المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الْجَابِرِ أَوْ الْحَدِّ الزَّاجِرِ فَتَعَذَّرَ إيجَابُ الْحَدِّ لِلشُّبْهَةِ فَيَجِبُ الْعُقْرُ - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي - جـ ٣

[الفخر الزيلعي]

فهرس الكتاب

- ‌(بَابُ الظِّهَارِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَار]

- ‌(بَابُ اللِّعَانِ)

- ‌(بَابُ الْعِنِّينِ وَغَيْرِهِ)

- ‌(بَابُ الْعِدَّةِ)

- ‌(فَصْلٌ).فِي الْإِحْدَادِ

- ‌(بَابُ ثُبُوتِ النَّسَبِ)

- ‌[بَابُ الْحَضَانَةِ]

- ‌(بَابُ النَّفَقَةِ)

- ‌(كِتَابُ الْإِعْتَاقِ)

- ‌(بَابُ الْعَبْدُ يَعْتِقُ بَعْضُهُ)

- ‌(بَابُ الْحَلِفِ بِالدُّخُولِ)

- ‌{بَابُ الْعِتْقِ عَلَى جُعْلٍ}

- ‌{بَابُ التَّدْبِيرِ}

- ‌بَابُ الِاسْتِيلَادِ

- ‌{كِتَابُ الْأَيْمَانِ}

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَالسُّكْنَى وَالْإِتْيَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ)

- ‌{بَابُ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللُّبْسِ وَالْكَلَامِ}

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ)

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّزَوُّجِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا)

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ)

- ‌(كِتَابُ الْحُدُودِ)

- ‌(بَابُ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ)

- ‌(بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَالرُّجُوعِ عَنْهَا)

- ‌(بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ)

- ‌(بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي التَّعْزِيرِ)

- ‌(كِتَابُ السَّرِقَةِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الْحِرْزِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ وَإِثْبَاتِهِ]

- ‌(بَابُ قَطْعِ الطَّرِيقِ)

- ‌(كِتَابُ السِّيَرِ)

- ‌[بَابُ الْغَنَائِمِ وَقِسْمَتِهَا]

- ‌(فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ)

- ‌(بَابُ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ)

- ‌(بَابُ الْمُسْتَأْمَنِ)

- ‌[فَصْلٌ إقَامَة الْمُسْتَأْمَنُ فِي دارنا إقَامَة دائمة]

- ‌(بَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ)

- ‌(بَابُ الْمُرْتَدِّينَ)

- ‌(بَابُ الْبُغَاةِ)

- ‌[كِتَابُ اللَّقِيطِ]

- ‌[كِتَابُ اللُّقَطَةِ]

- ‌(كِتَابُ الْآبِقِ)

- ‌[كِتَاب الْمَفْقُود]

- ‌(كِتَابُ الشِّرْكَةِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الشِّرْكَةِ الْفَاسِدَةِ)

- ‌(كِتَابُ الْوَقْفِ)

- ‌[فَصْلٌ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ حَتَّى يَفْرِزَهُ عَنْ مِلْكِهِ]

الفصل: الْجَابِرِ أَوْ الْحَدِّ الزَّاجِرِ فَتَعَذَّرَ إيجَابُ الْحَدِّ لِلشُّبْهَةِ فَيَجِبُ الْعُقْرُ

الْجَابِرِ أَوْ الْحَدِّ الزَّاجِرِ فَتَعَذَّرَ إيجَابُ الْحَدِّ لِلشُّبْهَةِ فَيَجِبُ الْعُقْرُ قَالَ رحمه الله (وَتَقَاصَّا) لِعَدَمِ فَائِدَةِ الِاشْتِغَالِ بِالِاسْتِيفَاءِ إلَّا إذَا كَانَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِ الْآخَرِ فَيَأْخُذُ مِنْهُ الزِّيَادَةَ إذْ الْمَهْرُ يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَدْرِ مِلْكِهِ فِيهَا بِخِلَافِ الْبُنُوَّةِ وَالْإِرْثِ مِنْهُ حَيْثُ يَكُونُ لَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَحَدِهِمَا فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ قَالَ رحمه الله (وَوَرِثَ مِنْ كُلِّ إرْثٍ ابْنٌ) أَيْ يَرِثُ الِابْنُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِيرَاثَ ابْنٍ كَامِلٍ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَقَرَّ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِبُنُوَّتِهِ عَلَى الْكَمَالِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ

قَالَ رحمه الله (وَوَرِثَا مِنْهُ إرْثَ أَبٍ) أَيْ يَرِثَانِ مِنْهُ مِيرَاثَ أَبٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ أَحَدُهُمَا فَيَقْتَسِمَانِ نَصِيبَهُ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ كَمَا إذَا أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّ هَذَا ابْنُهُ أَوْ عَلَى أَنَّ هَذَا الشَّيْءَ لَهُ

قَالَ رحمه الله (وَلَوْ ادَّعَى وَلَدَ أَمَةِ مُكَاتَبِهِ وَصَدَّقَهُ الْمُكَاتَبُ لَزِمَ النَّسَبُ) لِتَصَادُقِهِمَا عَلَى ذَلِكَ فَصَارَ كَمَا لَوْ ادَّعَى نَسَبَ وَلَدِ جَارِيَةِ الْأَجْنَبِيِّ فَصَدَّقَهُ الْمَوْلَى قَالَ رحمه الله (وَالْعُقْرُ) أَيْ وَلَزِمَهُ الْعُقْرُ لِأَنَّهُ وَطِئَ بِغَيْرِ نِكَاحٍ وَلَا مِلْكِ يَمِينٍ وَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ فَصَارَ كَوَطْءِ الْمُكَاتَبَةِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ فِي الْمُكَاتَبَةِ مِلْكُ الرَّقَبَةِ ثَابِتٌ لِلْمَوْلَى وَمَعَ هَذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْعُقْرُ بِوَطْئِهَا كَوُجُوبِ الْأَرْشِ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ بِالْعَقْدِ كَالْأَجْنَبِيَّةِ عَنْهُ وَالْعُقْرُ مُلْحَقٌ بِالْأَرْشِ وَلَيْسَ لَهُ فِي جَارِيَةِ الْمُكَاتَبِ مِلْكٌ فَكَانَ أَوْلَى بِالْوُجُوبِ

قَالَ رحمه الله (وَقِيمَةُ الْوَلَدِ) أَيْ لَزِمَهُ قِيمَةُ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَغْرُورِ حَيْثُ اُعْتُمِدَ دَلِيلًا وَهُوَ أَنَّهُ كَسْبٌ كَسَبَهُ فَلَمْ يَرْضَ بِرِقِّهِ فَيَكُونُ حُرًّا بِالْقِيمَةِ ثَابِتَ النَّسَبِ مِنْهُ كَمَا أَنَّ الْمَغْرُورَ اُعْتُمِدَ دَلِيلًا وَهُوَ الْمِلْكُ ظَاهِرًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِلْكٌ حَقِيقَةً قَالَ رحمه الله (وَلَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدِهِ) لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهَا حَقِيقَةً وَمَالَهُ مِنْ الْحَقِّ كَافٍ لِصِحَّةِ الِاسْتِيلَادِ فَلَا حَاجَةَ إلَى النَّقْلِ وَتَقْدِيمُ الْمِلْكِ بِخِلَافِ جَارِيَةِ الِابْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَبِ فِيهَا حَقِيقَةُ الْمِلْكِ وَلَا حَقُّهُ وَإِنَّمَا لَهُ حَقُّ التَّمَلُّكِ وَذَلِكَ غَيْرُ كَافٍ لِصِحَّةِ الِاسْتِيلَادِ فَاحْتَجْنَا إلَى نَقْلِهَا إلَى مِلْكِ الْأَبِ لِيَصِحَّ الِاسْتِيلَادُ قَالَ رحمه الله (وَإِنْ كَذَّبَهُ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ) أَيْ إنْ كَذَّبَهُ الْمُكَاتَبُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله يَثْبُتُ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ كَسْبٌ كَسَبَهُ فَصَارَ كَجَارِيَةِ الِابْنِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ لِلْمَوْلَى فِي الْمُكَاتَبِ مِلْكَ الرَّقَبَةِ وَلِهَذَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ وَيُمْنَعُ الْمُكَاتَبُ مِنْ التَّصَرُّفِ غَيْرُ الِاكْتِسَابِ بِخِلَافِ الِابْنِ وَحَقُّهُ أَيْضًا فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ أَقْوَى وَلِهَذَا مُنِعَ الْمُكَاتَبُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ فَكَانَ أَوْلَى بِالتَّنْفِيذِ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقٍ

وَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْأَبَ لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَ مَالَ ابْنِهِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ عُقْرُهَا وَلَا قِيمَةُ الْوَلَدِ وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَتَمَلَّكَ مَالَ مُكَاتَبِهِ لِأَنَّهُ بِالْعَقْدِ حَجَرَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَلْحَقَ نَفْسَهُ بِالْأَجْنَبِيِّ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ عُقْرُهَا وَقِيمَةُ وَلَدِهَا وَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَيُشْتَرَطُ تَصْدِيقُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا وَطِئَ الْمُكَاتَبُ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ حَيْثُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُهَا لِأَنَّ رَقَبَتَهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ بِخِلَافِ كَسْبِهَا وَلَوْ مَلَكَهُ يَوْمًا بَعْدَ مَا كَذَّبَهُ الْمُكَاتَبُ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ إنْ مَلَكَهَا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِهِ بَاقٍ وَهُوَ الْمُوجِبُ وَزَالَ حَقُّ الْمُكَاتَبِ وَهُوَ الْمَانِعُ وَلَوْ وَلَدَتْ مِنْهُ جَارِيَةُ غَيْرِهِ وَقَالَ أَحِلْهَا إلَى مَوْلَاهَا وَالْوَلَدُ وَلَدِي فَصَدَّقَهُ الْمَوْلَى فِي الْإِحْلَالِ وَكَذَّبَهُ فِي الْوَلَدِ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ وَإِنْ مَلَكَهُمَا يَوْمًا ثَبَتَ نَسَبُهُ وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَلَوْ صَدَّقَهُ فِي الْوَلَدِ ثَبَتَ نَسَبُهُ

وَلَوْ اسْتَوْلَدَ جَارِيَةَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ أَوْ امْرَأَتِهِ وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَإِنْ مَلَكَهُ يَوْمًا عَتَقَ عَلَيْهِ وَإِنْ مَلَكَ أُمَّهُ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِعَدَمِ ثُبُوتِ نَسَبِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

{كِتَابُ الْأَيْمَانِ}

الْيَمِينُ الْقُوَّةُ لُغَةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَأَخَذْنَا بِالْيَمِينِ وَقَالَ الشَّمَّاخُ

رَأَيْت عَرَابَةَ الْأَوْسِيَّ يَسْمُو

إلَى الْخَيْرَاتِ مُنْقَطِعَ الْقَرِينِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ وَوَرِثَا مِنْهُ إرْثَ أَبٍ) فَإِنْ وُهِبَ لِهَذَا الِابْنِ مَالٌ أَوْ وَرِثَهُ مِنْ أَخٍ لَهُ لِأُمِّهِ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ بِالتَّصَرُّفِ فِي ذَلِكَ الْمَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا اهـ وَصَايَا فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. اهـ.

(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهَا حَقِيقَةً) فَإِنْ مَلَكَهَا يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ ثَابِتُ النَّسَبِ. اهـ. كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَلَكَهُ) أَيْ الْوَلَدَ عَلَى تَقْدِيرِ تَكْذِيبِ الْمُكَاتَبِ. اهـ

[كِتَابُ الْأَيْمَانِ]

{كِتَابُ الْأَيْمَانِ} اشْتَرَكَ كُلٌّ مِنْ الْيَمِينِ وَالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ فِي أَنَّ الْهَزْلَ وَالْإِكْرَاهَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ قَدَّمَ عَلَى الْكُلِّ النِّكَاحَ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْعِبَادَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ وَالطَّلَاقُ رَفْعُهُ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ فَإِيلَاؤُهُ إيَّاهُ أَوْجَهُ وَاخْتَصَّ الْإِعْتَاقُ عَنْ الْيَمِينِ بِزِيَادَةٍ مُنَاسِبَةٍ بِالطَّلَاقِ مِنْ جِهَةِ مُشَارَكَتِهِ إيَّاهُ فِي تَمَامِ مَعْنَاهُ الَّذِي هُوَ الْإِسْقَاطُ وَفِي لَازِمِهِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي هُوَ فِي السِّرَايَةِ فَقَدَّمَهُ عَلَى الْيَمِينِ. اهـ. كَمَالٌ رحمه الله قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَيَمِينُ الْحَلِفِ أُنْثَى وَتُجْمَعُ عَلَى أَيْمُنٍ وَأَيْمَانٍ قِيلَ سُمِّيَ الْحَلِفُ يَمِينًا لِأَنَّهُمْ كَانُوا إذَا تَحَالَفُوا ضُرِبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَمِينِهِ عَلَى يَمِينِ صَاحِبِهِ فَسُمِّيَ الْحَلِفُ يَمِينًا مَجَازًا اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْحَلِفُ وَالْيَمِينُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُتَرَادِفَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ الْيَمِينُ) أَيْ الْيَمِينُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْجَارِحَةِ وَالْقَسَمِ اهـ فَتْحٌ

(قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّمَّاخُ) كَذَا عَزَاهُ الْأَتْقَانِيُّ وَعَزَاهُ فِي الصِّحَاحِ لِلْحَطِيئَةِ وَاقْتُصِرَ عَلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ رَأَيْت عَرَابَةَ) قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ لِلصَّاغَانِيِّ وَقَوْلُهُ عَرَابَةَ اسْمُ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارُ مِنْ الْأَوْسِ قَالَ الْحَطَبَةُ لَيْسَ الْبَيْتُ لِلْحُطَيْئَةِ وَإِنَّمَا هُوَ لِلشَّمَّاخِ وَذَكَرَ الْمُبَرَّدُ وَابْنُ قُتَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ أَنَّ الشَّمَّاخَ خَرَجَ يُرِيدُ الْمَدِينَةَ فَلَقِيَهُ عَرَابَةُ بْنُ أَوْسٍ فَسَأَلَهُ عَمَّا أَقْدَمهُ الْمَدِينَةِ فَقَالَ أَرَدْت أَنْ أَمْتَارَ لِأَهْلِي وَكَانَ مَعَهُ بَعِيرَانِ فَأَوْقَرَهُمَا عَرَابَةُ تَمْرًا وَبُرًّا وَكَسَاهُ وَأَكْرَمَهُ فَخَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَامْتَدَحَهُ بِالْقَصِيدَةِ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا رَأَيْت عَرَابَةَ اهـ قَالَ فِي الصِّحَاحِ وَعَرَابَةُ بِالْفَتْحِ اسْمُ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارُ مِنْ الْأَوْسِ قَالَ الْحُطَيْئَةُ إذَا مَا رَايَةٌ الْبَيْتُ اهـ

ص: 106

إذَا مَا رَايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ

تَلَقَّاهَا عَرَابَةُ بِالْيَمِينِ

وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدٍ قَوِيٍّ بِهَا عَزْمُ الْحَالِفِ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ وَسُمِّيَ هَذَا الْعَقْدُ بِهَا لِأَنَّ الْعَزِيمَةَ تَتَقَوَّى بِهَا وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَقْسَمَ وَأَمَرَ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم بِالْقَسَمِ فَقَالَ تَعَالَى {قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} [يونس: 53] وَلِأَنَّ فِيهَا تَعْظِيمَ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ لِأَنَّ مَنْ أَقْسَمَ بِشَيْءٍ فَقَدْ عَظَّمَهُ «وَأَقْسَمَ عليه الصلاة والسلام لَيَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا» وَالصَّحَابَةُ كَانُوا يُقْسِمُونَ فَكَانَتْ ثَابِتَةً بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ

وَالْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْضًا مَشْرُوعٌ وَهُوَ تَعْلِيقُ الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ وَهُوَ لَيْسَ بِيَمِينٍ وَضْعًا وَإِنَّمَا سُمِّيَ يَمِينًا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ لِحُصُولِ مَعْنَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَهُوَ الْحَمْلُ أَوْ الْمَنْعُ وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا يُكْرَهُ وَتَقْلِيلُهُ أَوْلَى مِنْ تَكْثِيرِهِ وَالْيَمِينُ بِغَيْرِهِ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ الْبَعْضِ لِلنَّهْيِ الْوَارِدِ فِيهِ وَعِنْدَ عَامَّتِهِمْ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهَا الْوَثِيقَةُ لَا سِيَّمَا فِي زَمَانِنَا وَمَا رُوِيَ مِنْ النَّهْيِ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ لَا عَلَى وَجْهِ الْوَثِيقَةِ كَقَوْلِهِمْ بِأَبِيك وَلَعَمْرُك وَنَحْوِهِ، وَرُكْنُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُ اسْمِهِ أَوْ صِفَتِهِ وَبِغَيْرِهِ ذِكْرُ شَرْطٍ صَالِحٍ وَجَزَاءٍ صَالِحٍ

وَصَلَاحِيَّةُ الشَّرْطِ أَنْ يَكُونَ مَعْدُومًا عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ وَصَلَاحِيَّةُ الْجَزَاءِ أَنْ يَكُونَ غَالِبَ الْوُجُودِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لِيَتَحَقَّقَ الْحَمْلُ أَوْ الْمَنْعُ وَقَدْ يَكُونُ مُتَحَقِّقَ الْوُجُودِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالتَّعْلِيقِ بِالْمِلْكِ وَسَبَبُهُ وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْبِرِّ أَصْلًا وَالْكَفَّارَةِ خَلَفًا وَشَرْطُ انْعِقَادِهَا تَصَوُّرُ الْبِرِّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ رحمه الله ثُمَّ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ غَمُوسٌ وَلَغْوٌ وَمُنْعَقِدَةٌ عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ وَدَلِيلُ الْحَصْرِ عَلَيْهِ أَنَّهَا لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ فِيهَا مُؤَاخَذَةٌ أَوْ لَا فَالثَّانِي لَغْوٌ وَالْأَوَّلُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ الْمُؤَاخَذَةُ دُنْيَوِيَّةً أَوْ عُقُوبَةً فَالْأَوَّلُ الْمُنْعَقِدَةُ وَالثَّانِي الْغَمُوسُ قَالَ رحمه الله (حَلِفُهُ عَلَى مَاضٍ كَذِبًا عَمَدًا غَمُوسٌ وَظَنًّا لَغْوٌ) أَيْ إذَا حَلَفَ عَلَى أَمْرٍ قَدْ مَضَى وَهُوَ كَاذِبٌ فِيهِ فَإِنْ تَعَمَّدَ الْكَذِبَ فَهُوَ غَمُوسٌ وَإِنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا قَالَ فَهُوَ لَغْوٌ وَيَتَأَتَّيَانِ فِي الْحَالِ أَيْضًا سُمِّيَتْ الْأُولَى غَمُوسًا لِأَنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي الذَّنْبِ ثُمَّ فِي النَّارِ وَسُمِّيَتْ الثَّانِيَةُ لَغْوًا لِأَنَّهَا لَا اعْتِبَارَ بِهَا وَاللَّغْوُ اسْمٌ لِمَا لَا يُفِيدُ يُقَالُ لَغَا إذَا أَتَى بِشَيْءٍ لَا فَائِدَةَ فِيهِ فَكِلَاهُمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُتَصَوَّرُ فِي الْيَمِينِ بِغَيْرِهِ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنُّذُورِ بِأَمْرٍ كَائِنٍ فِي الْمَاضِي لَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ اللَّغْوُ وَلَا الْغَمُوسُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِهِ

وَكَذَا الْعَتَاقُ وَالنُّذُورُ سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا وَقْتَ الْيَمِينِ أَوْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا قَالَ رحمه الله (وَأَثِمَ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ) يَعْنِي يَأْثَمُ فِي الْغَمُوسِ وَلَا يَأْثَمُ فِي اللَّغْوِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225] وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «الْكَبَائِرُ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ تَلَقَّاهَا عَرَابَةُ بِالْيَمِينِ) أَيْ الْقُوَّةِ اهـ (قَوْلُهُ وَالْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى) نَحْوُ قَوْلِك إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ الْحَمْلُ أَوْ الْمَنْعُ) أَيْ عَلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْيَمِينُ بِغَيْرِهِ مَكْرُوهٌ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله ثُمَّ يُكْرَهُ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ» الْحَدِيثُ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ لِمَنْعِ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ وَمَحَلُّ الْحَدِيثِ غَيْرُ التَّعْلِيقِ مِمَّا هُوَ بِحَرْفِ الْقَسَمِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا سِيَّمَا فِي زَمَانِنَا) أَيْ فَإِنَّ أَحَدًا لَا يُصَدَّقُ وَلَا يُؤْتَمَنُ عَلَيْهِ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى لِقِلَّةِ مُبَالَاةٍ ظَهَرَتْ فِي النَّاسِ فَتَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَى الْوَثِيقَةِ بِالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» وَلَوْ كَانَ مَكْرُوهًا لَأَنْكَرَ عَلَيْهِ. اهـ. كَافِي

(قَوْلُهُ كَالتَّعْلِيقِ بِالْمِلْكِ وَسَبَبِهِ) وَأَمَّا شُرُوطُهَا فَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ حَلِفُهُ عَلَى مَاضٍ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَيْسَ هَذَا بِقَيْدِ الْحَلِفِ عَلَى الْحَالِ أَيْضًا كَوَاللَّهِ مَا لِهَذَا عَلَيَّ دَيْنٌ وَهُوَ يَعْلَمُ خِلَافَهُ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّ يَمِينَ الْغَمُوسِ مَا يُتَعَمَّدُ فِيهِ الْكَذِبُ عَلَى إثْبَاتِ شَيْءٍ أَوْ نَفْيِهِ سَوَاءٌ كَانَ مَاضِيًا أَوْ حَالًا نَظِيرُ الْمَاضِي قَوْلُ الرَّجُلِ وَاَللَّهِ مَا فَعَلْت ذَلِكَ الْأَمْرَ وَهُوَ عَالِمٌ بِأَنَّهُ فَعَلَهُ وَنَظِيرُ الْحَالِ قَوْلُهُ وَاَللَّهُ إنَّهُ زَيْدٌ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ عَمْرٌو وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ وَمَا وَقَعَ فِي تَفْسِيرِ الْغَمُوسِ فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ بِأَنَّهُ الْحَلِفُ عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ يُتَعَمَّدُ فِيهِ الْكَذِبُ فَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى الْغَالِبِ لَا أَنَّ الْمَاضِيَ شَرْطُهُ وَلِهَذَا صَرَّحَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْغَمُوسَ يَتَحَقَّقُ فِي الْحَالِ أَيْضًا وَقَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي الْيَمِينُ لَيْسَتْ مِنْهُنَّ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَقْدٌ مَشْرُوعٌ وَهَذِهِ كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ وَالْكَبِيرَةُ ضِدُّ الْمَشْرُوعِ وَلَكِنْ سَمَّاهُ يَمِينًا مَجَازًا لِأَنَّ ارْتِكَابَ هَذِهِ الْكَبِيرَةُ بِاسْتِعْمَالِ صُورَةِ الْيَمِينِ كَمَا سَمَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْعَ الْحُرِّ بَيْعًا مَجَازًا لِأَنَّ ارْتِكَابَ تِلْكَ الْكَبِيرَةِ بِاسْتِعْمَالِ صُورَةِ الْبَيْعِ ثُمَّ إيمَانًا فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ لِأَنَّهَا كَبِيرَةٌ اهـ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ غَمُوسٌ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ اسْمُ فَاعِلٍ لِأَنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي الْإِثْمِ لِأَنَّهُ حَلَفَ كَاذِبًا عَلَى عِلْمٍ مِنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَغْوٌ) قَالَ الرَّازِيّ وَلَغْوٌ وَهُوَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُضِيِّ أَوْ الْحَالِ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ كَذَلِكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بِأَنْ قَالَ وَاَللَّهِ فَعَلْت كَذَلِكَ وَمَا فَعَلَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ فَعَلَ أَوْ رَأَى شَخْصًا مِنْ بَعِيدٍ فَقَالَ وَاَللَّهِ إنَّهُ لَزَيْدٌ يَظُنُّهُ زَيْدًا وَهُوَ لَيْسَ كَذَلِكَ اهـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيَمِينُ اللَّغْوِ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى أَمْرٍ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ قَالَ وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ فَهَذَا الْيَمِينُ يَرْجُو أَنْ لَا يُؤَاخِذَ اللَّهُ بِهَا صَاحِبَهَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِثْلُ مَا حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ مُتَوَهِّمًا أَنَّهُ فِيهِ صَادِقٌ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَقَدْ دَخَلْت الدَّارَ وَاَللَّهِ مَا كَلَّمْت زَيْدًا وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ أَوْ رَأَى طَائِرًا مِنْ بَعِيدٍ فَظَنَّهُ غُرَابًا فَقَالَ وَاَللَّهِ إنَّهُ غُرَابٌ فَإِذَا هُوَ حَمَامٌ اهـ

(قَوْلُهُ وَلَا يَأْثَمُ فِي اللَّغْوِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ يَمِينُ اللَّغْوِ لَا حُكْمَ لَهَا أَصْلًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 225] أَيْ لَا يُؤَاخِذُكُمْ بِلَغْوِ الْيَمِينِ الَّذِي يَحْلِفُهُ أَحَدُكُمْ بِالظَّنِّ هَذَا عَلَى مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ وَمَعْنَاهُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُكُمْ الْكَفَّارَةُ بِلَغْوِ الْيَمِينِ الَّذِي لَا قَصْدَ مَعَهُ اهـ

ص: 107

بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ فَقَالَ رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا قَالَ وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «الْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ تَدَعُ الدِّيَارَ بَلَاقِعَ» أَيْ خَالِيَةً وَلَا تَجِبُ فِيهَا الْكَفَّارَةُ إلَّا التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تَجِبُ فِيهَا الْكَفَّارَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225] وَالْمُرَادُ الْقَصْدُ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْقَلْبِ وَالْمُرَادُ بِالْمُؤَاخَذَةِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ تَعَالَى فَسَّرَهَا بِهَا فِي آيَةٍ أُخْرَى بِقَوْلِهِ {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ} [المائدة: 89] الْآيَةَ وَالْمُرَادُ بِالْعَقْدِ الْقَصْدُ أَيْضًا وَفِيهِ تَوْفِيقٌ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ شُرِعَتْ لِرَفْعِ ذَنْبِ هَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ تَحَقَّقَ بِالِاسْتِشْهَادِ بِاَللَّهِ تَعَالَى كَاذِبًا فَأَشْبَهَ الْمَعْقُودَ وَلَنَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «خَمْسٌ مِنْ الْكَبَائِرِ لَا كَفَّارَةَ فِيهِنَّ وَعَدَّ مِنْهَا الْيَمِينَ الْفَاجِرَةَ» وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما كُنَّا نَعُدُّ الْيَمِينَ الْغَمُوسَ مِنْ الْكَبَائِرِ الَّتِي لَا كَفَّارَةَ فِيهَا وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى الصَّحَابَةِ وَحِكَايَةٌ لِإِجْمَاعِهِمْ وَلِأَنَّهَا كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ وَالْكَفَّارَةُ عِبَادَةٌ فَلَا تُنَاطُ بِهَا كَسَائِرِ الْكَبَائِرِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَشْرُوعَاتِ اللَّازِمَةَ لِلْعِبَادِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ

وَسَبَبُهَا مُبَاحٌ وَعُقُوبَةٌ مَحْضَةٌ وَسَبَبُهَا مَحْظُورٌ مَحْضٌ وَمُتَرَدَّدٌ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ وَهِيَ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى تَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ وَيُشْتَرَطُ فِيهَا النِّيَّةُ وَعُقُوبَةٌ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ أَجْزِيَةً زَاجِرَةً كَالْحُدُودِ فَيَكُونُ سَبَبُهَا أَيْضًا مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ لِتَكُونَ الْعِبَادَةُ مُتَعَلِّقَةً بِالْمُبَاحِ وَالْعُقُوبَةُ بِالْمَحْظُورِ كَسَائِرِ الْكَفَّارَاتِ مِثْلُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فَإِنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْمُنْكَرِ مِنْ الْقَوْلِ الزُّورِ، وَالْعَوْدُ وَكَفَّارَةُ الْقَتْلِ تَجِبُ بِالْخَطَأِ وَهُوَ بِالتَّقْصِيرِ فِي التَّثَبُّتِ وَهُوَ مَحْظُورٌ وَبِالْحَرَكَةِ الْمُبَاحَةِ مِثْلِ الْمَشْيِ فِي الطَّرِيقِ وَكَذَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ تَجِبُ بِالْحَلِفِ وَالْحِنْثِ وَالْأَوَّلُ مُبَاحٌ وَالثَّانِي مَحْظُورٌ وَأَمَّا الْغَمُوسُ فَمَحْظُورٌ مَحْضٌ لِأَنَّ الْكَذِبَ بِدُونِ الِاسْتِشْهَادِ بِاَللَّهِ تَعَالَى حَرَامٌ فَمَعَهُ أَوْلَى لِأَنَّهُ ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى لِتَرْوِيجِ الْكَذِبِ وَهُوَ فِي نِهَايَةِ الْحَظْرِ فَلَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ

أَلَا تَرَى أَنَّ اللِّعَانَ اسْتِشْهَادٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَأَحَدُهُمَا كَاذِبٌ بِيَقِينٍ وَلَمْ يُوجِبْ الشَّارِعُ عَلَى الْكَاذِبِ مِنْهُمَا كَفَّارَةً وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ فَمَنْ أَوْجَبَهُ فِي الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ صَارَ مُخَالِفًا لِلنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ وَهَذَا لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَخْبَرَ أَنَّ أَحَدَهُمَا كَاذِبٌ فَقَالَ هَلْ فِيكُمَا مِنْ تَائِبٍ فَبَيَّنَ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْكَاذِبِ مِنْهُمَا فِي يَمِينِهِ التَّوْبَةُ لَا غَيْرُ وَلَوْ كَانَتْ الْكَفَّارَةُ تَجِبُ بِهَا لَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ عَلَيْهِ أَرْبَعَ كَفَّارَاتٍ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيمَا تَلَا لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْمَعْقُودَةُ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِحِفْظِ الْأَيْمَانِ بَعْدَ مَا شَرَعَ الْكَفَّارَةَ فِيهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89] وَالْحِفْظُ إنَّمَا يَتَأَتَّى فِي الْمُسْتَقْبِلِ الَّذِي يَقْبَلُ التَّضْيِيعَ وَالْغَمُوسُ لَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِيهَا فَلَا تَتَنَاوَلُهَا الْآيَةُ وَكَذَلِكَ الْعَقْدُ لَا يَكُونُ إلَّا فِيمَا يَقْبَلُ الْحِلَّ لِأَنَّهُ ضِدُّهُ قَالَ قَائِلُهُمْ

خَطَرَاتُ الْهَوَى تَرُوحُ وَتَغْدُو

وَلِقَلْبِ الْمُحِبِّ حِلٌّ وَعَقْدُ

وَالْمُؤَاخَذَةُ الْمُطْلَقَةُ يُرَادُ بِهَا الْمُؤَاخَذَةُ فِي الْآخِرَةِ لِأَنَّهَا دَارُ الْجَزَاءِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا وَقِيَاسُهُ عَلَى الْمَعْقُودِ فَاسِدٌ لِأَنَّ الْمَعْقُودَةَ مُبَاحَةٌ فَلَا يَأْثَمُ بِمُبَاشَرَتِهَا وَلَوْ كَانَ فِيهَا ذَنْبٌ فَهُوَ مُتَأَخِّرٌ مُتَعَلِّقٌ بِاخْتِيَارِهِ الْحِنْثَ ابْتِدَاءً فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَالْإِثْمُ فِي الْغَمُوسِ مُلَازِمٌ وَهُوَ أَعْظَمُ جُرْمًا فَامْتَنَعَ الْإِلْحَاقُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله فِي اللَّغْوِ فَهَذِهِ يَمِينٌ نَرْجُو أَنْ لَا يُؤَاخِذَ اللَّهُ بِهَا صَاحِبَهَا مَعَ أَنَّ عَدَمَ الْمُؤَاخَذَةِ مَقْطُوعٌ بِهِ لِكَوْنِهِ ثَابِتًا بِالْكِتَابِ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ فِي صُورَتِهَا اخْتِلَافًا فَمَذْهَبُ عَائِشَةَ رضي الله عنها اللَّغْوُ مَا يَجْرِي عَلَى اللِّسَانُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَاضِي أَوْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَا وَاَللَّهِ بَلَى وَاَللَّهِ

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه مِثْلُهُ وَمَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُ مَذْهَبِنَا وَهُوَ الْحَلِفُ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ صَادِقٌ وَهَذَا يَكُونُ فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ فَلِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ صُورَتُهَا خِلَافَ ذَلِكَ عَلَّقَهُ بِالرَّجَاءِ يَعْنِي نَرْجُو أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الصُّورَةُ هِيَ الَّتِي لَا يُؤَاخَذُ بِهَا أَوْ قَالَ ذَلِكَ تَعْظِيمًا لِلْأَمْرِ وَإِظْهَارًا لِلتَّوَاضُعِ لِأَنَّهُ يُذْكَرُ لِذَلِكَ كَمَا يُذْكَرُ لِلطَّمَعِ

قَالَ رحمه الله (وَعَلَى آتٍ مُنْعَقِدَةٌ وَفِيهِ كَفَّارَةٌ فَقَطْ) أَيْ الْيَمِينُ عَلَى شَيْءٍ سَيَأْتِي فِي الْمُسْتَقْبَلِ مُنْعَقِدَةٌ وَحُكْمُ هَذِهِ الْيَمِينِ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ عِنْدَ الْحِنْثِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ} [المائدة: 89] الْآيَةَ وَالْمُرَادُ بِهِ الْيَمِينُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِدَلِيلِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَقَالَ عليه الصلاة والسلام الْيَمِينُ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ بِلَا أَلِفٍ وَلَامٍ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَعَلَى آتٍ مُنْعَقِدَةٌ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُنْعَقِدَةُ مَا يَحْلِفُ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَنْ يَفْعَلَهُ أَوْ لَا يَفْعَلَهُ قَالَ الْكَمَالُ وَمَا فِي قَوْلِهِ مَا يَحْلِفُ مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ الْحَلِفُ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْحَلِفَ عَلَى مَاضٍ صَادِقًا فِيهِ كَوَاللَّهِ لَقَدْ قَدِمَ زَيْدٌ لَا تُسَمَّى مُنْعَقِدَةً وَيَقْتَضِي أَنَّهَا إمَّا لَيْسَتْ بِيَمِينٍ وَهُوَ بَعِيدٌ أَوْ زِيَادَةُ أَقْسَامِ الْيَمِينِ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَهُوَ مُبْطِلٌ لِحَصْرِهِمْ السَّابِقِ وَفِي كَلَامِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ مَا يُفِيدُ إنَّهَا مِنْ قَبِيلِ اللَّغْوِ فَإِنْ أَرَادَ لُغَةً فَمَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ مَا لَا فَائِدَةَ لَهُ وَفِي هَذِهِ الْيَمِينِ فَائِدَةُ تَأْكِيدِ صِدْقِهِ فِي خَبَرِهِ عِنْدَ السَّامِعِ وَإِنْ أَرَادَ دُخُولَهَا فِي اللَّغْوِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ بِحَسَبِ الْإِرَادَةِ فَقَدْ فَسَّرَهُ السَّلَفُ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِذَلِكَ فَكَانَ خَارِجًا عَنْ أَقْوَالِ السَّلَفِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ فِيمَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْحِنْثُ لَا فِي مُطْلَقِ الْيَمِينِ اهـ

ص: 108

قَوْله تَعَالَى {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89] وَلَا يُتَصَوَّرُ الْحِفْظُ عَنْ الْحِنْثِ وَالْهَتْكُ إلَّا فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ بِمَا عَقَدْتُمْ الْأَيْمَانَ وَالْعَقْدُ يَقْتَضِي ارْتِبَاطَ الْكَلَامِ بِالْكَلَامِ عَلَى وَجْهٍ يَتَعَلَّقُ بِهِمَا حُكْمٌ فَيَصِيرُ عَقْدًا شَرْعِيًّا كَسَائِرِ الْعُقُودِ الشَّرْعِيَّةِ وَلِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ {وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل: 91] وَالنَّقْضُ يَكُونُ فِي مَوْضِعِ الْعَقْدِ وَهَذَا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَقَوْلُهُ وَفِيهِ كَفَّارَةٌ فَقَطْ لَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ فَقَطْ لِأَنَّ فِي الْيَمِينِ الْمُنْعَقِدَةِ إثْمًا أَيْضًا وَلَفْظُ الْكَفَّارَةِ يُنْبِئُ عَنْهُ لِأَنَّ مَعْنَاهَا السَّتَّارَةُ وَهِيَ لَا تَجِبُ إلَّا لِرَفْعِ الْمَأْثَمِ قَالَ رحمه الله (وَلَوْ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا) يَعْنِي تَجِبُ فِيهَا الْكَفَّارَةُ إذَا حَنِثَ وَلَوْ كَانَ حَلَفَ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «ثَلَاثٌ جَدُّهُنَّ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ وَعَدَّ مِنْهَا الْيَمِينَ» وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ

وَالْمُرَادُ بِالنَّاسِي الْمُخْطِئُ كَمَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ اسْقِنِي الْمَاءَ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا أَشْرَبُ الْمَاءَ وَذَكَرَ فِي الْكَافِي أَنَّهُ الْمَذْهُولُ عَنْ التَّلَفُّظِ بِهِ كَأَنْ قِيلَ لَهُ أَلَا تَأْتِينَا فَقَالَ بَلَى وَاَللَّهِ غَيْرَ قَاصِدٍ لِلْيَمِينِ وَإِنَّمَا أَلْجَأَنَا إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ النِّسْيَانِ فِي الْيَمِينِ لَا تُتَصَوَّرُ قَالَ رحمه الله (أَوْ حَنِثَ كَذَلِكَ) أَيْ أَوْ حَنِثَ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا تَقْدِيرُهُ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَلَوْ كَانَ حَلَفَ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ حَنِثَ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا بِأَنْ فَعَلَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا لِأَنَّ الْفِعْلَ حَقِيقَةً لَا يَنْعَدِمُ بِالْإِكْرَاهِ وَالنِّسْيَانِ وَتَحَقُّقُ الْفِعْلِ مِنْهُ هُوَ الشَّرْطُ وَالْحِنْثُ نَاسِيًا مُتَصَوَّرٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّأْوِيلِ وَكَذَا لَوْ فَعَلَهُ وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مَجْنُونٌ لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ حَقِيقَةً وَلَوْ كَانَتْ الْحِكْمَةُ رَفْعَ الذَّنْبِ فَالْحُكْمُ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِهِ وَهُوَ الْحِنْثُ لَا عَلَى حَقِيقَةِ الذَّنْبِ كَمَا أُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَى السَّفَرِ لَا حَقِيقَةِ الْمَشَقَّةِ

قَالَ رحمه الله (وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَعِزَّتِهِ وَجَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَأُقْسِمُ وَأَحْلِفُ وَأَشْهَدُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِاَللَّهِ وَلَعَمْرُ اللَّه وَأَيْمِ اللَّهِ وَعَهْدِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ وَعَلَيَّ نَذْرٌ وَنَذْرُ اللَّهِ وَإِنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ) أَيْ الْيَمِينُ تَكُونُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ لِأَنَّ الْحَلِفَ بِهَا مُتَعَارَفٌ وَمَعْنَى الْيَمِينِ هُوَ الْقُوَّةُ حَاصِلٌ بِهَا أَمَّا الْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ الرَّحْمَنِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ تَعْظِيمَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَصَلَحَ ذِكْرُهُ حَامِلًا أَوْ مَانِعًا سَوَاءٌ تَعَارَفَ النَّاسُ الْحَلِفَ بِهِ أَوْ لَمْ يَتَعَارَفُوا فِي الظَّاهِرِ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ تَعَالَى ثَبَتَ نَصًّا لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالْحَلِفُ بِسَائِرِ أَسْمَائِهِ حَلِفٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَمَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ أَوْ بِدَلَالَتِهِ لَا يُرَاعَى فِيهِ الْعُرْفُ وَكَذَا لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى النِّيَّةِ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْحَقَّ أَوْ غَيْرَهُ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا كُلُّ اسْمٍ لَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى كَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ فَهُوَ يَمِينٌ مُطْلَقًا

وَمَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى كَالْحَكِيمِ وَالْحَلِيمِ وَالْعَلِيمِ وَالْقَادِرِ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ اللَّهَ كَانَ يَمِينًا وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الْيَمِينَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لَأَنْ أَحْلِفَ بِاَللَّهِ كَاذِبًا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ صَادِقًا وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يُبَاشِرُ الْمُحَرَّمَ وَأَنَّ مَنْ قَصَدَهُ يَمِينًا صَحِيحَةً فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَنْوِ خِلَافَ ذَلِكَ فَإِنْ نَوَى خِلَافَهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ فَيَصِحُّ، هَذَا إذَا حَلَفَ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا إذَا حَلَفَ بِصِفَاتِهِ كَعِزَّةِ اللَّهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَجَلَالِهِ فَإِنْ كَانَ مُتَعَارَفًا بِأَنْ كَانَ يَحْلِفُ بِهِ عَادَةً يَكُونُ يَمِينًا وَمَا لَا فَلَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ حَلَفَ بِصِفَاتِ الذَّاتِ يَكُونُ يَمِينًا وَإِنْ حَلَفَ بِصِفَاتِ الْفِعْلِ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عِنْدَهُمْ أَنَّ كُلَّ وَصْفٍ جَازَ أَنْ يُوصَفَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَبِضِدِّهِ فَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ كَالرِّضَا وَالْغَضَبِ وَالسَّخَطِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمَنْعِ وَالْإِعْطَاءِ وَكُلِّ مَا جَازَ أَنْ يُوصَفَ بِهِ لَا بِضِدِّهِ فَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ كَعِزَّةِ اللَّهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَجَلَالِهِ وَقُدْرَتِهِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى كُلَّهَا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ «ثَلَاثٌ جَدُّهُنَّ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْيَمِينُ» . اهـ. هِدَايَةٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ){فَرْعٌ} رَجُلٌ قَالَ وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ لَا أَفْعَلُ كَذَا فَفَعَلَ فِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ يَلْزَمُهُ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ وَيَتَعَدَّدُ الْيَمِينُ بِتَعَدُّدِ الِاسْمِ إذَا لَمْ يَجْعَلْ الثَّانِيَ نَعْتًا لِلْأَوَّلِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةً وَاحِدَةً وَبِهِ أَخَذَ مَشَايِخُ سَمَرْقَنْدَ لِأَنَّ الْوَاوَ بَيْنَ الِاسْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَبَيْنَ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَاوُ الْقَسَمِ لَا وَاوُ الْعَطْفِ فَلَمْ يَتَّصِلْ الثَّانِي بِالْأَوَّلِ وَلَا الثَّانِي بِالثَّالِثِ وَإِذَا ذَكَرَ الْخَبَرَ عَقِيبَ الثَّالِثِ اقْتَصَرَ الْخَبَرُ عَلَى الثَّالِثِ وَكَانَتْ يَمِينًا وَاحِدَةً وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ

وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ لَا أَفْعَلُ كَذَا فَفَعَلَ يَلْزَمُهُ كَفَّارَتَانِ فِي قَوْلِهِمْ وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا تَعَدَّدَ الْيَمِينُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله أَنَّ فِي الِاسْمِ الْوَاحِدِ لَا تَتَعَدَّدُ الْيَمِينُ وَيُحْمَلُ الثَّانِي عَلَى التَّأْكِيدِ وَالتَّكْرَارُ وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ ثُمَّ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلَهَا مَرَّةً يَلْزَمُهُ كَفَّارَتَانِ وَكَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك ثُمَّ قَالَ فِي مَجْلِسِهِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك فَقَرِبَهَا مَرَّةً يَلْزَمُهُ كَفَّارَتَانِ وَحُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ أَنَّهُ قَالَ إذَا قَالَ الرَّجُلُ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا فَكَلَّمَهُ مَرَّةً إنْ نَوَى بِالثَّانِي التَّكْرَارَ وَالتَّأْكِيدَ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ جَعَلَ الِاسْمَ الثَّانِيَ نَعْتًا لِلْأَوَّلِ فَكَانَتْ يَمِينًا وَاحِدَةً كَمَا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ الْعَزِيزِ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَلَوْ قَالَ بِاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَسَكَّنَ الْهَاءَ أَوْ نَصَبَهَا أَوْ رَفَعَهَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى بِحَرْفِ الْقَسَمِ وَالْخَطَأُ فِي الْإِعْرَابِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْيَمِينِ وَلَوْ قَالَ اللَّهَ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَسَكَّنَ الْهَاءَ أَوْ نَصَبَهَا لَا يَكُونُ يَمِينًا لِانْعِدَامِ حَرْفِ الْقَسَمِ إلَّا أَنْ يُعَرِّبَهَا بِالْكَسْرِ فَيَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ الْكَسْرَ يَقْتَضِي سَبْقَ حَرْفِ الْخَافِضِ وَهُوَ حَرْفُ الْقَسَمِ. اهـ. قَاضِي خَانْ

(قَوْلُهُ وَإِنْ حَلَفَ بِصِفَاتِ الْفِعْلِ لَا يَكُونُ يَمِينًا) وَالْمُرَادُ بِالِاسْمِ هَاهُنَا لَفْظٌ دَالٌّ عَلَى الذَّاتِ الْمَوْصُوفَةِ بِصِفَةٍ كَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ وَبِالصِّفَةِ الْمَصَادِرُ الَّتِي تَحْصُلُ عَنْ وَصْفِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَسْمَاءِ فَاعِلِهَا كَالرَّحْمَةِ وَالْعِلْمِ وَالْعِزَّةِ اهـ

ص: 109

صِفَاتٌ لِلذَّاتِ وَكُلُّهَا قَدِيمَةٌ فَلَا يَسْتَقِيمُ الْفَرْقُ وَالْأَيْمَانُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ فَمَا تَعَارَفَ النَّاسُ الْحَلِفَ بِهِ يَكُونُ يَمِينًا وَمَا لَا فَلَا، وَلَوْ قَالَ وَعِلْمِ اللَّهِ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْمَعْلُومُ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُتَعَارَفْ الْحَلِفُ بِهِ وَلَوْ نَوَى الْعِلْمَ الْحَقِيقِيَّ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِعَدَمِ الْعُرْفِ، وَقُدْرَةُ اللَّهِ تَكُونُ يَمِينًا لِلْعُرْفِ

وَقَوْلُهُ أُقْسِمُ أَوْ أَحْلِفُ أَوْ أَشْهَدُ إنَّمَا كَانَ يَمِينًا وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِاَللَّهِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْحَلِفِ عُرْفًا وَهَذِهِ الصِّيَغُ لِلْحَالِ حَقِيقَةً وَتُسْتَعْمَلُ فِي الِاسْتِقْبَالِ بِقَرِينَةِ السِّينِ أَوْ سَوْفَ أَوْ إذَا أَوْ لَنْ أَوْ عَلَى أَوْ أَنْ فَجُعِلَ حَالِفًا بِهَا لِلْحَالِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون: 1] ثُمَّ قَالَ {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [المجادلة: 16] فَسَمَّاهُ يَمِينًا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا الِاسْمَ فَدَلَّ أَنَّ الشَّهَادَةَ يَمِينٌ وَأَنَّ ذِكْرَ الِاسْمِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله لَا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا إذَا قَالَ بِاَللَّهِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْحَلِفَ بِاَللَّهِ وَبِغَيْرِهِ وَيَحْتَمِلُ الْوَعْدَ وَلَنَا مَا بَيَّنَّا وَلِأَنَّ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ تَعَالَى هُوَ الْمَعْهُودُ الْمَشْرُوعُ وَبِغَيْرِهِ مَحْظُورٌ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْأَوَّلِ بِلَا نِيَّةٍ فِي الصَّحِيحِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ كَانَ وَعْدًا لَكَانَ مَعَ اسْمِ اللَّهِ أَيْضًا وَعْدًا

وَلَوْ قَالَ سوكندمي خورم بخدي يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ لِلْحَالِ وَلَوْ قَالَ سوكند خورم قِيلَ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ وَعْدٌ وَلَوْ قَالَ سوكند خورم بِطَلَاقِ زنم لَا يَكُونُ يَمِينًا لِعَدَمِ التَّعَارُفِ وَإِنَّمَا كَانَ حَالِفًا بِقَوْلِهِ لَعَمْرُ اللَّهِ وَأَيْمُ اللَّهِ وَعَهْدِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ وَعَلَيَّ نَذْرٌ وَنَذْرُ اللَّهِ لِأَنَّ عَمْرَ اللَّهِ بَقَاؤُهُ فَكَانَ صِفَةً لَهُ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْحَلِفَ بِالصِّفَاتِ وَأَيْمٌ أَصْلُهُ أَيْمُنٌ وَهُوَ جَمْعُ يَمِينٍ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ وَحَذْفُ الْهَمْزَةِ فِي الْوَصْلِ تَخْفِيفٌ وَكَذَا حَذَفُوا النُّونَ تَخْفِيفًا فَقَالُوا أَيْمُ اللَّهِ وَإِيمُ اللَّهِ بِالْكَسْرِ أَيْضًا وَرُبَّمَا حَذَفُوا الْيَاءَ أَيْضًا فَقَالُوا أَمُّ اللَّهِ وَرُبَّمَا أَبْقَوْا الْمِيمَ وَحْدَهَا مَضْمُومَةً وَمَكْسُورَةً فَقَالُوا مُ اللَّهِ وَرُبَّمَا قَالُوا مُنُ اللَّهِ وَمَنُ اللَّهِ وَمُنْ اللَّهِ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ وَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ لَيْسَتْ جَمْعًا وَالْهَمْزَةُ لِلْوَصْلِ وَالْجَمْعُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَفَّفَ حَتَّى يَبْقَى عَلَى حَرْفٍ وَاخْتَارَ الزَّجَّاجُ وَابْنُ كَيْسَانَ قَوْلَ الْكُوفِيِّينَ وَقَالَا إنَّمَا خُفِّفَتْ هَمْزَتُهَا وَطُرِحَتْ فِي الْوَصْلِ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِمْ وَالْمُفْرَدُ لَا يَأْتِي عَلَى أَفْعُلٍ وَقَلَّ آنُكُ وَأَسْنِمَةٌ وَأَنْمُلَةٌ لُغَيَّةٌ وَالْعَهْدُ يَمِينٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: 91] ثُمَّ قَالَ {وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل: 91] وَالْمِيثَاقُ بِمَعْنَى الْعَهْدِ

وَكَذَا الذِّمَّةُ وَلِهَذَا سُمِّيَ الْمُعَاهَدُ ذِمِّيًّا وَالنَّذْرُ إذَا لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «كَفَّارَةُ النَّذْرِ إذَا لَمْ يُسَمِّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ النَّذْرُ مُطْلَقًا أَوْ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يُسَمِّيَ شَيْئًا أَوْ لَا فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا فِي الْمُطْلَقِ وَالْمُعَلَّقِ تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ لَكِنْ فِي الْمُطْلَقِ تَجِبُ لِلْحَالِ وَفِي الْمُعَلَّقِ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ وَإِنْ سَمَّى شَيْئًا فَفِي الْمُطْلَقِ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ وَكَذَا فِي الْمُعَلَّقِ إنْ كَانَ التَّعْلِيقُ بِشَرْطٍ يُرَادُ كَوْنُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُرَادُ كَوْنُهُ قِيلَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِالنَّذْرِ وَقِيلَ يُجْزِيهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ أَوْفَى بِالْمَنْذُورِ وَهُوَ الصَّحِيحُ رَجَعَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَقِيلَ بِسَبْعَةٍ وَكَذَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ يَمِينٌ يَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ عَلَيَّ مُوجِبُ الْيَمِينِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ قَوْلُهُ إنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ يَمِينًا لِأَنَّ حُرْمَةَ الْكُفْرِ كَحُرْمَةِ هَتْكِ الِاسْمِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ نَسْخُهُ عَقْلًا فَإِذَا جَعَلَهُ عَلَمًا عَلَى الْكُفْرِ فَقَدْ اعْتَقَدَهُ وَاجِبَ الِامْتِنَاعِ

وَقَدْ أَمْكَنَ الْقَوْلُ بِوُجُوبِهِ بِغَيْرِهِ بِجَعْلِهِ يَمِينًا كَمَا يَقُولُ فِي تَحْرِيمِ الْحَلَالِ وَإِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ لِشَيْءٍ قَدْ فَعَلَهُ فِي الْمَاضِي فَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ صَادِقٌ عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ يُكَفِّرُ عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْكُفْرَ بِمَا هُوَ مَوْجُودٌ وَالتَّعْلِيقُ بِالْمَوْجُودِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ سُوكِنْدِمِي) الْيَمِينُ (قَوْلُهُ خورم) أَحْلِفُ (قَوْلُهُ بخدي) بِاَللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَأَنْمُلَةٌ) قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْأُنْمُلَةُ بِالْفَتْحِ وَاحِدَةُ الْأَنَامِلِ وَهِيَ رُءُوسُ الْأَصَابِعِ اهـ وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْأُنْمُلَةُ الْعُقْدَةُ مِنْ الْأَصَابِعِ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ الْأَنَامِلُ رُءُوسُ الْأَصَابِعِ قَالَ وَعَلَيْهِ قَوْلُ الْأَزْهَرِيُّ الْأُنْمُلَةُ الْمَفْصِلُ الَّذِي فِيهِ الظُّفْرُ وَهِيَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحُ الْمِيمِ أَكْثَرُ مِنْ ضَمِّهَا وَابْنُ قُتَيْبَةَ يَجْعَلُ الضَّمَّ مِنْ لَحْنِ الْعَوَامّ اهـ

وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ السَّنَامُ وَاحِدُ أَسْنِمَةِ الْإِبِلِ وَأَسْنِمَةٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ النُّونِ أَكِمَّةٌ مَعْرُوفَةٌ بِقُرْبِ طِخْفَةَ اهـ. وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ الْآنُكُ الْأُسْرُبُّ وَفِي الْحَدِيثِ «مَنْ اسْتَمَعَ إلَى قَيْنَةٍ صُبَّ فِي أُذُنَيْهِ الْآنُكُ» وَأَفْعُلٌ مِنْ أَبْنِيَةِ الْجَمْعِ وَلَمْ يَجِئْ عَلَيْهِ الْوَاحِدُ إلَّا الْآنُكُ وَأَشُدَّ اهـ وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا فِي بَابِ الدَّالِ وقَوْله تَعَالَى {حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} [الأنعام: 152] أَيْ قُوَّتَهُ وَهُوَ مَا بَيْنَ ثَمَانِي عَشْرَةَ إلَى ثَلَاثِينَ وَهُوَ وَاحِدٌ جَاءَ عَلَى بِنَاءِ الْجَمْعِ مِثْلُ آنُكِ وَهُوَ الْأُسْرُبُّ وَلَا نَظِيرَ لَهُمَا وَيُقَالُ هُوَ جَمْعٌ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ مِثْلُ آسَالٍ وَأَبَابِيلَ وَعَبَادِيدَ وَمَذَاكِيرَ وَكَانَ سِيبَوَيْهِ يَقُولُ وَاحِدُهُ شِدَّةٌ وَهُوَ حَسَنٌ فِي الْمَعْنَى لِأَنَّهُ يُقَالُ بَلَغَ الْغُلَامُ شِدَّتَهُ وَلَا تُجْمَعُ فَعِلَةٌ عَلَى أَفْعُلٍ وَأَمَّا أَنْعُمٍ فَهُوَ جَمْعُ نَعَمٍ مِنْ قَوْلِهِمْ يَوْمٌ بُؤْسٌ وَيَوْمٌ نَعَمٌ اهـ قَوْلُهُ وَأَشَدُّ أَصْلُهُ أَشْدُدٌ نُقِلَتْ حَرَكَةُ الدَّالِ الْأُولَى إلَى مَا قَبْلَهَا ثُمَّ أُدْغِمَ. اهـ. (قَوْلُهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ النَّذْرُ مُطْلَقًا) كَقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ نَذْرُ اللَّهِ عَلَيَّ أَوْ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ أَوْ صَدَقَةٌ أَوْ صَوْمُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَهَذَا كُلُّهُ مُطْلَقٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْهُ بِشَرْطٍ لَمْ يَقُلْ إذَا جَاءَ فُلَانٌ وَنَحْوُهُ اهـ

(قَوْلُهُ إمَّا أَنْ يُسَمِّي شَيْئًا) كَقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ أَوْ صَدَقَةٌ أَوْ حَجٌّ اهـ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقٌ فَهُوَ عَلَى رَقَبَةٍ لِأَنَّ ذَلِكَ أَقَلُّ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ صَوْمٌ فَعَلَيْهِ صَوْمُ يَوْمٍ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِهِ شَرْعًا وَأَدْنَى مَا يَجِبُ بِالْأَمْرِ وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي لَوْ قَالَ عَلَيَّ صِيَامٌ يَلْزَمُهُ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّ ذَلِكَ أَقَلُّ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [البقرة: 196]. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا فِي الْمُعَلَّقِ) إنْ كَانَ التَّعْلِيقُ بِشَرْطٍ يُرَادُ كَوْنُهُ كَالشِّفَاءِ مِنْ الْمَرَضِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُرَادُ كَوْنُهُ) كَشُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ كَلَامِ زَيْدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ يُكَفِّرُ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي فَصْلِ النُّذُورِ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ مَا نَصُّهُ أَلَا تَرَى مَا ذُكِرَ عَنْ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ إذَا أَضَافَ النَّذْرَ إلَى سَائِرِ الْمَعَاصِي وَعَنَى بِهِ الْيَمِينَ بِأَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَقْتُلَ فُلَانًا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ يَمِينًا وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ اهـ

ص: 110

تَنْجِيزٌ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ هُوَ كَافِرٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ لَا يُكَفِّرُ اعْتِبَارًا لِلْمَاضِي بِالْمُسْتَقْبَلِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ كَانَ عَالِمًا أَنَّهُ يَمِينٌ لَا يُكَفِّرُ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا أَوْ عِنْدَهُ أَنَّهُ يُكَفِّرُ بِالْحَلِفِ فِي الْغَمُوسِ أَوْ بِمُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ يُكَفِّرُ فِيهِمَا لِأَنَّهُ لَمَّا أَقْدَمَ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ أَنَّهُ يُكَفِّرُ فَقَدْ رَضِيَ بِالْكُفْرِ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الْمَعْصِيَةِ بِالشَّرْطِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ زَانٍ أَوْ شَارِبُ خَمْرٍ وَنَحْوُهُ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ مَنْ حَلَفَ بِالتَّهَوُّدِ فَهُوَ يَمِينٌ وَلِأَنَّ حُرْمَتَهُ كَحُرْمَةِ هَتْكِ الِاسْمِ إذْ لَا يَحْتَمِلُ التَّبْدِيلَ عَلَى مَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّبْدِيلَ عَقْلًا فَلَا يَكُونُ كَالْكُفْرِ فِي الْحُرْمَةِ

قَالَ رحمه الله (لَا بِعِلْمِهِ وَغَضَبِهِ وَسَخَطِهِ وَرَحْمَتِهِ وَالنَّبِيِّ وَالْقُرْآنِ وَالْكَعْبَةِ وَحَقِّ اللَّهِ وَإِنْ فَعَلْته فَعَلَيَّ غَضَبُ اللَّهِ وَسَخَطُهُ أَوْ أَنَا زَانٍ أَوْ سَارِقٌ أَوْ شَارِبُ خَمْرٍ أَوْ آكِلُ رِبًا) أَيْ الْحَلِفُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ لَا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا قَوْلَهُ وَسَخَطِهِ وَغَضَبِهِ وَرَحْمَتِهِ وَالْقُرْآنِ وَالْكَعْبَةِ وَالنَّبِيِّ وَحَقِّ اللَّهِ فَلِمَا رَوَيْنَا وَبَيَّنَّا أَنَّ الْيَمِينَ لَا يَكُونُ بِغَيْرِ اللَّهِ لِأَنَّ الْعِلْمَ يُرَادُ بِهِ الْمَعْلُومُ وَالْغَضَبُ وَالسَّخَطُ يُرَادُ بِهِ أَثَرُهُ وَهُوَ النَّارُ وَكَذَا الرَّحْمَةُ يُرَاد بِهَا أَثَرُهَا وَهِيَ الْجَنَّةُ وَالْقُرْآنُ يُرَادُ بِهِ الْحُرُوفُ الَّتِي فِي اللَّهَوَاتِ وَالنُّقُوشُ الَّتِي فِي الْمَصَاحِفِ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَيَّ غَضَبُ اللَّهِ وَنَحْوَهُ دُعَاءٌ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَا نَحْنُ فِيهِ

وَكَذَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِالتَّحَالُفِ بِهِ وَكَذَا إذَا قَالَ وَالنَّبِيِّ وَالْقُرْآنِ وَالْكَعْبَةِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وَأَمَّا إذَا قَالَ هُوَ بَرِيءٌ مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ التَّبَرِّي مِنْهُ كُفْرٌ وَالْحَقُّ الْمُضَافُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى طَاعَتُهُ فَقِيلَ لِلنَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام «مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ فَقَالَ أَنْ لَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَيَعْبُدُوهُ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ» وَالْحَلِفُ بِالطَّاعَةِ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ حَلِفٌ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ وَالْحَقُّ لِأَنَّهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ الْحَقَّ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَجَوَابُهُ مَا تَقَدَّمَ وَلَوْ قَالَ حَقًّا لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ الْمُنَكَّرَ مِنْهُ يُرَادُ بِهِ تَحْقِيقُ الْوَعْدِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَفْعَلُ كَذَا حَقِيقَةً لَا مَحَالَةَ وَلَوْ قَالَ وَوَجْهِ اللَّهِ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ الْوَجْهَ يُذْكَرُ بِمَعْنَى الذَّاتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن: 27] وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الذَّاتُ وَيُرَادُ بِهِ الثَّوَابُ يُقَالُ افْعَلْ هَذَا لِابْتِغَاءِ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْ ثَوَابِهِ

وَلَوْ قَالَ وَأَمَانَةِ اللَّهِ يَكُونُ يَمِينًا فِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ وَلَمَّا سُئِلَ عَنْ مَعْنَاهُ فَقَالَ لَا أَدْرِي كَأَنَّهُ وَجَدَ النَّاسَ يَحْلِفُونَ بِهِ فَجَعَلَهُ يَمِينًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْفَرَائِضَ وَأَمَّا قَوْلُهُ إنْ فَعَلْته فَعَلَيَّ غَضَبُ اللَّهِ وَسَخَطُهُ أَوْ أَنَا زَانٍ أَوْ سَارِقٌ أَوْ شَارِبُ خَمْرٍ أَوْ آكِلُ رِبًا فَلِعَدَمِ التَّعَارُفِ بِالْحَلِفِ بِهَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ هُوَ كَافِرٌ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِالْحَلِفِ وَبِهِ قَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى

قَالَ رحمه الله (وَحُرُوفُهُ الْبَاءُ وَالْوَاوُ وَالتَّاءُ) أَيْ حُرُوفُ الْقَسَمِ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ كَقَوْلِهِ بِاَللَّهِ وَوَاللَّهِ وَتَاللَّهِ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَعْهُودٌ فِي الْكَلَامِ وَمَذْكُورٌ فِي الْقُرْآنِ وَالْبَاءُ هِيَ الْأَصْلُ وَهِيَ أُمُّ الْبَابِ تَدْخُلُ عَلَى الظَّاهِرِ وَالْمُضْمَرِ كَقَوْلِهِ بِاَللَّهِ وَبِهِ وَيَجُوزُ إظْهَارُ الْفِعْلِ مَعَهَا تَقُولُ حَلَفْت بِاَللَّهِ وَالْوَاوُ بَدَلٌ عَنْ الْبَاءِ تَدْخُلُ عَلَى الْمُظَهَّرِ كَقَوْلِك وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ وَلَا تَدْخُلُ عَلَى الْمُضْمَرِ لَا يُقَالُ وَكَ وَلَا وَهْ مِثْلُ مَا يُقَالُ بِك وَبِهِ وَلَا يَجُوزُ إظْهَارُ الْفِعْلِ مَعَهَا لَا تَقُولُ أَحْلِفُ وَاَللَّهِ كَمَا تَقُولُ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ وَالتَّاءُ بَدَلٌ مِنْ الْوَاوِ وَهِيَ تَدْخُلُ عَلَى لَفْظَةِ اللَّهِ خَاصَّةً تَقُولُ تَاللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} [يوسف: 85] وَلَا تَقُولُ تَالرَّحْمَنِ وَلَا تَالرَّحِيمِ وَأَلْحَقَ الْأَخْفَشُ بِتَاللَّهِ تَرَبِّ الْكَعْبَةِ وَهُوَ شَاذٌّ وَلَا يَجُوزُ إظْهَارُ الْفِعْلِ مَعَهَا لَا تَقُولُ أَحْلِفُ تَاللَّهِ وَلَا أُقْسِمُ تَاللَّهِ وَلَهُ حُرُوفٌ أُخَرُ وَهِيَ لَامُ الْقَسَمِ وَحُرُوفُ التَّنْبِيهِ وَهَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ وَقَطْعُ أَلْفِ الْوَصْلِ وَالْمِيمُ الْمَكْسُورَةُ وَالْمَضْمُومَةُ فِي الْقِسْمِ وَمَنْ كَقَوْلِهِ لِلَّهِ وَهَا اللَّهِ وَآللَّهِ وَمُ اللَّهِ وَمُنُ اللَّهِ، وَاللَّامُ بِمَعْنَى التَّاءِ وَيَدْخُلُهُمَا مَعْنَى التَّعَجُّبِ وَرُبَّمَا جَاءَتْ التَّاءُ لِغَيْرِ التَّعَجُّبِ دُونَ اللَّامِ قَالَ رحمه الله (وَقَدْ تُضْمَرُ) أَيْ وَقَدْ تُضْمَرُ حُرُوفُ الْقَسَمِ فَيَكُونُ حَالِفًا كَقَوْلِهِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُكَفِّرُ) اعْتِبَارًا لِلْمَاضِي بِالْمُسْتَقْبِلِ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَلَوْ قَالَ هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ أَوْ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ أَوْ بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ إنْ فَعَلَ كَذَا عِنْدَنَا يَكُونُ يَمِينًا وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ هَلْ يَصِيرُ كَافِرًا فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ حَلَفَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَعَلَّقَ الْكُفْرَ بِأَمْرٍ مَاضٍ وَقَالَ هُوَ يَهُودِيٌّ لَوْ كَانَ فَعَلَ كَذَا وَقَدْ كَانَ فَعَلَ وَهُوَ عَالِمٌ وَقْتَ الْيَمِينِ أَنَّهُ كَاذِبٌ اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَصِيرُ كَافِرًا لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَاضِي يُتَنَجَّزُ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُكَفِّرُ وَلَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهَا غَمُوسٌ وَإِنْ حَلَفَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُكَفِّرُ وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ يَنْتَظِرُ إنْ كَانَ فِي اعْتِقَادِ الْحَالِفِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ بِذَلِكَ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمَاضِي يَصِيرُ كَافِرًا فِي الْحَالِ فَيَصِيرُ كَافِرًا وَإِنْ حَلَفَ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَفِي اعْتِقَادِهِ أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ يَصِيرُ كَافِرًا فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ يَصِيرُ كَافِرًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي اعْتِقَادِهِ ذَلِكَ لَا يَكْفُرُ سَوَاءٌ كَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَوْ فِي الْمَاضِي. اهـ.

(قَوْلُهُ لِأَنَّ التَّبَرِّي مِنْهُ كُفْرٌ) وَتَعْلِيقُ الْكُفْرِ بِالشَّرْطِ يَمِينٌ. اهـ. كَافِي وَلَوْ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْمُصْحَفِ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَلَوْ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِمَّا فِي الْمُصْحَفِ يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ مَا فِي الْمُصْحَفِ قُرْآنٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْقُرْآنِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ أَيْ ثَوَابُهُ) أَيْ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا بِالشَّكِّ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ وَأَمَانَةِ اللَّهِ يَكُونُ يَمِينًا) فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ كَأَنَّهُ وَاَللَّهِ الْأَمِينِ. اهـ. كَافِي وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الطَّاعَاتِ اِ هـ كَافِي (قَوْلُهُ وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى) أَيْ قَبْلَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ اِ هـ

(قَوْلُهُ كَقَوْلِهِ بِاَللَّهِ) قَالَ فِي الْكَافِي فَالْبَاءُ تَدْخُلُ عَلَى الْمَظْهَرِ وَالْمُضْمَرِ وَالْوَاوُ لَا تَدْخُلُ إلَّا عَلَى الْمَظْهَرِ وَالتَّاءُ لَا تَدْخُلُ إلَّا عَلَى مَظْهَرٍ وَاحِدٍ وَهُوَ اسْمُ اللَّهِ لِأَنَّ الْبَاءَ أَصْلٌ وَالْوَاوُ مُلْحَقٌ بِهِ لِأَنَّ فِي الْإِلْصَاقِ مَعْنَى الْجَمْعِ وَلِهَذَا لَا يُسْتَعْمَلُ إظْهَارُ الْفِعْلِ مَعَ الْوَاوِ وَالتَّاءُ مُلْحَقٌ بِالْوَاوِ

ص: 111

اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا لِأَنَّ حَذْفَ الْحَرْفِ مُتَعَارَفٌ بَيْنَهُمْ اخْتِصَارًا ثُمَّ إذَا حُذِفَ الْحَرْفُ وَلَمْ تُعَوَّضْ مِنْهُ هَا التَّنْبِيهُ وَلَا هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ وَلَا قَطْعُ أَلْفِ الْوَصْلِ لَمْ يَجُزْ الْخَفْضُ إلَّا فِي اسْمِ اللَّهِ بَلْ يُنْصَبُ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ أَوْ يُرْفَعْ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ ابْتِدَاءٍ مُضْمَرٌ إلَّا فِي اسْمَيْنِ فَإِنَّهُ الْتَزَمَ فِيهِمَا الرَّفْعَ وَهُمَا أَيْمُنُ اللَّهِ وَلَعَمْرُ اللَّهِ.

قَالَ رحمه الله (وَكَفَّارَتُهُ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ أَوْ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ كَهُمَا فِي الظِّهَارِ أَوْ كِسْوَتُهُمْ بِمَا يَسْتُرُ عَامَّةَ الْبَدَنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ} [المائدة: 89] الْآيَةَ. وَكَلِمَةُ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ فَكَانَ الْوَاجِبُ أَحَدَ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ وَقَوْلُهُ كَهُمَا فِي الظِّهَارِ أَيْ كَالْإِطْعَامِ وَالتَّحْرِيرِ فِي الظِّهَارِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُمَا هُنَاكَ وَقَوْلُهُ {أَوْ كِسْوَتُهُمْ} [المائدة: 89] بِمَا يَسْتُرُ عَامَّةَ الْبَدَنِ أَيْ كِسْوَةُ عَشْرَةِ مَسَاكِينَ بِثَوْبٍ يَسْتُرُ عَامَّةَ الْجَسَدِ وَهُوَ بَيَانُ أَدْنَى الْكِسْوَةِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رضي الله عنهما وَالْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله أَنَّ أَدْنَاهُ مَا يَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ حَتَّى يَجُوزَ السَّرَاوِيلُ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ لَابِسٌ شَرْعًا إذْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَقَدْ أَقَامَهُ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إنْ أَعْطَى الْمَرْأَةَ ذَلِكَ الْقَدْرَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ لَابِسَهُ يُسَمَّى عُرْيَانًا فِي الْعُرْفِ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْمُطْلَقَاتِ وَذَلِكَ قَمِيصٌ أَوْ إزَارٌ أَوْ رِدَاءٌ وَلَكِنَّ مَا لَا يُجْزِيهِ عَنْ الْكِسْوَةِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

لِأَنَّهُمَا مِنْ حُرُوفِ الزَّوَائِدِ وَتُبْدَلُ بِهَا فِي نَحْوِ تُجَاهٍ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَكَفَّارَتُهُ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ إلَخْ) شَرَعَ فِي الْكَفَّارَةِ بَعْدَ بَيَانِ مَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ وَمَا لَا يَنْعَقِدُ لِأَنَّهَا تَكُونُ بَعْدَ الْيَمِينِ لِوُجُوبِهَا بِالْحِنْثِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ الْكَفَّارَةُ فَعَّالَةٌ مِنْ الْكُفْرِ وَهُوَ السَّتْرُ وَبِهِ سُمِّيَ اللَّيْلُ كَافِرًا قَالَ

فِي لَيْلَةٍ كَفَرَ النُّجُومَ غَمَامُهَا

وَتَكَفَّرَ بِثَوْبِهِ اشْتَمَلَ بِهِ وَإِضَافَتُهَا إلَى الْيَمِينِ فِي قَوْلِنَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ إضَافَةٌ إلَى الشَّرْطِ مَجَازًا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إضَافَةٌ إلَى السَّبَبِ فَالْيَمِينُ هِيَ السَّبَبُ اهـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ عِتْقُ رَقَبَةٍ قَالَ الْكَمَالُ أَيْ إعْتَاقُهَا لَا نَفْسَ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ لَوْ وَرِثَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ فَنَوَى عَنْ الْكَفَّارَةِ لَا يَجُوزُ وَيُجْزِئُ فِيهَا مَا يُجْزِئُ فِي الظِّهَارِ وَتَقَدَّمَ الْمُجْزِئُ فِي الظِّهَارِ مِنْ أَنَّهَا الْمُسْلِمَةُ وَالْكَافِرَةُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرَةُ وَالْكَبِيرَةُ وَلَا يُجْزِئُ فَائِتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَتُجْزِئُ الْعَوْرَاءُ لَا الْعَمْيَاءُ وَمَقْطُوعُ إحْدَى الْيَدَيْنِ وَإِحْدَى الرِّجْلَيْنِ مِنْ خِلَافِ وَلَا يَجُوزُ مَقْطُوعُهُمَا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا مَقْطُوعُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَفِي الْأَصَمِّ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ

وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِحَيْثُ إذَا صِيحَ عَلَيْهِ يَسْمَعُ جَازَ وَلَا يَجُوزُ الْمَجْنُونُ الَّذِي لَا يُفِيقُ وَمَنْ يُفِيقُ وَيُجَنُّ يَجُوزُ وَلَا الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ لِأَنَّهُمَا لِاسْتِحْقَاقِهِمَا الْحُرِّيَّةَ نَقَصَ الرِّقُّ فِيهِمَا بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ الَّذِي لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا يَجُوزُ بِخِلَافِ الَّذِي أَدَّى بَعْضَ شَيْءٍ لِأَنَّهُ كَالْمَعْتُوقِ بِعِوَضٍ وَإِنْ شَاءَ كَسَا عَشْرَةَ مَسَاكِينَ كُلَّ وَاحِدٍ ثَوْبًا فَمَا زَادَ يَعْنِي إنْ كَسَاهُ ثَوْبَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَهُوَ أَفْضَلُ وَأَدْنَاهُ مَا يَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَإِنْ شَاءَ أَطْعَمَ عَشْرَةَ مَسَاكِينَ كَالْإِطْعَامِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَهِيَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ بِإِسْنَادِهِ إلَى عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ نِصْفُهُ مِنْ بُرٍّ وَبِإِسْنَادِهِ إلَى عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ وَبِسَنَدِهِ إلَى الْحَسَنِ رضي الله عنه قَالَ يُغَدِّيهِمْ وَيُعَشِّيهِمْ وَبِإِسْنَادِهِ إلَى مُجَاهِدٍ قَالَ كُلُّ كَفَّارَةٍ فِي الْقُرْآنِ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ وَلَوْ غَدَّاهُمْ وَعَشَّاهُمْ وَفِيهِمْ فَطِيمٌ أَوْ فَوْقَهُ قَرِيبًا لَمْ يَجُزْ عَنْ إطْعَامِ مِسْكِينٍ وَيَجُوزُ أَنْ يُغَدِّيَهُمْ وَيُعَشِّيَهُمْ بِخُبْزٍ إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ بُرًّا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِدَامُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ فَبِإِدَامٍ وَيُجْزِئُ فِي الْإِطْعَامِ كُلٌّ مِنْ التَّمْلِيكِ وَالْإِبَاحَةِ وَتَقَدَّمَ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 89] وَكَلِمَةُ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ فَكَانَ الْوَاجِبُ أَحَدَ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ وَلِلْعَبْدِ الْخِيَارُ فِي تَعْيِينِ أَيِّهِمَا شَاءَ وَيَتَعَيَّنُ الْوَاجِبُ عَيْنًا بِفِعْلِ الْعَبْدِ وَالْمَسْأَلَةُ طَوِيلَةٌ فِي الْأُصُولِ اهـ

قَوْلُهُ وَالصَّغِيرَةُ إلَخْ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَطْلَقَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَلَمْ يُقَيِّدْ فَجَازَ هُنَا مَا جَازَ ثَمَّةَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَقَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ مَقْطُوعُهُمَا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ أَيْ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْمَشْيِ مُتَعَذِّرَةٌ اهـ (قَوْلُهُ وَذَلِكَ قَمِيصٌ أَوْ إزَارٌ) أَوْ قَبَاءٌ أَوْ كِسَاءٌ أَوْ جُبَّةٌ أَوْ مِلْحَفَةٌ لِأَنَّ لَابِسَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يُسَمَّى مُكْتَسِيًا فَيُجْزِئُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَفِي السَّرَاوِيلِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ قَالَ فِي نَوَادِرِ هِشَامٍ لَا يَجُوزُ فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ يَجُوزُ كَذَا فِي الْأَجْنَاسِ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ لَا يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ الْعِمَامَةُ وَلَا الْقَلَنْسُوَةُ وَلَا السَّرَاوِيلُ وَرَوَى ذَلِكَ ابْنُ سِمَاعَةَ وَبِشْرٌ وَعَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ إمْلَاءِ مُحَمَّدٍ عَنْهُ كَذَلِكَ أَنَّ لَابِسَهُ يُسَمَّى عُرْيَانَا وَقَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَعَنْ مُحَمَّدٍ إنْ أَعْطَى الْمَرْأَةَ لَا يَجُوزُ وَإِنْ أَعْطَى الرَّجُلَ يَجُوزُ لِجَوَازِ صَلَاتِهِ فِيهِ كَالْقَمِيصِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَذَكَرَ ابْنُ شُجَاعٍ فِي كِتَابِ الْكَفَّارَاتِ مِنْ تَصْنِيفِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ الْعِمَامَةُ قَدْرُهَا قَدْرُ الْإِزَارِ السَّابِغِ أَوْ مَا يُقْطَعُ قَمِيصًا يُجْزَى وَإِلَّا لَمْ يُجْزِهِ مِنْ الْكِسْوَةِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَسَا رَجُلًا فَأَمَّا إذَا كَسَا امْرَأَةً قَالَ الطَّحَاوِيُّ يَزِيدُ فِيهِ الْخِمَارَ لِأَنَّ رَأْسَهَا عَوْرَةٌ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ إذَا كَانَتْ مَكْشُوفَةً اهـ قَالَ الْكَمَالُ وَهَذَا يُشَابِهُ الرِّوَايَةَ الَّتِي عَنْ مُحَمَّدٍ فِي دَفْعِ السَّرَاوِيلِ أَنَّهُ لِلْمَرْأَةِ لَا يَكْفِي وَهَذَا كُلُّهُ ظَاهِرُ الْجَوَابِ وَإِنَّمَا ظَاهِرُ الْجَوَابِ مَا ثَبَتَ بِهِ اسْمُ الْمُكْتَسِي وَيَنْتَفِي عَنْهُ اسْمُ الْعُرْيَانِ وَعَلَيْهِ بُنِيَ عَدَمُ إجْزَاءِ السَّرَاوِيلِ لَا صِحَّةُ الصَّلَاةِ وَعَدَمُهَا فَإِنَّهُ لَا دَخْلَ لَهُ فِي الْأَمْرِ بِالْكِسْوَةِ إذْ لَيْسَ مَعْنَاهُ إلَّا جَعْلَ الْفَقِيرِ مُكْتَسِيًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَالْمَرْأَةُ إذَا كَانَتْ لَابِسَةً قَمِيصًا سَابِلًا وَإِزَارًا وَخِمَارًا غَطَّى رَأْسَهَا وَأُذُنَيْهَا دُونَ عُنُقِهَا لَا شَكَّ فِي ثُبُوتِ اسْمِ أَنَّهَا مُكْتَسِيَةٌ لَا عُرْيَانَةٌ وَمَعَ هَذَا لَا تَصِحُّ صَلَاتُهَا فَالْعِبْرَةُ لِثُبُوتِ ذَلِكَ الِاسْمِ صَحَّتْ الصَّلَاةُ أَوْ لَا اهـ

(قَوْلُهُ وَلَكِنَّ مَا لَا يُجْزِيهِ عَنْ الْكِسْوَةِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ ثُمَّ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِلْإِجْزَاءِ عَنْ الْإِطْعَامِ أَنْ يَنْوِيَ بِهِ عَنْ الْإِطْعَامِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُجْزِيهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ عَنْ الْإِطْعَامِ اهـ

ص: 112

يُجْزِيهِ عَنْ الطَّعَامِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ فِيهِ بَيْنَ الْكِسْوَةِ وَالْإِطْعَامِ بِخِلَافِ جَزَاءِ الصَّيْدِ حَيْثُ يَجُوزُ الْجَمْعُ فِيهِ بَيْنَ الْإِطْعَامِ وَالصَّوْمِ وَالْهَدْيِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فِي الْمَنَاسِكِ

وَأَجَازُوا هُنَا اعْتِبَارَ الْقِيمَةِ فِي الْمَنْصُوصِ لِاخْتِلَافِ الْمَقْصُودِ وَلَمْ يُجِيزُوا ذَلِكَ فِي الْإِطْعَامِ حَتَّى لَا يَجُوزَ إقَامَةُ الْبُرِّ مُقَامَ التَّمْرِ لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْإِطْعَامُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ جَعْلُهُ عَنْ الْإِطْعَامِ فِي الظَّاهِرِ خِلَافًا لِمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله لَا يَجُوزُ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ قَالَ رحمه الله (فَإِنْ عَجَزَ عَنْ أَحَدِهِمَا صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةً) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله يَتَخَيَّرُ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ وَلَا يَلْزَمُ حَمْلُ هَذَا الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِالتَّتَابُعِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ لِأَنَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ غَيْرَ مُتَعَارِضٍ بَيْنَ التَّقْيِيدَيْنِ وَأَمَّا إذَا تَعَارَضَا فَلَا لِأَنَّ حَمْلَهُ عَلَى أَحَدِهِمَا لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْآخَرِ وَهُنَا تَعَارَضَا لِأَنَّ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ مُقَيَّدَةٌ بِالتَّتَابُعِ وَكَذَا كَفَّارَةُ الْقَتْلِ وَصَوْمُ الْمُتْعَةِ مُقَيَّدٌ بِالتَّفْرِيقِ فَتَعَارَضَا فَبَقِيَ الْمُطْلَقُ عَلَى إطْلَاقِهِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَلَنَا قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيُّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ فَجَازَ التَّقْيِيدُ بِهَا لِأَنَّهَا مَشْهُورَةٌ فَصَارَتْ كَخَبَرِهِ الْمَشْهُورِ وَلَا يَلْزَمُنَا أَنَّا لَا نَحْمِلُ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ لِأَنَّ ذَلِكَ إذَا كَانَا فِي السَّبَبِ أَوْ فِي حُكْمَيْنِ

وَأَمَّا إذَا كَانَا فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ فَنَحْمِلُهُ وَقَوْلُهُ صَوْمُ الْمُتْعَةِ مُقَيَّدٌ بِالتَّفْرِيقِ مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ مُطْلَقٌ وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ صَوْمُ السَّبْعَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لِأَنَّ وَقْتَهُ لَمْ يَدْخُلْ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالرُّجُوعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ صَامَهُ فِيهَا مُتَفَرِّقًا لَا يَجُوزُ أَيْضًا ثُمَّ الْفَقْرُ وَالْيَسَارُ يُعْتَبَرُ وَقْتَ التَّكْفِيرِ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله يُعْتَبَرُ عِنْدَ الْحِنْثِ حَتَّى لَوْ حَنِثَ وَهُوَ مُوسِرٌ ثُمَّ أَعْسَرَ جَازَ لَهُ التَّكْفِيرُ بِالصَّوْمِ عِنْدَنَا وَبِعَكْسِهِ لَا يَجُوزُ وَعِنْدَهُ عَلَى الْعَكْسِ هُوَ يَعْتَبِرُهُ بِالْحَدِّ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّنْصِيفُ بِالرِّقِّ وَقْتَ الْوُجُوبِ وَلَنَا أَنَّ الصَّوْمَ بَدَلٌ عَنْ التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ وَقْتُ الْأَدَاءِ كَالتَّيَمُّمِ بَدَلٌ عَنْ الْمَاءِ فَيُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ وَقْتَ الِاسْتِعْمَالِ وَالشَّرْطُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَدَمُ الْأَصْلِ بِالنَّصِّ بِخِلَافِ الْحَدِّ فَإِنَّ حَدَّ الْعَبِيدِ لَيْسَ بِبَدَلٍ عَلَى حَدِّ الْأَحْرَارِ

قَالَ رحمه الله (وَلَا يُكَفَّرُ قَبْلَ الْحِنْثِ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ التَّكْفِيرُ قَبْلَ الْحِنْثِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله يَجُوزُ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ قَبْلَ الْحِنْثِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إذَا حَلَفْت عَلَى يَمِينٍ فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِك ثُمَّ ائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد وَهَذَا صَرِيحٌ فِي جَوَازِ تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ كَلِمَةَ ثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ وَلِأَنَّهُ أَدَّاهَا بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ وَهُوَ الْيَمِينُ بِدَلِيلِ إضَافَتِهَا إلَيْهَا فَيَجُوزُ كَمَا لَوْ كَفَّرَ بَعْدَ الْجُرْحِ قَبْلَ زَهُوقِ الرُّوحِ وَكَمَا إذَا كَفَّرَ بَعْدَ الظِّهَارِ وَقَبْلَ الْعَوْدِ وَلِأَنَّ الْوُجُوبَ حَاصِلٌ بِالسَّبَبِ وَوُجُوبُ الْأَدَاءِ مُتَرَاخٍ عَنْهُ بِالشَّرْطِ وَالْمَالِيُّ يَحْتَمِلُ الْفَصْلَ بَيْنَ وُجُوبِهِ وَوُجُوبِ أَدَائِهِ أَمَّا الْبَدَنِيُّ فَلَا يَحْتَمِلُ الْفَصْلَ فَلَمَّا تَأَخَّرَ الْأَدَاءُ لَمْ يَبْقَ الْوُجُوبُ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَمَّا وَجَبَ وَجَبَ أَدَاؤُهُ إذْ الصَّوْمُ هُوَ الْأَدَاءُ بِعَيْنِهِ بِخِلَافِ الْمَالِيِّ لِأَنَّ الْمَالَ مَعَ الْفِعْلِ مُتَغَايِرَانِ فَجَازَ أَنْ يَتَّصِفَ الْمَالُ بِالْوُجُوبِ وَلَا يَثْبُتَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّمَنَ يَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ وَلَا يَجِبُ الْأَدَاءُ مَا لَمْ يُطَالِبُ وَكَذَا فِي الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ يَجِبُ الْمَالُ وَلَا يَجِبُ الْأَدَاءُ

وَلَنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ لِسِتْرِ الْجِنَايَةِ وَلَا جِنَايَةَ قَبْلَ الْحِنْثِ، وَالْيَمِينُ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ أَدْنَى دَرَجَاتِ السَّبَبِ أَنْ يَكُونَ مُفْضِيًا إلَى الْحُكْمِ طَرِيقًا لَهُ وَالْيَمِينُ مَانِعَةٌ مِنْ الْحِنْثِ مُحَرِّمَةٌ لَهُ فَكَيْفَ تَكُونُ سَبَبًا لَهُ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ إلَّا بَعْدَ انْتِقَاضِ تَرْكِيبِ الْيَمِينِ بِالْحِنْثِ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يُقَالَ فِي شَيْءٍ إنَّهُ سَبَبٌ لِحُكْمٍ لَا يَثْبُتُ ذَلِكَ الْحُكْمُ إلَّا بَعْدَ انْتِقَاضِهِ بِخِلَافِ الْجُرْحِ لِأَنَّهُ مُفْضٍ إلَى الْمَوْتِ وَلِهَذَا يُجَامِعُهُ الْمَوْتُ وَهُنَا يَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُهُمَا وَبِخِلَافِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ فِيهِ لِرَفْعِ الْحُرْمَةِ وَهِيَ ثَابِتَةٌ قَبْلَ الْعُودِ وَفِي الْيَمِينِ لِسِتْرِ الْجِنَايَةِ وَهِيَ مَعْدُومَةٌ قَبْلَ الْحِنْثِ وَلَئِنْ قُلْنَا إنَّهُ سَبَبٌ فَإِنَّمَا يَصِيرُ سَبَبًا لَهُ وَقْتَ الْحِنْثِ وَقَبْلَهُ سَبَبٌ لِلْبِرِّ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَكُونُ سَبَبًا لِشَيْءٍ ثُمَّ يَجْعَلُهُ النَّاسُ سَبَبًا لِغَيْرِهِ كَإِنْزَالِ الْقُرْآنِ لِلْهُدَى وَالْكُفَّارُ جَعَلُوهُ سَبَبًا لِلضَّلَالِ وَتَأْوِيلُ مَا رَوَاهُ إنْ صَحَّ أَنَّ كَلِمَةَ ثُمَّ فِيهِ بِمَعْنَى الْوَاوِ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى الْوَاوِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ يُجْزِيهِ عَنْ الطَّعَامِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَوْ أَعْطَى عَشْرَةَ مَسَاكِينَ ثَوْبًا بَيْنَهُمْ وَهُوَ ثَوْبٌ كَثِيرُ الْقِيمَةِ يُصِيبُ كُلَّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ ثَوْبٍ لَمْ يُجْزِهِ مِنْ الْكِسْوَةِ وَأَجْزَأَهُ مِنْ الْإِطْعَامِ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ أَحَدِهِمَا) يَعْنِي إذَا حَنِثَ الرَّجُلُ فِي يَمِينِهِ وَهُوَ مُعْسِرٌ لَا يَجِدُ مَا يَعْتِقُ أَوْ يَكْسُو أَوْ يُطْعِمُ فَعَلَيْهِ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ اهـ

(قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّنْصِيفُ بِالرِّقِّ وَقْتَ الْوُجُوبِ) فَلَوْ زَنَى الْعَبْدُ ثُمَّ أُعْتِقَ يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ الْعَبِيدِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالشَّرْطُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَدَمُ الْأَصْلِ بِالنَّصِّ) قَالَ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [البقرة: 196] وَقَالَ تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] اهـ

(قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ قَبْلَ الْحِنْثِ) أَيْ دُونَ الصَّوْمِ اهـ وَعَنْهُ فِي التَّكْفِيرِ بِالصَّوْمِ قَبْلَ الْحِنْثِ رِوَايَتَانِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِدَلِيلِ إضَافَتِهَا إلَيْهَا) قَالَ تَعَالَى {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89] اهـ فَيُقَالُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَالْوَاجِبَاتُ تُضَافُ إلَى أَسْبَابِهَا. اهـ. كَافِي قَالَ الْكَمَالُ وَأَهْلُ اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ يَقُولُونَ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَلَا يَقُولُونَ كَفَّارَةُ الْحِنْثِ وَالْإِضَافَةُ دَلِيلُ سَبَبِيَّةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ لِلْمُضَافِ الْوَاقِعِ حُكْمًا شَرْعِيًّا أَوْ مُتَعَلِّقِهِ كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ مُتَعَلَّقُ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْوُجُوبُ وَإِذَا ثَبَتَ سَبَبِيَّتُهُ جَازَ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْحِنْثِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ شَرْطٌ

وَالتَّقْدِيمُ عَلَى الشَّرْطِ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ ثَابِتٌ شَرْعًا كَمَا جَازَ فِي الزَّكَاةِ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْحَوْلِ بَعْدَ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ مِلْكُ النِّصَابِ وَكَمَا فِي تَقْدِيمِ التَّكْفِيرِ بَعْدَ الْجُرْحِ عَلَى الْمَيِّتِ بِالسِّرَايَةِ وَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ لَا يَفْتَرِقَ الْمَالُ وَالصَّوْمُ وَهُوَ قَوْلُهُ الْقَدِيمُ وَفِي الْجَدِيدِ لَا يُقَدِّمُ الصَّوْمَ لِأَنَّ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةَ لَا تُقَدَّمُ عَلَى الْوَقْتِ يَعْنِي أَنَّ تَقَدُّمَ الْوَاجِبِ بَعْدَ السَّبَبِ قَبْلَ الْوُجُوبِ لَمْ يُعْرَفْ شَرْعًا إلَّا فِي الْمَالِيَّةِ كَالزَّكَاةِ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ إلَى التَّكْفِيرِ قَبْلَ الْحِنْثِ مُطْلَقًا صَوْمًا كَانَ أَوْ مَالًا وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى التَّقْدِيمِ اهـ

(قَوْلُهُ وَالْيَمِينُ مَانِعَةٌ مِنْ الْحِنْثِ مُحَرِّمَةٌ لَهُ) أَيْ لِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ لِلْبِرِّ لَا لِلْحِنْثِ اهـ

ص: 113

{فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: 13]{أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} [البلد: 14]{يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ} [البلد: 15]{أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: 16]{ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [البلد: 17] تَقْدِيرُهُ وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَاتِ قَبْلَ الْإِيمَانِ لَا يُعْتَدُّ بِهَا وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّكْفِيرُ قَبْلَ الْحِنْثِ

وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَهُ لَوَجَبَ التَّكْفِيرُ أَوَّلًا ثُمَّ الْحِنْثُ بَعْدَهُ مَفْصُولًا لِلْآمِرِ بِهِ بِكَلِمَةٍ ثُمَّ عَلَى زَعْمِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْإِضَافَةِ إلَيْهِ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لَهُ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى غَيْرِ السَّبَبِ كَالشَّرْطِ وَغَيْرِهِ جَائِزٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ كَفَّارَةُ الصَّوْمِ وَكَفَّارَةُ الْإِحْرَامِ، وَالصَّوْمُ لَيْسَ سَبَبًا لِوُجُوبِهَا وَكَذَا الْإِحْرَامُ وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ خَلَفٌ عَنْ الْبِرِّ فَلَا يُصَارُ إلَيْهَا مَا دَامَ الْبِرُّ بَاقِيًا وَلَا يُعْتَدُّ بِهِ إنْ فَعَلَهُ كَمَا لَا يُصَارُ إلَى التَّيَمُّمِ وَلَا يُعْتَدُّ بِهِ إذَا فَعَلَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ وَهَذَا لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ تَوْبَةٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ {تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ} [النساء: 92] وَالتَّوْبَةُ قَبْلَ الْجَرِيمَةِ لَا يُعْتَدُّ بِهَا كَالطَّهَارَةِ قَبْل الْحَدَثِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ التَّكْفِيرُ بِغَيْرِ الْمَالِ وَلَوْ كَانَ سَبَبًا كَمَا قَالَ لَجَازَ كَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِالصَّوْمِ بَعْدَ الْجُرْحِ وَفَرَّقَهُ بَيْنَ الْمَالِيِّ وَالْبَدَنِيِّ سَاقِطٌ لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمَالِيِّ فِعْلُ الْأَدَاءِ وَالْمَالُ آلَتُهُ وَإِنَّمَا يَقْصِدُ عَيْنَ الْمَالِ فِي حُقُوقُ الْعِبَادِ لِحَاجَتِهِمْ إلَيْهِ وَلَا يُقَالُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَتَّبَ الْكَفَّارَةَ عَلَى الْيَمِينِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ} [المائدة: 89]

وَالْفَاءُ لِلْوَصْلِ وَالتَّعْقِيبِ فَيَقْتَضِي أَنْ تَجُوزَ الْكَفَّارَةُ بَعْدَ الْيَمِينَ مُتَّصِلًا بِهَا وَقَالَ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُمْ جَعَلَهَا كَفَّارَةَ الْيَمِينِ وَرَتَّبَهَا عَلَى الْحَلِفِ لَا عَلَى الْحِنْثِ لِأَنَّا نَقُولُ الْحِنْثُ مُضْمَرٌ فِيهِ تَقْدِيرُهُ فَكَفَّارَتُهُ إذَا حَنِثْتُمْ، وَتَقْدِيرُ الْأُخْرَى إذَا حَلَفْتُمْ وَحَنِثْتُمْ كَمَا أُضْمِرَ الْفِطْرُ فِي قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] أَيْ فَأَفْطَرَ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَكَقَوْلِهِ {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6] أَيْ إذَا قُمْتُمْ إلَيْهَا وَأَنْتُمْ مُحْدِثُونَ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَهُ لَمَا اخْتَصَّ بِالْمَالِيِّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَلَوْ قَدَّمَ التَّكْفِيرَ لَا يَسْتَرِدُّ مِنْ الْفَقِيرِ لِأَنَّهُ وَقَعَ صَدَقَةً تَطَوُّعًا كَمَا إذَا قَدَّمَ الزَّكَاةَ قَبْلَ الْحَوْلِ ثُمَّ ذَهَبَ الْمَالُ

قَالَ رحمه الله (وَمَنْ حَلَفَ عَلَى مَعْصِيَةٍ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ وَيُكَفِّرَ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْنَثَ لِمَا رَوَيْنَا وَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا نَذْرَ وَلَا يَمِينَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ وَلَا فِي مَعْصِيَةٍ وَلَا فِي قَطِيعَةِ رَحِمٍ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الْوَفَاءِ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْبِرَّ مَعْصِيَةٌ أَيْضًا كَالْحِنْثِ لِهَتْكِ حُرْمَةِ الِاسْمِ فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إلَى أَخَفِّهِمَا إثْمًا وَهُوَ الْحِنْثُ لِأَنَّهُ مُرَخَّصٌ لَهُ شَرْعًا بِمَا رَوَيْنَا وَمَا يَلْزَمُ مِنْ الْمَعْصِيَةِ فِي الْبِرِّ لَيْسَ بِمُرَخَّصٍ لَهُ فَوَجَبَ الْأَخْذُ بِالْمُرَخَّصِ وَلِأَنَّ فِي الْحِنْثِ فَوَاتَ الْبِرِّ إلَى جَابِرٍ وَفِي الْبِرِّ لُزُومَ الْمَعْصِيَةِ بِلَا جَابِرٍ فَيَجِبُ الْحِنْثُ لِأَنَّ الْفَوَاتَ إلَى خَلَفٍ كَلَا فَوَاتٍ

قَالَ رحمه الله (وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى كَافِرٍ وَإِنْ حَنِثَ مُسْلِمًا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ حَنِثَ كَافِرًا لِأَنَّ الْيَمِينَ يُعْقَدُ لِلْبِرِّ وَهُوَ أَهْلٌ لَهُ لِأَنَّ الْبِرَّ يَتَحَقَّقُ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ تَعْظِيمَ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَحْمِلُهُ اعْتِقَادُهُ عَلَى الْبِرِّ وَلِهَذَا يُسْتَحْلَفُ فِي الدَّعَاوَى وَالْخُصُومَاتِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ} [التوبة: 12] وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْيَمِينِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْبِرُّ تَعْظِيمًا لِلَّهِ تَعَالَى وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ لِأَنَّهُ هَاتِكٌ حُرْمَةَ الِاسْمِ بِالْكُفْرِ وَالتَّعْظِيمُ مَعَ الْهَتْكِ لَا يَجْتَمِعَانِ وَالْبِرُّ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا مِنْ الْمُعَظِّمِ بِخِلَافِ الِاسْتِخْلَافِ فِي الْخُصُومَاتِ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِمَقْصُودِهِ وَهُوَ النُّكُولُ أَوْ الْإِقْرَارُ وَلَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْكَفَّارَةِ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ سَتَّارَةٌ كَاسْمِهَا وَمَعْنَى الْعُقُوبَةِ فِيهَا تَابِعٌ وَيَسْتَحِيلُ مِنْهُ الْعِبَادَةُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لَهَا وَلَا لِحُكْمِهَا وَهُوَ الثَّوَابُ فَلَا يُشْرَعُ فِي حَقِّهِ أَصْلًا

قَالَ رحمه الله (وَمَنْ حَرَّمَ مِلْكَهُ لَمْ يُحَرِّمْ) أَيْ مَنْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا مِمَّا يَمْلِكُهُ بِأَنْ يَقُولَ مَالِي عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ ثَوْبِي أَوْ جَارِيَتِي فُلَانَةَ أَوْ رُكُوبُ هَذِهِ الدَّابَّةِ لَمْ يَصِرْ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ لِذَاتِهِ لِأَنَّهُ قَلْبُ الْمَشْرُوعِ وَتَغْيِيرُهُ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ بَلْ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِي ذَلِكَ بِالتَّبْدِيلِ قَالَ رحمه الله (وَإِنْ اسْتَبَاحَهُ كَفَرَ) أَيْ إنْ أَقْدَمَ عَلَى مَا حَرَّمَهُ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِهِ يَمِينًا فَصَارَ حَرَامًا لِغَيْرِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَلَبَ الْمَوْضُوعَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَلَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ إلَّا فِي النِّسَاءِ وَالْجَوَارِي وَلَنَا قَوْله تَعَالَى

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [البلد: 17] قَالَ فِي التَّيْسِيرِ إنَّ ثُمَّ هُنَا لِتَرْتِيبِ الْأَخْبَارِ لَا لِتَرْتِيبِ الْوُجُودِ أَيْ ثُمَّ أُخْبِرُكُمْ أَنَّ هَذَا لِمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا. اهـ. كَشْفٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَدَّمَ التَّكْفِيرَ لَا يُسْتَرَدُّ مِنْ الْفَقِيرِ) وَإِنْ كَانَ لَا يَقَعُ عَنْ الْكَفَّارَاتِ قَبْلَ الْحِنْثِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ وَقَعَ صَدَقَةً تَطَوُّعًا) فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا مِنْهُ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِلَّهِ قُصِدَ بِهِ الْقُرْبَةُ مَعَ شَيْءٍ آخَرَ وَقَدْ حَصَلَ التَّقَرُّبُ وَتَرَتَّبَ الثَّوَابُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ وَيُبْطِلَهُ. اهـ. فَتْحٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ حَلَفَ عَلَى مَعْصِيَةٍ) مِثْلَ أَنْ لَا يُصَلِّيَ أَوْ لَا يُكَلِّمَ أَبَاهُ أَوْ لَيَقْتُلَنَّ فُلَانًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ وَيُكَفِّرَ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ أَنْوَاعٌ فِعْلُ مَعْصِيَةٍ أَوْ تَرْكُ فَرْضٍ فَالْحِنْثُ وَاجِبٌ أَوْ شَيْءٌ غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ كَالْحَلِفِ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ زَوْجَتِهِ شَهْرًا وَنَحْوَهُ فَإِنَّ الْحِنْثَ أَفْضَلُ لِأَنَّ الرِّفْقَ أَيْمَنُ وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ وَهُوَ يَسْتَأْهِلُ ذَلِكَ أَوْ لَيَشْكُوَنَّ مَدْيُونَهُ إنْ لَمْ يُوَافِ غَدًا لِأَنَّ الْعَفْوَ أَفْضَلُ وَكَذَا تُيَسَّرُ الْمُطَالَبَةُ أَوْ عَلَى شَيْءٍ وَضِدِّهِ مِثْلُهُ كَالْحَلِفِ لَا يَأْكُلُ هَذَا الْخُبْزَ أَوْ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ فَالْبِرُّ فِي هَذَا وَحِفْظُ الْيَمِينِ أَوْلَى وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ إنَّهُ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89] عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي تَأْوِيلِهَا أَنَّهُ الْبِرُّ فِيهَا أَمْكَنَ اهـ

(قَوْلُهُ وَيُكَفِّرُ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْمَتْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ ابْنُ آدَمَ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى كَافِرٍ وَإِنْ حَنِثَ مُسْلِمًا) وَقَالَ فِي الشَّامِلِ وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَحَنِثَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ فَإِنْ حَنِثَ حَالَ كُفْرِهِ كَفَّرَ بِالْعِتْقِ وَالْكِسْوَةِ وَالْإِطْعَامِ دُونَ الصَّوْمِ وَإِنْ حَنِثَ بَعْدَ إسْلَامِهِ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ إنْ كَانَ مُعْسِرًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ حَرَّمَ مِلْكَهُ لَمْ يُحَرَّمْ) ضَبَطَهُ الرَّازِيّ بِالْقَلَمِ بِضَمِّ حَرْفِ الْمُضَارِعَةِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ اهـ (قَوْلُهُ أَيْ إنْ أَقْدَمَ عَلَى مَا حَرَّمَهُ) يَعْنِي عَامَلَهُ مُعَامَلَةَ الْمُبَاحِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ) أَيْ لِأَنَّهُ عَقْدٌ مَشْرُوعٌ فَلَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظٍ هُوَ قَلْبُ الْمَشْرُوعِ اهـ

ص: 114

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] ثُمَّ قَالَ {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] وَقَالَ أَنَسٌ رضي الله عنه «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ يَطَؤُهَا فَلَمْ تَزَلْ بِهِ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ حَتَّى حَرَّمَهَا عَلَى نَفْسِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1]» إلَى آخِرِ الْآيَةِ رَوَاهُ النَّسَائِيّ

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما إذَا حَرَّمَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَهِيَ يَمِينٌ يُكَفِّرُ بِهَا وَقَالَ {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي لَفْظٍ أَنَّهُ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ إنِّي جَعَلْت امْرَأَتِي عَلَيَّ حَرَامًا فَقَالَ كَذَبْت لَيْسَتْ عَلَيْك بِحَرَامٍ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] عَلَيْكَ أَغْلَظُ الْكَفَّارَاتِ عِتْقُ رَقَبَةٍ رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَقِيلَ إنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ «حَرَّمَ الْعَسَلَ عَلَى نَفْسِهِ» وَالتَّمَسُّكُ بِالنَّصِّ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ وَلِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَمَّا صَارَ يَمِينًا فِي الْجَوَارِي صَارَ فِي جَمِيعِ الْمُبَاحَاتِ أَيْضًا يَمِينًا دَلَالَةً إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ مُبَاحٍ وَمُبَاحٍ وَلِأَنَّ لَفْظَهُ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الْحُرْمَةُ ثَابِتَةً لِعَيْنِهَا إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا فَثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ لِغَيْرِهِ كَمَا هُوَ مُوجَبُ الْيَمِينِ فَإِنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ حَرَامٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ حَنِثَ وَإِنْ كَانَ فِعْلُهُ مُبَاحًا فِي نَفْسِهِ وَلِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَلَالِ مُسَبَّبُ الْيَمِينِ فَالتَّنْصِيصُ عَلَيْهِ يُجْعَلُ كَالتَّنْصِيصِ عَلَى السَّبَبِ مَجَازًا وَلَوْ وَهَبَ مَا جَعَلَهُ حَرَامًا أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّحْرِيمِ حُرْمَةُ الِاسْتِمْتَاعِ عُرْفًا لَا حُرْمَةُ الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَقَوْلُهُ وَمَنْ حَرَّمَ مِلْكَهُ وَقَعَ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْيَمِينِ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لَهُ حَتَّى لَوْ قَالَ مِلْكُ فُلَانٍ أَوْ مَالُهُ عَلَيَّ حَرَامٌ يَكُونُ يَمِينًا إلَّا إذَا أَرَادَ بِهِ الْإِخْبَارَ عَنْ الْحُرْمَةِ قَالَ رحمه الله (كُلُّ حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ فَهُوَ عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ) لِلْعُرْفِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ ذَلِكَ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ كَمَا فَرَغَ مِنْ يَمِينِهِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رحمه الله لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلٍّ لِلْعُمُومِ وَقَدْ بَاشَرَ فِعْلًا مُبَاحًا كَمَا فَرَغَ مِنْ يَمِينِهِ وَهُوَ التَّنَفُّسُ وَنَحْوُهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْبِرُّ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ مَعَ اعْتِبَارِ الْعُمُومِ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ فَإِذَا سَقَطَ يَنْصَرِفُ إلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ لِلتَّعَارُفِ فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يَتَنَاوَلُ عَادَةً وَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَرْأَةَ إلَّا بِالنِّيَّةِ لِسُقُوطِ اعْتِبَارِ الْعُمُومِ وَإِذَا نَوَاهَا كَانَ إيلَاءً وَلَا يَصْرِفُ الْيَمِينَ عَنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّخْفِيفِ وَهَذَا كُلُّهُ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ

قَالَ رحمه الله (وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ تَبِينُ امْرَأَتُهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ) لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى النَّوَازِلِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَكَذَا يَنْبَغِي فِي قَوْلِهِ: حَلَال بروى حرام وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ هرجه يرست رَاسَتْ كيرم بروى حرام فِي أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُجْعَلُ طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لِلْعُرْفِ

قَالَ رحمه الله (وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا مُطْلَقًا أَوْ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ وَوُجِدَ وَفَّى بِهِ) أَيْ وَفَّى الْمَنْذُورَ هَذَا إذَا سَمَّى شَيْئًا وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فِيهِمَا أَعْنِي فِي الْمُطْلَقِ وَالْمُعَلَّقِ لَكِنْ يَجِبُ فِي الْحَالِ فِي الْمُطْلَقِ وَعِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فِي الْمُعَلَّقِ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَهُ وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَسْأَلَةَ وَتَفْصِيلَهَا فِيمَا تَقَدَّمَ.

قَالَ رحمه الله (وَلَوْ وَصَلَ بِحَلِفِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ بَرَّ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَعَنْ الْعَبَادِلَةِ الثَّلَاثَةِ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَدْ اسْتَثْنَى وَمَنْ اسْتَثْنَى فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ» وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ مَوْصُولًا لِأَنَّهُ بَعْدَ الِانْفِصَالِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ ذَلِكَ) فَإِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ حَنِثَ وَلَا يَحْنَثُ بِجِمَاعِ زَوْجَتِهِ. اهـ. فَتْحٌ

(قَوْلُهُ فَإِنَّهُ) أَيْ هَذَا اللَّفْظُ إلَخْ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يُتَنَاوَلُ عَادَةً) وَهُوَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ وَظَهَرَ أَنَّ مَا قِيلَ أَنَّهُ تَعَذَّرَ الْحَمْلُ عَلَى الْعُمُومِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ لَا يَصِحُّ إذْ لَيْسَ مَجْمُوعُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ أَخَصَّ الْخُصُوصِ بَلْ حُمِلَ عَلَى مَا تُعُورِفَ فِيهِ اللَّفْظُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَرْأَةُ إلَّا بِالنِّيَّةِ لِسُقُوطِ اعْتِبَارِ الْعُمُومِ) أَيْ فِي غَيْرِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مَعَ صَلَاحِيَّةِ اللَّفْظِ فَإِذَا نَوَاهَا اتَّصَلَتْ النِّيَّةُ بِلَفْظٍ صَالِحٍ فَصَحَّ فِيهِ دُخُولُهَا فِي الْإِرَادَةِ بِخِلَافِ نَحْوِ اسْقِينِي إذَا أُرِيدَ بِهِ الطَّلَاقُ لَا يَقَعُ لِعَدَمِ الصَّلَاحِيَّةِ فَلَوْ وَقَعَ كَانَ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَإِذَا نَوَاهَا كَانَ إيلَاءً) وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَمِينَ فِي الزَّوْجَاتِ إيلَاءٌ فَإِنْ جَامَعَهَا فِي الْمُدَّةِ كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِهَا حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ بَانَتْ بِالْإِيلَاءِ اهـ غَايَةٌ

(قَوْلُهُ وَلَا يَنْصَرِفُ الْيَمِينُ عَنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ) حَتَّى إذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ حَنِثَ كَمَا إذَا قَرَّبَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ تَبِينُ امْرَأَتُهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَشَايِخُنَا قَالُوا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى قَالَ فِي الْغَايَةِ أَرَادَ بِهِمْ مَشَايِخَ بَلْخٍ كَأَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ وَالْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ حَيْثُ قَالُوا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَبِهِ نَأْخُذُ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ فِي زَمَانِنَا هَذَا أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِهَذَا اللَّفْظِ الطَّلَاقَ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي قَوْلِهِ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَاخْتَارَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى الطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ وَقَالَ فِيهَا أَيْضًا وَفِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ حَلَالُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيَّ حَرَامٌ يَنْصَرِفُ إلَى الطَّلَاقِ بِلَا نِيَّةٍ لِلْعُرْفِ اهـ مَا قَالَهُ فِي الْغَايَةِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ الْبَزْدَوِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ هَكَذَا قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ وَلَمْ يَتَّضِحْ لِي عُرْفُ النَّاسِ فِي هَذَا لِأَنَّ مَنْ لَا امْرَأَةَ لَهُ يَحْلِفُ بِهِ كَمَا يَحْلِفُ ذُو الْحَلِيلَةِ وَلَوْ كَانَ الْعُرْفُ مُسْتَفِيضًا فِي ذَلِكَ لِمَا اسْتَعْمَلَهُ إلَّا ذُو الْحَلِيلَةِ فَالصَّحِيحُ أَنْ يُقَيَّدَ الْجَوَابُ فِي هَذَا وَنَقُولُ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ يَكُونُ طَلَاقًا فَأَمَّا مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَقِفَ الْإِنْسَانُ فِيهِ وَلَا يُخَالِفُ الْمُتَقَدِّمِينَ

(وَاعْلَمْ) أَنَّ مِثْلَ هَذَا اللَّفْظِ لَمْ يُتَعَارَفْ فِي دِيَارِنَا بَلْ الْمُتَعَارَفُ فِيهِ حَرَامٌ عَلَيَّ كَلَامُك وَنَحْوُهُ كَأَكْلِ كَذَا وَلُبْسِهِ دُونَ الصِّيغَةِ الْعَامَّةِ وَتَعَارَفُوا أَيْضًا الْحَرَامَ يَلْزَمُنِي وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ الطَّلَاقَ مُعَلَّقًا فَإِنَّهُمْ يَذْكُرُونَ بَعْدَهُ لَا أَفْعَلُ كَذَا أَوْ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وَهُوَ مِثْلُ تَعَارُفِهِمْ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَا أَفْعَلُ كَذَا فَإِنَّهُ يُرَادُ بِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَهِيَ طَالِقٌ وَيَجِبُ إمْضَاؤُهُ عَلَيْهِمْ انْتَهَى وَلَوْ قَالَ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَلَهُ امْرَأَتَانِ يَقَعُ الطَّلَاق عَلَى وَاحِدَةٍ وَإِلَيْهِ الْبَيَانُ فِي الْأَظْهَرِ كَقَوْلِهِ امْرَأَتِي طَالِقٌ وَلَهُ امْرَأَتَانِ أَوْ أَكْثَرُ. اهـ. كَافِي

ص: 115