المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب في ذكر منصوبات الأسماء - تعجيل الندى بشرح قطر الندى

[عبد الله بن صالح الفوزان]

الفصل: ‌باب في ذكر منصوبات الأسماء

لأن من شرط التنازع صحة توجه كل واحد من العاملين إلى ذلك المعمول من غير فساد في اللفظ ولا في المعنى، وفي هذا البيت تقدم عاملان وهما:(كفاني) و (لم أطلب) وتأخر معمول واحد وهو (قليل من المال) ولو توجه إليه العاملان لفسد المعنى المراد. إذ يصير التقدير: (كفاني قليل من المال ولم أطلب قليلاً من المال) وهذا كلام غير مستقيم، فيتعين أن يكون مفعول (أطلب) محذوفاً، وتقدير الكلام: لو كان سعيي لأدنى معيشة كفاني قليل من المال ولم أطلب الملك، ومقتضى ذلك أنه طالب للملك. وهذا هو المراد، بدليل قوله بعده:

ولكنما أسعى لمجدٍ مُؤثَّل ......وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي

ومجد مؤثَّل: أي: قديم.

‌باب في ذكر منصوبات الأسماء

قوله: (المَفْعُولُ مَنْصُوبٌ وهُوَ خَمْسَةٌ: المَفْعُولُ بِهِ، وهُوَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ فِعْلُ الْفَاعِلِ كَضَرَبْتُ زَيْداً) .

ذكر ابن هشام رحمه الله في هذا الباب المفاعيل الخمسة وهي: المفعول به، والمفعول المطلق، والمفعول له، والمفعول فيه، والمفعول معه، وقدمها على غيرها من المنصوبات الأخرى؛ لأنه الأصل وغيرها محمول عليها ومشبه بها، وكلها منصوبة.

وبدأ بالمفعول به فقال: هو ما وقع عليه فعل الفاعل، كضربت زيدًا. فـ (زيدًا) مفعول به، لوقوع فعل الفاعل عليه، وهو الضرب، وهذا بخلاف بقية المفاعيل، فإن المفعول المطلق نفس فعل الفاعل، والمفعول له وقع لأجله، والمفعول فيه وقع فيه، والمفعول معه وقع معه، كما سيأتي إن شاء الله.

قوله: (وَمِنْهُ المُنَادَى، وإنَّمَا يُنْصَبُ مُضَافاً كَيَا عَبْدَ الله أَوْ شَبِيهاً بِالمُضَافِ كَيَا حَسَناً وَجْهُهُ، ويَا طَالِعاً جَبَلاً، وَيَا رَفِيقاً بِالْعِبَادِ، أَوْ نَكِرَةً غَيْرَ مَقْصُودَةٍ، كَقَوْلِ الأعْمَى: يَا رَجُلاً خُذْ بَيدِي) .

ص: 167

من أنواع المفعول به: المنادى، وله أحكام تخصه؛ فلهذا أفرده بالذكر، وبيان كونه مفعولاً به أن قولك: يا عبدَ الله. أصله: أدعو عبدَ الله، فحُذِفَ الفعل، وأُنيب (يا) عنه.

والمنادى: هو المطلوب إقباله بحرف نائب مناب (أدعو)(1)، وهو قسمان:

1-

منادى معرب، وهو ما يظهر فيه النصب. وهو المراد هنا.

2-

منادى مبني، وهو الذي لا يظهر فيه النصب، ويأتي إن شاء الله.

فينصب المنادى لفظًا في ثلاث مسائل:

الأولى: أن يكون مضافًا، نحو: يا عبدَ الله، فـ (يا) : حرف نداء. و (عبد الله) منادى منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. وهو مضاف، ولفظ الجلالة مضاف إليه.

الثانية: أن يكون شبيهًا بالمضاف. وهو ما اتصل به شيء من تمام معناه، كما يتصل المضاف بالمضاف إليه نحو: يا مسافراً إلى مكة استفد من وقتك.

فـ (مسافرًا) منادى منصوب. وقد اتصل به شيء من تمام معناه لأننا إذا قلنا (يا مسافرًا) لم يتبين للسامع المراد كاملاً؛ لأن السفر يكون إلى بقاع شتى. فإذا قلنا: (إلى مكة) أتممنا المعنى وخصصناه كما يُخَصَّصُ المضاف بالمضاف إليه.

وهذا الذي به التمام إما أن يكون اسماً مرفوعًا بالمنادى نحو: يا ضائعًا كتابه، فـ (يا) حرف نداء (ضائعًا) منادى منصوب (كتابه) فاعل لاسم الفاعل مرفوع، والهاء مضاف إليه، ومثله: يا حسناً وجهه. فـ (وجهه) فاعل للصفة المشبهة (حسنًا) .

وإما أن يكون منصوبًا نحو: يا طالعًا جبلاً، فـ (طالعًا) منادى منصوب. وفيه ضمير مستتر هو فاعله، لأنه اسم فاعل، و (جبلاً) مفعول به منصوب لاسم الفاعل.

وإما أن يكون مجروراً كما تقدم في المثال: يا مسافراً إلى مكة، ومثله: يا رفيقًا بالعباد. فـ (بالعباد) جار ومجرور متعلق بـ (رفيقًا) .

(1) الأصل في المنادى أن يكون اسمًا لعاقل، ليتأتى إقباله. وقد ينادى اسم غير عاقل لغرض بلاغي، ومنه قوله تعالى:{وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي} .

ص: 168

المسألة الثالثة: أن يكون المنادى نكرة غير مقصودة كقول الأعمى: يا رجلا خذ بيدي، فـ (رجلاً) منادى منصوب؛ لأنه نكرة غير مقصودة، أما أنه نكرة فلأنه لا يدل على معين، وأما أنها غير مقصودة، فلأن الأعمى حين يقول: يا رجلاً، لا يوجه الخطاب إلى إنسان خاص، ولا يقصد به شخصاً دون آخر.

قوله: (والمُفَردُ المَعْرِفَةُ يُبْنَى عَلَى مَا يُرْفَعُ بِهِ كَيَا زَيْدُ ويَا زَيْدَانِ، وَيَا زَيْدُونَ، ويَا رَجُلُ لِمُعَيَّنٍ) .

هذا القسم الثاني من أقسام المنادى، وهو المنادى المبني، فيبنى بشرطين:

الأول: أن يكون مفردًا، والمراد به هنا: ما ليس مضافاً ولا شبيهاً به، فيدخل فيه المفرد والمثنى والجمع.

الثاني: أن يكون معرفة، أي: معينًا سواء كان معرفة قبل النداء وهو العلم كـ (خالد) ، أو معرفة بعد النداء بسبب الإقبال عليه، وهو النكرة المقصودة.

والمنادى في هذا القسم يبنى على ما كان يرفع به قبل النداء حالة الإعراب، ويكون في محل نصب، فإن كان يرفع بالضمة بني على الضم من غير تنوين نحو: يا هشامُ تمهل، يا رجالُ أتقنوا أعمالكم، يا فاطماتُ اتركن الغيبة، وإن كان يُرفع بالألف بني على الألف، نحو: يا عليان قوما بالواجب. يا فتيان لا تعبثا بالأزهار، وإن كان يرفع بالواو بني على الواو نحو: يا محمدون صلوا أرحامكم، خذوا جوائزكم يا فائزون. فـ (هشام) في المثال الأول منادى مبني على الضم في محل نصب؛ لأن المنادى أصله مفعول به كما تقدم. وهكذا في بقية الأمثلة، فهو مبني على ما يرفع به.

قوله: ((فَصْلٌ) وتَقُولُ يَا غُلامُ بِالثَّلاثِ وبالْيَاءِ فَتْحاً وإِسْكَاناً وبِالأَلِفِ) .

ذكر ابن هشام رحمه الله في هذا الفصل حكم المنادى المضاف إلى ياء المتكلم، والمنادى المضاف إلى مضاف إلى ياء المتكلم.

ص: 169

فأما الأول وهو المنادى المضاف إلى ياء المتكلم فلا يخلو: إما أن يكون المنادى كلمة (أب) أو (أم) أو غيرهما، فإن كان غيرهما. نحو: يا غلامي، جاز فيه ست لغات، ثلاث منها بإثبات الياء، وثلاث بحذفها، وهي كما يلي:

الأولى: إثبات الياء ساكنة، فتقول: يا غلامي، قال تعالى:{يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ} (1) ، في قراءة من أثبت الياء ساكنة وهم نافع وأبو عمرو وابن عامر من السبعة، فـ (عبادي) منادي منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة، وهو مضاف وياء المتكلم ضمير مبني على السكون في محل جر مضاف إليه.

الثانية: إثبات الياء مفتوحة فتقول: يا غلاميَ، قال تعالى:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} (2) فـ (عبادي) منادى منصوب - كما تقدم - وياء المتكلم ضمير مبني على الفتح في محل جر مضاف إليه.

الثالثة: قلب الكسرة التي قبل الياء المفتوحة فتحة، فتنقلب الياء ألفاً، لتحركها وانفتاح ما قبلها، فتقول: يا غلامَا. قال تعالى: عن يعقوب عليه السلام: {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} (3) فـ (أسفا) منادى منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. (4) وياء المتكلم المنقلبة ألفًا ضمير مبني على السكون في محل جر مضاف إليه.

وإلى هذه اللغات الثلاث أشار بقوله: (وبالياء فتحًا وإسكاناً وبالألف) .

(1) سورة الزخرف، آية:68.

(2)

سورة الزمر، آية:53.

(3)

سورة يوسف، آية:84.

(4)

أو يقال: وعلامة نصبه الفتحة المقدرة منع من ظهورها الكسرة المنقلبة فتحة لمناسبة الياء المنقلبة ألفًا. والألف المنقلبة عن الياء في محل جر مضاف إليه. فتكون الفتحة في (يا غلام) ليست فتحة إعراب وإنما هي لأجل الألف المنقلبة عن ياء المتكلم. والأول فيه تيسير وبعد عن التكلف الذي لا داعي له.

ص: 170

اللغة الرابعة: حذف الياء الساكنة وإبقاء الكسرة دليلاً عليها فتقول: يا غلامِ، قال تعالى:{يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} (1) فـ (عباد) منادى مضاف منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة للتخفيف منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة، والياء المحذوفة ضمير مبني على السكون في محل جر مضاف إليه.

اللغة الخامسة: قلب الياء ألفًا - كما تقدم - وحذف الألف وإبقاء الفتحة دليلاً عليها، فتقول: يا غلامَ. فـ (غلامَ) منادى مضاف منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، وياءُ المتكلمِ المنقلبةُ ألفًا محذوفةً مضافٌ إليه.

اللغة السادسة: حذف الياء - مع ملاحظتها في المعنى - وبناء المنادى على الضم، فيضم الحرف الذي كان مكسوراً لأجل الياء. فتقول: يا غلامُ، فـ (غلام) منادى مبني على الضم في محل نصب لانقطاعه عن الإضافة لفظًا لا معنى. (2)

وإلى هذه اللغات الثلاث أشار ابن هشام رحمه الله بقوله: (وتقول يا غلام بالثلاث) أي بالحركات الثلاث على الميم، وهي الكسرة والفتحة والضمة، من غير ياء، على ما تقدم بيانه.

وهذه اللغات الست متفاوتة، فبعضها أقوى وأكثر استعمالاً من بعض. فأفصحها وأكثرها استعمالاً حذفُ الياء اكتفاءً بالكسرة، ثم إثبات الياء ساكنة ومفتوحة، ثم قلبها ألفًا، ثم حذف الألف اكتفاء بالفتحة. وأما اللغة السادسة فهي أضعفها، ولذا أهملها بعض النحاة فلم يذكرها بين اللغات الجائزة؛ لأنها لا تخلو من لبس في تَبَيُّنِ نوعها واضطرابٍ في إعرابها.

(1) سورة الزمر، آية:16.

(2)

أو يقال: إنه يراعى أصله من ناحية أنه مضاف. فيكون منادى منصوبًا بالفتحة المقدرة منع من ظهورها الضمة التي جاءت لشبهه بالنكرة المقصودة، والمضاف إليه محذوف وهو ياء المتكلم.

ص: 171

قوله: (وَيَا أَبَتِ ويَا أُمَّتِ وابْنَ أُمَّ ويَا ابْنَ عَمَّ بِفتْحٍ وكَسْرٍ، وإلْحَاقُ الألِفِ أوِ الْيَاءِ للأَوَّلَيْنِ قبيحٌ، ولِلآخَرَيْنَ ضَعِيفٌ) .

ذكر النوع الثاني من أنواع المنادي المضاف إلى الياء، وهو أن يكون كلمة (أب) أو (أم) ، وذكر حكم المنادى المضاف إلى مضاف إلى ياء المتكلم.

فإذا كان المنادى المضاف كلمة (أب) أو (أم) جاز فيه اللغات الست السابقة ولغات أربع أخرى وهي:

1-

حذف ياء المتكلم. والإتيان بتاء التأنيث عوضاً عنها (1) مع بنائها على الكسر، وهذا هو الأكثر، نحو: يا أبتِ، يا أمَّتِ. ومنه قوله تعالى:{إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ} (2) . فقد قرأ السبعة - عدا ابن عامر - بالكسر، لتدل الكسرة على الياء المحذوفة في النداء، وأصله قبل التعويض: يا أبي، وإعرابه:(يا) حرف نداء. (أبت) منادى منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، وهو مضاف وياء المتكلم المحذوفة ضمير مبني على السكون في محل جر مضاف إليه. والتاء حرف دال على التأنيث اللفظي مبني على الكسر لا محل له.

2-

حذف الياء والإتيان بتاء التأنيث مفتوحة، نحو: يا أبتَ، ويا أمَّتَ، ومنه قراءة ابن عامر:(يا أبتَ) بالفتح. وإعرابه كما سبق غير أن التاء مبنية على الفتح.

(1) لا تكون تاء التأنيث عوضاً عن ياء المتكلم إلا في باب النداء في كلمتي (أب، أم) ، ووجود التاء فيهما يحتم أن يكون كل منهما منادى. ولا يصح استعمالهما في شيء آخر مع هذه التاء.

(2)

سورة مريم، آية:42.

ص: 172

3-

الجمع بين تاء التأنيث التي هي عوض، وألفٍ بعدها أصلها ياء المتكلم، نحو: يا أبتا، ويا أُمَّتا، فـ (أبتا) منادى منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، والتاء حرف دال على التأنيث اللفظي مبني على الفتح، والألف المنقلبة عن ياء المتكلم ضمير متصل مبني على السكون في محل جر مضاف إليه. (1)

4-

الجمع بين تاء التأنيث التي هي عوض وياء المتكلم نحو: يا أبتي، ويا أمتي، فـ (أبتي) منادى منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة (2) ، والتاء للتأنيث حرف مبني على الكسر، والياء ضمير متصل مبني على السكون في محل جر مضاف إليه.

واللغتان الأخيرتان فيهما جمع بين العوض (وهي التاء) والمعوَّض (وهو ياء المتكلم) أو بدل المعوَّض وهو (الألف)، وهذا ممنوع؛ ولهذا قال ابن هشام رحمه الله:(وإلحاق الألف أو الياء للأولين) وهما: يا أبت، ويا أمت (قبيح) لما ذكرنا، وسبيل ذلك هو الشعر على ما اختاره جماعة، واللغة الأخيرة أضعف من التي قبلها.

أما إذا كان المنادى مضافاً إلى مضاف إلى ياء المتكلم. فإنه يجب إثبات الياء مفتوحة، أو ساكنة نحو: يا ابن أخي، يا ابن خالي؛ إلا إذا كان المنادى ابن أم أو ابن عم، أو ابنة أم أو ابنة عم، ففيه وجهان:

الأول: حذف ياء المكلم وإبقاء الكسرة قبلها دليلاً عليها، وهو الأكثر، فتقول: يا ابنَ أمِّ ويا ابنَ عمِّ.

(1) من النحاة من قال إن هذه الألف في (يا أبتا) ليست منقلبة عن ياء المتكلم. وإنما هي حرف هجائي وزائد لمد الصوت، وعليه فلا إعراب لها. والتاء عوض عن الياء المحذوفة.

(2)

يلاحظ أن المنادى منصوب بفتحة ظاهرة في الصور الأربع؛ لأن تاء التأنيث توجب فتح مع قبلها دائماً. وهذا الإعراب أيسر من القول بأنه منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها الفتحة التي جاءت لمناسبة التاء. إذ لا داعي لذلك.

ص: 173

الثاني: حذف ياء المتكلم بعد قلبها ألفاً. وقلب الكسرة قبلها فتحة، فتقول: يا ابن أمَّ ويا ابن عمَّ. ومنه قوله تعالى عن هارون عليه السلام: {قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي} (1){قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي} (2) فقد قرأ ابن عامر وأبو بكر وحمزة والكسائي بكسر الميم على الوجه الأول، وقرأ الباقون بفتحها على الوجه الثاني. (3)

وإعرابه: (ابنَ أمَّ) ابن: منادى بحرف نداء مقدر، منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، وهو مضاف و (أمَّ) بالفتح مضاف إليه مجرور بكسرة مقدرة منع من ظهورها الفتحة التي جاءت لقلب الياء ألفًا. وحذفت هذه الألف للتخفيف و (أمَّ) مضاف، والياء المحذوفة المنقلبة ألفًا في محل جر مضاف إليه.

و (ابنَ أمِّ) على قراءة كسر الميم (ابن) كما تقدم و (أمِّ) مضاف إليه مجرور بالكسر الظاهرة (4) ، و (أم) مضاف والياء المحذوفة للتخفيف في محل جر مضاف إليه. (5)

وأما إثبات الياء نحو (يا ابن أمي) أو الألف المنقلبة عن الياء نحو: (يا ابن أما) فهو ضعيف.

وهذا معنى قوله: (وإلحاقهما) أي الياء والألف (للأخيرين) وهما: ابن أَمَّ، وابن عَمَّ (ضعيف) لا يكاد يوجد إلا في ضرورة الشعر.

فصل: في أحكام تابع المنادى

(1) سورة الأعراف، آية:150.

(2)

سورة طه، آية:94.

(3)

الكشف لمكي (1/478) التبصرة له (32) .

(4)

هذا أيسر من إعرابه مجرور بكسرة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة

(5)

يجوز في حالة الفتح أن يقال إن المنادى قد ركب مع ما أضيف إليه تركيباً مزجيًا وصارا معًا بمنزلة (خمسة عشر) أو غيره مما يبنى على فتح الجزأين. ويقال في إعراب (ابن أم) منادى منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها حركة البناء التركيبي. وياء المتكلم المحذوفة مضاف إليه.

ص: 174

قوله: (وَيجْرِي مَا أُفْرِدَ أَوْ أُضِيفَ مَقْروناً بِألْ من نَعْتِ المَبْنيِّ وتَأْكِيدِه وبَيَانِهِ ونَسَقِهِ المَقْرُونِ بِألْ عَلَى لَفْظِهِ أَوْ مَحَلِّهِ، ومَا أضِيفَ مُجَرَّداً عَلَى مَحَلّهِ، ونَعْتُ أيٍّ عَلَى لَفْظِهِ، والْبَدَلُ والنَّسَقُ المُجَرَّدُ كَالمُنَادَى المُسْتَقِلِّ مُطْلَقاً) .

تقدم أن المنادى قد يكون مفردًا فيبنى (1) ، وقد يكون مضافاً أو شبيهًا به، فينصب لفظه، وذكر هنا تابع المنادى المبني، وبيانه كما يلي:

1-

إذا كان المنادى مبنيًا - وهو العلم والنكرة والمقصودة - وكان تابعه نعتًا، أو توكيدًا، أو عطف بيان، أو عطف نسق مقرونًا بـ (ال) جاز في هذا التابع وجهان:

1-

الرفع مراعاة للفظ المنادى.

2-

النصب مراعاة لمحله.

بشرط أن يكون هذا التابع مفردًا عن الإضافة، أو مضافًا مقترنًا بـ (ال)، مثال النعت: يا خالدُ العاقلُ. يا صالحُ الكريمُ الأب.

ومثال التوكيد: أن تخاطب شباباً فتقول: أنتم رجال الغد يا شبابُ أجمعون أو أجمعين.

ومثال عطف البيان: يا سعيدُ كرزٌ أو كرزًا.

ومثال عطف النسق: يا خالدُ والضحاكُ. ومنه قوله تعالى: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} (2) فـ (جبال) منادى مبني على الضم في محل نصب و (الطير) بالنصب - على قراءة السبعة - معطوف على محل الجبال، والمعطوف على المنصوب منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.

(1) تقدم أن المنادى المبني في محل نصب؛ لأن أصله المفعول به. والدليل على أنه في محل نصب مجيء تابعه من نعت وغيره منصوبًا في الكلام الفصيح وليس في الجملة ما يصلح سببًا لنصبه إلا مراعاة المحل.

(2)

سورة سبأ، آية:10.

ص: 175

وهذا القسم أشار إليه بقوله (ويجري ما أفرد) أي عن الإضافة (أو ما أضيف) حالة كونه (مقروناً بال من نعت) المنادى (المبني) وهو العلم، والنكرة المقصودة (وتأكيده) (و) عطف (بيانه ونسقه) أي: عطف النسق (المقرون بأل على لفظه) أي لفظ المنادى المبني. فيرفع مراعاة للفظه (أو محله) أي: أو يجري التابع على محل المنادى فينصب.

2-

فإن كان التابع (من نعت أو توكيد أو بيان) مضافاً مجرداً من (ال) وجب نصبه مراعاة لمحل المنادى كما لو كان هو المنادى.

مثال النعت: يا خليلُ كبيرَ القوم تكلم.

ومثال التوكيد: يا شبابُ كلَّكَم أو كلَّهم (1) أنتم رجال الغد (خطابا لمعينين) .

ومثال عطف البيان: يا محمدُ أبا عبد الله، فـ (أبا) عطف بيان منصوب بالألف، وما بعده مضاف إليه.

وهذا القسم أشار إليه بقوله: (وما أضيف مجردًا على محله) أي ويجري ما أضيف من نعت أو توكيد أو بيان حالة كونه مجردًا من (ال) على محل المنادى دون لفظه فينصب فقط.

3-

وإن كان التابع نعتاً، ومنعوته المنادى هو كلمة (أي) في التذكير و (أية) في التأنيث، وجب رفعه مراعاة للفظ ذلك المنادى، كقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) } (2) وقوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) } (3) فـ (يا) حرف نداء. و (أي) منادى مبني على الضم في محل نصب و (ها) حرف تنبيه. (الإنسان) نعت لـ (أيّ) مرفوع بالضمة، و (الكافرون) نعت (لأي) مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم.

وهذا القسم أشار إليه ابن هشام رحمه الله بقوله: (ونعت (أيّ) على لفظه) أي: ويجري نعت (أي) و (أية) على لفظ هذا المنادى فيرفع فقط؛ لأنه المقصود بالنداء.

(1) القاعدة أنه إذا جيء مع تابع المنادى بضمير جاز أن يكون للغائب نظرًا للأصل، وجاز أن يكون للمخاطب لكون المنادى مخاطبًا في المعنى.

(2)

سورة الانفطار، آية:6.

(3)

سورة الكافرون، آية: 1

ص: 176

4-

وإن كان التابع بدلاً أو عطف نسق مجردًا من (ال) فإنه يعطى حكم المنادى المستقل؛ فيبنى إذا كان مفردًا معرفة، نحو: يا رجلُ زيدُ. ويا رجلُ وزيدُ. بالضم كما يبنى لو قلت: يا زيدُ.

وينصب إذا كان مضافًا أو شبيهًا به نحو: يا زيدُ أبا عبد الله، ويا عليُّ وأبا عبد الله. بنصب (أبا عبد الله) ؛ لأنه مضاف، وهو ينصب لو كان منادى نحو: يا أبا عبد الله. دون النظر إلى المتبوع.

وهذا القسم أشار إليه بقوله: (والبدل والنسق والمجرد كالمنادى المستقل مطلقًا) أي: إن البدل وعطف النسق المجرد من (ال) كالمنادى المستقل، فيبنى حيث يبنى المنادى، وينصب حيث ينصب وإن كان المتبوع خلاف ذلك، ولذا قال (مطلقًا) أي مبنيًا كان المنادى أو معربًا.

هذا كله إذا كان المنادى مبنيًا، فإن كان معربًا - وهو المنادى المنصوب، ولم يذكره ابن هشام - نُصِبَ التابع مطلقًا (1) مراعاة للفظ المتبوع.

مثال النعت: يا طالبًا مجتهدًا لا يؤثر عليك الكسالى (تقوله لغير معين) فـ (مجتهدًا) نعت منصوب.

ومثال عطف البيان: يا مسلمين أهلَ العقيدة دافعوا عن دينكم. فـ (أهل العقيدة) عطف بيان منصوب.

ومثال التوكيد: يا طلابًا كلَّكم أو كلَّهم احفظوا أوقاتكم.

ومثال البدل: يا أبا محمد خالدًا تصدق على الفقراء.

ومثال عطف النسق: يا أبا محمد وعليًا تصدقا على الفقراء.

قوله: (ولَكَ في نَحْوِ: ̄ يَا زَيْدُ زيْدَ الْيَعْمَلَاتِ ̄ فَتْحُهُمَا أَوْ ضَمُّ الأوَّلِ) .

إذا تكرر المنادي المفرد، وكان اللفظ الثاني المكرر مضافًا نحو: يا طالبُ العلم احرص على الفائدة. جاز في الأول وجهان:

(1) نعني بالإطلاق أن النصب في جميع التوابع لأن المتبوع منصوب، ومن النحاة من يرى أن البدل وعطف النسق المجرد من (أل) في حكم المنادى المستقل. ولو كان المنادى (المتبوع) منصوبًا. والرأي الأول أيسر وأقرب إلى قواعد اللغة.

ص: 177

1-

النصب على اعتبار أن هذا المنادى (الأول) مضافًا للمضاف إليه المذكور في الكلام، والاسم الثاني المكرر مقحماً بين المتضايفين (ويعرب توكيدًا لفظيًا للأول)(1) ، أو مضافًا إلى محذوف يماثل المذكور، وأصل الكلام: يا طالبَ العلِم طالبَ العلم. بإضافتين في الأسلوب الواحد، ويكون الاسم الثاني منصوبًا على أنه توكيد لفظي أو بدل أو عطف بيان أو مفعولاً به لفعل محذوف أو منادى بحرف نداء محذوف.

2-

بناء الأول على الضم؛ لأنه مفرد معرفة (بالقصد والإقبال) في محل نصب. ويكون الثاني حينئذ توكيدًا لفظيًا أو بدلاً أو عطف بيان مراعى في الثلاثة محل المتبوع - لأنه في محل نصب كما ذكرنا - أو يكون منادى سقط منه حرف النداء، أو مفعولاً به لفعل محذوف، وبهذا تبين أن الثاني واجب النصب، والوجهان في الأول، ومن ذلك ما أشار إليه ابن هشام رحمه الله من قول الشاعر:

(1)

يا زيدُ زيدَ اليعملات الذُّبَّلِ.........تطاول الليل عليك فانزلِ (2)

(1) وعلى هذا فيصح الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالتوكيد اللفظي. واغتفر ذلك لاتحاده بالأول لفظًا ومعنى. وقد أشار لذلك الشيخ يس في حاشيته على شرح الفاكهي على القطر (2/107) .

(2)

اليعملات: جمع يعملة. بياء مفتوحة بعدها عين ساكنة، وهي الناقة القوية على العمل والجمل يعمل، قال في القاموس: ولا يوصف بهما إنما هما اسمان. الذبل: جميع ذابل أي: ضامرة من طول السفر. فانزل: أي انزل عن راحلتك واحْدُ الإبل فإن الليل قد طال وحدث للإبل الكلال فنشطها بالحداء وأزل عنها الإعياء.

إعرابه: يا زيد: يا: حرف نداء. زيد: بالضم منادي مبني على الضم في محل نصب لأنه مفرد علم. وزيد: بالنصب. منادى منصوب لأنه مضاف - كما ذكرنا في الشرح - (زيد اليعملات) بالنصب ليس إلا، ونصبه على الأوجه المذكورة. الذبل: صفة مجرورة: تطاول: فعل ماض مبني على الفتح (الليل) فاعل. (عليك) جار ومجرور متعلق بالفعل قبله (فانزل) الفاء استئنافية. و (انزل) فعل أمر مبني على السكون، وحرك بالكسر لأجل الروي، والفاعل ضمير مستتر وجوبًا وتقديره (أنت) .

ص: 178

فصل في ترخيم المنادى

قوله: (وَيَجُوزُ تَرْخِيمُ المُنَادَى المَعْرفَةِ، وهَوُ حَذُفُ آخِرِهِ تَخْفِيفاً، فَذُو التَّاءِ مَطْلَقًا كـ (يَا طَلْحُ، وَيَا ثُبُ)

من أحكام المنادى: الترخيم. وهو: حذف آخره تخفيفاً على وجه مخصوص، فتقول: يا حارِ، في نداء: حارث، وفي نداء طفلة اسمها (عَزَّة) : يا عَزَّ.

وقوله: (حَذفُ آخره) أي حذف آخر المنادى. ولم يقيده بكونه حرفًا ليشمل الحرف، والحرفين، وجزء المركب، كما سيأتي.

وقوله: (تخفيفاً) أي لمجرد التخفيف، وفيه بيان أن أهم أغراض الترخيم هو التخفيف.

وشروط الترخيم: أن يكون المنادى معرفة إما بالعلمية، وإما بالقصد والإقبال (وهو النكرة المقصودة) .

والمنادى الذي يراد ترخيمه قسمان:

الأول: مقترن بتاء التأنيث.

الثاني: مجرد منها.

أما المقترن بتاء التأنيث فيجوز ترخيمه (مطلقًا) أي: سواء أكان علماً، أم نكرة مقصودة، ثلاثيًا أم أكثر.

فتقول في نداء (طلحة) : يا طلحَ (1) فـ (طلحَ) . منادى مبني على الضم على التاء المحذوفة للترخيم في محل نصب.

وتقول في نداء (عائشة) : يا عائشَ (2) ، وتقول في نداء فتاة اسمها (هِبَة) ياهِبَ، وتقول في نداء (ثُبة) وهي الجماعة: يا ثُبَ.

قوله: (وَغَيْرُهُ بِشَرْطِ ضَمْهِ وعَلَميَّتِه وَمُجَاوَزَتَهِ ثَلَاثَةَ أحْرُفٍ كَـ (يَا جَعْفُ ضَمَّا وَفَتحا) .

هذا القسم الثاني من المنادى الذي يجوز ترخيمه، وهو المجرد من تاء التأنيث، فيشترط فيه - زيادة على ما تقدم - ثلاثة شروط:

الأول: أن يكون مبنياً على الضم.

الثاني: أن يكون تعريفه بالعلمية دون غيرها.

الثالث: أن يكون متجاوزاً ثلاثة أحرف.

(1) يجوز فيه الضم: يا طلحُ - كما ذكر ابن هشام في القطر فهو منادى مبني على الضم في محل نصب. وكذا ما بعده. وسيأتي إن شاء الله ذكر ذلك.

(2)

ومنه قوله صلى الله عليه وسلم (مالك يا عائشَ) في حديث طويل رواه مسلم برقم (103)974.

ص: 179

فتقول في ترخيم (يا حارِثُ) : يا حارِ. و (يا سالِمُ) : يا سال، فإن كان غير مضموم نحو: يا عبدَ الله، أو كان معرفة بغير العلمية نحو: يا صاحبُ (لمعين) أو كان ثلاثيًا كـ (عمر) لم يجز ترخيمه.

وأشار بقوله: (كيا جعفُ ضمًا وفتحًا) إلى كيفية ضبط المنادي بعد ترخيمه وأن لضبطه طريقتين:

الأولى: قطع النظر عن المحذوف للترخيم، فيجعل الباقي كأنه اسم تام موضوع على تلك الصيغة، فيبني على الضم، فتقول في (جعفر) : يا جعفُ. وفي (سالم) : يا سالُ، وإعرابه: منادى مبني على الضم في محل نصب. وتسمى (لغة من لا ينتظر) .

الثانية: أن يلاحظ المحذوف. ويعتبر كأنه باقٍ فيبقى ما كان قبله على حركته أو سكونه قبل الحذف، ويكون البناء على الضم مقصورًا على الحرف الأخير المحذوف، كما كان قبل حذفه، فتقول في (جَعْفَرٍ) : يا جعفَ. وفي (سَالمٍ) : يا سالِ. وفي نداء (طلحة) : يا طلحَ، وتقدم إعرابه. وتسمى هذه الطريقة:(لغة من ينتظر) .

وقول ابن هشام (ضماً) إشارة إلى الطريقة الأولى. وقوله (وفتحًا) أي فتح الفاء من قوله: (يا جعف) وهي الطريقة الثانية.

قوله: (وَيُحْذَفُ مِنْ نَحْوِ سَلْمَانَ وَمَنْصُورٍ وَمِسْكِينٍ حَرْفانِ وَمِنْ نَحْوِ: مَعْدِ يَكَرِبَ الكَلِمَةُ الثَّانَيَةُ) .

المحذوف من آخر المنادى عند ترخيمه ثلاثة أقسام:

القسم الأول: حذف الحرف الأخير وحده، وهو الأغلب، وتقدم له أمثلة.

القسم الثاني: حذف الحرفين الأخيرين معًا، وشرط ذلك أن يكون المنادى علمًا مجردًا من تاء التأنيث اجتمعت فيه أربعة شروط: -

1-

أن يكون معتلا (1) .

(1) اعلم أن الواو والألف والياء. إذا وقعت ساكنة بعد حركة تجانسها (وهي الفتحة قبل الألف، والضمة قبل الواو، والكسرة قبل الياء نحو: قام يقوم يقيم) سميت حروف علة ومد ولين. فإن سكنت وقبلها حركة لا تناسبها سميت حروف علة ولين نحو: فرعون، خير. فإن تحركت فهي حروف علة فقط نحو: حَوِرَ، هَيَفَ.

ص: 180