المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(فصل في التعزير) - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي - جـ ٣

[الفخر الزيلعي]

فهرس الكتاب

- ‌(بَابُ الظِّهَارِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَار]

- ‌(بَابُ اللِّعَانِ)

- ‌(بَابُ الْعِنِّينِ وَغَيْرِهِ)

- ‌(بَابُ الْعِدَّةِ)

- ‌(فَصْلٌ).فِي الْإِحْدَادِ

- ‌(بَابُ ثُبُوتِ النَّسَبِ)

- ‌[بَابُ الْحَضَانَةِ]

- ‌(بَابُ النَّفَقَةِ)

- ‌(كِتَابُ الْإِعْتَاقِ)

- ‌(بَابُ الْعَبْدُ يَعْتِقُ بَعْضُهُ)

- ‌(بَابُ الْحَلِفِ بِالدُّخُولِ)

- ‌{بَابُ الْعِتْقِ عَلَى جُعْلٍ}

- ‌{بَابُ التَّدْبِيرِ}

- ‌بَابُ الِاسْتِيلَادِ

- ‌{كِتَابُ الْأَيْمَانِ}

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَالسُّكْنَى وَالْإِتْيَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ)

- ‌{بَابُ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللُّبْسِ وَالْكَلَامِ}

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ)

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّزَوُّجِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا)

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ)

- ‌(كِتَابُ الْحُدُودِ)

- ‌(بَابُ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ)

- ‌(بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَالرُّجُوعِ عَنْهَا)

- ‌(بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ)

- ‌(بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي التَّعْزِيرِ)

- ‌(كِتَابُ السَّرِقَةِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الْحِرْزِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ وَإِثْبَاتِهِ]

- ‌(بَابُ قَطْعِ الطَّرِيقِ)

- ‌(كِتَابُ السِّيَرِ)

- ‌[بَابُ الْغَنَائِمِ وَقِسْمَتِهَا]

- ‌(فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ)

- ‌(بَابُ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ)

- ‌(بَابُ الْمُسْتَأْمَنِ)

- ‌[فَصْلٌ إقَامَة الْمُسْتَأْمَنُ فِي دارنا إقَامَة دائمة]

- ‌(بَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ)

- ‌(بَابُ الْمُرْتَدِّينَ)

- ‌(بَابُ الْبُغَاةِ)

- ‌[كِتَابُ اللَّقِيطِ]

- ‌[كِتَابُ اللُّقَطَةِ]

- ‌(كِتَابُ الْآبِقِ)

- ‌[كِتَاب الْمَفْقُود]

- ‌(كِتَابُ الشِّرْكَةِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الشِّرْكَةِ الْفَاسِدَةِ)

- ‌(كِتَابُ الْوَقْفِ)

- ‌[فَصْلٌ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ حَتَّى يَفْرِزَهُ عَنْ مِلْكِهِ]

الفصل: ‌(فصل في التعزير)

قَاذِفِ وَاطِئِ أَمَةٍ مَجُوسِيَّةٍ وَحَائِضٍ وَمُكَاتَبَةٍ، وَمُسْلِمٍ نَكَحَ أُمَّهُ فِي كُفْرِهِ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ مِلْكَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ثَابِتٌ وَفِيمَنْ تَزَوَّجَ أُمَّهُ أَوْ غَيْرَهَا مِنْ الْمَحَارِمِ فِي حَالَةِ الْكُفْرِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ عِنْدَهُمَا لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ نِكَاحَهُمْ عِنْدَهُ صَحِيحٌ وَعِنْدَهُمَا فَاسِدٌ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي نِكَاحِ الْمَجُوسِ مَحَارِمَهُمْ وَفِي الْمُكَاتَبَةِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ هُوَ يَقُولُ وَطْؤُهَا حَرَامٌ عَلَى الْمَوْلَى وَإِنَّمَا سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ ثَابِتَةٌ لِخُرُوجِ الْمَنْفَعَةِ عَنْ مِلْكِهِ حَتَّى لَزِمَهُ الْعُقْرُ بِوَطْئِهَا قُلْنَا مِلْكُهُ فِيهَا ثَابِتٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلِهَذَا جَازَ إعْتَاقُهَا عَنْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَوُجُوبُ الْعُقْرِ لَا يُنَافِي الْحِلَّ فَكَيْفَ يُنَافِي الشُّبْهَةَ.

قَالَ رحمه الله (وَمُسْتَأْمِنٌ قَذَفَ مُسْلِمًا) أَيْ يُحَدُّ مُسْتَأْمِنٌ قَذَفَ مُسْلِمًا وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله أَوَّلًا يَقُولُ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَصَارَ كَسَائِرِ الْحُدُودِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذُكِرَ هُنَا وَوَجْهُهُ أَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ وَقَدْ الْتَزَمَ إيفَاءَ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَلِأَنَّهُ الْتَزَمَ أَنْ لَا يُؤْذِيَ وَمُوجِبُهُ إذَا آذَى طَمَعًا فِي أَنْ لَا يُؤْذِيَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ رحمه الله (وَمَنْ قَذَفَ أَوْ زَنَى أَوْ شَرِبَ مِرَارًا فَحُدَّ فَهُوَ لِكُلِّهِ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى إخْلَاءُ الْعَالَمِ عَنْ الْفَسَادِ وَالِانْزِجَارُ عَنْ مُبَاشَرَةِ سَبَبِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِحَدٍّ وَاحِدٍ أَوْ يُحْتَمَلُ حُصُولُهُ فَخَلَا الثَّانِي عَنْ الْمَقْصُودِ أَوْ يَحْتَمِلُهُ فَتَمَكَّنَ فِيهِ شُبْهَةُ فَوَاتِ الْمَقْصُودِ فَلَا يُشْرَعُ إذْ الْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ بِخِلَافِ مَا إذَا زَنَى وَقَذَفَ وَشَرِبَ حَيْثُ يُحَدُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا حَدَّهُ لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَعْضِ إذْ الْأَغْرَاضُ مُخْتَلِفَةٌ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ حَدِّ الزِّنَا صِيَانَةُ الْأَنْسَابِ وَمِنْ حَدِّ الْقَذْفِ صِيَانَةُ الْأَعْرَاضِ وَمِنْ حَدِّ الشُّرْبِ صِيَانَةُ الْعُقُولِ فَلَا يَحْصُلُ بِكُلِّ جِنْسٍ إلَّا مَا قُصِدَ بِشَرْعِهِ وَعَلَى هَذَا لَوْ جُلِدَ لِلْقَذْفِ إلَّا سَوْطًا ثُمَّ قَذَفَ آخَرَ فِي الْمَجْلِسِ فَإِنَّهُ يُتَمُّ الْأَوَّلُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلثَّانِي لِلتَّدَاخُلِ وَلَوْ ضُرِبَ لِلزِّنَا أَوْ لِلشُّرْبِ بَعْضَ الْحَدِّ فَهَرَبَ ثُمَّ زَنَى أَوْ شَرِبَ ثَانِيًا حُدَّ حَدًّا مُسْتَأْنَفًا وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْقَذْفِ يُنْظَرُ فَإِنْ حَضَرَ الْأَوَّلُ إلَى الْقَاضِي يُتَمَّمُ الْأَوَّلُ وَلَا شَيْءَ لِلثَّانِي وَإِنْ حَضَرَ الثَّانِي وَحْدَهُ يُحَدُّ حَدًّا مُسْتَأْنَفًا لِلثَّانِي وَبَطَلَ الْأَوَّلُ وَلَوْ قَذَفَ عَبْدٌ فَأُعْتِقَ ثُمَّ قَذَفَ آخَرَ فَأَخَذَهُ الْأَوَّلُ فَضُرِبَ أَرْبَعِينَ ثُمَّ أَخَذَهُ الثَّانِي يُتَمُّ لَهُ ثَمَانُونَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله إنَّ حَدَّ الْقَذْفِ لَا يَتَدَاخَلُ إلَّا إذَا قَذَفَ جَمَاعَةً بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ وَاحِدًا بِزِنًا وَاحِدٍ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ عِنْدَهُ حَقُّ الْعَبْدِ وَلَا تَدَاخُلَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ وَعِنْدَنَا الْمُغَلَّبُ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَيَتَدَاخَلُ وَحُكِيَ أَنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى كَانَ قَاضِيًا بِالْكُوفَةِ فَسَمِعَ رَجُلًا يَوْمًا يَقُولُ عِنْدَ بَابِ مَسْجِدِهِ لِرَجُلٍ يَا ابْنَ الزَّانِيَيْنِ فَأَمَرَ بِأَخْذِهِ فَأُدْخِلَ الْمَسْجِدَ فَضَرَبَهُ حَدَّيْنِ ثَمَانِينَ ثَمَانِينَ لِقَذْفِهِ الْوَالِدَيْنِ فَأُخْبِرَ أَبُو حَنِيفَةَ بِذَلِكَ فَقَالَ يَا لِلْعَجَبِ مِنْ قَاضِي بَلَدِنَا قَدْ أَخْطَأَ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: حَدَّهُ مِنْ غَيْرِ خُصُومَةِ الْمَقْذُوفِ وَضَرْبَهُ حَدَّيْنِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ،

وَلَوْ قَذَفَ أَلْفًا، وَوَالَى بَيْنَ الْحَدَّيْنِ وَالْوَاجِبُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا بِيَوْمٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَحَدَّهُ فِي الْمَسْجِدِ وَقَدْ قَالَ عليه الصلاة والسلام «جَنِّبُوا صِبْيَانَكُمْ مَسَاجِدَكُمْ وَمَجَانِينَكُمْ وَسَلَّ سُيُوفِكُمْ وَإِقَامَةَ حُدُودِكُمْ» وَالْخَامِسُ يَنْبَغِي أَنْ يَكْشِفَ أَنَّ الْمَقْذُوفَيْنِ حَيَّانِ أَوْ مَيِّتَانِ لِتَكُونَ الْخُصُومَةُ إلَيْهِمَا أَوْ إلَى وَلَدِهِمَا فَإِنْ اجْتَمَعَتْ عَلَى وَاحِدٍ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ بِأَنْ قَذَفَ وَزَنَى وَشَرِبَ وَسَرَقَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْكُلُّ وَلَا يُوَالِي بَيْنَهَا خِيفَةَ الْهَلَاكِ بَلْ يَنْتَظِرُ حَتَّى يَبْرَأَ مِنْ الْأَوَّلِ فَيَبْدَأَ بِحَدِّ الْقَذْفِ أَوْ لَا لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ ثُمَّ الْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ بَدَأَ بِحَدِّ الزِّنَا وَإِنْ شَاءَ بِالْقَطْعِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقُوَّةِ إذْ هُمَا ثَابِتَانِ بِالْكِتَابِ وَيُؤَخِّرُ حَدَّ الشُّرْبِ لِأَنَّهُ أَضْعَفُ مِنْهُمَا وَلَوْ كَانَ مَعَ هَذَا جِرَاحَةٌ تُوجِبُ الْقِصَاصَ بُدِئَ بِالْقِصَاصِ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ ثُمَّ حَذَفَ الْقَذْفَ ثُمَّ الْأَقْوَى فَالْأَقْوَى عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(فَصْلٌ فِي التَّعْزِيرِ)

لَمَّا ذَكَرَ الْحُدُودَ وَهِيَ الزَّوَاجِرُ الْمُقَدَّرَةُ شَرَعَ فِي الزَّوَاجِرِ غَيْرِ الْمُقَدَّرَةِ إذْ هُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِدَفْعِ الْفَسَادِ كَالْحُدُودِ وَهُوَ تَأْدِيبٌ دُونَ الْحَدِّ وَأَصْلُهُ مِنْ الْعَزْرِ بِمَعْنَى الرَّدِّ وَالرَّدْعِ وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: 34] الْآيَةَ وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «لَا تَرْفَعْ عَصَاك عَنْ أَهْلِك» وَرُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «عَزَّرَ رَجُلًا قَالَ لِغَيْرِهِ يَا مُخَنَّثُ وَحَبَسَ رَجُلًا بِالتُّهْمَةِ» وَاجْتَمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى وُجُوبِهِ فِي كَبِيرَةٍ لَا تُوجِبُ الْحَدَّ أَوْ جِنَايَةٍ لَا تُوجِبُ الْحَدَّ ثُمَّ هُوَ قَدْ يَكُونُ بِالْحَبْسِ وَقَدْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَمُوجِبَهُ) بِالنَّصْبِ. اهـ.

(قَوْلُهُ يُقَامُ عَلَيْهِ الْكُلُّ إلَخْ) فَرْعٌ قَذَفَ رَجُلًا فَحُدَّ لِقَذْفِهِ ثُمَّ قَذَفَهُ ثَانِيًا هَلْ يُحَدُّ ثَانِيًا يُنْظَرُ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَبِشَيْءٍ قُطِعَ فِيهِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ.

[فَصْلٌ فِي التَّعْزِيرِ]

(فَصْلٌ فِي التَّعْزِيرِ) فَرْعٌ لِلْمَوْلَى تَعْزِيرُ عَبْدِهِ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا يَحُدُّ عَبْدَهُ إلَّا بِإِذْنِ إمَامِهِ اهـ وَذُكِرَ هُنَاكَ أَنَّهُ تُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ وَيَصِحُّ فِيهِ الْعَفْوُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَاضْرِبُوهُنَّ) أَمْرٌ بِضَرْبِ الزَّوْجَاتِ تَأْدِيبًا وَتَهْذِيبًا لَهُنَّ. اهـ. كَاكِيٌّ

ص: 207

يَكُونُ بِالصَّفْعِ وَبِتَعْرِيكِ الْآذَانِ وَقَدْ يَكُونُ بِالْكَلَامِ الْعَنِيفِ أَوْ بِالضَّرْبِ وَقَدْ يَكُونُ بِنَظَرِ الْقَاضِي إلَيْهِ بِوَجْهٍ عَبُوسٍ وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ وَإِنَّمَا هُوَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ عَلَى مَا تَقْتَضِي جِنَايَتُهُمْ فَإِنَّ الْعُقُوبَةَ فِيهِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْجِنَايَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَبْلُغَ غَايَةَ التَّعْزِيرِ فِي الْكَبِيرَةِ كَمَا إذَا أَصَابَ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ كُلَّ مُحَرَّمٍ سِوَى الْجِمَاعِ أَوْ جَمَعَ السَّارِقُ الْمَتَاعَ فِي الدَّارِ وَلَمْ يُخْرِجْهُ وَكَذَا يُنْظَرُ فِي أَحْوَالِهِمْ فَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَنْزَجِرُ بِالْيَسِيرِ

وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَنْزَجِرُ إلَّا بِالْكَثِيرِ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ التَّعْزِيرُ عَلَى مَرَاتِبَ تَعْزِيرُ أَشْرَافِ الْأَشْرَافِ وَهُمْ الْعُلَمَاءُ وَالْعَلَوِيَّةُ، بِالْإِعْلَامِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي بَلَغَنِي أَنَّك تَفْعَلُ كَذَا وَتَعْزِيرُ الْأَشْرَافِ وَهُمْ الْأُمَرَاءُ وَالدَّهَاقِينُ بِالْإِعْلَامِ وَالْجَرِّ إلَى بَابِ الْقَاضِي وَالْخُصُومَةِ فِي ذَلِكَ وَتَعْزِيرُ الْأَوْسَاطِ وَهُمْ السُّوقِيَّةُ بِالْإِعْلَامِ وَالْجَرِّ وَالْحَبْسِ وَتَعْزِيرُ الْأَخِسَّةِ بِهَذَا كُلِّهِ وَالضَّرْبِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ التَّعْزِيرَ بِأَخْذِ الْأَمْوَالِ جَائِزٌ لِلْإِمَامِ وَسُئِلَ الْهِنْدُوَانِيُّ عَنْ رَجُلٍ وَجَدَ رَجُلًا مَعَ امْرَأَةٍ يَحِلُّ لَهُ قَتْلُهُ قَالَ إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَنْزَجِرُ بِالصِّيَاحِ وَالضَّرْبِ بِمَا دُونَ السِّلَاحِ لَا وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْزَجِرُ إلَّا بِالْقَتْلِ حَلَّ لَهُ الْقَتْلُ وَإِنْ طَاوَعَتْهُ الْمَرْأَةُ حَلَّ لَهُ قَتْلُهَا أَيْضًا وَفِي الْمُنْيَةِ رَأَى رَجُلًا مَعَ امْرَأَةٍ يَزْنِي بِهَا أَوْ مَعَ مَحْرَمِهِ وَهُمَا مُطَاوِعَتَانِ قَتَلَ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ جَمِيعًا.

قَالَ رحمه الله (وَمَنْ قَذَفَ مَمْلُوكًا أَوْ كَافِرًا بِالزِّنَا أَوْ مُسْلِمًا بِيَا فَاسِقُ يَا كَافِرُ يَا خَبِيثُ يَا لِصُّ يَا فَاجِرُ يَا مُنَافِقُ يَا لُوطِيُّ يَا مَنْ يَلْعَبُ بِالصِّبْيَانِ يَا آكِلَ الرِّبَا يَا شَارِبَ الْخَمْرِ يَا دَيُّوثُ يَا مُخَنَّثُ يَا خَائِنُ يَا ابْنَ الْقَحْبَةِ يَا زِنْدِيقُ يَا قَرْطَبَانُ يَا مَأْوَى الزَّوَانِي أَوْ اللُّصُوصِ يَا حَرَامٌ زَادُهُ عُزِّرَ) لِمَا رَوَيْنَاهُ لِأَنَّهُ آذَاهُ بِإِلْحَاقِ الشَّيْنِ بِهِ وَلَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِي بَابِ الْحُدُودِ فَوَجَبَ التَّعْزِيرُ وَتَفْسِيرُ قَرْطَبَانِ هُوَ الَّذِي يَرَى مَعَ امْرَأَتِهِ أَوْ مَحْرَمِهِ رَجُلًا فَيَدَعُهُ خَالِيًا بِهَا وَقِيلَ هُوَ السَّبَبُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ اثْنَيْنِ لِمَعْنًى غَيْرِ مَمْدُوحٍ وَقِيلَ هُوَ الَّذِي يَبْعَثُ امْرَأَتَهُ مَعَ غُلَامٍ بَالِغٍ أَوْ مَعَ مُزَارِعِهِ إلَى الضَّيْعَةِ أَوْ يَأْذَنُ لَهُمَا بِالدُّخُولِ عَلَيْهَا فِي غَيْبَتِهِ

وَعَلَى هَذَا يُعَزَّرُ مَنْ قَالَ يَا سَارِقُ وَهُوَ لَيْسَ كَذَلِكَ أَوْ يَا ابْنَ الْفَاسِقِ أَوْ يَا ابْنَ الْكَافِرِ أَوْ النَّصْرَانِيِّ أَوْ قَالَ لِلْمَرْأَةِ يَا قَحْبَةُ وَهِيَ لَا تَكُونُ هِمَّتُهَا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ بَلَغَنِي أَنَّك تَفْعَلُ كَذَا) يَعْنِي فَيَنْزَجِرُ بِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ التَّعْزِيرَ بِأَخْذِ الْأَمْوَالِ جَائِزٌ لِلْإِمَامِ) وَعِنْدَهُمَا وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ لَا يَجُوزُ بِأَخْذِ الْمَالِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَفَتْحٌ وَمَا فِي الْخُلَاصَةِ سَمِعْت مِنْ ثِقَةٍ أَنَّ التَّعْزِيرَ بِأَخْذِ الْمَالِ إنْ رَأَى الْقَاضِي ذَلِكَ أَوْ الْوَالِي جَازَ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ رَجُلٌ لَا يَحْضُرُ الْجَمَاعَةَ يَجُوزُ تَعْزِيرُهُ بِأَخْذِ الْمَالِ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِيَارِ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْ الْمَشَايِخِ لِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ طَاوَعَتْهُ الْمَرْأَةُ لَهُ قَتْلُهَا أَيْضًا) وَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ الضَّرْبَ تَعْزِيرًا يَمْلِكُهُ الْإِنْسَانُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَسِبًا وَصَرَّحَ فِي الْمُنْتَقَى بِذَلِكَ وَهَذَا لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ بِالْيَدِ وَالشَّارِعُ وَلِيُّ كُلِّ أَحَدٍ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ» الْحَدِيثَ بِخِلَافِ الْحُدُودِ لَمْ يَثْبُتْ وِلَايَتُهَا إلَّا لِلْوُلَاةِ وَبِخِلَافِ التَّعْزِيرِ الَّذِي يَجِب حَقًّا لِلْعَبْدِ بِالْقَذْفِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى الدَّعْوَى لَا يُقِيمُهُ إلَّا الْحَاكِمُ إلَّا أَنْ يَحْكُمَا فِيهِ اهـ

(قَوْلُهُ يَا مُنَافِقُ) أَيْ أَوْ يَا يَهُودِيُّ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي إنْ قَالَ يَا يَهُودِيُّ أَوْ يَا نَصْرَانِيُّ أَوْ يَا مَجُوسِيُّ أَوْ يَا ابْنَ الْيَهُودِيِّ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَيُعَزَّرُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ يَا لُوطِيُّ) وَفِي يَا لُوطِيُّ يُسْأَلُ عَنْ نِيَّتِهِ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ مِنْ قَوْمِ لُوطٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ أَرَادَ أَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ إمَّا فَاعِلًا أَوْ مَفْعُولًا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ وَالْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ لِأَنَّهُ قَذْفٌ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ كَمَا لَوْ قَذَفَهُ بِالزِّنَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَيُعَزَّرُ لِأَنَّهُ قَذْفٌ بِمَا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَبِهِ قَالَ قَتَادَةُ وَعَطَاءٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي غَضَبٍ يُعَزَّرُ. اهـ. كَاكِيٌّ

قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي غَضَبٍ إلَخْ قُلْت أَوْ هَزْلِ مَنْ تَعَوَّدَ الْهَزْلَ بِالْقَبِيحِ وَلَوْ قَذَفَهُ بِإِتْيَانِ مَيِّتَةٍ أَوْ بَهِيمَةٍ عُزِّرَ. اهـ. فَتْحٌ قَوْلُهُ عُزِّرَ هَكَذَا ذُكِرَ مُطْلَقًا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَذَكَرَهُ النَّاطِفِيُّ وَقَيَّدَهُ بِمَا إذَا قَالَهُ لِرَجُلٍ صَالِحٍ أَمَّا لَوْ قَالَ لِفَاسِقٍ يَا فَاسِقُ أَوْ لِلِّصِّ يَا لِصُّ أَوْ لِلْفَاجِرِ يَا فَاجِرُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَالتَّعْلِيلُ يُفِيدُ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُنَا أَنَّهُ آذَاهُ بِمَا أَلْحَقَ بِهِ مِنْ الشَّيْنِ فَإِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَنْ لَمْ يُعْلَمْ اتِّصَافُهُ بِهَذَا أَمَّا مَنْ عُلِمَ فَإِنَّ الشَّيْنَ قَدْ أَلْحَقَهُ هُوَ بِنَفْسِهِ قَبْلَ قَوْلِ الْقَائِلِ. اهـ. فَتْحٌ.

(قَوْلُهُ وَتَفْسِيرُ قَرْطَبَانِ هُوَ الَّذِي يَرَى مَعَ امْرَأَتِهِ) أَيْ أَوْ أَهْلِهِ. اهـ. قَاضِي خَانْ قَالَ ثَعْلَبٌ الْقَرْطَبَانُ الَّذِي يَرْضَى أَنْ يَدْخُلَ الرِّجَالُ عَلَى نِسَائِهِ وَقَالَ الْقَرْطَبَانُ وَالْكَشْخَانُ لَمْ أَرَهُمَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَمَعْنَاهُمَا عِنْدَ الْعَامَّةِ مِثْلُ الدَّيُّوثِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ وَالدَّيُّوثُ الَّذِي يُدْخِلُ الرِّجَالَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ فِي الْكَشْخَانِ يُعَزَّرُ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ قَالَ يَا قَوَّادُ يَا قِرْدُ أَوْ يَا مُقَامِرُ قِيلَ يُعَزَّرُ وَقِيلَ لَا يُعَزَّرُ وَلَوْ قَالَ يَا بَلِيدُ يَا قَذِرُ يُعَزَّرُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ مَحْرَمِهِ رَجُلًا) أَيْ أَجْنَبِيًّا. اهـ. (قَوْلُهُ فَيَدَعُهُ خَالِيًا بِهَا) أَيْ وَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُ اهـ

(قَوْلُهُ وَقِيلَ هُوَ السَّبَبُ) هَذَا الْقِيلُ عَزَاهُ قَاضِي خَانْ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ إلَى أَبِي الْقَاسِمِ الصَّفَّارِ وَالْقَوْلُ الَّذِي قَبْلَهُ عَزَاهُ لِأَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ أَمَّا السَّفَلَةُ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْمُسْلِمُ لَا يَكُونُ سَفَلَةً إنَّمَا السَّفَلَةُ هُوَ الْكَافِرُ وَبِهِ أَخَذَ الْمَشَايِخُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ السَّفَلَةُ هُوَ الَّذِي لَا يُبَالِي بِمَا يُقَالُ لَهُ مِنْ وُجُوهِ الذَّمِّ وَالشَّتْمِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ هُوَ الَّذِي يَلْعَبُ بِالْحَمَامِ وَيُقَامِرُ وَقَالَ خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ السَّفَلَةُ هُوَ الَّذِي إذَا دُعِيَ إلَى طَعَامٍ يَحْمِلُ شَيْئًا مِنْ الْمَائِدَةِ وَقِيلَ هُوَ الطُّفَيْلِيُّ وَقِيلَ هُوَ الْحَائِكُ وَالْحَجَّامُ وَالدَّبَّاغُ وَقِيلَ هُوَ الَّذِي يَخْتَلِفُ إلَى الْقُضَاةِ ثُمَّ قَالَ قَاضِي خَانْ وَأَمَّا الْمَاجِنُ فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ هُوَ الَّذِي لَا يُبَالِي بِمَا يَسْمَعُ اهـ

ص: 208

ذَلِكَ الْفِعْلَ قَالَ رحمه الله (وَبِيَا كَلْبُ يَا تَيْسُ يَا حِمَارُ يَا خِنْزِيرُ يَا بَقَرُ يَا حَيَّةُ يَا حَجَّامُ يَا بِغَاءُ يَا مُؤَاجِرُ يَا وَلَدَ الْحَرَامِ يَا عَيَّارُ يَا نَاكِسُ يَا مَنْكُوسُ يَا سُخْرَةُ يَا ضُحَكَةُ يَا كَشْخَانُ يَا أَبْلَهُ يَا مُوَسْوَسُ لَا) أَيْ لَا يُعَزَّرُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ كُلِّهَا لِأَنَّ مِنْ عَادَاتِهِمْ إطْلَاقَ الْحِمَارِ وَنَحْوِهِ بِمَعْنَى الْبَلَادَةِ أَوْ الْحِرْصِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَلَا يُرِيدُونَ بِهِ الشَّتِيمَةَ

أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يُسَمُّونَ بِهِ وَيَقُولُونَ عِيَاضُ بْنُ حِمَارٍ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَجَمَلٍ لِأَنَّ الْمَقْذُوفَ لَا يَلْحَقُهُ شَيْنٌ بِهَذَا الْكَلَامِ وَإِنَّمَا يَلْحَقُ الْقَاذِفَ وَكُلُّ أَحَدٍ يُعْلَمُ أَنَّهُ آدَمِيٌّ وَلَيْسَ بِكَلْبٍ وَلَا حِمَارٍ وَأَنَّ الْقَاذِفَ كَاذِبٌ فِي ذَلِكَ وَحَكَى الْهِنْدُوَانِيُّ أَنَّهُ يُعَزَّرُ فِي زَمَانِنَا فِي مِثْلِ قَوْلِهِ يَا كَلْبُ يَا خِنْزِيرُ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الشَّتْمُ فِي عُرْفِنَا وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يُعَزَّرُ وَقِيلَ إنْ كَانَ الْمَنْسُوبُ إلَيْهِ مِنْ الْأَشْرَافِ كَالْفُقَهَاءِ وَالْعَلَوِيَّةِ يُعَزَّرُ لِأَنَّهُ يُعَدُّ شَيْنًا فِي حَقِّهِ وَتَلْحَقُهُ الْوَحْشَةُ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَامَّةِ لَا يُعَزَّرُ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ وَمِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي لَا تُوجِبُ التَّعْزِيرَ قَوْلُهُ يَا رُسْتَاقِيُّ وَيَا ابْنَ الْأَسْوَدِ وَيَا ابْنَ الْحَجَّامِ وَهُوَ لَيْسَ كَذَلِكَ.

قَالَ رحمه الله (وَأَكْثَرُ التَّعْزِيرِ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ سَوْطًا) وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ يُبْلَغُ بِالتَّعْزِيرِ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ سَوْطًا وَفِي رِوَايَةٍ تِسْعَةٌ وَسَبْعُونَ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّهُ يُقَرِّبُ كُلَّ جِنْسٍ إلَى جِنْسِهِ فَيُقَرِّبُ لِلْمَسِّ وَالْقُبْلَةِ مِنْ حَدِّ الزِّنَا وَالْقَذْفِ لِغَيْرِ الْمُحْصَنِ أَوْ لِلْمُحْصَنِ بِغَيْرِ الزِّنَا مِنْ حَدِّ الْقَذْفِ صَرْفًا لِكُلِّ نَوْعٍ وَعَنْهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ عَلَى قَدْرِ عِظَمِ الْجُرْمِ وَصِغَرِهِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ فِيهِ مُضْطَرِبٌ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي بَعْضِهَا مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «مَنْ بَلَغَ حَدًّا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ يَا تَيْسُ) هَذَا سَاقِطٌ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ ثَابِتٌ فِي الْمَتْنِ اهـ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ التَّيْسُ الذَّكَرُ مِنْ الْمَعْزِ إذَا أَتَى عَلَيْهِ حَوْلٌ وَقَبْلَ الْحَوْلِ جَدْيٌ وَالْجَمْعُ تُيُوسٌ مِثْلَ فَلْسٍ وَفُلُوسٍ. اهـ. (قَوْلُهُ يَا بِغَاءُ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَفِي جَمْعِ التَّفَارِيقِ الْبِغَاءُ أَنْ يَعْلَمَ بِفُجُورِهَا وَيَرْضَى هَذَا إنْ صَحَّ تَوَسُّعٌ فِي الْكَلَامِ يَا بِغَاءُ اهـ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ وَأَمَّا بِغَاءٌ فَهُوَ وَالْقَرْطَبَانُ سَوَاءٌ. اهـ. (قَوْلُهُ يَا مُؤَاجِرُ) قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ إنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عُرْفًا فِيمَنْ يُؤَاجِرُ أَهْلَهُ لِلزِّنَا. اهـ. (قَوْلُهُ يَا عَيَّارُ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ رَجُلٌ عَيَّارٌ كَثِيرُ الْمَجِيءِ وَالذَّهَابِ عَنْ ابْنِ دُرَيْدٍ وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ الْعَيَّارُ مِنْ الرِّجَالِ الَّذِي يُخَلِّي نَفْسَهُ وَهَوَاهَا لَا يَرْدَعُهَا وَلَا يَزْجُرُهَا وَفِي أَجْنَاسِ النَّاطِفِيِّ الَّذِي يَتَرَدَّدُ بِلَا عَمَلٍ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ فَرَسٌ عَائِرٌ وَعَيَّارٌ اهـ

(قَوْلُهُ يَا سُخْرَةُ) يُقَالُ فُلَانٌ سُخْرَةٌ يَتَسَخَّرُ فِي الْعَمَلِ يُقَالُ خَادِمَةٌ سُخْرَةٌ وَرَجُلٌ سُخْرَةٌ أَيْضًا يُسْخَرُ مِنْهُ وَسُخَرَةُ بِفَتْحِ الْخَاءِ يَسْخَرُ مِنْ النَّاسِ كَثِيرًا. اهـ. صِحَاحٌ (قَوْلُهُ يَا ضُحَكَةُ) يُقَالُ رَجُلٌ ضُحَكَةُ كَثِيرُ الضَّحِكِ وَضُحْكَةٌ بِالتَّسْكِينِ يُضْحَكُ مِنْهُ. اهـ. صِحَاحٌ (قَوْلُهُ يَا كَشْخَانُ) بِالْخَاءِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ اهـ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ وَأَمَّا كَشْخَانُ حُكِيَ عَنْ امْرَأَةٍ جَاءَتْ إلَى أَبِي عِصْمَةَ الْمَرْوَزِيِّ وَقَالَتْ إنَّ زَوْجِي كُلَّ يَوْمٍ يَأْمُرُنِي بِالطَّبْخِ فَقُلْت لَهُ يَوْمًا أَيْ كَشْخَانُ إلَى مَتَى أَطْبُخُ فَقَالَ لِي إنْ كُنْتُ كَشْخَانَ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَالَ أَبُو عِصْمَةَ إنَّ زَوْجَك إذَا سَمِعَ أَنَّ رَجُلًا يَمُدُّ يَدُهُ إلَيْك بِسُوءٍ وَلَا يُبَالِي فَهُوَ كَشْخَانُ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ وَضَرَبَكِ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ لَيْسَ بِكَشْخَانَ اهـ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَلْحَقُ الْقَاذِفَ) أَيْ لِلتَّيَقُّنِ بِكَذِبِهِ. اهـ. كَيْ.

(قَوْلُهُ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ) يَعْنِي فِي حَقِّ الْأَحْرَارِ لَا فِي الْعَبِيدِ عَلَى مَا سَيَأْتِي آخِرَ الْمَقَالَةِ اهـ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ تِسْعَةٌ وَسَبْعُونَ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَهُوَ الْقِيَاسُ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «مَنْ بَلَغَ حَدًّا») الرِّوَايَةُ بَلَغَ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّثْقِيلُ خَطَأٌ بَيِّنٌ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ مَنْ بَلَغَ الْحَدَّ فِي غَيْرِ الْحَدِّ فَهُوَ مِنْ الْمُعْتَدِينَ وَلَوْ قِيلَ بَلَّغَ بِالتَّشْدِيدِ لَصَارَ الْمَعْنَى مَنْ بَلَّغَ الْحَدَّ إلَى غَيْرِ الْحَدِّ وَلَا خَفَاءَ فِي بُطْلَانِهِ وَلَوْ قَدَّرْت الْمَفْعُولَ الْأَوَّلَ مَحْذُوفًا لَاحْتَمَلَ الصِّحَّةَ أَيْ بَلَغَ التَّعْزِيرُ حَدًّا وَيَدُلُّ عَلَى الْمَحْذُوفِ قَوْلُهُ فِي غَيْرِ حَدٍّ وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: 67] أَيْ بَلِّغْ النَّاسَ. اهـ. مُسْتَصْفَى قَالَ الْأَتْقَانِيُّ عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُبْلَغُ بِالتَّعْزِيرِ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ سَوْطًا هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَلَا تَرَى إلَى مَا نَقَلَ صَاحِبُ الْأَجْنَاسِ عَنْ حُدُودِ الْأَصْلِ لَا يُمَدُّ فِي التَّعْزِيرِ، وَيُضْرَبُ وَالْمَضْرُوبُ قَائِمًا أَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ وَأَكْثَرُهُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ لَا يَبْلُغُ أَرْبَعِينَ سَوْطًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَبْلُغُ بِهِ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا ثُمَّ قَالَ وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ تِسْعَةٌ وَسَبْعُونَ سَوْطًا لَكِنَّ هَذَا فِي تَعْزِيرِ الْحُرِّ أَمَّا فِي تَعْزِيرِ الْعَبْدِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يُنْقِصَ خَمْسَةً عَنْ أَرْبَعِينَ كَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي رِوَايَةٍ قَوْلُهُ مَعَ أَبِي يُوسُفَ كَذَا ذُكِرَ فِي الْمُخْتَلِفِ

وَقَوْلُ زُفَرَ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي النَّوَادِرِ ذَكَرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ مَعَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ هَكَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ قَوْلَ زُفَرَ مِثْلَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ الْأَصْلُ هُنَا مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «مَنْ بَلَغَ حَدًّا فِي غَيْرِ حَدٍّ فَهُوَ مِنْ الْمُعْتَدِينَ» مَعْنَاهُ مَنْ بَلَغَ حَدًّا فِيمَا لَيْسَ بِحَدٍّ يَعْنِي فِي التَّعْزِيرِ إذَا بَلَغَ حَدًّا فَهُوَ مِنْ الْمُعْتَدِينَ أَيْ مِنْ الْمُجَاوِزِينَ فَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ مِنْ نُقْصَانِ عَدَدِ الْجَلْدِ فِي التَّعْزِيرِ عَنْ الْحَدِّ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِنُقْصَانِ سَوْطٍ عَنْ الْأَرْبَعِينَ لِأَنَّهُ قَالَ عليه الصلاة والسلام «مَنْ بَلَغَ حَدًّا» بِلَفْظِ النَّكِرَةِ فَيَتَنَاوَلُ أَدْنَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْحَدِّ وَهُوَ الْأَرْبَعُونَ لِأَنَّهُ أَدْنَى حَدِّ الْعَبْدِ فِي الْقَذْفِ

وَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ حَدَّ الْأَحْرَارِ لِأَنَّ الرِّقَّ عَارِضٌ فَنَقَصَ سَوْطًا عَنْهُ عَلَى رِوَايَةِ النَّوَادِرِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ نَقَصَ عَنْ الثَّمَانِينَ سَوْطًا وَلَا فِقْهَ فِيهِ وَلَا يُفْهَمُ مِنْهُ مَعْنًى مَعْقُولٌ قَالُوا إنَّ أَبَا يُوسُفَ كَانَ يُعَزِّرُ رَجُلًا وَقَدْ أَمَرَ بِتِسْعَةٍ وَسَبْعِينَ وَكَانَ يَعْقِدُ لِكُلِّ خَمْسَةٍ عَقْدًا بِأُصْبُعِهِ فَعَقَدَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَمْ يَعْقِدْ لِلْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ لِنُقْصَانِهَا عَنْ الْخَمْسَةِ

ص: 209

فِي غَيْرِ حَدٍّ فَهُوَ مِنْ الْمُعْتَدِينَ» فَيُعَزَّرُ مِنْ غَيْرِ تَبْلِيغِهِ حَدًّا بِالْإِجْمَاعِ غَيْرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ اعْتَبَرَ أَدْنَى الْحُدُودِ وَهُوَ حَدُّ الْعَبْدِ لِأَنَّ مُطْلَقَ مَا رَوَيْنَا يَتَنَاوَلُهُ وَأَقَلُّهُ أَرْبَعُونَ

وَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ حَدَّ الْأَحْرَارِ لِأَنَّهُمْ هُمْ الْأُصُولُ وَأَقَلُّهُ ثَمَانُونَ فَنَقَصَ عَنْهُ سَوْطًا وَفِي رِوَايَةٍ خَمْسَةً رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ فَعَلَهُ فَقَلَّدَهُ أَوْ اُعْتُبِرَ نَفْسُ الْجُرْمِ لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْجُرْمِ كَالْحَدِّ فَقَرُبَ الْجُرْمُ الْكَبِيرُ مِنْ أَكْثَرِ الْحَدِّ وَهُوَ مِائَةٌ وَالصَّغِيرُ مِنْ الْأَقَلِّ وَهُوَ ثَمَانُونَ سَوْطًا وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَبْلُغُ بِهِ الْأَرْبَعِينَ. قَالَ رحمه الله (وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ) أَيْ أَقَلُّ التَّعْزِيرِ ثَلَاثُ جَلَدَاتٍ وَهَكَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فَكَأَنَّهُ يَرَى أَنَّ مَا دُونَهَا لَا يَقَعُ بِهِ الزَّجْرُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ فَلَا مَعْنَى لِتَقْدِيرِهِ مَعَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِدُونِهِ فَيَكُونُ مُفَوَّضًا إلَى رَأْيِ الْقَاضِي يُقَيِّمُهُ بِقَدْرِ مَا يَرَى

الْمَصْلَحَةَ

فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا تَفَاصِيلَهُ وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى.

قَالَ رحمه الله (وَصَحَّ حَبْسُهُ بَعْدَ الضَّرْبِ) أَيْ جَازَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَحْبِسَهُ بَعْدَ مَا ضَرَبَهُ لِتَعْزِيرِ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الزِّيَادَةِ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ لِمَا رَوَيْنَا وَقَدْ لَا يَحْصُلُ الْغَرَضُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الضَّرْبِ فَجَازَ لَهُ أَنْ يَضُمَّ الْحَبْسَ إلَيْهِ إذَا رَأَى فِيهِ مَصْلَحَةً وَهَذَا لِأَنَّهُ يَصْلُحُ تَعْزِيرًا ابْتِدَاءً حَتَّى جَازَ الِاكْتِفَاءُ بِهِ وَلِهَذَا لَا يُحْبَسُ بِالتُّهْمَةِ فِي التَّعْزِيرِ لِكَوْنِهِ أَقْصَى عُقُوبَةٍ فِيهِ فَيَلْزَمُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ التَّحَقُّقِ فَإِذَا صَلَحَ تَعْزِيرًا ابْتِدَاءً وَهُوَ مَشْرُوعٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ جَازَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الضَّرْبِ مَا تَجُوزُ زِيَادَةُ الضَّرَبَاتِ فِيهِ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ إلَيْهِ قَالَ رحمه الله (وَأَشَدُّ الضَّرْبِ التَّعْزِيرُ) لِأَنَّهُ جَرَى فِيهِ التَّخْفِيفُ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ فَلَا يُخَفَّفُ مِنْ حَيْثُ الْوَصْفُ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى فَوَاتِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الِانْزِجَارُ وَيَتَّقِي الْمَوَاضِعَ الَّتِي تُتَّقَى فِي الْحُدُودِ

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَضْرِبُ فِيهِ الظَّهْرَ وَالْأَلْيَةَ فَقَطْ ثُمَّ ذُكِرَ فِي حُدُودِ الْأَصْلِ تَفْرِيقُ التَّعْزِيرِ عَلَى الْأَعْضَاءِ وَفِي أَشْرِبَةِ الْأَصْلِ يُضْرَبُ فِي التَّعْزِيرِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافُ رِوَايَةٍ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْجَوَابُ لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ فَمَوْضُوعُ الْأَوَّلِ إذَا بَلَغَ بِالتَّعْزِيرِ أَقْصَاهُ وَمَوْضُوعُ الثَّانِي إذَا لَمْ يَبْلُغْ.

قَالَ رحمه الله (ثُمَّ حَدُّ الزِّنَا) لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَحَدُّ الشُّرْبِ ثَابِتٌ بِقَوْلِ الصَّحَابَةِ وَلِأَنَّ جِنَايَتَهُ أَعْظَمُ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ لَا تَنْكَشِفُ بِحَالٍ وَحُرْمَةَ الْخَمْرِ تَنْكَشِفُ بِالضَّرُورَةِ وَالزِّنَا يُؤَدِّي إلَى قَتْلِ النَّفْسِ بِأَنْ يَتَخَلَّقَ مِنْهُ وَلَدٌ لَيْسَ لَهُ أَبٌ يُرَبِّيهِ فَيَهْلِكُ وَلِهَذَا شُرِعَ فِيهِ الرَّجْمُ بِخِلَافِ شُرْبِ الْخَمْرِ فَإِذَا كَانَتْ جِنَايَتُهُ أَعْظَمَ كَانَتْ عُقُوبَتُهُ أَشَدَّ.

قَالَ رحمه الله (ثُمَّ الشُّرْبِ ثُمَّ الْقَذْفِ) أَيْ ثُمَّ حَدُّ الشُّرْبِ ثُمَّ حَدُّ الْقَذْفِ لِأَنَّ جِنَايَةَ الشُّرْبِ مَقْطُوعٌ بِهَا بِمُشَاهَدَةِ الشُّرْبِ وَالْإِحْضَارِ إلَى الْحَاكِمِ مَعَ الرَّائِحَةِ وَجِنَايَةَ الْقَذْفِ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْقَاذِفُ صَادِقًا فِيهِ وَعَجْزُهُ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى عِفَّةِ الْمَقْذُوفِ فَلَمْ يُتَيَقَّنْ بِكَذِبِهِ وَلِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ جَرَى فِيهِ تَغْلِيظٌ مِنْ حَيْثُ رَدُّ الشَّهَادَةِ عَلَى التَّأْبِيدِ فَتَخْفِيفُ الضَّرْبِ لَا يُؤَدِّي إلَى فَوَاتِ الْمَقْصُودِ وَلِأَنَّ الشَّارِبَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

فَظَنَّ الَّذِي عِنْدَهُ أَنَّهُ أَمَرَ بِخَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ وَكَانَ يَعْرِفُ يُضْرَبُ حَقِيقَةَ الْحَالِ فَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِهَذَا وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ هَذَا عَنْ عُمَرَ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي هَذَا نَقْلٌ عَنْ عُمَرَ لَمْ يَعْتَبِرْ أَبُو حَنِيفَةَ التَّعْزِيرَ بِحَدِّ الْعَبْدِ وَقِيلَ إنَّ نُقْصَانَ الْخَمْسَةِ مَأْثُورٌ عَنْ عَلِيٍّ

وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا قُلْنَا وَهَذَا لِأَنَّ تَقْلِيدَ الصَّحَابِيِّ فِيمَا لَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ وَاجِبٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قِيلَ إنَّ أَبَا يُوسُفَ أَخَذَ النِّصْفَ مِنْ حَدِّ الْأَحْرَارِ وَالنِّصْفَ مِنْ حَدِّ الْعَبِيدِ وَأَكْثَرُ حَدِّ الْأَحْرَارِ مِائَةٌ وَأَكْثَرُ حَدِّ الْعَبِيدِ خَمْسُونَ فَأَخَذَ نِصْفًا مِنْ هَذَا وَنِصْفًا مِنْ هَذَا قُلْت سَلَّمْنَا أَنَّ الْمِائَةَ حَدُّ هَذَا وَالْخَمْسُونَ حَدُّ ذَاكَ وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ اعْتِبَارَ التَّعْزِيرِ بِتَنْصِيفِ كُلِّ وَاحِدٍ وَلَا دَلِيلَ عَلَى التَّنْصِيفِ جَزْمًا لَا سِيَّمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا دَلِيلَ أَيْضًا عَلَى اعْتِبَارِ أَكْثَرِ الْحَدَّيْنِ وَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ عِنْدِي لِتَيَقُّنِ الْأَقَلِّ وَالْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَخَذَ بِقَوْلِ زُفَرَ وَعَلَّلَ بَعْدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْأَرْبَعِينَ نِصْفُ الْحَدِّ وَلَيْسَ بِحَدٍّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّا نَقُولُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْأَرْبَعِينَ لَيْسَ بِحَدٍّ بَلْ هُوَ حَدُّ الْعَبْدِ فِي الْقَذْفِ وَلَا يَجُوزُ نَفْيُهُ مُطْلَقًا لِأَنَّ النَّكِرَةَ إذَا وَقَعَتْ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ عَمَّتْ

(قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام مَنْ بَلَغَ حَدًّا فِي غَيْرِ حَدٍّ) الرِّوَايَةُ بِتَخْفِيفِ اللَّامِ وَلِلتَّشْدِيدِ وَجْهٌ عَلَى حَذْفِ الْمَفْعُولِ الْأَوَّلِ أَيْ مَنْ بَلَغَ التَّأْدِيبَ أَوْ بَلَغَ الضَّرْبَ حَدًّا فِيمَا لَيْسَ بِحَدٍّ أَيْ فِي التَّعْزِيرِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي تَقْدِيرِ الْمَفْعُولِ الْأَوَّلِ مَنْ بَلَغَ التَّعْزِيرَ حَدًّا وَذَلِكَ مُلَوِّثٌ لِلصِّمَاخِ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ فِي غَيْرِ حَدٍّ التَّعْزِيرُ فَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ مَنْ بَلَغَ التَّعْزِيرَ حَدًّا فِي التَّعْزِيرِ فَيَرِدُ مَا قُلْنَا اهـ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ

(فُرُوعٌ) رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَالَ لَهُ يَا فَاسِقُ أَوْ يَا كَافِرُ أَوْ يَا فَاجِرُ أَوْ يَا مُنَافِقُ أَوْ يَا خَبِيثُ أَوْ يَا خِنْزِيرُ أَوْ يَا حِمَارُ أَوْ يَا لِصُّ أَوْ يَا لُوطِيُّ أَوْ يَا آكِلَ الرِّبَا أَوْ يَا شَارِبَ الْخَمْرِ أَوْ يَا دَيُّوثُ أَوْ يَا مُخَنَّثُ أَوْ يَا خَائِنُ أَوْ يَا ابْنَ الْقَحْبَةِ أَوْ مَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا يُوجَبُ فِيهِ التَّعْزِيرَ أَوْ ادَّعَى عَبْدٌ أَنَّهُ قَالَ لَهُ يَا زَانِي أَوْ أَمَةٌ ادَّعَتْ أَنَّهُ قَالَ لَهَا يَا زَانِيَةُ أَوْ ادَّعَى أَمْرًا يَجِبُ فِيهِ الْأَدَبُ بِأَنْ ادَّعَى أَنَّهُ ضَرَبَنِي أَوْ شَتَمَنِي أَوْ لَطَمَنِي وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَلَّفَهُ الْقَاضِي لِأَنَّ هَذَا مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ يَجْرِي فِيهِ الْعَفْوُ وَالْإِبْرَاءُ وَلَا يَسْقُطُ بِالتَّقَادُمِ وَيُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَكِتَابُ الْقَاضِي وَلَا يَخْتَصُّ الْإِمَامُ بِالْإِقَامَةِ فَإِنَّ الزَّوْجَ يُؤَدِّبُ الْمَرْأَةَ وَالْمَوْلَى يُؤَدِّبُ الْعَبْدَ وَلَوْ رَأَى إنْسَانًا يَفْعَلُ ذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَنْهَاهُ وَيَمْنَعَهُ وَيُؤَدِّبَهُ وَيَضْرِبَهُ إنْ كَانَ لَا يَنْزَجِرُ بِالْمَنْعِ بِاللِّسَانِ فَيَجْرِي فِيهِ الْيَمِينُ قَاضِي خَانْ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى قُبَيْلَ بَابِ مَا يُبْطِلُ دَعْوَى الْمُدَّعِي قَوْلُهُ وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَلَّفَهُ الْقَاضِي أَيْ فَإِنْ حَلَفَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ نَكَلَ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالتَّعْزِيرِ ذَكَرَهُ الْعِمَادِيُّ فِي الْفَصْلِ وَتَمَامُهُ فِيهِ اهـ.

(قَوْلُهُ فَلَمْ يُتَيَقَّنْ بِكَذِبِهِ) أَيْ

ص: 210