الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثانية: أن يكون أحد المفعولين اسم استفهام، نحو: علمت أيُّهم مواظب على الحضور، ومنه قوله تعالى:{لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى} (1) فاللام للتعليل، والمضارع بعدها منصوب بـ (أن) مضمرة جوازاً (أيُّ الحزبين) مبتدأ ومضاف إليه (أحصى) خبره. والجملة في محل نصب سدَّت مسد مفعولي (نعلم)(2) .
باب الفاعل
قوله: (الفَاعِلُ مَرْفُوعٌ كَقَامَ زَيْدٌ، وَمَاتَ عَمْرٌو، وَلَا يَتأَخَّرُ عَامِلهُ عَنْهُ) .
لما فرغ المصنف رحمه الله من الكلام على الجمل الاسمية، وهي المبتدأ والخبر، ونواسخ الابتداء، شرع في ذكر الجمل الفعلية، وأولها: الفاعل.
والفاعل: ما قُدِّم الفعل التام أو شبهه عليه بالأصالة، وأسند إليه على جهة قيامه به أو وقوعه منه.
وقولنا: (ما) أي لفظ، وهو الاسم الصريح نحو: جاء الحق، أو المؤول (3) نحو: يسرني أن تصدق. فـ (أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر فاعل (يسر) أي: يسرني صدقُك.
وقولنا: (قدم الفعل التام عليه) شامل للفعل المتصرف كما مُثَّلَ، والجامد. نحو: نعم القائد خالد. فـ (نعم) فعل ماض جامد (4) للمدح (القائد) فاعل (نعم) ، والجملة خبر مقدم، (خالد) مبتدأ مؤخر.
(1) سورة الكهف، آية:12.
(2)
اعلم أن المصدر المؤول من (أنَّ) ومعموليها. و (أن) وما دخلت عليه يسد مسد المفعولين ويغني عنهما. وذلك لأن كل واحدة منهما بصلتها تتضمن مسندًا ومسندًا إليه مصرحًا بهما كقوله تعالى: {أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} وقوله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا} وتقدم أمثلة لذلك أيضاً، فاعرف ذلك فهو مفيد في هذا الباب. لأنه كثير في القرآن وكلام العرب.
(3)
هو كل مصدر مسبوك من (أن) أو (أن) أو (ما) المصدرية.
(4)
تقدم تعريف الجامد في آخر أدوات الشرط.
وخرج بالتام: الفعل الناقص ككان وأخواتها. فمرفوعها ليس فاعلاً كما تقدم (1) .
وقولنا: (أو شبهه) أي: مما يعمل عمل الفعل، كاسم الفاعل نحو: ما نادم المتأني، فـ (ما) نافية (نادم) مبتدأ (المتأني) فاعل سد مسد الخبر، مرفوع بضمة مقدرة للثقل. وقد مضى ذلك في باب المبتدأ والخبر.
وقولنا: (قُدِّم الفعل التام أو شبهه عليه بالأصالة) بفتح الهمزة يخرج نحو: (خالد) من قولك: (قائمٌ خالدٌ) لأن المسند وهو (قائم) وإن قدم لفظًا مؤخرٌ رتبة؛ لأنه خبر، فهو في نية التأخير.
وقولنا: (على جهة قيامه به) لبيان أنه ليس معنى كون الاسم فاعلاً أن مسماه أحدث شيئاً، بل كونه مسندًا إليه على جهة قيامه به نحو: مات عمرو. فإن عمرًا لم يحدث الموت وإنما قام به.
وقولنا: (أو وقوعه منه)، هذا هو الأكثر أن الفاعل يقع منه الفعل نحو: جاء الضيف، وخرج بذلك نائب الفاعل نحو: أُكرِم الضيف، فإن الإسناد على جهة وقوعه عليه لا وقوعه منه.
وقول المصنف: (الفاعل مرفوع) إشارة إلى الحكم الأول من أحكام الفاعل. وذلك أن للفاعل خمسة أحكام:
الأول: الرفع. وقد يُجَرُّ لفظًا ويكون في محل رفع، وذلك في موضعين: -
الأول: إذا أُضيف المصدر إلى فاعله نحو: سرني احترامُ خالدٍ أباه. فـ (احترام) فاعل (سرَّ) مرفوع بالضمة. وهو مضاف و (خالد) مضاف إليه، من إضافة المصدر إلى فاعله. و (أباه) مفعول به للمصدر، لأن المصدر يعمل عمل فعله كما سيأتي إن شاء الله في أواخر الكتاب.
(1) إلا في حالة تمامها لأنها تأخذ حكم الفعل التام وقد مضت الأمثلة في باب (كان وأخواتها) .
الموضع الثاني: أن يجرَّ بحرف جر زائد (1) نحو: ما جاء من أحدٍ، فـ (من) حرف جر زائد (أحد) فاعل مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، ومنه قوله تعالى:{وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} (2) فـ (كفى) فعل ماض مبني على فتح مقدر، ومعناه: وفَّى وأغنى، أي:(حصل به الاستغناء)(بالله) الباء حرف جر زائد إعرابًا مؤكد معنى، ولفظ الجلالة فاعل في محل رفع (حسيبًا) تمييز.
الحكم الثاني: أن عامله لا يتأخر عنه بل يتقدم عليه. فتقول: حضر الغائب، ولا يجوز: الغائب حضر. على أنه فاعل. بل على أنه مبتدأ. وفاعل (حضر) ضمير مستتر جوازًا تقديره هو يعود على (الغائب) .
قوله: (وَلَا تَلْحَقُهُ عَلَامَةُ تَثْنِيَةٍ ولَا جَمْع بَلْ يُقَالُ: قَامَ رَجُلَانِ وَرِجَالٌ وَنِسَاءٌ، كما يُقَالُ: قَام رَجُلٌ. وَشَذَّ: " يَتَعَاقَبُونْ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ"، "أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ") .
هذا الحكم الثالث: من أحكام الفاعل. وهو أن فعله يوحد مع تثنيته وجمعه، كما يوحد مع إفراده. ومعنى توحيده: أنه لا تلحقه علامة تثنية ولا جمع. بل يقال: قام رجلان. وقام رجال، وقامت نساء، كما يقال: قام رجل.
(1) إذا كان الفاعل مجرور اللفظ مرفوع المحل جاز في تابعه (من نعت أو عطف أو غيرهما) الجر مراعاة للفظ والرفع مراعاة للمحل نحو: سرني احترامُ خالدٍ العاقلُ أباه. ونحو ما جاءني من درهمٍ ولا كتابٌ.
(2)
سورة النساء، آية:6.
ومن العرب من يلحق الفعل علامة التثنية والجمع. فيقوله: قاما رجلان، وقاموا رجال، وقمن نساء، وعلى ذلك ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم:" يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار". (1) فـ (يتعاقبون) فعل مضارع مرفوع بالنون، والواو حرف دال على الجمع. (ملائكة) فاعل.
وقوله صلى الله عليه وسلم لورقة بن نوفل: " أوَ مخرجيَّ هُمْ" حين قال له ورقة: يا ليتني أكون حيًا إذا يخرجك قومك (2) . وهو بفتح الواو لأنها للعطف. والأصل: مخرجون، ثم حذفت النون للإضافة لياء المتكلم فصار: أوَ مخرجوى هم. فاجتمعت الواو والياء، في كلمة وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء ثم كسر ما قبل الياء للمناسبة، فـ (مخرجيَّ) اسم فاعل مضاف لياء المتكلم، مبتدأ مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم و (هم) فاعل سد مسد الخبر. أو (مخرجي) خبر مقدم و (هم) مبتدأ مؤخر. وهذا هو الأرجح (3) .
(1) هذا الحديث متفق عليه. وله ألفاظ أخرى. واللفظ المذكور للبخاري في كتاب المواقيت (باب فضل صلاة العصر) ومعنى: (يتعاقبون) تأتي طائفة عقب طائفة ثم تعود الأولى عقب الثانية وإنما عبرت (بظاهر) تقليداً للفاكهي في شرحه للقطر؛ لأنه على رواية (إن لله ملائكة يتعاقبون فيكم) لا تكون الواو حرفاً بل هي ضمير وهي الفاعل ولا شاهد فيه، وإطلاق الشذوذ على الحديث فيه نظر. انظر فتح الباري (2/33) .
(2)
أخرجه البخاري (1/3 فتح الباري) ومسلم (160) .
(3)
انظر: عمدة القاري (1/65) .
وقوله: (وَتَلْحَقُهُ عَلَامَةُ تأْنِيثٍ إِنْ كَانَ مُؤَنثًا كَـ (قَامَتْ هِنْدٌ، وَطَلَعَتِ الشَّمْسُ)، وَيَجُوزُ الوَجْهَانِ في مَجَازِيِّ التَّأْنِيثِ الظَاهِرِ نَحْوُ:{قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} (1)، وَفِي الحَقِيقِيِّ المُنْفَصِلِ نَحْوُ: حَضَرَتِ القَاضِيَ امْرَأةٌ، وَالمُتَّصِلِ في بَابِ نِعْمَ وَبِئْسَ نَحْوُ: نِعْمَتِ المَرْأَةُ هِنْدٌ، وفي الجَمْعِ نَحْوُ:{قَالَتِ الْأَعْرَابُ} (2) إلا جَمْعَي التَّصْحِيحِ فَكَمُفْرَدَيْهِمَا نَحْوُ: قَامَ الزَّيْدُونَ، وَقَامَتِ الهِنْدَاتُ، وإِنَّمَا امَتَنَعَ في النَّثْر مَا قَامَتْ إِلَاّ هِنْدٌ لأنَّ الفَاعِلَ مُذَكَّرٌ مَحْذوفٌ
…
) .
هذا الحكم الرابع: من أحكام الفاعل، وهو أنه إن كان مؤنثاً لحقت فعله علامة التأنيث. وهي تاء ساكنة في آخر الماضي، نحو: قامت هند، طلعت الشمس، وتاء متحركة في أول المضارع، نحو: تقوم هند، تطلع الشمس. وتاء التأنيث مع الفعل لها حالتان: -
1-
حالة وجوب.
2-
حالة جواز.
فالواجب في موضعين:
1-
أن يكون الفاعل اسمًا ظاهرًا حقيقي التأنيث (3) ليس مفصولاً عن فعله ولا واقعًا بعد (نعم أو بئس) نحو: عادت زينب.
2-
أن يكون الفاعل ضميراً مستترًا يعود على مؤنث حقيقي التأنيث نحو: نجلاءُ وصلت رحمها. ففاعل (وصلت) ضمير مستتر جوازًا تقديره: (هي)، أو يعود على مؤنث مجازي التأنيث نحو: الحديقة أزهرت. فالفاعل ضمير مستتر تقديره: (هي) .
وأما التأنيث الجائز ففي أربع مسائل:
(1) سورة يونس، آية:57.
(2)
سورة الحجرات، آية:14.
(3)
المؤنث الحقيقي هو الذي يلد ويتناسل ولو عن طريق البيض والتفريخ وعكسه المجازي.
1-
أن يكون المؤنث اسمًا ظاهرًا مجازي التأنيث، نحو: أخصبت الأرض، ومنه قوله تعالى:{قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} (1) ، بتأنيث الفعل مع الفاعل المجازي (موعظة)، وجاء التذكير في قوله تعالى:{فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} (2) .
2-
أن يكون الفاعل اسمًا ظاهرًا حقيقي التأنيث، وهو منفصل عن العامل بغير (إلا) نحو: حضرت القاضيَ امرأةٌ، وحضر القاضيَ امرأةٌ.
فإن كان الفاصل (إلا) وجب ترك التاء في النثر، نحو ما قام إلا هند. لأن ما بعد (إلا) ليس هو الفاعل في الحقيقة، وإنما هو بدل من فاعل مقدر قبل (إلا) ، وهو مذكر، والتقدير: ما قام أحد إلا هند.
3-
أن يكون العامل نعم أو بئس نحو: نِعْمَتِ المرأةُ فاطمةُ، ونعم المرأة فاطمة، وإنما جاز الوجهان، لأن الفاعل مراد به الجنس (3) فأشبه جمع التكسير - الذي يجوز فيه الوجهان - في أن المقصود به متعدد.
4-
أن يكون الفاعل جمعًا لمذكر أو مؤنث، فالمذكر نحو: بدأ العمال. وبدأت العمال، قال تعالى:{قَالَتِ الْأَعْرَابُ} (4) والمؤنث نحو: عَرَفَتِ الفواطمُ قيمة الحجاب. أو عرف، فحَذْفُ التاءِ على تأويله بالجمع، فيكون مذكر المعنى. فكأن العامل مسند إلى هذا المذكر، وإثبات التاء على تأويله بالجماعة، فيكون مؤنث المعنى، فكأن العامل مسند إليه.
(1) سورة يونس، آية:57.
(2)
سورة البقرة، آية:275.
(3)
الجنس هو كلي صالح لأن يصدق على كثيرين مختلفين بالحقيقة، واقع في جواب (ما هو) . واسم الجنس هو الموضوع لكل فرد خارجي على سبيل البدل من غير اعتبار تعينه، فالإنسان جنس. والرجل أو المرأة اسم جنس.
(4)
سورة الحجرات، آية:14.
ويستثنى من ذلك جمع المذكر السالم وجمع المؤنث السالم، فإنه يحكم لهما بحكم مفرديهما، فتقول: حضر المدرسون؛ بترك التاء لا غير، كما تفعل في: حضر المدرس. وتقول: حضرت المعلمات؛ بالتاء لا غير، كما تفعل في: حضرت المعلمة.
قوله: (وَإِنَّمَا امْتَنَعَ فِي النَّثْر مَا قَامَتْ إلَاّ هِنْد؛ لأَنَّ الْفَاعِلَ مُذَكَّرٌ محْذُوفٌ كَحَذْفِهِ في نحَو: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) } (1)) و {وَقُضِيَ الْأَمْرُ} (2) و {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} (3) ، وَيَمْتَنِعُ فِي غَيْرِهِنَّ) .
ذكر المصنف رحمه الله أربعة مواضع يحذف فيها الفاعل:
الأول: إذا وقع قبل (إلا) كما في المثال السابق: ما قام إلا هند.
الثاني: فاعل المصدر كقوله تعالى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا} (4) فـ (إطعام) مصدر. وفاعله محذوف، التقدير - والله أعلم - أو إطعامه يتيمًا، بالإضافة إلى الفاعل، و (إطعام) معطوف على قوله سبحانه:{فَكُّ رَقَبَةٍ (13) } (5) ، و (يتيماً) مفعول به للمصدر، و (ذي) صفة له، والمسغبة: المجاعة وشدة المؤونة.
الثالث: في باب النيابة عن الفعال كقوله تعالى: {وَقُضِيَ الْأَمْرُ} (6) وتقديره - والله أعلم - وقَضَى الله الأمرَ.
(1) سورة البلد، آية:14.
(2)
سورة البقرة، آية:210.
(3)
سورة مريم، آية:38.
(4)
سورة البلد، آية:14.
(5)
سورة البلد، آية:13.
(6)
سورة البقرة، آية:210.
الرابع: فاعل (أفْعِلْ) في التعجب، عند وجود ما يدل عليه كقوله تعالى:{أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} (1) التقدير - والله أعلم - وأبصر بهم، فحذف (بهم) من الثاني؛ لدلالة الأول عليه. فـ (أسمع) فعل ماض جاء على صيغة الأمر. (بهم) الباء: حرف جر زائد إعرابًا مؤكد معنى (هم) فاعل مبني على السكون، وهو مجرور بكسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها حركة البناء الأصلي في محل رفع فاعل.
وقول المصنف رحمه الله: (ويمتنع في غيرهن) أي: لأن الفاعل عمدة، وكالجزء من الكلمة، وهذا فيه نظر، فإن هناك مواضع أخرى حُذِفَ فيها الفاعل (2)، منها: أن يكون الفاعل واو الجماعة، أو ياء المخاطبة، وفعله مؤكد بالنون نحو: هل تقومُنَّ بواجبكم، وهل تقومِنَّ بواجبكِ، فإن الفاعل محذوف، وهو الواو والياء، وقد مضى توضيحه في موضعه.
قوله: (وَالأَصْلُ أَنْ يَلِيَ عَامِلَهُ، وَقَدْ يَتَأَخَّر جَوَازًا نَحْوَ: {وَلَقَدْ جَاءَ آَلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41) } (3) وَكَمَا أَتَى رَبَّهُ مُوسى عَلَى قَدَرٍ. وَوُجُوبًا نَحْوُ: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ} (4) وَضَرَبَنِي زَيْدُ) .
هذا الحكم الخامس من أحكام الفاعل وهو أن الأصل في الفاعل أن يقع بعد عامله. والأصل في المفعول أن يأتي بعدهما، نحو: حَرَّمَ الإسلام الغشَّ.
وقد يتأخر الفاعل عن المفعول وهو نوعان:
1-
تأخر جائز، وهو ما خلا من موجب التقديم أو التأخير، نحو: أخذ عاصمٌ جائزة، فتقول: أخذ جائزةً عاصمٌ. قال تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَ آَلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41) } (5) فـ (آل) مفعول به مقدم، وهو مضاف و (فرعون) مضاف إليه، و (النذر) فاعل (جاء) مؤخر، ومنه قول الشاعر:
(1) سورة مريم، آية:38.
(2)
انظر: حاشية الصبان (2/44) .
(3)
سورة القمر، آية:41.
(4)
سورة البقرة، آية:124.
(5)
سورة القمر، آية:41.
جاء الخلافة أو كانت له قدرًا
…
كما أتى ربَّهُ موسى على قدر (1)
فقدم الشاعر المفعول به، وهو لفظ (ربَّه) على الفاعل (موسى) مع كون المفعول به مضافاً إلى ضمير يعود على الفاعل المتأخر. وإنما جاز عود الضمير على متأخر، لأنه متأخر لفظا متقدم رتبةً، لأن رتبة الفاعل قبل المفعول.
2-
تأخر واجب. وذلك في ثلاث مسائل ذكر منها ابن هشام مسألتين:
(1)
الأولى: أن يتصل بالفاعل ضمير المفعول نحو: قرأ الكتابَ صاحبهُ، فـ (الكتاب) مفعول به مقدم، و (صاحبه) فاعل، ومنه قوله تعالى:{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ} (2) فـ (إبراهيم) مفعول به مقدم (ربه) فاعل. وإنما وجب تقديم المفعول على الفاعل، لأنه لو أخر المفعول وقدم الفاعل لعاد الضمير على متأخر لفظًا ورتبة، وذلك لا يجوز إلا في الضرورة ومواضع مخصوصة (3)
(1) قوله: (قدرا) بالفتح، أي موافقة له ومقدرة. و (أو) بمعنى الواو.
إعرابه: (جاء) فعل ماض وفاعله ضمير مستتر (الخلافة) مفعول به (أو) حرف عطف (كانت) كان: فعل ماض. والتاء اسمه. و (قدراً) خبر كان (كما) الكاف حرف جر. و (ما) مصدرية (أتى) فعل ماض (ربه) منصوب على التعظيم. مقدم على الفاعل. والهاء مضاف إليه (موسى) فاعل (على قدر) متعلق بـ (أتى) و (ما) وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بالكاف، والجار والمجرور متعلق بمحذوف نعت لمحذوف والتقدير: جاء الخلافة إتياناً كإتيان موسى ربه على قدر.
(2)
سورة البقرة، آية:124.
(3)
هناك مواضع يعود الضمير فيها على متأخر لفظاً ورتبة لغرض بلاغي، وتسمى (مواضع التقدم الحكمي) يذكرها النحاة في آخر باب الفاعل ومنها:
1-
فاعل نعم وبئس. ويأتي ذكره إن شاء الله.
2-
مجرور (رب) نحو: ربه صديقًا يعين على الشدائد.
3-
الضمير في باب التنازع إذا أعملت الثاني واحتاج الأول إلى مرفوع نحو: قاما وقعد أخواك. كما سيأتي إن شاء الله.
ضمير الشأن والقصة نحو: إنها رابطة العقيدة قوية لا تنفصم، أي: الشأن أو الحديث أو القصة أن رابطة العقيدة فهو مفسر بالجملة بعده. لأنها نفس الحديث والقصة. وقد مضى ذكره في إعراب المضارع.
الثانية: أن يكون المفعول ضميرًا متصلاً بالفعل نحو: أكرمني صالح، فـ (الياء) مفعول به مقدم و (صالح) فاعل مؤخر. ولو قدم الفاعل فقيل: أكرم صالح إياي، لا نفصل الضمير مع إمكان اتصاله، وهذا لا يجوز إلا فيما اُستثني، كما تقدم في الضمير.
الثالثة: أن يحصر الفاعل بـ (إنما) نحو: إنما ينفع المرءَ العملُ الصالُح، قال تعالى:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (1) ، فـ (العلماء) فاعل (يخشى)، أو يحصر بـ (إلا) على الأصح نحو: لا ينفع المرءَ إلا العملُ الصالح، وهذه المسألة لم يذكرها المصنف.
قوله: (وَقَدْ يَجِبُ تَأْخِيرُ المَفْعُولِ كَضَرَبْتُ زَيْداً، وَمَا أَحْسَنَ زَيْدًا، وَضَرَبَ مُوسى عِيسى، بخِلافِ: أَرْضَعَتِ الصُغْرَى الكُبْرَى) .
ذُكر فيما مضى أن الأصل تقدم الفاعل وتأخر المفعول. وقد يكون ذلك واجبًا، وذلك في ثلاث مسائل، ذكر منها ابن هشام مسألتين:
الأولى: إذا كان الفاعل ضميرًا متصلاً والمفعول به اسمًا ظاهرًا نحو: أتقنت العمل؛ فلا يجوز تقديم المفعول على الفاعل بأن تقول: أتقن العمل أنا، لئلا ينفصل الضمير مع إمكان اتصاله، وهذا لا يجوز إلا فيما اُستثنى كما في باب الضمير.
الثانية: إذا خيف التباس أحدهما بالآخر، وذلك إذا خفى الإعراب فيهما. ولم توجد قرينة تبين الفاعل من المفعول، نحو: أكرم موسى عيسى. فيجب كون (موسى) فاعلاً و (عيسى) مفعولاً.
فإن وجد قرينة لفظية أو معنوية تبين الفاعل من المفعول لم يجب تقديم الفاعل وتأخير المفعول. فاللفظية نحو: وعظت عيسى ليلى، فـ (ليلى) فاعل، بدليل تأنيث الفعل. والمعنوية نحو: أرضعت الصغرى الكبرى، فـ (الكبرى) فاعل مؤخر عن المفعول.
(1) سورة فاطر، آية:28.
الثالثة: أن يكون المفعول محصورًا بـ (إنما) نحو: إنما يقول المسلمُ الصدقَ، أو بـ (إلا) على الأصح، نحو: ما يقول المسلمُ إلا الصدقَ. فـ (الصدق) مفعول به - في المثالين - ويجب تأخيره عن الفاعل، وهذه المسألة لم يذكرها المصنف.
قوله: (وَقَدْ يَتَقَدَّمُ عَلَى العَامِلِ جَوَازًا نَحْوُ: {فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا} (1) وَوُجُوبًا نَحْوُ: {أَيًّا مَا تَدْعُوا} (2)) .
لما ذكر المصنف رحمه الله تقدم المفعول على الفاعل وتأخره عنه، ذكر تقدم المفعول على العامل. وأنه نوعان: -
1-
تقدم جائز، وهو: ما خلا من موجب التقديم أو التأخير، نحو: كتب الطالب الواجب؛ فيجوز تقدم المفعول على الفعل، فيقال: الواجبَ كتب الطالبُ. ومنه قوله تعالى: {فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ} (3) فـ (فريقًا) مفعول به منصوب قدم على عامله، وهذا التقديم جائز لا واجب. و (هَدَى) فعل ماض مبني على فتح مقدر، والفاعل ضمير مستتر جوازًا تقديره (هو) أي: الله، (وفريقًا) مفعول به لفعل محذوف، أي: وأضل فريقًا.
2-
تقدم واجب: وذلك إذا كان المفعول من الألفاظ التي لها الصدارة كأسماء الشرط وأسماء الاستفهام، نحو: أيَّ طالب تكرمْ أكرمْ. ومنه قوله تعالى: {فَأَيَّ آَيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ} (4) فـ (أيَّ) مفعول مقدم للفعل (تنكرون)، وقوله تعالى:{أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (5) فـ (أيًا) مفعول مقدم للفعل (تدعوا) و (ما) حرف زائد إعراباً مؤكد معنى، و (تدعوا) مجزوم بـ (أيًا) وعلامة جزمه النون، والواو فاعل، وتقدم ذكر الآية في أدوات الشرط.
(1) سورة الأعراف، آية:30.
(2)
سورة الإسراء، آية:110.
(3)
سورة الأعراف، آية:30.
(4)
سورة غافر، آية:81.
(5)
سورة الإسراء، آية:110.
قوله: (وَإذَا كَانَ الفِعْلُ نِعْمَ أَوْ بِئْسَ فَالْفَاعِلُ إِمَّا مُعَرَّفٌ بِـ (ال) الجِنْسِيَّةِ نَحْوُ: {نِعْمَ الْعَبْدُ} (1) أَوْ مضَافٌ لِمَا هِيَ فِيهِ نَحْوُ: {وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ} (2) أَوْ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ مُفَسَّرٌ بِتَمْييزٍ مُطابِقٍ لِلْمَخْصُوصِ نَحْوُ: {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} (3)) .
أي إذا كان الفعل العامل في الفاعل: نعم أو بئس. فالفاعل ثلاثة أنواع:
الأول: أن يكون مقترنًا بـ (ال) الجنسية (4) نحو: نعم الخلقُ الوفاءُ بالوعد، وبئس الخلقُ خلفُ الوعد. فـ (نعم) فعل ماض (5) جامد لإنشاء المدح و (الخلق) فاعل (الوفاء بالوعد) مبتدأ مؤخر، وما قبله خبر متقدم، ومنه قوله تعالى:{نِعْمَ الْعَبْدُ} (6) ، فـ (العبد) فاعل (نعم) مرفوع بالضمة.
الثاني: أن يكون الفاعل مضافاً لما اقترن بـ (ال) نحو: نعم قائدُ الإسلام صلاحُ الدين، وبئس زعيمُ القوم أبو جهل، ومنه قوله تعالى:{وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ} (7) فـ (اللام) واقعة في جواب قسم مقدر، و (نعم) فعل ماض جامد لإنشاء المدح (دار) فاعل (المتقين) مضاف إليه والجملة جواب القسم لا محل لها من الإعراب.
(1) سورة ص، آية:30.
(2)
سورة النحل، آية:30.
(3)
سورة الكهف، آية:50.
(4)
هي التي تفيد العموم والشمول كما تقدم في: المعرَّف بأل وعلى هذا فتكون مدحت الجنس كله، ثم خصصت بالذكر الوفاء بالوعد فتكون قد مدحته مرتين.
(5)
هو فعل ماض لكنه تجرد من الدلالة على الزمن بعد أن تكونت منه ومن فاعله جملة إنشائية غير طلبية للمدح. ومثله (بئس) .
(6)
سورة ص، آية:30.
(7)
سورة النحل، آية:30.
الثالث: أن يكون الفاعل ضميراً مستترًا وجوباً يعود على تمييز بعده يفسَّر ما فيه من الغموض والإبهام، نحو نعم صديقًا الكتاب، بئس خلقًا الكذب، ففي كل من (نعم) و (بئس) ضمير مستتر وجوبًا هو الفاعل، تقديره:(هو) مراداً منه الممدوح أو المذموم. ويعود على التمييز (صديقًا) و (خلقًا) أي: نعم الصديق صديقًا الكتاب. وبئس الخلق خلقًا الكذب. ومنه قوله تعالى: {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} (1) . ففاعل (بئس) ضمير مستتر وجوبًا تقديره: (هو) أي: البدل، و (بدلاً) تمييز منصوب.
وقول المصنف: (بتمييز مطابق للمخصوص) فيه مسألتان:
الأولى: أن (نعم وبئس) بحاجة - في الغالب - إلى اسم مرفوع بعدهما، هو المقصود بالمدح أو الذم، ويسمى: المخصوص بالمدح أو الذم، وعلامته: أن يصلح وقوعه مبتدأ، والجملة قبله خبر، مع استقامة المعنى. نحو: نعم الخليفة أبو بكر رضي الله عنه، بئس جليس السوء النمامُ. فـ (أبو بكر) مخصوص بالمدح. و (النمام) مخصوص بالذم، وكلاهما يصلح أن يكون مبتدأ، فيقال: أبو بكر نعم الخليفة، والنمامُ بئس جليس السوء، والرابط بينهما العموم الذي في (ال) كما تقدم في الابتداء، والمشهور في إعرابه أن يكون مبتدأ مؤخرًا والجملة قبله خبر عنه، ويصح إعرابه خبرًا لمبتدأ محذوف وجوبًا. (2)
(1) سورة الكهف، آية:50.
(2)
هذان وجهان في إعراب المخصوص، والأول أيسر، لسلامته من الحذف، وذكر الأشموني بحاشية الصبان (3/37) عن ابن كيسان أنه بدل من الفاعل، وهو بدل كل من كل. وهو وجيه لا يقوم على حذف ولا على تقديم ولا تأخير كما في الأوجه الأخرى.