الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقولهم: إن البدل على نية تكرار العامل لا يلزم، فإن العرب أصحاب اللغة لا تدري من أمر هذه القاعدة شيئاً، ولن يترتب على إهمالها وعدم التمسك بها فساد في المعنى ولا في التركيب. وقد نقل الصبان في حاشيته على الأشموني عن المحقق الرضى قوله: (أنا إلى الآن لم يظهر لي فرق جلي بين بدل الكل من الكل وبين عطف البيان، بل لا أرى عطف البيان إلا البدل كما هو ظاهر كلام سيبويه
…
) . (1)
4- عطف النسق
قوله: (وَعَطْفُ النَّسَق بِالْوَاوِ، وهِيَ لِمُطْلَق الْجَمْعِ) .
هذا النوع الرابع من التوابع. وهو عطف النسق.
وتعريفه: هو تابع يتوسط بينه وبين متبوعه أحد حروف العطف الآتي ذكرها، والنَّسَقُ - بفتح السين - مصدر نسقت الكلام أنسُقه؛ أي: واليت أجزاءه، وربطت بعضها ببعض. والنَّسَقُ بمعنى المنسوق؛ أي الكلام المنسوق بعضه على بعض.
وحروف العطف هي:
1-
الواو: وهي لمطلق الجمع والاشتراك في الحكم بين المعطوف والمعطوف عليه. ولا تفيد الترتيب ولا المعية إلا بقرينة. فقد يكون المعطوف متأخرًا عن المعطوف عليه، نحو: تولي الخلافة أبو بكر وعمر رضي الله عنهما. قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ} (2) . وقد يكون المعطوف سابقًا للمعطوف عليه، نحو: تولى الخلافة عمر وأبو بكر. قال تعالى: {كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ} (3) . وقد يكون المعطوف مصاحباً للمعطوف عليه فلا تفيد ترتيباً، نحو: جاء خالد وعليٌّ معه. قال تعالى: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ} (4) .
قوله: (وَ (الْفَاءِ) لِلتَرْتِيبِ والتَّعْقِيبِ) .
(1) انظره أيضاً في شرح الكافية للرضى (2/379) وانظر: حاشية الصبان (3/88) وانظر شرح الفاكهي على القطر (2/232) .
(2)
سورة الحديد، آية:26.
(3)
سورة الشورى، آية:3.
(4)
سورة العنكبوت، آية:15.
2-
الفاء: وتفيد التشريك في الحكم مع الترتيب والتعقيب. ومعنى الترتيب: مجيء المعطوف بعد المعطوف عليه (1) . ومعنى التعقيب: وقوع المعطوف عقب المعطوف عليه بلا مهلة. وهو في كل شيء بحسبه، تقول: دخل الخطيب فأنصت الناس، دخلت مكة فالمدينة. قال تعالى:{ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) } (2) .
قوله: (وَ (ثُمَّ) للتَّرْتِيبِ والتَرَاخِي) .
3-
ثم: وتفيد التشريك في الحكم مع الترتيب والتراخي. ومعنى التراخي: انقضاء مدة زمنية طويلة بين وقوع المعنى على المعطوف عليه ووقوعه على المعطوف. ومرجع تقدير المدة للعرف، نحو تولى الخلافة عمر ثم عثمان رضي الله عنهما. قال تعالى:{فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22) } (3) .
…
قوله: (وَ (حَتَّى) لِلْغَايَةِ والتَدْرِيجِ لا للتَرتيبِ) .
4-
حتى: وتفيد الاشتراك في الحكم مع الغاية والتدريج. ومعنى الغاية: النهاية. أي أن ما بعدها غاية لما قبلها ينتهي الحكم عنده. ومعنى التدريج: أن ينقضي ما قبلها شيئًا فشيئًا إلى أن يبلغ الغاية. ولهذا يشترط في المعطوف بها أن يكون بعضًا مما قبله، نحو: فَرَّ الجنود حتى القائد.
ولا تفيد الترتيب، بل هي كالواو للجمع والاشتراك في الحكم، كما تقدم، لأنك تقول: حفظت القرآن حتى سورة البقرة. وإن كانت أول ما حفظت.
قوله: (و (أو) لأَحَدِ الشَّيئينِ أو الأَشياءِ مُفيدةً بَعْدَ الطَّلبِ التَخييرَ أو الإباحة، وبَعدَ الخبرِ الشَّكَّ أو التَشْكِيكَ) .
(1) الترتيب نوعان: ترتيب معنوي؛ وهو أن يكون زمن تحقق المعنى في المعطوف متأخرًا عن زمن تحققه في المعطوف عليه. كما في الأمثلة. وترتيب ذكري؛ وهو وقوع المعطوف بعد المعطوف عليه بحسب التحدث عنهما لا بحسب زمانهما. نحو: حدثنا المحاضر عن أبي بكر فعثمان فعمر رضي الله عنهم.
(2)
سورة عبس، آية 21.
(3)
سورة عبس، آية: 21، 22.
5-
أو: وهي لأحد الشيئين أو الأشياء. فإن كانت مسبوقة بأمر فهي للتخيير، أو الإباحة، فمثال التخيير: تزوج حفصة أو أختها. ومثال الإباحة: اقرأ النحو أو البلاغة. والفرق بينهما جواز الجمع بين المتعاطفين في الإباحة دون التخيير. وإن كانت مسبوقة بخبر فهي للشك أو التشكيك. فالشك من المتكلم في الحكم نحو: حضر صالح أو عليٌّ. إذا كنت لا تعلم من حضر منهما، ومنه قوله تعالى:{لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} (1) والتشكيك: إيقاع السامع في الشك. ويعبر عنه بالإبهام - كما في المثال السابق - إذا كنت تعلم الحاضر منهما، ومنه قوله تعالى:{وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (2) وتفيد أيضًا التقسيم نحو: الاسم: نكرة أو معرفة.
قوله: (وَ (أَمْ) لِطَلَبِ التَّعْيينِ بَعْدَ هَمْزَةٍ دَاخِلَةٍ عَلَى أَحَدِ المُسْتَوِيَيْنِ) .
6-
أم: وهي نوعان:
الأول: متصلة. وهي التي تصل ما قبلها بما بعدها بحيث لا يستغني أحدهما عن الآخر. وتقع بعد:
(أ) همزة التسوية الداخلة على جملة مؤولة بمصدر. والغالب أن تكون مسبوقة بكلمة (سواء)، كقوله تعالى:{سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} (3) ، فـ (سواء) خبر مقدم، والمصدر المؤول من همزة التسوية وما بعدها مبتدأ مؤخر. والتقدير: إنذارك وعدمه سواء.
(ب) همزة الاستفهام يطلب بها وبـ (أم) التعيين، نحو: أخالد عندك أم خليل؟ فيكون الجواب: خالد - مثلاً - وتعرب (أم) المتصلة حرف عطف مبني على السكون لا محل له من الإعراب.
الثاني: منقطعة. وهي التي لا تتقدم عليها همزة التسوية ولا همزة يطلب بها وبـ (أم) التعيين. وسميت منقطعة؛ لأنها تقع غالبًا بين جملتين مستقلتين لكل منهما معنى يخالف معنى الأخرى.
(1) سورة الكهف، آية:19.
(2)
سورة سبأ، آية:24.
(3)
سورة البقرة، آية:6.
ويكون معناها في الغالب الإضراب الإبطالي، وهو إبطال الحكم السابق ونفي مضمونه، والانتقال عنه إلى ما بعده. كقوله تعالى:{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} (1) . أي: بل يقولون افتراه. فقد وقعت (أم) بين جملتين هما: (هذا سحر مبين) و (يقولون افتراه) وكل واحدة منهما مستقلة بمعناها عن الأخرى.
والراجح أن (أم) المنقطعة ليست من حروف العطف، وإنما هي حرف ابتداء مبني على السكون يفيد الإضراب، ولا تدخل إلا على الجمل.
قوله: (وَلِلرَدِّ عَنْ الْخَطَأِ في الْحُكْمِ (لا) بَعْدَ إِيجَاب. و (لَكِنْ) و (بَلْ) بَعْدَ نَفْي، ولِصَرْفِ الْحُكْمِ إلى مَا بَعْدَهَا (بَلْ) بَعْدَ إِيجَابٍ) .
ذكر بقية الحروف وهي: لا، لكن، بل.
فأما (لا) فهي لرد السامع عن الخطأ في الحكم إلى الصواب فيه. فتفيد نفي الحكم عن المعطوف. وقصره على المعطوف عليه.
ويشترط لها أن يكون الكلام قبلها موجبًا لا منفيًا نحو: قرأت النحو لا البلاغة، يقال: ردًا على من اعتقد أن المتكلم قرأهما معاً أو أنه قرأ البلاغة فقط.
وأما (لكن) فهي للاستدراك المتضمن رد السامع عن الخطأ في الحكم إلى الصواب فيه (2) .
ويشترط لها أن تكون مسبوقة بنفي أو نهي، نحو: ما جاء الضيف لكن ابْنُهُ. ردًا على من اعتقد أن الجائي الضيف لا ابنه.
(1) سورة الأحقاف، آية: 7، 8.
(2)
يشترط في كونها عاطفة ألا تقترن بالواو. فإن سبقتها الواو فهي حرف ابتداء كقوله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} و (رسول) خبر لكان المحذوفة مع اسمها.