المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌إعراب الفعل المضارع - تعجيل الندى بشرح قطر الندى

[عبد الله بن صالح الفوزان]

الفصل: ‌إعراب الفعل المضارع

قوله: (وَتَظْهَرُ الْفَتْحَةُ في نَحْوِ إِنَّ الْقَاضِيَ لَنْ يَقْضِىَ وَلَنْ يَدْعُوَ) .

أي أن الفتحة - لخفتها - تظهر مع الياء في الأسماء والأفعال. وعلى الواو في الأفعال. نحو: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشيَ)(1) فـ (الراشيَ) مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. وكذا (المرتشيَ) .

ونحو: لن تعطيَ الفقير شيئاً إلا أُجِرْتَ عليه. فـ (تعطى) فعل مضارع منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. ونحو: (لن يسموَ أحد إلا بأدبه) وإعرابه كالذي قبله.

‌إعراب الفعل المضارع

1-

رفع الفعل المضارع

قوله: (يُرْفَعُ الْمُضَارعُ خَالِيًا مِنْ نَاصِبٍ وجَازِمٍ نَحْوُ يَقُومُ زَيدٌ) تقدم أن المضارع له حالتان: حالة إعراب، وحالة بناء. وتقدم البحث في بنائه. وهذا بحث في إعرابه. وهو إما رفع أو نصب أو جزم.

وقوله: (خَالِيًا مِنْ نَاصِبٍ وجَازِمِ) أي: أن الذي رفع المضارع هو خلوه وتجرده من الناصب والجازم، نحو: يقوم خالد بواجبه. فـ (يقوم) فعل مضارع مرفوع لتجرده من الناصب والجازم، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، والرافع للمضارع - وهو التجرد - عامل معنوي ليس له وجود في الكلام كالعامل اللفظي، فإن دخل عليه ناصب نصبه وهو عامل لفظي. أو جازم جزمه، وهو عامل لفظي. وسيأتي ذلك مفصلاً.

واعلم أن المصنف لم يقيد المضارع بكونه خاليًا من النونين: نون التوكيد ونون الإناث، لأنه يُعلم مما تقدم.

2-

نصب الفعل المضارع

قوله: (وَيُنْصَبُ بِـ لَنْ، نَحْوُ: {لَنْ نَبْرَحَ} (2)) .

شرع المصنف رحمه الله في الحالة الثانية للمضارع المعرب وهي النصب. فينصب إذا تقدم عليه أحد النواصب الأربعة، وهي:

(1) أخرجه أصحاب السنن إلا النسائي وهو حديث صحيح.

(2)

سورة طه، آية:91.

ص: 47

الأول: (لن) وهي حرف نفي واستقبال أي: نفي الحدث في الزمان المستقبل. لأنها إذا دخلت على المضارع صار خاصاً بالمستقبل نحو: لن يحضر الضيف.

قال تعالى: {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ} (1) فـ (لن) حرف نفي واستقبال ينصب الفعل المضارع. و (نبرح) فعل مضارع ناقص. يرفع الاسم وينصب الخبر. منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. واسمه ضمير مستتر وجوبًا تقديره (نحن) ، والخبر (عاكفين) .

قوله: (وَبَكَيِ الْمَصْدَرِيَّةِ نَحْوُ {لِكَيلَا تَأْسَوْا} (2)) .

الناصب الثاني للمضارع (كي) المصدرية. وعلامة المصدرية أن تسبق بـ (لام) التعليل، نحو: جئت لكي أستفيدَ. فـ (لكي) اللام حرف جر. و (كي) حرف مصدري ونصب و (أستفيدَ) فعل مضارع منصوب بـ (كي) وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره (أنا) و (كي) وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور باللام، والتقدير: جئت للاستفادة. قال تعالى: {لِكَيلَا تَأْسَوْا} (3) أي: تحزنوا، فـ (تأسوا) فعل مضارع منصوب بـ (كي) وعلامة نصبه حذف النون، لأنه من الأمثلة الخمسة. والواو: فاعل. و (كي) وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور باللام، والتقدير: لعدم أساكم. (4)

وإنما قال المصنف: (المصدرية) احترازاً من (كي) التعليلية وهي التي تقع بعدها (أنْ) المصدرية نحو: جئت كيما أن تزورني غداً. فيتعين أن تكون (كي) حرف جر للتعليل. و (أن) هي الناصبة للمضارع.

قوله: (وَبِإِذَنْ مُصَدَّرَةً وهُوَ مُسْتَقْبَلٌ مُتَّصِلٌ، أَوْ مُنْفَصِلٌ بِقَسَمٍ نَحْوُ: إِذَنْ أُكْرِمَكَ. وإِذَنْ والله نَرْمِيَهُمْ بِحَرْبٍ) .

(1) سورة طه، آية:91.

(2)

سورة الحديد، آية:23.

(3)

سورة الحديد، آية:23.

(4)

قال في المصباح: وأسِىَ أسىً من باب تَعِبَ: حزن فهو أسِيٌّ مثل حزين اهـ وجئنا في التقدير بكلمة (عدم) من (لا) النافية.

ص: 48

هذا الناصب الثالث وهو (إذن) وهي حرف جواب وجزاء غالبًا فإذا قلت لمن قال: أزورك غدًا إن شاء الله: (إذن أكرمك) فقد أجبته وجعلت إكرامك جزاء زيارته.

ولا تنصب المضارع إلا بثلاثة شروط ذكرها المصنف.

الأول: أن تكون مصدرة، أي: في أول الكلام. فإن كانت في وسط الكلام لم تنصب المضارع نحو: أنا إذن أكرمُك. برفع المضارع بعدها.

الثاني: أن يكون المضارع مستقبلاً. فإن كان حالاً أهملت. كما لو حدثك إنسان بحديث فقلت له: إذن أصدقك، برفع المضارع، أي أصدقك في الحال لا في المستقبل.

الثالث: أن يكون المضارع متصلاً بها لم يفصل بينهما فاصل. فإن كان فاصل أهملت، كأن يقول لك: أزورك غدًا إن شاء الله. فتقول: إذن أخي يكرمك، برفع المضارع.

وقوله: (أَوْ مُنْفَصِلٌ بَقَسَمٍ) هذا مستثنى من الفصل. والمعنى أن الفصل بالقسم لا يؤثر على عمل (إذن) نحو: أزورك غدًا. فتقول: (إذن والله أكرمَك) بنصب المضارع.

وقوله: (نَحْوُ إِذَنْ أُكْرِمَكَ) هذا مثال جمع الشروط الثلاثة. فـ (إذن) حرف جواب وجزاء ونصب. و (أكرم) فعل مضارع منصوب بـ (إذن) وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.

وقوله: (وَإِذَنْ والله نَرْمِيَهُمْ بِحَرْبٍ) هذا شطر بيت وهو بتمامه:

ص: 49

إذن والله نرميهم بحرب ......تُشِيبُ الطفلَ من قبل المشيب (1)

وساقه المصنف شاهدًا على أن المضارع نُصِبَ بـ (إذن) مع الفصل بينهما بالقسم وهو (والله) .

قوله: (وبِأَن الْمَصْدَريَّةِ ظَاهِرَةً نَحْوُ: {أَنْ يَغْفِرَ لِي} (2) مَا لَمْ تُسْبَقْ بِعِلْم نَحْوُ: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} (3)، فَإن سُبِقَتْ بِظَنٍّ فَوَجْهَانِ نَحْوُ:{وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ} (4) .

هذا الناصب الرابع من نواصب المضارع وهي (أن المصدرية) . وهي أقوى النواصب لأنها تعمل ظاهرة ومقدرة. وإنما أخرها المصنف لطول الكلام فيها، و (أن المصدرية) هي المنسبكة مع مدخولها بالمصدر. نحو: يسرني أن تزورنا. فـ (أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر فاعل (يسر) أي: يسرني زيارتك لنا. وقيدت بالمصدرية احترازًا من (أن) المفسِّرة. و (أن) الزائدة. و (أن) المخففة من الثقيلة.

(1) إعرابه: إذن: حرف جواب وجزاء ونصب (والله) الواو: حرف قسم وجر. ولفظ الجلالة اسم مقسم به مجرور. والجار والمجرور متعلق بفعل القسم المحذوف. (نرميهم) نرمي: فعل مضارع منصوب بـ (إذن) وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره: نحن. والهاء مفعول به والميم علامة الجمع. (بحرب) جار ومجرور متعلق بـ (نرمي)(تشيب) فعل مضارع مرفوع لتجرده من الناصب والجازم وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. والفاعل ضمير مستتر جوازاً تقديره (هي) يعود إلى الحرب (الطفل) مفعول به. والجملة في محل جر صفة لـ (حرب)(من قبل) جار ومجرور متعلق بـ (تشيب) و (المشيب) مضاف إليه.

(2)

سورة الشعراء، آية:82.

(3)

سورة المزمل، آية:20.

(4)

سورة المائدة، آية:71.

ص: 50

أما المفسِّرة فهي التي تأتي لإفادة التبيين والتفسير، فتكون بمعنى (أي) المفسرة، وهي المسبوقة بجملة فيها معنى القول دون حروفه، كما في قوله تعالى:{إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ} (1) فجملة (إذ أوحينا

) فيها معنى القول دون حروفه، و (ما يوحى) هو عين (اقذفيه في اليم) في المعنى.

وأما الزائدة فهي الواقعة بعد (لما) الحينية؛ كقوله تعالى: {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ} (2) أو قبل (لو) كقوله تعالى: {وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) } (3) . وهي تفيد تقوية المعنى وتوكيده.

وقوله: (ما لم تسبق

إلخ) هذا في بيان ضابط (أنْ) المصدرية، والتفريق بينها وبين (أنْ) المخففة من الثقيلة التي تذكر في باب (إنَّ) وللفرق بين المصدرية والمخففة نقول: اعلم أن لـ (أن) ثلاث حالات:

الحالة الأولى: أن يتقدم عليها ما يدل على اليقين والتحقق. مثل: علم، وأيقن ونحوهما. فهذه مخففة من الثقيلة. تنصب الاسم وترفع الخبر. ولها ثلاثة أحكام: -

1-

أن اسمها ضمير الشأن (4) محذوف.

2-

رفع المضارع بعدها.

3-

فصل المضارع منها - في الغالب - بحرف من حروف أربعة:

-قد.

-أحد حرفي التنفيس (أي الاستقبال وهما: السين، وسوف) .

-أحد حروف النفي الثلاثة: لا، لن، لم.

-لو.

(1) سورة طه، آية: 38، 39.

(2)

سورة يوسف، آية:96.

(3)

سورة الجن، آية:16.

(4)

ضمير الشأن: ضمير يأتي في صدر جملة بعده، تفسر دلالته وتبين المراد منه. سمي بذلك لأنه يرمز للشأن. والمراد به: مضمون الكلام. ومن أحكامه: أنه يعود على ما بعده، وأنه لابد أن يكون مبتدأ أو اسماً لناسخ. وأنّ مفسره لا يكون إلا الجملة. وتكون خبرًا له أوللناسخ، وصيغته (هو) أو (هي) فلا يكون للمثنى ولا للجمع.

ص: 51

وهذا الفصل للتفريق بينها وبين المصدرية. وسيأتي إن شاء الله الكلام على ذلك في باب (إن وأخواتها) .

مثالها: أيقنت أنْ سيندمُ الظالمون، فـ (أن) مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشِأن محذوف. وتقديره: أنه، أي: الحال والشأن. وجملة (يندم الظالمون) خبرها. ومنه قوله تعالى: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} (1) فـ (أن) مخففة، واسمها ضمير الشأن محذوف، والسين حرف استقبال و (يكون) فعل مضارع ناقص يرفع الاسم وينصب الخبر. مرفوع بالضمة (منكم) خبر (يكون) مقدم (مرضى) اسمها مؤخر. والجملة في محل رفع خبر (أنَّ) المخففة، والمصدر المؤول (أن سيكون) في محل نصب سد مسدّ مفعولي (علم) .

الحالة الثانية: أن يتقدم عليها ما يدل على الظن والرجحان مثل: ظن، خال، حسب، ونحوهما. فيجوز أن تكون مخففة من الثقيلة ويرفع المضارع بعدها وتأخذ الأحكام السابقة، وأن تكون مصدرية ناصبة للمضارع. وهو الأكثر والأرجح، لأن الأصل بقاء الظن على بابه. لأن الرفع يلزم عليه تأويل الفعل باليقين. ومنه قوله تعالى:{وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ} (2) فقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي برفع (تكون) على أنها مخففة. و (حسبوا) بمعنى (أيقنوا) ؛ لأن (أن) للتأكيد. والتأكيد لا يجوز إلا مع اليقين. وقرأ الأربعة الباقون من السبعة بنصب (تكون) على أنها هي الناصبة للمضارع. و (حسب) بمعنى الشك. لأن (أن) الناصبة ليست للتوكيد، بل الأمر قد يقع وقد لا يقع.

وهذا معنى قوله: (فإن سُبِقَتْ بظن فوجهان) أي: الرفع باعتبارها مخففة، والنصب باعتبارها مصدرية ناصبة للمضارع.

(1) سورة المزمل، آية:20.

(2)

سورة المائدة، آية:71.

ص: 52

الحالة الثالثة: أن لا يسبقها علم ولا ظن. بل تقع في كلام يدل على الشك أو على الرجاء والطمع (1) فهذه ناصبة للمضارع وجوبًا، وهذه الحال تفهم من كلام المصنف. مثال ذلك: أرجو أن ينتصر الحق، فـ (أن) مصدرية، والمضارع بعدها منصوب. قال تعالى:{وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} (2) .

قوله: (وَمُضْمَرَةً جَوَازاً بَعْدَ عَاطِفٍ مَسْبُوق باسْم خَالِص نَحْوَ: ولُبْسُ عَبَاءَةٍ وتَقَرَّ عَيْني. وبَعْدَ اللَاّمِ نَحْوَ: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ} (3)) .

اعلم أن (أن) المصدرية تنصب المضارع ظاهرة ومضمرة، ولها ثلاث حالات:

الأولى: أن تضمر جوازًا.

الثانية: أن تظهر وجوبًا.

الثالثة: أن تضمر وجوبًا.

فيجوز إظهارها وإضمارها في موضعين:

الأول: أن تقع بعد عاطف مسبوق باسم خالص من معنى الفعل والمراد به: الاسم الجامد المحض الذي ليس في تأويل الفعل، والغالب أن يكون مصدراً، والعاطف واحد من أربعة وهي:(الواو - الفاء - ثم - أو) .

مثال (الواو) قول المرأة:

(1)

ولُبْسُ عباءةٍ وتقرَّ عيني ......أحبُّ إلي من لبس الشفوف (4)

(1) الشك: إدراك الشيء مع احتمال ضد مساوٍ، والظن: إدراك الشيء مع احتمال ضد مرجوح. والرجاء والطمع بمعنى: الأمل.

(2)

سورة الشعراء، آية:82.

(3)

سورة النحل، آية:44.

(4)

الشفوف جمع: شف (بفتح الشين أو كسرها) وهو الثوب الذي يشف عما تحته لكونه رقيقًا والمعنى: أن هذه المرأة تتمنى حالتها الأولى وهي أن لبس عباءة من صوف غليظ أحب إليها من الثياب الرقيقة الناعمة. وهي امرأة من أهل البادية نقلت إلى الحاضرة.

إعرابه: (ولبس) مبتدأ (وتقر) الواو عاطفة. وتقر: فعل مضارع منصوب بـ (أن) مضمرة بعد الواو. (عيني) فاعل مرفوع بضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة. والياء مضاف إليه: (أحب) خبر المبتدأ (من لبس) جار ومجرور متعلق بـ (أحب)(الشفوف) مضاف إليه.

ص: 53

فـ (تقر) مضارع منصوب بـ (أن) مضمرة جوازًا بعد واو عاطفة على اسم خالص من معنى الفعل وهو (لُبْسُ) .

ومثال (الفاء) : إن دراستي النحو فاستفيدَ منه أحبُّ إلي من دراسة البلاغة.

ومثال (ثم) : إن جمعي المال ثم امسكَه دليلُ الحرمان.

ومثال (أو) : قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} (1) . بنصب (يرسل) بإضمار (أن)، و (أن) والفعل في تأويل مصدر معطوف على (وحيًا) أي: إلا وحياً أو إرسالاً. قرأ بذلك السبعة عدا نافعًا المدني فقد قرأ برفع (يرسل)(2)

وقول المصنف (مسبوق باسم خالص) احتراز من الاسم غير الخالص، وهو ما فيه معنى الفعل، كاسم الفاعل. نحو: المتكلم فيستفيد الطالب هو المحاضر، فـ (المتكلم) اسم فاعل. فيه معنى الفعل وهو واقع موقعه، لأنه صلة لـ (ال) ، والأصل في الصلة أن تكون جملة، فهو بمنزلة (يتكلم) فكأن التقدير: الذي يتكلم. فلما جاءت (ال) عُدِلَ إلى اسم الفاعل، لأن الفعل لا يصلح صلة لها، فيجب رفع الفعل (يستفيد) ؛ لأنه معطوف على اسم غير خالص من معنى الفعل.

الموضوع الثاني: أن تقع (أن) بعد لام الجر. ويقع المضارع بعدها مباشرة سواء كانت اللام للتعليل - وهي التي يكون ما بعدها علة لما قبلها - نحو: حضرت لأستفيد. فـ (أستفيد) فعل مضارع منصوب بـ (أن) مضمرة جوازًا بعد لام التعليل. قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ} (3) .

(1) سورة الشورى، آية:51.

(2)

إما على الاستئناف والقطع عما قلبه. أو أنه على إضمار مبتدأ أي: أو هو يرسل، أو أنه معطوف على (وحياً) على أنه حال لأن (وحيًا) في تقدير الحال، فكأنه قال: إلا موحيًا أو مرسلاً.

(3)

سورة النحل، آية:44.

ص: 54

أو كانت اللام لبيان العاقبة وتسمى (لام الصيرورة) - وهي التي يكون ما بعدها نتيجة مترتبة على ما قبلها - كقوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} (1) فاللام هنا ليست للتعليل؛ لأنهم لم يلتقطوه لذلك، وإنما التقطوه ليكون لهم قرة عين. فكانت عاقبته أن صار لهم عدوًا وحزنًا.

أو كانت اللام زائدة. وهي الواقعة بعد فعل متعد - وفائدتها التوكيد - كقوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} (2) فالفعل (يريد) متعدٍّ، ومفعوله هو المصدر المنسبك من (أن) المضمرة جوازًا بعد اللام ومن المضارع بعدها. وهذه اللام زائدة بين الفعل ومفعولة والتقدير: إنما يريد الله إذهاب الرجس عنكم.

قوله: (إلَاّ فيِ نَحْوِ: {لِئَلَّا يَعْلَمَ} (3) ، {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ} ، فَتَطْهَرُ لَا غَيْرُ) .

هذه الحالة الثانية لـ (أن) وهي إظهارها وجوبًا، وذلك في مسألة واحدة. وهي أن تقع بين (لام الجر) و (لا) ، سواء كانت (لا) نافية أم زائدة.

فمثال النافية: أحضر مبكرًا لئلا يفوتني الدرس. قال تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} (4) فـ (لئلا) اللام حرف تعليل وجر. و (أن) حرف مصدري ونصب. و (لا) نافية. والهمزة في (لئلا) هي همزة (أن) . وأما نونها فمدغمة في (لا) فلا تظهر لفظًا ولا خطًا.

و (يكون) فعل مضارع ناقص، يرفع الاسم وينصب الخبر، منصوب بـ (أن) و (للناس) خبر مقدم و (حجة) اسمه مؤخر.

(1) سورة القصص، آية:8.

(2)

سورة الأحزاب، آية:33.

(3)

سورة الحديد، آية:29.

(4)

سورة النساء، آية:165.

ص: 55

ومثال الزائدة المؤكدة قوله تعالى: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} . أي: ليعلم أهل الكتاب. فـ (لا) حرف زائد إعراباً، مؤكد معنى، إذ لو كانت نافية لفسد المعنى.

قوله: (وَنَحْو: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ} (1) فَتُضْمَرُ لا غَيْرُ) .

شرع المصنف رحمه الله في الكلام على الحالة الثالثة، وهي إضمار (أن) وجوبًا.

فتعمل (أن) مضمرة وجوبا في مواضع:

1-

بعد (لا الجحود) والجحود: هو النفي. وهي اللام المسبوقة بكونٍ ماض منفي. نحو: ما كان الصديق ليخونَ صديقه، لم يكن الغِنَى ليُطغيَ كرام النفوس. (اللام) في (ليخون) و (ليطغى) لام الجحود. وتفيد توكيد النفي، لأن الأصل: ما كان يفعل. ثم أدخلت اللام لتقوية النفي، وسميت لام الجحود، لملازمتها الجحد وهو النفي. وهذا اصطلاح، وإلا فالجحد هو الإنكار. ومنه قوله تعالى:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} وقوله تعالى: {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} (2) فـ (ليعذبهم) اللام: لام الجحود، ويعذب: فعل مضارع منصوب بـ (أن) المضمرة وجوبا بعد لام الجحود، والهاء مفعول به. والميم علامة الجمع. والجملة صلة الموصول الحرفي (أن)(3) ، والمصدر المؤول مجرور باللام. والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر (كان) والتقدير - والله أعلم - وما كان الله مريدًا لتعذيبهم.

قوله: (كَإضْمَارهَا بَعْدَ (حَتَّى) إذا كَانَ مُسْتَقْبَلاً نَحْو: {يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} (4)) .

(1) سورة الأنفال، آية:33.

(2)

سورة النساء، آية:137.

(3)

الحروف المصدرية، ومنها (أن) تسمى: الموصولات الحرفية ولا بدَّ لها من صلة بعدها. ويُسبك الموصول الحرفي مع صلته سبكاً ينشأ عنه المصدر المؤول.

(4)

سورة طه، آية:91.

ص: 56

هذا هو الموضع الثاني لإضمار (أن) وجوبًا، وهو أن تقع بعد (حتى)(1) وشرط نصب المضارع بـ (أنْ) بعدها، أن يكون الفعل مستقبلاً، نحو: لا يُمدح الولد حتى يَنالَ رضا والديه، فـ (ينال) فعل مضارع منصوب بـ (أن) مضمرة وجوبًا بعد (حتى) ، وهو فعل مستقبل، ومنه قوله تعالى:{لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} فـ (حتى) حرف غاية وجر، والمصدر المؤول من (أنْ) المضمرة وما بعدها في محل جر بـ (حتى) ، والتقدير، - والله أعلم - حتى رجوعِ موسى.

فإن كان الفعل بعدها غير مستقبل بأن كان زمن الفعل هو زمن النطق لم ينصب المضارع، بل يرفع، وتكون (حتى) ابتدائية. وما بعدها مستأنف (2)، نحو: يجري الماء بين الزروع حتى تشربُ، فالفعل (تشربُ) مرفوع وجوبًا، لأن معناه (وهو الشرب) حاصلٌ ابتداءً في وقت التكلم. فزمن الشرب والنطق واحد.

قوله: (وَبَعْدَ أَوِ التَّي بِمَعْنَى (إلَى) نَحْوُ: لأَسْتَسْهِلَنَّ الصَّعْبَ أَوْ دْرِكَ الْمُنَى. أو الَّتي بِمَعْنَى (إلَاّ) نَحْوُ: وكُنْتُ إذَا غَمَزْتُ قَنَاةَ قَوْمٍ كَسَرْتُ كُعُوبَهَا أوْ تَسْتَقِيمَا) .

(1) حتى في اللغة العربية أربعة أنواع:

أ-حرف عطف. تفيد تشريك ما بعدها مع ما قبلها في الحكم. نحو: وصل الحجاج مزدلفة حتى المشاة.

ب-حرف جر، يجر الاسم الصريح، وهو يدل على الانتهاء بمنزلة (إلى) نحو: انتظرتك حتى غروب الشمس.

ج- حرف ابتداء. وتدخل على الجملة. وتكون مستأنفة لا محل لها. كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه) متفق عليه، فـ (حتى) ابتدائية و (الشوكة) مبتدأ (يشاكها) خبر [على أحد الأوجه] .

2-

د- حرف جر يجر المصدر المؤول من (أن) المضمرة وجوبًا وما دخلت عليه. وهي المذكورة هنا.

(2)

سأذكر تعريف الاستئناف قريباً إن شاء الله.

ص: 57

3-

الموضع الثالث الذي تضمر فيه (أن) وجوبًا: (أو) العاطفة. التي بمعنى (إلى) الغائية، أو بمعنى (إلا) . الاستثنائية. فتكون (أو) بمعنى (إلى) إذا كان المعنى قبلها ينقضي شيئاً فشيئًا. نحو: تحبَّبْ إلى إخوانك أو تنالَ رضاهم. فالفعل (تنال) منصوب بـ (أن) مضمرة وجوبا بعد (أو) وهي بمعنى (إلى) إذ يصح أن يقال: تحبَّبْ إلى إخوانك إلى أن تنال رضاهم. والتحبب إلى الإخوان يتطلب وقتًا ولا يتم دفعة واحدة، ومنه قول الشاعر:

لأستسهلن الصعب أو أُدرك المنى ......فما انقادت الآمال إلا لصابر (1)

فالفعل (أُدرك) منصوب بـ (أن) مضمرة وجوباً بعد (أو) وهي بمعنى (إلى) لأن إدراك المنى يحصل شيئًا بعد شيء.

وتكون (أو) بمعنى (إلا) إذا لم يصح وقوع (إلى) موقعها، نحو: يعاقب المسيء أو يعتذر. فالفعل (يعتذر) منصوب بـ (أن) مضمرة وجوبًا بعد (أو) وهي بمعنى (إلا)، إذ يصح أن يقال: يعاقب المسيء إلا أن يعتذر. ولا يصح وقوع (إلى) موقعها لفساد المعنى، لأن الاعتذار لا يكون غاية للعقاب، ومنه قول الشاعر:

(1) المعنى: يقول إنه يستحمل الشدائد حتى يبلغ ما يتمناه ويرجوه. فإن ما يرجى من المطالب لا يناله إلا الصابرون.

إعرابه: (لأستسهلن) اللام واقعة في جواب قسم مقدر. واستسهل: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد. ونون التوكيد حرف لا محل له من الإعراب والفاعل ضمير مستتر وجوبًا تقديره (أنا)(الصعب) مفعول به (أو) حرف عطف بمعنى إلى، (أدرك) فعل مضارع منصوب بأن المضمرة بعد أو، والفاعل ضمير مستتر وجوبًا تقديره أنا، (المنى) مفعول به للفعل (أدرك)(فما) الفاء للتعليل و (ما) نافية (الآمال) فاعل. (إلا) أداة استثناء ملغاة (لصابر) جار ومجرور متعلق بـ (انقاد) .

ص: 58

(1)

وكنتُ إذا غَمَزْتُ قناةَ قومٍ

كسرتُ كُعُوبَها أوتستقيما (1)

فالفعل: (تستقيم) منصوب بـ (أن) مضمرة وجوبًا بعد (أو) وهي بمعنى (إلا) أي: إلا أن تستقيم فلا أكسر كعوبها. ولا يصح أن تكون بمعنى (إلى) لأن الاستقامة لا تكون غاية للكسر.

قوله: (وَبَعْدَ فَاءِ السَّبَبيَّةِ أوْ وَاو الْمَعِيَّةِ مَسْبُوقَتَين بِنَفْي مَحْض أَوْ طَلَب بِالْفِعْلِ نَحْو: {لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} ، {وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} ، {وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ} ، ولَا تَأكُلِ السَّمَكَ وتَشْرَبَ اللبَنَ) .

4-

ذكر هنا الموضع الرابع والخامس مما تضمر فيه (أن) وجوبًا. فالرابع أن تقع (أن) المصدرية بعد (فاء) السببية. إذا كانت مسبوقة بنفي محض أو طلب بالفعل. فهما شرطان:

الأول: أن تكون الفاء للسببية. وهي التي يكون ما قبلها سببًا في حصول ما بعدها.

(1) إذا غمزت: هززت. قناة: رمح، كعوبها: جمع كعب. والمراد هنا طرف الرمح. ومعناه: أنه إذا شرع في إصلاح قوم مفسدين لا يرجع عن ذلك إلا إذا استقاموا وصلحوا وإلا كسرهم وآذاهم. كما أنه إذا أراد إصلاح رمح معوج لا يتركه إلا إذا استقام واعتدل وإلا كسره.

إعرابه: وكنت: كان فعل ماض ناقص والتاء اسمها. (إذا) ظرف مضمن معنى الشرط (غمزت) فعل وفاعل في محل جر بإضافة (إذا) إليها. وهو فعل الشرط. (قناة قوم) مفعول به. ومضاف إليه (كسرت) فعل وفاعل. والجملة لا محل لها جواب (إذا)(كعوبها) مفعول به ومضاف إليه. (أو تستقيما) أو: بمعنى (إلا) وتستقيم: فعل مضارع منصوب بـ (أن) مضمرة وجوباً. والألف للإطلاق والفاعل ضمير مستتر تقديره (هي) . و (أن) ما دخلت عليه من تأويل مصدر معطوف بـ (أو) على مصدر متصيد من الفعل السابق أي: حصل مني كسر لكعوبها أو استقامة منها. (إذا) وشرطها وجوابها في محل نصب خبر (كان) .

ص: 59

الثاني: أن تكون مسبوقةً بنفي محض، أي: خالص من معنى الإثبات، لم ينتقض نفيه بـ (إلا) ولا بنفي آخر يزيل أثره ويجعل الكلام مثبتًا، أو مسبوقةً بطلب بالفعل. أي: بصيغة الفعل، أو ما ألحق به. كما سأذكر إن شاء الله (1) .

فمثال النفي: لم يُسألْ فيجيبَ. فالفعل (يجيب) منصوب بـ (أن) مضمرة وجوبًا بعد فاء السببية. لأن السؤال سبب في الإجابة. وقد تقدم عليها نفي لم ينتقض. ومنه قوله تعالى: {لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} (2) فـ (يموتوا) مضارع منصوب بأن مضمرة وجوباً وعلامة نصبه حذف النون.

وأما الطلب فهو نوعان:

1-

طلب محض: وهو ما كانت دلالته على الطلب بلفظه وصيغته، وهو الأمر نحو: احترم الصديق فتدومَ لك صداقته، والنهي نحو: لا تغشَّ في البيع فتكسدَ تجارتك. ومنه قوله تعالى: {وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} (3) فـ (يحلَّ) مضارع منصوب بـ (أن) مضمرة وجوبًا، والدعاء نحو: ربِّ وفقني فلا أنحرفَ.

2-

طلب غير محض: وهو ما كانت دلالته على الطلب تابعة لمعنى آخر يتضمنه وهو التخضيض نحو: هلا تزورنا فتحدثَنا، ومنه قوله تعالى:{لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ} (4) فـ (أصدق) مضارع منصوب بأن مضمرة وجوباً.

والتمني نحو: ليت لي مالاً فأتصدَّقَ منه، ومنه قوله تعالى:{يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا} (5) فـ (أفوز) مضارع منصوب بأن مضمرة وجوباً في جواب التمني.

والعرض نحو: ألا تزورنا فتحدثَنا.

(1) انظر: حاشية الصبان (3/301) النحو الوافي (4/365) .

(2)

سورة فاطر، آية:36.

(3)

سورة طه، آية:81.

(4)

سورة المنافقون، آية:10.

(5)

سورة النساء، آية:73.

ص: 60

والاستفهام نحو: هل تزورنا فتحدثَنا، ومنه قوله تعالى:{فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا} (1) ، فـ (يشفعوا) مضارع منصوب بـ (أن) مضمرة وجوباً في جواب الاستفهام، وعلامة نصبه حذف النون.

والترجي نحو: لعلك تتقي الله فتفوزَ برضاه، ومنه قوله تعالى:{لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ} (2) بنصب (فأطلع) على قراءة حفص عن عاصم. وهو منصوب لأنه وقع بعد فاء السببية في جواب الترجي، وقرأ بقية السبعة بالرفع على (أبلغُ) .

وقوله: (وَبَعْدَ فَاء السَّبَبِيَّةِ) احتراز من العاطفة على صريح الفعل ومن الاستئنافية، فأما العاطفة فكقوله تعالى:{وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} (3) فالفعل (يعتذرون) معطوف على (لا يؤذن) فهو مرفوع مثله. لِيدلَّ على نفي الإِذنِ والاعتذارِ أي: لا إذن ولا اعتذار. وأما الاستئنافية فنحو: ألم تسألْ عليًا فيخبرُك. برفع (يخبرك) على الاستئناف.

وقوله: (بِنَفْي مَحْضٍ) احترز من النفي غير المحض، وهو ما انتقض بـ (إلا)، نحو: ما تأتينا إلا فتحدثُنا. برفع المضارع بعد الفاء.

وقوله: (أَوْ طَلَبٍ بِالْفِعْلِ) احتراز من الطلب بالاسم نحو: صه فنحدثُك، فإنه (صه) يفيد الطلب، وهو طلب السكوت، لكنه طلب باسم وليس بفعل، لأن (صه) اسم فعل أمر. فَيُرفع المضارع بعد الفاء. (4)

5-

الموضوع الخامس: أن تقع (أن) بعد (واو) المعية إذا كانت مسبوقة بنفي محض أو طلب بالفعل. فهما شرطان: -

(1) سورة الأعراف، آية:53.

(2)

سورة غافر، آية: 36، 37.

(3)

سورة المرسلات، آية:36.

(4)

هناك قول آخر وهو للكسائي ومن وافقه وهو اعتبار الفاء للسببية ونصب المضارع بعدها وهو رأي وجيه [النحو الوافي 4/366][شرح الشذوذ ص (305) ] .

ص: 61

الأول: أن تكون الواو للمعية. وهي التي تفيد مصاحبة ما قبلها لما بعدها بمعنى أنهما يحصلان معاً في زمن واحد يجمعهما.

الثاني: أن تكون مسبوقة بنفي محض أو طلب بالفعل.

فمثال النفي: لن يأمر الناصح بالأمانة ويخونَ. فالفعل (يخون) منصوب بـ (أن) مضمرة وجوبًا بعد واو المعية. لأن المنفي هو مصاحبة الخيانة للنصح بالأمانة. وقد تقدم على (الواو) نفي محض لم ينتقض، ومنه قوله تعالى:{وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} (1) فـ (يعلم) مضارع منصوب بـ (أن) مضمرة وجوبًا بعد (واو) المعية. وقد سُبِقَتْ بالنفي (ولما يعلم)(2) .

وأما الطلب فمنه:

الأمر نحو: أيها الصديق اغفر هفوتي واغفرَ هفوتك لتدوم صداقتنا.

والنهي نحو: لا تأمر بالصدق وتكذبَ.

والاستفهام: نحو: هل حفظت الأحاديث وأسمعَها منك؟

والعرض نحو: ألا تزورنا ونكرمَك.

والتحضيض نحو: هلا أديت واجبك ويشكرَك أبوك.

والتمني نحو: ليت لي مالاً وأحجَّ منه. ومنه قوله تعالى: {يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآَيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (3) فقد قرأ حفص وحمزة (ولا نكذبَ) بالنصب جوابًا للتمني بعد واو المعية، وقرأ ابن عامر وحمزة وحفص (ونكون) بالنصب - أيضًا - ورفعهما الباقون عطفًا على (نُرَدُّ)(4) .

والترجي نحو: لعل الله يشفيني وأزورَك.

قوله: (وَلَا تَأكُلِ السَّمَكَ وتَشْرَبَ اللبَنَ) يجوز في الفعل (تشرب) ثلاثة أوجه: -

الأول: النصب على أن الواو للمعية في جواب النهي. ويكون القصد النهي عن الجمع بينهما.

(1) سورة آل عمران، آية:142.

(2)

لما: أداة جزم (يعلم) مضارع مجزوم بالسكون وحرك بالكسر لالتقاء الساكنين.

(3)

سورة الأنعام، آية:27.

(4)

انظر: الكشف لمكي (1/427) .

ص: 62

الثاني: الجزم عطفا على (تأكل) ويكون القصد النهي عن كل واحد منهما. أي لا تأكل السمك ولا تشرب اللبن.

الثالث: الرفع على أن الواو للحال أو للاستئناف (1) . ويكون القصد النهي عن الأول وإباحة الثاني أي: لا تأكل السمك حال شرب اللبن. أو لك شرب اللبن.

3-

جزم الفعل المضارع

قوله: (فَإنْ سَقَطَتِ الْفَاءُ بَعْدَ الطّلَبِ وقُصِدَ الجزاء جزم نحو قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ} وشرط الجزم بعد النهي صحة حلول: (إن لا) محله، نحو لا تدنُ من الأسد تسلم. بخلاف يأكلك) .

لما فرغ المصنف رحمه الله من الكلام على نصب المضارع. شرع في الكلام على جزمه.

والجازم نوعان:

1-

جازم لفعل واحد.............2- جازم لفعلين.

فالجازم لفعل واحد خمسة:

1-

الطلب. وذلك بأن يتقدم على المضارع أمر أو نهي أو استفهام أو غيرها من أنواع الطلب المتقدمة، ويتجرد المضارع من (الفاء) ويُقْصَدُ به الجزاء، بمعنى: أن هذا المضارع متسبب وناتج عن ذلك الطلب. فالشروط أربعة:

الأول: أن يتقدم لفظ دال على الطلب.

(1) الاستئناف النحوي: عدم عطف ما بعد الحرف على ما قبله إن وُجِدَ حرف العطف، وإلا فهو قطع إحدى الجملتين من الأخرى، فالأول كقوله تعالى:{لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ} والثاني كقوله تعالى: {وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} . أما الاستئناف البياني فهو: ما وقع جواباً لسؤال مقدر معنى كقول أبي تمام.

السيف أصدق أنباءً من الكتب

في حده الحدُّ بين الجدّ واللعب

فالشطر الثاني جواب لسؤال ناشئ عن الجملة الأولى، وتقديره: لماذا كان السيف أصدق من الكتب؟ وهذا من مباحث البلاغيين في علم المعاني.

والجملة الاستئنافية غير الابتدائية. فالابتدائية الواقعة في أول الكلام، والاستئنافية الواقعة في أثناء الكلام، ولكنها منقطعة عما قبلها، وقيل هما بمعنى واحد.

ص: 63

الثاني: أن يقع بعده مضارع مجرد من الفاء.

الثالث: أن يقصد الجزاء.

الرابع: إن كان الطلب بغير النهي كالأمر فشرطه: صحة المعنى بوضع (إن) الشرطية وفعل مفهوم من السياق موضع الطلب، وإن كان الطلب بالنهي فشرطه: أن يستقيم المعنى بحذف (لا) الناهية ووضع (إن) الشرطية وبعدها (لا) النافية محل (لا) الناهية.

مثال ذلك: عامل الناس بالحسنى يألفوك، فالفعل (يألفوك) مجزوم وعلامة جزمه حذف النون، لأنه من الأمثلة الخمسة، وقد تقدم عليه طلب، وهو الأمر (عامل) ، والجازم له هو وقوعه في جواب الطلب (1) .

ومنه قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ} (2) فـ (أتل) مضارع مجزوم بحذف حرف العلة وهو الواو. لوقوعه في جواب الطلب (تعالوا) وقد قُصِدَ الجزاء، إذ المعنى: تعالوا فإن تأتوا أتل عليكم. فالتلاوة مسبَّبة وناتجة عن مجيئهم.

ومثال النهي: لا تعجل في أمورك تسلمْ. فالفعل (تسلم) مجزوم لوقوعه في جواب الطلب وهو النهي. ويصح أن تضع (إن) قبل (لا) فتقول: إلا تعجل في أمورك تسلم. أي: إن لا تعجل

فإن لم يتقدم طلب بل تقدم نفي أو خبر مثبت لم يصحَّ جزم المضارع، بل يجب رفعه نحو: ما تأتينا تحدثُنا، ونحو: أنت تأتينا تحدثُنا. برفع (تحدثنا) في المثالين.

وإن لم يقصد الجزاء وجب الرفع - أيضاً - نحو: ائتني برجل يحبُّ الله ورسوله. فلا يجوز جزم المضارع (يحبُّ) لعدم قصد الجزاء، لأن المحبة ليست ناتجة عن الإتيان به. وإنما المراد هذه صفته.

وكذا إذا لم يستقيم المعنى عند إحلال (إن) الشرطية و (لا) النافية معاً محل (لا) الناهية. نحو: لا تدن من الأسد يأكلُك، برفع:(يأكلك) ولا يجوز جزمه إذ لا يصح: إن لا تدن من الأسد يأكلك.

(1) هذا أيسر الآراء في العامل الذي جزم المضارع الذي تجرد من الفاء. وللنحاة كلام طويل في ذلك محله الكتب المطولة كشرح الأشموني بحاشية الصبان (3/309) .

(2)

سورة الأنعام، آية:151.

ص: 64

وكذا إذا لم يستقم المعنى بوضع (إن) وفعل مفهوم من السياق موضع الطلب نحو: أين منزلك أقفُ في السوق. برفع (أقفُ) ، ولا يجوز جزمه إذ لا يصح أن يقال - مثلاً - إن تعرفني بيتك أقفْ في السوق. لعدم استقامة المعنى.

قوله: (وَيُجْزَمُ أَيْضًا بِـ (لَمْ) نَحْوَ: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} (1)، وَ (لَمَّا) نَحْوُ:{لَمَّا يَقْضِ} (2) وَباللَاّم وَلَا الطَّلَبيَّتَيْن نَحْوُ: {لِيُنْفِقْ} (3) ، {لِيَقْضِ} (4) ، {لَا تُشْرِكْ} (5) ، {لَا تُؤَاخِذْنَا} (6))

ذكر المصنف بقية ما يجزم فعلاً واحداً وهي الأربعة الباقية. وهي: -

2-

لم: وهي حرف نفي مختص بجزم المضارع، يقلب زمنه من الحال والاستقبال إلى الزمن

الماضي، (7) نحو: لم يحضر الضيف، ومنه قوله:{لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} (8) . وقد تدخل عليه

(1) سورة الإخلاص، آية:3.

(2)

سورة عبس، آية:23.

(3)

سورة الطلاق، آية:7.

(4)

سورة الزخرف، آية:77.

(5)

سورة لقمان، آية:13.

(6)

سورة البقرة، آية:286.

(7)

إذا دخلت على (لم) أداة الشرط فإن المضارع يتجرد للزمان المستقبل. ويبطل تأثير (لم) في قلب زمانه إلى الماضي كقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} لكن ما الذي جزم المضارع أهو (إن) أم (لم) ؟ قيل: إنه (لم) لأنه عامل شديد الاتصال بمعموله ولم يقع إلا مع الفعل المستقبل في اللفظ. و (إن) قد دخلت على الماضي في اللفظ وقد وليها الاسم نحو: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} وقيل: (إن) لسبقها ولقوتها لأنها تؤثر في زمن الفعل ولفظه. والأول وجيه. مع أن هذا الخلاف لا قيمة له لأن المضارع مجزوم على أي حال.

(8)

يجوز أن يكون المنفي بلم قد انقطع فتقول: لم يقم خالد وقد قام، ويجوز أن يكون متصلاً بزمن الإِخبار ومن أمثلته هذه الآية.

ص: 65

همزة الاستفهام التقريري (1) فلا تغير عمله. كقوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} (2) ، فالهمزة للاستفهام، و (لم) حرف نفي وجزم وقلب و (نشرح) فعل مضارع مجزوم.

3-

لما الجازمة. وهي مثل (لم) فيما تقدم، كقوله تعالى:{كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ} (3) . فـ (يقض) مضارع مجزوم بـ (لما) وعلامة جزمه حذف حرف العلة. وهو الياء. والكسرة قبله دليل عليه.

4-

لام الطلب. فإن كان من أعلى إلى أدنى فهو أمر، كقوله تعالى:{لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} (4) ، وإن كان من أدنى إلى أعلى فهو دعاء، نحو:{لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} (5) ، وإن كان من المساوي لمساويه فهو التماس، كقولك لزميلك: لِتَركبْ معي.

5-

لا الطلبية. فإن كان من أعلى إلى أدنى فهو نهي، كقوله تعالى:{لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ} (6) ، وإن كان من أدنى إلى أعلى فهو دعاء، نحو:{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (7) وإن كان من المساوي لمساويه فهو التماس، كقول لزميلك: لا تتأخر في الحضور.

أدوات الشرط

قوله: (وَيَجْزِمُ فِعْلَيْنِ إِنْ وَإذْ مَا وَأَيُّ وأَيْنَ وأَنَّى وأَيَّانَ ومَتَى وَمَهْمَا وَمَنْ وَمَا وَحَيْثُما، نَحْوُ: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ} (8) ، {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} (9) ، {مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا} (10) ، ويُسَمَّى الأَوَّلُ شَرْطًا وَالثَّانيِ جَوَابًا وَجَزَاءً) .

(1) الاستفهام التقريري هو حمل المخاطب على الإقرار بما يعرفه.

(2)

سورة الشرح، آية:1.

(3)

سورة عبس، آية:23.

(4)

سورة الطلاق، آية:7.

(5)

سورة الزخرف، آية:77.

(6)

سورة لقمان، آية:13.

(7)

سورة البقرة، آية:286.

(8)

سورة النساء، آية:133.

(9)

سورة النساء، آية:123.

(10)

سورة البقرة، آية:106.

ص: 66

هذا القسم الثاني من جوازم المضارع وهو ما يجزم فعلين. وقد ذكر المصنف إحدى عشرة أداة. منها ما هو اسم له محل من الإعراب ومنها ما هو حرف لا محل له من الإعراب. وسأبين ذلك إن شاء الله فأقول: -

1-

إِنْ: وهي حرف شرط جازم لا محل له. وهي تفيد تعليق وقوع الجواب على وقوع الشرط، من غير دلالة على زمان أو مكان أو عاقل أو غير عاقل. نحو: إن تصحب الأشرار تندم. ومنه قوله تعالى: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ} فـ (إن) حرف شرط جازم و (يشأ) فعل الشرط مجزوم بالسكون، والفاعل ضمير مستتر. (يذهبكم) جواب الشرط مجزوم. والفاعل ضمير مستتر. والكاف مفعول به، والميم علامة الجمع.

2-

إذ ما: وهي حرف شرط جازم - على الأرجح (1) - فلا محل له من الإعراب. وهي لمجرد تعليق الجواب على الشرط، مثل (إن) واتصالها بـ (ما) الزائدة شرط في جزمها، نحو: إذا ما تفعل شرًا تندم. فـ (إذ ما) حرف شرط جازم (تفعل) فعل مضارع مجزوم بالسكون لأنه فعل الشرط، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره: أنت (تندم) فعل مضارع مجزوم بالسكون لأنه جواب الشرط، والفاعل ضمير مستتر كالذي قبله.

3-

أيُّ: بالتشديد. اسم شرط جازم. وهي بحسب ما تضاف إليه. فتكون للعاقل نحو: أيُّهم يَقُمْ أقمْ معه. فـ (أيُّ) اسم شرط جازم مبتدأ مرفوع، ولغير العاقل نحو: أيَّ الكتب تقرأ أقرأ. فـ (أيَّ) اسم شرط جازم مفعول مقدم منصوب، وتكون للزمان نحو: أيَّ يوم تسافر أسافرْ، وللمكان نحو: أيَّ بلد تسكنْ أسكنْ. فـ (أيَّ) اسم شرط جازم منصوب على الظرفية الزمانية في الأول ولمكانية في الثاني. وإن أضيفت إلى مصدر فهي مفعول مطلق نحو: أيَّ نفعٍ تنفعِ الناس يشكروك عليه.

(1) تقدم أن المصنف رحمه الله رجح أن (إذ ما) اسم شرط. وهنا رجحتُ أنها حرف شرط اختيارًا لما مشى عليه في أوضح المسالك. لأن شبهها بـ (إن) أقوى من شبهها بـ (متى) وهو قول سيبويه كما في التصريح (2/247) .

ص: 67

ومن أمثلتها قوله تعالى: {أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (1) فـ (أيًا)(2) اسم شرط جازم منصوب بـ (تدعوا) على المفعولية (ما) حرف زائد إعرابًا مؤكد معنى. و (تدعوا) فعل الشرط مجزوم بحذف النون لأنه من الأمثلة الخمسة، والواو فاعل، وجملة (فله الأسماء الحسنى) جواب الشرط في محل جزم.

4-

أين: اسم شرط جازم. ويحسن اتصالها بـ (ما) ليتمكن الشرط. وهي موضوعة للدلالة على المكان، ثم ضمنت معنى الشرط. فتكون في محل نصب على الظرفية المكانية. نحو: أينما تذهبْ أصحبْكَ. ومنه قوله تعالى: {أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ} (3) فـ (أين) اسم شرط جازم، مبني على الفتح في محل نصب على الظرفية المكانية، متعلق بالفعل بعده، و (ما) حرف زائد إعراباً مؤكد معنى، و (يوجهه) فعل الشرط، و (لا يأت) جواب الشرط مجزوم بحذف حرف العلة - وهو الياء - وقوله تعالى:{أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ} (4) فـ (أينما) كما تقدم. وهو متعلق بالفعل بعده و (تكونوا) فعل الشرط. والواو فاعل لـ (كان) التامة. لأنها بمعنى (توجدوا) ، وجواب الشرط (يدرككم) .

5-

أنى: اسم شرط جازم، وهي موضوعة للدلالة على المكان، ثم ضمنت معنى الشرط، فهي في محل نصب على الظرفية المكانية، مثل (أين) نحو: أنى ينزلْ ذو العلم يكرمْ. فـ (أنى) اسم شرط جازم مبني على السكون في محل نصب على الظرفية المكانية (ينزل) فعل مضارع مجزوم لأنه فعل الشرط، (يكرم) فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الشرط.

(1) سورة الإسراء، آية 110.

(2)

والتنوين في (أيا) عوض عن المضاف إليه أي: أيَّ اسم تدعوا فله الأسماء الحسنى. وزيدت (ما) على أحد القولين لتأكيد ما في (أي) من الإبهام.

(3)

سورة النحل، آية:76.

(4)

سورة النساء، آية:78.

ص: 68

6-

أيان: اسم شرط جازم، وهي موضوعة للدلالة على مطلق الزمان ثم ضمنت معنى الشرط، فهي في محل نصب على الظرفية الزمانية نحو: أيان يكثرْ فراغ الشباب يكثرْ فسادهم. فـ (أيان) اسم شرط جازم مبني على الفتح في محل نصب على الظرفية الزمانية (يكثر) فعل الشرط (يكثر فسادهم) جواب الشرط مجزوم و (فسادهم) فاعل. والهاء مضاف إليه، والميم علامة الجمع.

7-

متى: اسم شرط جازم. مثل (أيان) . نحو: متى يأتِ فصل الصيف ينضجِ العنب.

8-

مهما: اسم شرط جازم على الأرجح، وهي لغير العاقل، ثم ضمنت معنى الشرط، وهي في الإعراب مثل (مَنْ) الآتية، نحو: مهما تنفقْ في الخير يُخْلفْهُ الله. فـ (مهما) اسم شرط جازم في محل نصب مفعول مقدم. ومنه قوله تعالى عن قوم موسى عليه الصلاة والسلام: {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} (1) فـ (مهما) اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ (وتأتنا) فعل الشرط وهو مع فاعله خبر (مهما){فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} الجملة في محل جزم جواب الشرط.

(1) سورة الأعراف، آية:132.

ص: 69

9-

من: اسم شرط جازم وهي للعاقل، وتكون في محل رفع مبتدأ إن كان فعل الشرط لازمًا نحو: من يكثرْ كلامه يكثرْ ملامه. أو ناسخاً نحو: من يكنْ عجولاً يكثرْ خطؤه. أو متعديًا واقعًا على أجنبي منها (1) نحو: من يحترم الناس يحترموه. ومنه قوله تعالى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} (2) . فـ (من) اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، (يعمل) مضارع مجزوم وهو فعل الشرط وفاعله ضمير مستتر، والجملة خبر المبتدأ (مَنْ)(سوءاً) مفعول به، (يجز) جواب الشرط مجزوم بحذف حرف العلة وهو الألف.

وتكون في محل نصب مفعول به إذا كان فعل الشرط متعدياً واقعاً على معناها، نحو: من تساعدْ أساعدْه. فـ (من) مفعول مقدم.

وإن سبقت بحرف جر أو بمضاف فهي في محل جر نحو: عمَّن تتعلم أتعلم، كتابَ من تقرأ أقرأ.

10-

ما: اسم شرط جازم. وهي لغير العاقل. وإعرابها كإعراب (من) نحو: ما تقرأ يفدْك. ومنه قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} (3) فـ (ما) اسم شرط جازم مبني على السكون في محل نصب مفعول مقدم لـ (ننسخ) و (ننسخ) فعل الشرط (نأت) جواب الشرط مجزوم بحذف حرف العلة وهو الياء.

(1) أي ليس فيه ضمير يعود عليها مثل كملة (الناس) في المثال المذكور. بخلاف الواقع على معناها فالمراد به الأداة نفسها كما في المثال المذكور بعد.

(2)

سورة النساء، آية:123.

(3)

سورة البقرة، آية:106.

ص: 70

11-

حيثما: اسم شرط جازم، واتصالها بـ (ما) الزائدة شرط في جزمها. وهي في محل نصب على الظرفية المكانية نحو: حيثما تجدْ صديقًا وفيًا تجدْ كنزًا ثمينًا. قال تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} (1) فـ (حيثما) اسم شرط جازم مبني على الضم في محل نصب خبر (كان)(2) و (ما) زائدة إعراباً مؤكدة معنى (كنتم) كان: فعل ماض ناقص مبني على السكون في محل جزم فعل الشرط، والتاء: اسمها، والميم: علامة الجمع. (فولوا) الجملة في محل جزم جواب الشرط.

قوله: (ويسمى الأول شرطاً) أي ويسمى الأول من الفعلين المجزومين بأحد هذه الأدوات شرطاً، لتعليق الحكم عليه. وكونه شرطًا لتحقق الثاني.

قوله: (والثاني جواباً وجزاء) أي ويسمى الفعل الثاني جواب الشرط، لأنه مترتب على الشرط كما يترتب الجواب على السؤال (وجزاء) لأن مضمونه جزاءٌ لمضمون الشرط.

قوله: (وَإِذَا لَمْ يَصْلُحْ لِمُبَاشَرَةِ الأَدَاةِ قُرِنَ بالفَاءِ نَحْوُ {وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (3) أَوْ بإِذَا الفُجَائِيَّةِ نَحْوُ {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} (4)) .

لما ذكر المصنف أدوات الشرط الجازمة، ذكر القاعدة العامة في وجوب اقتران جواب الشرط بالفاء. فقال:(وإذا لم يصلح لمباشرة الأداة قرن بالفاء) أي إذا لم يصلح جواب الشرط (لمباشرة الأداة) أي: بأن يكون في محل فعل الشرط (قرن بالفاء) أي وجوبًا. ليحصل الربط بين الشرط والجزاء، إذ بدونها لا يكون ربط.

(1) سورة البقرة، آية:144.

(2)

على أنها ناقصة. فإن كانت تامة بمعنى: (وجدتم) فاسم الشرط مبني على الضم في محل نصب متعلق بـ (ولوا) أو (كنتم) .

(3)

سورة الأنعام، آية:17.

(4)

سورة الروم، آية:36.

ص: 71

مثال ذلك: من سعى في الخير فسعيه مشكور، فجواب الشرط (سعيه مشكور) لا يصلح أن يكون في محل الشرط. لأنه جملة اسمية، وأداة الشرط لا تدخل على الجمل الأسمية، فأُتي بالفاء للربط بين جملة الجواب وجملة الشرط (1) .

وأشهر الأنواع التي يجب اقترانها بالفاء ما يأتي: -

1-

الجملة الاسمية. كما تقدم، ومنه قوله تعالى:{وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (2)

2-

الجملة الفعلية التي فعلها طلبي نحو: إن حياك أحد بتحية فحيه بأحسن منها. ومنه قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (3) .

3-

الجملة الفعلية التي فعلها جامد (4) نحو: من يطلق لسانه فليس بسالم. ومنه قوله تعالى: {وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (39) فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ} (5) .

4-

الجملة الفعلية التي فعلها مسبوق بـ (لن) نحو: إن صحبت الأشرار فلن تسلم، ومنه قوله تعالى:{وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ} (6) .

5-

الجملة الفعلية التي فعلها مسبوق بـ (قد)، نحو: من مدحك بما ليس فيك فقد ذمك، ومنه قوله تعالى:{إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} (7)

(1) وهذه الفاء زائدة ليست للعطف ولا لغيره. ولا تفيد معنى إلا عقد الصلة والربط المعنوي بين جملة الجواب وجملة الشرط.

(2)

سورة الأنعام، آية:17.

(3)

سورة آل عمران، آية:31.

(4)

الفعل الجامد: هو الذي لا يتصرف فلا يأتي منه مضارع ولا أمر ولا مصدر ولا أي اشتقاق آخر بل يلزم حالة واحدة. مثل: ليس، نعم، بئس، عسى.

(5)

سورة الكهف، آية:39.

(6)

سورة آل عمران، آية:115.

(7)

سورة يوسف، آية:77.

ص: 72