المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌باب في التنازع

أي: ليس من باب الاشتغال قوله تعالى: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) } لعدم صحة تسلط العامل على ما قبله على قاعدة الاشتغال، إذ لو صحَّ لكان التقدير: فعلوا كل شيء في الزبر. وهو فاسد؛ لأنه يقتضي أنهم فعلوا في الزبر - أي صحف الأعمال - كل شيء مع أنهم لم يفعلوا فيها شيئًا، بل الكرام الكاتبون أو قعوا فيها الكتابة، وليس هذا هو معنى الآية، وإنما معناها - والله أعلم - أن كل شيء فعلوه ثابت في صحائف أعمالهم. فيجب رفع (كل) على أنه مبتدأ، وجملة (فعلوه) في محل جر صفة لـ (شيء) والخبر هو الجار والمجرور (في الزبر) .

وكذا ليس من باب الاشتغال (أزيد ذُهِبَ به؟) ببناء الفعل للمجهول، لعدم صدق ضابط الباب عليه. إذ لو سلط العامل على ما قبله على قاعدة الاشتغال لم يَنْصِبْ، لأن الفعل (ذُهِبَ) لا يعمل النصب. لأنه فعل لازم مبني للمجهول، فالجار والمجرور في محل رفع نائب فاعل، ويجب رفع (زيدٌ) على أنه مبتدأ وما بعده خبر. أو على أنه مرفوع بفعل محذوف لأجل الهمزة - التي يكثر دخولها على الفعل - والتقدير: أَذَهَبَ زيدٌ فَذُهِبَ به؟ والأول أرجح لوضوحه وسلامته من التقدير.

‌باب في التنازع

قوله: (يَجُوز في نحْوِ ضَرَبَنِي وَضَرَبْتُ زَيْداً، إعْمَالُ الأوَّلِ واخْتَارَهُ الكُوفيُّونَ، فَيُضْمَرُ في الثَّانِي كُلُّ ما يَحْتَاجُهُ، أَوِ الثَّانِي، واخْتَارَهُ الْبَصْرِيُّونَ، فَيُضْمَرُ في الأوَّلِ مَرْفُوعُه فَقَطْ، نَحْوُ: جَفَوْني ولمْ أَجْفُ الأخِلَاّءَ

) .

التنازع: توجه عاملين إلى معمول واحد، نحو: سمعتُ ورأيتُ القارئ. فكل واحد من (سمعتُ) و (رأيتُ) يطلب القارئ مفعولاً به ونحو: ضربني وضربت زيدًا، فالأول يطلب الاسم فاعلاً، والثاني يطلبه مفعولاً.

ص: 164

وقد يكون التنازع بين أكثر من عاملين. وقد يكون المتنازع فيه متعددًا، نحو: يجلس ويستمع ويكتب المتعلم. وكقوله صلى الله عليه وسلم: " تسبحون وتَحْمَدُون وتكبرون دبرَ كلِّ صلاةٍ ثلاثاً وثلاثين " متفق عليه. فـ (دُبُرَ) منصوب على الظرفية، و (ثلاثاً وثلاثين) منصوب على أنه مفعول مطلق وقد تنازعهما ثلاث عوامل. (1)

ولا خلاف في جواز إعمال أيِّ العاملين أو العوامل، وإنما الخلاف في الأولى منهما فقال البصريون: الثاني أولى لقربه من الاسم، وقال الكوفيون: الأول أولى لتقدمه.

فإن أعملت الأول في الاسم الظاهر أعملت الثاني المهمل في ضميره، ويؤتى بهذا الضمير سواء كان مرفوعًا نحو: قام وقعدا أخواك، أو منصوبًا، نحو: قام وأكرمتهما أخواك، أو مجرورًا نحو: قام ومررت بهما أخواك. فـ (أخواك) فاعل (قام) وقد عمل الثاني في ضمير هذا الاسم، ولا محذور في الإتيان بالضمير، لرجوعه إلى متقدم رتبة؛ لأن مرجع الضمير وهو (أخواك) معمول للعامل الأول.

وإن أعملت الثاني في الاسم الظاهر أعملت اِلأول في ضميره ويؤتى بهذا الضمير إن كان مرفوعاً، لامتناع حذف العمدة، وإن لزم منه عوده على متأخر لفظًا ورتبة (2) فتقول: قاما وقعد أخواك. فـ (أخواك) فاعل (قعد)، ومنه قول الشاعر:

جفوني ولم أجفُ الأخلاءَ إنني ......لغير جميل من خَلِيلِيَ مهملُ (3)

(1) في هذا الحديث أعمل الأخير لقربه، وأعمل الأولان في ضميرهما وحذفا لأنهما فضلتان. والأصل: تسبحون الله فيه إياه، وتحمدون الله فيه إياه.

(2)

عود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة واقع في مسائل أخرى أشرنا إلى بعضها في أواخر باب الفاعل (في الهامش) وذكرنا مسألة التنازع.

(3)

جفوني: من الجفاء وهو ترك المودة. والمعنى: هجرني الأصداقاء، فلم أقابلهم بالمثل. لأني أهمل وأترك ما ليس بحسن من أفعال أصدقائي.

إعرابه: (جفوني) فعل ماض. والواو فاعل. والنون للوقاية. والياء مفعول (ولم أجف) جازم ومجزوم. وعلامة جزمه حذف حرف العلة. والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره: (أنا)(الأخلاء) مفعول به (إنني) إن حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر، والنون للوقاية، وياء المتكلم اسمها (لغير جميل) جار ومجرور متعلق بـ (مهمل) و (جميل) مضاف إليه. (من خليلي) جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لـ (جميل) والياء مضاف إليه (مهمل) خبر (إن) مرفوع.

ص: 165

فأعمل الشاعر الثاني وهو (لم أجف) في (الأخلاء) فنصبه على أنه مفعول به، وأعمل الأول في ضميره، وهو (واو الجماعة) ، وأثبت الضمير؛ لأنه وإن عاد على متأخر لفظاً ورتبة لكن مجيئه عن العرب دليل على جوازه هنا.

وإن كان الضمير منصوبًا أو مجرورًا حذفته نحو: ضربت وضربني زيد، ومررت ومر بي زيد، ولا يؤتى بهذا الضمير إذ لو قيل: ضربته وضربني زيد، ومررت به ومر بي زيد. لعاد الضمير على متأخر لفظًا ورتبة، وهذا الضمير فضلة يستغني عنه الكلام، فيحذف.

قوله: (وَلَيْسَ مِنْهُ كَفَانيِ ولَمْ أَطْلُبْ قَلِيلٌ مِنَ المَالِ لِفسَادِ المَعْنى) .

أي ليس من باب التنازع قول امرئ القيس:

ولو أن ما أسعى لأدنى معيشة ......كفاني ولم أطلب قليل من المال (1)

(1) إعرابه: (لو) حرف امتناع لامتناع (أن) حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر (ما) مصدرية. (أسعى) فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة. والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره: (أنا) و (ما) وما دخلت عليه في تأويل مصدر منصوب لأنه اسم (أن) . (لأدني) جار ومجرور خبر (أن) و (أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر فاعل لفعل محذوف تقديره: لو ثبت كون سعى لأدنى.. الخ. و (معيشة) مضاف إليه. (كفاني) فعل ماض. والنون للوقاية. والياء مفعول به. (ولم) الواو عاطفة. و (لم) أداة جزم (أطلب) فعل مضارع مجزوم. وفاعله ضمير مستتر. (قليل) فاعل (كفاني)(من المال) جار ومجرور صفة لـ (قليل) .

ص: 166