الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فـ (موحشًا) حال من (طلل) وهو نكرة. وإنما جاز ذلك لتأخره عن الحال. (1)
وقول المصنف: (وصاحبِها التعريفُ) معطوف على ما قبله. والتقدير: وشرطُ صاحبِها التعريف.
باب التمييز
قوله: (والتَمْيِيزُ، وهُوَ اسْمٌ فَضْلةٌ نَكِرَةٌ جَامِدٌ مُفَسِّرٌ لما انبهم مِنَ الذَواتِ) .
التمييز من منصوبات الأسماء في غالب أحواله. وقوله: (والتمييز) بالرفع عطفًا على ما تقدم. وقد ذكر المصنف أن التمييز ما اجتمع فيه خمسة أمور:
1-
أن يكون اسمًا.
2-
أن يكون فضلة، وهو ما يمكن الاستغناء عنه.
3-
أن يكون نكرة.
4-
أن يكون جامدًا. (2)
5-
أن يكون مفسرًا لما انبهم من الذوات.
مثاله: اشتريت رطلاً عسلاً. فـ (عسلاً) تمييز؛ وهو اسم بدليل تنوينه، ونكرة؛ لأنه لا يدل على معين؛ وقد فَسَّر الإبهام في اسم الذات الذي قبله؛ لأن قولك: اشتريت رطلاً
…
فيه إبهام، لأن السامع لا يفهم ما تريد بالرطل هل تريد عسلاً أو تمرًا أو سمنًا؟ فإذا قلت: عسلاً زال الإبهام، وفُهم المراد، لأنك ميزت له (الرطل) وبينت المقصود به، ولذلك يسمى لفظ (عسلاً) : تمييزاً. والاسم الذي قبله: مُمَيَّزًا، والتمييز والتبيين والتفسير ألفاظ مترادفة معناها واحد.
(1) هذا وجه الاستشهاد على ما أراد ابن هشام وفيه نظر؛ لأن النكرة قد تخصصت بالوصف بجملة (يلوح) فيكون من الثاني. إلا أن يقال. إن التقديم قد حصل فيكون مسوغًا والله أعلم.
(2)
الاسم الجامد هو الذي لم يؤخذ من غيره. وإنما وضع على صورته الحالية فليس له أصل يرجع إليه مثل: باب، رجل. غصن.. وهو إما اسم ذات كهذه الأمثلة. أو اسم معنى مثل: ذكاء، سماحة، فهم.. ويقابله المشتق وهو ما أخذ من غيره. كـ (قائم مذموم، حسن) . ومجئ التمييز جامدًا إنما هو باعتبار الغالب. وإلا فقد يكون مشتقًا نحو: لله در خالد فارسًا.
قوله: (وَأَكْثَرُ وقُوعِهِ بَعْدَ المقَادِير، كَجَرْيبٍ نخْلاً، وصَاعٍ تَمْراً، ومَنَوَيْنِ عَسَلاً، والْعَدَدِ نَحْوَ: {أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} (1) إِلى تِسْعٍ وتِسْعِينَ، ومِنْهُ تَمْييزُ كم الاسْتْفْهَامِيةَ نَحْوِ:(كَمْ عَبْداً مَلَكَتْ) ، فأمَّا تَمْيِيزُ الخَبريةِ فَمَجْرورٌ مُفردٌ كَتَمْييزْ المائةِ ومَا فَوْقَهَا، أو مَجْمُوعٌ كَتَمْييزِ العَشَرَةِ ومَا دُونَها ولَكَ في تَمْيِيْزِ الاسْتِفْهَامِيَّة الْمَجْرُوِرَةِ بالحرْفِ جَرٌ ونَصْبٌ) .
التمييز نوعان:
1-
تمييز مفرد أو تمييز ذات. وهو المراد بقوله (وأكثر وقوعه) وهو الذي عرفه المصنف فيما مضى.
2-
تمييز نسبة أو تمييز جملة. وهذا سيأتي إن شاء الله.
فأما تمييز المفرد فأكثر مواضعه:
1-
بعد المقادير وهي عبارة عن ثلاثة أشياء: المساحة، نحو: اشتريت جريبًا (2) نخلاً. بعته ذراعًا صوفًا. والكيل نحو: تصدقت بصاع تمرًا. والوزن نحو: أعطيته منوين (3) عسلاً. اشتريت رطلاً سمنًا. فـ (نخلاً) تمييز منصوب. وهكذا ما بعده.
(1) سورة يوسف، آية:4.
(2)
الجريب في الأصل اسم للوادي ثم استعير للقطعة المميزة من الأرض. ويختلف مقدارها من مكان إلى مكان آخر. ويطلق الجريب على غير ذلك.
(3)
منوين تثنية منا كعصا. مقصور وهو الذي يوزن به. قيل هو رطلان ويطلق - أيضًا - على ما يُكال به السمن ونحوه.
2-
بعد العدد. والتمييز بعد العدد جمع مجرور مع الثلاثة والعشرة وما بينهما نحو: عندي خمسة أقلامٍ وثلاث مسَّاحاتٍ، ومفرد منصوب مع أحد عشر وتسعة وتسعين وما بينهما نحو: في الكتاب خمس وسبعون صفحةً، وفي كل صفحة تسعة عشر سطرًا، ومنه قوله تعالى:{أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} (1) وقوله تعالى: {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} (2) ومفرد مجرور مع المائة والألف نحو: في المزرعة ألف نخلةٍ ومائة شجرةٍ.
ومن تمييز العدد: تمييز (كم) الاستفهامية (وهي الأداة التي يسأل بها عن معدود) . وهو مفرد منصوب بها نحو: كم حديثاً حفظت؟ فـ (حديثاً) منصوب على التمييز لـ (كم) . و (كم) مفعول مقدم. إلا إذا دخل عليها حرف جر فإنه يكون مجرورًا كما سيأتي.
وأما تمييز (كم) الخبرية (وهي أداة للإخبار عن معدود كثير) فإن تمييزها مجرور دائمًا بإضافتها إليه. وهو إما مفرد - كما تقدم في تمييز المائة وما فوقها - نحو: كم مرةٍ يخطئ إلي أخي وأنا أغفر له. وإما جمع - كما تقدم في تمييز الثلاثة والعشرة وما بينهما - نحو: كم ساعاتٍ قضيتها لاهيًا لِلَّهِ
وقوله: (وَلَكَ في تَمْيِيْزِ الاسْتِفْهَامِيَّة الْمَجْرُوِرَةِ بالحرْفِ جَرٌ ونَصْبٌ) .
معناه أن (كم) الاستفهامية إذا دخل عليها حرف جر جاز في تمييزها الجر بـ (من) ظاهرة أو مقدرة، نحو: بكم ريالٍ اشتريت هذا الكتاب؟ بكم من ريال
…
؟ فإن وجدت (من) فهي ومجرورها متعلقان بـ (كم) ، وإلا فالتمييز مجرور بالإضافة، أو بـ (من) مضمرة. والوجه
(1) سورة يوسف، آية:4.
(2)
سورة ص، آية:23.
الثاني في تمييزها النصب وتقدم. (1)
قوله: (وَيَكُونُ التَّمْييزُ مُفسِّراً للنِّسْبَةِ مُحَوَّلَاّ كـ {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} (2){وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا} (3){أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا} (4) أَوْ غَيْرَ مُحَوَّلٍ نَحْوَ: (امْتَلأ الإنَاءُ مَاءً)) .
هذا النوع الثاني من نوعي التمييز وهو تمييز النسبة، وهو التمييز الذي يزيل الإبهام عن المعنى العام بين طرفي الجملة. وهو المعنى المنسوب فيها لشيء من الأشياء.
مثاله: إذا قلت: طاب المكان. نجد أن في الجملة إبهاماً ولكنه لا يقع على كلمة واحدة - كما في تمييز المفرد أو تمييز الذات - وإنما ينصبُّ على الجملة كلها، وهو نسبة الطيب إلى المكان، إذا لا ندري ما المراد به؛ أهو هواؤه أم ماؤه أم تربته؟ فإذا قلنا: طاب المكان هواءً، تعين المراد واتضحت نسبة الطيب إلى المكان. ولذلك يسمى لفظ (هواء) تمييزاً؛ لأنه أزال إبهامًا في نسبة شيء إلى شيء.
وتمييز النسبة نوعان:
الأول: تمييز محول. وهو ثلاثة أقسام:
(1) أما إعراب (كمْ) فهي مبتدأ إذا وقع بعدها فعل لازم نحو: كم طالباً حضر؟، أو فعل متعدِّ استوفى مفعوله نحو: كم كتاباً قرأته. أو وقع بعدها ظرف أو جار ومجرور نحو: كم طفلاً عندك؟ كم طالباً في الفصل؟ . وتعرب مفعولاً به إذا وقع بعدها فعل متعدّ لم يستوف مفعوله نحو: كم كتاباً قرأت؟ وتعرب ظرفاً إذا وقعت على زمان أو مكان نحو: كم يوماً صمت؟ كم ميلاً مشيت؟ وإن وقعت على حدث فهي مفعول مطلق نحو: كم زيارة زرت المريض؟
وإن سبقت بحرف جر أو مضاف فهي في محل جر نحو: في كم ساعة تقرأ سورة البقرة؟ مساعدة كم فقيراً قدمت؟ وقد تصلح مبتدأ أو خبراً في نحو: كم مالك؟
…
(2)
سورة مريم، آية 4.
(3)
سورة القمر، آية:12.
(4)
سورة الكهف، آية:34.
1-
محول عن الفاعل نحو: حَسُنَ الشاب خلقًا، فـ (خلقًا) تمييز نسبة لأنه أزال الإبهام في نسبة الحُسْن إلى الشاب. وهو محول عن الفاعل، إذ الأصل: حَسُنَ خُلُقُ الشاب. ومنه قوله تعالى: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} (1) فـ (شيباً) تمييز نسبة محول عن الفاعل لأن أصله: واشتعل شيب الرأس. (2)
2-
محول عن المفعول نحو: وفَّيتُ العمال أجوراً. فـ (أجورًا) تمييز نسبة، لأنه أزال الإبهام في نسبة التوفية إلى العمال، وهو منقول عن المفعول، والأصل: وفَّيت أجور العمال، ومنه قوله تعالى:{وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا} (3) فـ (عيونًا) تمييز نسبة محول عن المفعول؛ لأن تقديره: وفجرنا عيون الأرض.
3-
محول عن غيرهما كالمحول عن المبتدأ، وذلك بعد اسم التفضيل الصالح للإخبار به عن التمييز، نحو: الحرير أغلى من القطن قيمةً. فـ (قيمة) تمييز محول عن المبتدأ، إذ الأصل: قيمةُ الحرير أغلى من قيمة القطن. ومنه قوله تعالى: {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا} (4) فـ (مالاً) تمييز محول عن المبتدأ، وأصله: مالي أكثر من مالك.
القسم الثاني: من تمييز النسبة: تمييز غير محول. نحو: امتلأ الإناء ماءً، فـ (ماءً) تمييز غير محول عن شيء، بل هو تركيب وضع ابتداء هكذا (5) . ومنه قولهم:(لله دره فارسًا) . ونحوه مما يفيد التعجب. وهذا القسم قليل في الكلام.
(1) سورة مريم، آية 4.
(2)
وهذا التحويل لغرض المبالغة والتوكيد؛ لأن ذكر الشيء مجملاً ثم مفسرًا أوقع في النفس من ذكره مفسرًا من أول الأمر.
(3)
سورة القمر، آية:12.
(4)
سورة الكهف، آية:34.
(5)
إلا إذا قلنا إن التمييز المحول لا يلزم أن يكون فاعلاً للفعل المذكور فيصح أن يكون من المحول عن الفاعل والأصل: ملأ الماء الإناء.
قوله: (وقَدْ يُؤكِّدَانِ نَحْوُ: {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} (1) وقَوْلَه: (مِنْ خَيْرِ أَدْيَانِ الْبَرِيِّة دِيناً) ومِنْهُ: (بِئْسَ الْفَحْلُ فَحْلُهُمُ فَحْلاً) خلافاً لسيبويه) .
أي: قد يأتي الحال والتمييز مؤكدين. فلا تكون الحال لبيان الهيئة ولا يزيل التمييز إبهاماً. بل يفيدان مجرد التأكيد.
فالحال المؤكدة: هي التي لا تفيد معنى جديداً سوى التوكيد نحو: لا تظلم الناس باغيًا. فـ (باغيًا) حال من الفاعل. وهي مؤكدة لقوله: (لا تظلم) ؛ لأن الظلم هو البغي. ولو حذفت لفهم معناها مما بقي من الجملة. ومنه قوله تعالى: {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} فـ (مفسدين) حال من الواو، وهي مؤكدة لقوله (لا تعثوا) ؛ لأن العَثْوَ هو الفساد معنى. وقوله تعالى:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} (2) فـ (جميعًا) حال من (ما) وهي مؤكدة، لأن العموم مستفاد من لفظ (ما) .
وأما التمييز المؤكد فكقول أبي طالب:
ولقد علمت بأن دين محمد ......من خير أديان البرية دينا (3)
فـ (ديناً) تمييز مؤكد لما سبقه، إذ لو حذف لفهم معناه مما بقي من الكلام.
ومنه أيضاً قول جرير:
والتَّغْلَبِيُّون بئس الفحلُ فحلُهمُ
…
فحلاً وأُمهمُ زَلَاّءُ مِنْطِيقُ (4)
(1) سورة البقرة، آية:60.
(2)
سورة البقرة، آية:29.
(3)
من خير: جار ومجرور خبر (أن) . و (أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بالياء. والجار والمجرور متعلق بالفعل (علم) .
(4)
الفحل: أراد به الأب (زلاء) بفتح الزاي وتشديد اللام وآخره همزة هي المرأة قليلة لحم الأليتين (منطيق) أي: تعظم عجيزتها بالخرق لتغطي هزالها بسبب امتهانها في الأعمال. وهذا دليل شدة الفقر وسوء الحال.
إعرابه: (والتغلبيون) مبتدأ أول مرفوع بالواو. (بئس) فعل ماض جامد لإنشاء الذم (الفحل) فاعل بئس والجملة خبر مقدم (فحلهم) مبتدأ مؤخر. والهاء مضاف إليه والميم علامة الجمع. والجملة في محل رفع خبر المبتدأ الأول. (وأمهم زلاء) مبتدأ وخبر مِنْطيقُ صفة أو خبر بعد خبر.