِنْ إذَا كَانَ الْكَلَامُ مُحْتَمَلًا فَالنَّهْيُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى إرَادَةِ غَيْرِ الْمَحْظُورِ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الظَّاهِرِ حَمْلًا لِأَمْرِ الْمُسْلِمِ عَلَى الصَّلَاحِ

قَالَ رحمه الله (لَا يَأْكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَ رُطَبًا لَمْ يَحْنَثْ) أَيْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ فَأَكَلَ رُطَبًا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ

قَالَ رحمه الله (وَفِي لَا يَأْكُلُ بُسْرًا أَوْ رُطَبًا أَوْ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا وَلَا بُسْرًا حَنِثَ بِالْمُذَنِّبِ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا أَوْ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُهُمَا حَنِثَ بِأَكْلِ الْمُذَنِّبِ سَوَاءٌ أَكَلَ رُطَبًا مُذَنِّبًا أَوْ بُسْرًا مُذَنِّبًا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَالرُّطَبُ الْمُذَنِّبُ بِكَسْرِ النُّونِ الَّذِي أَكْثَرُهُ رُطَبٌ وَشَيْءٌ قَلِيلٌ مِنْهُ بُسْرٌ وَالْبُسْرُ الْمُذَنِّبُ عَكْسُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله إنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا فَأَكَلَ بُسْرًا مُذَنِّبًا لَمْ يَحْنَثْ وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَ رُطَبًا مُذَنِّبًا وَجَعَلَ فِي الْهِدَايَةِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله وَذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْإِيضَاحِ وَالْأَسْرَارِ وَشُرُوحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَالْمَنْظُومَةِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الرُّطَبَ الْمُذَنِّبَ يُسَمَّى رُطَبًا وَالْبُسْرُ الْمُذَنِّبُ يُسَمَّى بُسْرًا عُرْفًا وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْأَيْمَانِ فَصَارَ الِاعْتِبَارُ لِلْغَالِبِ إذْ الْمَغْلُوبُ فِي مُقَابَلَتِهِ كَالْمَعْدُومِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي رُطَبًا فَاشْتَرَى بُسْرًا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَالدِّبْسُ الْمَطْبُوخُ مَا نَصُّهُ اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ غَيْرِ الْمَطْبُوخِ وَهُوَ مَا يَسِيلُ بِنَفْسِهِ مِنْ الرُّطَبِ وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى فِي عُرْفِنَا صَقْرَ الرُّطَبِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِهِ كَمَا يَحْنَثُ بِالرُّطَبِ وَالتَّمْرِ وَالْبُسْرِ وَالرَّامِخِ وَالْجُمَّارِ وَالطَّلْعِ وَهَذَا لِأَنَّ مَا تَوَقَّفَ عَلَى الصَّنْعَةِ لَيْسَ مِمَّا خَرَجَ مُطْلَقًا وَقِيلَ لِأَنَّ مَا يَحْصُلُ بِالصَّنْعَةِ لَيْسَ مِمَّا خَرَجَ ابْتِدَاءً مِنْ النَّخْلَةِ وَمِنْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ وَكُلُّ مَا يَخْرُجُ عَلَى وَجْهِ الِابْتِدَاءِ انْعَقَدَ عَلَيْهِ يَمِينُهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مِنْ الْمَذْكُورَةَ فِي كَلَامِهِ دَاخِلَةٌ عَلَى النَّخْلَةِ تَبْعِيضِيَّةٌ لَا ابْتِدَائِيَّةٌ نَعَمْ مِنْ الْمَذْكُورَةُ فِي التَّأْوِيلِ بَلْ أَعْنِي قَوْلَهُ لَا آكُلُ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ النَّخْلَةِ ابْتِدَائِيَّةٌ وَهُوَ غَيْرُ مَذْكُورٍ وَكَأَنَّهُ اُعْتُبِرَ كَالْمَذْكُورِ. اهـ. كَمَالٌ

(قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلشَّجَرَةِ ثَمَرٌ يَنْصَرِفُ الْيَمِينُ إلَى ثَمَنِهَا) فَيَحْنَثُ إذَا اشْتَرَى بِهِ مَأْكُولًا {فَرْعٌ} حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَقَطَعَ غُصْنًا مِنْهَا وَوَصَلَهُ بِشَجَرَةٍ أُخْرَى فَأَكَلَ مِنْ ثَمَرِ تِلْكَ الشَّجَرَةِ مِنْ هَذَا الْغُصْنِ لَا يَحْنَثُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَحْنَثُ. اهـ. كَمَالٌ

(قَوْلُهُ بِخِلَافِ هَذَا الصَّبِيِّ وَهَذَا الشَّابِّ) قَالَ الْكَمَالُ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الصَّبِيَّ أَوْ هَذَا الشَّابَّ فَكَلَّمَهُ بَعْدَ مَا شَاخَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّ هِجْرَانَ الْمُسْلِمِ بِمَنْعِ الْكَلَامِ مَعَهُ مَنْهِيٌّ فَلَمْ يُعْتَبَرْ مَنْ جَهْلِهِ وَسُوءِ أَدَبِهِ دَاعِيًا إلَى الْيَمِينِ إذَا كَانَ الشَّارِعُ مَنَعَنَا مِنْ هِجْرَانِ الْمُسْلِمِ مُطْلَقًا مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ الدَّاعِيَ قَدْ يَكُونُ كَذَا وَكَذَا فَوَجَبَ الِاتِّبَاعُ وَنُظِرَ فِيهِ بِأَنَّ الْهِجْرَانَ قَدْ يَجُوزُ وَيَجِبُ إذَا كَانَ لِلَّهِ بِأَنْ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ أَوْ يَخْشَى فِتْنَةً أَوْ فَسَادَ عِرْضِهِ بِكَلَامِهِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الشَّارِعَ مَنَعَ الْهِجْرَانَ مُطْلَقًا فَحَيْثُ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ لَا يَحْكُمُ إلَّا أَنَّهُ وَجَدَ الْمُسَوِّغَ وَإِذَا وَجَدَ اُعْتُبِرَ الدَّاعِي فَتَقَيَّدَ بِصِبَاهُ وَشَبِيبَتِهِ وَنَذْكُرُ مَا فِيهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَلِيهَا اهـ

(قَوْلُهُ وَهَذَا الْحَمَلُ) الْحَمَلُ بِفَتْحَتَيْنِ وَلَدُ الضَّائِنَةِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى اهـ مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ وَاللَّبَنُ شِيرَازُ) أَيْ رَائِبًا وَهُوَ الْخَاثِرُ إذَا اسْتَخْرَجَ مَاؤُهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ صِفَةَ الْبُسُورَةِ وَالرُّطُوبَةِ دَاعِيَةٌ) بِحَسَبِ الْأَمْزِجَةِ وَكَذَا صِفَةُ اللَّبَنِيَّةِ فَإِذَا زَالَتْ زَالَ مَا عُقِدَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فَأَكْلُهُ أَكْلُ مَا لَمْ تَنْعَقِدْ عَلَيْهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ) أَيْ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَفِي لَا يَأْكُلُ رُطَبًا أَوْ بُسْرًا إلَخْ) هُنَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ فِي اثْنَتَيْنِ مِنْهَا اتِّفَاقٌ وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ اخْتِلَافٌ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بَيَانُهُ إذَا حَلَفَ وَقَالَ لَا آكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَ بُسْرًا مُذَنِّبًا يَحْنَثُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَلَوْ قَالَ لَا آكُلُ رُطَبًا فَأَكَلَ رُطَبًا فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْبُسْرِ يَحْنَثُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا أَيْضًا أَمَّا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا فَأَكَلَ بُسْرًا مُذَنِّبًا أَوْ قَالَ لَا آكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَ رُطَبًا فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْبُسْرِ فَإِنَّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ يَحْنَثُ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَحْنَثُ هَكَذَا نَصَّ عَلَى الْخِلَافِ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَجَعَلَ فِي الْهِدَايَةِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ إلَّا أَنَّ الصَّدْرَ الشَّهِيدَ وَالْعَتَّابِيَّ ذَكَرَا قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ تَبِعَهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ) أَيْ وَالْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْبُسْرُ الْمُذَنِّبُ يُسَمَّى بُسْرًا) أَيْ وَلَا يُسَمَّى رُطَبًا لِأَنَّ الرُّطَبَ فِيهِ مَغْلُوبٌ. اهـ. كَمَالٌ

ص: 126

مُذَنِّبًا لَا يَحْنَثُ وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ لَبَنًا أَوْ هَذَا اللَّبَنَ فَصَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ حَتَّى صَارَ مَغْلُوبًا لَا يَحْنَثُ بِشُرْبِهِ وَكَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَغْلُوبِ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ آكِلَهُ آكِلُ بُسْرٍ وَرُطَبٍ فَيَحْنَثُ بِهِ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ كَافٍ لِلْحِنْثِ وَلِهَذَا لَوْ مَيَّزَهُ فَأَكَلَهُ يَحْنَثُ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ يُصَادِفُهُ جُمْلَةٌ فَيُعْتَبَرُ الْغَالِبُ فَيَكُونُ الْمَغْلُوبُ تَبَعًا لَهُ وَالْأَكْلُ يَنْقَضِي شَيْئًا فَشَيْئًا فَيُصَادِفُهُ وَحْدَهُ نَظِيرُهُ إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي شَعِيرًا فَاشْتَرَى حِنْطَةً فِيهَا حَبَّاتُ شَعِيرٍ لَا يَحْنَثُ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَعِيرًا فَأَكَلَ حِنْطَةً فِيهَا حَبَّاتُ شَعِيرٍ يَحْنَثُ لِمَا ذَكَرْنَا وَبِخِلَافِ اللَّبَنِ الْمَصْبُوبِ فِيهِ الْمَاءُ لِأَنَّهُ يَشِيعُ فِيهِ وَيَخْتَلِطُ حَتَّى لَا يُرَى مَكَانُهُ فَيَكُونُ مُسْتَهْلَكًا وَهُنَا يُرَى مَكَانُهُ فَيَكُونُ قَائِمًا وَقْتَ التَّنَاوُلِ وَلَا يُقَالُ الْحِنْثُ يَكُونُ بِالْمَضْغِ وَالِابْتِلَاعِ وَعِنْدَ ذَلِكَ يَكُونُ مُسْتَهْلَكًا وَلَا يُرَى مَكَانُهُ فَكَانَ كَالْمَاءِ الْمَخْلُوطِ بِهِ وَالْمَاءُ غَالِبٌ لِأَنَّا نَقُولُ مَعْنَى الِاسْتِهْلَاكِ هُنَا أَكْمَلُ لِأَنَّ طَعْمَ الرُّطَبِ وَالْبُسْرِ الْيَسِيرِ مَوْجُودٌ فِي الْحَلْقِ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ وَلِأَنَّ الرُّطَبَ وَالْبُسْرَ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَلَا يَكُونُ مُسْتَهْلَكًا بِجِنْسِهِ عِنْدَهُمَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ

قَالَ رحمه الله (وَلَا يَحْنَثُ بِشِرَاءِ كِبَاسَةِ بُسْرٍ فِيهَا رُطَبٌ فِي لَا يَشْتَرِي رُطَبًا) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي رُطَبًا لَا يَحْنَثُ بِشِرَاءِ كِبَاسَةِ بُسْرٍ فِيهَا رُطَبٌ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْبَيْعَ يُصَادِفُهُ جُمْلَةً فَيَكُونُ الْقَلِيلُ تَابِعًا لِلْكَثِيرِ وَلِهَذَا بَائِعُهُ لَا يُسَمَّى بَائِعَ الرُّطَبِ فَصَارَ نَظِيرَ مَنْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي لَبَنًا أَوْ صُوفًا فَاشْتَرَى شَاةً لَهَا لَبَنٌ أَوْ صُوفٌ حَيْثُ لَا يَحْنَثُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ بَائِعَهُ لَا يُسَمَّى بَائِعًا لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَكَذَا مُشْتَرِيهِ لَا يُسَمَّى مُشْتَرِيًا لَهُ لِأَنَّ الشِّرَاءَ يُبْتَنَى عَلَى الْبَيْعِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى الْمَسِّ حَيْثُ يَحْنَثُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا لِأَنَّ الْمَسَّ فِيهَا مُتَصَوَّرٌ حَقِيقَةً وَاسْمُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بَاقٍ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَمَسُّ قُطْنًا أَوْ كَتَّانًا فَمَسَّ ثَوْبًا اُتُّخِذَ مِنْهُ حَيْثُ لَا يَحْنَثُ لِزَوَالِ اسْمِ الْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ عَنْهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَمْنًا أَوْ زُبْدًا أَوْ مَا لَا يَمَسُّهُ فَأَكَلَ لَبَنًا أَوْ مَسَّهُ

قَالَ رحمه الله (وَبِسَمَكٍ فِي لَا يَأْكُلُ لَحْمًا) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ لَحْمِ السَّمَكِ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يَحْنَثُ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ سُمِّيَ لَحْمًا فِي الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا} [فاطر: 12] وَالْمُرَادُ لَحْمُ السَّمَكِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَنَا أَنَّ التَّسْمِيَةَ مَجَازِيَّةٌ لِأَنَّ اللَّحْمَ مُنْشَؤُهُ الدَّمُ وَلَا دَمَ فِيهِ إذْ هُوَ مِنْ سَوَاكِنِ الْمَاءِ وَلِهَذَا حَلَّ أَكْلُهُ مِنْ غَيْرِ ذَكَاةٍ فَصَارَ كَالْجَرَادِ فَكَانَ قَاصِرًا فِي اللَّحْمِيَّةِ وَمُطْلَقُ الِاسْمِ يَتَنَاوَلُ الْكَامِلَ دُونَ الْقَاصِرِ فَخَرَجَ عَنْ الْمُطْلَقِ بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ وَلِهَذَا لَا يُفْهَمُ مِنْ لَفْظِ اللَّحْمِ لَحْمُ السَّمَكِ إلَّا بِقَرِينَةٍ حَتَّى لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِشِرَاءِ لَحْمٍ فَاشْتَرَى لَحْمَ السَّمَكِ لَا يَلْزَمُهُ وَكَذَا بَائِعُ السَّمَكِ لَا يُسَمَّى لَحَّامًا عَادَةً وَمَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ لَا عَلَى أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً فَرَكِبَ كَافِرًا لَا يَحْنَثُ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ سُمِّيَ فِي الْقُرْآنِ دَابَّةً وَكَذَا فِي اللُّغَةِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ فَحِينَئِذٍ يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ لِأَنَّهُ لَحْمٌ مِنْ وَجْهٍ وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ قَالَ رحمه الله (وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَالْإِنْسَانِ وَالْكَبِدُ وَالْكَرِشُ لَحْمٌ) لِأَنَّ مَنْشَأَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الدَّمُ فَصَارَتْ لَحْمًا حَقِيقَةً حَتَّى يَحْنَثَ بِأَكْلِهَا فِي يَمِينِهِ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا إلَّا أَنَّ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ إنَّ آكِلَهُ آكِلُ بُسْرٍ وَرُطَبٍ فَيَحْنَثُ بِهِ) لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَغَيْرِهِ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ لَيْسَ بِمُسْتَهْلَكٍ بِغَيْرِهِ فَيَكُونُ حَانِثًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَوْ مَيَّزَهُ فَأَكَلَهُ يَحْنَثُ) أَيْ يَحْنَثُ إجْمَاعًا. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ يَحْنَثُ لِمَا ذَكَرْنَا) قَالَ الْكَمَالُ وَقَدْ يُقَالُ لَوْلَا التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ يَقْتَصِرُ عَلَى مَا فَصَّلَهُ فَأَكَلَهُ وَحْدَهُ أَمَّا لَوْ أَكَلَ ذَلِكَ الْمَحَلَّ مَخْلُوطًا بِبَعْضِ الْبُسْرِ تَحَقَّقَتْ التَّبَعِيَّةُ فِي الْأَكْلِ وَثَانِيًا هُوَ بِنَاءٌ عَلَى انْعِقَادِ الْيَمِينِ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا الْعُرْفِ وَإِلَّا فَالرُّطَبُ الَّذِي فِيهِ بُقْعَةُ بُسْرٍ لَا يُقَالُ لِآكِلِهِ آكِلُ بُسْرٍ فِي الْعُرْفِ فَكَانَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ اُقْعُدْ فِي الْمَبْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ كِبَاسَةٍ) الْكِبَاسَةُ بِكَسْرِ الْكَافِ الْعِذْقُ وَهُوَ الْقِنْوُ وَالْقَنَا أَيْضًا وَيُقَالُ لِعُودِ الْعِذْقِ وَهُوَ عُودُ الْكِبَاسَةِ الْعُرْجُونُ وَالْأَهَانُ كَذَا ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْمُصَنَّفِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْبَيْعَ يُصَادِفُهُ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ يُصَادِفُ بِلَا ضَمِيرٍ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِسَمَكٍ فِي لَا يَأْكُلُ لَحْمًا) أَيْ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا قَالَ الْكَمَالُ يَنْعَقِدُ يَمِينُهُ عَلَى لَحْمِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْجَامُوسِ وَالْغَنَمِ وَالطُّيُورِ مَطْبُوخًا وَمَشْوِيًّا وَفِي حِنْثِهِ بِالنِّيءِ خِلَافُ الْأَظْهَرِ أَنْ لَا يَحْنَثَ وَعِنْدَ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ يَحْنَثُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يَحْنَثُ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ يَحْنَثُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ وَهِيَ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ اهـ

{فَرْعٌ} حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ مِنْ مَرَقِهِ لَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا كَانَ نَوَاهُ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ اللَّحْمَ يَدُلُّ عَلَى الْقُوَّةِ فِي اللُّغَةِ) وَقُوَّتُهُ بِأَنْ يَكُونَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إذْ هُوَ مِنْ سَوَاكِنِ الْمَاءِ) أَيْ وَالدَّمَوِيُّ لَا يَسْكُنُ الْمَاءَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ سُمِّيَ فِي الْقُرْآنِ دَابَّةً) قَالَ تَعَالَى {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنفال: 55] وَلَوْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى وَتِدٍ فَجَلَسَ عَلَى الْجَبَلِ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَ قَالَ تَعَالَى {وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} [النبأ: 7]. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَأَكَلَ سَمَكًا طَرِيًّا أَوْ مَالِحًا لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يُعَيِّنَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْخِنْزِيرُ فِنْعِيلٌ حَيَوَانٌ خَبِيثٌ وَيُقَالُ إنَّهُ حُرِّمَ عَلَى لِسَانِ كُلِّ نَبِيٍّ وَالْجَمْعُ خَنَازِيرُ اهـ

(قَوْلُهُ وَالْكَبِدُ وَالْكَرِشُ) أَيْ وَالْقَلْبُ وَالرِّئَةُ وَالطِّحَالُ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ مَنْشَأَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الدَّمُ) وَتُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ اللَّحْمِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ حَتَّى يَحْنَثَ بِأَكْلِهَا فِي يَمِينِهِ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا) فَإِنْ قُلْت قَدْ قُلْت قَبْلَ هَذَا إنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ وَلَا يَسْبِقُ أَوْهَامَ النَّاسِ مِنْ لَفْظِ اللَّحْمِ إلَى لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَالْإِنْسَانِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ قُلْنَا النَّاظِرُ لَوْ نَظَرَ إلَى لَحْمِ الْخِنْزِيرِ أَوْ الْإِنْسَانِ سَمَّاهُ لَحْمًا عَلَى الْإِطْلَاقِ بِخِلَافِ لَحْمِ السَّمَكِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى لَحْمًا عَلَى الْإِطْلَاقِ فَيَظْهَرُ الْفَرْقَ عَلَى أَنَّا نَقُولُ قَالَ الْإِمَامُ الْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ قِيلَ الْحَالِفُ

ص: 127

لَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ حَرَامٌ وَالْيَمِينُ قَدْ تُعْقَدُ لِمَنْعِ النَّفْسِ عَنْ الْحَرَامِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَزْنِي أَوْ لَا يَكْذِبُ يَصِحُّ يَمِينُهُ

وَكَذَا يَدْخُلُ أَيْضًا فِي الْعُمُومِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ شَرَابًا يَدْخُلُ فِيهِ الْخَمْرُ حَتَّى تَلْزَمَهُ الْكَفَّارَةُ بِشُرْبِهَا لِكَوْنِهَا شَرَابًا حَقِيقَةً وَلَا يُقَالُ الْكَفَّارَةُ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ فَكَيْفَ تُنَاطُ بِالْمَحْظُورِ الْمَحْضِ لِأَنَّا نَقُولُ الْحِلُّ وَالْحُرْمَةُ إنَّمَا يُرَاعَيَانِ فِي السَّبَبِ لَا فِي الشَّرْطِ وَالسَّبَبُ لِلْكَفَّارَةِ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْيَمِينُ لِأَنَّهُ يَنْقَلِبُ سَبَبًا عِنْدَ الْحِنْثِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَالْحِنْثُ شَرْطٌ وَالشَّرْطُ لَا يُضَافُ إلَيْهِ الْحُكْمُ وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ شُهُودُ الشَّرْطِ مَعَ شُهُودِ الْيَمِينِ إذَا رَجَعُوا وَهَذَا بِخِلَافِ النَّذْرِ بِالْمَعْصِيَةِ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ بِهِ شَيْءٌ وَلَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ أَصْلًا وَإِنْ كَانَ النَّذْرُ مُوجِبًا كَالْيَمِينِ لِأَنَّ النَّذْرَ إيجَابٌ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا شَرَعَهُ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ وَلَمْ يَشْرَعْ اللَّهُ تَعَالَى الْمَعَاصِيَ فَلَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِهَا وَلَا بِمَا لَا نَظِيرَ لَهُ فِي الشَّرْعِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ لِعَيْنِهَا حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ بِالنَّذْرِ إلَّا مَا لَهُ نَظِيرٌ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَأَمَّا وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ لَيْسَ لِعَيْنِهَا بَلْ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهَا وَهُوَ هَتْكُ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ يَمِينُهُ عَلَى الطَّاعَةِ أَوْ عَلَى الْمَعْصِيَةِ

وَذَكَرَ الْعَتَّابِيُّ رحمه الله أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ وَقَالَ فِي الْكَافِي وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فَكَأَنَّهُ اُعْتُبِرَ فِيهِ الْعُرْفُ وَلَكِنَّ هَذَا عُرْفٌ عَمَلِيٌّ فَلَا يَصْلُحُ مُقَيِّدًا بِخِلَافِ الْعُرْفِ اللَّفْظِيِّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً لَا يَحْنَثُ بِالرُّكُوبِ عَلَى الْإِنْسَانِ لِلْعُرْفِ اللَّفْظِيِّ فَإِنَّ اللَّفْظَ عُرْفًا لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الْكُرَاعَ وَإِنْ كَانَ فِي اللُّغَةِ يَتَنَاوَلُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ حَيَوَانًا يَحْنَثُ بِالرُّكُوبِ عَلَى الْإِنْسَانِ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْحَيَوَانِ وَالْعُرْفُ الْعَمَلِيُّ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُرْكَبُ عَادَةً لَا يَصْلُحُ مُقَيَّدًا وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ فِي الْكَبِدِ وَالْكَرِشِ هَذَا فِي عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ فِي يَمِينِهِ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ لَحْمًا قَالَ رحمه الله (وَبِشَحْمِ الظَّهْرِ فِي شَحْمًا) أَيْ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ شَحْمِ الظَّهْرِ وَشِرَائِهِ وَبَيْعِهِ فِي يَمِينِهِ لَا يَأْكُلُ شَحْمًا أَوْ لَا يَشْتَرِيهِ أَوْ لَا يَبِيعُهُ وَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِشَحْمِ الْبَطْنِ خَاصَّةً وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَقَالَا يَحْنَثُ بِشَحْمِ الظَّهْرِ أَيْضًا لِأَنَّ شَحْمَ الظَّهْرِ شَحْمٌ حَقِيقَةً وَفِيهِ خَاصِّيَّةٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُذَابُ كَشَحْمِ الْبَطْنِ وَيَصْلُحُ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ الشَّحْمُ وَيُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَهُ وَيَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الشَّحْمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ} [الأنعام: 146] فَاسْتَثْنَاهُ مِنْ الشُّحُومِ وَالْأَصْلُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَصَارَتْ الشُّحُومُ أَرْبَعَةً شَحْمُ الْبَطْنِ وَشَحْمُ الظَّهْرِ وَشَحْمٌ مُخْتَلِطٌ بِالْعَظْمِ وَشَحْمٌ عَلَى ظَاهِرِ الْأَمْعَاءِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَحْنَثُ بِشَحْمِ الْبَطْنِ وَالثَّلَاثَةُ عَلَى الْخِلَافِ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي

وَإِنَّمَا لَا يَحْنَثُ بِشِرَائِهِ فِي يَمِينِهِ لَا يَشْتَرِي شَحْمًا فِي رِوَايَةٍ عَنْهُمَا لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَا يَتِمُّ بِالْحَالِفِ وَإِنَّمَا يَكُونُ مُشْتَرِيًا لِلشَّحْمِ إذَا اشْتَرَاهُ مِمَّنْ يُسَمَّى بَائِعُهُ شَحَّامًا وَأَمَّا الْأَكْلُ فَفِعْلٌ يَتِمُّ بِالْآكِلِ وَحْدَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي طَعَامًا فَاشْتَرَى لَحْمًا لَا يَحْنَثُ وَفِي الْأَكْلِ يَحْنَثُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّهُ لَحْمٌ حَقِيقَةً أَلَا تَرَى أَنَّهُ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي مِنْ الدَّمِ وَيُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ اللُّحُومِ لَا الشُّحُومِ فِي اتِّخَاذِ الْقَلَايَا وَالْبَاجَاتِ وَلَهُ قُوَّةُ اللَّحْمِ وَلَا يُطْلِقُونَ عَلَيْهِ اسْمَ الشَّحْمِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَحْمًا لَمَا حَنِثَ فَكَيْفَ يَكُونُ شَحْمًا مَعَ كَوْنِهِ لَحْمًا وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي الْآيَةِ مُنْقَطِعٌ بِدَلِيلِ اسْتِثْنَاءِ الْحَوَايَا فَإِنْ قِيلَ الْمُرَادُ مَا حَمَلَتْهُ الْحَوَايَا مِنْ الشَّحْمِ قُلْنَا ذَا إضْمَارٌ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَالِاسْتِثْنَاءُ الْمُنْقَطِعُ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْأَصْلِ وَلَكِنَّهُ يَثْبُتُ إذَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ وَهُنَا دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ وَهُوَ اسْتِثْنَاءُ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ وَهُوَ الْمُخُّ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهُ شَحْمٌ وَلَئِنْ سُمِّيَ شَحْمًا لَا يَلْزَمُنَا لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنَاهَا عَلَى الْعُرْفِ لَا عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ

وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقِيلَ هَذَا إذَا حَلَفَ بِالْعَرَبِيَّةِ وَأَمَّا اسْمُ بيه بِالْفَارِسِيَّةِ لَا يَقَعُ عَلَى شَحْمِ الظَّهْرِ بِحَالٍ قَالَ رحمه الله (وَبِأَلْيَةٍ فِي لَحْمًا أَوْ شَحْمًا) أَيْ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ أَلْيَةٍ أَوْ شِرَائِهِ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي أَوْ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا أَوْ شَحْمًا لِأَنَّهَا نَوْعٌ ثَالِثٌ حَتَّى لَا يُسْتَعْمَلَ اسْتِعْمَالَ اللُّحُومِ وَلَا الشُّحُومِ فَلَا يَتَنَاوَلُهَا اللَّفْظُ مَعْنًى

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

إذَا كَانَ مُسْلِمًا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ لِأَنَّ أَكْلَهُ لَيْسَ بِمُتَعَارَفٍ وَمَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ ثُمَّ قَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَكِنَّ هَذَا عُرْفٌ عَمَلِيٌّ) وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ كُلٌّ عَادَةً اهـ

(قَوْلُهُ فَإِنَّ اللَّفْظَ عُرْفًا لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الْكُرَاعَ) أَيْ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ فِي الْكَبِدِ وَالْكَرِشِ إلَخْ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَمَّا فِي عُرْفِنَا لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْكَبِدِ وَالْكَرِشِ لِأَنَّهُمَا لَا يُعَدَّانِ مِنْ اللَّحْمِ وَلَا يُسْتَعْمَلَانِ اسْتِعْمَالَ اللَّحْمِ وَيَحْنَثُ بِأَكْلِ الرُّءُوسِ لِأَنَّهُ لَحْمٌ حَقِيقَةً يُقَالُ رَأْسٌ كَثِيرُ اللَّحْمِ وَرَأْسٌ قَلِيلُ اللَّحْمِ اهـ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ شَاةٍ فَأَكَلَ لَحْمَ الْعَنْزِ قَالُوا وَإِنْ كَانَ مِصْرِيًّا لَا يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَ قَرَوِيًّا يَحْنَثُ لِأَنَّ أَهْلَ الْقُرَى لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ الشَّاةِ وَالْعَنْزِ مِنْهُ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا فَلَا يَحْنَثُ) قُلْت وَكَذَا فِي عُرْفِ أَهْلِ مِصْرُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى لَحْمًا اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَلَوْ أَكَلَ الرَّأْسَ وَالْأَكَارِعَ يَحْنَثُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأَصَحِّ وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الشَّحْمِ وَالْأَلْيَةِ إلَّا إذَا نَوَاهُ فِي اللَّحْمِ بِخِلَافِ شَحْمِ الظَّهْرِ حَنِثَ بِهِ بِلَا نِيَّةٍ لِأَنَّهُ تَابِعُ اللَّحْمِ فِي الْوُجُودِ وَيُقَالُ فِي الْعُرْفِ لَحْمٌ سَمِينٌ. اهـ. كَمَالٌ رحمه الله

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِشَحْمٍ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ بِشِرَاءِ كِبَاسَةٍ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ وَهُوَ اسْتِثْنَاءُ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ إلَخْ) قَالَ الْمَاوَرْدِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ فِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا شَحْمُ الْجَنْبِ الثَّانِي شَحْمُ الْجَنْبِ وَالْأَلْيَةِ لِأَنَّهُ عَلَى الْعُصْعُصِ اهـ (قَوْلُهُ حَتَّى لَا يَسْتَعْمِلَ اللُّحُومَ وَلَا الشُّحُومَ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِهِ فِي حَلِفِهِ عَلَى اللَّحْمِ خِلَافًا لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَلَا فِي يَمِينِ الشَّحْمِ خِلَافًا لِأَحْمَدَ لِلْعُرْفِ وَالْعَادَةِ وَأَمَّا أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الشَّحْمِ فِيهِ نَظَرٌ إلَّا أَنْ يُرَادَ جَمِيعُ اسْتِعْمَالَاتِهِ. اهـ.

ص: 128

وَلَا عُرْفًا

قَالَ رحمه الله (وَبِالْخُبْزِ فِي هَذَا الْبُرِّ) يَعْنِي لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْبُرِّ فَأَكَلَ مِنْ خُبْزِهِ لَا يَحْنَثُ وَكَذَا إذَا أَكَلَ مِنْ سَوِيقِهِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْخُبْزِ مِنْهُ وَلَا يَحْنَثُ بِالسَّوِيقِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله يَحْنَثُ بِهِمَا وَإِنْ قَضَمَهُ حَنِثَ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمُعِينِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُنَكَّرًا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ جَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ كَجَوَابِهِمَا وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَأَمَّا إذَا نَوَى فَهُوَ كَمَا نَوَى بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ أَوْ مُحْتَمَلَهُ وَهُوَ الْمَجَازُ لَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّ أَكْلَ مَا يُتَّخَذُ مِنْ الْبُرِّ أَكْلٌ لَهُ عَادَةً يُقَالُ أَهْلُ مِصْرَ يَأْكُلُونَ الْبُرَّ يُرَادُ بِهِ كُلُّ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِعُمُومِ الْمَجَازِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَجَازِ أَفْرَادٌ كَثِيرَةٌ وَمِنْ جُمْلَةِ أَفْرَادِهِ مَحَلُّ الْحَقِيقَةِ فَتَدْخُلُ الْحَقِيقَةُ فِي الْمَجَازِ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَإِنَّهُ مَجَازٌ عَنْ الْمَسْكَنِ وَحَقِيقَتُهُ لِلْمِلْكِ فَيَدْخُلُ فِي الْيَمِينِ مَا يَسْكُنُهُ كَيْفَمَا كَانَ سَوَاءٌ كَانَ مُسْتَأْجَرًا أَوْ عَارِيَّةً أَوْ مِلْكًا لِعُمُومِ الْمَجَازِ إجْمَاعًا فَكَذَا هَذَا وَمُحَمَّدٌ رحمه الله مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ فِي السَّوِيقِ لِأَنَّهُ أَكَلَ الْمُتَّخَذَ مِنْهُ وَحَلِفُهُ وَاقِعٌ عَلَيْهِ وَأَبُو يُوسُفَ خَالَفَ أَصْلَهُ لِأَنَّ حَلِفَهُ يَقَعُ عَلَى الْمُتَّخَذِ مِنْهُ عُرْفًا وَلَا عُرْفَ فِي السَّوِيقِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَهُ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ لَهُ فَإِنَّهَا تُؤْكَلُ قَضْمًا وَمَطْبُوخَةً وَكُشْكًا وَهَرِيسَةً وَمَقْلِيَّةً وَمَجَازٌ مُتَعَارَفٌ فَالْحَقِيقَةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ أَوْلَى عِنْدَهُ مِنْ الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ فَصَارَ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الْبَيْضَةِ فَأَكَلَ مِنْ فَرْخِهَا وَعِنْدَهُمَا الْمَجَازُ الْمُتَعَارَفُ أَوْلَى وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الْمَجَازَ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ فِي الْحُكْمِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ فِي التَّكَلُّمِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي أَوَّلِ الْعَتَاقِ وَلَوْ زَرَعَ الْحِنْطَةَ فَأَكَلَ مَا خَرَجَ مِنْهَا لَمْ يَحْنَثْ

قَالَ رحمه الله (وَفِي هَذَا الدَّقِيقِ حَنِثَ بِخَبْزِهِ لَا بِسَفِّهِ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الدَّقِيقَ يَحْنَثُ بِأَكْلِ خُبْزِهِ وَلَا يَحْنَثُ بِسَفِّهِ لِأَنَّ عَيْنَ الدَّقِيقِ لَا تُؤْكَلُ فَانْصَرَفَ الْيَمِينُ إلَى مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَلَا يَحْنَثُ بِالسَّفِّ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ مَهْجُورَةٌ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهَا كَمَنْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ نَكَحْتُكِ فَعَبْدِي حُرٌّ فَزَنَى بِهَا لَمْ يَحْنَثْ وَكَذَا لَوْ أَكَلَ خَشَبَ النَّخْلَةِ فِي يَمِينِهِ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ يَمِينَهُ انْصَرَفَ إلَى الْمَجَازِ وَلَمْ يَتَنَاوَلْ بَعْدَهُ الْحَقِيقَةَ إلَّا بِطَرِيقِ عُمُومِ الْمَجَازِ وَلَمْ يُوجَدْ وَقِيلَ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ أَكَلَ الدَّقِيقَ حَقِيقَةً وَالْعُرْفُ وَإِنْ اُعْتُبِرَ لَا يَسْقُطُ بِهِ الْحَقِيقَةُ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ وَإِنْ عَنَى أَكْلَ الدَّقِيقِ بِعَيْنِهِ لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ الْخُبْزِ الْمُتَّخَذِ مِنْهُ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ

قَالَ رحمه الله (وَالْخُبْزُ مَا اعْتَادَهُ بَلَدُهُ) أَيْ الَّذِي اعْتَادَ أَهْلُ بَلَدِ الْحَالِفِ أَكْلَهُ حَتَّى لَوْ حَلَفَ فِي الْقَاهِرَةِ أَنْ لَا يَأْكُلَ الْخُبْزَ يَنْصَرِفُ إلَى خُبْزِ الْبُرِّ وَبِطَبْرِسْتَانَ يَنْصَرِفُ إلَى خُبْزِ الرُّزِّ وَفِي زُبَيْدٍ يَنْصَرِفُ إلَى خُبْزِ الذُّرَةِ وَالدَّخَنِ وَلَوْ أَكَلَ الْحَالِفُ خِلَافَ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْخُبْزِ لَمْ يَحْنَثْ وَكَذَا إذَا أَكَلَ خُبْزَ الْقَطَائِفِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى خُبْزًا مُطْلَقًا وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الْخُبْزَ فَجَفَّفَهُ ثُمَّ دَقَّهُ فَشَرِبَهُ بِالْمَاءِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ هَذَا شُرْبٌ وَلَيْسَ بِأَكْلٍ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ أَكَلْت هَذَا الْخُبْزَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَلَبَتْ حِيلَةً حَتَّى تَأْكُلَ وَلَا تَطْلُقُ قَالَ يَنْبَغِي أَنْ تَدُقَّ ذَلِكَ الْخُبْزَ وَتُلْقِيهِ فِي عَصِيدَةٍ وَيُطْبَخُ حَتَّى يَصِيرَ الْخُبْزُ هَالِكًا فَتَأْكُلُ الْعَصِيدَةَ وَلَا تَحْنَثُ قَالَ رحمه الله (وَالشِّوَاءُ وَالطَّبِيخُ عَلَى اللَّحْمِ) أَيْ وَمُطْلَقُ اسْمِ الشِّوَاءِ يَقَعُ عَلَى اللَّحْمِ لِأَنَّ الشِّوَاءَ يُرَادُ بِهِ اللَّحْمُ الْمَشْوِيُّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ دُونَ الْبَاذِنْجَانِ وَالْجَزَرِ الْمَشْوِيَّيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّ الشِّوَاءَ اسْمٌ لِمَنْ يَبِيعُ اللَّحْمَ الْمَشْوِيَّ دُونَ غَيْرِهِ فَمُطْلَقُ الِاسْمِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ كُلَّ مَا يُشْوَى مِنْ بِيضٍ وَغَيْرِهِ فَتَعْمَلُ نِيَّتُهُ وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ وَكَذَا الطَّبِيخُ يَقَعُ عَلَى مَا يُطْبَخُ مِنْ اللَّحْمِ عُرْفًا

وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ بِكُلِّ مَا يُطْبَخُ لِكَوْنِهِ طَبِيخًا حَقِيقَةً وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الطَّبِيخَ اسْمٌ لِلْمَطْبُوخِ مِنْ اللَّحْمِ عُرْفًا وَعَلَيْهِ مَبْنَى الْأَيْمَانِ وَمُتَّخِذُهُ يُسَمَّى طَبَّاخًا وَلَا يُسَمَّى مَنْ يَطْبُخُ الْأَدْوِيَةَ طَبَّاخًا وَكُلُّ أَحَدٍ يَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْأَدْوِيَةَ الْمَطْبُوخَةَ فَتَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ فَحَلَمْنَاهُ عَلَى خَاصٍّ هُوَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِالْخُبْزِ فِي هَذَا الْبِرِّ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذِهِ الْحِنْطَةَ إنْ نَوَى لَا يَأْكُلُهَا حَبًّا فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى لِأَنَّهُ نَوَى الْحَقِيقَةَ فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْخُبْزِ وَإِنْ نَوَى أَكْلَ الْخُبْزِ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى لِأَنَّهُ نَوَى الْمَجَازَ الْمُتَعَارَفَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَإِنْ أَكَلَهَا قَضْمًا حَنِثَ وَإِنْ أَكَلَ مِنْ خُبْزِهَا لَا يَحْنَثُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْخُبْزِ أَيْضًا. اهـ. (قَوْلُهُ فَأَكَلَ مِنْ خُبْزِهِ لَا يَحْنَثُ) أَيْ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَقْضِمَهَا غَيْرَ نِيئَةٍ وَلَوْ قَضَمَهَا نِيئَةً لَمْ يَحْنَثْ. اهـ. كَمَالٌ رحمه الله (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْخُبْزِ مِنْهُ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَهَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ الْحَبَّ بِعَيْنِهِ فَإِذَا نَوَاهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْخُبْزِ عِنْدَهُمَا أَيْضًا وَعَلَيْهِ نَصَّ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ فَلَا يُرَادُ الْمَجَازُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَكِشْكًا) وِزَانُ فَلْسٍ مَا يُعْمَلُ مِنْ الْحِنْطَةِ وَرُبَّمَا عُمِلَ مِنْ الشَّعِيرِ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ. اهـ. مِصْبَاحٌ

(قَوْلُهُ فَصَارَ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الْبَيْضَةِ فَأَكَلَ مِنْ فَرْخِهَا) لَا يَحْنَثُ لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ عَلَى عَيْنِهَا إذَا كَانَ مَأْكُولًا. اهـ.

كَمَالٌ رحمه الله (قَوْلُهُ وَلَا يَحْنَثُ بِالسَّفِّ) هُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ كَمَنْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ نَكَحْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ فَزَنَى بِهَا لَمْ يَحْنَثْ) لِانْصِرَافِ يَمِينِهِ إلَى الْعَقْدِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْ الْيَمِينُ الْوَطْءَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَمُطْلَقُ اسْمِ الشِّوَاءِ يَقَعُ عَلَى اللَّحْمِ) أَيْ لِأَنَّ الشِّوَاءَ عِبَارَةٌ عَمَّا يُنْضَجُ فِي النَّارِ بِلَا مَاءٍ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنَّ فِي الْعُرْفِ لَمَّا أُرِيدَ بِهِ اللَّحْمُ وَقَعَتْ يَمِينُهُ عَلَيْهِ خَاصَّةً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ كُلَّ مَا يُشْوَى مِنْ بَيْضٍ وَغَيْرِهِ) أَيْ كَالْفُولِ الْأَخْضَرِ الَّذِي يُسَمَّى فِي عُرْفِنَا شَوِيَّ الْعَرَبِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الطَّبِيخَ اسْمٌ لِلْمَطْبُوخِ مِنْ اللَّحْمِ عُرْفًا) أَيْ وَلَا يُقَالُ لِمَنْ أَكَلَ الْبَاقِلَاءَ الْمَطْبُوخَ أَكَلَ الطَّبِيخَ وَإِنْ كَانَ طَبِيخًا فِي الْحَقِيقَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَحَمَلْنَاهُ عَلَى خَاصٍّ) أَيْ عَلَى

ص: 129

مُتَعَارَفٌ وَلَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا أَكَلَ الْمَطْبُوخَ بِالْمَاءِ وَأَمَّا الْقَلِيَّةُ الْيَابِسَةُ فَلَا تُسَمَّى طَبِيخًا فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهَا وَإِنْ أَكَلَ الْخُبْزَ بِالْمَرَقَةِ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ يُسَمَّى طَبِيخًا وَفِيهَا أَجْزَاءُ اللَّحْمِ أَيْضًا قَالَ رحمه الله (وَالرَّأْسُ مَا يُبَاعُ فِي مِصْرِهِ) أَيْ اسْمُ الرَّأْسِ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ مَا يُبَاعُ فِي بَلَدِهِ مِنْ الرُّءُوسِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رَأْسًا فَيَمِينُهُ عَلَى رُءُوسٍ تُكْبَسُ فِي التَّنَانِيرِ وَتُبَاعُ فِي مِصْرِهِ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ بِهِ رَأْسَ كُلِّ شَيْءٍ فَإِنَّ رَأْسَ الْجَرَادِ وَالْعُصْفُورِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ وَهُوَ رَأْسٌ حَقِيقَةً فَإِذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْحَقِيقَةَ وَجَبَ اعْتِبَارُ الْعُرْفِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا

وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله أَوَّلًا يَقُولُ يَدْخُلُ فِيهِ رَأْسُ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ يَحْنَثُ فِي رَأْسِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ خَاصَّةً وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا فِي رَأْسِ الْغَنَمِ خَاصَّةً وَهَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ وَتَبَدُّلِ عَادَةٍ لَا اخْتِلَافُ حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ إذْ مَسَائِلُ الْأَيْمَانِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ فَتَدُورُ مَعَهُ فَإِنْ قِيلَ أَنْتُمْ حَنَّثْتُمُوهُ بِلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ وَهُوَ لَمْ يَجْرِ فِيهِ تَبَايُعٌ فِي الْأَسْوَاقِ وَلَا عُرْفٌ بَيْنَ النَّاسِ قُلْنَا الْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْإِنْسَانَ مَتَى عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى فِعْلٍ مُضَافٍ إلَى شَيْءٍ إنْ أَمْكَنَ بِحَقِيقَتِهِ يَعْمَلُ بِحَقِيقَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَارَفًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعَمَلُ بِحَقِيقَتِهِ يَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِالْمُتَعَارَفِ وَبَيَانُهُ إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا فَدَخَلَ بَيْعَةً أَوْ كَنِيسَةً أَوْ بَيْتَ نَارٍ أَوْ الْكَعْبَةَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَةِ الْبَيْتِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ الدُّخُولُ فِي بَيْتِ الْعَنْكَبُوتِ وَبِمِثْلِهِ لَوْ حَلَفَ لَا يَهْدِمُ بَيْتًا فَهَدَمَ بَيْتَ الْعَنْكَبُوتِ يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَ لَا يُتَعَارَفُ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَتِهِ فِي حَقِّ الْهَدْمِ بِخِلَافِ الدُّخُولِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا نَقُولُ فِيهِ إذَا عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى أَكْلِ الرَّأْسِ فَالْعَمَلُ بِحَقِيقَتِهِ فِيهِ مُمْتَنِعٌ لِأَنَّ الرَّأْسَ اسْمٌ لِلْعَظْمِ وَاللَّحْمِ وَأَكْلُ الْكُلِّ مُمْتَنِعٌ وَلَوْ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى اللَّحْمِ فَالْعَمَلُ بِحَقِيقَتِهِ مُمْكِنٌ لِأَنَّ اللَّحْمَ يُؤْكَلُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ فَيَنْعَقِدُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ الْجَوَابُ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رُكُوبُ جَمِيعِ الدَّوَابِّ فَإِنْ قِيلَ هَذَا يَسْتَقِيمُ فِي الْأَكْلِ وَلَا يَسْتَقِيمُ فِي الشِّرَاءِ فَإِنَّ شِرَاءَ الرَّأْسِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ مُمْكِنٌ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ فَإِنَّ مِنْ الرُّءُوسِ مَا لَا يُمْكِنُ شِرَاؤُهَا كَرُءُوسِ النَّمْلِ وَنَحْوِهَا

قَالَ رحمه الله (وَالْفَاكِهَةُ التُّفَّاحُ وَالْبِطِّيخُ وَالْمِشْمِشُ لَا الْعِنَبُ وَالرُّمَّانُ وَالرُّطَبُ وَالْقِثَّاءُ وَالْخِيَارُ) حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ فَاكِهَةً يَحْنَثُ بِأَكْلِ التُّفَّاحِ وَالْبِطِّيخِ وَالْمِشْمِشِ وَلَا يَحْنَثُ بِالْعِنَبِ وَالرُّمَّانِ إلَخْ لِأَنَّ الْفَاكِهَةَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

أَخَصَّ الْخُصُوصِ وَهُوَ اللَّحْمُ الْمَطْبُوخُ بِالْمَرَقِ وَهُوَ مُتَعَارَفُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَهُ مِنْ الْبَاذِنْجَانِ فَمَا طُبِخَ فَيَحْنَثُ بِهِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَحْنَثَ بِالْأُرْزِ الْمَطْبُوخِ بِلَا لَحْمٍ وَفِي الْخُلَاصَةِ يَحْنَثُ بِالْأُرْزِ إذَا طُبِخَ بِوَدَكٍ فَإِنَّهُ يُسَمَّى طَبِيخًا بِخِلَافِ مَا لَوْ طُبِخَ بِزَيْتٍ أَوْ سَمْنٍ قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ الطَّبِيخُ يَقَعُ عَلَى الشَّحْمِ أَيْضًا وَلَا شَكَّ أَنَّ اللَّحْمَ بِالْمَاءِ طَبِيخٌ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنَّهُ هُوَ الْمُتَعَارَفُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِهِ. اهـ. كَمَالٌ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الطَّبِيخَ فَهُوَ عَلَى مَا يُطْبَخُ مِنْ اللَّحْمِ قَالَ الْكَمَالُ يَعْنِي بِالْمَاءِ حَتَّى إنَّ مَا يُتَّخَذُ مِنْ اللَّحْمِ قَلِيَّةً لَا يُسَمَّى طَبِيخًا فَلَا يَحْنَثُ بِهِ اهـ

(قَوْلُهُ وَإِنْ أَكَلَ الْخُبْزَ بِالْمَرَقَةِ يَحْنَثُ) أَيْ لِأَنَّهُ فِي الْعُرْفِ يُقَالُ أَكَلَ الطَّبِيخَ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ اللَّحْمَ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَفِيهَا أَجْزَاءُ اللَّحْمِ) قَالَ الْكَمَالُ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ الْمَرَقَ الَّذِي طُبِخَ فِيهِ اللَّحْمُ حَنِثَ وَقَدَّمْنَا مِنْ الْمَنْقُولِ خِلَافَهُ وَالْوَجْهُ مَا ذَكَرْنَاهُ ثَانِيًا مِنْ قَوْلِهِ وَلِأَنَّهُ يُسَمَّى طَبِيخًا يَعْنِي فِي الْعُرْفِ بِخِلَافِ مَرَقِ اللَّحْمِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى لَحْمًا فِي الْعُرْفِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ) قَالَ الْكَمَالُ فَكَانَ الْعُرْفُ فِي زَمَنِهِ فِيهَا ثُمَّ صَارَ فِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَرَجَعَ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ انْعِقَادِهِ فِي حَقِّ رُءُوسِ الْإِبِلِ وَفِي زَمَانِهِمَا فِي الْغَنَمِ خَاصَّةً فَوَجَبَ عَلَى الْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ بِمَا هُوَ الْمُعْتَادُ فِي كُلِّ مِصْرٍ وَقَعَ فِيهِ الْحَلِفُ كَمَا هُوَ فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ اهـ (قَوْلُهُ إنْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَتِهِ إلَخْ) نَظَرَ فِيهِ الْكَمَالُ وَقَدْ نُقِلَتْ عِبَارَتُهُ أَوَّلَ بَابِ الْيَمِينِ فِي الدُّخُولِ اهـ

(قَوْلُهُ فَهَدَمَ بَيْتَ الْعَنْكَبُوتِ يَحْنَثُ) فِي الْحِنْثِ بِهَدْمِ بَيْتِ الْعَنْكَبُوتِ نَظَرٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ إنَّهُ سَهْوٌ وَقَدْ نَقَلْت عِبَارَتَهُ أَوَّلَ بَابِ الْيَمِينِ فِي الدُّخُولِ وَنَقَلْت مَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ فِيهِ فَلْيُرَاجَعْ فِيهِ فَإِنَّهُ مُفِيدٌ اهـ (قَوْلُهُ وَأَكْلُ الْكُلِّ مُمْتَنِعٌ) أَيْ فَصِيرَ إلَى الْمُتَعَارَفِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَقَدَ يَمِينَهُ إلَخْ) يَعْنِي اللَّحْمَ يُمْكِنُ فِيهِ أَكْلُ كُلِّ مَا يُسَمَّى لَحْمًا فَانْعَقَدَ بِاعْتِبَارِهِ بِخِلَافِ الرُّءُوسِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ اللَّحْمَ يُؤْكَلُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ) أَيْ فَلِذَا حَنِثَ بِأَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ الْجَوَابُ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً) أَيْ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إذَا رَكِبَ كَافِرًا وَهُوَ دَابَّةٌ حَقِيقَةً فَأَمْكَنَ الْعَمَلُ بِالْحَقِيقَةِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَجْرِ عَلَى عُمُومِهِ فَإِنَّ إمْكَانَ الْعَمَلِ بِحَقِيقَةِ عُمُومِهِ مُنْتَفٍ إذْ مِنْ الدَّوَابِّ النَّمْلُ وَمَا هُوَ أَصْغَرُ مِنْهَا وَلَا يُمْكِنُ رُكُوبُهُ فَصِيرَ إلَى الْمُتَعَارَفِ وَهَذَا يَهْدِمُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ إنَّمَا يَتَكَلَّمُ بِالْعُرْفِ الَّذِي بِهِ التَّخَاطُبُ فَوَجَبَ عِنْدَ عَدَمِ نِيَّتِهِ أَنْ يَحْكُمَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا عَلَيْهِ الْعُرْفُ وَتَقَدَّمَ تَصْحِيحُ الْعَتَّابِيِّ وَغَيْرِهِ فِي لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ عَدَمُ الْحِنْثِ وَلَيْسَ إلَّا بِنَاءً عَلَى هَذَا الْأَصْلِ وَلَوْ كَانَ هَذَا الْأَصْلُ الْمَذْكُورُ مَنْظُورًا إلَيْهِ لَمَا تَجَاسَرَ أَحَدٌ عَلَى خِلَافِهِ فِي الْفُرُوعِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ كَرُءُوسِ النَّمْلِ وَنَحْوِهَا) أَيْ كَرُءُوسِ الْآدَمِيِّ اهـ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْبِطِّيخُ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْبِطِّيخُ بِكَسْرِ الْبَاءِ فَاكِهَةٌ مَعْرُوفَةٌ وَفِي لُغَةٍ لِأَهْلِ الْحِجَازِ جَعْلُ الطَّاءِ مَكَانَ الْبَاءِ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ فِي بَابِ مَا هُوَ مَكْسُورُ الْأَوَّلِ وَتَقُولُ هُوَ الْبِطِّيخُ وَالطِّبِّيخُ وَالْعَامَّةُ تَفْتَحُ الْأَوَّلَ وَهُوَ غَلَطٌ لِفَقْدِ فَعِّيلٍ بِالْفَتْحِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْقِثَّاءُ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْقِثَّاءُ فُعَالٌ وَهَمْزَتُهُ أَصْلٌ وَكَسْرُ الْقَافِ أَكْثَرُ مِنْ ضَمِّهَا وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ لِمَا يَقُولُ لَهُ النَّاسُ الْخِيَارُ وَالْعَجُّورُ وَالْفَقُّوصُ الْوَاحِدَةُ قِثَّاءٌ وَأَرْضٌ تَغَدَّ وِزَانُ مَسْبَعَةٍ ذَاتُ قِثَّاءٍ وَبَعْضُ النَّاسِ يُطْلِقُونَ الْقِثَّاءَ عَلَى نَوْعٍ يُشْبِهُ الْخِيَارَ وَهُوَ مُطَابِقٌ لِقَوْلِ الْفُقَهَاءِ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْفَاكِهَةَ حَنِثَ بِالْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ اهـ

ص: 130

اسْمٌ لِمَا يُتَفَكَّهُ بِهِ بَعْدَ الطَّعَامِ وَقَبْلَهُ أَيْ يُتَنَعَّمُ بِهِ وَهَذَا الْمَعْنَى ثَابِتٌ فِي التُّفَّاحِ وَالْبِطِّيخِ وَالْمِشْمِشِ وَالْخَوْخِ وَالتِّينِ وَالْإِجَّاصِ وَنَحْوِهَا فَيَحْنَثُ بِأَكْلِهَا وَغَيْرُ ثَابِتٍ فِي الْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْبُقُولِ بَيْعًا فَإِنَّهُمَا يُبَاعَانِ مَعَهَا وَأَكَلَا لِأَنَّهُمَا يُوضَعَانِ عَلَى الْمَوَائِدِ مَعَ الْبُقُولِ فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِمَا وَأَمَّا الْعِنَبُ وَالرُّمَّانُ وَالرُّطَبُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَعِنْدَهُمَا هِيَ فَاكِهَةٌ حَتَّى يَحْنَثَ بِأَكْلِهَا فِي يَمِينِهِ لَا يَأْكُلُ فَاكِهَةً فَإِنَّ مَعْنَى التَّفَكُّهِ فِيهَا مَوْجُودٌ فَإِنَّهَا أَعَزُّ الْفَوَاكِهِ وَأَكْمَلُهَا وَلِهَذَا أُفْرِدَتْ بِالذِّكْرِ بَعْدَ دُخُولِهَا فِي اللَّفْظِ الْعَامِّ فِي الْقُرْآنِ كَمَا أُفْرِدَ جَبْرَائِيلُ وَمِيكَائِيلَ عليهما السلام بِالذِّكْرِ بَعْدَ دُخُولِهِمَا فِي لَفْظِ الْمَلَائِكَةِ

وَمُطْلَقُ الِاسْمِ يَتَنَاوَلُ الْكَامِلَ فَيَكُونُ التَّنَعُّمُ بِهَا فَوْقَ التَّنَعُّمِ بِغَيْرِهَا مِنْ الْفَوَاكِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْفَاكِهَةَ مِنْ التَّفَكُّهِ وَهُوَ التَّنَعُّمُ بِمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْبَقَاءُ زِيَادَةً عَلَى الْمُعْتَادِ وَذَلِكَ بِمَا لَا يَصْلُحُ غِذَاءً وَلَا دَوَاءً أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ النَّارُ فَاكِهَةُ الشِّتَاءِ وَالْمِزَاحُ فَاكِهَةٌ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ تَصْلُحُ لَهُمَا لِأَنَّ الرُّطَبَ وَالْعِنَبَ يُؤْكَلَانِ غِذَاءً وَيَتَعَلَّقُ بِهِمَا الْبَقَاءُ وَبَعْضُ النَّاسِ يَكْتَفُونَ بِهَا فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَالرُّمَّانُ يُؤْكَلُ لِلتَّدَاوِي فَيَتَحَقَّقُ الْقُصُورُ فِي مَعْنَى التَّفَكُّهِ فَلَا يَتَنَاوَلُهَا اسْمُ الْفَاكِهَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّ يَابِسَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَيْسَتْ مِنْ الْفَوَاكِهِ فَالزَّبِيبُ وَالتَّمْرُ مِنْ الْأَقْوَاتِ وَحَبُّ الرُّمَّانِ مِنْ التَّوَابِلِ وَالْفَوَاكِهُ لَا يُخْتَلَفُ بَيْنَ رَطْبِهَا وَيَابِسِهَا فِي أَنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلْغَدَاءِ وَمَا بَيَّنَّاهُ شَاهِدٌ لَهُ لَا لَهُمَا وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا} [عبس: 27]{وَعِنَبًا وَقَضْبًا} [عبس: 28]{وَزَيْتُونًا وَنَخْلا} [عبس: 29]{وَحَدَائِقَ غُلْبًا} [عبس: 30]{وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس: 31] لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ إذْ الشَّيْءُ لَا يُعْطَفُ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ الْأَصْلُ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ

وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ فَأَفْتَى كُلُّ وَاحِدٍ بِمَا شَاهَدَ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ عَصْرِهِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَأَمَّا إذَا نَوَى فَعَلَى مَا نَوَى بِالْإِجْمَاعِ وَجُعِلَ الْبِطِّيخُ فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنْ الْفَاكِهَةِ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ وَالْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ الْيَابِسُ مِنْ أَثْمَارِ الشَّجَرِ فَاكِهَةٌ إلَّا الْبِطِّيخَ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَادُ يَابِسُهُ فَاكِهَةً فِي عَامَّةِ الْبُلْدَانِ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الْبِطِّيخَ لَيْسَ مِنْ الْفَاكِهَةِ لِأَنَّ مَا لَا يَكُونُ يَابِسُهُ فَاكِهَةً فَرَطْبُهُ لَا يَكُونُ فَاكِهَةً قَالَ رحمه الله (وَالْإِدَامُ مَا يُصْطَبَغُ بِهِ كَالْخَلِّ وَالْمِلْحِ وَالزَّيْتِ لَا اللَّحْمِ وَالْبِيضِ وَالْجُبْنِ) أَيْ الْإِدَامُ شَيْءٌ يَخْتَلِطُ بِهِ الْخُبْزُ وَهُوَ مِنْ الصِّبْغِ وَذَلِكَ بِالْمَائِعِ دُونَ غَيْرِهِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَتَأَدَّمُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْمَائِعِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ مَا يُؤْكَلُ مَعَ الْخُبْزِ غَالِبًا إدَامٌ كَاللَّحْمِ وَالْجُبْنِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ أَيْ يَتَنَعَّمُ بِهِ) أَيْ زِيَادَةً عَلَى الْمُعْتَادِ مِنْ الْغِذَاءِ الْأَصْلِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهَذَا الْمَعْنَى) أَيْ مَعْنَى التَّفَكُّهِ بِأَنْ يُؤْكَلَ زِيَادَةً عَلَى الْغِذَاءِ اهـ (قَوْلُهُ وَالْإِجَّاصِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْإِجَّاصُ مُشَدَّدٌ مَعْرُوفٌ الْوَاحِدَةُ إجَّاصَةٌ وَهُوَ مُعَرَّبٌ لِأَنَّ الْجِيمَ وَالصَّادَ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي كَلِمَةٍ عَرَبِيَّةٍ اهـ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا أَفْرَدْت بِالذِّكْرِ بَعْدَ دُخُولِهَا فِي اللَّفْظِ الْعَامِّ) فَإِنْ قِيلَ أَيْنَ جَاءَ الْعُمُومُ وَفَاكِهَةٌ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ فَالْجَوَابُ أَنَّ النَّكِرَةَ فِي مَقَامِ الِامْتِنَانِ تَعُمّ وَالْمَقَامُ مَقَامُ الِامْتِنَانِ اهـ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ فَاكِهَةً فَأَكَلَ تِينًا أَوْ مِشْمِشًا أَوْ خَوْخًا أَوْ سَفَرْجَلًا أَوْ إجَّاصًا أَوْ كُمِّثْرَى أَوْ تُفَّاحًا أَوْ جَوْزًا أَوْ لَوْزًا أَوْ فُسْتُقًا أَوْ عُنَّابًا يَحْنَثُ بِالْإِجْمَاعِ سَوَاءٌ كَانَ رَطْبًا أَوْ يَابِسًا وَلَوْ أَكَلَ خِيَارًا أَوْ قِثَّاءً أَوْ جَزَرًا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهَا مِنْ الْبُقُولِ وَلِهَذَا يُؤْدَمُ مَعَهَا اهـ

(قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْفَاكِهَةَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ هِيَ مَا يُتَغَذَّى بِهَا مُنْفَرِدَةً حَتَّى يُسْتَغْنَى بِهَا فِي الْجُمْلَةِ فِي قِيَامِ الْبَدَنِ وَمَقْرُونَةً مَعَ الْخُبْزِ وَيُتَدَاوَى بِبَعْضِهَا كَالرُّمَّانِ فِي بَعْضِ عَوَارِضِ الْبَدَنِ وَلَا شَكَّ أَنَّهَا يُتَفَكَّهُ بِهَا وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتْ قَدْ تُسْتَعْمَلُ أَصَالَةً لِحَاجَةِ الْبَقَاءِ قَصُرَ مَعْنَى التَّفَكُّهِ فَلَا يَحْنَثُ بِأَحَدِهَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ فَيَحْنَثُ بِالثَّلَاثَةِ اتِّفَاقًا وَلِهَذَا كَانَ الْيَابِسُ مِنْهَا مِنْ التَّوَابِلِ كَحَبِّ الرُّمَّانِ وَمِنْ الْأَقْوَاتِ وَهُوَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَالْمَشَايِخُ قَالُوا هَذَا اخْتِلَافُ زَمَانٍ فَفِي زَمَانِهِ لَمْ يَعُدُّوهَا مِنْ الْفَوَاكِهِ فَأَفْتَى عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ وَفِي زَمَانِهِمَا عَدَّتْ مِنْهَا فَأَفْتَيَا بِهِ فَإِنْ قِيلَ الِاسْتِدْلَال الْمَذْكُورُ لِأَبِي حَنِيفَةَ يُخَالِفُ هَذَا الْجَمْعَ فَإِنَّ مَبْنَى هَذَا عَلَى الْعُرْفِ وَالِاسْتِدْلَالُ الْمَذْكُورُ صَرِيحٌ فِي أَنْ مَبْنَاهُ اللُّغَةُ حَيْثُ قَالَ الْفَاكِهَةُ مَا يُتَفَكَّهُ بِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ لُغَةٌ وَالتَّفَكُّهُ مَا يُتَنَعَّمُ بِهِ زِيَادَةً عَلَى الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ أَصَالَةً وَهَذَا مَعْنَى اللُّغَةِ وَاسْتِعْمَالُ الْعِنَبِ وَأَخَوَيْهِ لَيْسَ كَذَلِكَ دَائِمًا فَقَصْرُ إلَخْ أَمْكَنَ الْحَوَابُّ بِجَوَازِ كَوْنِ الْعُرْفِ وَافَقَ اللُّغَةَ فِي زَمَنِهِ ثُمَّ تُغَدِّ فِي زَمَنِهِمَا اهـ

قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إنَّ الرَّجُلَ مِنْ خُرَاسَانَ لَوْ حَلَفَ بِالْفَارِسِيَّةِ لَا يَأْكُلُ الْفَاكِهَةَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْعُرْفِ فَكُلُّ مَا يُؤْكَلُ عَلَى سَبِيلِ التَّفَكُّهِ وَيُعَدُّ فَاكِهَةً فِي الْعُرْفِ يَدْخُلُ فِي الْيَمِينِ وَمَا لَا فَلَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَبَعْضُ النَّاسِ يَكْتَفُونَ بِهَا) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ وَبَعْضُ النَّاسِ يَكْتَفُونَ بِهِمَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَحَبُّ الرُّمَّانِ مِنْ التَّوَابِلِ) أَيْ حَوَائِجِ الطَّبِيخِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْإِدَامُ مَا يُصْطَبَغُ بِهِ) قَالَ الْكَمَالُ وَمَا لَمْ يَصْبُغُ الْخُبْزَ مِمَّا لَهُ جُرْمٌ كَجُرْمِ الْخُبْزِ وَهُوَ بِحَيْثُ يُؤْكَلُ وَحْدَهُ لَيْسَ بِإِدَامٍ كَاللَّحْمِ وَالْبَيْضِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ اهـ

(قَوْلُهُ وَالْمِلْحُ) أَيْ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى الذَّوْبِ فِي الْفَمِ وَيَحْصُلُ بِهِ صَبْغُ الْخُبْزِ. اهـ. كَمَالٌ رحمه الله وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ (قَوْلُهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا يُصْبَغُ بِهِ كَالْخَلِّ وَمَا ذَكَرْنَا إدَامٌ بِالْإِجْمَاعِ وَمَا يُؤْكَلُ وَحْدَهُ غَالِبًا كَالْبِطِّيخِ وَالْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَأَمْثَالِهَا لَيْسَ إدَامًا بِالْإِجْمَاعِ أَيْ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْبِطِّيخِ وَالْعِنَبِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ خِلَافًا لِمَا قِيلَ إنَّهَا عَلَى الْخِلَافِ وَمِمَّنْ صَحَّحَ الِاتِّفَاقَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفِي الْمُحِيطِ قَالَ مُحَمَّدٌ التَّمْرُ وَالْجَوْزُ لَيْسَ بِإِدَامٍ وَكَذَا الْعِنَبُ وَالْبِطِّيخُ وَالنَّفَلُ وَكَذَا سَائِرُ الْفَوَاكِهِ وَلَوْ كَانَ فِي بَلَدٍ يُؤْكَلَانِ تَبَعًا لِلْخُبْزِ يَكُونَانِ إدَامًا أَمَّا الْبُقُولُ فَلَيْسَتْ بِإِدَامٍ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ آكِلَهَا لَا يُسَمَّى مُؤْتَدِمًا

ص: 131

لِأَنَّ الْإِدَامَ مِنْ الْمُؤَدَامَةِ وَهُوَ الْمُوَافَقَةُ «قَالَ عليه الصلاة والسلام لِمُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ حِينَ خَطَبَ امْرَأَةً لَوْ نَظَرْت إلَيْهَا لَكَانَ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» أَيْ يُوَافَقُ وَمَا لَا يُؤْكَلُ وَحْدَهُ غَالِبًا مُوَافِقٌ لَهُ

وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «سَيِّدُ إدَامِ أَهْلِ الْجَنَّةِ اللَّحْمُ» وَلَهُمَا أَنَّ الْإِدَامَ مَا يُؤْكَلُ تَبَعًا لِلْخُبْزِ وَحَقِيقَةُ التَّبَعِيَّةِ بِالِاخْتِلَاطِ وَعَدَمُ الْأَكْلِ وَحْدَهُ فَكَذَا كَمَالُ الْمُوَافَقَةِ تَكُونُ بِالِامْتِزَاجِ وَالْمَرَقُ وَنَحْوُهُ مِنْ الْمَائِعَاتِ لَا يُؤْكَلُ وَحْدَهُ بَلْ يُشْرَبُ وَالْمِلْحُ لَا يُؤْكَلُ وَحْدَهُ عَادَةً وَلِأَنَّهُ يَذُوبُ فِي الْفَمِ فَيَحْصُلُ الِاخْتِلَاطُ فَيَكُونُ تَبَعًا بِخِلَافِ اللَّحْمِ وَأُخْتَيْهِ فَإِنَّهَا تُؤْكَلُ وَحْدَهَا فَلَمْ تَكُنْ إدَامًا وَلَيْسَ لَهُ حُجَّةٌ فِيمَا رُوِيَ لِأَنَّهُ فِي الْجَنَّةِ وَكَلَامُنَا فِي الدُّنْيَا وَهِيَ خِلَافُهَا فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إدَامًا فِيهَا وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ سَيِّدَ الْإِدَامِ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْإِدَامِ كَمَا يُقَالُ الْخَلِيفَةُ سَيِّدُ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ مِنْ الْعَجَمِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَإِنْ نَوَى فَعَلَى مَا نَوَى إجْمَاعًا وَهَذَا الِاخْتِلَافُ عَلَى عَكْسِ اخْتِلَافِهِمْ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ إلَّا رَغِيفًا فَأَكَلَ مَعَهُ الْبِيضَ وَنَحْوَهُ لَا يَحْنَثُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحْنَثُ هُوَ يَقُولُ أَنَّهُ قَدْ يُؤْكَلُ وَحْدَهُ مَقْصُودًا فَلَا يَصِيرُ تَبَعًا لِلْخُبْزِ بِالشَّكِّ بِخِلَافِ مَا إذَا أَكَلَهُ مَعَ الْمَائِعَاتِ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لَهُ فَلَا يُعَدُّ زِيَادَةً عَلَيْهِ وَهُمَا يَقُولَانِ هُوَ إدَامٌ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهُ قَدْ يُؤْكَلُ تَبَعًا فَلَا يَحْنَثُ فِيهِمَا بِالشَّكِّ وَالْعِنَبُ وَالْبِطِّيخُ هُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِدَامٍ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُمَا يُؤْكَلَانِ وَحْدَهُمَا غَالِبًا وَلِأَنَّ آكِلَهُمَا لَا يُسَمَّى مُؤْتَدِمًا عَادَةً وَالْبَقْلُ لَيْسَ بِإِدَامٍ بِالْإِجْمَاعِ

قَالَ رحمه الله (وَالْغَدَاءُ الْأَكْلُ مِنْ الْفَجْرِ إلَى الظُّهْرِ) وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ اسْمٌ لِطَعَامٍ يُؤْكَلُ فِي هَذَا الْوَقْتِ حَنِثَ وَإِنَّمَا أُطْلِقَ عَلَى الْأَكْلِ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَهُوَ التَّغَدِّي تَوَسُّعًا فَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَغَدَّى فَأَكَلَ فِي هَذَا الْوَقْتِ حَنِثَ فَإِنْ أَكَلَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الطَّعَامَ الْمَأْكُولَ فِيهِ يُسَمَّى غَدَاءً فَيَتَنَاوَلُ الْأَكْلَ الْوَاقِعَ فِيهِ فَيَحْنَثُ وَلَا يَتَنَاوَلُ مَا يَأْكُلُهُ بَعْدَهُ فَلَا يَحْنَثُ وَمِقْدَارُ مَا يَحْنَثُ بِهِ مِنْ الْأَكْلِ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الشِّبَعِ لِأَنَّ اللُّقْمَةَ وَاللُّقْمَتَيْنِ لَا يُسَمَّى غَدَاءً عَادَةً وَجِنْسُ الْمَأْكُولِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَا يَأْكُلُهُ أَهْلُ بَلَدِهِ عَادَةً حَتَّى لَوْ شَرِبَ اللَّبَنَ وَشَبِعَ لَا يَحْنَثُ إنْ كَانَ حَضَرِيًّا وَإِنْ كَانَ بَدْوِيًّا يَحْنَثُ وَمِثْلُهُ لَوْ أَكَلَ تَمْرًا وَأَرُزًّا حَتَّى شَبِعَ لَمْ يَحْنَثْ وَالتَّصَبُّحُ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى ارْتِفَاعِ الضُّحَى لِأَنَّهُ مِنْ الصَّبَاحِ فَيَتَقَيَّدُ بِهَذَا الْوَقْتِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ قَالَ رحمه الله (وَالْعَشَاءُ مِنْهُ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ وَالسَّحُورُ مِنْهُ إلَى الْفَجْرِ)

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

إلَّا مَا قَدْ يُقَالُ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَكْلِ تُغَدَّ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالْبَصَلُ وَسَائِرُ الثِّمَارِ إدَامٌ وَفِي التَّمْرِ عِنْدَهُ وَجْهَانِ فِي وَجْهٍ إدَامٌ لِمَا رَوَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «وَضَعَ تَمْرَةً عَلَى كِسْرَةٍ وَقَالَ هَذِهِ إدَامٌ» هَذِهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِي آخَرَ لَيْسَ إدَامًا وَأَنَّهُ فَاكِهَةٌ كَالزَّبِيبِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْجُبْنِ وَالْبَيْضِ فَجَعَلَهَا مُحَمَّدٌ إدَامًا. اهـ. كَمَالٌ قَوْلُهُ فَجَعَلَهَا مُحَمَّدٌ إدَامًا أَيْ لِأَنَّهَا تُوكَلُ وَحْدَهَا غَالِبًا فَكَانَتْ تَبَعًا لِلْخُبْزِ وَمُوَافَقَةً لَهُ وَالْمُؤَادَمَةُ الْمُوَافَقَةُ اهـ

قَالَ الْكَمَالُ وَبِقَوْلِ مُحَمَّدٍ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُوَافَقَةُ) أَيْ وَاللَّحْمُ وَالْبَيْضُ وَالْجُبْنُ تُوَافِقُ الْخُبْزَ فَتَكُونُ إدَامًا وَلِأَنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ وَالنَّاسُ يَسْتَعْمِلُونَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ اسْتِعْمَالَ الْإِدَامِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّ الْإِدَامَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَهُمَا أَنَّ الْإِدَامَ مَا يُؤْكَلُ تَبِعَا فَمَا يُؤْكَلُ وَحْدَهُ وَلَوْ أَحْيَانًا لَيْسَ إدَامًا وَهَذَا لِأَنَّهُ مِنْ الْمُؤَدَامَةِ وَهِيَ الْمُوَافَقَةُ وَذَلِكَ بِأَنْ يَصِيرَ مَعَ الْخُبْزِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ بِأَنْ يَقُومَ بِهِ قِيَامَ الصَّبْغِ بِالثَّوْبِ وَهُوَ أَنْ يَنْغَمِسَ فِيهِ جِسْمُهُ إذْ حَقِيقَةُ الْقِيَامِ غَيْرُ مُرَادَةٍ لِأَنَّ الْخَلَّ وَنَحْوَهُ لَيْسَ عَرَضًا يَقُومُ بِالْجَوْهَرِ وَالْأَجْرَامُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ الْبَيْضِ وَمَا مَعَهُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ فَلَيْسَتْ بِإِدَامٍ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنْ اُعْتُبِرَ فِي مُسَمَّى الْإِدَامِ مَا بِحَيْثُ يُؤْكَلُ تَبَعًا لِلْخُبْزِ مُوَافِقًا سَلَّمْنَاهُ وَلَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ مَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ كَذَلِكَ وَإِنْ اُعْتُبِرَ فِيهِ كَوْنُهُ لَا يُؤْكَلُ إلَّا تَبَعًا مَنَعْنَاهُ نَعَمْ مَا لَا يُؤْكَلُ إلَّا تَبَعًا أَكْمَلُ فِي مُسَمَّى الْإِدَامِ لَكِنَّ الْإِدَامَ لَا يَخُصُّ اسْمُهُ الْأَكْمَلَ مِنْهُ وَاسْتَدَلَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَيْضًا بِأَنَّهُ يُرْفَعُ إلَى الْفَمِ وَحْدَهُ بَعْدَ الْخُبْزِ أَوْ قَبْلَهُ فَلَا تَتَحَقَّقُ التَّبَعِيَّةُ بِخِلَافِ الْمُصْطَبِغِ بِهِ اهـ

(قَوْلُهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ الْفَاكِهَةُ لَيْسَتْ بِإِدَامٍ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ وَمِقْدَارُ مَا يَحْنَثُ بِهِ مِنْ الْأَكْلِ) أَيْ غَدَاءً أَوْ عِشَاءً أَوْ سُحُورًا. اهـ. (قَوْلُهُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الشِّبَعِ) أَيْ فَلَوْ أَكَلَ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ مَا لَمْ يَبْلُغْ نِصْفَ الشِّبَعِ لَا يَحْنَثُ بِحَلِفِهِ مَا تَغَدَّيْت وَلَا تَعَشَّيْت وَلَا تَسَحَّرْت. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَجِنْسُ الْمَأْكُولِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَا يَأْكُلُ أَهْلُ بَلَدِهِ عَادَةً) حَتَّى يُعْتَبَرَ الْأَرُزُّ غِذَاءً بِطَبَرِسْتَانَ وَاللَّبَنُ لِأَهْلِ الْبَوَادِي وَالتَّمْرُ بِبَغْدَادَ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا فَهُوَ عَلَى الْمُدَرِ لِلْبَلَدِيِّ وَعَلَى بَيْتِ الشَّعْرِ لِلْبَدْوِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَمَنْ حَلَفَ أَنْ يَتَغَدَّى فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْغِذَاءِ الْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ كُوفِيًّا فَيَقَعُ عَلَى خُبْزِ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَلَا يَقَعُ عَلَى اللَّبَنِ وَالسَّوِيقِ وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ بَدْوِيًّا يَقَعُ عَلَى اللَّبَنِ وَالسَّوِيقِ وَإِنْ كَانَ حِجَازِيًّا يَقَعُ عَلَى السَّوِيقِ وَأَمَّا فِي بِلَادِنَا فَيَقَعُ عَلَى خُبْزِ الْحِنْطَةِ وَوَقْتُ الْغَدَاءِ مِنْ وَقْتِ طُلُوعِ الشَّمْسِ اهـ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْعَشَاءُ مِنْهُ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ) أَيْ لِأَنَّ مَا بَعْدَ الظُّهْرِ يُسَمَّى عِشَاءً بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَلِهَذَا سُمِّيَ الظُّهْرُ إحْدَى صَلَاتَيْ الْعِشَاءِ فِي الْحَدِيثِ إذْ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إحْدَى صَلَاتَيْ الْعِشَاءِ» وَفُسِّرَتْ بِأَنَّهَا الظُّهْرُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ هَذَا وَتَفْسِيرُ التَّغَدِّي بِالْأَكْلِ مِنْ الْفَجْرِ إلَخْ مَذْكُورٌ فِي التَّجْرِيدِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَوَقْتُ التَّغَدِّي مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ وَيُشْبِهُ كَوْنَهُ نَقْلًا عَنْ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَفِيهَا التَّسَحُّرُ بَعْدَ ذَهَابِ ثُلُثَيْ اللَّيْلِ وَيُوَافِقُهُ مَا عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَى السَّحَرِ قَالَ إذَا دَخَلَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَخِيرُ فَكَلَّمَهُ لَمْ يَحْنَثْ وَقَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَقْتُ الْغَدَاءِ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ

ص: 132

أَيْ الْعَشَاءُ هُوَ الْأَكْلُ مِنْ الظُّهْرِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ وَالسُّحُورُ الْأَكْلُ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَأَصْلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَنَّهَا اسْمٌ لِمَأْكُولٍ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَسُمِّيَ بِهَا الْفِعْلُ مَجَازًا عَلَى مَا بَيَّنَّا فَيَحْنَثُ بِالْفِعْلِ الْوَاقِعِ فِيهَا لَا غَيْرُ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله فِيمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَى السَّحَرِ أَنَّهُ قَالَ إذَا دَخَلَ الثُّلُثُ الْأَخِيرُ مِنْ اللَّيْلِ فَكَلَّمَهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ وَقْتَ السَّحَرِ مَا قَرُبَ مِنْ الْفَجْرِ فَانْتَهَتْ بِهِ يَمِينُهُ وَالْمَسَاءُ مَسَاءَانِ أَحَدُهُمَا إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَالْآخَرُ إذَا غَرَبَتْ فَإِذَا حَلَفَ بَعْدَ الزَّوَالِ لَا يَفْعَلُ كَذَا حَتَّى يُمْسِيَ فَهُوَ عَلَى غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَسَاءِ الْأَوَّلِ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي

قَالَ رحمه الله (إنْ لَبِسْت أَوْ أَكَلْت أَوْ شَرِبْت وَنَوَى مُعَيَّنًا لَمْ يُصَدَّقْ أَصْلًا) أَيْ لَوْ حَلَفَ وَقَالَ إنْ أَكَلْت وَنَحْوَهُ فَعَبْدِي حُرٌّ وَنَوَى شَيْئًا مُعَيَّنًا بِأَنْ قَالَ نَوَيْت الْخُبْزَ أَوْ اللَّحْمَ أَوْ نَحْوَهُ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً لِأَنَّ النِّيَّةَ تَعْمَلُ فِي الْمَلْفُوظِ لِأَنَّهَا لِتَعْيِينِ الْمُحْتَمَلِ وَالطَّعَامُ وَنَحْوُهُ غَيْرُ مَذْكُورٍ وَإِنَّمَا ثَبَتَ مُقْتَضًى وَهُوَ لَا عُمُومَ لَهُ فَلَا يَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُصَدَّقُ دِيَانَةً وَبِهِ أَخَذَ الْجَصَّاصُ وَنَحْنُ نَقُولُ نِيَّةُ غَيْرِ الْمَلْفُوظِ لَا تَصِحُّ فَإِنْ قِيلَ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا مَا إذَا قَالَ إنْ خَرَجْت أَوْ قَالَ إنْ سَاكَنْت فُلَانًا وَنَوَى الْخُرُوجَ إلَى سَفَرٍ أَوْ الْمُسَاكَنَةَ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ دِيَانَةً حَتَّى لَوْ خَرَجَ إلَى غَيْرِ السَّفَرِ أَوْ سَاكَنَهُ فِي دَارٍ لَا يَحْنَثُ مَعَ أَنَّ السَّفَرَ وَالسُّكْنَى غَيْرُ مَذْكُورَيْنِ فِي اللَّفْظِ قُلْنَا الْخُرُوجُ مُتَنَوِّعٌ إلَى مَدِيدٍ وَقَصِيرٍ وَهُمَا يَخْتَلِفَانِ اسْمًا وَحُكْمًا وَالْفِعْلُ يَحْتَمِلُ التَّنْوِيعَ دُونَ التَّخْصِيصِ فَيَصِحُّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ فَنَوَى حَبَشِيَّةً أَوْ رُوسِيَّةً صَحَّ وَيُصَدَّقُ وَلَوْ نَوَى امْرَأَةً بِعَيْنِهَا لَا يُصَدَّقُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ تَنْوِيعٌ دُونَ الثَّانِي وَلِأَنَّ ذِكْرَ الْفِعْلِ ذِكْرٌ لِلْمَصْدَرِ لُغَةً لِأَنَّهُ مَحْذُوفٌ وَهُوَ كَالْمَنْطُوقِ فَتَصِحُّ نِيَّتُهُ بِخِلَافِ نِيَّةِ الْمَكَانِ وَسَبَبُ الْخُرُوجِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ ثَبَتَ اقْتِضَاءً مَعَ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا مَنَعُوا صِحَّةَ النِّيَّةِ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو حَازِمٍ وَأَبُو طَاهِرٍ الدَّبَّاسُ فَعَلَى هَذَا لَا يَرِدُ عَلَيْنَا وَكَذَا الْمُسَاكَنَةُ عَامَّةٌ مُتَنَوِّعَةٌ فَإِنَّ أَعَمَّهَا أَنْ يَكُونَ فِي بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ وَالْمُطْلَقُ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ وَأَتَمُّهَا أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ نِيَّةَ النَّوْعِ فِي الْفِعْلِ صَحِيحٌ قَالَ رحمه الله (وَلَوْ زَادَ ثَوْبًا أَوْ طَعَامًا أَوْ شَرَابًا دِينَ) أَيْ زَادَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ عَلَى كَلَامِهِ الْأَوَّلِ بِأَنْ قَالَ إنْ لَبِسْت ثَوْبًا أَوْ أَكَلْت طَعَامًا أَوْ شَرِبْت شَرَابًا وَنَوَى شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ دِينَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي الشَّرْطِ فَتَعُمُّ كَمَا تَعُمُّ فِي النَّفْيِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ إنْ اغْتَسَلَ وَنَوَى تَخْصِيصَ الْفَاعِلِ أَوْ الْمَكَانِ أَوْ السَّبَبِ بِدُونِ ذِكْرِهِ لَا يُصَدَّقُ

قَالَ رحمه الله

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

وَوَقْتُ الْعَشَاءِ مِنْ بَعْدِ الزَّوَالِ إلَى أَنْ يَمْضِيَ نِصْفُ اللَّيْلِ وَوَقْتُ السَّحُورِ مِنْ مُضِيِّ أَكْثَرِ اللَّيْلِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ ثُمَّ قَالَ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا فَوَقْتُ الْعَشَاءِ مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعَصْرِ اهـ

فَعُرْفُهُمْ كَانَ مُوَافِقًا لِلُّغَةِ لِأَنَّ الْغَدْوَةَ اسْمٌ لِأَوَّلِ النَّهَارِ وَمَا قَبْلَ الزَّوَالِ أَوَّلُهُ فَالْأَكْلُ فِيهِ تَغَدٍّ وَقَدْ أُطْلِقَ عَلَى السَّحُورِ غَدَاءً فِي قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام لِعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ «هَلُمَّ إلَى الْغَدَاءِ الْمُبَارَكِ» وَلَيْسَ إلَّا مَجَازًا لِقُرْبِهِ مِنْ الْغَدَاةِ وَكَذَا السَّحُورُ لَمَّا كَانَ لِمَا يُؤْكَلُ فِي السَّحَرِ وَالسَّحَرُ مِنْ الثُّلُثِ الْأَخِيرِ سَمَّى مَا يُؤْكَلُ فِي النِّصْفِ الثَّانِي لِقُرْبِهِ مِنْ الثُّلُثِ الْأَخِيرِ سَحُورًا بِفَتْحِ السِّينِ وَالْأَكْلُ فِيهِ التَّسَحُّرُ وَالتَّضَحِّي الْأَكْلُ فِي وَقْتِ الضُّحَى وَيُسَمَّى الضَّحَاءَ أَيْضًا بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ وَوَقْتُ الضُّحَى مِنْ حِينِ تَحِلُّ الصَّلَاةُ إلَى أَنْ تَزُولَ وَأَصْلُ هَذِهِ فِي الْمَسَائِلِ الْقَضَاءُ قَالَ السَّرَخْسِيُّ فِيمَنْ حَلَفَ لَيُعْطِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ ضَحْوَةً فَوَقْتُ الضَّحْوَةِ مِنْ حِينِ تَبْيَضُّ الشَّمْسُ إلَى أَنْ تَزُولَ وَإِنْ قَالَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ حَتَّى تَطْلُعَ فَلَهُ مِنْ حِينِ تَطْلُعُ إلَى أَنْ تَبْيَضَّ لِأَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَالنَّهْيُ يَمْتَدُّ إلَى أَنْ تَبْيَضَّ وَلَوْ حَلَفَ لَيَأْتِيَنَّهُ غَدْوَةً فَهَذَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ. اهـ. فَتْحٌ

(قَوْلُهُ وَالْآخَرُ إذَا غَرَبَتْ) أَيْ فَأَيَّهمَا نَوَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي) أَيْ وَهُوَ مَا بَعْدَ الْغُرُوبِ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَنَوَى شَيْئًا مُعَيَّنًا) أَيْ مِنْ الْمَأْكُولِ أَوْ الْمَلْبُوسِ أَوْ الْمَشْرُوبِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً) أَيْ فَأَيَّ شَيْءٍ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ لَبِسَ حَنِثَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَصِحُّ نِيَّتُهُ دِيَانَةً وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَاخْتَارَهَا الْخَصَّافُ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا لِتَعْيِينِ الْمُحْتَمَلِ) أَيْ وَالثَّوْبُ فِي إنْ لَبِسْت وَالْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ فِي إنْ أَكَلْت وَإِنْ شَرِبْت غَيْرُ مَذْكُورٍ تَنْصِيصًا فَلَمْ تُصَادِفْ النِّيَّةُ مَحَلَّهَا فَلَغَتْ فَإِنْ قِيلَ إنْ لَمْ يَذْكُرْ تَنْصِيصًا فَهُوَ مَذْكُورٌ تَقْدِيرًا وَهُوَ كَالْمَذْكُورِ تَنْصِيصًا أَجَابَ بِأَنَّ تَقْدِيرَهُ لِضَرُورَةِ اقْتِضَاءِ الْأَكْلِ مَأْكُولًا وَكَذَا الشُّرْبُ وَاللُّبْسُ وَالْمُقْتَضِي لَا عُمُومَ لَهُ عِنْدَنَا وَلِأَنَّ ثُبُوتَهُ ضَرُورِيٌّ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَالضَّرُورَةُ فِي تَصْحِيحِ الْكَلَامِ وَتَصْحِيحِهِ لَا يَتَوَقَّفُ إلَّا عَلَى مَأْكُولٍ لَا عَلَى مَأْكُولٍ هُوَ كَذَا فَلَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ. اهـ. كَمَالٌ

(قَوْلُهُ وَبِهِ أَخَذَ الْجَصَّاصُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَبِهَذِهِ الرِّوَايَةِ أَخَذَ الْخَصَّافُ فِي كِتَابِ الْحِيَلِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلتُّمُرْتَاشِيِّ وَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْخَصَّافِ وَبَنَى كِتَابَ الْحِيَلِ عَلَيْهَا وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ اهـ فَقَوْلُ الشَّارِحِ الْجَصَّاصِ هَكَذَا وَقَفْت عَلَيْهِ فِي النُّسَخِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ وَصَوَابُهُ الْخَصَّافُ اهـ فَإِنْ قُلْت مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ الْجَصَّاصُ اخْتَارَ مَا اخْتَارَهُ الْخَصَّافُ فَيَصِحُّ قَوْلُ الشَّارِحِ رحمه الله وَاخْتَارَهُ الْجَصَّاصُ قُلْت نَعَمْ يَجُوزُ مَا قُلْت لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ النَّقْلِ الْمُعْتَمَدِ عَنْهُ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ

(قَوْلُهُ فَتَعُمُّ كَمَا تَعُمُّ فِي النَّفْيِ) أَيْ لِمَآلِهَا إلَى كَوْنِهَا فِي سِيَاق النَّفْيِ بِسَبَبِ أَنَّ الشَّرْطَ الْمُثْبَتَ فِي الْيَمِينِ يَكُونُ الْحَلِفُ عَلَى نَفْيِهِ لِأَنَّ الْمَعْنَى نَفْيُ لُبْسِ ثَوْبِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا أَلْبَسُ ثَوْبًا إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يَقْبَلُهُ الْقَاضِي مِنْهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ إنْ اغْتَسَلَ) أَيْ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ كَذَا فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ.

ص: 133

(لَا يَشْرَبُ مِنْ دِجْلَةَ عَلَى الْكَرْعِ بِخِلَافِ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ دِجْلَةَ فَيَمِينُهُ عَلَى الْكَرْعِ حَتَّى لَوْ شَرِبَ بِإِنَاءٍ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَكْرَعَ فِيهَا كَرْعًا بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ حَيْثُ يَحْنَثُ بِالشُّرْبِ بِالْإِنَاءِ وَبِغَيْرِهِ لِأَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَحَقِيقَتُهُ فِي الْكَرْعِ وَهُوَ الشَّرْطُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَقَالَا إذَا شَرِبَ بِالْإِنَاءِ أَيْضًا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ يُقَالُ يَشْرَبُ أَهْلُ بَغْدَادَ مِنْ دِجْلَةَ وَالْمُرَادُ الشُّرْبُ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ وَلَهُ أَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ حَقِيقَةً وَهِيَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِيهِ عُرْفًا وَشَرْعًا «قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِقَوْمٍ نَزَلَ عِنْدَهُمْ هَلْ عِنْدَكُمْ مَاءٌ بَاتَ فِي الشَّنِّ وَإِلَّا كَرَعْنَا» وَالْحَقِيقَةُ مُرَادَةٌ وَلِهَذَا لَوْ شَرِبَ كَرْعًا يَحْنَثُ وَلَوْ حَنِثَ بِالشُّرْبِ بِإِنَاءٍ يَلْزَمُ مِنْهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ وَهُمَا يَقُولَانِ لَيْسَ فِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بَلْ هُوَ عَمَلٌ بِعُمُومِ الْمَجَازِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ الْحَقِيقَةُ مُسْتَعْمَلَةٌ فَلَا يُصَارُ إلَى الْمَجَازِ وَالْحَقُّ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمَجَازَ الرَّاجِحَ أَوْلَى عِنْدَهُمَا مِنْ الْحَقِيقَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فَيُصَارُ إلَى الْمَجَازِ لِذَلِكَ وَعِنْدَهُ الْحَقِيقَةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ أَوْلَى فَلَا يُصَارُ إلَى الْمَجَازِ وَهُوَ نَظِيرُ اخْتِلَافِهِمْ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ الْبِئْرِ أَوْ مِنْ مَاءِ الْجُبِّ بِشُرْبِهِ بِالْإِنَاءِ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ الْكَرْعُ فَتَعَيَّنَ الْمَجَازُ وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ الْكَرْعُ فَعَلَى الْخِلَافِ وَلَوْ تَكَلَّفَ وَشَرِبَ بِالْكَرْعِ فِيمَا لَا يُمْكِنُ الْكَرْعُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ الْفُرَاتِ أَوْ مِنْ مَاءِ الْفُرَاتِ فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي دِجْلَةَ وِفَاقًا وَخِلَافًا وَلَوْ شَرِبَ مِنْ نَهْرٍ يَأْخُذُ مِنْ الْفُرَاتِ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يَشْرَبُ مِنْ الْفُرَاتِ لِعَدَمِ الْكَرْعِ فِي الْفُرَاتِ إجْمَاعًا لِحُدُوثِ النِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ فَانْقَطَعَتْ النِّسْبَةُ إلَى الْفُرَاتِ وَيَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ الْفُرَاتِ لِأَنَّ يَمِينَهُ انْعَقَدَتْ عَلَى شُرْبِ مَاءٍ مَنْسُوبٍ إلَى الْفُرَاتِ وَمِثْلُ هَذَا النِّسْبَةِ لَمْ تَنْقَطِعْ بِمِثْلِهِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً فُرَاتًا فَهُوَ عَلَى شُرْبِ مَاءٍ عَذْبٍ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْعَذْبِ وَقَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَصْفًا لِلْمَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا} [المرسلات: 27] وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَا أَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فُرَاتٍ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءَ هَذَا الْكُوزِ فَصُبَّ مَاؤُهُ فِي كُوزٍ آخَرَ فَشَرِبَهُ لَمْ يَحْنَثْ لِتَبَدُّلِ النِّسْبَةِ

قَالَ رحمه الله (إنْ لَمْ أَشْرَبْ مَاءَ هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ فَكَذَا وَلَا مَاءَ فِيهِ أَوْ كَانَ فَصُبَّ أَوْ أَطْلَقَ وَلَا مَاءَ فِيهِ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَ فَصُبَّ حَنِثَ) أَيْ رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ أَشْرَبْ الْمَاءَ الَّذِي فِي هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلَيْسَ فِيهِ مَاءٌ أَوْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ فَصُبَّ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ أَوْ أَطْلَقَ الْيَمِينَ أَيْ لَمْ يَقُلْ الْيَوْمَ وَلَيْسَ فِي الْكُوزِ مَاءٌ لَمْ يَحْنَثْ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَصُبَّ حَنِثَ أَيْ فِي الْمُطْلَقِ وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَقُلْ الْيَوْمَ فَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُؤَقَّتَةً بِالْيَوْمِ أَوْ لَمْ تَكُنْ مُؤَقَّتَةً بِهِ وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَاءٌ فَصُبَّ أَوْ لَا يَكُونُ فِيهِ مَاءٌ أَمَّا فِي الْمُؤَقَّتِ لَا يَحْنَثُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَاءٌ يَسْتَحِيلُ الشُّرْبُ مِنْهُ وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُحَالِ لَا تَنْعَقِدُ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ فَصُبَّ قَبْلَ اللَّيْلِ لِأَنَّ الْبَرَّ فِي الْمُؤَقَّتِ يَجِبُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَعِنْدَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِخِلَافِ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ) كَذَا هُوَ ثَابِتٌ فِي الْمُتُونِ وَاَلَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ بِغَيْرِ لَفْظِ مِنْ. اهـ. (قَوْلُهُ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَكْرَعَ فِيهَا كَرْعًا) أَيْ يَتَنَاوَلُ بِفَمِهِ مِنْ نَفْسِ النَّهْرِ كَذَا قَالَ الْكَمَالُ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ كَرَعَ فِي الْمَاءِ إذَا تَنَاوَلَهُ بِفِيهِ مِنْ مَوْضِعِهِ وَفِي الصِّحَاحِ كَرَعَ فِي الْمَاءِ يَكْرَعُ كُرُوعًا إذَا تَنَاوَلَهُ بِفِيهِ مِنْ مَوْضِعِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْرَبَ بِكَفَّيْهِ أَوْ بِإِنَاءٍ وَفِي الْمُغْرِبِ وَالْكَرْعُ تَنَاوُلُ الْمَاءِ بِالْفَمِ مِنْ مَوْضِعِهِ يُقَالُ كَرَعَ الرَّجُلُ فِي الْمَاءِ وَفِي الْإِنَاءِ إذَا مَدَّ عُنُقَهُ نَحْوَهُ لِشُرْبِهِ وَمِنْهُ كَرِهَ عِكْرِمَةُ الْكَرْعَ فِي النَّهْرِ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْبَهِيمَةِ تَدْخُلُ فِيهِ أَكَارِعهَا وَفِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ كَرَعَ فِي الْمَاءِ كَرْعًا وَكُرُوعًا مِنْ بَابِ نَفَعَ شَرِبَهُ بِفِيهِ مِنْ مَوْضِعِهِ فَإِنْ شَرِبَ بِكَفَّيْهِ أَوْ بِشَيْءٍ آخَرَ فَلَيْسَ بِكَرْعٍ وَكَرَعَ كَرْعًا مِنْ بَابِ تَعِبَ لُغَةٌ وَكَرَعَ فِي الْإِنَاءِ أَمَالَ عُنُقَهُ إلَيْهِ فَشَرِبَ مِنْهُ

وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَتَفْسِيرُ الْكَرْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَخُوضَ الْإِنْسَانُ فِي الْمَاءِ وَلَا يَكُونُ الْكَرْعُ إلَّا بَعْدَ الْخَوْضِ فِي الْمَاءِ فَإِنَّهُ مِنْ الْكُرَاعِ وَهُوَ مِنْ الْإِنْسَانِ مَا دُونَ الرُّكْبَةِ وَمِنْ الدَّوَابِّ مَا دُونَ الْكَعْبِ كَذَا قَالَ الْإِمَامُ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ اهـ وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي نِهَايَتِهِ فِي حَدِيثٍ «أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارُ فِي حَائِطِهِ فَقَالَ إنْ كَانَ عِنْدَك مَاءٌ بَاتَ فِي شَنَّةٍ وَإِلَّا كَرَعْنَا» اهـ كَرَعَ فِي الْمَاءِ يَكْرَعُ كَرْعًا إذَا تَنَاوَلَهُ بِفِيهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْرَبَ بِكَفِّهِ وَلَا بِإِنَاءٍ كَمَا تَشْرَبُ الْبَهَائِمُ لِأَنَّهَا تُدْخِلُ فِيهِ أَكَارِعُهَا. اهـ. (قَوْلُهُ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَكْرَعَ فِيهَا كَرْعًا) يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَمَّا إذَا نَوَى بِإِنَاءٍ حَنِثَ بِهِ إجْمَاعًا. اهـ. فَتْحٌ

(قَوْلُهُ وَقَالَا إذَا شَرِبَ) أَيْ مِنْهَا كَيْفَمَا شَرِبَ بِإِنَاءٍ أَوْ بِيَدِهِ أَوْ كَرْعًا حَنِثَ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ قَوْلِهِ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ لِأَنَّ نِسْبَةَ الْمَاءِ إلَيْهَا ثَابِتٌ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرُ وَقَوْلُهُمَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ قَالَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ الْبِئْرِ أَوْ مِنْ مَاءِ الْجُبِّ يَحْنَثُ) هَكَذَا شَاهَدْته فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَقَدْ قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَا نَصُّهُ وَلَوْ قَالَ مِنْ هَذَا الْجُبِّ أَوْ مِنْ هَذَا الْبِئْرِ قَالَ أَبُو سَهْلٍ الشَّرَغِيُّ لَوْ كَانَ الْجُبُّ أَوْ الْبِئْرُ مَلْآنَ يُمْكِنُ الْكَرْعُ مِنْهُ فَيَمِينُهُ عَلَى الْكَرْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِالْحَقِيقَةِ وَعِنْدَهُمَا عَلَى الِاغْتِرَافِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَلَآنِ فَيَمِينُهُ عَلَى الِاغْتِرَافِ وَلَوْ تَكَلَّفَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَكَرَعَ مِنْ أَسْفَلِ الْبِئْرِ أَوْ الْجُبِّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِعَدَمِ الْعُرْفِ بِالْكَرْعِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ اهـ قَوْلُهُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ أَيْ وَمِثْلُهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ اهـ وَقَوْلُهُ قَالَ أَبُو سَهْلٍ الشَّرَغِيُّ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفِي آخِرِهَا غَيْنٌ مُعْجَمَةٌ نِسْبَةً إلَى شَرْغٍ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى بُخَارَى قَالَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ فِي طَبَقَاتِهِ اهـ وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ الْبِئْرِ أَوْ مِنْ مَاءِ الْجُبِّ يَحْنَثُ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ عِبَارَتُهُ هَكَذَا وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْبِئْرِ أَوْ مِنْ هَذَا الْجُبِّ يَحْنَثُ فَتَأَمَّلْ. اهـ.

ص: 134

ذَلِكَ يَسْتَحِيلُ الْبِرُّ فِيهِ فَبَطَلَتْ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ مُطْلَقَةً غَيْرَ مُؤَقَّتَةٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَاءٌ لَا يَنْعَقِدُ الْيَمِينُ لِاسْتِحَالَةِ الْبِرِّ لِلْحَالِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ انْعَقَدَتْ لِلتَّصَوُّرِ ثُمَّ يَحْنَثُ بِالصَّبِّ لِأَنَّ الْبِرَّ يَجِبُ عَلَيْهِ كَمَا فَرَغَ فَإِذَا صَبَّ فَقَدْ فَاتَ الْبِرُّ فَيَحْنَثُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَمَا لَوْ مَاتَ الْحَالِفُ وَالْمَاءُ بَاقٍ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله يَحْنَثُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا غَيْرَ أَنَّهُ فِي الْمُؤَقَّتِ يَحْنَثُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ لِلتَّوْسِعَةِ فَلَا يَجِبُ الْفِعْلُ إلَّا فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَلَا يَحْنَثُ قَبْلَهُ وَفِي الْمُطْلَقِ يَحْنَثُ لِلْحَالِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَاءٌ

وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ يَحْنَثُ عِنْدَ الصَّبِّ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْبِرُّ كَمَا فَرَغَ وَقَدْ تَحَقَّقَ عَجْزُهُ لِلْحَالِ فِي الْفَارِغِ فَيَحْنَثُ فِي الْحَالِ وَعِنْدَ الصَّبِّ فِي الْمَشْغُولِ فَيَحْنَثُ فِي ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَأَصْلُهُ أَنَّ مِنْ شَرْطِ انْعِقَادِ الْيَمِينِ وَبَقَائِهَا التَّصَوُّرَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّصَوُّرُ بَلْ مَحَلُّهَا عِنْدَهُ خَبَرٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ سَوَاءٌ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ أَلَا تَرَى أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى مَسِّ السَّمَاءِ وَتَحْوِيلِ الْحَجَرِ ذَهَبًا تَنْعَقِدُ لِأَنَّهُ عَقَدَهَا عَلَى خَبَرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَيْهِ وَعِنْدَهُمَا مَحَلُّهَا خَبَرٌ فِيهِ رَجَاءُ الصِّدْقِ لِأَنَّ مَحَلَّ الشَّيْءِ مَا يَكُونُ قَابِلًا لِحُكْمِهِ وَحُكْمُ الْيَمِينِ الْبِرُّ وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ رَجَاءُ الصِّدْقِ فَلَا يَنْعَقِدُ أَصْلًا كَيَمِينِ الْغَمُوسِ وَلَا يُقَالُ يُمْكِنُ أَنْ تَنْعَقِدَ الْيَمِينُ مُوجِبَةً لِلْبِرِّ عَلَى وَجْهٍ يَظْهَرُ فِي الْخَلْفِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّا نَقُولُ شَرْطُ انْعِقَادِ السَّبَبِ فِي حَقِّ الْخَلَفِ احْتِمَالُ الِانْعِقَادِ فِي حَقِّ الْأَصْلِ وَلَا احْتِمَالَ هُنَا لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْبِرِّ فَلَا يَنْعَقِدُ وَلَا يُقَالُ يُتَصَوَّرُ أَنْ يُوجِدَ اللَّهُ تَعَالَى الْمَاءَ فِي الْكُوزِ فَيَنْعَقِدُ كَمَا فِي الْيَمِينِ عَلَى تَحْوِيلِ الْحَجَرِ ذَهَبًا لِأَنَّا نَقُولُ الْمَاءُ الَّذِي يُوجِدُهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ غَيْرُ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ الْمَاءُ الْكَائِنُ فِيهِ وَقْتَ الْيَمِينِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَصَوَّرِ الْوُجُودِ لِتَحَقُّقِ عَدَمِهِ فِيهِ بِخِلَافِ تَحْوِيلِ الْحَجَرِ ذَهَبًا ثُمَّ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله فَرَّقَ بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ فِي حَقِّ الْحِنْثِ فَحِنْثُهُ فِي الْمُقَيَّدِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَفِي الْمُطْلَقِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَاءٌ فِي الْحَالِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ فَعِنْدَ الصَّبِّ وَهُمَا فَرَّقَا بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ فِيمَا إذَا كَانَ فِي الْكُوزِ مَاءٌ فَحَنَّثَاهُ عِنْدَ الصَّبِّ فِي الْمُطْلَقِ فِيهِ دُونَ الْمُقَيَّدِ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي أَثْنَاءِ الْبَحْثِ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْفُرُوقُ مِنْ الْمَعَانِي يَعْرِفُهُ مَنْ تَأَمَّلَ فِيهِ.

قَالَ رحمه الله (حَلَفَ لَيَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ أَوْ لَيَقْلِبَنَّ هَذَا الْحَجَرَ ذَهَبًا حَنِثَ لِلْحَالِ) وَقَالَ زَفَرُ رحمه الله لَا يَنْعَقِدُ يَمِينُهُ لِأَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ عَادَةً فَأَشْبَهَ الْمُسْتَحِيلَ حَقِيقَةً وَلَوْ كَانَتْ مُنْعَقِدَةً لَمَا حَنِثَ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ فِي الْمُتَصَوَّرِ لَا يَحْنَثُ إلَّا عِنْدَ تَحَقُّقِ الْيَأْسِ مِنْ فِعْلِهِ وَهُوَ فِي آخَرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ كَمَا إذَا حَلَفَ لِيَدْخُلَنَّ بَصْرَةَ وَنَحْوَهُ وَلَنَا أَنَّ الْبِرَّ مُتَصَوَّرٌ حَقِيقَةً لِأَنَّ الصُّعُودَ إلَى السَّمَاءِ مُمْكِنٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَصْعَدُونَهَا وَكَذَلِكَ الْجِنُّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْهُمْ {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ} [الجن: 8] الْآيَةَ. وَكَذَلِكَ انْقِلَابُ الْحَجَرِ ذَهَبًا مُمْكِنٌ بِتَحْوِيلِ اللَّهِ تَعَالَى فَتَنْعَقِدُ يَمِينُهُ مُوجِبَةً لِلْبِرِّ عَلَى وَجْهٍ تَخْلُفُهُ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ فَوَاتِهِ كَسَائِرِ الْمُتَصَوَّرَاتِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَشْرَبَ الْمَاءَ مِنْ الْكُوزِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فَبَطَلَتْ عِنْدَهُمَا) أَيْ لِانْعِقَادِهَا ثُمَّ طَرَأَ الْعَجْزُ عَنْ الْفِعْلِ قَبْلَ آخِرِ الْمُدَّةِ لِفَوَاتِ شَرْطِ بَقَائِهَا وَهُوَ تَصَوُّرُ الْبِرِّ حَالَ الْبَقَاءِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ. اهـ. فَتْحٌ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ سَوَاءٌ عَلِمَ وَقْتَ الْحَلِفِ أَنَّ فِيهِ مَاءً أَوْ لَمْ يَعْلَمْ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَحْنَثُ بِالصَّبِّ) أَيْ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّهُ فِي الْمُؤَقَّتِ) يَعْنِي بِوَجْهَيْهِ وَهُمَا إذَا كَانَ فِيهِ مَاءٌ فَصَبَّ أَوْ لَمْ يَكُنْ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ لِلتَّوْسِعَةِ) أَيْ عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى يَخْتَارَ الْفِعْلَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ فَمَا لَمْ يَمْضِ ذَلِكَ الْوَقْتُ لَا يَتَحَقَّقُ تَرْكُ الْفِعْلِ لِأَنَّ الْفِعْلَ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ فِي آخِرِ أَجْزَاءِ الْوَقْتِ الْمُقَدَّرِ فَإِذَا فَاتَ الْجُزْءُ الْآخَرُ فَلَمْ يَفْعَلْ يَحْنَثُ حِينَئِذٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَحْنَثُ فِيهَا إذَا مَضَى الْيَوْمُ اهـ

(قَوْلُهُ وَأَصْلُهُ) أَيْ أَصْلُ هَذَا الْخِلَافِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَبَقَائِهَا التَّصَوُّرُ) أَيْ تَصَوُّرُ الْبِرِّ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا يَنْعَقِدُ أَصْلًا كَيَمِينِ الْغَمُوسِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَهُمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْيَمِينِ الْبِرُّ فَإِذَا فَاتَ الْبِرُّ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ خَلَفًا عَنْهُ ثُمَّ إذَا لَمْ يَتَصَوَّرْ الْبِرَّ لَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ وَلَا حِنْثَ بِدُونِ انْعِقَادِ الْيَمِينِ فَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِلَا حِنْثٍ تَحْقِيقُهُ أَنَّ الْيَمِينَ لَا تُوجِبُ الْكَفَّارَةَ لِذَاتِهَا وَلِهَذَا لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي اللَّغْوِ وَالْيَمِينِ الْغَمُوسِ مَعَ أَنَّهُمَا يَمِينَانِ وَإِنَّمَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ فَكُلُّ يَمِينٍ اسْتَحَالَ فِيهَا الْبِرُّ اسْتَحَالَ فِيهَا الْحِنْثُ فَلَمَّا اسْتَحَالَ شُرْبُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي الْكُوزِ اسْتَحَالَ الْبِرُّ فَلَمَّا اسْتَحَالَ الْبِرُّ اسْتَحَالَ الْحِنْثُ لِأَنَّ التَّرْكَ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَصِحُّ وُجُودُهُ وَهُنَا يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ لَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ عِنْدَهُمَا سَوَاءٌ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَهِيَ مَا إذَا حَلَفَ لَيَقْتُلَنَّ فُلَانًا وَهُوَ مَيِّتٌ إنْ عَلِمَ بِمَوْتِهِ تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ لَا تَنْعَقِدُ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى الْحَيَاةِ الْقَائِمَةِ وَلَمْ تَنْعَقِدْ الْيَمِينُ لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ وَإِذَا كَانَ عَالِمًا بِمَوْتِهِ فَقَدْ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى تَفْوِيتِ حَيَاةٍ يُعِيدُهَا اللَّهُ تَعَالَى وَذَلِكَ مُتَصَوَّرٌ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ} [البقرة: 259] وَتَفْوِيتُ الْحَيَاةِ الْمُحْدَثَةِ يَكُونُ قَابِلًا لِذَلِكَ الشَّخْصِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَتَنْعَقِدُ الْيَمِينُ ثُمَّ يَحْنَثُ مِنْ سَاعَتِهِ لِوُقُوعِ الْعَجْزِ عَادَةً. اهـ.

(قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ انْقِلَابُ الْحَجَرِ ذَهَبًا مُمْكِنٌ بِتَحْوِيلِ اللَّهِ تَعَالَى) أَيْ بِخَلْعِهِ صِفَةَ الْحَجَرِيَّةِ وَإِلْبَاسِهِ صِفَةَ الذَّهَبِيَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْجَوَاهِرَ كُلَّهَا مُتَجَانِسَةٌ مُسْتَوِيَةٌ فِي قَبُولِ الصِّفَاتِ أَوْ بِإِعْدَامِ الْأَجْزَاءِ الْحَجَرِيَّةِ وَإِبْدَالِهَا بِأَجْزَاءٍ ذَهَبِيَّةٍ وَالتَّحْوِيلُ فِي الْأَوَّلِ أَظْهَرُ وَهُوَ مُمْكِنٌ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ مِنْ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ فَكَانَ الْبِرُّ مُتَصَوَّرًا فَتَنْعَقِدُ الْيَمِينُ مُوجِبَةً لِحَلِفِهِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ لِلْجُزْءِ الثَّابِتِ عَادَةً فَلَا يُرْجَى زَوَالُهُ وَصَارَ كَمَا إذَا مَاتَ الْحَالِفُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ فِي آخَرِ جُزْءٍ كَمَا قُلْنَا مَعَ احْتِمَالِ إعَادَةِ الْحَيَاةِ فِيهِ فَيَثْبُتُ مَعَهُ احْتِمَالُ أَنْ يَفْعَلَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَلَكِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ الِاحْتِمَالُ بِخِلَافِ الْعَادَةِ فَحَكَمَ بِالْحِنْثِ إجْمَاعًا. اهـ. فَتْحٌ وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ لَيَأْتِيَنَّ الْبَصْرَةَ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا يَنْتَظِرُ آخِرَ الْحَيَاةِ فِيمَا يُرْجَى وُجُودُهُ غَالِبًا لِتَحَقُّقِ مُزَاحَمَتِهِ لِزَمَانِ الْحَالِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْبَصْرَةِ

أَمَّا فِيمَا لَا يُرْجَى وُجُودُهُ غَالِبًا كَمَا فِي مَسْأَلَتِنَا فَلَا لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ فِي الْحَالِ وَعَدَمِ مُزَاحَمَةِ الْمَآلِ اهـ (قَوْلُهُ فَتَنْعَقِدُ يَمِينُهُ مُوجِبَةً لِلْبِرِّ) أَيْ لِأَنَّ إيجَابَ الْعَبْدَ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي

ص: 135

الْفَارِغِ فَلَا يَنْعَقِدُ لِعَدَمِ التَّصَوُّرِ وَإِنَّمَا يَحْنَثُ فِي الْحَالِ اعْتِبَارًا لِلْعَجْزِ الثَّابِتِ عَادَةً وَهُوَ يَصْلُحُ لِمَنْعِ تَأَخُّرِ الْحِنْثِ دُونَ مَنْعِ الِانْعِقَادِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَالِفَ إذَا مَاتَ يَحْنَثُ وَإِنْ تَصَوَّرَ أَنْ يَفْعَلَ بَعْدَهُ بِإِحْيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِأَنَّ الْيَمِينَ يُعْقَدُ لِلْفَائِدَةِ وَقَدْ وُجِدَتْ وَهِيَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ بَدَلًا عَنْ الْبِرِّ وَالْحُكْمُ بِبَقَاءِ الْيَمِينِ كَانَ لِاحْتِمَالِ الْبِرِّ وَقَدْ تَحَقَّقَ الْعَجْزُ عَنْهُ فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّأْخِيرِ هَذَا إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ مُطْلَقَةً وَإِنْ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَمْضِيَ ذَلِكَ الْوَقْتُ وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله يَحْنَثُ لِلْحَالِ لِثُبُوتِ الْعَجْزِ كَمَا فِي الْمُطْلَقِ وَهَذَا الْقَوْلُ لَا يَسْتَقِيمُ مِنْهُ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا آنِفًا فَكَيْفَ يَحْنَثُ إلَّا إذَا حُمِلَ عَلَى أَنَّ لَهُ رِوَايَةً أُخْرَى وَلَنَا أَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ الْبِرَّ لِلْحَالِ فَلَا يَحْنَثُ بِتَرْكِهِ لِلْحَالِ وَلَوْ قَالَ إنْ تَرَكْتَ مَسَّ السَّمَاءِ فَعَبْدِي حُرٌّ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ التَّرْكَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ عَادَةً

قَالَ رحمه الله (لَا يُكَلِّمُهُ فَنَادَاهُ وَهُوَ نَائِمٌ فَأَيْقَظَهُ أَوْ إلَّا بِإِذْنِهِ فَأَذِنَ لَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ فَكَلَّمَهُ حَنِثَ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا فَنَادَاهُ وَهُوَ نَائِمٌ فَنَبَّهَهُ أَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَأَذِنَ لَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ الْحَالِفَ بِالْإِذْنِ حَنِثَ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ كَلَّمَهُ وَأَسْمَعَهُ فَيَحْنَثُ وَلَوْ لَمْ يُوقِظْهُ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَسْمَعْ لَوْ لَمْ يَكُنْ نَائِمًا يَحْنَثُ يَعْنِي بِحَيْثُ يَسْمَعُ لَوْ أَصْغَى أُذُنَهُ لِأَنَّهُ قَدْ كَلَّمَهُ وَوَصَلَ إلَى سَمْعِهِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُفْهَمْ لِنَوْمِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا نَادَاهُ وَهُوَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ لِغَفْلَتِهِ وَلِأَنَّ اسْتِمَاعَ الْغَيْرِ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فَأُقِيمَ السَّبَبُ الْمُؤَدِّي إلَيْهِ مُقَامَهُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ لَوْ أَصْغَى أُذُنَهُ وَلَمْ يَكُنْ بِهِ مَانِعٌ مِنْ السَّمَاعِ

وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُنَبَّهْ كَانَ كَمَا إذَا نَادَاهُ مِنْ بَعِيدٍ وَهُوَ بَحِيثُ لَا يُسْمَعُ صَوْتُهُ وَقِيلَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله يَحْنَثُ خِلَافًا لَهُمَا وَالْمَسْأَلَةُ مَعْرُوفَةٌ فَإِنَّ النَّائِمَ عِنْدَهُ كَالْمُسْتَيْقِظِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا قَالَ لَا أُكَلِّمُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَلِأَنَّ الْإِذْنَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْأَذَانِ الَّذِي هُوَ الْإِعْلَامُ أَوْ مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْإِذْنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 3] أَيْ إعْلَامٌ وَقِيلَ سُمِّيَ الْكَلَامُ إذْنًا لِأَنَّهُ يَقَعُ فِي الْإِذْنِ الَّذِي هُوَ طَرِيقُ الْعِلْمِ بِالْمَسْمُوعَاتِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْإِذْنَ هُوَ الْإِطْلَاقُ وَأَنَّهُ يَتِمُّ بِالْإِذْنِ كَالرِّضَا قُلْنَا الرِّضَا مِنْ أَعْمَالِ الْقَلْبِ فَيَتِمُّ بِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْإِذْنُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا كَلَّمَهُ بِكَلَامٍ يَسْمَعُهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَهُوَ مُسْتَأْنَفٌ بَعْدَ الْيَمِينِ مُنْقَطِعٌ عَنْ الْيَمِينِ فَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا بِهَا لَمْ يَحْنَثْ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ إنْ كَلَّمْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَاذْهَبِي أَوْ قُومِي لِأَنَّ هَذَا مِنْ تَمَامِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ فَلَا يَكُونُ مُرَادًا بِالْيَمِينِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهَذَا كَلَامًا مُسْتَأْنَفًا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى جَمَاعَةٍ هُوَ فِيهِمْ حَنِثَ لِأَنَّهُ لِلْجَمِيعِ وَإِنْ نَوَاهُمْ دُونَهُ دِينَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً

وَلَوْ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ إلَّا وَاحِدًا لَا يَحْنَثُ وَلَوْ دَخَلَ دَارًا لَيْسَ فِيهَا غَيْرُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَقَالَ مَنْ وَضَعَ هَذَا أَوْ مِنْ أَيْنَ هَذَا حَنِثَ لِأَنَّهُ كَلَامٌ لَهُ بِطَرِيقِ الِاسْتِفْهَامِ وَلَوْ قَالَ لَيْتَ شِعْرِي مِنْ أَيْنَ هَذَا أَوْ مَنْ وَضَعَ هَذَا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ مُخَاطِبٌ لِنَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ فِي الدَّارِ أَحَدٌ لَا يَحْنَثُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَلَوْ كَلَّمَ غَيْرَهُ وَقَصَدَ أَنْ يُسْمِعَهُ لَا يَحْنَثُ وَلَوْ أَشَارَ إلَيْهِ أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْكَلَامَ حُرُوفٌ مَنْظُومَةٌ وَلَوْ كَانَ الْحَالِفُ إمَامًا لَا يَحْنَثُ بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ لِأَنَّهُ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَلَيْسَ بِكَلَامٍ عُرْفًا وَلَوْ كَانَ الْمُؤْتَمُّ هُوَ الْحَالِفَ فَكَذَلِكَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَخْرُجُ بِسَلَامِ الْإِمَامِ عِنْدَهُ وَلَوْ سَبَّحَ أَوْ فَتَحَ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ لَا يَحْنَثُ وَخَارِجَهَا يَحْنَثُ وَلَوْ قُرِعَ عَلَيْهِ الْبَابُ فَقَالَ مَنْ هَذَا يَحْنَثُ وَلَوْ نَادَاهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَقَالَ لَبَّيْكَ أَوْ لَبَّى يَحْنَثُ وَلَوْ كَلَّمَهُ بِكَلَامٍ لَا يَفْهَمُهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ وَلَوْ قَالَ الْحَالِفُ افْعَلْ يَا حَائِطُ كَذَا وَكَذَا وَقَصَدَ إسْمَاعَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

إيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى يُعْتَمَدُ التَّصَوُّرُ دُونَ الْقُدْرَةِ فِيمَا لَهُ خَلَفٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّوْمَ وَاجِبٌ عَلَى الشَّيْخِ الْفَانِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قُدْرَةٌ لِمَكَانِ التَّصَوُّرِ وَالْخَلَفِ وَهُوَ الْفِدْيَةُ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ هُنَا عَقِيبَ وُجُوبِ الْبِرِّ بِحِنْثِهِ بِوَاسِطَةِ عَجْزِهِ الثَّابِتِ عَادَةً كَمَا وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ هُنَاكَ عَقِيبَ وُجُوبِ الصَّوْمِ ذَكَرَهُ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا يَنْعَقِدُ لِعَدَمِ التَّصَوُّرِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا وَجَبَ الْحِنْثُ فِي الْحَالِ لِأَنَّ الْبِرَّ لَيْسَ لَهُ زَمَانٌ يُنْتَظَرُ اهـ فَمَحَطُّ الْخِلَافِ أَنَّهُ أَلْحَقَ الْمُسْتَحِيلَ عَادَةً بِالْمُسْتَحِيلِ حَقِيقَةً وَنَحْنُ نَمْنَعُهُ وَكُلُّ مَا وَقَعَ هُنَا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنْ لَفْظِ مُتَصَوَّرٌ فَمَعْنَاهُ مُمْكِنٌ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ مُتَعَقِّلًا مُفْهِمًا اهـ فَتْحٌ

(قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَمْضِيَ ذَلِكَ الْوَقْتُ) حَتَّى لَوْ مَاتَ قَبْلَهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إذْ لَا حِنْثَ. اهـ. كَمَالٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَكَلَّمَهُ) ثَابِتٌ فِي الْمَتْنِ سَاقِطٌ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ رحمه الله (قَوْلُهُ فَإِنَّ النَّائِمَ عِنْدَهُ كَالْمُسْتَيْقِظِ) قَالَ الْكَمَالُ وَالْمُرَادُ بِمَا نُسِبَ إلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ مِنْ أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ إذَا مَرَّ عَلَى مَاءٍ وَهُوَ نَائِمٌ وَلَا عِلْمَ لَهُ بِهِ يُنْتَقَضُ تَيَمُّمُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ هُنَاكَ مَا فِيهَا مِنْ الِاسْتِبْعَادِ لِلْمَشَايِخِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْتَيْقِظًا حَقِيقَةً وَإِلَى جَانِبِهِ حَفِيرَةِ مَاءٍ لَمْ يَعْلَمُ بِهَا لَا يُنْتَقَضُ تَيَمُّمُهُ فَكَيْفَ بِالنَّائِمِ حَتَّى حَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى النَّاسِي وَأُضِيفَ إلَى هَذِهِ مَسَائِلُ تَزِيدُ عَلَى عِشْرِينَ جُعِلَ فِيهَا النَّائِمُ كَالْمُسْتَيْقِظِ اهـ

(قَوْلُهُ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا قَالَ لَا أُكَلِّمُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَأَذِنَ لَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْإِذْنِ حَتَّى كَلَّمَهُ حَنِثَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِهِمْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّ الْإِذْنَ يَتِمُّ بِالْحَالِفِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى عِلْمِ غَيْرِهِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَّا بِرِضَاهُ فَرَضِيَ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَكَلَّمَهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الرِّضَا يَتِمُّ بِالتَّرَاضِي وَلَا حَاجَةَ إلَى عِلْمِ الْغَيْرِ فَكَذَا هُنَا. اهـ. (قَوْلُهُ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ إنْ كَلَّمْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَاذْهَبِي) قَالَ الْكَمَالُ وَفِي الْمُنْتَقَى لَوْ قَالَ فَاذْهَبِي أَوْ وَاذْهَبِي لَا تَطْلُقُ وَلَوْ اذْهَبِي طَلُقَتْ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ عَنْ الْيَمِينِ

وَأَمَّا مَا فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ لَا أُكَلِّمُك الْيَوْمَ أَوْ غَدًا حَنِثَ لِأَنَّهُ كَلَّمَهُ بِقَوْلِهِ أَوْ غَدًا فَلَا شَكَّ فِي عَدَمِ صِحَّتِهِ لِأَنَّهُ كَلَامٌ وَاحِدٌ فَإِنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ لَا يُقَالُ إلَّا كَذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ قَوْمِي) أَيْ أَوْ شَتَمَهَا أَوْ زَجَرَهَا مُتَّصِلًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَاهُمْ دُونَهُ دِينَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً) وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ قَضَاءً أَيْضًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ لَبَّيْ) أَيْ قَالَ لَبَّيْ بِلَا كَافٍ. اهـ.

ص: 136

لَا يَحْنَثُ

وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ إنْ ابْتَدَأْتُك بِالْكَلَامِ فَعَبْدِي حُرٌّ فَالْتَقَيَا فَسَلَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ كَلَامٌ بِصِفَةِ الْبُدَاءَةِ وَهُوَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَسَقَطَ الْيَمِينُ عَنْ الْحَالِفِ فَلَا يُتَصَوَّرُ حِنْثُهُ فِي تِلْكَ الْيَمِينِ أَبَدًا لِأَنَّ كُلَّ كَلَامٍ يُوجَدُ مِنْ الْحَالِفِ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُون بَعْدَ وُجُودِ الْكَلَامِ مِنْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَلَا يَحْنَثُ لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهُ كَلَامٌ وَعَنْ هَذَا لَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَالِفًا أَنْ لَا يُكَلِّمَ صَاحِبَهُ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَا يَحْنَثُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَبَدًا لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ ابْتَدَأْتُك بِالْكَلَامِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ هِيَ إنْ ابْتَدَأْتُك بِالْكَلَامِ فَعَبْدِي حُرٌّ ثُمَّ إنَّ الزَّوْجَ كَلَّمَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهَا سَبَقَتْهُ بِالْكَلَامِ حِينَ حَلَفَتْ وَلَا يُتَصَوَّرُ حِنْثُهَا بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ حِينَ كَلَّمَهَا بَعْدَ يَمِينِهَا فَقَدْ سَبَقَهَا بِالْكَلَامِ فَكُلُّ كَلَامٍ يُوجَدُ مِنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ بَعْدَ كَلَامِهِ لَهَا فَفَاتَ شَرْطُ الْحِنْثِ

قَالَ رحمه الله (لَا يُكَلِّمُهُ شَهْرًا فَهُوَ مِنْ حِينِ حَلَفَ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا شَهْرًا فَابْتِدَاءُ مُدَّةِ الْيَمِينِ مِنْ حِينَ حَلَفَ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الشَّهْرَ تَتَأَبَّدُ الْيَمِينُ فَصَارَ ذِكْرُ الشَّهْرِ لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهُ لَا لِإِثْبَاتِ الْمَذْكُورِ وَمَدِّهِ إلَيْهِ وَلِأَنَّ الْحَامِلَ عَلَى الْيَمِينِ غَيْظٌ لِحَقِّهِ مِنْهُ فِي الْحَالِ فَيَمْنَعُ نَفْسَهُ عَنْ التَّكَلُّمِ فِي الْحَالِ فَيَكُونُ ابْتِدَاؤُهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ عَمَلًا بِدَلَالَةِ حَالِهِ وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ تَرَكْت كَلَامَهُ شَهْرًا أَوْ إنْ تَرَكْت الصَّوْمَ شَهْرًا أَوْ إنْ لَمْ أَسَاكِنه شَهْرًا يَتَنَاوَلُ شَهْرًا مِنْ حِينَ حَلَفَ لِأَنَّ تَرْكَ الصَّوْمِ مُطْلَقًا أَوْ تَرْكَ الْكَلَامِ أَوْ تَرْكَ الْمُسَاكَنَةِ مُطْلَقًا يَتَنَاوَلُ الْأَبَدَ فَصَارَ ذِكْرُ الْوَقْتِ لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهُ وَكَذَا الْإِجَارَةُ وَالْآجَالُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَأَصُومَنَّ أَوْ لَأَعْتَكِفَنَّ شَهْرًا لِأَنَّ مُطْلَقَ الصَّوْمِ أَوْ الِاعْتِكَافِ الْمُطْلَقِ لَا يَتَأَبَّدُ بَلْ يَتَنَاوَلُ الْأَدْنَى فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فَيَكُونُ ذِكْرُ الْوَقْتِ لِلْمَدِّ إلَيْهِ لَا لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهُ.

قَالَ رحمه الله (لَا يَتَكَلَّمُ فَقَرَأَ الْقُرْآنَ أَوْ سَبَّحَ لَمْ يَحْنَثْ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ فَقَرَأَ الْقُرْآنَ أَوْ سَبَّحَ لَمْ يَحْنَثْ وَعَلَى هَذَا التَّهْلِيلُ وَالتَّكْبِيرُ وَإِطْلَاقُهُ يَتَنَاوَلُ الْقِرَاءَةَ وَالتَّسْبِيحَ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجَهَا وَهُوَ اخْتِيَارُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفِ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُتَكَلِّمًا عَادَةً وَشَرْعًا قَالَ عليه الصلاة والسلام «إنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ عَنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ وَإِنَّ مِمَّا أَحْدَثَ أَنْ لَا يُتَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ» وَلَمْ يَفْهَمْ مِنْهُ أَحَدٌ تَرْكَ الْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ وَإِنَّمَا هِيَ التَّهْلِيلُ وَالتَّسْبِيحُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» وَلِأَنَّ الْكَلَامَ مُفْسِدٌ وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ لَأَفْسَدَتْ وَقَالَ تَعَالَى {حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة: 6] فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِكَلَامِ النَّاسِ وَاخْتَارَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ إذَا قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَحْنَثُ وَخَارِجَهَا يَحْنَثَ لِأَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ لَا يُسَمَّى مُتَكَلِّمًا عَادَةً وَكَذَا شَرْعًا لِمَا رَوَيْنَا وَاخْتَارَ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْيَمِينُ بِالْعَرَبِيَّةِ فَكَمَا قَالَهُ الْقُدُورِيُّ وَإِنْ كَانَتْ بِالْفَارِسِيَّةِ فَكَمَا اخْتَارَهُ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجَهَا لِوُجُودِ التَّكَلُّمِ حَقِيقَةً وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا بَيَّنَّا

قَالَ رحمه الله (يَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا فَعَلَى الْجَدِيدَيْنِ) أَيْ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَعْنَاهُ لَوْ قَالَ يَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَهُوَ عَلَى اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لِأَنَّ اسْمَ الْيَوْمِ إذَا قُرِنَ بِفِعْلٍ لَا يَمْتَدُّ يُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: 16] وَالْكَلَامُ لَا يَمْتَدُّ وَكَذَا الطَّلَاقُ بِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ قَالَ رحمه الله (فَإِنْ نَوَى النَّهَارَ خَاصَّةً صُدِّقَ) أَيْ دِيَانَةً وَقَضَاءً لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِيهِ أَيْضًا فَيُصَدَّقُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمُتَعَارَفِ وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي صِحَّةِ نِيَّةِ الْحَقِيقَةِ إذَا كَانَتْ الْحَقِيقَةُ خِلَافَ الْمُتَعَارَفِ فِي قَوْلِهِ لَيَأْتِيَنَّهُ إنْ اسْتَطَاعَ قَالَ رحمه الله (وَلَيْلَةَ أُكَلِّمُهُ عَلَى اللَّيْلِ) أَيْ لَوْ قَالَ لَيْلَةَ أُكَلِّمُ فُلَانًا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَهُوَ عَلَى اللَّيْلِ خَاصَّةً لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ خَاصَّةً كَالنَّهَارِ لِلْبَيَاضِ خَاصَّةً وَلَمْ يَجِئْ اسْتِعْمَالُهُ فِي مُطْلَقِ الْوَقْتِ بِخِلَافِ الْيَوْمِ وَهُمَا ضِدَّانِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً} [الفرقان: 62] فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لَمْ يَجِئْ اسْتِعْمَالُ اللَّيْلِ لِمُطْلَقِ الْوَقْتِ وَقَدْ أَطْلَقَتْهُ الْعَرَبُ عَلَى اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ حَتَّى قَالَ الشَّاعِرُ

وَكُنَّا حَسِبْنَا كُلَّ سَوْدَاءَ تَمْرَةً

لَيَالِيَ لَاقَيْنَا الْحَزِيمَ وَحِمْيَرَا

قُلْنَا هَذَا الْقَائِلُ ذَكَرَ اللَّيَالِيَ بِعِبَارَةِ الْجَمْعِ وَذِكْرُ عَدَدِ أَحَدِهِمَا بِعِبَارَةِ الْجَمْعِ يُدْخِلُ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الْعَدَدِ الْآخَرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ الِاعْتِكَافِ وَكَلَامُنَا هُنَا فِي الْمُفْرَدِ فَلَا يَلْزَمُنَا

قَالَ رحمه الله (إنْ كَلَّمْتُهُ إلَّا أَنْ يَقْدَمَ زَيْدٌ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الشَّهْرَ يَتَأَبَّدُ الْيَمِينُ) أَيْ لِأَنَّ النَّكِرَةَ إذَا وَقَعَتْ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ عَمَّتْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَأَصُومَنَّ أَوْ لَأَعْتَكِفَنَّ) اُنْظُرْ مَا كَتَبْته مِنْ كَلَامِ الْكَمَالِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي الزَّمَانُ وَالْحِينُ وَمُنَكَّرُهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ

(قَوْلُهُ لِوُجُودِ التَّكَلُّمِ حَقِيقَةً) أَيْ لِأَنَّ الْكَلَامَ اسْمٌ لِحُرُوفٍ مَنْظُومَةٍ تَحْتَهَا مَعَانٍ مَفْهُومَةٌ فَيَكُونُ قَارِئُ الْقُرْآنِ مُتَكَلِّمًا لَا مَحَالَةَ فَيَحْنَثُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ الْحَزِيمُ) هَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَذِكْرُ عَدَدِ أَحَدِهِمَا) كَذَا هُوَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَصَوَابُهُ وَذِكْرُ الْعَدَدَيْنِ اهـ وَهَكَذَا عَبَّرَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. اهـ.

ص: 137

أَوْ حَتَّى أَوْ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ أَوْ حَتَّى فَكَذَا فَكَلَّمَ قَبْلَ قُدُومِهِ أَوَإِذْنِهِ حَنِثَ وَبَعْدَهُمَا لَا) أَيْ لَوْ قَالَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا إلَّا أَنْ يَقْدَمَ فُلَانٌ أَوْ حَتَّى يَقْدَمَ فُلَانٌ أَوْ قَالَ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لِي فُلَانٌ أَوْ حَتَّى يَأْذَنَ لِي فُلَانٌ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَكَلَّمَهُ قَبْلَ قُدُومِهِ أَوْ إذْنِهِ طَلُقَتْ وَلَوْ كَلَّمَهُ بَعْدَ الْقُدُومِ وَالْإِذْنِ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ الْقُدُومَ وَالْإِذْنَ صَارَ غَايَةً لِلْيَمِينِ فَيَبْقَى الْيَمِينُ قَبْلَ وُجُودِ الْغَايَةِ فَيَحْنَثُ بِوُجُودِ الشَّرْطِ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ وَلَا يَحْنَثُ بَعْدَهَا لِانْتِهَاءِ الْيَمِينِ وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُمَا غَايَتَانِ لِدُخُولِ حَرْفِ الْغَايَةِ فِيهِمَا وَهِيَ كَلِمَةُ حَتَّى وَإِلَّا أَنْ، أَمَّا حَتَّى فَظَاهِرٌ فَإِنَّهَا لِلْغَايَةِ وَأَمَّا إلَّا أَنْ فَالْأَصْلُ فِيهَا أَنَّهَا لِلِاسْتِثْنَاءِ وَتُسْتَعَارُ لِلشَّرْطِ وَالْغَايَةِ إذَا تَعَذَّرَ الِاسْتِثْنَاءُ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمَا وَهُوَ أَنَّ حُكْمَ مَا قَبْلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ وَالشَّرْطِ وَالْغَايَةِ يُخَالِفُ مَا بَعْدَهُ ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهَا إذَا تَعَذَّرَ الِاسْتِثْنَاءُ أَنَّهَا مَتَى دَخَلَتْ عَلَى مَا لَا يَتَوَقَّفُ تَكُونُ لِلشَّرْطِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَقْدَمَ فُلَانٌ إنْ قَدِمَ لَا تَطْلُقُ وَإِنْ لَمْ يَقْدَمْ حَتَّى مَاتَ طَلُقَتْ فَحُمِلَتْ عَلَى الشَّرْطِ أَنَّهُ قَالَ إنْ لَمْ يَقْدَمْ فُلَانٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُتَعَذِّرٌ لِعَدَمِ الْمُجَانَسَةِ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْقُدُومِ وَكَانَ حَمْلُهَا عَلَى الشَّرْطِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهَا عَلَى الْغَايَةِ فِيهِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْقِيتَ لِأَنَّهُ مَتَى وَقَعَ فِي وَقْتٍ وَقَعَ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ لِلشَّرْطِ فَيَكُونُ مُعَلَّقًا بِعَدَمِ الْقُدُومِ لَا بِوُجُودِهِ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْقُدُومَ رَافِعًا لِلطَّلَاقِ فَيَكُونُ عَلَمًا عَلَى عَدَمِ الطَّلَاقِ وَعَدَمُ الْقُدُومِ عَلَى وُجُودِ الطَّلَاقِ

وَإِذَا دَخَلَتْ عَلَى مَا يَتَوَقَّفُ تَكُونُ لِلْغَايَةِ كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُتَعَذِّرٌ لِعَدَمِ الْمُجَانَسَةِ بَيْنَ الْإِذْنِ وَالْكَلَامِ فَحُمِلَتْ عَلَى الْغَايَةِ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى الْيَمِينِ وَهِيَ تَقْبَلُ الْغَايَةَ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَى رَجَبٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَكَانَ حَمْلُهُ عَلَى الْغَايَةِ فِيهِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الشَّرْطِ لِأَنَّ مُنَاسَبَةَ الِاسْتِثْنَاءِ لِلْغَايَةِ أَقْوَى مِنْ مُنَاسَبَتِهِ لِلشَّرْطِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحُكْمَ مَوْجُودٌ فِيهِمَا فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الشَّرْطِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ إذَا كَلَّمَهُ قَبْلَ الْقُدُومِ أَوْ الْإِذْنِ حَنِثَ لِأَنَّ الْيَمِينَ بَاقِيَةٌ قَبْلَ وُجُودِ الْغَايَةِ وَإِنْ كَلَّمَهُ بَعْدَ الْقُدُومِ أَوْ الْإِذْنِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْيَمِينَ انْتَهَتْ بِوُجُودِ الْغَايَةِ قَالَ رحمه الله (وَإِنْ مَاتَ زَيْدٌ سَقَطَ الْحَلِفُ) أَيْ لَوْ مَاتَ زَيْدٌ قَبْلَ أَنْ يَأْذَنَ أَوْ يَقْدَمَ سَقَطَتْ الْيَمِين لِأَنَّ حُكْمَ هَذَا الْيَمِينِ حُرْمَةُ الْكَلَامِ فِي مُدَّةٍ تَنْتَهِي بِالْقُدُومِ وَالْإِذْنِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ لَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فَبَطَلَتْ وَلَا يُعْتَبَرُ تَصَوُّرُهُ بِإِعَادَةِ الْحَيَاةِ فِيهِ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ الْإِذْنُ أَوْ الْقُدُومُ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَقْتُلَنَّ فُلَانًا فَمَاتَ فُلَانٌ يَحْنَثُ فِي الْحَالِ لِلْيَأْسِ مِنْ الْقَتْلِ وَلَا يُعْتَبَرُ تَصَوُّرُ الْقَتْلِ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ بِإِعَادَةِ الْحَيَاةِ فِيهِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله لَا تَبْطُلُ الْيَمِينُ لِأَنَّ التَّصَوُّرَ ابْتِدَاءٌ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ فَكَذَا بَقَاءٌ فَيَتَأَبَّدُ الْيَمِينُ لِسُقُوطِ الْغَايَةِ.

قَالَ رحمه الله (لَا يَأْكُلُ طَعَامَ فُلَانٍ أَوْ لَا يَدْخُلُ دَارِهِ أَوْ لَا يَلْبَسُ ثَوْبَهُ أَوْ لَا يَرْكَبُ دَابَّتَهُ أَوْ لَا يُكَلِّمُ عَبْدَهُ إنْ أَشَارَ وَزَالَ مِلْكُهُ وَفَعَلَ لَا يَحْنَثُ كَالْمُتَجَدِّدِ وَإِنْ لَمْ يُشِرْ لَا يَحْنَثُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَحَنِثَ بِالْمُتَجَدِّدِ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامَ فُلَانٍ إلَخْ إنْ أَشَارَ إلَى الطَّعَامِ وَنَحْوِهِ بِأَنْ قَالَ طَعَامُ زَيْدٍ هَذَا أَيْ هَذَا الطَّعَامُ وَزَالَ مِلْكُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ثُمَّ أَكَلَهُ الْحَالِفُ لَا يَحْنَثُ كَمَا لَا يَحْنَثُ فِي أَكْلِ طَعَامِهِ الْمُتَجَدِّدِ بِأَنْ مَلَكَهُ بَعْدَ الْيَمِينِ وَإِنْ لَمْ يُشِرْ إلَيْهِ بَلْ أَطْلَقَهُ بِأَنْ قَالَ لَا آكُلُ طَعَامَ زَيْدٍ فَزَالَ مَا كَانَ يَمْلِكُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عَنْ مِلْكِهِ فَأَكَلَهُ لَا يَحْنَثُ أَيْضًا وَلَوْ تَجَدَّدَ لَهُ مِلْكٌ غَيْرُ ذَلِكَ فَأَكَلَهُ يَحْنَثُ هُنَا فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ أَشَارَ إلَيْهِ مَعَ الْإِضَافَةِ فَخَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ لَمْ يَحْنَثْ بِالْفِعْلِ وَإِنْ تَجَدَّدَ لَهُ مِلْكٌ لَمْ يَحْنَثْ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُشَارًا إلَيْهِ يَحْنَثُ فِي مِلْكِهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مَوْجُودًا فِي مِلْكِهِ عِنْدَ الْيَمِينِ أَوْ حَدَثَ بَعْدَهُ أَمَّا إذَا لَمْ يُشِرْ إلَيْهِ فَلِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى فِعْلٍ وَاقِعٍ فِي مَحَلٍّ مُضَافٍ إلَى فُلَانٍ فَيَحْنَثُ مَا دَامَتْ الْإِضَافَةُ بَاقِيَةً وَإِنْ كَانَتْ مُتَجَدِّدَةً بَعْدَ الْيَمِينِ وَلَا يَحْنَثُ بَعْدَ زَوَالِهَا لِعَدَمِ شَرْطِ الْحِنْثِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي الْمِلْكِ الْمُتَجَدِّدِ لَهُ فِي الدَّارِ وَحْدَهَا لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَتَجَدَّدُ فِيهَا عَادَةً فَهِيَ أَوَّلُ مَا يُشْتَرَى وَآخِرُ مَا يُبَاعُ فَتَقَيَّدَتْ الْيَمِينُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ أَمَّا حَتَّى فَظَاهِرٌ فَإِنَّهَا لِلْغَايَةِ) أَيْ لِأَنَّهَا حَرْفٌ خَافِضَةٌ مَوْضُوعَةٌ لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ كَإِلَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَأَمَّا إلَّا أَنْ) أَيْ فَلَأَنْ يَنْتَهِيَ مَنْعُ الْكَلَامِ فَشَابَهَتْ الْغَايَةَ إذَا كَانَتْ غَايَةً لِمَنْعِهِ فَأُطْلِقَ عَلَيْهَا اسْمُهَا وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى {لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} [التوبة: 110] أَيْ إلَى مَوْتِهِمْ. اهـ. كَمَالٌ

(قَوْلُهُ وَبَعْدَ الْمَوْتِ لَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فَبَطَلَتْ) أَيْ لِأَنَّ شَرْطَ بَقَاءِ الْيَمِينِ تَصَوُّرُ الْبِرِّ عِنْدَهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ الْقُدُومُ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ) أَيْ الْقَائِمَةِ لَا فِي حَيَاتِهِ الْمُعَادَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ فَإِنْ قِيلَ لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ تَصَوُّرِ الْبِرِّ بِمَوْتِهِ لِأَنَّهُ سبحانه وتعالى قَادِرٌ عَلَى إعَادَةِ فُلَانٍ فَيُمْكِنُ أَنْ يَقْدَمَ وَيَأْذَنَ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْحَيَاةَ الْمُعَادَةَ غَيْرُ الْحَيَاةِ الْمَحْلُوفِ عَلَى إذْنِهِ فِيهَا وَقُدُومُهُ وَهِيَ الْحَيَاةُ الْقَائِمَةُ حَالَةَ الْحَلِفِ لِأَنَّ تِلْكَ عَرَضٌ تَلَاشَى فَلَا تُمْكِنُ إعَادَتُهَا بِعَيْنِهَا وَإِنْ أُعِيدَتْ الرُّوحُ فَإِنَّ الْحَيَاةَ غَيْرُ الرُّوحِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ لَازِمٌ لِلرُّوحِ فِيمَا لَهُ رُوحٌ. اهـ. (قَوْلُهُ يَحْنَثُ فِي الْحَالِ) قَالَ ابْنُ فِرِشْتَا فِي الْكَلَامِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْكُوزِ وَلَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ مُطْلَقَةً يَحْنَثُ فِي الْحَالِ حِينَ هَلَكَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا اهـ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تَبْطُلُ الْيَمِينُ) أَيْ فَتَبْقَى الْيَمِينُ مُؤَبَّدَةً بَعْدَ سُقُوطِ الْغَايَةِ حَتَّى إذَا كَلَّمَ فُلَانًا الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ يَحْنَثُ اهـ أَتْقَانِيٌّ رحمه الله قَوْلُهُ يَحْنَثُ أَيْ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَلَّمَهُ فِيهِ. اهـ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ أَكَلَهُ الْحَالِفُ لَا يَحْنَثُ) أَيْ وَفِي الْمُشَارِ إلَيْهِ لَوْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ ثُمَّ عَادَ فَأَكَلَهُ يَجِبُ أَنْ لَا يَحْنَثَ يَتَّضِحُ بِهَذَا قَوْلُ الشَّارِحِ فِي أَثْنَاءِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ مَا دَامَ مِلْكًا لِفُلَانٍ فَإِنَّ الدَّيْمُومَةَ قَدْ انْقَطَعَتْ بِالْخُرُوجِ عَنْ مِلْكِهِ هَذَا مَا ظَهَرَ حَالَ الْمُطَالَعَةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ مُتَجَدِّدَةً بَعْدَ الْيَمِينِ) وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ لَا يَحْنَثُ فِي الْمُشَارِ وَلَا فِي غَيْرِ الْمُشَارِ وَفِي الْمُتَجَدِّدِ لَا يَحْنَثُ فِي الْمُشَارِ أَيْضًا وَيَحْنَثُ فِي غَيْرِهِ اهـ

ص: 138

الْمُضَافَةُ إلَى الدَّارِ بِالْقَائِمَةِ مِنْهَا فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْيَمِينِ وَعَنْهُ فِي رِوَايَةٍ تَتَقَيَّدُ الْيَمِينُ فِي الْجَمِيعِ بِالْقَائِمِ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْحَلِفِ وَهُمَا يَقُولَانِ إنَّ اللَّفْظَ مُطْلَقٌ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ وَالْعُرْفُ مُشْتَرَكٌ فَلَا يَصْلُحُ مُقَيِّدًا

وَأَمَّا إذَا أَشَارَ إلَيْهِ فَلِأَنَّ الْيَمِينَ عُقِدَتْ عَلَى عَيْنٍ مُضَافٍ إلَى فُلَانٍ إضَافَةَ مِلْكٍ فَلَا يَبْقَى الْيَمِينُ بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ كَمَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ وَهَذَا لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْيَانَ لَا يُقْصَدُ هِجْرَانُهَا لِذَوَاتِهَا بَلْ لِمَعْنًى فِي مَلَاكِهَا وَالْيَمِينُ يَتَقَيَّدُ بِمَقْصُودِ الْحَالِفِ وَلِهَذَا يَتَقَيَّدُ بِالصِّفَةِ الْحَامِلَةِ عَلَى الْيَمِينِ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْحَاضِرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَهَذِهِ صِفَةٌ حَامِلَةٌ عَلَى الْيَمِينِ فَيَتَقَيَّدُ بِهَا فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ مَا دَامَ مِلْكًا لِفُلَانٍ نَظَرًا إلَى مَقْصُودِهِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَحْنَثُ إذَا فَعَلَ بَعْدَ مَا خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْإِشَارَةِ وَالْإِضَافَةِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلتَّعْرِيفِ إلَّا أَنَّ الْإِشَارَةَ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ لِأَنَّهَا تَقْطَعُ شَرِكَةَ الْأَغْيَارِ وَالْإِضَافَةُ لَا تَقْطَعُ فَاعْتُبِرَتْ الْإِشَارَةُ وَلَغَتْ الْإِضَافَةُ وَالْمُشَارُ إلَيْهِ قَائِمٌ فَيَحْنَثُ وَجَوَابُهُ مَا بَيَّنَّا وَقَوْلُهُ الْإِضَافَةُ تَلْغُو مَعَ الْإِشَارَةِ قُلْنَا الْإِضَافَةُ إنَّمَا تَلْغُو إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا فَائِدَةٌ أُخْرَى غَيْرُ التَّعْرِيفِ وَهُنَا فِي إضَافَةِ الْمِلْكِ فَائِدَةٌ أُخْرَى غَيْرُ التَّعْرِيفِ وَهُوَ هِجْرَانُ صَاحِبِهَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ حَامِلَهُ عَلَى الْيَمِينِ غِيظَ لَحِقَهُ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ فَيُعْتَبَرَانِ حَتَّى إذَا فُقِدَ أَحَدُهُمَا لَا يَحْنَثُ

قَالَ رحمه الله (وَفِي الصَّدِيقِ وَالزَّوْجَةِ حَنِثَ فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ بَعْدَ الزَّوَالِ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ صِدِّيقَ فُلَانٍ هَذَا أَوْ زَوْجَةَ فُلَانٍ هَذِهِ فَكَلَّمَهُ بَعْدَ زَوَالِ الصَّدَاقَةِ وَالزَّوْجِيَّةِ حَنِثَ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْحُرَّ مَقْصُودٌ بِالْهِجْرَانِ لِذَاتِهِ فَكَانَتْ الْإِضَافَةُ لِلتَّعْرِيفِ الْمَحْضِ وَالدَّاعِي لِمَعْنًى فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ أَيْ لَمْ يَقُلْ لَا أُكَلِّمُ صِدِّيقَ فُلَانٍ لِأَنَّ فُلَانًا عَدُوٌّ لِي فَلَا يُشْتَرَطُ دَوَامُهَا بِخِلَافِ مَا مَرَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ تِلْكَ الْأَعْيَانَ لَا تُهْجَرُ لِذَوَاتِهَا أَمَّا غَيْرُ الْعَبْدِ فَظَاهِرٌ وَكَذَا الْعَبْدُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لِأَنَّهُ لِخِسَّتِهِ وَسُقُوطِ مَنْزِلَتِهِ أُلْحِقَ بِالْجَمَادِ حَتَّى يُبَاعَ كَالْبَهَائِمِ فَلَا يُقْصَدُ بِالْهِجْرَانِ فَكَانَتْ الْإِضَافَةُ مُعْتَبَرَةً فَلَا يَحْنَثُ بَعْدَ زَوَالِهَا قَالَ رحمه الله (وَفِي غَيْرِ الْمُشَارِ لَا) أَيْ لَوْ حَلَفَ فِي غَيْرِ الْمُشَارِ إلَيْهِ مِنْ الصَّدِيقِ وَالزَّوْجَةِ بِأَنْ قَالَ لَا أُكَلِّمُ صِدِّيقَ فُلَانٍ أَوْ زَوْجَتَهُ فَزَالَتْ النِّسْبَةُ إلَيْهِ بِأَنْ عَادَى صَدِيقَهُ أَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فَكَلَّمَهُ لَا يَحْنَثُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَحْنَثُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هِجْرَانُهُ وَالْإِضَافَةُ لِلتَّعْرِيفِ فَصَارَ كَالْمُشَارِ إلَيْهِ وَلَهُمَا أَنَّ هِجْرَانَ الْحُرِّ لِغَيْرِهِ مُحْتَمَلٌ وَتَرْكُ الْإِشَارَةِ وَالتَّسْمِيَةِ بِاسْمِهِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَحْنَثُ مَعَ الِاحْتِمَالِ بِالشَّكِّ قَالَ رحمه الله (وَحَنِثَ بِالْمُتَجَدِّدِ) أَيْ حَنِثَ بِالْمُسْتَحْدَثِ مِنْ الصَّدِيقِ وَالزَّوْجَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَهِيَ مَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ صَدِيقَ فُلَانٍ أَوْ زَوْجَتَهُ وَلَمْ يُشِرْ إلَيْهِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَحْنَثُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْمُعَيَّنَ وَهُوَ الْمَوْجُودُ فَتَكُونُ مُعَادَاتُهُ لِذَاتِهِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لِأَجْلِ الْإِضَافَةِ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَأَمَّا إذَا نَوَى فَعَلَى مَا نَوَى لِأَنَّهُ نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ

قَالَ رحمه الله (لَا يُكَلِّمُ صَاحِبَ هَذَا الطَّيْلَسَانِ) أَيْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ صَاحِبَ هَذَا الطَّيْلَسَانِ (فَبَاعَهُ فَكَلَّمَهُ حَنِثَ) لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَمْتَنِعُ عَنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطَّيْلَسَانِ لِأَجْلِ الطَّيْلَسَانِ فَكَانَتْ الْإِضَافَةُ لِلتَّعْرِيفِ فَتَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِالْمُعَرَّفِ وَلِهَذَا لَوْ كَلَّمَ الْمُشْتَرِيَ لَا يَحْنَثُ

قَالَ رحمه الله (الزَّمَانُ وَالْحِينُ وَمُنَكَّرُهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ) وَالْمُرَادُ بِالْمُنَكَّرِ مَا لَمْ تَدْخُلْهُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ مِنْهُمَا حَتَّى لَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا حِينًا أَوْ زَمَانًا أَوْ الْحِينَ أَوْ الزَّمَانَ فَهُوَ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّ الْحِينَ يُذْكَرُ بِمَعْنَى السَّاعَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17] أَيْ سَاعَةَ تُمْسُونَ وَيُطْلَقُ عَلَى أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان: 1] وَالْمُرَادُ أَرْبَعُونَ سَنَةً وَيُطْلَقُ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: 25] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما هِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْوَسَطُ وَخَيْرُ الْأُمُورِ أَوَاسِطُهَا وَلِأَنَّ اللَّحْظَةَ لَا بِقَصْدِ الِامْتِنَاعِ عَنْهَا بِالْيَمِينِ لِلْقُدْرَةِ عَلَى الِامْتِنَاعِ بِدُونِهَا وَأَرْبَعُونَ سَنَةً بِمَنْزِلَةِ الْأَبَدِ

وَمَنْ يُؤَمِّلُ أَنْ يَعِيشَ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَلَوْ قَصَدَ ذَلِكَ لَأَطْلَقَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْحِينَ لِأَنَّهُ يَتَأَبَّدُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَتَعَيَّنَ مَا عَيَّنَّاهُ وَالزَّمَانُ يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْحِينِ يُقَالُ مَا رَأَيْتُك

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ لِأَنَّهَا تَقْطَعُ شَرِكَةَ الْأَغْيَارِ) أَيْ بِمَنْزِلَةِ وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الْمُشَارِ إلَيْهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْإِضَافَةُ لَا تُقْطَعُ) أَيْ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِفُلَانٍ دَارٌ أُخْرَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى الْيَمِينِ غَيْظًا) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ حَامِلُهُ غِيظَ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَفِي غَيْرِ الْمُشَارِ لَا) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ لَا أَتَزَوَّجُ بِنْتَ فُلَانٍ لَا يَحْنَثُ بِالْبِنْتِ الَّتِي بَعْدَ الْيَمِينِ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّهَا إضَافَةُ نِسْبَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ تَنْعَقِدَ عَلَى الْمَوْجُودِ حَالَ التَّزَوُّجِ فَلَا جَرَمَ أَنَّ فِي التَّفَارِيقِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنْ تَزَوَّجَتْ بِنْتَ فُلَانٍ أَوْ أَمَتَهُ أَنَّهُ عَلَى الْمَوْجُودِ وَالْحَادِثِ اهـ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرْأَةِ وَالصِّدِّيقِ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَكَلَّمَهُ حَنِثَ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَتَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِالْمُعَرَّفِ) أَيْ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَا أُكَلِّمُ هَذَا بِالْإِشَارَةِ إلَى الصَّاحِبِ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمُنَكَّرُهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ) قَالَ الْكَمَالُ فِي النَّفْيِ كَلَا أُكَلِّمُهُ الْحِينَ أَوْ حِينًا وَالْإِثْبَاتُ نَحْوُ لَأَصُومَنَّ حِينًا أَوْ الْحِينَ أَوْ الزَّمَانَ أَوْ زَمَانًا. اهـ. (قَوْلُهُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ) فَمِنْ وَقْتِ الطَّلْعِ إلَى وَقْتِ الرُّطَبِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَمِنْ وَقْتِ الرُّطَبِ إلَى وَقْتِ الطَّلْعِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالزَّمَانُ يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْحِينِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ ثَبَتَ اسْتِعْمَالُهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلِأَرْبَعِينَ سَنَةً وَلِأَقَلِّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ بَلْ إنَّهُ ثَبَتَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَدِيدِ وَالْقَصِيرِ وَالْمُتَوَسِّطِ وَهُوَ أَخُو الْحِينِ فِي الْوَضْعِ وَالِاسْتِعْمَالِ فِي ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ فِي خُصُوصِ الْمُدَّةِ فَيُصْرَفُ إلَى مَا سُمِعَ مُتَوَسِّطًا ثُمَّ قِيلَ هَذَا إنْ تَمَّ فِي زَمَانِ الْمُنَكَّرِ لَمْ يُتِمَّ فِي الْمُعَرَّفِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ الْأَبَدُ كَالدَّهْرِ وَالْعُمْرِ وَلِهَذَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ فَلَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُهُ الزَّمَانَ إلَّا سَنَةً صَحَّ وَعُهِدَ بِهِ السِّتَّةَ أَشْهُرٍ

ص: 139

مُنْذُ حِينٍ وَمُنْذُ زَمَانٍ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْمُعَرَّفُ وَالْمُنَكَّرُ لِأَنَّ سِتَّةَ أَشْهُرٍ لِمَا كَانَتْ مَعْهُودَةً انْصَرَفَ الْمُعَرَّفُ إلَيْهَا هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَأَمَّا إذَا نَوَى شَيْئًا فَعَلَى مَا نَوَى لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ قَالَ رحمه الله (وَالدَّهْرُ وَالْأَبَدُ الْعُمْرُ) لِأَنَّ الْمُعَرَّفَ مِنْهُمَا يُرَادُ بِهِ الْأَبَدُ عَادَةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان: 1] أَيْ الْأَبَدِ وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «مَنْ صَامَ الْأَبَدَ فَلَا صِيَامَ لَهُ» أَيْ عُمْرَهُ كُلَّهُ قَالَ رحمه الله (وَدَهْرٌ مُجْمَلٌ) أَيْ الْمُنَكَّرُ مِنْهُ مُجْمَلٌ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَقَالَا هُوَ كَالْحِينِ وَالْخِلَافُ فِي الْمُنَكَّرِ خَاصَّةً هُوَ الصَّحِيحُ وَأَمَّا الْمُعَرَّفُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يُرَادُ بِهِ الْأَبَدُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا لَهُمَا أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْحِينِ يُقَالُ مَا رَأَيْتُهُ مُنْذُ دَهْرٍ وَمُنْذُ حِينٍ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تَوَقَّفَ فِيهِ وَقَالَ لَا أَدْرِي مَا الدَّهْرُ وَالتَّوَقُّفُ عِنْدَ عَدَمِ الْمُرَجِّحِ مِنْ الْكَمَالِ كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «سُئِلَ عَنْ خَيْرِ الْبِقَاعِ فَقَالَ لَا أَدْرِي حَتَّى أَسْأَلَ جِبْرِيلَ عليه السلام فَسَأَلَ جِبْرِيلُ فَقَالَ لَا أَدْرِي حَتَّى أَسْأَلَ رَبِّي عز وجل فَصَعِدَ إلَى السَّمَاءِ وَنَزَلَ فَقَالَ سَأَلْت رَبِّي عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ خَيْرُ الْبِقَاعِ الْمَسَاجِدُ وَخَيْرُ أَهْلِهَا مَنْ يَكُونُ أَوَّلَ النَّاسِ دُخُولًا وَآخِرَهُمْ خُرُوجًا»

وَسُئِلَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ شَيْءٍ فَقَالَ لَا أَدْرِي ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ طُوبَى لِابْنِ عُمَرَ سُئِلَ عَمَّا لَا يَدْرِي فَقَالَ لَا أَدْرِي فَعَلِمَ أَنَّهُ مِنْ الْكَمَالِ وَالتَّوَرُّعِ وَقِيلَ إنَّمَا قَالَ لَا أَدْرِي تَأَدُّبًا وَحِفْظًا لِلِسَانِهِ عَنْ التَّحَدُّثِ فِي الدَّهْرِ فَإِنَّهُ جَاءَ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ «لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ» أَيْ خَالِقُ الدَّهْرِ وَقِيلَ وَجَدَ اسْتِعْمَالَ النَّاسِ فِيهِ مُخْتَلِفًا فَإِنَّ الْمُعَرَّفَ مِنْهُ لِلْأَبَدِ وَالْمُنَكَّرُ يُخَالِفُ ذَلِكَ فَقَالَ لَا أَدْرِي مَا الدَّهْرُ لِأَنَّ اللُّغَاتِ لَا تُدْرَكُ بِالرَّأْيِ فَتُرِكَ الْخَوْضُ فِيهِ بِالْقِيَاسِ قَالَ رحمه الله (وَالْأَيَّامُ وَأَيَّامٌ كَثِيرَةٌ وَالشُّهُورُ وَالسُّنُونَ عَشْرَةٌ وَمُنَكَّرُهَا ثَلَاثَةٌ) وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ وَالْأَزْمِنَةُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَقَالَا فِي الْأَيَّامِ وَأَيَّامٍ كَثِيرَةٍ سَبْعَةٌ وَالشُّهُورُ اثْنَا عَشْرَ وَمَا عَدَاهَا لِلْأَبَدِ وَالْمُنَكَّرُ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ جَمْعٌ ذُكِرَ مُنَكَّرًا فَيَتَنَاوَلُ الْأَقَلَّ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ بِخِلَافِ مُنَكَّرِ الْمُعَاوَضَاتِ حَيْثُ يَبْطُلُ بِمِثْلِهِ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لِلْجَهَالَةِ

وَأَمَّا الْمُعَرَّفُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ لِتَعْرِيفِ الْعَهْدِ إنْ كَانَ ثَمَّ مَعْهُودٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلِلْجِنْسِ فَإِذَا كَانَ لِلْجِنْسِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى أَدْنَى الْجِنْسِ أَوْ إلَى الْكُلِّ وَلَا يَتَنَاوَلُ مَا بَيْنَهُمَا فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَهُمَا يَقُولَانِ وُجِدَ الْعَهْدُ هُنَا فِي الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ لِأَنَّ الْأَيَّامَ تَدُورُ عَلَى سَبْعَةٍ وَالشُّهُورُ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَفِي غَيْرِهِمَا لَمْ يُوجَدْ فَيَسْتَغْرِقُ الْعُمْرَ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ إنَّ أَكْثَرَ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجَمْعِ عَشْرَةٌ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ فَإِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ آلَةُ التَّعْرِيفِ اسْتَغْرَقَ الْجَمِيعَ وَهُوَ الْعَشَرَةُ لِأَنَّ الْكُلَّ مِنْ الْأَقَلِّ بِمَنْزِلَةِ الْعَامِّ مِنْ الْخَاصِّ وَالْأَصْلُ فِي الْعَامِّ هُوَ الْعُمُومُ مَا لَمْ يَقُمْ الدَّلِيلُ عَلَى الْخُصُوصِ فَحَمَلْنَاهُ عَلَيْهِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَا ذَكَرَاهُ مَعْهُودٌ لِأَنَّ انْتِهَاءَهَا لِانْتِهَاءِ أَسَامِيهَا لَا لِأَنْفُسِهَا وَآلَةُ التَّعْرِيفِ إنَّمَا دَخَلَتْ عَلَى الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ وَنَحْوِهَا فَانْصَرَفَتْ إلَى تَعْرِيفِهَا فِي أَنْفُسِهَا فَصَارَتْ لِأَقْصَى مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ ذَلِكَ اللَّفْظُ

فَإِنْ قِيلَ آلَةُ التَّعْرِيفِ إذَا دَخَلَتْ عَلَى الْأَعْيَانِ تُفِيدُ تَعْرِيفَ الْجِنْسِ لَا تَعْرِيفَ الْعَدَدِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي الْعَبِيدَ أَوْ لَا يَتَزَوَّجَ النِّسَاءَ يَنْصَرِفُ إلَى الْجِنْسِ لَا إلَى الْعَدَدِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ قُلْنَا الْعَدَدُ فِي الزَّمَانِ مَعْهُودٌ لِأَنَّهُ مَعْدُودٌ عَادَةً فَصَارَ صَرْفُهُ إلَى هَذَا الْمَعْهُودِ أَوْلَى مِنْ صَرْفِهِ إلَى الْجِنْسِ لِأَنَّهُ يَتَبَادَرُ إلَى الذِّهْنِ وَلِأَنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى الْعَدَدِ لَحُمِلَ عَلَى الْعَشَرَةِ فَحِينَئِذٍ يَتَنَكَّرُ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَعْدَ دُخُولِ آلَةِ التَّعْرِيفِ فَيَكُونُ بَاطِلًا بِخِلَافِ الزَّمَانِ فَإِنَّ ابْتِدَاءَهُ مِنْ وَقْتِ الْيَمِينِ فَلَا يَتَنَكَّرُ فَإِنْ قِيلَ الْجَمْعُ الْمُحَلَّى بِآلَةِ التَّعْرِيفِ يُحْمَلُ عَلَى الْأَدْنَى مَعَ احْتِمَالِ الْكُلِّ كَقَوْلِهِ لَا أَشْتَرِي الْعَبِيدَ وَنَحْوِهِ فَلِمَ حُمِلَ هَاهُنَا عَلَى الْكُلِّ قُلْنَا الْأَصْلُ فِي الْعُمُومِ الِاسْتِغْرَاقُ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ فَأَمْكَنَ ذَلِكَ فِي الْأَزْمَانِ دُونَ الْأَعْيَانِ لِأَنَّ غَرَضَهُ الْمَنْعُ عَمَّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَوْ الْحَمْلُ وَهُوَ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَشْتَرِيَ الْأَفْرَادَ كُلَّهَا فِي الْأَعْيَانِ فَكَيْفَ يَمْنَعُ نَفْسَهُ عَنْهُ وَلَوْ امْتَنَعَ عَنْهُ يُضَافُ الِامْتِنَاعُ إلَى عَدَمِ الْقُدْرَةِ لَا إلَى الْيَمِينِ بِخِلَافِ الزَّمَانِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَمْتَنِعَ فِي الْكُلِّ وَكَذَا بِالْفِعْلِ مَرَّةً فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ يَحْنَثُ لِأَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا فِي زَمَانٍ فَفَعَلَهُ مَرَّةً حَنِثَ كَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا شَهْرًا فَكَلَّمَهُ مَرَّةً

وَفِي الْأَعْيَانِ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَفْعَلَ فِي كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ فَلَوْ حَمْلَ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ لَمَّا تَصَوَّرَ حِنْثُهُ فَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ عَنْهُ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْفِعْلِ فِي الْكُلِّ وَفِي قَوْلِهِ لَا أُكَلِّمُهُ أَيَّامًا كَثِيرَةً إنَّمَا انْصَرَفَ إلَى الْمَعْهُودِ وَهُوَ الْعَشَرَةُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

إنَّمَا ثَبَتَتْ فِي لَفْظِ الْحِينِ وَكَوْنُ الزَّمَانِ مِثْلَهُ إنْ أُرِيدَ فِي الْوَضْعِ فَمُسَلَّمٌ وَلَا يُفِيدُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ يُحْمَلَ اللَّفْظُ عِنْدَ عَدَمِ الْمُعَيَّنِ لِخُصُوصِ مُدَّةٍ عَلَى الْمُدَّةِ الَّتِي اُسْتُعْمِلَ فِيهَا وَسَطًا وَإِنْ أُرِيدَ فِي الِاسْتِعْمَالِ فَيَحْتَاجُ إلَى ثَبْتٍ مِنْ مَوَارِدِ الِاسْتِعْمَالِ وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا وَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ السِّتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْيَمِينِ بِخِلَافِ لَأَصُومَنَّ حِينًا أَوْ زَمَانًا كَانَ لَهُ أَنْ يُعَيِّنَ أَيْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ شَاءَ وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ اهـ

(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ) أَيْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْحِينِ وَالزَّمَانِ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَالْمُتَوَسِّطِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالدَّهْرُ وَالْأَبَدُ الْعُمْرُ){فَرْعٌ} إذَا قَالَ لَا أُكَلِّمُهُ الْعُمْرَ فَهُوَ عَلَى الْأَبَدِ وَاخْتَلَفَ جَوَابُ بِشْرِ بْنِ الْوَلِيدِ فِي الْمُنَكَّرِ نَحْوُ عُمْرًا فَمَرَّةً قَالَ فِي: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ عُمْرٍ يَقَعُ عَلَى يَوْمٍ وَاحِدٍ وَمَرَّةً قَالَ هُوَ مِثْلُ الْحِينِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ. اهـ. كَمَال رحمه الله -

ص: 140