المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهذه الطبعة الثانية لكتابي: (تعجيل الندى، بشرح قطر الندى) . - تعجيل الندى بشرح قطر الندى

[عبد الله بن صالح الفوزان]

الفصل: فهذه الطبعة الثانية لكتابي: (تعجيل الندى، بشرح قطر الندى) .

فهذه الطبعة الثانية لكتابي: (تعجيل الندى، بشرح قطر الندى) . بعد نفاد الطبعة الأولى. وقد راجعت الكتاب وزدت عليه بعض الفوائد والتعليقات. وصححت ما فيه من أخطاء، وأسأل الله تعالى أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم نافعاً لمن أراد الاستفادة منه، وأن يوفقنا جميعاً لعلم نافع وعمل صالح، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

وكتبه

عبد الله بن صالح الفوزان

مساء السبت 19/8/1420هـ

‌الكلمة وأقسامها

قوله: (الْكَلِمَةُ قَوْلٌ مُفْرَدٌ) بدأ المصنف - رحمه الله تعالى - بتعريف الكلمة. لأنها موضوع هذا العلم، ولأن الكلمة جزء الكلام، والجزء مقدم على الكل.

والقول: هو اللفظ الدال على معنى مفيدٍ أو غير مفيد، مفرداً كان أم مركباً نحو: خالد، ونحو: خرج الغلام. ونحو: إن خرج.

وخرج بقوله: (مفرد) الجملة، لأنها وإن كانت قولاً إلا أنها من المركب، وليست من المفرد. فـ (الكلمة) : لفظة واحدة تدل على معنى مفرد. مثل: باب. كتاب. وقد تستعمل أحياناً بمعنى: الكلام المفيد نحو: ألقيت في المسجد كلمة. قال تعالى: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} (1) إشارة إلى قوله: {رَبِّ ارْجِعُون..} ، وقال صلى الله عليه وسلم (الكلمة الطيبة صدقة) متفق عليه.

قوله: (وهِيَ اسْمٌ وفِعْلٌ وحَرْفٌ) لما عَرَّف الكلمة. ذكر أنواعها وأنها ثلاثة: الاسم، والفعل. والحرف. والدليل على انحصار أنواعها في هذه الثلاثة:

1-

الاستقراء والتتبع لكلام العرب.

الحصر، فإن الكلمة إما أن تدل على معنى في نفسها أو في غيرها. فإن دلت على معنى في نفسها فإما أن تشعر بهيئتها (2)

(1) سورة المؤمنون، آية:100.

(2)

المراد بالهيئة: الحالة التصريفية نحو (قام) للماضي. و (يقوم) للحاضر والمستقبل. (وقم) للمستقبل.

2-

أما نحو: (أمس)(الآن) فهذا يدل على الزمن بذاته لا بهيئته فليس بفعل.

ص: 3

بأحد الأزمنة الثلاثة فهي الفعل: كقام، أو لاتشعر بزمن فهي الاسم مثل: عاصم. وإن دلت على معنى في غيرها فهي الحرف. نحو (في) فإنه لا يفيد معنى يستقل بالمفهومية بل لابد من من وضعه في جملة.

قوله: (فَأَمَّا الاسْمُ فَيُعْرَفُ باَلْ كَالرَّجُلِ، وبالتَّنْوِينِ كَرَجُلٍ وبالحَدِيثِ عَنْهُ كَتَاءِ ضَرَبْتُ) .

اقتصر المصنف على علامات الاسم دون تعريفه. لأن هذا هو الذي يفيد الطالب المبتدئ. ليميز بين الأسماء والأفعال، واتضاح ذلك بالعلامات أكثر من اتضاحه بالتعاريف.

وقوله: (باَلْ)(1) أي من علامات الاسم التي تميزه على الفعل والحرف دخول (ال) عليه. مثل: قدم المسافر. فكلمة (مسافر) اسم بدليل دخول (ال) عليها.

وقوله: (وَبالتَّنْوِينِ) هذه العلامة الثانية وهي التنوين. وهو: نون زائدة ساكنة تلحق الآخر لفظاً لا خطاً لغير توكيد، مثل: جاء خالدٌ، رأيت خالداً. مررت بخالدٍ. ومعنى (زائدة) : أي ليست من أصل بنية الكلمة ولا من حروفها الأصلية.

وقولنا: (لفظاً لاخطاً) أي للاستغناء عن النون بتكرار الحركة، فيكون آخر الاسم ضمتين أو فتحتين أو كسرتين.

قوله: (بالحدِيثِ عَنْهُ) أي تتحدث عن الاسم وتضم إليه ما تتم به الفائدة، كقولك: دخل عاصم. فـ (عاصم) اسم لأنك قد حدثت عنه بالدخول. فأي كلمة تتحدث عنها فهي اسم. وهو معنى قولهم: (الإسناد إليه) بمعنى أن تنسب إليه ما تحصل به الفائدة.

وهذه العلامة من أنفع العلامات للاسم وبها اسْتُدِلَّ على اسمية الضمائر كالتاء في نحو: قمتُ، لأن الضمائر لا تقبل أيَّ علامة من علامات الاسم الأخرى.

(1) هذا التعبير أولى من (الألف واللام) فإنه لا يقال في (هل) : الهاء واللام. ولا في (بل) الباء واللام فكذا هنا.

ص: 4

وقد اقتصر المصنف رحمه الله على هذه العلامات الثلاث لأنها أشهر وأوضح من غيرها. (1)

قوله: (وهُوَ ضَرْبَانِ: مُعْربٌ وهُوَ ما يَتَغَيَّرُ آخِرُهُ بِسَبَبِ الْعَوَامِلِ الدَّاخِلَةِ عَلَيْهِ كَزَيْدٍ ومَبْنِيِّ وهُوَ بِخلافِهِ) .

لما ذكر علامات الاسم ذكر أقسامه من الناحية الإعرابية. فذكر أنه ضربان:

الأول: الاسم المعرب: وهو ما يتغير آخره بسبب العوامل (2) الداخلة عليه نحو: قدم الضيفُ، رأيت الضيفَ، سلمت على الضيفِ، فآخر الكلمة تغير بالضمة والفتحة والكسرة، بسبب ما دخل عليه من العوامل، وهي:(قدم) و (رأى) و (على) الجارة.

وقوله: (ما يَتَغَيَّرُ آخِرُهُ) احتراز من تغير أوله أو وسطه فليس إعراباً، كقولك في تصغير (فلس) : فُليس، وفي (درهم) : دُريهم.

الثاني:الاسم المبني وأشار إليه بقوله: (وَمَبْنيٌ وهُوَ بِخلافِهِ) أي: أن المبني - وهو الضرب الثاني - ضد المعرب. فإذا كان المعرب يتغير آخره فإن المبني يلزم حالة واحدة، فلا يتغير آخره بسبب العوامل. نحو: حضر الذي فاز في المسابقة، هنأت الذي فاز في المسابقة، سلمت على الذي فاز في المسابقة، فـ (الذي) اسم موصول مبني على السكون، لم يتغير آخره مع عامل الرفع أو النصب أو الجر.

قوله: (كَهؤُلاءِ في لُزُومِ الكَسْرِ، وكَذلِكَ حَذامِ وأَمْسِ في لُغَةِ الحِجَازِييّنَ) .

(1) للاسم علامات أخرى منها مجيء الكلمة مجرورة سواء بالحرف أو الإضافة أو التبعية نحو: ذهبت لزيارةِ عالم جليل. أو مناداة نحو: يا خالد تمهل في سيرك. أو مضافة نحو: كتاب طالب العلم جديد. أو مجموعة نحو: أبواب الرزق كثيرة. أو مصغرة نحو: حسين أشجع من أخيه. وإنما تعددت علامات الاسم لتعدد الأسماء، فالعلامة قد تصلح لبعض منها ولا تصلح لآخر كما ذكرنا في الشرح.

(2)

العامل هو ما أوجب كون آخر الكلمة على وجه مخصوص من الإعراب وهو لفظي كالأفعال والحروف، ومعنوي كالابتداء في رفع المبتدأ.

ص: 5

ذكر أن المبني أربعة أقسام: مبني على الكسر، ومبني على الفتح، ومبني على السكون، ومبني على الضم، وبدأ بالمبني على الكسر ومثل بهذه الأمثلة ليبين أن المبني على الكسر نوعان:

1-

نوع متفق على بنائه، مثل اسم الإشارة (هؤلاء) فإن جمع العرب يكسرون آخره في جميع الأحوال، تقول هؤلاءِ الطلاب (1) مجدون، ورأيت هؤلاءِ، ومررت بهؤلاءِ. فـ (ها) للتنبيه حرف مبني على السكون لا محل له من الإعراب و (أولاءِ) اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ في الأول. وفي محل نصب مفعول به في الثاني، وفي محل جر في الثالث.

2-

نوع مختلف في بنائه. وذكر له مثالين: -

الأول: كل علم لمؤنث على وزن (فَعالِ) كحذام وسَجاحٍ ورَقاشِ، فهذا مبني على الكسر عند الحجازيين مطلقاً - رَفعاً ونصباً وجراً - سواء كان آخره راءً أم لا، تشبيهاً له بنزال (2) - اسم فعل أمر - تقول: هذه حذام، ورأيت حذامِ، ومررت بحذَامِ.

وأما بنو تميم فبعضهم يعربه إعراب ما لا ينصرف. فيقولون: هذه حذامُ، رأيت حذامَ، ومررت بحذامَ. فهو مرفوع بالضمة، ومنصوب بالفتحة، ومجرور بالفتحة، نيابة عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف.

وأكثرهم يفرق بين ما كان مختوماً بالراء فيبنيه على الكسر كالحجازيين، مثل ظفارِ - اسم بلد يمني - وما ليس آخره راء فيعربه إعراب ما لا ينصرف كما تقدم.

(1) الطلاب: بدل أو عطف بيان وهذا أرجح من إعرابه نعتاً إن كان جامداً فإن كان مشتقاً نحو: هذا الطالب مجد. فالأرجح إعرابه نعتاً. وسيأتي إن شاء الله الفرق بين الجامد والمشتق.

(2)

نزال: اسم فعل مبني على الكسر. فكذا ما أشبهه.

ص: 6

الثاني: (أمس) فالحجازيون يبنونه على الكسر في جميع أحوال إعرابه. بشرط أن يكون غير ظرف، وأن يكون خالياً من "أل". والإضافة، وأن يكون علماً على اليوم الذي قبل يومك مباشرة فيقولون: مضى أمس بما فيه، وتأملت أمس وما فيه، ما رأيته مذ أمسِ. فهو مبني على الكسر في محل رفع أو نصب أو جر.

وأما بنو تميم فبعضهم يعربه إعراب ما لا ينصرف. فيرفعه بالضمة وينصبه ويجره بالفتحة من غير تنوين، نحو: مَرَّ أمسُ بما فيه، قضيت أمسَ في المكتبة. انتهيت من عملي مذ أمسَ.

وأكثرهم يمنعه من الصرف في حالة الرفع. ويبنيه على الكسر في حالتي النصب والجر فلا يدخله في باب الممنوع من الصرف. فيقول: مَرَّ أمسُ بما فيه. قضيت أمسِ في المكتبة. انتهيت من عملي مذ أمسِ.

وهذا إذا لم يكن ظرفاً - كما تقدم - فإن كان ظرفاً بمعنى (في)، نحو: سرتني زيارتك أمسِ. فهو مبني على الكسر عند الفريقين. وإن أُريد به يومٌ ما من الأيام الماضية، أو كان مضافاً أو ملحى بال أُعرب. نحو: قضينا أمساً في نزهة، أمسُنا كان جميلاً. إن الأمسَ كان جميلاً.

قوله: (وكَأحَدَ عَشَرَ وأخَوَاتِهِ في لُزُوم الْفَتْحِ) .

هذا النوع الثاني من الأسماء المبنية وهو ما يبنى على الفتح. ومثل له بـ (أحد عشر) وأخواته. أي إلى تسعة عشر، بتذكير العشرة مع المذكر، وتأنيثها مع المؤنث، فهذه الأعداد مبنية على فتح الجزأين. فلا تتغير بالعوامل.

تقول: جاء ثلاثةَ عشرَ طالباً، رأيت ثلاثةَ عشرَ طالباَ. ومررت بثلاثةَ عشرَ طالباً. فـ (ثلاثةَ عشرَ) : فاعل مبني على فتح الجزأين في محل رفع. والمثال الثاني: مفعول به في محل نصب. والثالث: في محل جر.

ص: 7

ويستثنى من ذلك (اثنا عشر) فإن صدره يعرب إعراب المثنى بالألف رفعاً وبالياء نصباً وجراً. لأنه ملحق بالمثنى - كما سيأتي إن شاء الله - ويبقى جزؤه الثاني مبنيّاً على الفتح لا محل له، لوقوعه موقع نون المثنى التي هي حرف. نحو: جاء اثنا عشر طالباً، رأيت اثني عشر طالباً، ومررت باثني عشر طالباً. فـ (اثنا) فاعل مرفوع بالألف لأنه ملحق بالمثنى. (عشر) اسم مبني على الفتح لا محل له من الإعراب.

قوله: (وكَقَبْلُ وبَعْدُ وأَخَوَاتِهِما في لُزُوم الضم إِذَا حُذِفَ المُضَافُ إِلَيْه ونُوِىَ مَعْنَاهُ) .

هذا النوع الثالث من الأسماء المبنية وهو ما يبنى على الضم. مثل (قبل وبعد) وهما ظرفان. (وأخواتهما) كأسماء الجهات الست مثل (فوق) و (تحت) وغيرهما، ونحو (دون) و (أول) فهذه تبنى على الضم، بشرط أن يحذف المضاف إليه وينوى معناه. ومعنى ذلك: أنك لا تقصد أن المضاف إليه لفظ معين، بل أي لفظ يؤدي المعنى. كقوله تعالى:{لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} (1) فـ (قبل) و (بعد) مبنيان على الضم - لما ذُكِرَ - في محل جر، وقال تعالى:{آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} (2) . وقال تعالى: {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ} (3) فـ (قبل) و (بعد) ظرفان مبنيان على الضم في محل نصب على الظرفية، أما إذا ذكر المضاف إليه فإنها تعرب ولا تبنى فتقول: جلست تحتَ الشجرة، فـ (تحت) ظرف مكان منصوب بالفتحة. وتقول:(جئت من قبلِ زيد) . فـ (قبل) اسم مجرور بمن وعلامة جره الكسرة.

قوله: (وكمَنْ وكَمْ في لُزُومِ السُّكُونِ وهُوَ أصْلُ الْبِنَاءِ) .

(1) سورة الروم، آية:4.

(2)

سورة يونس، آية:91.

(3)

سورة التين، آية:7.

ص: 8

هذا النوع الرابع من الأسماء المبنية. وهو ما يبنى على السكون، والسكون: قطع الحركة عن الحرف، فـ (من) اسم مبني على السكون. سواء كانت شرطية نحو: من يتصدقْ يُثَبْ. أو موصولة نحو: حضر من قام بواجبه، أو استفهامية نحو: من عندك؟ فهي ملازمة للسكون.

وقوله: (وكم) أي سواء كانت استفهامية بمعنى: أيِّ عدد. نحو: كم كتاباً عندك؟ أو خبرية بمعنى: عدد كثير. نحو كم بائسٍ مات جوعاً. فهي اسم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ في المثالين (1) . وقوله: (وُهوَ أَصْلُ الْبِنَاءِ) أي أن أصل البناء أن يكون بالسكون، لأنه أخف من الحركة. ولذا دخل في الاسم والفعل والحرف مثل: كَمْ، اكتبْ، مَنْ.

الفعل

أقسامه، علاماته، إعرابه

قوله: (وأَمّا الْفِعْلُ فَثَلَاثةُ أَقْسَامٍ: ماضٍ ويُعْرَفُ بِتَاءِ التَأنِيثِ السَّاكِنَةِ) .

لما أنهى الحديث عن الاسم، وبين المعرب منه والمبني. شرع في الكلام على الفعل فذكر أنه ثلاثة أقسام: ماض ومضارع وأمر.

وقوله: (ماض) بدل من (ثلاث) مرفوع بضمة مقدرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين منع من ظهورها الثقل (2) .

والفعل الماضي: كلمة تدل على حدث وزمن انقضى، نحو: سافر: الضيف، فـ (سافر) كلمة تدل على حدث وهو (السفر) ، وزمنٍ انقضى قبل النطق بهذه الكلمة (3) .

(1) سنذكر إعراب (كم) بالتفصيل في باب (التمييز) إن شاء الله.

(2)

هذا إعراب المنقوص في حالتي الرفع والجر إذا لم يضف ولم تدخل عليه (أل) لأن ياءه تحذف لالتقاء الساكنين - ياء المنقوص والتنوين - أما في حالة النصب فتظهر الفتحة نحو: رأيت قاضياً. فإن كان مضافاً أو محلى بأل. قدرت عليه الضمة والكسرة للثقل. وظهرت الفتحة للخفة.

(3)

الأزمنة ثلاثة: الحال: وهو الزمن الذي يحصل فيه الكلام. والاستقبال: وهو الزمن الذي يبدأ بعد انتهاء الكلام مباشرة. والماضي: الذي قبل بداية الكلام.

ص: 9

وقد ذكر المصنف للفعل الماضي علامةً تميزه عن المضارع والأمر وهي (تَاءُ التَأنِيثِ السَّاكِنَةِ) ومعنى هذا: أن أيَّ فعل يقبل تاء التأنيث الساكنة فهو فعل ماضٍ قطعاً، نحو: جلس، فتقول: جلستْ هند.

وقوله (السَّاكِنَةِ) أي الساكنة أصالةً فلا يضر تحركها لعارض كالتقاء الساكنين كقوله تعالى: {قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ} (1) .

وخرج بقوله (الساكنة) : التاءُ المحركة أصالة، فإن كانت حركتها حركة إعراب اختصت بالاسم كقائمة وفاطمة. وإن كانت حركتها غير حركة إعراب فإنها تكون في الاسم كما في قولك (لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله) فإن حركة التاء حركة بناء (2) . وتكون في الفعل نحو: هند تقوم، وفي الحرف نحو: رُبَّتَ، وثُمَّتَ. نحو: رُبَّتَ كلمةٍ فتحت باب شر ثُمَّتَ جلبت لصاحبها بلاء.

كما يعرف الفعل الماضي بـ (تاء الفاعل) المتحركة بالضم للمتكلم، أو الفتح للمخاطب، أو الكسر للمخاطبة. نحو: أعطيتُك كتاباً فرحتَ به. ونحو: أنَتِ قمتِ بالواجب.

قوله: (وبِنَاؤُهُ عَلَى الْفتْح كَضَرَبَ إلَاّ مَعَ وَاو الجَمَاعَةِ فَيُضَمُّ كَضَرَبُوا والضَّمِيرِ المَرْفُوع المُتَحَرِّكِ فَيُسَكَّنُ كَضَرَبْتُ) .

هذه أحوال بناء الفعل الماضي وهي ثلاثة:

الأولى: أن يكون مبنيًا على الفتح. وهذا هو الأصل. سواء كان الفتح ظاهراً نحو: تكلم الخطيب. أو مقدار نحو: دعا المسلم ربه.

فـ (دعا) فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف منع من ظهوره التعذر.

فيبنى على الفتح إذا لم يتصل به شيء كما مُثِّل، أو اتصلت به تاء التأنيث الساكنة نحو: نَصَحَتْ فاطمة أختها، أو ألف التثنية نحو: الشاهدان قالا الحق.

(1) سورة يوسف، آية:51.

(2)

لأنه اسم (لا) النافية للجنس. كما سيأتي - إن شاء الله - في باب (لا) .

ص: 10

الثانية: أن يكون مبنيًا على الضم، وذلك إذا اتصلت به واو الجماعة، نحو: المجاهدون حضروا (1) .

الثانية: أن يكون مبنيًا على السكون، وذلك إذا اتصل به الضمير المرفوع المتحرك كتاء الفاعل نحو: كتبتُ الحديث. أو (نا) التي هي فاعل نحو: استمعنا المحاضرة، أو نون الإناث نحو: البنات جلسْنَ في المنزل.

وقوله: (الضَّمِيرِ المَرْفُوعِ المُتَحَرِّكِ) يُخْرج ضمير النصب نحو: أكرمك، فالفعل معه مبني على الفتح. ويُخرج واو الجماعة. لأنها ضمير رفع ساكن. فلا يبنى الماضي معها على السكون. بل على الضم كما مضى. ويخرج ألف الاثنين، فإنها ضمير رفع ساكن. والماضي معها مبني على الفتح كما تقدم.

قوله: (ومِنْهُ نِعْمَ وبِئْسَ وعَسى ولَيْسَ في الأَصَحِّ) :

هذا فيه بيان أن هذه الكلمات الأربع اختلف في كونها أفعالاً ماضية؛ والأصح أنها أفعال (2)

(1) أما نحو: غَزَوا، بنَوا، فالضم مقدر. والأصل: غَزَوُوا، بَنَيُوْا فاستثقلت الضمة على الواو والياء، فحذفت، فالتقى ساكنان، فحذفت الواو والياء وبقي ما قبل واو الجماعة مفتوحاً على حاله.

(2)

يقابل هذا القول بأن (نعم وبئس) اسمان لدخول حرف الجر عليهما في قوله: (ما هي بنعم الولد) و (نعم السير على بئس العير) وأجيب بأن مدخول حرف الجر محذوف. وأما (عسى وليس) فقيل: إنهما حرفان. الأول للترجي كـ (لعل) والثاني لنفي كـ (ما) . والصحيح أن (ليس) فعل لقبولها علامة الفعل. وأما دلالتها على النفي فلا يخرجها من الفعلية لوجود دليل قوي عليها. وأما (عسى) فالأظهر أنها إذا اتصلت بضمير فهي حرف كـ (لعل) مثل: عساكم طيبون. وإلا فهي فعل ناسخ لقبولها التاء. وكونها تدل على معنى يدل عليه حرف لا يخرجها من الفعلية. فإن لها نظائر كـ (حاشا وخلا وعدا) .

ص: 11

بدليل دخول (تاء) التأنيث عليها. وهي علامة الفعل الماضي - كما تقدم - فتقول: نِعْمَتِ المرأة فاطمة، بئْسَتِ المرأة هند فـ (نعم) فعل ماضٍ جامد لإنشاء المدح مبني على الفتح لا محل له من الإعراب. والتاء للتأنيث. و (المرأة) فاعل لـ (نعم) والجملة خبر مقدم. و (فاطمة) مبتدأ مؤخر، والمثال الثاني مثله.

وتقول: عست هند أن تقوم. ليست المؤمنة متبرجة، فـ (عسى) فعل ماض ناقص مبني على الفتح. والتاء للتأنيث. (هند) اسمها مرفوع بالضمة (أن) حرف مصدري ونصب. (تقوم) فعل مضارع منصوب بـ (أن) والفاعل ضمير مستتر. والمصدر المؤول من (أن) والفعل خبر (عسى) . و (ليس) فعل ماض ناقص مبني على الفتح. (والتاء) للتأنيث (المؤمنة) اسمها (متبرجة) خبرها منصوب بالفتحة.

قوله: (وَأَمْرٌ ويُعْرَفُ بِدِلَالَتِهِ عَلَى الطَّلَبِ مَعَ قَبُوِلِهِ يَاءَ المُخَاطَبَةِ) هذا القسم الثاني من أقسام الفعل، وقوله:(وأمْرٌ) معطوف على قوله (ماض) والمعطوف على المرفوع مرفوع، التقدير: وأما الفعل فثلاثة أقسام: ماضِ وأمر ومضارع، وفعل الأمر له علامتان متلازمتان:-

1-

دلالة صيغته على طلب الفعل.

2-

قبوله ياء المخاطبة.

نحو: أطع أباك، فـ (أطع) فعل أمر. لدلالته على طلب الطاعة. ولأنه يقبل (ياء) المخاطبة، فتقول: يا نجلاءُ أطيعي أباك.

فإن دلت الكلمة على الطلب ولم تقبل (ياء) المخاطبة نحو: صه إذا تكلم غيرك، لم تكن فعل أمر، بل هي اسم فعل أمر، وإن قبلت (ياء) المخاطبة ولم تدل على الطلب لم تكن فعل أمر بل هي فعل مضارع نحو: أنت - يا هند - تهذبين الأطفال.

قوله: (وبِنَاؤُهُ عَلَى السُّكُونِ كاضْربْ إِلَاّ المُعْتَلَّ فَعَلَى حَذْفِ آخِرِهَِ كاغْزُ و (اخْشَ)(وارْمِ) ونَحْوَ (قُومَا) و (قومُوا) وقُومِي فَعَلَى حَذْفِ النُّونِ) .

ذكر أن فعل الأمر كالماضي له ثلاث حالات:

ص: 12

الأولى: البناء على السكون، وذلك إذا كان صحيح الآخر ولم يتصل به شيء، نحو: احرص على ما ينفعك. أو اتصلت به نون الإناث نحو: اتركْنَ الجدال.

الثانية: البناء على حذف حرف العلة، وذلك إذا كان معتل الآخر بالواو نحو: ادعُ إلى الله بالحكمة، أو الألف نحو: تحرَّ الصدق فيما تقول، أو الياء نحو: أَهْدِ إلى أقربائك. فـ (ادع) فعل أمر مبني على حذف حرف العلة وهو الواو. والثاني: الألف، والثالث: الياء.

الثالثة: البناء على حذف النون. وذلك إذا اتصلت به ألف الاثنين نحو: أكرما ضيوفكما. أو واو الجماعة نحو: تصدقوا على الفقراء. أو ياء المخاطبة نحو: أحسني الحجاب، فـ (أكرما) فعل أمر مبني على حذف النون، والألف فاعل. وكذا ما بعده.

وبقي حالة رابعة لم يذكرها المصنف. وهي البناء على الفتح وذلك إذا اتصلت به نون التوكيد نحو: عاشرَنَّ إخوانك بالمعروف. فـ (عاشر) فعل أمر مبني على الفتح. ونون التوكيد حرف مبني على الفتح.

قوله: (ومِنْهُ هَلُمّ في لُغَةِ تَمِيم وهَاتِ وتَعَالَ في الأَصَحِّ) .

هذا فيه بيان أن هذه الكلمات الثلاث أفعال أمر في أصح الأقوال. فأما (هلم) فلها معنيان:

1-

بمعنى (أقبل) نحو: هَلُمَّ إلى حلقات العلم. قال تعالى: {وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا} (1) أي: أقبلوا.

2-

بمعنى (أحضر) نحو: هَلُمَّ زميلك أي: أحضره، قال تعالى:{قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ} (2) أي أحضروا شهداءكم.

(1) سورة الأحزاب، آية:18.

(2)

سورة الأنعام، آية:150.

ص: 13

وهي فعل أمر على لغة تميم لدلالتها على الطلب وقبولها ياء المخاطبة. وتلحقها الضمائر البارزة بحسب من هي مسندة إليه. فتقول: هلم يا صالح. وهلمي يا عائشة. وهلما يا محمدان. وهلموا يا عليون. ويا هندات هَلْمُمْنَ (بفك الإدغام وسكون اللام)(1) .

وأما عند الحجازيين فتلزم طريقة واحدة فلا تلحقها الضمائر. فتقول: هلم يا صالح، وهلم يا عائشة، وهلم يا محمدان، وهلم يا عليون، وهلم يا هندات، وبلغتهم جاء التنزيل قال تعالى:{وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا} (2) . وقال تعالى: {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ} (3) وهي عندهم اسم فعل أمر، لا فعل أمر، لأنها وإن كانت دالة على الطلب لكنها لا تقبل ياء المخاطبة.

وأما (هات وتعال) فعدهما جماعة من النحويين في أسماء الأفعال، والأصح أنهما فعلا أمر، لدلالتهما عل الطلب، وقبولهما ياء المخاطبة نحو: يا فاطمة هاتي المصحف، يا عائشة تعالي.

و (هات) ملازم للكسر دائماً إلا إذا كان لجماعة المذكرين فإنه يضم تقول: ياخالد هات الكتاب. ويا محمدون هاتُوا كتبكم. قال تعالى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} (4) فـ (هاتِ) فعل أمر مبني على حذف الياء، و (هاتوا) فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعل.

وأما (تعال) فهو مفتوح الآخر في جميع أحواله من غير استثناء تقول: تعالَ يا محمد، وتعالَي يا رابعة. وتعالَيا يا محمدان. وتعالَوا يا محمدون. وتعالَين يا هندات. كل ذلك بفتح اللام.

(1) وإنما وجب الفك وامتنع الإدغام لأن الثاني ساكن (هَلْمُمْ) ومن شروط الإدغام ألا يكون الحرف الثاني ساكناً.

(2)

سورة الأحزاب، آية:18.

(3)

سورة الأنعام، آية:150.

(4)

سورة البقرة، آية:111.

ص: 14

قال الله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ} (1) . فـ (تعالوا) فعل أمر مبني على حذف النون، لاتصاله بواو الجماعة. والواو فاعل، وقال تعالى:{فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ} (2) فـ (تعالين) فعل أمر مبني على السكون بنون الإناث. ونون الإناث فاعل.

قوله: (وَمضارعٌ ويُعْرَفُ بِلَمْ وافْتِتَاحُهُ بِحرْفٍ مِنَ نَأَيْتُ نَحْوُ نَقُومُ وأَقُومُ ويَقُومُ وتَقُومُ) .

هذا القسم الثالث من أقسام الفعل، وهو الفعل المضارع، وقوله:(ومضَارعٌ) معطوف على قوله (ماض) كما تقدم.

والفعل المضارع: كلمة تدل على حدث وزمن صالح للحال والاستقبال نحو: يفهم المجد الدرس، فـ (يفهم) كلمة تدل على معنى وهو (الفهم) وعلى زمن صالح للحال والاستقبال.

والفعل المضارع له علامة واحدة (3) تميزه عن الماضي والأمر وهي صحة دخول (لم) عليه. نحو: لم أقصر بواجبي.

وقوله: (وافْتِتَاحُهُ بحرْفٍ مِنَ نَأَيْتُ) هذا بيان أن المضارع يبدأ بأحد هذه الأحرف الأربعة، وليس المقصود أن هذه علامة ثانية للمضارع؛ لأن هذه الأحرف توجد في الفعل الماضي. فيكون قوله:(افتتاحه) مبتدأ. و (بحرف) خبره. ومعنى نأيتُ: بَعُدتُ.

(1) سورة الأنعام، آية:151.

(2)

سورة الأحزاب، آية:28.

(3)

هذا على ما ذكر ابن هشام رحمه الله وإنما اقتصر عليها لأنها أشهر عوامله، ومن أنفع علاماته، ومما يميز به المضارع دخول حرف التنفيس: - أي الاستقبال - كـ (سوف) نحو: سوف أزورك إن شاء الله. وكذا دخول اللام أو لا الطلبيتين. وسيأتي ذلك إن شاء الله في إعراب الفعل.

ص: 15

وشرط دخولها على المضارع أن تكون الهمزة للمتكلم (1) نحو: أقوم، بخلاف همزة: أَكرمَ. فليست للمتكلم بل هي للتعدية. فالفعل ماض. وأن تكون النون للمتكلم ومعه غيره، أو المعظم نفسه نحو: نقوم، بخلال نون (نَرْجَسَ) فإنها ليست بزائدة، ولا تدل على معنى في المضارع، تقول: نرجس خالد الدواء، أي: جعل فيها نِرْجساً، (وهو نبت له رائحة ذكية) . وأن تكون الياء للغائب نحو: يقوم، بخلاف ياء (يرنأ) فإنها لا تدل على الغيبة، تقول: يرنأتُ الشيب باليرناء، إذا خضبته بالحناء، وأن تكون التاء للمخاطب نحو: تقوم، بخلاف تاء (تَعَلَّم) فإنها للمطاوعة (2) تقول: علمت عليًّا النحو فتعلمه. فهذه كلها أفعال ماضية، ولا عبرة بالزيادة في أولها، لما تقدم.

قوله: (ويُضَمُّ أَوّلُهُ إِنْ كانَ ماضِيهِ رُباعيًَّا كيُدَحْرِجُ ويُكْرِمُ، ويُفْتَحُ في غَيْرِهِ كَيَضْرِبُ ويَسْتَخْرِجُ) .

اعلم أن الفعل المضارع فيه بحثان:

1-

بحث في أوله. وهذا بحث صرفي.

2-

بحث في آخره. وهذا بحث إعرابي.

أما الأول فإن الفعل المضارع يُشْكَلُ أوله بالضمة أوبالفتحة. فيشكل بالضمة إذا كان ماضيه رباعياً. نحو: أرسل ويُرسل، وقد مثل المؤلف بمثالين وهما: يُدحرج، ويُكرم. لبيان أنه لا فرق بين أن يكون الرباعي صحيح الحروف، مثل: يدحرج. فإن ماضيه (دحرج) وحروفه أصليه، أو مزيداً مثل: يكرم. فإن ماضيه (أكرم) والهمزة زائدة لأن أصله (كَرُمَ) .

(1) وبهذا الاعتبار يصح أن تكون هذه الأحرف علامة على المضارع ويقرأ (وافتتاحه) بالجر عطفًا على ما قبله، وما ذكرناه أولاً ذكره ابن هشام في الشرح.

(2)

المطاوعة: قبول أثر الأول في الثاني مع التلاقي اشتقاقاً كمال في المثال، بخلاف:(ضربته فتألم) . فليست التاء للمطاوعة لعدم تلاقي الفعلين في الاشتقاق.

ص: 16

ويُشْكَلُ بالفتحة إن كان ماضيه أقل من الأربعة وهو الثلاثي مثل: عَلِمَ، يَعْلَمُ، أو أكثر منها، كالخماسي. نحو: انطلق. ينطلق، والسداسي. نحو: استخرج، يستخرج. وهذا إذا كان مبنياً للمعلوم. فإن كان مبنيًا للمجهول ضم أوله كما سيأتي إن شاء الله في نائب الفاعل.

قوله: (ويُسَكَّنُ آخِرُهُ مَعَ نُونِ النِّسْوةِ نَحْوُ {يَتَرَبَّصْنَ} (1) و {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} (2) وَيُفْتَحُ مَعَ نُونِ التَّوْكِيدِ المُبَاشِرةِ لَفْظًا وَتَقْدِيراً نَحْوُ: {لَيُنْبَذَنَّ} (3)، ويُعْرَبُ فِيمَا عَدَا ذَلكَ نَحْوُ: يَقُومُ زَيْدٌ، {وَلَا تَتَّبِعَانِّ} (4) ، {لَتُبْلَوُنَّ} (5) ، {فَإِمَّا تَرَيِنَّ} (6) ، {وَلَا يَصُدُّنَّكَ} (7) .

هذا المبحث الثاني في الفعل المضارع وهو البحث في حكمه الإعرابي.

فالفعل المضارع له حالتان: حالة بناء، وحالة إعراب. وهو ينفرد عن الماضي والأمر بذلك؛ لأنهما ملازمان للبناء فيبنى المضارع في مسألتين:

(1) سورة البقرة، آية:228.

(2)

سورة البقرة، آية:237.

(3)

سورة الهمزة، آية:4.

(4)

سورة يونس، آية:89.

(5)

سورة آل عمران، آية:186.

(6)

سورة مريم، آية:26.

(7)

سورة القصص، آية:87.

ص: 17

(10)

الأولى: أن تتصل به نون الإناث. فيبنى على السكون نحو: الأمهات العاقلات يهذِّبْنَ أولادهن. فـ (يهذبن) فعل مضارع مبني على السكون، ونون الإناث ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع فاعل. قال تعالى:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} (1) وقال تعالى: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} (2) فـ (يعفون) فعل مضارع مبني على السكون في محل نصب بـ (أن) ، ونون الإناث فاعل (3) .

الثانية: أن تتصل به نون التوكيد المباشرة لفظاً وتقديراً. والمباشرة: هي التي لم يفصل بينها وبين الفعل فاصل. وضابط ذلك: أنه إذا كان الفعل المضارع قبل دخول النون مرفوعاً بالضمة. فنون التوكيد مباشرة، والفعل معها مبني، وإذا كان المضارع قبل دخول النون مرفوعاً بثبوت النون لاتصاله بألف الاثنين، أو واو الجماعة، أو ياء المخاطبة، فنون التوكيد غير مباشرة. والفعل معها معرب.

(1) سورة البقرة، آية:228.

(2)

سورة البقرة، آية:237.

(3)

أما نحو: " الرجال يعفون" بواوين إحداهما لام الفعل "يعفو"، والثانية واو الجماعة، وقد حذفت لام الفعل لأنها سكنت بعد حذف ضمتها فالتقى ساكنان فحذف أولهما. والفرق بين قولك (الرجال يعفون) و (النساء يعفون) من أوجه:

-أن لام الكلمة وهي الواو محذوفة في الأول باقية في الثانية.

-أن النون في الأول حرف لأنها علامة الرفع والنون في الثاني اسم لأنها نون الإناث.

-أن الواو في الأول كلمة مستقلة لأنها واو الجماعة وفي الثاني جزء من الكلمة لأنها لامها.

-أن الواو في الأول اسم في محل رفع، وفي الثاني حرف وهذا أثر الوجه الثالث.

-أن الواو في الأول تسقط لناصب أو جازم، وفي الثاني لا تسقط، وهذا أثر الوجه الثاني.

أن الفعل الأول معرب والثاني مبني.

ص: 18

فمثلاً: الفعل (أسمعُ) مرفوع بالضمة، فإذا دخلت عليه نون التوكيد نحو: لأسمعَنَّ النصيحة. فهي مباشرة، لأنه لا يفصل بينها وبين الفعل فاصل لا لفظاً ولا تقديراً. فـ (أسمعَنَّ) فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد.

ومنه قوله تعالى: {كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) } (1) فـ (كلا) حرف ردع وزجر و (اللام) واقعة في جواب القسم المقدر. و (ينبذن) فعل مضارع مبني للمجهول مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد. ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره (هو) .

والفعل (تُكْثران) - مثلاً - مرفوع بثبوت النون، لاتصاله بألف الاثنين. إذا دخلت عليه نون التوكيد نحو: لا تكثرانِّ من الضحك. فهي غير مباشرة؛ لأنه فصل بينها وبين الفعل فاصل، وهو ألف الاثنين. وهذا الفاصل ملفوظ به.

ومنه قوله تعالى: {وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (2) فالمضارع (تتبعان) أصله مرفوع بالنون المقدّرة لتوالي النونات (3) ؛ لاتصاله بالألف. ونون التوكيد معه غير مباشرة. لوجود الفاصل الظاهر وهو ألف الاثنين. فالفعل معرب. فـ (لا) ناهية. و (تتبعان) فعل مضارع مجزوم بـ (لا) وعلامة جزمه حذف النون، لأنه من الأمثلة الخمسة، والألف فاعل. ونون التوكيد: حرف مبني على الكسر لا محل له.

(1) سورة الهمزة، آية:4.

(2)

سورة يونس، آية:89.

(3)

إنما قيل: المقدّرة. لأن ما حُذف لعله فهو كالثابت. ويجري على ألسنة المعربين (المحذوفة) ولا بأس به، من باب التيسير.

ص: 19

والفعل (تقومون) - مثلاً - مرفوع بثبوت النون، لاتصاله بواو الجماعة. إذا دخلت عليه نون التوكيد نحو: هل تقومُنَّ بواجبكم؟ فهي غير مباشرة، لأنه فصل بينها وبين الفعل فاصل مقدر، وهو واو الجماعة؛ لأن الأصل: تقومونَنَّ، فحذفت نون الرفع لتوالي الأمثال (نون الرفع ونون التوكيد) فصار (تقومُونَّ) فالتقى ساكنان (واو الجماعة والنون الأولى من نون التوكيد المشددة) فحذفت الواو للتخلص من التقاء الساكنين، ولأن الضمة قبلها دليل عليها، فصار (تقومُنَّ) فهو فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون المقدّرة، والواو المقدرة لالتقاء الساكنين في محل رفع فاعل.

ومنه قوله تعالى: {* لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا} (1) فالمضارع (لتبلون) ومثله (لتسمعن) مرفوع بالنون المحذوفة، لأن نون التوكيد لم تباشر الفعل فيبنى، لأن واو الجماعة فَصَلَتْ بين الفعل ونون التوكيد، لأن أصله:(تُبلوننَّ) تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً. ثم حذفت الألف للتقائها ساكنة مع واو الجماعة. ثم حذفت نون الرفع. فالتقى ساكنان (واو الجماعة والنون الأولى من نون التوكيد المشددة) . فحركت واو الجماعة بالضمة تخلصاً من التقاء الساكنين، ولم تحذف لعدم ما يدل عليها، ولم تحذف نون التوكيد لأنه أُتي بها لغرض.

أما في قوله تعالى: (ولتسْمَعُنَّ) فإن واو الجماعة حذفت لالتقاء الساكنين. والضمة قبلها دليل عليها. ومثله قوله تعالى: {وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آَيَاتِ اللَّهِ} (2) . فهما معربان لا مبنيان؛ لأن النون وإن كانت مباشرة للفعل في اللفظ لكنها منفصلة عنه في التقدير.

(1) سورة آل عمران، آية:186.

(2)

سورة القصص، آية:87.

ص: 20

وقد تبين من هذه الأمثلة أن ألف الاثنين لا تكون إلا ظاهرة، أما واو الجماعة فقد تكون ظاهرة إذا تعذر تحريك ما قبلها بالضم، وقد تكون مقدرة إذا أمكن حذفها وتحريك ما قبلها بالضم دليلاً عليها.

وأما ياء المخاطبة فنحو: (تقومينَ) فهو مرفوع بثبوت النون؛ لأنه من الأمثلة الخمسة. إذا دخلت عليه نون التوكيد نحو: هل تقومِنَّ بواجبك؟ فهي غير مباشرة؛ لأنه فصل بينها وبين الفعل فاصل مقدر. وهو ياء المخاطبة، لأن الأصل: تقومِينَنَّ فحذفت نون الرفع. فالتقى ساكنان (ياء المخاطبة والنون الأولى المدغمة في نظيرتها) فحذفت الياء للتخلص من التقاء الساكنين، ولوجود كسرة قبلها تدل عليها. فصار (تقومِنَّ) فهو فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه النون المقدّرة لتوالي الأمثال (1) ، وياء المخاطبة المحذوفة للتقاء الساكنين فاعل.

(1) المراد بتوالي الأمثال في هذا الموضوع: أن تكون الأحرف الثلاثة زائدة. بخلاف: ليسجنَنَّ. لأن النون الأولى أصلية.

ص: 21

ومنه قوله تعالى: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} (1) فالمضارع (ترين) أصله: تَرْأيينَنَّ. فنقلت حركة الهمزة إلى الراء بعد حذف السكون. وحذفت الهمزة تخفيفاً فصار: تَرَيينَنَّ. ثم حذفت نون الرفع للجازم وهو (أن الشرطية المدغمة في (ما) الزائدة) فصار: تريينَّ. ثم قلبت الياء الأولى ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها فصال: ترايْنَّ. فالتقى ساكنان (الألف وياء المخاطبة) فحذفت الألف فصار: تَرَيْنَّ. فالتقى ساكنان. (ياء المخاطبة ونون التوكيد) فحركت الياء بالكسرة إذ لا يجوز حذفها لعدم وجود كسرة قبلها تدل عليها. فصار: تَرَيِنَّ، فهو فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف النون. وياء المخاطبة فاعل، والنون للتوكيد، ومن المثالين تبين أن ياء المخاطبة قد تكون ظاهرة إذا تعذر تحريك ما قبلها بالكسر، وقد تكون مقدرة إذا أمكن حذفها وتحريك ما قبلها بالكسر.

الحالة الثانية من أحوال المضارع: الإعراب. وإليها أشار بقوله: (ويعرب فيما عدا ذلك) . فيعرب المضارع في مسألتين: -

الأولى: ألا تتصل به نون الإناث ولا نون التوكيد نحو: العاقل يسمع النصيحة. فـ (يسمع) فعل مضارع مرفوع لتجرده من الناصب والجازم (2) . وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. وسيأتي تفصيل الكلام في إعراب المضارع إن شاء الله.

الثانية: أن تتصل به نون التوكيد غير المباشرة. نحو. أنتم تسمعُنَّ النصيحة. وتقدم إعراب ذلك وبيانه.

(الحرف وما يتعلق به)

قوله: (وأَمَّا الحَرْف فَيُعْرَفُ بَأَنْ لَا يَقْبَلَ شَيئاً مِنْ عَلَامَاتِ الاسْمِ والْفِعْلِ نَحْوُ هَلْ وَبَلْ) .

(1) سورة مريم، آية:26.

(2)

التجرد من الناصب والجازم هو تعرية المضارع من عامل النصب والجزم وهو عامل معنوي، والعامل المعنوي هو ما ليس للسان فيه حظ.

ص: 22

لما فرغ المصنف من القول في الاسم والفعل، شرع في الكلام على الحرف، فذكر أنه يعرف بأنه لا يقبل شيئاً من علامات الاسم ولا علامات الفعل، نحو:(هل) و (بل) . فعلامة الحرف عدمية. وهي كونه لا يقبل شيئاً من علامات الاسم ولا شيئاً من علامات الفعل.

قوله: (ولَيْسَ مِنْهُ (مَهْمَا) و (إِذْ ما) ، بَلْ (ما) المَصْدَرِيَّةُ و (لَمَّا) الرَّابِطَة في الأَصَحِّ) .

هذا في بيان أن هذه الكلمات الأربع مختلف في اسميتها وحرفيتها.

فأما (مهما) فهي اسم شرط جازم على الأرجح. والدليل على اسميتها قوله تعالى: {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ} (1) فـ (الهاء) من (به) عائدة على (مهما) . والضمير لا يعود إلا على الأسماء. (2)

وأما (إذ ما) فهي اسم شرط جازم - كذلك - على ما رجحه المصنف. وتفيد الزمان مثل: (متى) لأنها قبل دخول (ما) اسم. والأصل بقاء الشيء على ما كان عليه. نحو: إذ ما تقم أقم.

وقيل: إنها حرف بمنزلة (إن) الشرطية وهذا هو الأصح، كما ذكر المصنف نفسه في (أوضح المسالك) . وسنذكر ذلك - إن شاء الله - في جوازم المضارع.

(1) سورة الأعراف، آية:132.

(2)

يقابل هذا القول الراجح، القول بأنه حرف شرط بمنزلة (إن) بدليل أنه لا محل لها من الإعراب في قول الشاعر: -

ومهما تكن عند امرئ من خليقة ......وإن خالها تخفى على الناس تُعْلَمِ

لأنها لو كانت اسمًا لكانت إما مبتدأ وإما مفعولاً مقدمًا، وكلاهما ممتنع في هذا البيت. أما الأول فلعدم الضمير العائد عليها في (تكن) وأما الثاني فلأن الفعل (تكن) لا ينصب المفعول به، وهذا الإعراب مردود، بل هي إما خبر (تكن) و (خليقة) اسمها. وإما مبتدأ واسم تكن ضمير راجع إليها. والظرف خبر.

ص: 23

وأما (ما) المصدرية: فهي التي تسبك مع ما بعدها بمصدر، نحو: سرني ما فعلت. أي: سرني فعلك. وهي حرف على الأصح بمنزلة (أن) المصدرية. (1)

وأما (لما) فإن كانت نافية فهي حرف جزم بمنزلة (لم) وإن كانت إيجابية فهي بمنزلة (إلا) وهي في هذين المعنيين حرف باتفاق.

مثال النافية: لما تشرق الشمس، أي: لم تشرق الشمس. ومثال الإيجابية قوله تعالى: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4) } (2) أي: إلا عليها حافظ. فَ (إِنْ) نافية و (كل) مبتدأ و (لما) حرف للحصر مبني على السكون (عليها) خبر مقدم (حافظ) مبتدأ مؤخر. والجملة خبر (كل) .

وأما (لما) الرابطة التي بمعنى: حين أو إذا. وتفيد وجود شيء لوجود آخر. فهي حرف على الأصح. نحو: لما جاءني أكرمته. والدليل على حرفيتها جواز أن يقال: لما أكرمتني أمس أكرمتك اليوم. لأنها إذا قدرت ظرفاً - كما يقول بعض النحاة - فلابد لها من عامل يعمل في محلها النصب. وكون العامل (أكرمتني) مردود بأن القائلين بأنها اسم يزعمون أنها مضافة إلى ما يليها، والمضاف إليه لا يعمل في المضاف. وكون العامل (أكرمتك) مردود - أيضاً - لأن الواقع في اليوم لا يكون في الأمس.

والقول الثاني: أن (لما) الرابطة اسم، وهي ظرف زمان. والناصب لها جوابها. (3)

(1) وقيل: إنها اسم بمعنى (الذي) لغير العاقل. والتقدير: سرني الذي فعلته. وهذا مردود لأنه يؤدي إلى حذف العائد وهو خلاف الأصل فإنه لم يسمع: أعجبني ما قمته وما قعدته. بذكر العائد مع أنه الأصل.

(2)

سورة الطارق، الآية:4.

(3)

استحسن ابن هشام في المغني (369) القول بأن (لما) اسم بمعنى: (إذ) وعلل لذلك بأنها مختصة بالماضي والإضافة إلى الجمل، كما هو شأن (إذ) وعليه فعاملها جوابها كما ذكرت.

ص: 24

قوله: (وجمِيعُ الحُرُوفِ مَبْنِيَّةٌ) هذا في بيان حكم الحرف. وهو أن الحرف مبني لاستغنائه عن الإعراب. لأن الحرف لا يتوارد عليه معانٍ (1) يحتاج في التمييز بينها إلى إعراب، كما في الاسم. فالتبعيض مستفاد من الحرف (من) في مثل: أخذت من الدراهم. بدون حاجة إلى إعراب.

تعريف الكلام

قوله: (وَالْكَلَامُ لَفْظٌ مُفِيدٌ) لما أنهى المصنف رحمه الله القول في الكلمة وأقسامها، شرع في تفسير الكلام، وقدم الكلمة لأنها جزء والجزء مقدم على الكل. ومن يبدأ بتفسير الكلام فلأنه المقصود بالذات، ولأنه الذي يقع به التفاهم والتخاطب بخلاف الكلمة.

وعرف الكلام بقوله: (لفظ مفيد) واللفظ هو: الصوت المشتمل على بعض الحروف الهجائية تحقيقاً كـ (زيد) فإنه لفظ، لأنه صوت مشتمل على بعض الحروف وهي الزاي والياء والدال. أو تقديراً كالضمير المستتر في نحو: اكتب. المقدر بقولك: أنت. ويخرج بـ (اللفظ) الكتابة والإشارة ونحوهما فإنها ليست كلاماً عند النحاة.

وقوله (مُفِيدٌ) أي يصح الاكتفاء به. نحو: القراءة مفيدة. فهذا كلام. لأنه لفظ يصح الاكتفاء به. لأن السامع لا ينتظر شيئاً آخر يتوقف عليه تمام الكلام. ويحسن - أيضًا - سكوت المتكلم. والمفيد بهذا المعنى يستلزم التركيب. (2)

ويخرج بذلك غير المفيد نحو: كتاب خالد. من غير إسناد شيء إليه، ونحو: إن حضر صالح، فإن تمام الفائدة فيه يتوقف على ذكر الخبر في الأول وجواب الشرط في الثاني، فكل واحد من المثالين لا يسمى كلاماً عند النحاة.

(1) المقصود المعاني الطارئة بالتركيب كتركيب الاسم مع الفعل نحو: قام خالد، رأيت خالداً، مررت بخالد: أما المعاني الإفرادية مثل مجيء (من) لابتداء الغاية، والتبعيض ونحوهما فلا يرد هنا، لأنها معاني إفرادية لا تؤثر في الإعراب.

(2)

المركب: ما تركب من كلمتين فأكثر، والمفرد: ما لُفِظَ به مرة واحدة.

ص: 25