المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فـ (فحلاً) تمييز مؤكد لما سبقه، إذ لو حذف لفهم - تعجيل الندى بشرح قطر الندى

[عبد الله بن صالح الفوزان]

الفصل: فـ (فحلاً) تمييز مؤكد لما سبقه، إذ لو حذف لفهم

فـ (فحلاً) تمييز مؤكد لما سبقه، إذ لو حذف لفهم معناه مما بقي من الكلام.

وقول المصنف: (خلافاً لسيبويه) أي في هذا الشاهد. فإن سيبويه وأتباعه لا يجيزون الجمع بين فاعل (نعم) إذا كان اسمًا ظاهرًا وبين التمييز - كما في هذا البيت -، فلا تقول: نعم الرجل رجلاً إبراهيم. لأن التمييز لرفع الإبهام، ولا إبهام مع ظهور الفاعل. وعندهم أنه حال مؤكدة.

والصحيح الجواز لوروده عن العرب شعرًا ونثرًا. أما الشعر فالشاهد المذكور وغيره (1) . وأما النثر فقول الحارث بن عباد لما بلغه قتلُ ابنه في حرب (البسوس)(2) : (نعم القتيلُ قتيلاً أصلح بين بكر وتغلب) فـ (قتيلاً) تمييز، والفاعل (القتيل) .

ولا يلزم أن يكون التمييز لرفع الإبهام، فقد يكون للتوكيد كقوله تعالى:{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} (3) فـ (شهرًا) تميز مؤكد لقوله سبحانه (إن عدة الشهور)، كقولك: عندي من الرجال عشرون رجلاً. فـ (رجلاً) تمييز مؤكد لقولك (من الرجال) ، وإذا كانت الشواهد على الجواز كثيرة فلا حاجة إلى التأويل الذي لجأ إليه المانعون.

‌باب المستثنى

قوله: (والمُسْتَثْنَى بـ (إِلا) مِنْ كَلام تامٍّ مُوجَبٍ نحْوُ: {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ} (4) فَإِنْ فُقِدَ الإيجَابُ تَرَجَّحَ البَدَلُ في المُتَّصِلِ نحْوُ: {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} (5) والنَّصْبُ في المُنْقَطِع عِنْدَ بَنِي تَمِيم، ووَجَبَ عِنْدَ الحِجَازِيِّينَ نحْوُ:{مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} (6)) .

(1) راجع باب نعم وبئس في الكتب المطولة.

(2)

وقعة بين بكر وتغلب من ربيعة. والبسوس. اسم امرأة.

(3)

سورة التوبة، آية:36.

(4)

سورة البقرة، آية:249.

(5)

سورة النساء، آية:66.

(6)

سورة النساء، آية:157.

ص: 206

قوله: (والمستثنى) الظاهر أنه معطوف على (التمييز) . وعبر المصنف رحمه الله بالمستثنى؛ لأنه هو الذي من المنصوبات فهو أولى من التعبير بـ (الاستثناء) ؛ لأنه يحتاج للتأويل؛ لأنه مصدر بمعنى اسم المفعول.

والمستثنى: هو الاسم المذكور بعد (إلا) أو إحدى أخواتها مخالفًا في الحكم لما قبلها، نحو: حضر الأصدقاءُ إلا علياً. فـ (علياً) مستثنى. و (الأصدقاء) مستثنى منه، وهو المحكوم عليه بالحضور، أما عليٌُّ فلم يثبت له هذا الحكم الذي ثبت لبقية الأصدقاء. فهو مستثنى منهم مخالفٌ لهم في الحكم.

وأما حكم المستثنى من حيث الإعراب ففيه تفصيل.

فالمستثنى بـ (إلا) يجب نصبه على الاستثناء في الأغلب (1) بشرطين:

الأول: أن يكون الكلام تامًا (وهو أن يكون المستثنى منه مذكورًا) .

الثاني: أن يكون الكلام موجبًا (وهو أن يكون خالياً من نفي أو نهي أو استفهام) ولا فرق في ذلك بين الاستثناء المتصل (وهو أن يكون المستثنى بعضًا من المستثنى منه) والمنقطع (وهو: ألا يكون المستثنى بعضًا من المستثنى منه) .

مثال المتصل: قرأت الكتابَ إلا صفحةً. فـ (صفحةً) مستثنى منصوب بالفتحة. والكلام تام. موجب. وهو متصل. ومنه قوله تعالى: {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ} (2) فـ (قليلاً) مستثنى بـ (إلا) منصوب بالفتحة.

ومثال المنقطع: جاء القومُ إلا سيارةً فـ (سيارةً) مستثنى منصوب، وهو منقطع؛ لأنه ليس بعضًا مما قبله.

(1) قد ورد المستثنى بعد الكلام التام الموجب مرفوعًا في النثر والشعر فمن النثر ما ورد في صحيح البخاري: " فلما انصرفوا أحرموا كلهم إلا أبو قتادة لم يحرم ": وحديث " كل أمتي معافى إلا المجاهرون" متفق عليه (وقد ورد منصوبًا في بعض الروايات فيهما) ، وتخريج الرفع على أنه مبتدأ مذكور الخبر كما في الأول، ومحذوفه كما في الثاني، راجع كتاب (التوضيح لابن مالك ص41) .

(2)

سورة البقرة، آية:249.

ص: 207

فإن فقد الشرط الأول وهو: التمام فسيأتي حكمه إن شاء الله، وإن فقد الثاني وهو الإيجاب - بأن اشتمل الكلام على نفي أو شبهه - فلا يخلو من حالتين: -

الحالة الأولى: أن يكون الاستثناء متصلاً، فيجوز فيه وجهان:

الأول: نصبه على الاستثناء.

الثاني: إعرابه بإعراب المستثنى منه، على أنه بدلٌ منه، بدلُ بعض من كل، للمشاكلة في الإعراب، تقول: لا تعجبني الكتبُ إلا النافعُ. بنصب (النافع) على الاستثناء، أو رفعه على أنه بدل من (الكتب) ، وبدل المرفوع مرفوع، ومنه قوله تعالى:{مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} (1) فقد قرأ السبعة - إلا ابن عامر - برفع (قليل) على أنه بدل من الواو في قوله تعالى: (ما فعلوه) . أما ابن عامر فقد قرأ بالنصب على الاستثناء.

ولم يصرح المصنف رحمه الله بالنصب - وهو الوجه الأول - لكنه لما قال: (ترجح البدل) علم منه جواز النصب، لكن الاتباع على أنه بدل أرجح.

الحالة الثانية: أن يكون الاستثناء منقطعًا. فيجب النصب على الاستثناء عند الحجازيين نحو: ما حضر القوم إلا فرسًا. بنصب (فرسًا) على الاستثناء. ومنه قوله تعالى: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} (2)(3) فقد قرأ السبعة بالنصب على الاستثناء. وهو استثناء منقطع - على قول الجمهور - لأن اتباع الظن ليس بعضاً من العلم.

ويجوز عند بني تميم اتباعه لما قبله في إعرابه فتقول: ما حضر القومُ إلا فرسٌ. بالرفع على أنه بدل من (القوم) ، وبدل المرفوع مرفوع، والنصب عندهم أرجح.

(1) سورة النساء، آية:66.

(2)

سورة النساء، آية:157.

(3)

ما لهم: (ما) نافية لا عمل لها (لهم) خبر مقدم (به) متعلق بمحذوف حال من (علم) أو من الضمير المستتر في الخبر المحذوف (من علم) من: حرف جر زائد إعرابًا لا معنى. (علم) مبتدأ مؤخر مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد

ص: 208

وقول المصنف: (والنصب في المنقطع) معطوف على ما تقدم والتقدير: (وترجح النصب

الخ) .

قوله: (مَا لمْ يَتَقَدَّمْ فِيهِمَا فالنَّصْبُ نحْوُ قَوْلِهِ:

وَمَا لِيَ إِلا آلَ أَحْمَدَ شِيعَةٌ ......وَمَا لِيَ إِلا مَذْهَبَ الْحَقِّ مَذْهَبُ)

أي: إذا تقدم المستثنى على المستثنى منه - فيهما - أي في تقدم المتصل والمنقطع، إذا كان الكلام تاماً غير موجب وجب النصب. وامتنع الإبدال. نحو: ما حضر إلا عليًا الضيوف، ما قدم إلا فرسًا القوم، ومنه قوله الشاعر:

(1)

وما لي إلا آل أحمد شيعة ......وما لي إلا مذهب الحق مذهب (1)

فقد نصب الشاعر المستثنى في الموضعين، لأنه مقدم على المستثنى منه، والأصل وما لي شيعةٌ إلا آلَ أحمدَ، وما لي مذهبٌ إلا مذهبَ الحقِّ، وإنما امتنع إعرابه بدلاً؛ لأنه لو رفع على البدلية لزم منه تقدم التابع (علياً) - كما في المثال - على المتبوع (الضيوف) أو يتغير الحال فيصير التابع متبوعًا. وكلاهما ممنوع.

قوله: (أوْ فُقِدَ التَّمَامُ فَعَلَى حَسَبِ العَوَامِلِ نحْوُ: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ} (2) ويُسَمَّى مُفَرَّغًا) .

(1) شيعة: أنصار وأشياع. مذهب الحق: طريق الحق.

إعرابه: ما: نافية بطل عملها (لي) خبر مقدم (إلا) أداة استثناء (آل) مستثنى (أحمد) مضاف إليه (شيعة) مبتدأ مؤخر. والشطر الثاني مثله.

(2)

سورة القمر، آية:50.

ص: 209

تقدم أن المستثنى يجب نصبه إذا كان الكلام تامًا موجبًا. وأن التام هو: ما ذكر فيه المستثنى منه، وذكر هنا أنه إذا فُقِدَ التمام - بأن لم يذكر المستثنى منه - فإن الاسم الواقع بعد (إلا) يعرب على حسب العوامل قبلها، كما لو كانت (إلا) غير موجودة، وتعرب (إلا) أداة استثناء ملغاة لا عمل لها. نحو: لا يسدي النصيحةَ إلا المخلصون، لا تصاحبْ إلا الأخيارَ. لا يصلح الناسُ إلا بالدين. فـ (المخلصون) في المثال الأول فاعل. و (الأخيار) في المثال الثاني مفعول به. و (الدين) في المثال الثالث مجرور متعلق بالفعل (يصلح) . ومنه قوله تعالى:{وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50) } (2) فـ (أمرنا) مبتدأ. و (نا) مضاف إليه و (إلا) أداة استثناء ملغاة (واحدة) خبر المبتدأ مرفوع. وهذا مثال الرفع. والنصب كقوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} (1) فـ (الحقَّ) مفعول به منصوب للفعل (تقولوا)، والجر كقوله تعالى:{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (2) فـ (التي) متعلق بالفعل قبله.

ويسمى هذا الاستثناء مفرغاً، لأن ما قبل (إلا) تفرغ للعمل فيما بعدها، كما في الأمثلة.

وشرط الاستثناء المفرغ أن يتقدمه نفي أو شبهه (3)، كالاستفهام في قوله تعالى:{فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} t (4) فـ (القوم) نائب فاعل. وإنما شُرِطَ ذلك؛ لأن الإثبات يؤدي إلى الاستبعاد، فلو قلت: رأيت إلا خالدًا، لزم منه أنك رأيت جميع الناس إلا خالدًا، وذلك محال عادة نظرًا للظاهر.

قوله: (ويُسْتَثْنَى بـ (غَيْرِ وَسُوىً) خَافِضَيْنِ مُعْرَبَيْنِ بِإعْرَابِ الاسْمِ الَّذِي بَعْدَ (إِلَاّ)) .

(1) سورة النساء، آية:171.

(2)

سورة العنكبوت، آية:46.

(3)

انظر: شرح الألفية للمؤلف (1/437) .

(4)

سورة الأحقاف، آية:35.

ص: 210

الأدوات التي يستثنى بها غير (إلا) ثلاثة أقسام: ما يخفض دائمًا وما ينصب دائمًا. وما يخفض تارة وينصب أخرى.

فأما الذي يخفض دائماً فـ (غير)(1) و (سوى)(2) ومعنى (غير) : إفادة المغايرة. أي: الدلالة على أن ما بعدها مغاير لما قبلها في الحكم، وفيها بحثان:

1-

بحث في المستثنى بعدها. وحكمه: الجر بها لإضافتها إليه.

2-

بحث في إعرابها، لأنها اسم، وحكمها: أنها تعرب بما كان يعرب المستثنى بعد (إلا) على التفصيل السابق. فتقول: حضر الضيوف غيرَ خالدٍ، بنصب (غير) على الاستثناء؛ لأنه كلام تام موجب. كما تقول: حضر الضيوفُ إلا خالدًا. وتقول: ما حضر الضيوفُ غيرُ خالدٍ أو غيرَ خالدٍ. بالاتباع والنصب وتقول: ما حضر غيرُ خالد. برفع (غير) وجوباً؛ لأنه مفرغ، وتقول: ما حضر الضيوف غيرَ سيارة. بنصب (غير) عند الحجازيين، وجواز الاتباع عند بني تميم.

وهكذا حكم (سوى) فهما متماثلان في المعنى والإعراب تقول: حضر الضيوف سوى خالدٍ. فـ (سوى) منصوب على الاستثناء.

قوله: (وبِخَلا، وَعَدَا، وَحَاشَا، نَوَاصِبَ وَخَوَافِضَ. وَبِمَا خَلا، وَبِمَا عَدَا، وَلَيْسَ، وَلَا يَكُونُ، نَوَاصِبَ) .

(1) استعمال (غير) في باب الاستثناء قليل. والأصل في استعمالها أن تقع صفة لنكرة كقوله تعالى: {نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} أو ما يشبه النكرة وهو المعرفة المراد به الجنس كالاسم الموصول في قوله تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} وتقع مبتدأ وخبراً لناسخ وغير ذلك.

(2)

أرجح الأقوال في (سوى) قول الكوفيين واختاره ابن مالك كما في الكافية. وهو أنها مثل (غير) فتأتي مرفوعة ومنصوبة ومجرورة لكثرة الشواهد من النثر والنظم على تأثرها بالعوامل المختلفة خلافاً لمن قال: إنها لا تكون إلا ظرفاً. راجع شرح المؤلف على الألفية (1/444) .

ص: 211

هذا القسم الثاني والثالث من أدوات الاستثناء - غير إلا - فالثاني ما ينصب فقط، وهو أربعة: ليس، ولا يكون، وما خلا، وما عدا، فأما (ليس) (ولا يكون) فإن المستثنى بهما يجب نصبه؛ لأنه خبرهما نحو: قرأت الكتاب ليس صفحةً، أو: لا يكون صفحةً، أما اسمهما فضمير مستتر وجوبًا تقديره:(هو) يعود على البعض المفهوم من الكل السابق الذي هو المستثنى منه، فمعنى: قرأت الكتاب ليس صفحة. أن المقروء كلٌّ استثنى بعضُه، أي قرأت الكتابَ ليس بعضُ الكتاب المقروء صفحةً، وجملة الاستثناء (ليس صفحة) في محل نصب حال، أو مستأنفة فلا محل لها من الإعراب. ويبقى ارتباطها بما قبلها من الناحية المعنوية فقط.

وأما (خلا وعدا) فلهما حالتان كما ذكر المصنف:

الأولى: أن تتقدمهما (ما) المصدرية. فيجب نصب المستثنى بهما على أنه مفعول به. والفاعل ضمير مستتر وجوبًا - كما تقدم في (ليس) تقول: نجح الطلاب ما عدا جابرًا. فـ (ما) مصدرية، و (عدا) فعل ماض. وفاعله ضمير مستتر و (جابرًا) مفعول به منصوب. و (ما) وما دخلت عليه في تأويل مصدر مؤول بمشتق يقع حالاً أو ظرف زمان، والتقدير: نجح الطلاب مجاوزين جابرًا، أو وقت مجاوزتهم (1) جابرًا.

الثانية: ألا تتقدمهما (ما) فيجوز نصب المستثنى بهما على أنه مفعول به، باعتبار أنهما فعلان، ويجوز جره باعتبار أنهما حرفا جر. تقول: نجح الطلاب عدا جابرًا بالنصب. أو جابرٍ، بالجر، فـ (عدا) حرف جر، و (جابرٍ) اسم مجرور بـ (عدا) ، وفي الجملة ما تقدم من جواز كونها في محل نصب على الحال أو مستأنفة لا محل لها. وأما الجار والمجرور فهو متعلق بالفعل قبله.

(1) إنما قدر اسم الفاعل والمصدر بـ (مجاوزين ومجاوزة) ؛ لأن فعل الاستثناء جامد لا يدخل بنفسه في صياغة المصدر المؤول. وإنما يؤول الفعل الذي بمعناه وهو (جاوز) والحرف المصدري لا يدخل على فعل جامد إلا في هذا الباب.

ص: 212